تفسير سورة يوسف الصفحة 235 من القرآن الكريم

تفسير الصفحة رقم 235 من المصحف


بِسْمِ ٱللَّهِ ٱلرَّحْمَٰنِ ٱلرَّحِيمِ الٓر تِلْكَ ءَايَٰتُ ٱلْكِتَٰبِ ٱلْمُبِينِ (1)


يخبر تعالى أن آيات القرآن هي آيَاتُ الْكِتَابِ الْمُبِينِ ْ أي: البين الواضحة ألفاظه ومعانيه.

إِنَّآ أَنزَلْنَٰهُ قُرْءَٰنًا عَرَبِيًّا لَّعَلَّكُمْ تَعْقِلُونَ (2)


ومن بيانه وإيضاحه: أنه أنزله باللسان العربي، أشرف الألسنة، وأبينها، [المبين لكل ما يحتاجه الناس من الحقائق النافعة ] وكل هذا الإيضاح والتبيين لَعَلَّكُمْ تَعْقِلُونَ ْ أي: لتعقلوا حدوده وأصوله وفروعه، وأوامره ونواهيه.فإذا عقلتم ذلك بإيقانكم واتصفت قلوبكم بمعرفتها، أثمر ذلك عمل الجوارح والانقياد إليه، و لَعَلَّكُمْ تَعْقِلُونَ ْ أي: تزداد عقولكم بتكرر المعاني الشريفة العالية، على أذهانكم،. فتنتقلون من حال إلى أحوال أعلى منها وأكمل.

نَحْنُ نَقُصُّ عَلَيْكَ أَحْسَنَ ٱلْقَصَصِ بِمَآ أَوْحَيْنَآ إِلَيْكَ هَٰذَا ٱلْقُرْءَانَ وَإِن كُنتَ مِن قَبْلِهِۦ لَمِنَ ٱلْغَٰفِلِينَ (3)


نَحْنُ نَقُصُّ عَلَيْكَ أَحْسَنَ الْقَصَصِ ْ وذلك لصدقها وسلاسة عبارتها ورونق معانيها، بِمَا أَوْحَيْنَا إِلَيْكَ هَذَا الْقُرْآنَ ْ أي: بما اشتمل عليه هذا القرآن الذي أوحيناه إليك، وفضلناك به على سائر الأنبياء، وذاك محض منَّة من الله وإحسان. وَإِنْ كُنْتَ مِنْ قَبْلِهِ لَمِنَ الْغَافِلِينَ ْ أي: ما كنت تدري ما الكتاب ولا الإيمان قبل أن يوحي الله إليك، ولكن جعلناه نورا نهدي به من نشاء من عبادنا.ولما مدح ما اشتمل عليه هذا القرآن من القصص، وأنها أحسن القصص على الإطلاق، فلا يوجد من القصص في شيء من الكتب مثل هذا القرآن، ذكر قصه يوسف، وأبيه وإخوته، القصة العجيبة الحسنة

إِذْ قَالَ يُوسُفُ لِأَبِيهِ يَٰٓأَبَتِ إِنِّى رَأَيْتُ أَحَدَ عَشَرَ كَوْكَبًا وَٱلشَّمْسَ وَٱلْقَمَرَ رَأَيْتُهُمْ لِى سَٰجِدِينَ (4)


واعلم أن الله ذكر أنه يقص على رسوله أحسن القصص في هذا الكتاب، ثم ذكر هذه القصة وبسطها، وذكر ما جرى فيها، فعلم بذلك أنها قصة تامة كاملة حسنة، فمن أراد أن يكملها أو يحسنها بما يذكر في الإسرائيليات التي لا يعرف لها سند ولا ناقل وأغلبها كذب، فهو مستدرك على الله، ومكمل لشيء يزعم أنه ناقص، وحسبك بأمر ينتهي إلى هذا الحد قبحا، فإن تضاعيف هذه السورة قد ملئت في كثير من التفاسير، من الأكاذيب والأمور الشنيعة المناقضة لما قصه الله تعالى بشيء كثير.فعلى العبد أن يفهم عن الله ما قصه، ويدع ما سوى ذلك مما ليس عن النبي صلى الله عليه وسلم ينقل.فقوله تعالى: إِذْ قَالَ يُوسُفُ لِأَبِيهِ ْ يعقوب بن إسحاق بن إبراهيم الخليل عليهم الصلاة والسلام: يَا أَبَتِ إِنِّي رَأَيْتُ أَحَدَ عَشَرَ كَوْكَبًا وَالشَّمْسَ وَالْقَمَرَ رَأَيْتُهُمْ لِي سَاجِدِينَ ْ فكانت هذه الرؤيا مقدمة لما وصل إليه يوسف عليه السلام من الارتفاع في الدنيا والآخرة.وهكذا إذا أراد الله أمرا من الأمور العظام قدم بين يديه مقدمة، توطئة له، وتسهيلا لأمره، واستعدادا لما يرد على العبد من المشاق، لطفا بعبده، وإحسانا إليه، فأوَّلها يعقوب بأن الشمس: أمه، والقمر: أبوه، والكواكب: إخوته، وأنه ستنتقل به الأحوال إلى أن يصير إلى حال يخضعون له، ويسجدون له إكراما وإعظاما، وأن ذلك لا يكون إلا بأسباب تتقدمه من اجتباء الله له، واصطفائه له، وإتمام نعمته عليه بالعلم والعمل، والتمكين في الأرض.وأن هذه النعمة ستشمل آل يعقوب، الذين سجدوا له وصاروا تبعا له فيها

الصفحة التالية