تفسير سورة الجن الصفحة 573 من القرآن الكريم

تفسير الصفحة رقم 573 من المصحف


وَأَنَّا مِنَّا ٱلْمُسْلِمُونَ وَمِنَّا ٱلْقَٰسِطُونَ فَمَنْ أَسْلَمَ فَأُو۟لَٰٓئِكَ تَحَرَّوْا۟ رَشَدًا (14)


( وأنا منا المسلمون ومنا القاسطون ) أي : منا المسلم ومنا القاسط ، وهو : الجائر عن الحق الناكب عنه ، بخلاف المقسط فإنه العادل ، ( فمن أسلم فأولئك تحروا رشدا ) أي : طلبوا لأنفسهم النجاة ،

وَأَمَّا ٱلْقَٰسِطُونَ فَكَانُوا۟ لِجَهَنَّمَ حَطَبًا (15)


( وأما القاسطون فكانوا لجهنم حطبا ) أي : وقودا تسعر بهم .

وَأَلَّوِ ٱسْتَقَٰمُوا۟ عَلَى ٱلطَّرِيقَةِ لَأَسْقَيْنَٰهُم مَّآءً غَدَقًا (16)


وقوله : ( وأن لو استقاموا على الطريقة لأسقيناهم ماء غدقا لنفتنهم فيه ) اختلف المفسرون في معنى هذا على قولين :أحدهما : وأن لو استقام القاسطون على طريقة الإسلام وعدلوا إليها واستمروا عليها ، ( لأسقيناهم ماء غدقا ) أي : كثيرا . والمراد بذلك سعة الرزق . كقوله تعالى : ( ولو أنهم أقاموا التوراة والإنجيل وما أنزل إليهم من ربهم لأكلوا من فوقهم ومن تحت أرجلهم ) [ المائدة : 66 ] وكقوله : ( ولو أن أهل القرى آمنوا واتقوا لفتحنا عليهم بركات من السماء والأرض ) [ الأعراف : 96 ]

لِّنَفْتِنَهُمْ فِيهِ وَمَن يُعْرِضْ عَن ذِكْرِ رَبِّهِۦ يَسْلُكْهُ عَذَابًا صَعَدًا (17)


وعلى هذا يكون معنى قوله : ( لنفتنهم فيه ) أي : لنختبرهم ، كما قال مالك ، عن زيد بن أسلم : ( لنفتنهم ) لنبتليهم ، من يستمر على الهداية ممن يرتد إلى الغواية ؟ .ذكر من قال بهذا القول : قال العوفي ، عن ابن عباس : ( وأن لو استقاموا على الطريقة ) يعني بالاستقامة : الطاعة . وقال مجاهد : ( وأن لو استقاموا على الطريقة ) قال : الإسلام . وكذا قال سعيد بن جبير ، وسعيد بن المسيب ، وعطاء ، والسدي ، ومحمد بن كعب القرظي .وقال قتادة : ( وأن لو استقاموا على الطريقة ) يقول : لو آمنوا كلهم لأوسعنا عليهم من الدنيا .وقال مجاهد : ( وأن لو استقاموا على الطريقة ) أي : طريقة الحق . وكذا قال الضحاك واستشهد على ذلك بالآيتين اللتين ذكرناهما ، وكل هؤلاء أو أكثرهم قالوا في قوله : ( لنفتنهم فيه ) أي لنبتليهم به .وقال مقاتل : فنزلت في كفار قريش حين منعوا المطر سبع سنين .والقول الثاني : ( وأن لو استقاموا على الطريقة ) الضلالة ( لأسقيناهم ماء غدقا ) أي : لأوسعنا عليهم الرزق استدراجا ، كما قال : ( فلما نسوا ما ذكروا به فتحنا عليهم أبواب كل شيء حتى إذا فرحوا بما أوتوا أخذناهم بغتة فإذا هم مبلسون ) [ الأنعام : 44 ] وكقوله : ( أيحسبون أنما نمدهم به من مال وبنين نسارع لهم في الخيرات بل لا يشعرون ) [ المؤمنون : 55 ، 56 ] وهذا قول أبي مجلز لاحق بن حميد ; فإنه في قوله : ( وأن لو استقاموا على الطريقة ) أي : طريقة الضلالة . رواه ابن جرير وابن أبي حاتم وحكاه البغوي ، عن الربيع بن أنس وزيد بن أسلم والكلبي وابن كيسان . وله اتجاه ، ويتأيد بقوله : ( لنفتنهم فيه )وقوله : ( ومن يعرض عن ذكر ربه يسلكه عذابا صعدا ) أي : عذابا شاقا شديدا موجعا مؤلما .قال ابن عباس ومجاهد وعكرمة وقتادة وابن زيد : ( عذابا صعدا ) أي : مشقة لا راحة معها .وعن ابن عباس : جبل في جهنم . وعن سعيد بن جبير : بئر فيها .

وَأَنَّ ٱلْمَسَٰجِدَ لِلَّهِ فَلَا تَدْعُوا۟ مَعَ ٱللَّهِ أَحَدًا (18)


يقول تعالى آمرا عباده أن يوحدوه في مجال عبادته ، ولا يدعى معه أحد ولا يشرك به كما قال قتادة في قوله : ( وأن المساجد لله فلا تدعوا مع الله أحدا ) قال : كانت اليهود والنصارى إذا دخلوا كنائسهم وبيعهم ، أشركوا بالله ، فأمر الله نبيه صلى الله عليه وسلم أن يوحدوه وحده .وقال ابن أبي حاتم : ذكر علي بن الحسين : حدثنا إسماعيل ابن بنت السدي ، أخبرنا رجل سماه ، عن السدي ، عن أبي مالك - أو أبي صالح - عن ابن عباس في قوله : ( وأن المساجد لله فلا تدعوا مع الله أحدا ) قال : لم يكن يوم نزلت هذه الآية في الأرض مسجد إلا المسجد الحرام ومسجد إيليا : بيت المقدس .وقال الأعمش : قالت الجن : يا رسول الله ، ائذن لنا نشهد معك الصلوات في مسجدك ، فأنزل الله : ( وأن المساجد لله فلا تدعوا مع الله أحدا ) يقول : صلوا ، لا تخالطوا الناس .وقال ابن جرير : حدثنا ابن حميد ، حدثنا مهران ، حدثنا سفيان ، عن إسماعيل بن أبي خالد ، عن محمود ، عن سعيد بن جبير : ( وأن المساجد لله ) قال : قالت الجن لنبي الله صلى الله عليه وسلم : كيف لنا أن نأتي المسجد ونحن ناءون [ عنك ] ؟ ، وكيف نشهد الصلاة ونحن ناءون عنك ؟ فنزلت : ( وأن المساجد لله فلا تدعوا مع الله أحدا )وقال سفيان ، عن خصيف ، عن عكرمة : نزلت في المساجد كلها .وقال سعيد بن جبير . نزلت في أعضاء السجود ، أي : هي لله فلا تسجدوا بها لغيره . وذكروا عند هذا القول الحديث الصحيح ، من رواية عبد الله بن طاوس ، عن أبيه ، عن ابن عباس رضي الله عنهما ، قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : " أمرت أن أسجد على سبعة أعظم : على الجبهة - أشار بيديه إلى أنفه - واليدين والركبتين وأطراف القدمين "

وَأَنَّهُۥ لَمَّا قَامَ عَبْدُ ٱللَّهِ يَدْعُوهُ كَادُوا۟ يَكُونُونَ عَلَيْهِ لِبَدًا (19)


وقوله : ( وأنه لما قام عبد الله يدعوه كادوا يكونون عليه لبدا ) قال العوفي عن ابن عباس يقول : لما سمعوا النبي صلى الله عليه وسلم يتلو القرآن كادوا يركبونه من الحرص لما سمعوه يتلو القرآن ، ودنوا منه فلم يعلم بهم حتى أتاه الرسول فجعل يقرئه : ( قل أوحي إلي أنه استمع نفر من الجن ) يستمعون القرآن .هذا قول ، وهو مروي عن الزبير بن العوام رضي الله عنه .وقال ابن جرير : حدثني محمد بن معمر ، حدثنا أبو مسلم ، عن أبي عوانة ، عن أبي بشر عن سعيد بن جبير ، عن ابن عباس قال : قال الجن لقومهم : ( وأنه لما قام عبد الله يدعوه كادوا يكونون عليه لبدا ) قال : لما رأوه يصلي وأصحابه يركعون بركوعه ويسجدون بسجوده ، قالوا : عجبوا من طواعية أصحابه له ، قال : فقالوا لقومهم : ( لما قام عبد الله يدعوه كادوا يكونون عليه لبدا )وهذا قول ثان ، وهو مروي عن سعيد بن جبير أيضا .وقال الحسن : لما قام رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول : " لا إله إلا الله " ويدعو الناس إلى ربهم ، كادت العرب تلبد عليه جميعا .وقال قتادة في قوله : ( وأنه لما قام عبد الله يدعوه كادوا يكونون عليه لبدا ) قال : تلبدت الإنس والجن على هذا الأمر ليطفئوه ، فأبى الله إلا أن ينصره ويمضيه ويظهره على من ناوأه .

قُلْ إِنَّمَآ أَدْعُوا۟ رَبِّى وَلَآ أُشْرِكُ بِهِۦٓ أَحَدًا (20)


هذا قول ثالث ، وهو مروي عن ابن عباس ومجاهد وسعيد بن جبير وقول ابن زيد واختيار ابن جرير وهو الأظهر لقوله بعده : ( قل إنما أدعو ربي ولا أشرك به أحدا ) أي : قال لهم الرسول - لما آذوه وخالفوه وكذبوه وتظاهروا عليه ، ليبطلوا ما جاء به من الحق واجتمعوا على عداوته : ( إنما أدعو ربي ) أي : إنما أعبد ربي وحده لا شريك له ، وأستجير به وأتوكل عليه ، ( ولا أشرك به أحدا )

قُلْ إِنِّى لَآ أَمْلِكُ لَكُمْ ضَرًّا وَلَا رَشَدًا (21)


وقوله : ( قل إني لا أملك لكم ضرا ولا رشدا ) أي : إنما أنا بشر مثلكم يوحى إلي ، وعبد من عباد الله ليس إلي من الأمر شيء في هدايتكم ولا غوايتكم ، بل المرجع في ذلك كله إلى الله عز وجل .

قُلْ إِنِّى لَن يُجِيرَنِى مِنَ ٱللَّهِ أَحَدٌ وَلَنْ أَجِدَ مِن دُونِهِۦ مُلْتَحَدًا (22)


ثم أخبر عن نفسه أيضا أنه لا يجيره من الله أحد ، أي : لو عصيته فإنه لا يقدر أحد على إنقاذي من عذابه ، ( ولن أجد من دونه ملتحدا ) قال مجاهد وقتادة والسدي : لا ملجأ . وقال قتادة أيضا : ( قل إني لن يجيرني من الله أحد ولن أجد من دونه ملتحدا ) أي : لا نصير ولا ملجأ . وفي رواية : لا ولي ولا موئل .

إِلَّا بَلَٰغًا مِّنَ ٱللَّهِ وَرِسَٰلَٰتِهِۦ وَمَن يَعْصِ ٱللَّهَ وَرَسُولَهُۥ فَإِنَّ لَهُۥ نَارَ جَهَنَّمَ خَٰلِدِينَ فِيهَآ أَبَدًا (23)


وقوله تعالى : ( إلا بلاغا من الله ورسالاته ) قال بعضهم : هو مستثنى من قوله : ( لا أملك لكم ضرا ولا رشدا ) ( إلا بلاغا ) ويحتمل أن يكون استثناء من قوله : ( لن يجيرني من الله أحد ) أي : لا يجيرني منه ويخلصني إلا إبلاغي الرسالة التي أوجب أداءها علي ، كما قال تعالى : ( يا أيها الرسول بلغ ما أنزل إليك من ربك وإن لم تفعل فما بلغت رسالته والله يعصمك من الناس ) [ المائدة : 67 ]وقوله : ( ومن يعص الله ورسوله فإن له نار جهنم خالدين فيها أبدا ) أي : أنما أبلغكم رسالة الله ، فمن يعص بعد ذلك فله جزاء على ذلك نار جهنم خالدين فيها أبدا ، أي لا محيد لهم عنها ، ولا خروج لهم منها .

حَتَّىٰٓ إِذَا رَأَوْا۟ مَا يُوعَدُونَ فَسَيَعْلَمُونَ مَنْ أَضْعَفُ نَاصِرًا وَأَقَلُّ عَدَدًا (24)


وقوله : ( حتى إذا رأوا ما يوعدون فسيعلمون من أضعف ناصرا وأقل عددا ) أي : حتى إذا رأى هؤلاء المشركون من الجن والإنس ما يوعدون يوم القيامة فسيعلمون يومئذ من أضعف ناصرا وأقل عددا ، هم أم المؤمنون الموحدون لله عز وجل ، أي : بل المشركين لا ناصر لهم بالكلية ، وهم أقل عددا من جنود الله عز وجل .

قُلْ إِنْ أَدْرِىٓ أَقَرِيبٌ مَّا تُوعَدُونَ أَمْ يَجْعَلُ لَهُۥ رَبِّىٓ أَمَدًا (25)


يقول تعالى آمرا رسوله صلى الله عليه وسلم أن يقول للناس : إنه لا علم له بوقت الساعة ، ولا يدري أقريب وقتها أم بعيد ؟ ( قل إن أدري أقريب ما توعدون أم يجعل له ربي أمدا ) ؟ أي : مدة طويلة .وفي هذه الآية الكريمة دليل على أن الحديث الذي يتداوله كثير من الجهلة من أنه عليه السلام ، لا يؤلف تحت الأرض ، كذب لا أصل له ، ولم نره في شيء من الكتب . وقد كان صلى الله عليه وسلم يسأل عن وقت الساعة فلا يجيب عنها ، ولما تبدى له جبريل في صورة أعرابي كان فيما سأله أن قال : يا محمد ، فأخبرني عن الساعة ؟ قال : " ما المسئول عنها بأعلم من السائل " ولما ناداه ذلك الأعرابي بصوت جهوري ، فقال : يا محمد ، متى الساعة ؟ قال : " ويحك . إنها كائنة ، فما أعددت لها ؟ " . قال : أما إني لم أعد لها كثير صلاة ولا صيام ، ولكني أحب الله ورسوله . قال : " فأنت مع من أحببت " . قال أنس : فما فرح المسلمون بشيء فرحهم بهذا الحديث .وقال ابن أبي حاتم : حدثنا أبي ، حدثنا محمد بن مصفى ، حدثنا محمد بن حمير ، حدثني أبو بكر بن أبي مريم ، عن عطاء بن أبي رباح ، عن أبي سعيد الخدري عن النبي صلى الله عليه وسلم قال : " يا بني آدم ، إن كنتم تعقلون فعدوا أنفسكم من الموتى ، والذي نفسي بيده ، إنما توعدون لآت "وقد قال أبو داود في آخر " كتاب الملاحم " : حدثنا موسى بن سهيل ، حدثنا حجاج بن إبراهيم ، حدثنا ابن وهب ، حدثني معاوية بن صالح ، عن عبد الرحمن بن جبير ، عن أبيه ، عن أبي ثعلبة الخشني قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : " لن يعجز الله هذه الأمة من نصف يوم "انفرد به أبو داود ثم قال أبو داود :حدثنا عمرو بن عثمان . حدثنا أبو المغيرة ، حدثني صفوان ، عن شريح بن عبيد عن سعد بن أبي وقاص ، عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال : " إني لأرجو ألا تعجز أمتي عند ربها أن يؤخرهم نصف يوم " . قيل لسعد : وكم نصف يوم ؟ قال : خمسمائة عام . انفرد به أبو داود

عَٰلِمُ ٱلْغَيْبِ فَلَا يُظْهِرُ عَلَىٰ غَيْبِهِۦٓ أَحَدًا (26)


وقوله : ( عالم الغيب فلا يظهر على غيبه أحدا إلا من ارتضى من رسول ) هذه كقوله تعالى : ( ولا يحيطون بشيء من علمه إلا بما شاء ) [ البقرة : 255 ] وهكذا قال هاهنا : إنه يعلم الغيب والشهادة ، وإنه لا يطلع أحد من خلقه على شيء من علمه إلا مما أطلعه تعالى عليه ; ولهذا قال : ( فلا يظهر على غيبه أحدا )

إِلَّا مَنِ ٱرْتَضَىٰ مِن رَّسُولٍ فَإِنَّهُۥ يَسْلُكُ مِنۢ بَيْنِ يَدَيْهِ وَمِنْ خَلْفِهِۦ رَصَدًا (27)


إلا من ارتضى من رسول ) وهذا يعم الرسول الملكي والبشري .ثم قال : ( فإنه يسلك من بين يديه ومن خلفه رصدا ) أي : يختصه بمزيد معقبات من الملائكة يحفظونه من أمر الله ، ويساوقونه على ما معه من وحي الله ; ولهذا قال :

لِّيَعْلَمَ أَن قَدْ أَبْلَغُوا۟ رِسَٰلَٰتِ رَبِّهِمْ وَأَحَاطَ بِمَا لَدَيْهِمْ وَأَحْصَىٰ كُلَّ شَىْءٍ عَدَدًۢا (28)


( ليعلم أن قد أبلغوا رسالات ربهم وأحاط بما لديهم وأحصى كل شيء عددا )وقد اختلف المفسرون في الضمير الذي في قوله : ( ليعلم ) إلى من يعود ؟ فقيل : إنه عائد إلى النبي صلى الله عليه وسلم .قال ابن جرير : حدثنا ابن حميد ، حدثنا يعقوب القمي ، عن جعفر ، عن سعيد بن جبير في قوله : ( عالم الغيب فلا يظهر على غيبه أحدا إلا من ارتضى من رسول فإنه يسلك من بين يديه ومن خلفه رصدا ) قال : أربعة حفظة من الملائكة مع جبريل ، ) ليعلم ) محمد صلى الله عليه وسلم ( أن قد أبلغوا رسالات ربهم وأحاط بما لديهم وأحصى كل شيء عددا )ورواه ابن أبي حاتم من حديث يعقوب القمي به . وهكذا رواه الضحاك والسدي ويزيد بن أبي حبيب .وقال عبد الرزاق ، عن معمر ، عن قتادة : ( ليعلم أن قد أبلغوا رسالات ربهم ) قال : ليعلم نبي الله أن الرسل قد بلغت عن الله ، وأن الملائكة حفظتها ودفعت عنها . وكذا رواه سعيد بن أبي عروبة ، عن قتادة . واختاره ابن جرير .وقيل غير ذلك ، كما رواه العوفي ، عن ابن عباس في قوله : ( إلا من ارتضى من رسول فإنه يسلك من بين يديه ومن خلفه رصدا ) قال : هي معقبات من الملائكة يحفظون النبي من الشيطان ، حتى يتبين الذي أرسل به إليهم ، وذلك حين يقول ، ليعلم أهل الشرك أن قد أبلغوا رسالات ربهم .وكذا قال ابن أبي نجيح ، عن مجاهد : ( ليعلم أن قد أبلغوا رسالات ربهم ) قال : ليعلم من كذب الرسل أن قد أبلغوا رسالات ربهم . وفي هذا نظر .وقال البغوي : قرأ يعقوب : " ليعلم " بالضم ، أي : ليعلم الناس أن الرسل بلغوا .ويحتمل أن يكون الضمير عائدا إلى الله عز وجل ، وهو قول حكاه ابن الجوزي في " زاد المسير " ويكون المعنى في ذلك : أنه يحفظ رسله بملائكته ليتمكنوا من أداء رسالاته ، ويحفظ ما بين إليهم من الوحي ; ليعلم أن قد أبلغوا رسالات ربهم ، ويكون ذلك كقوله : ( وما جعلنا القبلة التي كنت عليها إلا لنعلم من يتبع الرسول ممن ينقلب على عقبيه ) [ البقرة : 143 ] وكقوله : ( وليعلمن الله الذين آمنوا وليعلمن المنافقين ) [ العنكبوت : 11 ] إلى أمثال ذلك ، مع العلم بأنه تعالى يعلم الأشياء قبل كونها قطعا لا محالة ; ولهذا قال بعد هذا : ( وأحاط بما لديهم وأحصى كل شيء عددا ) .

الصفحة السابقة