تفسير سورة المعارج الصفحة 570 من القرآن الكريم

تفسير الصفحة رقم 570 من المصحف


فَلَآ أُقْسِمُ بِرَبِّ ٱلْمَشَٰرِقِ وَٱلْمَغَٰرِبِ إِنَّا لَقَٰدِرُونَ (40)


ثم قال : ( فلا أقسم برب المشارق والمغارب ) أي : الذي خلق السماوات والأرض ، وجعل مشرقا ومغربا ، وسخر الكواكب تبدو من مشارقها وتغيب في مغاربها . وتقدير الكلام : ليس الأمر كما يزعمون أن لا معاد ولا حساب ، ولا بعث ولا نشور ، بل كل ذلك واقع وكائن لا محالة . ولهذا أتى ب " لا " في ابتداء القسم ليدل على أن المقسم عليه نفي ، وهو مضمون الكلام ، وهو الرد على زعمهم الفاسد في نفي يوم القيامة ، وقد شاهدوا من عظيم قدرة الله تعالى ما هو أبلغ من إقامة القيامة ، وهو خلق السماوات والأرض ، وتسخير ما فيهما من المخلوقات من الحيوانات والجمادات ، وسائر صنوف الموجودات ; ولهذا قال تعالى : ( لخلق السماوات والأرض أكبر من خلق الناس ) [ غافر : 57 ] وقال تعالى : ( أولم يروا أن الله الذي خلق السماوات والأرض ولم يعي بخلقهن بقادر على أن يحيي الموتى بلى إنه على كل شيء قدير ) [ الأحقاف : 33 ] . وقال تعالى في الآية الأخرى : ( أوليس الذي خلق السماوات والأرض بقادر على أن يخلق مثلهم بلى وهو الخلاق العليم إنما أمره إذا أراد شيئا أن يقول له كن فيكون ) [ يس : 81 ، 82 ] . وقال هاهنا : ( فلا أقسم برب المشارق والمغارب إنا لقادرون )

عَلَىٰٓ أَن نُّبَدِّلَ خَيْرًا مِّنْهُمْ وَمَا نَحْنُ بِمَسْبُوقِينَ (41)


(على أن نبدل خيرا منهم ) أي : يوم القيامة نعيدهم بأبدان خير من هذه ، فإن قدرته صالحة لذلك ، ( وما نحن بمسبوقين ) أي : بعاجزين . كما قال تعالى : ( أيحسب الإنسان ألن نجمع عظامه بلى قادرين على أن نسوي بنانه ) [ القيامة : 3 ، 4 ] . وقال تعالى : ( نحن قدرنا بينكم الموت وما نحن بمسبوقين على أن نبدل أمثالكم وننشئكم في ما لا تعلمون ) [ الواقعة : 6 ، 61 ] .واختار ابن جرير ( على أن نبدل خيرا منهم ) أي : أمة تطيعنا ولا تعصينا وجعلها ، كقوله : ( وإن تتولوا يستبدل قوما غيركم ثم لا يكونوا أمثالكم ) [ محمد : 38 ] . والمعنى الأول أظهر لدلالة الآيات الأخر عليه ، والله أعلم .

فَذَرْهُمْ يَخُوضُوا۟ وَيَلْعَبُوا۟ حَتَّىٰ يُلَٰقُوا۟ يَوْمَهُمُ ٱلَّذِى يُوعَدُونَ (42)


ثم قال تعالى : ( فذرهم ) أي : يا محمد ) يخوضوا ويلعبوا ) أي : دعهم في تكذيبهم وكفرهم وعنادهم ، ( حتى يلاقوا يومهم الذي يوعدون ) أي : فسيعلمون غب ذلك ويذوقون وباله

يَوْمَ يَخْرُجُونَ مِنَ ٱلْأَجْدَاثِ سِرَاعًا كَأَنَّهُمْ إِلَىٰ نُصُبٍ يُوفِضُونَ (43)


( يوم يخرجون من الأجداث سراعا كأنهم إلى نصب يوفضون ) أي : يقومون من القبور إذا دعاهم الرب ، تبارك وتعالى ، لموقف الحساب ، ينهضون سراعا كأنهم إلى نصب يوفضون .قال ابن عباس ومجاهد والضحاك : إلى علم يسعون . وقال أبو العالية ويحيى بن أبي كثير : إلى غاية يسعون إليها .وقد قرأ الجمهور : " نصب " بفتح النون وإسكان الصاد ، وهو مصدر بمعنى المنصوب . وقرأ الحسن البصري : ( نصب ) بضم النون والصاد ، وهو الصنم ، أي : كأنهم في إسراعهم إلى الموقف كما كانوا في الدنيا يهرولون إلى النصب إذا عاينوه يوفضون ، يبتدرون ، أيهم يستلمه أول ، وهذا مروي عن مجاهد ، ويحيى بن أبي كثير ، ومسلم البطين ، وقتادة ، والضحاك ، والربيع بن أنس ، وأبي صالح ، وعاصم بن بهدلة ، وابن زيد وغيرهم .

خَٰشِعَةً أَبْصَٰرُهُمْ تَرْهَقُهُمْ ذِلَّةٌ ذَٰلِكَ ٱلْيَوْمُ ٱلَّذِى كَانُوا۟ يُوعَدُونَ (44)


وقوله : ( خاشعة أبصارهم ) أي : خاضعة ) ترهقهم ذلة ) أي : في مقابلة ما استكبروا في الدنيا عن الطاعة ، ( ذلك اليوم الذي كانوا يوعدون )آخر تفسير سورة " سأل سائل " ولله الحمد والمنة .

الصفحة السابقة