تفسير سورة البلد الصفحة 594 من القرآن الكريم

تفسير الصفحة رقم 594 من المصحف


بِسْمِ ٱللَّهِ ٱلرَّحْمَٰنِ ٱلرَّحِيمِ لَآ أُقْسِمُ بِهَٰذَا ٱلْبَلَدِ (1)


يقسم تعالى بِهَذَا الْبَلَدِ الأمين، الذي هو مكة المكرمة، أفضل البلدان على الإطلاق، خصوصًا وقت حلول الرسول صلى الله عليه وسلم فيها.

وَأَنتَ حِلٌّۢ بِهَٰذَا ٱلْبَلَدِ (2)


وَأَنتَ حِلٌّ بِهَٰذَا الْبَلَدِ

وَوَالِدٍ وَمَا وَلَدَ (3)


وَوَالِدٍ وَمَا وَلَدَ أي: آدم وذريته.

لَقَدْ خَلَقْنَا ٱلْإِنسَٰنَ فِى كَبَدٍ (4)


والمقسم عليه قوله: لَقَدْ خَلَقْنَا الْإِنْسَانَ فِي كَبَدٍ يحتمل أن المراد بذلك ما يكابده ويقاسيه من الشدائد في الدنيا، وفي البرزخ، ويوم يقوم الأشهاد، وأنه ينبغي له أن يسعى في عمل يريحه من هذه الشدائد، ويوجب له الفرح والسرور الدائم.وإن لم يفعل، فإنه لا يزال يكابد العذاب الشديد أبد الآباد.ويحتمل أن المعنى: لقد خلقنا الإنسان في أحسن تقويم، وأقوم خلقة، مقدر على التصرف والأعمال الشديدة، ومع ذلك، [فإنه] لم يشكر الله على هذه النعمة [العظيمة]، بل بطر بالعافية وتجبر على خالقه، فحسب بجهله وظلمه أن هذه الحال ستدوم له، وأن سلطان تصرفه لا ينعزل،

أَيَحْسَبُ أَن لَّن يَقْدِرَ عَلَيْهِ أَحَدٌ (5)


أَيَحْسَبُ أَنْ لَنْ يَقْدِرَ عَلَيْهِ أَحَدٌ ويطغى ويفتخر بما أنفق من الأموال على شهوات نفسه.

يَقُولُ أَهْلَكْتُ مَالًا لُّبَدًا (6)


ف يَقُولُ أَهْلَكْتُ مَالًا لُبَدًا أي: كثيًرا، بعضه فوق بعض.وسمى الله تعالى الإنفاق في الشهوات والمعاصي إهلاكًا، لأنه لا ينتفع المنفق بما أنفق، ولا يعود عليه من إنفاقه إلا الندم والخسار والتعب والقلة، لا كمن أنفق في مرضاة الله في سبيل الخير، فإن هذا قد تاجر مع الله، وربح أضعاف أضعاف ما أنفق.

أَيَحْسَبُ أَن لَّمْ يَرَهُۥٓ أَحَدٌ (7)


قال الله متوعدًا هذا الذي يفتخر بما أنفق في الشهوات: أَيَحْسَبُ أَنْ لَمْ يَرَهُ أَحَدٌ أي: أيحسب في فعله هذا، أن الله لا يراه ويحاسبه على الصغير والكبير؟بل قد رآه الله، وحفظ عليه أعماله، ووكل به الكرام الكاتبين، لكل ما عمله من خير وشر.

أَلَمْ نَجْعَل لَّهُۥ عَيْنَيْنِ (8)


ثم قرره بنعمه، فقال: أَلَمْ نَجْعَلْ لَهُ عَيْنَيْنِ وَلِسَانًا وَشَفَتَيْنِ للجمال والبصر والنطق، وغير ذلك من المنافع الضرورية فيها، فهذه نعم الدنيا.

وَلِسَانًا وَشَفَتَيْنِ (9)


ثم قرره بنعمه، فقال: أَلَمْ نَجْعَلْ لَهُ عَيْنَيْنِ وَلِسَانًا وَشَفَتَيْنِ للجمال والبصر والنطق، وغير ذلك من المنافع الضرورية فيها، فهذه نعم الدنيا.

وَهَدَيْنَٰهُ ٱلنَّجْدَيْنِ (10)


ثم قال في نعم الدين: وَهَدَيْنَاهُ النَّجْدَيْن أي: طريقي الخير والشر، بينا له الهدى من الضلال، والرشد من الغي.فهذه المنن الجزيلة، تقتضي من العبد أن يقوم بحقوق الله، ويشكر الله على نعمه، وأن لا يستعين بها على معاصيه ، ولكن هذا الإنسان لم يفعل ذلك.

فَلَا ٱقْتَحَمَ ٱلْعَقَبَةَ (11)


فَلَا اقْتَحَمَ الْعَقَبَةَ أي: لم يقتحمها ويعبر عليها، لأنه متبع لشهواته .

وَمَآ أَدْرَىٰكَ مَا ٱلْعَقَبَةُ (12)


وَمَا أَدْرَاكَ مَا الْعَقَبَةُ

فَكُّ رَقَبَةٍ (13)


وهذه العقبة شديدة عليه، ثم فسر [هذه] العقبة فَكُّ رَقَبَةٍ أي: فكها من الرق، بعتقها أو مساعدتها على أداء كتابتها، ومن باب أولى فكاك الأسير المسلم عند الكفار.

أَوْ إِطْعَٰمٌ فِى يَوْمٍ ذِى مَسْغَبَةٍ (14)


أَوْ إِطْعَامٌ فِي يَوْمٍ ذِي مَسْغَبَةٍ أي: مجاعة شديدة، بأن يطعم وقت الحاجة أشد الناس حاجة.

يَتِيمًا ذَا مَقْرَبَةٍ (15)


يَتِيمًا ذَا مَقْرَبَةٍ أي: جامعًا بين كونه يتيمًا، فقيرًا ذا قرابة.

أَوْ مِسْكِينًا ذَا مَتْرَبَةٍ (16)


أَوْ مِسْكِينًا ذَا مَتْرَبَةٍ أي: قد لزق بالتراب من الحاجة والضرورة.

ثُمَّ كَانَ مِنَ ٱلَّذِينَ ءَامَنُوا۟ وَتَوَاصَوْا۟ بِٱلصَّبْرِ وَتَوَاصَوْا۟ بِٱلْمَرْحَمَةِ (17)


ثُمَّ كَانَ مِنَ الَّذِينَ آمَنُوا أي: آمنوا بقلوبهم بما يجب الإيمان به، وعملوا الصالحات بجوارحهم. من كل قول وفعل واجب أو مستحب. وَتَوَاصَوْا بِالصَّبْرِ على طاعة الله وعن معصيته، وعلى أقدار المؤلمة بأن يحث بعضهم بعضًا على الانقياد لذلك، والإتيان به كاملًا منشرحًا به الصدر، مطمئنة به النفس. وَتَوَاصَوْا بِالْمَرْحَمَةِ للخلق، من إعطاء محتاجهم، وتعليم جاهلهم، والقيام بما يحتاجون إليه من جميع الوجوه، ومساعدتهم على المصالح الدينية والدنيوية، وأن يحب لهم ما يحب لنفسه، ويكره لهم ما يكره لنفسه.

أُو۟لَٰٓئِكَ أَصْحَٰبُ ٱلْمَيْمَنَةِ (18)


أولئك الذين قاموا بهذه الأوصاف، الذين وفقهم الله لاقتحام هذه العقبة أُولَئِكَ أَصْحَابُ الْمَيْمَنَةِ لأنهم أدوا ما أمر الله به من حقوقه وحقوق عباده، وتركوا ما نهوا عنه، وهذا عنوان السعادة وعلامتها.

وَٱلَّذِينَ كَفَرُوا۟ بِـَٔايَٰتِنَا هُمْ أَصْحَٰبُ ٱلْمَشْـَٔمَةِ (19)


وَالَّذِينَ كَفَرُوا بِآيَاتِنَا بأن نبذوا هذه الأمور وراء ظهورهم، فلم يصدقوا بالله، [ولا آمنوا به]، ولا عملوا صالحًا، ولا رحموا عباد الله، والذين كفروا بآياتنا همْ أَصْحَابُ الْمَشْئَمَة

عَلَيْهِمْ نَارٌ مُّؤْصَدَةٌۢ (20)


[عَلَيْهِمْ نَارٌ مُؤْصَدَةٌ أي: مغلقة، في عمد ممددة، قد مدت من ورائها، لئلا تنفتح أبوابها، حتى يكونوا في ضيق وهم وشدة [والحمد لله].