تفسير سورة المرسلات الصفحة 581 من القرآن الكريم

تفسير الصفحة رقم 581 من المصحف


أَلَمْ نَخْلُقكُّم مِّن مَّآءٍ مَّهِينٍ (20)


ثم قال ممتنا على خلقه ومحتجا على الإعادة بالبداءة : ( ألم نخلقكم من ماء مهين ) ؟ أي : ضعيف حقير بالنسبة إلى قدرة البارئ عز وجل ، كما تقدم في سورة " يس " في حديث بسر بن جحاش : " ابن آدم ، أنى تعجزني وقد خلقتك من مثل هذه؟ " .

فَجَعَلْنَٰهُ فِى قَرَارٍ مَّكِينٍ (21)


فجعلناه في قرار مكين ) يعني : جمعناه في الرحم ، وهو قرار الماء من الرجل والمرأة ، والرحم معد لذلك ، حافظ لما أودع فيه من الماء .

إِلَىٰ قَدَرٍ مَّعْلُومٍ (22)


إلى مدة معينة من ستة أشهر أو تسعة أشهر.

فَقَدَرْنَا فَنِعْمَ ٱلْقَٰدِرُونَ (23)



وَيْلٌ يَوْمَئِذٍ لِّلْمُكَذِّبِينَ (24)


أي ويل لمن تأمل هذه المخلوقات الدالة على عظمة خالقها ثم بعد هذا يستمر على تكذيبه وكفره.

أَلَمْ نَجْعَلِ ٱلْأَرْضَ كِفَاتًا (25)


قال ابن عباس كفاتا كنا وقال مجاهد يكفت الميت فلا يرى منه شيء وقال الشعبي بطنها لأمواتكم وظهرها لأحيائكم.

أَحْيَآءً وَأَمْوَٰتًا (26)


وقال مجاهد يكفت الميت فلا يرى منه شيء وقال الشعبي بطنها لأمواتكم وظهرها لأحيائكم.

وَجَعَلْنَا فِيهَا رَوَٰسِىَ شَٰمِخَٰتٍ وَأَسْقَيْنَٰكُم مَّآءً فُرَاتًا (27)


يعني الجبال رسى بها الأرض لئلا تميد وتضطرب "وأسقيناكم ماء فراتا" أي عذبا زلالا من السحاب أو مما أنبعه من عيون الأرض.

وَيْلٌ يَوْمَئِذٍ لِّلْمُكَذِّبِينَ (28)


أي ويل لمن تأمل هذه المخلوقات الدالة على عظمة خالقها ثم بعد هذا يستمر على تكذيبه وكفره.

ٱنطَلِقُوٓا۟ إِلَىٰ مَا كُنتُم بِهِۦ تُكَذِّبُونَ (29)


يقول تعالى مخبرا عن الكفار المكذبين بالمعاد والجزاء والجنة والنار أنهم يقال لهم يوم القيامة "انطلقوا إلى ما كنتم به تكذبون ".

ٱنطَلِقُوٓا۟ إِلَىٰ ظِلٍّ ذِى ثَلَٰثِ شُعَبٍ (30)


يعني لهب النار إذا ارتفع وصعد معه دخان فمن شدته وقوته أن له ثلاث شعب.

لَّا ظَلِيلٍ وَلَا يُغْنِى مِنَ ٱللَّهَبِ (31)


أي ظل الدخان المقابل للهب لا ظليل هو في نفسه ولا يغني من اللهب يعني ولا يقيهم حر اللهب.

إِنَّهَا تَرْمِى بِشَرَرٍ كَٱلْقَصْرِ (32)


أي يتطاير الشرر من لهبها كالقصر قال ابن مسعود كالحصون وقال ابن عباس ومجاهد وقتادة ومالك عن زيد بن أسلم وغيرهم يعني أصول الشجر.

كَأَنَّهُۥ جِمَٰلَتٌ صُفْرٌ (33)


( كأنه جمالة صفر ) أي : كالإبل السود . قاله مجاهد ، والحسن ، وقتادة ، والضحاك . واختاره ابن جرير .وعن ابن عباس ومجاهد وسعيد بن جبير : ( جمالة صفر ) يعني : حبال السفن . وعنه - أعني ابن عباس - : ( جمالة صفر ) قطع نحاس .وقال البخاري : حدثنا عمرو بن علي ، حدثنا يحيى ، أخبرنا سفيان ، عن عبد الرحمن بن عابس قال : سمعت ابن عباس : ( إنها ترمي بشرر كالقصر ) قال : كنا نعمد إلى الخشبة ثلاثة أذرع وفوق ذلك ، فنرفعه للشتاء ، فنسميه القصر ، ( كأنه جمالة صفر ) حبال السفن ، تجمع حتى تكون كأوساط الرجال

وَيْلٌ يَوْمَئِذٍ لِّلْمُكَذِّبِينَ (34)


أي ويل لمن تأمل هذه المخلوقات الدالة على عظمة خالقها ثم بعد هذا يستمر على تكذيبه وكفره.

هَٰذَا يَوْمُ لَا يَنطِقُونَ (35)


أي لا يتكلمون.

وَلَا يُؤْذَنُ لَهُمْ فَيَعْتَذِرُونَ (36)


( ولا يؤذن لهم فيعتذرون ) أي : لا يقدرون على الكلام ، ولا يؤذن لهم فيه ليعتذروا ، بل قد قامت عليهم الحجة ، ووقع القول عليهم بما ظلموا فهم لا ينطقون . وعرصات القيامة حالات ، والرب تعالى يخبر عن هذه الحالة تارة ، وعن هذه الحالة تارة ; ليدل على شدة الأهوال والزلازل يومئذ . ولهذا يقول بعد كل فصل من هذا الكلام : ( ويل يومئذ للمكذبين )

وَيْلٌ يَوْمَئِذٍ لِّلْمُكَذِّبِينَ (37)


أي ويل لمن تأمل هذه المخلوقات الدالة على عظمة خالقها ثم بعد هذا يستمر على تكذيبه وكفره.

هَٰذَا يَوْمُ ٱلْفَصْلِ جَمَعْنَٰكُمْ وَٱلْأَوَّلِينَ (38)


وهذه مخاطبة من الخالق تعالى لعباده يقول لهم "هذا يوم الفصل جمعناكم والأولين" يعني أنه جمعهم بقدرته في صعيد واحد يسمعهم الداعي وينفذهم البصر.

فَإِن كَانَ لَكُمْ كَيْدٌ فَكِيدُونِ (39)


وقوله : ( فإن كان لكم كيد فكيدون ) تهديد شديد ووعيد أكيد ، أي : إن قدرتم على أن تتخلصوا من قبضتي ، وتنجوا من حكمي فافعلوا ، فإنكم لا تقدرون على ذلك ، كما قال تعالى ( يا معشر الجن والإنس إن استطعتم أن تنفذوا من أقطار السماوات والأرض فانفذوا لا تنفذون إلا بسلطان ) [ الرحمن : 33 ] ، وقال تعالى : ( ولا تضرونه شيئا ) [ هود : 57 ] وفي الحديث : " يا عبادي ، إنكم لن تبلغوا نفعي فتنفعوني ، ولن تبلغوا ضري فتضروني " .وقد قال ابن أبي حاتم : حدثنا علي بن المنذر الطريقي الأودي ، حدثنا محمد بن فضيل ، حدثنا حصين بن عبد الرحمن ، عن حسان بن أبي المخارق ، عن أبي عبد الله الجدلي قال : أتيت بيت المقدس ، فإذا عبادة بن الصامت وعبد الله بن عمرو وكعب الأحبار يتحدثون في بيت المقدس ، فقال عبادة : إذا كان يوم القيامة جمع الله الأولين والآخرين بصعيد واحد ، ينفذهم البصر ويسمعهم الداعي ، ويقول الله : ( هذا يوم الفصل جمعناكم والأولين فإن كان لكم كيد فكيدون ) اليوم لا ينجو مني جبار عنيد ، ولا شيطان مريد ، فقال عبد الله بن عمرو : فإنا نحدث يومئذ أنه يخرج عنق من النار فتنطلق حتى إذا كانت بين ظهراني الناس نادت : أيها الناس ، إني بعثت إلى ثلاثة أنا أعرف بهم من الأب بولده ومن الأخ بأخيه ، لا يغيبهم عني وزر ، ولا تخفيهم عني خافية : الذي جعل مع الله إلها آخر ، وكل جبار عنيد ، وكل شيطان مريد ، فتنطوي عليهم فتقذف بهم في النار قبل الحساب بأربعين سنة .

وَيْلٌ يَوْمَئِذٍ لِّلْمُكَذِّبِينَ (40)


أي ويل لمن تأمل هذه المخلوقات الدالة على عظمة خالقها ثم بعد هذا يستمر على تكذيبه وكفره.

إِنَّ ٱلْمُتَّقِينَ فِى ظِلَٰلٍ وَعُيُونٍ (41)


يقول تعالى مخبرا عن عباده المتقين الذين عبدوه بأداء الواجبات وترك المحرمات إنهم يوم القيامة يكونون في جنات وعيون أي بخلاف ما أولئك الأشقياء فيه من ظل اليحموم وهو الدخان الأسود المنتن.

وَفَوَٰكِهَ مِمَّا يَشْتَهُونَ (42)


أي من سائر أنواع الثمار مهما طلبوا وجدوا.

كُلُوا۟ وَٱشْرَبُوا۟ هَنِيٓـًٔۢا بِمَا كُنتُمْ تَعْمَلُونَ (43)


يقال لهم ذلك على سبيل الإحسان إليهم.

إِنَّا كَذَٰلِكَ نَجْزِى ٱلْمُحْسِنِينَ (44)


خبرا مستأنفا أي هذا جزاؤنا لمن أحسن العمل.

وَيْلٌ يَوْمَئِذٍ لِّلْمُكَذِّبِينَ (45)


أي ويل لمن تأمل هذه المخلوقات الدالة على عظمة خالقها ثم بعد هذا يستمر على تكذيبه وكفره.

كُلُوا۟ وَتَمَتَّعُوا۟ قَلِيلًا إِنَّكُم مُّجْرِمُونَ (46)


أي مدة قليلة قريبة قصيرة أي ثم تساقون إلى نار جهنم التي تقدم ذكرها.

وَيْلٌ يَوْمَئِذٍ لِّلْمُكَذِّبِينَ (47)


أي ويل لمن تأمل هذه المخلوقات الدالة على عظمة خالقها ثم بعد هذا يستمر على تكذيبه وكفره.

وَإِذَا قِيلَ لَهُمُ ٱرْكَعُوا۟ لَا يَرْكَعُونَ (48)


أي إذا أمر هؤلاء الجهلة من الكفار أن يكونوا من المصلين مع الجماعة امتنعوا من ذلك واستكبروا عنه.

وَيْلٌ يَوْمَئِذٍ لِّلْمُكَذِّبِينَ (49)


أي ويل لمن تأمل هذه المخلوقات الدالة على عظمة خالقها ثم بعد هذا يستمر على تكذيبه وكفره.

فَبِأَىِّ حَدِيثٍۭ بَعْدَهُۥ يُؤْمِنُونَ (50)


ثم قال : ( فبأي حديث بعده يؤمنون ) ؟ أي : إذا لم يؤمنوا بهذا القرآن ، فبأي كلام يؤمنون به ؟! كقوله تعالى : ( فبأي حديث بعد الله وآياته يؤمنون ) [ الجاثية : 6 ] .قال ابن أبي حاتم : حدثنا ابن أبي عمر ، حدثنا سفيان ، عن إسماعيل بن أمية : سمعت رجلا أعرابيا بدويا يقول : سمعت أبا هريرة يرويه إذا قرأ : ( والمرسلات عرفا ) فقرأ : ( فبأي حديث بعده يؤمنون ) ؟ فليقل : آمنت بالله وبما أنزل .وقد تقدم هذا الحديث في سورة " القيامة " .آخر تفسير سورة " والمرسلات " [ ولله الحمد والمنة ]

الصفحة السابقة