تفسير سورة الكهف الصفحة 302 من القرآن الكريم

تفسير الصفحة رقم 302 من المصحف


قَالَ أَلَمْ أَقُل لَّكَ إِنَّكَ لَن تَسْتَطِيعَ مَعِىَ صَبْرًا (75)


" قال ألم أقل لك إنك لن تستطيع معي صبرا " فأكد أيضًا وفي التذكار بالشرط الأول.

قَالَ إِن سَأَلْتُكَ عَن شَىْءٍۭ بَعْدَهَا فَلَا تُصَٰحِبْنِى قَدْ بَلَغْتَ مِن لَّدُنِّى عُذْرًا (76)


فلهذا قال له موسى : ( إن سألتك عن شيء بعدها ) أي : إن اعترضت عليك بشيء بعد هذه المرة ( فلا تصاحبني قد بلغت من لدني عذرا ) أي : قد أعذرت إلي مرة بعد مرة .قال ابن جرير : حدثنا عبد الله بن زياد ، حدثنا حجاج بن محمد ، عن حمزة الزيات ، عن أبي إسحاق ، عن سعيد بن جبير ، عن ابن عباس ، عن أبي بن كعب قال : كان النبي صلى الله عليه وسلم إذا ذكر أحدا فدعا له ، بدأ بنفسه ، فقال ذات يوم : " رحمة الله علينا وعلى موسى ، لو لبث مع صاحبه لأبصر العجب ولكنه قال إن سألتك عن شيء بعدها فلا تصاحبني قد بلغت من لدني عذرا "مثقلة.

فَٱنطَلَقَا حَتَّىٰٓ إِذَآ أَتَيَآ أَهْلَ قَرْيَةٍ ٱسْتَطْعَمَآ أَهْلَهَا فَأَبَوْا۟ أَن يُضَيِّفُوهُمَا فَوَجَدَا فِيهَا جِدَارًا يُرِيدُ أَن يَنقَضَّ فَأَقَامَهُۥ قَالَ لَوْ شِئْتَ لَتَّخَذْتَ عَلَيْهِ أَجْرًا (77)


يقول تعالى مخبرا عنهما : إنهما انطلقا بعد المرتين الأوليين ( حتى إذا أتيا أهل قرية ) روى ابن جرير عن ابن سيرين أنها الأيلة وفي الحديث : " حتى إذا أتيا أهل قرية لئاما " أي بخلاء ( فأبوا أن يضيفوهما فوجدا فيها جدارا يريد أن ينقض ) إسناد الإرادة هاهنا إلى الجدار على سبيل الاستعارة ، فإن الإرادة في المحدثات بمعنى الميل . والانقضاض هو : السقوط .وقوله : ( فأقامه ) أي : فرده إلى حالة الاستقامة وقد تقدم في الحديث أنه رده بيديه ، ودعمه حتى رد ميله . وهذا خارق فعند ذلك قال موسى له ( لو شئت لاتخذت عليه أجرا ) أي : لأجل أنهم لم يضيفونا كان ينبغي ألا تعمل لهم مجانا

قَالَ هَٰذَا فِرَاقُ بَيْنِى وَبَيْنِكَ سَأُنَبِّئُكَ بِتَأْوِيلِ مَا لَمْ تَسْتَطِع عَّلَيْهِ صَبْرًا (78)


( قال هذا فراق بيني وبينك ) [ أي : لأنك شرطت عند قتل الغلام أنك إن سألتني عن شيء بعدها فلا تصاحبني ، فهو فراق بيني وبينك ] ، ( ، سأنبئك بتأويل ) أي : بتفسير ( ما لم تستطع عليه صبرا ) .

أَمَّا ٱلسَّفِينَةُ فَكَانَتْ لِمَسَٰكِينَ يَعْمَلُونَ فِى ٱلْبَحْرِ فَأَرَدتُّ أَنْ أَعِيبَهَا وَكَانَ وَرَآءَهُم مَّلِكٌ يَأْخُذُ كُلَّ سَفِينَةٍ غَصْبًا (79)


هذا تفسير ما أشكل أمره على موسى ، عليه السلام ، وما كان أنكر ظاهره وقد أظهر الله الخضر ، عليه السلام ، على باطنة فقال إن : السفينة إنما خرقتها لأعيبها ؛ [ لأنهم كانوا يمرون بها على ملك من الظلمة ) يأخذ كل سفينة ) صالحة ، أي : جيدة ) غصبا ) فأردت أن أعيبها ] لأرده عنها لعيبها ، فينتفع بها أصحابها المساكين الذين لم يكن لهم شيء ينتفعون به غيرها . وقد قيل : إنهم أيتام .و [ قد ] روى ابن جريج عن وهب بن سليمان ، عن شعيب الجبائي ؛ أن اسم ذلك الملك هدد بن بدد ، وقد تقدم أيضا في رواية البخاري ، وهو مذكور في التوراة في ذرية " العيص بن إسحاق " وهو من الملوك المنصوص عليهم في التوراة ، والله أعلم

وَأَمَّا ٱلْغُلَٰمُ فَكَانَ أَبَوَاهُ مُؤْمِنَيْنِ فَخَشِينَآ أَن يُرْهِقَهُمَا طُغْيَٰنًا وَكُفْرًا (80)


قد تقدم أن هذا الغلام كان اسمه جيسور . وفي الحديث عن ابن عباس ، عن أبي بن كعب ، عن النبي صلى الله عليه وسلم قال : " الغلام الذي قتله الخضر طبع يوم طبع كافرا " . رواه ابن جرير من حديث ابن إسحاق ، عن سعيد ، عن ابن عباس ، به ؛ ولهذا قال : ( فكان أبواه مؤمنين فخشينا أن يرهقهما طغيانا وكفرا ) أي : يحملهما حبه على متابعته على الكفر .قال قتادة : قد فرح به أبواه حين ولد ، وحزنا عليه حين قتل ، ولو بقي كان فيه هلاكهما ، فليرض امرؤ بقضاء الله ، فإن قضاء الله للمؤمن فيما يكره خير له من قضائه فيما يحب .وصح في الحديث : " لا يقضي الله للمؤمن قضاء إلا كان خيرا له " . وقال تعالى : ( وعسى أن تكرهوا شيئا وهو خير لكم ) [ البقرة : 216 ] .

فَأَرَدْنَآ أَن يُبْدِلَهُمَا رَبُّهُمَا خَيْرًا مِّنْهُ زَكَوٰةً وَأَقْرَبَ رُحْمًا (81)


وقوله [ تعالى ] ( فأردنا أن يبدلهما ربهما خيرا منه زكاة وأقرب رحما ) أي : ولدا أزكى من هذا ، وهما أرحم به منه ، قاله ابن جريج .وقال قتادة : أبر بوالديه .وقد تقدم أنهما بدلا جارية . وقيل لما قتله الخضر كانت أمه حاملا بغلام مسلم . قاله ابن جريح

وَأَمَّا ٱلْجِدَارُ فَكَانَ لِغُلَٰمَيْنِ يَتِيمَيْنِ فِى ٱلْمَدِينَةِ وَكَانَ تَحْتَهُۥ كَنزٌ لَّهُمَا وَكَانَ أَبُوهُمَا صَٰلِحًا فَأَرَادَ رَبُّكَ أَن يَبْلُغَآ أَشُدَّهُمَا وَيَسْتَخْرِجَا كَنزَهُمَا رَحْمَةً مِّن رَّبِّكَ وَمَا فَعَلْتُهُۥ عَنْ أَمْرِى ذَٰلِكَ تَأْوِيلُ مَا لَمْ تَسْطِع عَّلَيْهِ صَبْرًا (82)


في هذه الآية دليل على إطلاق القرية على المدينة; لأنه قال أولا ( حتى إذا أتيا أهل قرية ) [ الكهف : 77 ] وقال هاهنا : فكان لغلامين يتيمين في المدينة كما قال تعالى : ( وكأين من قرية هي أشد قوة من قريتك التي أخرجتك [ محمد : 13 ] ، وقالوا لولا نزل هذا القرآن على رجل من القريتين عظيم [ الزخرف : 31 ] يعني : مكة والطائف . ومعنى الآية : أن هذا الجدار إنما أصلحه لأنه كان لغلامين يتيمين في المدينة وكان تحته كنز لهما . قال عكرمة ، وقتادة ، وغير واحد : كان تحته مال مدفون لهما . وهذا ظاهر السياق من الآية ، وهو اختيار ابن جرير ، رحمه الله . وقال العوفي عن ابن عباس : كان تحته كنز علم . وكذا قال سعيد بن جبير ، وقال مجاهد : صحف فيها علم ، وقد ورد في حديث مرفوع ما يقوي ذلك ، قال الحافظ أبو بكر أحمد بن عمرو بن عبد الخالق البزار في مسنده المشهور : حدثنا إبراهيم بن سعيد الجوهري ، حدثنا بشر بن المنذر ، حدثنا الحارث بن عبد الله اليحصبي عن عياش بن عباس القتباني عن ابن حجيرة ، عن أبي ذر رضي الله عنه ، [ رفعه ] قال : " إن الكنز الذي ذكر الله في كتابه : لوح من ذهب مصمت مكتوب فيه : عجبت لمن أيقن بالقدر لم نصب ؟ وعجبت لمن ذكر النار لم ضحك ؟ وعجبت لمن ذكر الموت لم غفل؟ لا إله إلا الله ، محمد رسول الله " . بشر بن المنذر هذا يقال له : قاضي المصيصة . قال الحافظ أبو جعفر العقيلي : في حديثه وهم . وقد روي في هذا آثار عن السلف ، فقال ابن جرير في تفسيره : حدثني يعقوب ، حدثنا الحسن بن حبيب بن ندبة حدثنا سلمة ، عن نعيم العنبري - وكان من جلساء الحسن - قال : سمعت الحسن - يعني البصري - يقول في قوله : وكان تحته كنز لهما قال : لوح من ذهب مكتوب فيه : بسم الله الرحمن الرحيم ، عجبت لمن يؤمن بالقدر كيف يحزن؟ وعجبت لمن يوقن بالموت كيف يفرح؟ وعجبت لمن يعرف الدنيا وتقلبها بأهلها كيف يطمئن إليها؟ لا إله إلا الله ، محمد رسول الله . وحدثني يونس ، أخبرنا ابن وهب ، أخبرني عبد الله بن عياش عن عمر مولى غفرة قال : إن الكنز الذي قال الله في السورة التي يذكر فيها الكهف : وكان تحته كنز لهما قال : كان لوحا من ذهب مصمت مكتوبا فيه : بسم الله الرحمن الرحيم ، عجب لمن عرف النار ثم ضحك! عجب لمن أيقن بالقدر ثم نصب! عجب لمن أيقن بالموت ثم أمن! أشهد أن لا إله إلا الله ، وأشهد أن محمدا عبده ورسوله . وحدثني أحمد بن حازم الغفاري ، حدثنا هنادة بنت مالك الشيبانية قالت : سمعت صاحبي حماد بن الوليد الثقفي يقول : سمعت جعفر بن محمد يقول في قول الله تعالى وكان تحته كنز لهما قال : سطران ونصف لم يتم الثالث : عجبت للموقن بالرزق كيف يتعب وعجبت للموقن بالحساب كيف يغفل؟ وعجبت للموقن بالموت كيف يفرح؟ وقد قال تعالى : وإن كان مثقال حبة من خردل أتينا بها وكفى بنا حاسبين [ الأنبياء : 47 ] قالت : وذكر أنهما حفظا بصلاح أبيهما ، ولم يذكر منهما صلاح ، وكان بينهما وبين الأب الذي حفظا به سبعة آباء ، وكان نساجا . وهذا الذي ذكره هؤلاء الأئمة ، وورد به الحديث المتقدم وإن صح ، لا ينافي قول عكرمة : أنه كان مالا لأنهم ذكروا أنه كان لوحا من ذهب ، وفيه مال جزيل ، أكثر ما زادوا أنه كان مودعا فيه علم ، وهو حكم ومواعظ ، والله أعلم . وقوله : وكان أبوهما صالحا فيه دليل على أن الرجل الصالح يحفظ في ذريته ، وتشمل بركة عبادته لهم في الدنيا والآخرة ، بشفاعته فيهم ورفع درجتهم إلى أعلى درجة في الجنة لتقر عينه بهم ، كما جاء في القرآن ووردت السنة به . قال سعيد بن جبير عن ابن عباس : حفظا بصلاح أبيهما ، ولم يذكر لهما صلاح ، وتقدم أنه كان الأب السابع . [ فالله أعلم ] وقوله : فأراد ربك أن يبلغا أشدهما ويستخرجا كنزهما : هاهنا أسند الإرادة إلى الله تعالى; لأن بلوغهما الحلم لا يقدر عليه إلا الله; وقال في الغلام : فأردنا أن يبدلهما ربهما خيرا منه وقال في السفينة : فأردت أن أعيبها ، فالله أعلم . وقوله : رحمة من ربك وما فعلته عن أمري أي : هذا الذي فعلته في هذه الأحوال الثلاثة ، إنما هو من رحمة الله بمن ذكرنا من أصحاب السفينة ، ووالدي الغلام ، وولدي الرجل الصالح ، وما فعلته عن أمري لكني أمرت به ووقفت عليه ، وفيه دلالة لمن قال بنبوة الخضر ، عليه السلام ، مع ما تقدم من قوله : فوجدا عبدا من عبادنا آتيناه رحمة من عندنا وعلمناه من لدنا علما . وقال آخرون : كان رسولا . وقيل بل كان ملكا . نقله الماوردي في تفسيره . وذهب كثيرون إلى أنه لم يكن نبيا . بل كان وليا . فالله أعلم . وذكر ابن قتيبة في المعارف أن اسم الخضر بليا بن ملكان بن فالغ بن عامر بن شالخ بن أرفخشذ بن سام بن نوح ، عليه السلام قالوا : وكان يكنى أبا العباس ، ويلقب بالخضر ، وكان من أبناء الملوك ، ذكره النووي في تهذيب الأسماء ، وحكى هو وغيره في كونه باقيا إلى الآن ثم إلى يوم القيامة قولين ، ومال هو وابن الصلاح إلى بقائه ، وذكروا في ذلك حكايات وآثارا عن السلف وغيرهم وجاء ذكره في بعض الأحاديث . ولا يصح شيء من ذلك ، وأشهرها أحاديث التعزية وإسناده ضعيف . ورجح آخرون من المحدثين وغيرهم خلاف ذلك ، واحتجوا بقوله تعالى : وما جعلنا لبشر من قبلك الخلد [ الأنبياء : 34 ] وبقول النبي صلى الله عليه وسلم يوم بدر : " اللهم إن تهلك هذه العصابة لا تعبد في الأرض " ، وبأنه لم ينقل أنه جاء إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم [ ولا حضر عنده ، ولا قاتل معه . ولو كان حيا لكان من أتباع النبي صلى الله عليه وسلم ] وأصحابه; لأنه عليه السلام كان مبعوثا إلى جميع الثقلين : الجن والإنس ، وقد قال : " لو كان موسى وعيسى حيين ما وسعهما إلا اتباعي " وأخبر قبل موته بقليل : أنه لا يبقى ممن هو على وجه الأرض إلى مائة سنة من ليلته تلك عين تطرف ، إلى غير ذلك من الدلائل . قال الإمام أحمد : حدثنا يحيى بن آدم ، حدثنا ابن المبارك ، عن معمر ، عن همام بن منبه ، عن أبي هريرة ، رضي الله عنه ، عن النبي صلى الله عليه وسلم [ في الخضر قال ] إنما سمي " خضرا " ; لأنه جلس على فروة بيضاء ، فإذا هي تحته [ تهتز ] خضراء " . ورواه أيضا عن عبد الرزاق . وقد ثبت أيضا في صحيح البخاري ، عن همام ، عن أبي هريرة ، أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال : " إنما سمي الخضر ; لأنه جلس على فروة ، فإذا هي تهتز [ من خلفه ] خضراء " والمراد بالفروة هاهنا الحشيش اليابس ، وهو الهشيم من النبات ، قاله عبد الرزاق . وقيل : المراد بذلك وجه الأرض . وقوله : ذلك تأويل ما لم تسطع عليه صبرا أي : هذا تفسير ما ضقت به ذرعا ، ولم تصبر حتى أخبرك به ابتداء ، ولما أن فسره له وبينه ووضحه وأزال المشكل قال : [ ما لم ] تسطع وقبل ذلك كان الإشكال قويا ثقيلا فقال : سأنبئك بتأويل ما لم تستطع عليه صبرا فقابل الأثقل بالأثقل ، والأخف بالأخف ، كما قال تعالى : فما اسطاعوا أن يظهروه وهو الصعود إلى أعلاه ، وما استطاعوا له نقبا [ الكهف : 97 ] ، وهو أشق من ذلك ، فقابل كلا بما يناسبه لفظا ومعنى والله أعلم . فإن قيل : فما بال فتى موسى ذكر في أول القصة ثم لم يذكر بعد ذلك؟ فالجواب : أن المقصود بالسياق إنما هو قصة موسى مع الخضر وذكر ما كان بينهما ، وفتى موسى معه تبع ، وقد صرح في الأحاديث المتقدمة في الصحاح وغيرها أنه يوشع بن نون ، وهو الذي كان يلي بني إسرائيل بعد موسى ، عليهما السلام . وهذا يدل على ضعف ما أورده ابن جرير في تفسيره حيث قال : حدثنا ابن حميد ، حدثنا سلمة ، حدثني ابن إسحاق ، عن الحسن بن عمارة ، عن أبيه ، عن عكرمة قال : قيل لابن عباس : لم نسمع لفتى موسى بذكر من حديث وقد كان معه؟ فقال ابن عباس فيما يذكر من حديث الفتى قال : شرب الفتى من الماء [ فخلد ، فأخذه ] العالم ، فطابق به سفينة ثم أرسله في البحر ، فإنها تموج به إلى يوم القيامة; وذلك أنه لم يكن له أن يشرب منه فشرب إسناد ضعيف ، والحسن متروك ، وأبوه غير معروف . . . . "

وَيَسْـَٔلُونَكَ عَن ذِى ٱلْقَرْنَيْنِ قُلْ سَأَتْلُوا۟ عَلَيْكُم مِّنْهُ ذِكْرًا (83)


يقول تعالى لنبيه صلى الله عليه وسلم : ( ويسألونك ) يا محمد ( عن ذي القرنين ) أي : عن خبره . وقد قدمنا أنه بعث كفار مكة إلى أهل الكتاب يسألون منهم ما يمتحنون به النبي صلى الله عليه وسلم ، فقالوا : سلوه عن رجل طواف في الأرض ، وعن فتية لا يدرى ما صنعوا ، وعن الروح ، فنزلت سورة الكهف .وقد أورد ابن جرير هاهنا ، والأموي في مغازيه ، حديثا أسنده وهو ضعيف ، عن عقبة بن عامر ، أن نفرا من اليهود جاءوا يسألون النبي صلى الله عليه وسلم عن ذي القرنين ، فأخبرهم بما جاءوا له ابتداء ، فكان فيما أخبرهم به : " أنه كان شابا من الروم ، وأنه بنى الإسكندرية ، وأنه علا به ملك في السماء ، وذهب به إلى السد ، ورأى أقواما وجوههم مثل وجوه الكلاب " . وفيه طول ونكارة ، ورفعه لا يصح ، وأكثر ما فيه أنه من أخبار بني إسرائيل . والعجب أن أبا زرعة الرازي ، مع جلالة قدره ، ساقه بتمامه في كتابه دلائل النبوة ، وذلك غريب منه ، وفيه من النكارة أنه من الروم ، وإنما الذي كان من الروم الإسكندر الثاني ابن فيليبس المقدوني ، الذي تؤرخ به الروم ، فأما الأول فقد ذكره الأزرقي وغيره أنه طاف بالبيت مع إبراهيم الخليل ، عليه السلام ، أول ما بناه وآمن به واتبعه ، وكان معه الخضر ، عليه السلام ، وأما الثاني فهو ، إسكندر بن فيليبس المقدوني اليوناني ، وكان وزيره أرسطاطاليس الفيلسوف المشهور ، والله أعلم . وهو الذي تؤرخ به من مملكته ملة الروم . وقد كان قبل المسيح ، عليه السلام ، بنحو من ثلاثمائة سنة ، فأما الأول المذكور في القرآن فكان في زمن الخليل ، كما ذكره الأزرقي وغيره ، وأنه طاف مع الخليل بالبيت العتيق لما بناه إبراهيم ، عليه السلام ، وقرب إلى الله قربانا ، وقد ذكرنا طرفا من أخباره في كتاب " البداية والنهاية " ، بما فيه كفاية ولله الحمد .وقال وهب بن منبه : كان ملكا ، وإنما سمي ذا القرنين ؛ لأن صفحتي رأسه كانتا من نحاس ، قال : وقال بعض أهل الكتاب : لأنه ملك الروم وفارس . وقال بعضهم : كان في رأسه شبه القرنين ، وقال سفيان الثوري عن حبيب بن أبي ثابت ، عن أبي الطفيل قال : سئل علي ، رضي الله عنه ، عن ذي القرنين ، فقال : كان عبدا ناصح الله فناصحه ، دعا قومه إلى الله فضربوه على قرنه فمات ، فأحياه الله ، فدعا قومه إلى الله فضربوه على قرنه فمات ، فسمي ذا القرنين .وكذا رواه شعبة ، عن القاسم بن أبي بزة عن أبي الطفيل ، سمع عليا يقول ذلك .ويقال : إنه إنما سمي ذا القرنين ؛ لأنه بلغ المشارق والمغارب ، من حيث يطلع قرن الشمس ويغرب .

الصفحة السابقة الصفحة التالية