تفسير سورة فاطر الصفحة 434 من القرآن الكريم

تفسير الصفحة رقم 434 من المصحف


بِسْمِ ٱللَّهِ ٱلرَّحْمَٰنِ ٱلرَّحِيمِ ٱلْحَمْدُ لِلَّهِ فَاطِرِ ٱلسَّمَٰوَٰتِ وَٱلْأَرْضِ جَاعِلِ ٱلْمَلَٰٓئِكَةِ رُسُلًا أُو۟لِىٓ أَجْنِحَةٍ مَّثْنَىٰ وَثُلَٰثَ وَرُبَٰعَ يَزِيدُ فِى ٱلْخَلْقِ مَا يَشَآءُ إِنَّ ٱللَّهَ عَلَىٰ كُلِّ شَىْءٍ قَدِيرٌ (1)


قال سفيان الثوري ، عن إبراهيم بن مهاجر ، عن مجاهد ، عن ابن عباس قال : كنت لا أدري ما فاطر السماوات والأرض ، حتى أتاني أعرابيان يختصمان في بئر ، فقال أحدهما [ لصاحبه ] : أنا فطرتها ، أنا بدأتها . فقال ابن عباس أيضا : ( فاطر السماوات والأرض ) بديع السماوات والأرض .وقال الضحاك : كل شيء في القرآن فاطر السماوات والأرض فهو : خالق السماوات والأرض .وقوله : ( جاعل الملائكة رسلا ) أي : بينه وبين أنبيائه ، ( أولي أجنحة ) أي : يطيرون بها ليبلغوا ما أمروا به سريعا ( مثنى وثلاث ورباع ) أي : منهم من له جناحان ، ومنهم من له ثلاثة ومنهم من له أربعة ، ومنهم من له أكثر من ذلك ، كما جاء في الحديث : أن رسول الله صلى الله عليه وسلم رأى جبريل ليلة الإسراء وله ستمائة جناح ، بين كل جناحين كما بين المشرق والمغرب ; ولهذا قال : ( يزيد في الخلق ما يشاء إن الله على كل شيء قدير ) . قال السدي : يزيد في الأجنحة وخلقهم ما يشاء .وقال الزهري ، وابن جريج في قوله : ( يزيد في الخلق ما يشاء ) يعني حسن الصوت . رواه عن الزهري البخاري في الأدب ، وابن أبي حاتم في تفسيره .وقرئ في الشاذ : " يزيد في الحلق " ، بالحاء المهملة ، والله أعلم .

مَّا يَفْتَحِ ٱللَّهُ لِلنَّاسِ مِن رَّحْمَةٍ فَلَا مُمْسِكَ لَهَا وَمَا يُمْسِكْ فَلَا مُرْسِلَ لَهُۥ مِنۢ بَعْدِهِۦ وَهُوَ ٱلْعَزِيزُ ٱلْحَكِيمُ (2)


يخبر تعالى أنه ما شاء كان ، وما لم يشأ لم يكن ، وأنه لا مانع لما أعطى ، ولا معطي لما منع . قال الإمام أحمد : حدثنا علي بن عاصم ، حدثنا مغيرة ، أخبرنا عامر ، عن وراد - مولى المغيرة بن شعبة - قال : كتب معاوية إلى المغيرة بن شعبة : اكتب لي بما سمعت من رسول الله صلى الله عليه وسلم . فدعاني المغيرة فكتبت إليه : إني سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم إذا انصرف من الصلاة قال : " لا إله إلا الله ، وحده لا شريك له ، له الملك وله الحمد وهو على كل شيء قدير ، اللهم لا مانع لما أعطيت ولا معطي لما منعت ، ولا ينفع ذا الجد منك الجد " ، وسمعته ينهى عن قيل وقال ، وكثرة السؤال وإضاعة المال ، وعن وأد البنات ، وعقوق الأمهات ، ومنع وهات .وأخرجاه من طرق عن وراد به .وثبت في صحيح مسلم عن أبي سعيد الخدري ، رضي الله عنه ، أن رسول الله صلى الله عليه وسلم كان إذا رفع رأسه من الركوع يقول : " سمع الله لمن حمده ، اللهم ربنا لك الحمد ، ملء السماء والأرض وملء ما شئت من شيء بعد . اللهم أهل الثناء والمجد . أحق ما قال العبد ، وكلنا لك عبد . اللهم لا مانع لما أعطيت ، ولا معطي لما منعت ، ولا ينفع ذا الجد منك الجد " .وهذه الآية كقوله تعالى : ( وإن يمسسك الله بضر فلا كاشف له إلا هو وإن يردك بخير فلا راد لفضله ) [ يونس : 107 ] . ولهذا نظائر كثيرة .وقال الإمام مالك : كان أبو هريرة إذا مطروا يقول : مطرنا بنوء الفتح ، ثم يقرأ هذه الآية : ( ما يفتح الله للناس من رحمة فلا ممسك لها وما يمسك فلا مرسل له من بعده وهو العزيز الحكيم ) . ورواه ابن أبي حاتم ، عن يونس عن ابن وهب ، عنه .

يَٰٓأَيُّهَا ٱلنَّاسُ ٱذْكُرُوا۟ نِعْمَتَ ٱللَّهِ عَلَيْكُمْ هَلْ مِنْ خَٰلِقٍ غَيْرُ ٱللَّهِ يَرْزُقُكُم مِّنَ ٱلسَّمَآءِ وَٱلْأَرْضِ لَآ إِلَٰهَ إِلَّا هُوَ فَأَنَّىٰ تُؤْفَكُونَ (3)


ينبه تعالى عباده ويرشدهم إلى الاستدلال على توحيده في إفراد العبادة له ، كما أنه المستقل بالخلق والرزق فكذلك فليفرد بالعبادة ، ولا يشرك به غيره من الأصنام والأنداد والأوثان; ولهذا قال : ( لا إله إلا هو فأنى تؤفكون ) ، أي : فكيف تؤفكون بعد هذا البيان ، ووضوح هذا البرهان ، وأنتم بعد هذا تعبدون الأنداد والأوثان ؟

الصفحة التالية