تفسير سورة الأعراف الصفحة 161 من القرآن الكريم

تفسير الصفحة رقم 161 من المصحف


وَمَا كَانَ جَوَابَ قَوْمِهِۦٓ إِلَّآ أَن قَالُوٓا۟ أَخْرِجُوهُم مِّن قَرْيَتِكُمْ إِنَّهُمْ أُنَاسٌ يَتَطَهَّرُونَ (82)


أي : ما أجابوا لوطا إلا أن هموا بإخراجه ونفيه ومن معه من المؤمنين من بين أظهرهم ، فأخرجه الله تعالى سالما ، وأهلكهم في أرضهم صاغرين مهانين .وقوله تعالى : ( إنهم أناس يتطهرون ) قال قتادة ، عابوهم بغير عيب .وقال مجاهد : ( إنهم أناس يتطهرون ) من أدبار الرجال وأدبار النساء . وروي مثله عن ابن عباس أيضا .

فَأَنجَيْنَٰهُ وَأَهْلَهُۥٓ إِلَّا ٱمْرَأَتَهُۥ كَانَتْ مِنَ ٱلْغَٰبِرِينَ (83)


يقول تعالى : فأنجينا لوطا وأهله ، ولم يؤمن به أحد منهم سوى أهل بيته فقط ، كما قال تعالى : ( فأخرجنا من كان فيها من المؤمنين فما وجدنا فيها غير بيت من المسلمين ) [ الذاريات : 35 ، 36 ] إلا امرأته فإنها لم تؤمن به ، بل كانت على دين قومها ، تمالئهم عليه وتعلمهم بمن يقدم عليه من ضيفانه بإشارات بينها وبينهم ; ولهذا لما أمر لوط ، عليه السلام ، أن يسري بأهله أمر ألا يعلم امرأته ولا يخرجها من البلد . ومنهم من يقول : بل اتبعتهم ، فلما جاء العذاب التفتت هي فأصابها ما أصابهم . والأظهر أنها لم تخرج من البلد ، ولا أعلمها لوط ، بل بقيت معهم ; ولهذا قال هاهنا : ( إلا امرأته كانت من الغابرين ) أي : الباقين . ومنهم من فسر ذلك ( من الغابرين ) من الهالكين ، وهو تفسير باللازم .

وَأَمْطَرْنَا عَلَيْهِم مَّطَرًا فَٱنظُرْ كَيْفَ كَانَ عَٰقِبَةُ ٱلْمُجْرِمِينَ (84)


وقوله : ( وأمطرنا عليهم مطرا ) مفسر بقوله : ( وأمطرنا عليها حجارة من سجيل منضود مسومة عند ربك وما هي من الظالمين ببعيد ) [ هود 82 ، 83 ] ولهذا قال : ( فانظر كيف كان عاقبة المجرمين ) أي : انظر - يا محمد - كيف كان عاقبة من تجهرم على معاصي الله وكذب رسلهوقد ذهب الإمام أبو حنيفة ، رحمه الله ، إلى أن اللائط يلقى من شاهق ، ويتبع بالحجارة كما فعل بقوم لوط .وذهب آخرون من العلماء إلى أنه يرجم سواء كان محصنا أو غير محصن . وهو أحد قولي الشافعي ، رحمه الله ، والحجة ما رواه الإمام أحمد ، وأبو داود ، والترمذي ، وابن ماجه ، من حديث الدراوردي ، عن عمرو بن أبي عمرو عن عكرمة ، عن ابن عباس قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : " من وجدتموه يعمل عمل قوم لوط ، فاقتلوا الفاعل والمفعول به "وقال آخرون : هو كالزاني ، فإن كان محصنا رجم ، وإن لم يكن محصنا جلد مائة جلدة . وهو القول الآخر للشافعي .وأما إتيان النساء في الأدبار ، فهو اللوطية الصغرى ، وهو حرام بإجماع العلماء ، إلا قولا [ واحدا ] شاذا لبعض السلف ، وقد ورد في النهي عنه أحاديث كثيرة عن رسول الله صلى الله عليه وسلم ، وقد تقدم الكلام عليها في سورة البقرة

وَإِلَىٰ مَدْيَنَ أَخَاهُمْ شُعَيْبًا قَالَ يَٰقَوْمِ ٱعْبُدُوا۟ ٱللَّهَ مَا لَكُم مِّنْ إِلَٰهٍ غَيْرُهُۥ قَدْ جَآءَتْكُم بَيِّنَةٌ مِّن رَّبِّكُمْ فَأَوْفُوا۟ ٱلْكَيْلَ وَٱلْمِيزَانَ وَلَا تَبْخَسُوا۟ ٱلنَّاسَ أَشْيَآءَهُمْ وَلَا تُفْسِدُوا۟ فِى ٱلْأَرْضِ بَعْدَ إِصْلَٰحِهَا ذَٰلِكُمْ خَيْرٌ لَّكُمْ إِن كُنتُم مُّؤْمِنِينَ (85)


قال محمد بن إسحاق : هم من سلالة " مدين بن إبراهيم " . وشعيب هو ابن ميكيل بن يشجر قال : واسمه بالسريانية : " يثرون " .قلت : وتطلق مدين على القبيلة ، وعلى المدينة ، وهي التي بقرب " معان " من طريق الحجاز ، قال الله تعالى : ( ولما ورد ماء مدين وجد عليه أمة من الناس يسقون ) [ القصص : 23 ] وهم أصحاب الأيكة ، كما سنذكره إن شاء الله ، وبه الثقة .( قال يا قوم اعبدوا الله ما لكم من إله غيره ) هذه دعوة الرسل كلهم ، ( قد جاءتكم بينة من ربكم ) أي : قد أقام الله الحجج والبينات على صدق ما جئتكم به . ثم وعظهم في معاملتهم الناس بأن يوفوا المكيال والميزان ، ولا يبخسوا الناس أشياءهم ، أي : لا يخونوا الناس في أموالهم ويأخذوها على وجه البخس ، وهو نقص المكيال والميزان خفية وتدليسا ، كما قال تعالى : ( ويل للمطففين [ الذين إذا اكتالوا على الناس يستوفون وإذا كالوهم أو وزنوهم يخسرون ألا يظن أولئك أنهم مبعوثون ليوم عظيم يوم يقوم الناس ] لرب العالمين ) [ المطففين : 1 - 6 ] وهذا تهديد شديد ، ووعيد أكيد ، نسأل الله العافية منه .ثم قال تعالى إخبارا عن شعيب ، الذي يقال له : " خطيب الأنبياء " ، لفصاحة عبارته ، وجزالة موعظته .

وَلَا تَقْعُدُوا۟ بِكُلِّ صِرَٰطٍ تُوعِدُونَ وَتَصُدُّونَ عَن سَبِيلِ ٱللَّهِ مَنْ ءَامَنَ بِهِۦ وَتَبْغُونَهَا عِوَجًا وَٱذْكُرُوٓا۟ إِذْ كُنتُمْ قَلِيلًا فَكَثَّرَكُمْ وَٱنظُرُوا۟ كَيْفَ كَانَ عَٰقِبَةُ ٱلْمُفْسِدِينَ (86)


ينهاهم شعيب ، عليه السلام ، عن قطع الطريق الحسي والمعنوي ، بقوله : ( ولا تقعدوا بكل صراط توعدون ) أي : توعدون الناس بالقتل إن لم يعطوكم أموالهم . قال السدي وغيره : كانوا عشارين . وعن ابن عباس [ رضي الله عنه ] ومجاهد وغير واحد : ( ولا تقعدوا بكل صراط توعدون ) أي : تتوعدون المؤمنين الآتين إلى شعيب ليتبعوه . والأول أظهر ; لأنه قال : ( بكل صراط ) وهي الطرق ، وهذا الثاني هو قوله : ( وتصدون عن سبيل الله من آمن به وتبغونها عوجا ) أي : وتودون أن تكون سبيل الله عوجا مائلة . ( واذكروا إذ كنتم قليلا فكثركم ) أي : كنتم مستضعفين لقلتكم فصرتم أعزة لكثرة عددكم ، فاذكروا نعمة الله عليكم في ذلك ، ( وانظروا كيف كان عاقبة المفسدين ) أي : من الأمم الخالية والقرون الماضية ، ما حل بهم من العذاب والنكال باجترائهم على معاصي الله وتكذيب رسله .وقوله : ( وإن كان طائفة منكم آمنوا بالذي أرسلت به وطائفة لم يؤمنوا ) أي : قد اختلفتم علي ) فاصبروا ) أي : انتظروا ( حتى يحكم الله بيننا ) أي : يفصل ، ( وهو خير الحاكمين ) فإنه سيجعل العاقبة للمتقين ، والدمار على الكافرين .

وَإِن كَانَ طَآئِفَةٌ مِّنكُمْ ءَامَنُوا۟ بِٱلَّذِىٓ أُرْسِلْتُ بِهِۦ وَطَآئِفَةٌ لَّمْ يُؤْمِنُوا۟ فَٱصْبِرُوا۟ حَتَّىٰ يَحْكُمَ ٱللَّهُ بَيْنَنَا وَهُوَ خَيْرُ ٱلْحَٰكِمِينَ (87)


وقوله : ( وإن كان طائفة منكم آمنوا بالذي أرسلت به وطائفة لم يؤمنوا ) أي : قد اختلفتم علي ) فاصبروا ) أي : انتظروا ( حتى يحكم الله بيننا ) أي : يفصل ، ( وهو خير الحاكمين ) فإنه سيجعل العاقبة للمتقين ، والدمار على الكافرين .وقوله : ( أولو كنا كارهين ) يقول : أو أنتم فاعلون ذلك ولو كنا كارهين ما تدعونا إليه ؟ فإنا إن رجعنا إلى ملتكم ودخلنا معكم فيما أنتم فيه ، فقد أعظمنا الفرية على الله في جعل الشركاء معه أندادا . وهذا تعبير منه عن أتباعه . ( وما يكون لنا أن نعود فيها إلا أن يشاء الله ربنا ) وهذا رد إلى المشيئة ، فإنه يعلم كل شيء ، وقد أحاط بكل شيء علما ، ( على الله توكلنا ) أي : في أمورنا ما نأتي منها وما نذر ( ربنا افتح بيننا وبين قومنا بالحق ) أي : افصل بيننا وبين قومنا ، وانصرنا عليهم ، ( وأنت خير الفاتحين ) أي : خير الحاكمين ، فإنك العادل الذي لا يجور أبدا .

الصفحة السابقة الصفحة التالية