تفسير سورة هود الصفحة 221 من القرآن الكريم

تفسير الصفحة رقم 221 من المصحف


بِسْمِ ٱللَّهِ ٱلرَّحْمَٰنِ ٱلرَّحِيمِ الٓر كِتَٰبٌ أُحْكِمَتْ ءَايَٰتُهُۥ ثُمَّ فُصِّلَتْ مِن لَّدُنْ حَكِيمٍ خَبِيرٍ (1)


يقول تعالى: هذا كِتَابٌ عظيم، ونزل كريم، أُحْكِمَتْ آيَاتُهُ أي: أتقنت وأحسنت، صادقة أخبارها، عادلة أوامرها ونواهيها، فصيحة ألفاظه بهية معانيه. ثُمَّ فُصِّلَتْ أي: ميزت وبينت بيانا في أعلى أنواع البيان، مِنْ لَدُنْ حَكِيمٍ يضع الأشياء مواضعها، وينزلها منازلها، لا يأمر ولا ينهى إلا بما تقتضيه حكمته، خَبِيرٌ مطلع على الظواهر والبواطن.

أَلَّا تَعْبُدُوٓا۟ إِلَّا ٱللَّهَ إِنَّنِى لَكُم مِّنْهُ نَذِيرٌ وَبَشِيرٌ (2)


فإذا كان إحكامه وتفصيله من عند الله الحكيم الخبير، فلا تسأل بعد هذا، عن عظمته وجلالته واشتماله على كمال الحكمة، وسعة الرحمة . وإنما أنزل الله كتابه ل أَنْ لَا تَعْبُدُوا إِلَّا اللَّهَ أي: لأجل إخلاص الدين كله لله، وأن لا يشرك به أحد من خلقه. إِنَّنِي لَكُمْ أيها الناس مِنْهُ أي: من الله ربكم نَذِيرٍ لمن تجرأ على المعاصي بعقاب الدنيا والآخرة، وَبَشِيرٌ للمطيعين لله بثواب الدنيا والآخرة.

وَأَنِ ٱسْتَغْفِرُوا۟ رَبَّكُمْ ثُمَّ تُوبُوٓا۟ إِلَيْهِ يُمَتِّعْكُم مَّتَٰعًا حَسَنًا إِلَىٰٓ أَجَلٍ مُّسَمًّى وَيُؤْتِ كُلَّ ذِى فَضْلٍ فَضْلَهُۥ وَإِن تَوَلَّوْا۟ فَإِنِّىٓ أَخَافُ عَلَيْكُمْ عَذَابَ يَوْمٍ كَبِيرٍ (3)


وَأَنِ اسْتَغْفِرُوا رَبَّكُمْ عن ما صدر منكم من الذنوب ثُمَّ تُوبُوا إِلَيْهِ فيما تستقبلون من أعماركم، بالرجوع إليه، بالإنابة والرجوع عما يكرهه الله إلى ما يحبه ويرضاه.ثم ذكر ما يترتب على الاستغفار والتوبة فقال: يُمَتِّعْكُمْ مَتَاعًا حَسَنًا أي: يعطيكم من رزقه، ما تتمتعون به وتنتفعون. إِلَى أَجَلٍ مُسَمًّى أي: إلى وقت وفاتكم وَيُؤْتِ منكم كُلَّ ذِي فَضْلٍ فَضْلَهُ أي: يعطي أهل الإحسان والبر من فضله وبره، ما هو جزاء لإحسانهم، من حصول ما يحبون، ودفع ما يكرهون. وَإِنْ تَوَلَّوْا عن ما دعوتكم إليه، بل أعرضتم عنه، وربما كذبتم به فَإِنِّي أَخَافُ عَلَيْكُمْ عَذَابَ يَوْمٍ كَبِيرٍ وهو يوم القيامة الذي يجمع الله فيه الأولين والآخرين، فيجازيهم بأعمالهم، إن خيرا فخير، وإن شرا فشر

إِلَى ٱللَّهِ مَرْجِعُكُمْ وَهُوَ عَلَىٰ كُلِّ شَىْءٍ قَدِيرٌ (4)


وفي قوله: وَهُوَ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ كالدليل على إحياء الله الموتى، فإنه قدير على كل شيء ، ومن جملة الأشياء إحياء الموتى، وقد أخبر بذلك وهو أصدق القائلين، فيجب وقوع ذلك عقلا ونقلا.

أَلَآ إِنَّهُمْ يَثْنُونَ صُدُورَهُمْ لِيَسْتَخْفُوا۟ مِنْهُ أَلَا حِينَ يَسْتَغْشُونَ ثِيَابَهُمْ يَعْلَمُ مَا يُسِرُّونَ وَمَا يُعْلِنُونَ إِنَّهُۥ عَلِيمٌۢ بِذَاتِ ٱلصُّدُورِ (5)


يخبر تعالى عن جهل المشركين، وشدة ضلالهم، أنهم يَثْنُونَ صُدُورَهُمْ أي: يميلونها لِيَسْتَخْفُوا من الله، فتقع صدورهم حاجبة لعلم الله بأحوالهم، وبصره لهيئاتهم.قال تعالى -مبينا خطأهم في هذا الظن- أَلَا حِينَ يَسْتَغْشُونَ ثِيَابَهُمْ أي: يتغطون بها، يعلمهم في تلك الحال، التي هي من أخفى الأشياء.بل يَعْلَمُ مَا يُسِرُّونَ من الأقوال والأفعال وَمَا يُعْلِنُونَ منها، بل ما هو أبلغ من ذلك، وهو: إِنَّهُ عَلِيمٌ بِذَاتِ الصُّدُورِ أي: بما فيها من الإرادات، والوساوس، والأفكار، التي لم ينطقوا بها، سرا ولا جهرا، فكيف تخفى عليه حالكم، إذا ثنيتم صدوركم لتستخفوا منه.ويحتمل أن المعنى في هذا أن الله يذكر إعراض المكذبين للرسول الغافلين عن دعوته، أنهم -من شدة إعراضهم- يثنون صدورهم، أي: يحدودبون حين يرون الرسول صلى الله عليه وسلم لئلا يراهم ويسمعهم دعوته، ويعظهم بما ينفعهم، فهل فوق هذا الإعراض شيء؟"ثم توعدهم بعلمه تعالى بجميع أحوالهم، وأنهم لا يخفون عليه، وسيجازيهم بصنيعهم.

الصفحة التالية