تفسير سورة النبأ الصفحة 582 من القرآن الكريم

تفسير الصفحة رقم 582 من المصحف


بِسْمِ ٱللَّهِ ٱلرَّحْمَٰنِ ٱلرَّحِيمِ عَمَّ يَتَسَآءَلُونَ (1)


أي: عن أي شيء يتساءل المكذبون بآيات الله؟

عَنِ ٱلنَّبَإِ ٱلْعَظِيمِ (2)


ثم بين ما يتساءلون عنه فقال: عَنِ النَّبَإِ الْعَظِيمِ]

ٱلَّذِى هُمْ فِيهِ مُخْتَلِفُونَ (3)


[الَّذِي هُمْ فِيهِ مُخْتَلِفُونَ أي: عن الخبر العظيم الذي طال فيه نزاعهم، وانتشر فيه خلافهم على وجه التكذيب والاستبعاد، وهو النبأ الذي لا يقبل الشك ولا يدخله الريب، ولكن المكذبون بلقاء ربهم لا يؤمنون، ولو جاءتهم كل آية حتى يروا العذاب الأليم.

كَلَّا سَيَعْلَمُونَ (4)


كَلَّا سَيَعْلَمُونَ ثُمَّ كَلَّا سَيَعْلَمُونَ أي: سيعلمون إذا نزل بهم العذاب ما كانوا به يكذبون، حين يدعون إلى نار جهنم دعا، ويقال لهم: هَذِهِ النَّارُ الَّتِي كُنْتُمْ بِهَا تُكَذِّبُونَ

ثُمَّ كَلَّا سَيَعْلَمُونَ (5)


كَلَّا سَيَعْلَمُونَ ثُمَّ كَلَّا سَيَعْلَمُونَ أي: سيعلمون إذا نزل بهم العذاب ما كانوا به يكذبون، حين يدعون إلى نار جهنم دعا، ويقال لهم: هَذِهِ النَّارُ الَّتِي كُنْتُمْ بِهَا تُكَذِّبُونَ

أَلَمْ نَجْعَلِ ٱلْأَرْضَ مِهَٰدًا (6)


أي: أما أنعمنا عليكم بنعم جليلة، فجعلنا لكم الْأَرْضَ مِهَادًا أي: ممهدة مهيأة لكم ولمصالحكم، من الحروث والمساكن والسبل.

وَٱلْجِبَالَ أَوْتَادًا (7)


وَالْجِبَالَ أَوْتَادًا تمسك الأرض لئلا تضطرب بكم وتميد.

وَخَلَقْنَٰكُمْ أَزْوَٰجًا (8)


وَخَلَقْنَاكُمْ أَزْوَاجًا أي: ذكورا وإناثا من جنس واحد، ليسكن كل منهما إلى الآخر، فتكون المودة والرحمة، وتنشأ عنهما الذرية، وفي ضمن هذا الامتنان، بلذة المنكح.

وَجَعَلْنَا نَوْمَكُمْ سُبَاتًا (9)


وَجَعَلْنَا نَوْمَكُمْ سُبَاتًا أي: راحة لكم، وقطعا لأشغالكم، التي متى تمادت بكم أضرت بأبدانكم،

وَجَعَلْنَا ٱلَّيْلَ لِبَاسًا (10)


فجعل الله الليل والنوم يغشى الناس لتنقطع حركاتهم الضارة، وتحصل راحتهم النافعة.

وَجَعَلْنَا ٱلنَّهَارَ مَعَاشًا (11)


وَجَعَلْنَا النَّهَارَ مَعَاشًا

وَبَنَيْنَا فَوْقَكُمْ سَبْعًا شِدَادًا (12)


وَبَنَيْنَا فَوْقَكُمْ سَبْعًا شِدَادًا أي: سبع سموات، في غاية القوة، والصلابة والشدة، وقد أمسكها الله بقدرته، وجعلها سقفا للأرض، فيها عدة منافع لهم، ولهذا ذكر من منافعها الشمس فقال: وَجَعَلْنَا سِرَاجًا وَهَّاجًا

وَجَعَلْنَا سِرَاجًا وَهَّاجًا (13)


نبه بالسراج على النعمة بنورها، الذي صار كالضرورة للخلق، وبالوهاج الذي فيه الحرارة على حرارتها وما فيها من المصالح

وَأَنزَلْنَا مِنَ ٱلْمُعْصِرَٰتِ مَآءً ثَجَّاجًا (14)


وَأَنْزَلْنَا مِنَ الْمُعْصِرَاتِ أي: السحاب مَاءً ثَجَّاجًا أي: كثيرا جدا.

لِّنُخْرِجَ بِهِۦ حَبًّا وَنَبَاتًا (15)


لِنُخْرِجَ بِهِ حَبًّا من بر وشعير وذرة وأرز، وغير ذلك مما يأكله الآدميون. وَنَبَاتًا يشمل سائر النبات، الذي جعله الله قوتا لمواشيهم.

وَجَنَّٰتٍ أَلْفَافًا (16)


وَجَنَّاتٍ أَلْفَافًا أي: بساتين ملتفة، فيها من جميع أصناف الفواكه اللذيذة.فالذي أنعم عليكم بهذه النعم العظيمة ، التي لا يقدر قدرها، ولا يحصى عددها، كيف [تكفرون به و] تكذبون ما أخبركم به من البعث والنشور؟! أم كيف تستعينون بنعمه على معاصيه وتجحدونها؟"

إِنَّ يَوْمَ ٱلْفَصْلِ كَانَ مِيقَٰتًا (17)


ذكر تعالى ما يكون في يوم القيامة الذي يتساءل عنه المكذبون، ويجحده المعاندون، أنه يوم عظيم، وأن الله جعله مِيقَاتًا للخلق.

يَوْمَ يُنفَخُ فِى ٱلصُّورِ فَتَأْتُونَ أَفْوَاجًا (18)


يُنْفَخُ فِي الصُّورِ فَتَأْتُونَ أَفْوَاجًا ويجري فيه من الزعازع والقلاقل ما يشيب له الوليد، وتنزعج له القلوب،

وَفُتِحَتِ ٱلسَّمَآءُ فَكَانَتْ أَبْوَٰبًا (19)


وتشقق السماء حتى تكون أبوابا

وَسُيِّرَتِ ٱلْجِبَالُ فَكَانَتْ سَرَابًا (20)


فتسير الجبال، حتى تكون كالهباء المبثوث، ، ويفصل الله بين الخلائق بحمكه الذي لا يجور،

إِنَّ جَهَنَّمَ كَانَتْ مِرْصَادًا (21)


وتوقد نار جهنم التي أرصدها الله وأعدها للطاغين، وجعلها مثوى لهم ومآبا

لِّلطَّٰغِينَ مَـَٔابًا (22)


وتوقد نار جهنم التي أرصدها الله وأعدها للطاغين، وجعلها مثوى لهم ومآبا ،

لَّٰبِثِينَ فِيهَآ أَحْقَابًا (23)


وأنهم يلبثون فيها أحقابا كثيرة و الحقب على ما قاله كثير من المفسرين: ثمانون سنة.

لَّا يَذُوقُونَ فِيهَا بَرْدًا وَلَا شَرَابًا (24)


وهم إذا وردوها لَا يَذُوقُونَ فِيهَا بَرْدًا وَلَا شَرَابًا أي: لا ما يبرد جلودهم، ولا ما يدفع ظمأهم.

إِلَّا حَمِيمًا وَغَسَّاقًا (25)


إِلَّا حَمِيمًا أي: ماء حارا، يشوي وجوههم، ويقطع أمعاءهم، وَغَسَّاقًا وهو: صديد أهل النار، الذي هو في غاية النتن، وكراهة المذاق،

جَزَآءً وِفَاقًا (26)


استحقوا هذه العقوبات الفظيعة جزاء لهم ووفاقا على ما عملوا من الأعمال الموصلة إليها، لم يظلمهم الله، ولكن ظلموا أنفسهم،

إِنَّهُمْ كَانُوا۟ لَا يَرْجُونَ حِسَابًا (27)


وذكر أعمالهم، التي استحقوا بها هذا الجزاء، فقال: إِنَّهُمْ كَانُوا لَا يَرْجُونَ حِسَابًا أي: لا يؤمنون بالبعث، ولا أن الله يجازي الخلق بالخير والشر، فلذلك أهملوا العمل للآخرة.

وَكَذَّبُوا۟ بِـَٔايَٰتِنَا كِذَّابًا (28)


وَكَذَّبُوا بِآيَاتِنَا كِذَّابًا أي: كذبوا بها تكذيبا واضحا صريحا وجاءتهم البينات فعاندوها.

وَكُلَّ شَىْءٍ أَحْصَيْنَٰهُ كِتَٰبًا (29)


وَكُلُّ شَيْءٍ من قليل وكثير، وخير وشر أَحْصَيْنَاهُ كِتَابًا أي: كتبناه في اللوح المحفوظ، فلا يخشى المجرمون أنا عذبناهم بذنوب لم يعملوها، ولا يحسبوا أنه يضيع من أعمالهم شيء، أو ينسى منها مثقال ذرة، كما قال تعالى: وَوُضِعَ الْكِتَابُ فَتَرَى الْمُجْرِمِينَ مُشْفِقِينَ مِمَّا فِيهِ وَيَقُولُونَ يَا وَيْلَتَنَا مَالِ هَذَا الْكِتَابِ لَا يُغَادِرُ صَغِيرَةً وَلَا كَبِيرَةً إِلَّا أَحْصَاهَا وَوَجَدُوا مَا عَمِلُوا حَاضِرًا وَلَا يَظْلِمُ رَبُّكَ أَحَدًا

فَذُوقُوا۟ فَلَن نَّزِيدَكُمْ إِلَّا عَذَابًا (30)


فَذُوقُوا أيها المكذبون هذا العذاب الأليم والخزي الدائم فَلَنْ نَزِيدَكُمْ إِلَّا عَذَابًا وكل وقت وحين يزداد عذابهم [وهذه الآية أشد الآيات في شدة عذاب أهل النار أجارنا الله منها].

الصفحة التالية