تفسير سورة الواقعة الصفحة 536 من القرآن الكريم

تفسير الصفحة رقم 536 من المصحف


ثُمَّ إِنَّكُمْ أَيُّهَا ٱلضَّآلُّونَ ٱلْمُكَذِّبُونَ (51)


"ثم إنكم أيها الضالون المكذبون لآكلون من شجر من زقوم فمالئون منها البطون" وذلك أنهم يقبضون ويسجرون حتى يأكلوا من شجر الزقوم حتى يملأوا منها بطونهم.

لَءَاكِلُونَ مِن شَجَرٍ مِّن زَقُّومٍ (52)


"ثم إنكم أيها الضالون المكذبون لآكلون من شجر من زقوم فمالئون منها البطون" وذلك أنهم يقبضون ويسجرون حتى يأكلوا من شجر الزقوم حتى يملأوا منها بطونهم.

فَمَالِـُٔونَ مِنْهَا ٱلْبُطُونَ (53)


"ثم إنكم أيها الضالون المكذبون لآكلون من شجر من زقوم فمالئون منها البطون" وذلك أنهم يقبضون ويسجرون حتى يأكلوا من شجر الزقوم حتى يملأوا منها بطونهم.

فَشَٰرِبُونَ عَلَيْهِ مِنَ ٱلْحَمِيمِ (54)


( فشاربون عليه من الحميم فشاربون شرب الهيم ) وهي الإبل العطاش ، واحدها أهيم ، والأنثى هيماء ، ويقال : هائم وهائمة .قال ابن عباس ، ومجاهد ، وسعيد بن جبير ، وعكرمة : الهيم : الإبل العطاش الظماء .وعن عكرمة أنه قال : الهيم : الإبل المراض ، تمص الماء مصا ولا تروى .وقال السدي : الهيم : داء يأخذ الإبل فلا تروى أبدا حتى تموت ، فكذلك أهل جهنم لا يروون من الحميم أبدا .وعن خالد بن معدان : أنه كان يكره أن يشرب شرب الهيم عبة واحدة من غير أن يتنفس ثلاثا .

فَشَٰرِبُونَ شُرْبَ ٱلْهِيمِ (55)


( فشاربون عليه من الحميم فشاربون شرب الهيم ) وهي الإبل العطاش ، واحدها أهيم ، والأنثى هيماء ، ويقال : هائم وهائمة .قال ابن عباس ، ومجاهد ، وسعيد بن جبير ، وعكرمة : الهيم : الإبل العطاش الظماء .وعن عكرمة أنه قال : الهيم : الإبل المراض ، تمص الماء مصا ولا تروى .وقال السدي : الهيم : داء يأخذ الإبل فلا تروى أبدا حتى تموت ، فكذلك أهل جهنم لا يروون من الحميم أبدا .وعن خالد بن معدان : أنه كان يكره أن يشرب شرب الهيم عبة واحدة من غير أن يتنفس ثلاثا .

هَٰذَا نُزُلُهُمْ يَوْمَ ٱلدِّينِ (56)


ثم قال تعالى : ( هذا نزلهم يوم الدين ) أي : هذا الذي وصفنا هو ضيافتهم عند ربهم يوم حسابهم ، كما قال في حق المؤمنين : ( إن الذين آمنوا وعملوا الصالحات كانت لهم جنات الفردوس نزلا ) [ الكهف : 107 ] أي : ضيافة وكرامة .

نَحْنُ خَلَقْنَٰكُمْ فَلَوْلَا تُصَدِّقُونَ (57)


يقول تعالى مقررا للمعاد ، وردا على المكذبين به من أهل الزيغ والإلحاد ، من الذين قالوا : ( أئذا متنا وكنا ترابا وعظاما أئنا لمبعوثون ) [ الصافات : 16 ] ، وقولهم ذلك صدر منهم على وجه التكذيب والاستبعاد ، فقال : ( نحن خلقناكم ) أي : نحن ابتدأنا خلقكم بعد أن لم تكونوا شيئا مذكورا ، أفليس الذي قدر على البداءة بقادر على الإعادة بطريق الأولى والأحرى ; فلهذا قال : ( فلولا تصدقون ) أي : فهلا تصدقون بالبعث ! ثم قال مستدلا عليهم بقوله :

أَفَرَءَيْتُم مَّا تُمْنُونَ (58)


( أفرأيتم ما تمنون أأنتم تخلقونه أم نحن الخالقون ) أي : أنتم تقرونه في الأرحام وتخلقونه فيها ، أم الله الخالق لذلك ؟

ءَأَنتُمْ تَخْلُقُونَهُۥٓ أَمْ نَحْنُ ٱلْخَٰلِقُونَ (59)


( أفرأيتم ما تمنون أأنتم تخلقونه أم نحن الخالقون ) أي : أنتم تقرونه في الأرحام وتخلقونه فيها ، أم الله الخالق لذلك ؟

نَحْنُ قَدَّرْنَا بَيْنَكُمُ ٱلْمَوْتَ وَمَا نَحْنُ بِمَسْبُوقِينَ (60)


ثم قال : ( نحن قدرنا بينكم الموت ) أي : صرفناه بينكم .وقال الضحاك : ساوى فيه بين أهل السماء والأرض .( وما نحن بمسبوقين ) أي : وما نحن بعاجزين .

عَلَىٰٓ أَن نُّبَدِّلَ أَمْثَٰلَكُمْ وَنُنشِئَكُمْ فِى مَا لَا تَعْلَمُونَ (61)


( على أن نبدل أمثالكم ) أي : نغير خلقكم يوم القيامة ، ( وننشئكم في ما لا تعلمون ) أي : من الصفات والأحوال .

وَلَقَدْ عَلِمْتُمُ ٱلنَّشْأَةَ ٱلْأُولَىٰ فَلَوْلَا تَذَكَّرُونَ (62)


ثم قال : ( ولقد علمتم النشأة الأولى فلولا تذكرون ) أي : قد علمتم أن الله أنشأكم بعد أن لم تكونوا شيئا مذكورا ، فخلقكم وجعل لكم السمع والأبصار والأفئدة ، فهلا تتذكرون وتعرفون أن الذي قدر على هذه النشأة - وهي البداءة - قادر على النشأة الأخرى ، وهي الإعادة بطريق الأولى والأحرى ، وكما قال : ( وهو الذي يبدأ الخلق ثم يعيده وهو أهون عليه ) [ الروم : 27 ] ، وقال : ( أولا يذكر الإنسان أنا خلقناه من قبل ولم يك شيئا ) [ مريم : 67 ] ، وقال : ( أولم ير الإنسان أنا خلقناه من نطفة فإذا هو خصيم مبين وضرب لنا مثلا ونسي خلقه قال من يحيي العظام وهي رميم قل يحييها الذي أنشأها أول مرة وهو بكل خلق عليم ) [ يس : 77 - 79 ] ، وقال تعالى : ( أيحسب الإنسان أن يترك سدى ألم يك نطفة من مني يمنى ثم كان علقة فخلق فسوى فجعل منه الزوجين الذكر والأنثى أليس ذلك بقادر على أن يحيي الموتى ) ؟ [ القيامة : 36 - 40 ] .

أَفَرَءَيْتُم مَّا تَحْرُثُونَ (63)


يقول تعالى "أفرأيتم ما تحرثون" وهو شق الأرض وإثارتها والبذر فيها.

ءَأَنتُمْ تَزْرَعُونَهُۥٓ أَمْ نَحْنُ ٱلزَّٰرِعُونَ (64)


( أأنتم تزرعونه ) أي : تنبتونه في الأرض ( أم نحن الزارعون ) أي : بل نحن الذين نقره قراره وننبته في الأرض .قال ابن جرير : وقد حدثني أحمد بن الوليد القرشي ، حدثنا مسلم بن أبي مسلم الجرمي ، حدثنا مخلد بن الحسين ، عن هشام ، عن محمد ، عن أبي هريرة قال : قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم - : " لا تقولن : زرعت ، ولكن قل : حرثت " قال أبو هريرة : ألم تسمع إلى قوله : ( أفرأيتم ما تحرثون أأنتم تزرعونه أم نحن الزارعون ) .ورواه البزار ، عن محمد بن عبد الرحيم ، عن مسلم ، الجميع به .وقال ابن أبي حاتم : حدثنا أبي ، حدثنا موسى بن إسماعيل ، حدثنا حماد ، عن عطاء ، عن أبي عبد الرحمن : لا تقولوا : زرعنا ولكن قولوا : حرثنا .وروي عن حجر المدري أنه كان إذا قرأ : ( أأنتم تزرعونه أم نحن الزارعون ) وأمثالها يقول : بل أنت يا رب .

لَوْ نَشَآءُ لَجَعَلْنَٰهُ حُطَٰمًا فَظَلْتُمْ تَفَكَّهُونَ (65)


وقوله تعالى "لو نشاء لجعلناه حطاما " أي نحن أنبتناه بلطفنا ورحمتنا وأبقيناه لكم رحمة بكم ولو نشاء لجعلناه حطاما أي لأيبسناه قبل استوائه واستحصاده "فظلتم تفكهون".

إِنَّا لَمُغْرَمُونَ (66)


ثم فسر ذلك بقوله : ( إنا لمغرمون بل نحن محرومون ) أي : لو جعلناه حطاما لظلتم تفكهون في المقالة ، تنوعون كلامكم ، فتقولون تارة : ( إنا لمغرمون ) أي : لملقون .وقال مجاهد ، وعكرمة : إنا لمولع بنا ، وقال قتادة : معذبون . وتارة تقولون : بل نحن محرومون .وقال مجاهد أيضا : ( إنا لمغرمون ) ملقون للشر ، أي : بل نحن محارفون ، قاله قتادة ، أي : لا يثبت لنا مال ، ولا ينتج لنا ربح .وقال مجاهد : ( بل نحن محرومون ) أي : مجدودون ، يعني : لا حظ لنا .قال ابن عباس ، ومجاهد : ( فظلتم تفكهون ) : تعجبون . وقال مجاهد أيضا : ( فظلتم تفكهون ) تفجعون وتحزنون على ما فاتكم من زرعكم .وهذا يرجع إلى الأول ، وهو التعجب من السبب الذي من أجله أصيبوا في مالهم . وهذا اختيار ابن جرير .وقال عكرمة : ( فظلتم تفكهون ) تلاومون . وقال الحسن ، وقتادة ، والسدي : ( فظلتم تفكهون ) تندمون . ومعناه إما على ما أنفقتم ، أو على ما أسلفتم من الذنوب .قال الكسائي : تفكه من الأضداد ، تقول العرب : تفكهت بمعنى تنعمت ، وتفكهت بمعنى حزنت .

بَلْ نَحْنُ مَحْرُومُونَ (67)


ثم فسر ذلك بقوله : ( إنا لمغرمون بل نحن محرومون ) أي : لو جعلناه حطاما لظلتم تفكهون في المقالة ، تنوعون كلامكم ، فتقولون تارة : ( إنا لمغرمون ) أي : لملقون .وقال مجاهد ، وعكرمة : إنا لمولع بنا ، وقال قتادة : معذبون . وتارة تقولون : بل نحن محرومون .وقال مجاهد أيضا : ( إنا لمغرمون ) ملقون للشر ، أي : بل نحن محارفون ، قاله قتادة ، أي : لا يثبت لنا مال ، ولا ينتج لنا ربح .وقال مجاهد : ( بل نحن محرومون ) أي : مجدودون ، يعني : لا حظ لنا .قال ابن عباس ، ومجاهد : ( فظلتم تفكهون ) : تعجبون . وقال مجاهد أيضا : ( فظلتم تفكهون ) تفجعون وتحزنون على ما فاتكم من زرعكم .وهذا يرجع إلى الأول ، وهو التعجب من السبب الذي من أجله أصيبوا في مالهم . وهذا اختيار ابن جرير .وقال عكرمة : ( فظلتم تفكهون ) تلاومون . وقال الحسن ، وقتادة ، والسدي : ( فظلتم تفكهون ) تندمون . ومعناه إما على ما أنفقتم ، أو على ما أسلفتم من الذنوب .قال الكسائي : تفكه من الأضداد ، تقول العرب : تفكهت بمعنى تنعمت ، وتفكهت بمعنى حزنت .

أَفَرَءَيْتُمُ ٱلْمَآءَ ٱلَّذِى تَشْرَبُونَ (68)


ثم قال تعالى : ( أفرأيتم الماء الذي تشربون أأنتم أنزلتموه من المزن ) يعني : السحاب . قاله ابن عباس ، ومجاهد وغير واحد . ( أم نحن المنزلون ) يقول : بل نحن المنزلون .

ءَأَنتُمْ أَنزَلْتُمُوهُ مِنَ ٱلْمُزْنِ أَمْ نَحْنُ ٱلْمُنزِلُونَ (69)


ثم قال تعالى : ( أفرأيتم الماء الذي تشربون أأنتم أنزلتموه من المزن ) يعني : السحاب . قاله ابن عباس ، ومجاهد وغير واحد . ( أم نحن المنزلون ) يقول : بل نحن المنزلون .

لَوْ نَشَآءُ جَعَلْنَٰهُ أُجَاجًا فَلَوْلَا تَشْكُرُونَ (70)


لو نشاء جعلناه أجاجا ) أي : زعاقا مرا لا يصلح لشرب ولا زرع ، ( فلولا تشكرون ) أي : فهلا تشكرون نعمة الله عليكم في إنزاله المطر عليكم عذبا زلالا ! ( لكم منه شراب ومنه شجر فيه تسيمون ينبت لكم به الزرع والزيتون والنخيل والأعناب ومن كل الثمرات إن في ذلك لآية لقوم يتفكرون ) [ النحل : 10 ، 11 ] .وقال ابن أبي حاتم : حدثنا أبي ، حدثنا عثمان بن سعيد بن مرة ، حدثنا فضيل بن مرزوق ، عن جابر ، عن أبي جعفر ، عن النبي - صلى الله عليه وسلم - : أنه إذا شرب الماء قال : " الحمد لله الذي سقانا عذبا فراتا برحمته ، ولم يجعله ملحا أجاجا بذنوبنا " .

أَفَرَءَيْتُمُ ٱلنَّارَ ٱلَّتِى تُورُونَ (71)


قال "أفرأيتم النار التي تورون" أي تقدحون من الزناد وتستخرجونها من أصلها.

ءَأَنتُمْ أَنشَأْتُمْ شَجَرَتَهَآ أَمْ نَحْنُ ٱلْمُنشِـُٔونَ (72)


"أأنتم أنشأتم شجرتها أم نحن المنشئون" أي بل نحن الذين جعلناها مودعة في موضعها وللعرب شجرتان "إحداهما" المرخ "والأخرى" العفار إذا أخذ منهما غصنان أخضران فحك أحدهما بالآخر تناثر من بينهما شرر النار.

نَحْنُ جَعَلْنَٰهَا تَذْكِرَةً وَمَتَٰعًا لِّلْمُقْوِينَ (73)


وقوله : ( نحن جعلناها تذكرة ) قال مجاهد ، وقتادة : أي تذكر النار الكبرى .قال قتادة : ذكر لنا رسول الله - صلى الله عليه وسلم - قال : " يا قوم ، ناركم هذه التي توقدون جزء من سبعين جزءا من نار جهنم " . قالوا : يا رسول الله إن كانت لكافية ! قال : " قد ضربت بالماء ضربتين - أو : مرتين - حتى يستنفع بها بنو آدم ويدنوا منها " .وهذا الذي أرسله قتادة رواه الإمام أحمد في مسنده ، فقال :حدثنا سفيان ، عن أبي الزناد ، عن الأعرج ، عن أبي هريرة ، عن النبي - صلى الله عليه وسلم - : " إن ناركم هذه جزء من سبعين جزءا من نار جهنم ، وضربت بالبحر مرتين ، ولولا ذلك ما جعل الله فيها منفعة لأحد " .وقال الإمام مالك ، عن أبي الزناد ، عن الأعرج ، عن أبي هريرة أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - قال : " نار بني آدم التي يوقدون جزء من سبعين جزءا من نار جهنم " . فقالوا : يا رسول الله إن كانت لكافية فقال : " إنها فضلت عليها بتسعة وستين جزءا " .رواه البخاري من حديث مالك ، ومسلم من حديث أبي الزناد ، ورواه مسلم من حديث عبد الرزاق ، عن معمر ، عن همام ، عن أبي هريرة به . وفي لفظ : " والذي نفسي بيده لقد فضلت عليها بتسعة وستين جزءا كلهن مثل حرها " .وقال أبو القاسم الطبراني : حدثنا أحمد بن عمرو الخلال ، حدثنا إبراهيم بن المنذر الحزامي ، حدثنا معن بن عيسى القزاز ، عن مالك ، عن عمه أبي السهيل ، عن أبيه ، عن أبي هريرة قال : قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم - : " أتدرون ما مثل ناركم هذه من نار جهنم ؟ لهي أشد سوادا من [ دخان ] ناركم هذه بسبعين ضعفا " .قال الضياء المقدسي : وقد رواه ابن مصعب عن مالك ، ولم يرفعه ، وهو عندي على شرط الصحيح .وقوله : ( ومتاعا للمقوين ) قال ابن عباس ، ومجاهد ، وقتادة ، والضحاك ، والنضر بن عربي : معنى ) للمقوين ) المسافرين ، واختاره ابن جرير ، وقال : ومنه قولهم : " أقوت الدار إذا رحل أهلها " .وقال غيره : القي والقواء : القفر الخالي البعيد من العمران .وقال عبد الرحمن بن زيد بن أسلم : المقوي هنا الجائع .وقال ليث بن أبي سليم ، عن مجاهد : ( ومتاعا للمقوين ) للحاضر والمسافر ، لكل طعام لا يصلحه إلا النار . وكذا روى سفيان ، عن جابر الجعفي ، عن مجاهد .وقال ابن أبي نجيح ، عن مجاهد قوله : ( للمقوين ) المستمتعين الناس أجمعين . وكذا ذكر عن عكرمة .وهذا التفسير أعم من غيره ، فإن الحاضر والبادي من غني وفقير الكل محتاجون للطبخ والاصطلاء والإضاءة وغير ذلك من المنافع . ثم من لطف الله تعالى أن أودعها في الأحجار ، وخالص الحديد بحيث يتمكن المسافر من حمل ذلك في متاعه وبين ثيابه ، فإذا احتاج إلى ذلك في منزله أخرج زنده وأورى ، وأوقد ناره فأطبخ بها واصطلى ، واشتوى واستأنس بها ، وانتفع بها سائر الانتفاعات . فلهذا أفرد المسافرون وإن كان ذلك عاما في حق الناس كلهم . وقد يستدل له بما رواه الإمام أحمد وأبو داود من حديث أبي خداش حبان بن زيد الشرعبي الشامي ، عن رجل من المهاجرين من قرن أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - قال : " المسلمون شركاء في ثلاثة : النار والكلأ والماء " .وروى ابن ماجه بإسناد جيد عن أبي هريرة قال : قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم - : " ثلاث لا يمنعن : الماء والكلأ والنار " .وله من حديث ابن عباس مرفوعا مثل هذا وزيادة وثمنه ولكن في إسناده عبدالله بن خراش بن حوشب وهو ضعيف والله أعلم.

فَسَبِّحْ بِٱسْمِ رَبِّكَ ٱلْعَظِيمِ (74)


وقوله : ( فسبح باسم ربك العظيم ) أي : الذي بقدرته خلق هذه الأشياء المختلفة المتضادة الماء العذب الزلال البارد ، ولو شاء لجعله ملحا أجاجا كالبحار المغرقة . وخلق النار المحرقة ، وجعل ذلك مصلحة للعباد ، وجعل هذه منفعة لهم في معاش دنياهم ، وزاجرا لهم في المعاد .

فَلَآ أُقْسِمُ بِمَوَٰقِعِ ٱلنُّجُومِ (75)


قال جويبر ، عن الضحاك : إن الله لا يقسم بشيء من خلقه ، ولكنه استفتاح يستفتح به كلامه .وهذا القول ضعيف . والذي عليه الجمهور أنه قسم من الله عز وجل ، يقسم بما شاء من خلقه ، وهو دليل على عظمته . ثم قال بعض المفسرين : " لا " هاهنا زائدة ، وتقديره : أقسم بمواقع النجوم . ورواه ابن جرير ، عن سعيد بن جبير . ويكون جوابه : ( إنه لقرآن كريم ) .وقال آخرون : ليست " لا " زائدة لا معنى لها ، بل يؤتى بها في أول القسم إذا كان مقسما به على منفي ، كقول عائشة رضي الله عنها : " لا والله ما مست يد رسول الله - صلى الله عليه وسلم - يد امرأة قط " وهكذا هاهنا تقدير الكلام : " لا أقسم بمواقع النجوم ليس الأمر كما زعمتم في القرآن أنه سحر أو كهانة ، بل هو قرآن كريم " .وقال ابن جرير : وقال بعض أهل العربية : معنى قوله : ( فلا أقسم ) فليس الأمر كما تقولون ، ثم استأنف القسم بعد : فقيل : أقسم .واختلفوا في معنى قوله : ( بمواقع النجوم ) ، فقال حكيم بن جبير ، عن سعيد بن جبير ، عن ابن عباس يعني : نجوم القرآن ; فإنه نزل جملة ليلة القدر من السماء العليا إلى السماء الدنيا ، ثم نزل مفرقا في السنين بعد . ثم قرأ ابن عباس هذه الآية .وقال الضحاك عن ابن عباس : نزل القرآن جملة من عند الله من اللوح المحفوظ إلى السفرة الكرام الكاتبين في السماء الدنيا ، فنجمته السفرة على جبريل عشرين ليلة ، ونجمه جبريل على محمد - صلى الله عليه وسلم - عشرين سنة ، فهو قوله : ( فلا أقسم بمواقع النجوم ) نجوم القرآن .وكذا قال عكرمة ، ومجاهد ، والسدي ، وأبو حزرة .وقال مجاهد أيضا : ( بمواقع النجوم ) في السماء ، ويقال : مطالعها ومشارقها . وكذا قال الحسن ، وقتادة ، وهو اختيار ابن جرير . وعن قتادة : مواقعها : منازلها . وعن الحسن أيضا : أن المراد بذلك انتثارها يوم القيامة . وقال الضحاك : ( فلا أقسم بمواقع النجوم ) يعني بذلك : الأنواء التي كان أهل الجاهلية إذا مطروا ، قالوا : مطرنا بنوء كذا وكذا .

وَإِنَّهُۥ لَقَسَمٌ لَّوْ تَعْلَمُونَ عَظِيمٌ (76)


وقوله "وإنه لقسم لو تعلمون عظيم" أي وإن هذا القسم الذي أقسمت به لقسم عظيم لو تعلمون عظمته لعظمتم المقسم به عليه.

الصفحة السابقة الصفحة التالية