تفسير سورة المسد الصفحة 603 من القرآن الكريم

تفسير الصفحة رقم 603 من المصحف


بِسْمِ ٱللَّهِ ٱلرَّحْمَٰنِ ٱلرَّحِيمِ تَبَّتْ يَدَآ أَبِى لَهَبٍ وَتَبَّ (1)


سورة تبتوهي مكية بإجماع . وهي خمس آياتبسم الله الرحمن الرحيمتبت يدا أبي لهب وتبفيه ثلاث مسائل :الأولى : قوله تعالى : تبت يدا أبي لهب في الصحيحين وغيرهما ( واللفظ لمسلم ) عن ابن عباس قال : لما نزلت وأنذر عشيرتك الأقربين ( ورهطك منهم المخلصين ) ، خرج رسول الله - صلى الله عليه وسلم - حتى صعد الصفا ، فهتف : يا صباحاه ! فقالوا : من هذا الذي يهتف ؟ قالوا محمد . فاجتمعوا إليه . فقال : يا بني فلان ، يا بني فلان ، يا بني فلان ، يا بني عبد مناف ، يا بني عبد المطلب فاجتمعوا إليه . فقال : أرأيتكم لو أخبرتكم أن خيلا تخرج بسفح هذا الجبل أكنتم مصدقي ؟ قالوا : ما جربنا عليك كذبا . قال : فإني نذير لكم بين يدي عذاب شديد . فقال أبو لهب : تبا لك ، أما جمعتنا إلا لهذا ! ثم قام ، فنزلت هذه السورة : تبت يدا أبي لهب وقد تب كذا قرأ الأعمش إلى آخر السورة . زاد الحميدي وغيره : فلما سمعت امرأته ما نزل في زوجها وفيها من القرآن ، أتت رسول الله - صلى الله عليه وسلم - وهو جالس في المسجد عند الكعبة ، ومعه أبو بكر - رضي الله عنه - ، وفي يدها فهر من حجارة ، فلما وقفت عليه أخذ الله بصرها عن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - ، فلا ترى إلا أبا بكر . فقالت : يا أبا بكر ، إن صاحبك قد بلغني أنه يهجوني ، والله لو وجدته لضربت بهذا الفهر فاه ، والله إني لشاعرة :مذمما عصينا وأمره أبينا ودينه قليناثم انصرفت . فقال أبو بكر : يا رسول الله ، أما تراها رأتك ؟ قال : " ما رأتني ، لقد أخذ الله بصرها عني " . وكانت قريش إنما تسمي رسول الله - صلى الله عليه وسلم - مذمما ؛ يسبونه ، وكان يقول : " ألا تعجبون لما صرف الله عني من أذى قريش ، يسبون ويهجون مذمما وأنا محمد " . وقيل : إن سبب نزولها ما حكاه عبد الرحمن بن زيد أن أبا لهب أتى النبي - صلى الله عليه وسلم - فقال : ماذا أعطى إن آمنت بك يا محمد ؟ فقال : " كما يعطى المسلمون " قال ما لي عليهم فضل ؟ . قال : " وأي شيء تبغي " ؟ قال : تبا لهذا من دين ، أن أكون أنا وهؤلاء سواء ؛ فأنزل الله تعالى فيه . تبت يدا أبي لهب وتب .وقول ثالث حكاه عبد الرحمن بن كيسان قال : كان إذا وفد على النبي - صلى الله عليه وسلم - وقد انطلق إليهم أبو لهب فيسألونه عن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - ويقولون له : أنت أعلم به منا . فيقول لهم أبو لهب : إنه كذاب ساحر . فيرجعون عنه ولا يلقونه . فأتى وفد ، ففعل معهم مثل ذلك ، فقالوا : لا ننصرف حتى نراه ، ونسمع كلامه . فقال لهم أبو لهب : إنا لم نزل نعالجه فتبا له وتعسا . فأخبر بذلك رسول الله - صلى الله عليه وسلم - فاكتأب لذلك ؛ فأنزل الله تعالى : تبت يدا أبي لهب . . . السورة . وقيل : إن أبا لهب أراد أن يرمي النبي - صلى الله عليه وسلم - بحجر ، فمنعه الله من ذلك ، وأنزل الله تعالى : تبت يدا أبي لهب وتب للمنع الذي وقع به . ومعنى تبت : خسرت ؛ قال قتادة . وقيل : خابت ؛ قال ابن عباس . وقيل : ضلت ؛ قاله عطاء . وقيل : هلكت ؛ قاله ابن جبير . وقال يمان بن رئاب : صفرت من كل خبر . حكى الأصمعي عن أبي عمرو بن العلاء أنه لما قتل عثمان - رحمه الله - سمع الناس هاتفا يقول :لقد خلوك وانصرفوا فما أبوا ولا رجعواولم يوفوا بنذرهم فيا تبا لما صنعواوخص اليدين بالتباب ، لأن العمل أكثر ما يكون بهما ؛ أي خسرتا وخسر هو . وقيل : المراد باليدين نفسه . وقد يعبر عن النفس باليد ، كما قال الله تعالى : بما قدمت يداك . أي نفسك . وهذا مهيع كلام العرب ؛ تعبر ببعض الشيء عن كله ؛ تقول : أصابته يد الدهر ، ويد الرزايا والمنايا ؛ أي أصابه كل ذلك . قال الشاعر :لما أكبت يد الرزايا عليه نادى ألا مجيروتب قال الفراء : التب الأول : دعاء والثاني خبر ؛ كما يقال : أهلكه الله وقد هلك . وفي قراءة عبد الله وأبي وقد تب وأبو لهب اسمه عبد العزى ، وهو ابن عبد المطلب عم النبي - صلى الله عليه وسلم - . وامرأته العوراء أم جميل ، أخت أبي سفيان بن حرب ، وكلاهما كان شديد العداوة للنبي - صلى الله عليه وسلم - .قال طارق بن عبد الله المحاربي : إني بسوق ذي المجاز ، إذ أنا بإنسان يقول : " يأيها الناس ، قولوا لا إله إلا الله تفلحوا " ، وإذا رجل خلفه يرميه ، قد أدمى ساقيه وعرقوبيه ويقول : يأيها الناس ، إنه كذاب فلا تصدقوه . فقلت من هذا ؟ فقالوا : محمد ، زعم أنه نبي . وهذا عمه أبو لهب يزعم أنه كذاب . وروى عطاء عن ابن عباس قال : قال أبو لهب : سحركم محمد إن أحدنا ليأكل الجذعة ، ويشرب العس من اللبن فلا يشبع ، وإن محمدا قد أشبعكم من فخذ شاة ، وأرواكم من عس لبن .الثانية : قوله تعالى : أبي لهب قيل : سمي باللهب لحسنه ، وإشراق وجهه . وقد ظن قوم أن في هذا دليلا على تكنية المشرك ؛ وهو باطل ، وإنما كناه الله بأبي لهب - عند العلماء - لمعان أربعة :الأول : أنه كان اسمه عبد العزى ، والعزى : صنم ، ولم يضف الله في كتابه العبودية إلى صنم .الثاني : أنه كان بكنيته أشهر منه باسمه ؛ فصرح بها .الثالث : أن الاسم أشرف من الكنية ، فحطه الله - عز وجل - عن الأشرف إلى الأنقص ؛ إذا لم يكن بد من الإخبار عنه ، ولذلك دعا الله تعالى الأنبياء بأسمائهم ، ولم يكن عن أحد منهم . ويدلك على شرف الاسم على الكنية : أن الله تعالى يسمى ولا يكنى ، وإن كان ذلك لظهوره وبيانه ؛ واستحالة نسبة الكنية إليه ، لتقدسه عنها .الرابع : أن الله تعالى أراد أن يحقق نسبته ، بأن يدخله النار ، فيكون أبا لها ، تحقيقا للنسب ، وإمضاء للفأل والطيرة التي اختارها لنفسه . وقد قيل : اسمه كنيته . فكان أهله يسمونه ( أبا لهب ) ، لتلهب وجهه وحسنه ؛ فصرفهم الله عن أن يقولوا : أبو النور ، وأبو الضياء ، الذي هو المشترك بين المحبوب والمكروه ، وأجرى على ألسنتهم أن يضيفوه إلى ( لهب ) الذي هو مخصوص بالمكروه المذموم ، وهو النار . ثم حقق ذلك بأن يجعلها مقره . وقرأ مجاهد وحميد وابن كثير وابن محيصن . ( أبي لهب ) بإسكان الهاء . ولم يختلفوا في ( ذات لهب ) إنها مفتوحة ؛ لأنهم راعوا فيها رءوس الآي .الثالثة : قال ابن عباس : لما خلق الله - عز وجل - القلم قال له : اكتب ما هو كائن ، وكان فيما كتب تبت يدا أبي لهب . وقال منصور : سئل الحسن عن قوله تعالى : تبت يدا أبي لهب . هل كان في أم الكتاب ؟ وهل كان أبو لهب يستطيع ألا يصلى النار ؟ فقال : والله ما كان يستطيع ألا يصلاها ، وإنها لفي كتاب الله من قبل أن يخلق أبو لهب وأبواه . ويؤيده قول موسى لآدم : أنت الذي خلقك الله بيده ، ونفخ فيك من روحه ، وأسكنك جنته ، وأسجد لك ملائكته ، خيبت الناس ، وأخرجتهم من الجنة . قال آدم : وأنت موسى الذي اصطفاك بكلامه ، وأعطاك التوراة ، تلومني على أمر كتبه الله علي قبل أن يخلق الله السماوات والأرض . قال النبي - صلى الله عليه وسلم - : فحج آدم موسى . وقد تقدم هذا .وفي حديث همام عن أبي هريرة أن آدم قال لموسى : " بكم وجدت الله كتب التوراة قبل أن يخلقني " ؟ قال : بألفي عام قال : فهل وجدت فيها : وعصى آدم ربه فغوى قال : نعم قال : أفتلومني على أمر وكتب الله علي أن أفعله من قبل أن أخلق بألفي عام . فحج آدم موسى " . وفي حديث طاوس وابن هرمز والأعرج عن أبي هريرة : " بأربعين عاما " .

مَآ أَغْنَىٰ عَنْهُ مَالُهُۥ وَمَا كَسَبَ (2)


قوله تعالى : ما أغنى عنه ماله وما كسبأي ما دفع عنه عذاب الله ما جمع من المال ، ولا ما كسب من جاه . وقال مجاهد : من الولد ؛ وولد الرجل من كسبه . وقرأ الأعمش ( وما اكتسب ) ورواه عن ابن مسعود . وقال أبو الطفيل : جاء بنو أبي لهب يختصمون عند ابن عباس ، فاقتتلوا ، فقام ليحجز بينهم ، فدفعه بعضهم ، فوقع على الفراش ، فغضب ابن عباس وقال : أخرجوا عني الكسب الخبيث ؛ يعني ولده . وعن عائشة - رضي الله عنها - أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - قال : إن أطيب ما أكل الرجل من كسبه ، وإن ولده من كسبه . خرجه أبو داود . وقال ابن عباس : لما أنذر رسول الله - صلى الله عليه وسلم - عشيرته بالنار ، قال أبو لهب : إن كان ما يقول ابن أخي حقا فإني أفدي نفسي بمالي وولدي ؛ فنزل : ما أغنى عنه ماله وما كسب . و ما في قوله : ما أغنى : يجوز أن تكون نفيا ، ويجوز أن تكون استفهاما ؛ أي أي شيء أغنى عنه ؟ و ما الثانية : يجوز أن تكون بمعنى الذي ، ويجوز أن تكون مع الفعل مصدرا ؛ أي ما أغنى عنه ماله وكسبه .

سَيَصْلَىٰ نَارًا ذَاتَ لَهَبٍ (3)


قوله تعالى : سيصلى نارا ذات لهبأي ذات اشتعال وتلهب . وقد مضى في سورة ( المرسلات ) القول فيه . وقراءة العامة : سيصلى بفتح الياء . وقرأ أبو رجاء والأعمش : بضم الياء . ورواها محبوب عن إسماعيل عن ابن كثير ، وحسين عن أبي بكر عن عاصم ، ورويت عن الحسن . وقرأ أشهب العقيلي وأبو سمال العدوي ومحمد بن السميقع سيصلى بضم الياء ، وفتح الصاد ، وتشديد اللام ؛ ومعناها سيصليه الله ؛ من قوله : وتصلية جحيم . والثانية من الإصلاء ؛ أي يصليه الله ؛ من قوله : فسوف نصليه نارا . والأولى هي الاختيار ؛ لإجماع الناس عليها ؛ وهي من قوله : إلا من هو صال الجحيم .

وَٱمْرَأَتُهُۥ حَمَّالَةَ ٱلْحَطَبِ (4)


قوله تعالى : وامرأته حمالة الحطب قوله تعالى : وامرأته أم جميل . وقال ابن العربي : العوراء أم قبيح ، وكانت عوراء . حمالة الحطب قال ابن عباس ومجاهد وقتادة والسدي : كانت تمشي بالنميمة بين الناس ؛ تقول العرب : فلان يحطب على فلان : إذا ورش عليه . قال الشاعر :إن بني الأدرم حمالو الحطب هم الوشاة في الرضا وفي الغضب عليهم اللعنة تترى والحربوقال آخر :من البيض لم تصطد على ظهر لأمة ولم تمش بين الحي بالحطب الرطبيعني : لم تمش بالنمائم ، وجعل الحطب رطبا ليدل على التدخين ، الذي هو زيادة في الشر . وقال أكثم بن صيفي لبنيه : إياكم والنميمة فإنها نار محرقة ، وإن النمام ليعمل في ساعة ما لا يعمل الساحر في شهر . أخذه بعض الشعراء فقال :إن النميمة نار ويك محرقة فقر عنها وجانب من تعاطاهاولذلك قيل : نار الحقد لا تخبو . وثبت عن النبي - صلى الله عليه وسلم - : لا يدخل الجنة نمام . وقال : ذو الوجهين لا يكون عند الله وجيها . وقال عليه الصلاة والسلام : من شر الناس ذو الوجهين الذي يأتي هؤلاء بوجه ، وهؤلاء بوجه . وقال كعب الأحبار : أصاب بني إسرائيل قحط ، فخرج بهم موسى - عليه السلام - ثلاث مرات فلم يستسقوا . فقال موسى : " إلهي عبادك " فأوحى الله إليه : " إني لا أستجيب لك ولا لمن معك لأن فيهم رجلا نماما ، قد أصر على النميمة " . فقال موسى : " يا رب من هو حتى نخرجه من بيننا " ؟ فقال : " يا موسى أنهاك عن النميمة وأكون نماما " قال : فتابوا بأجمعهم ، فسقوا . والنميمة من الكبائر ، لا خلاف في ذلك ؛ حتى قال الفضيل بن عياض : ثلاث تهد العمل الصالح ويفطرن الصائم ، وينقضن الوضوء : الغيبة ، والنميمة ، والكذب . وقال عطاء بن السائب : ذكرت للشعبي قول النبي - صلى الله عليه وسلم - : لا يدخل الجنة سافك دم ، ولا مشاء بنميمة ، ولا تاجر يربي فقلت : يا أبا عمرو ، قرن النمام بالقاتل وآكل الربا ؟ فقال : وهل تسفك الدماء ، وتنتهب الأموال ، وتهيج الأمور العظام ، إلا من أجل النميمة .وقال قتادة وغيره : كانت تعير رسول الله - صلى الله عليه وسلم - بالفقر . ثم كانت مع كثرة مالها تحمل الحطب على ظهرها ؛ لشدة بخلها ، فعيرت بالبخل . وقال ابن زيد والضحاك : كانت تحمل العضاه والشوك ، فتطرحه بالليل على طريق النبي - صلى الله عليه وسلم - وأصحابه ؛ وقاله ابن عباس . قال الربيع : فكان النبي - صلى الله عليه وسلم - يطؤه كما يطأ الحرير . وقال مرة الهمداني : كانت أم جميل تأتي كل يوم بإبالة من الحسك ، فتطرحها على طريق المسلمين ، فبينما هي حاملة ذات يوم حزمة أعيت ، فقعدت على حجر لتستريح ، فجذبها الملك من خلفها فأهلكها .وقال سعيد بن جبير : حمالة الخطايا والذنوب ؛ من قولهم : فلان يحتطب على ظهره ؛ دليله قوله تعالى : وهم يحملون أوزارهم على ظهورهم . وقيل : المعنى حمالة الحطب في النار ؛ وفيه بعد . وقراءة العامة حمالة بالرفع ، على أن يكون خبرا وامرأته مبتدأ . ويكون في جيدها حبل من مسد جملة في موضع الحال من المضمر في حمالة . أو خبرا ثانيا . أو يكون حمالة الحطب نعتا لامرأته . والخبر في جيدها حبل من مسد ؛ فيوقف - على هذا - على ( ذات لهب ( . ويجوز أن يكون وامرأته معطوفة على المضمر في سيصلى فلا يوقف على ( ذات لهب ) ويوقف على وامرأته وتكون حمالة الحطب خبر ابتداء محذوف . وقرأ عاصم حمالة الحطب بالنصب على الذم ، كأنها اشتهرت بذلك ، فجاءت الصفة للذم لا للتخصيص ، كقوله تعالى : ملعونين أينما ثقفوا . وقرأ أبو قلابة ( حاملة الحطب ) .

فِى جِيدِهَا حَبْلٌ مِّن مَّسَدٍۭ (5)


قوله تعالى : في جيدها حبل من مسد قوله تعالى : في جيدها أي عنقها . وقال امرؤ القيس :وجيد كجيد الريم ليس بفاحش إذا هي نصته ولا بمعطلحبل من مسد أي من ليف ؛ قال النابغة :مقذوفة بدخيس النحض بازلها له صريف صريف القعو بالمسدوقال آخر :يا مسد الخوص تعوذ مني إن كنت لدنا لينا فإنيما شئت من أشمط مقسئنوقد يكون من جلود الإبل ، أو من أوبارها ؛ قال الشاعر :ومسد أمر من أيانق لسن بأنياب ولا حقائقوجمع الجيد أجياد ، والمسد أمساد . أبو عبيدة : هو حبل يكون من صوف . قال الحسن : هي حبال من شجر تنبت باليمن تسمى المسد ، وكانت تفتل . قال الضحاك وغيره : هذا في الدنيا ؛ فكانت تعير النبي - صلى الله عليه وسلم - بالفقر وهي تحتطب في حبل تجعله في جيدها من ليف ، فخنقها الله جل وعز به فأهلكها ؛ وهو في الآخرة حبل من نار . وقال ابن عباس في رواية أبي صالح : في جيدها حبل من مسد قال : سلسلة ذرعها سبعون ذراعا - وقاله مجاهد وعروة بن الزبير : تدخل من فيها ، وتخرج من أسفلها ، ويلوى سائرها على عنقها . وقال قتادة : حبل من مسد قال : قلادة من ودع . الودع : خرز بيض تخرج من البحر ، تتفاوت في الصغر والكبر . قال الشاعر :والحلم حلم صبي يمرث الودعهوالجمع : ودعات . الحسن : إنما كان خرزا في عنقها . سعيد بن المسيب : كانت لها قلادة فاخرة من جوهر ، فقالت : واللات والعزى لأنفقتها في عداوة محمد . ويكون ذلك عذابا في جيدها يوم القيامة . وقيل : إن ذلك إشارة إلى الخذلان ؛ يعني أنها مربوطة عن الإيمان بما سبق لها من الشقاء ، كالمربوط في جيده بحبل من مسد . والمسد : الفتل . يقال : مسد حبله يمسده مسدا ؛ أي أجاد فتله . قال :يمسد أعلى لحمه ويأرمهيقول : إن البقل يقوي ظهر هذا الحمار ويشده . ودابة ممسودة الخلق : إذا كانت شديدة الأسر . قال الشاعر :ومسد أمر من أيانق صهب عتاق ذات مخ زاهقلسن بأنياب ولا حقائقويروى :ولا ضعاف مخهن زاهققال الفراء : هو مرفوع والشعر مكفأ . يقول : بل مخهن مكتنز ؛ رفعه على الابتداء . قال : ولا يجوز أن يريد ولا ضعاف زاهق مخهن . كما لا يجوز أن تقول : مررت برجل أبوه قائم ؛ بالخفض . وقال غيره : الزاهق هنا : بمعنى الذاهب كأنه قال : ولا ضعاف مخهن ، ثم رد الزاهق على الضعاف . ورجل ممسود : أي مجدول الخلق . وجارية حسنة المسد والعصب والجدل والأرم ؛ وهي ممسودة ومعصوبة ومجدولة ومأرومة . والمساد ، على فعال : لغة في المساب ، وهي نحي السمن ، وسقاء العسل . قال جميعه الجوهري . وقد اعترض فقيل : إن كان ذلك حبلها الذي تحتطب به ، فكيف يبقى في النار ؟ وأجيب عنه بأن الله - عز وجل - قادر على تجديده كلما احترق . والحكم ببقاء أبي لهب وامرأته في النار مشروط ببقائهما على الكفر إلى الموافاة ؛ فلما ماتا على الكفر صدق الإخبار عنهما . ففيه معجزة للنبي - صلى الله عليه وسلم - . فامرأته خنقها الله بحبلها ، وأبو لهب رماه الله بالعدسة بعد وقعة بدر بسبع ليال ، بعد أن شجته أم الفضل . وذلك أنه لما قدم الحيسمان مكة يخبر خبر بدر ؛ قال له أبو لهب : أخبرني خبر الناس . قال : نعم ، والله ما هو إلا أن لقينا القوم ، فمنحناهم أكتافنا ، يضعون السلاح منا حيث شاءوا ، ومع ذلك ما لمست الناس . لقينا رجالا بيضا على خيل بلق ، لا والله ما تبقي منا ؛ يقول : ما تبقي شيئا . قال أبو رافع : وكنت غلاما للعباس أنحت الأقداح في صفة زمزم ، وعندي أم الفضل جالسة ، وقد سرنا ما جاءنا من الخبر ، فرفعت طنب الحجرة ، فقلت : تلك والله الملائكة . قال : فرفع أبو لهب يده ، فضرب وجهي ضربة منكرة ، وثاورته ، وكنت رجلا ضعيفا ، فاحتملني ، فضرب بي الأرض ، وبرك على صدري يضربني . وتقدمت أم الفضل إلى عمود من عمد الحجرة ، فتأخذه وتقول : استضعفته أن غاب عنه سيده ! وتضربه بالعمود على رأسه فتفلقه شجة منكرة . فقام يجر رجليه ذليلا ، ورماه الله بالعدسة ، فمات ، وأقام ثلاثة أيام يدفن حتى أنتن ؛ ثم إن ولده غسلوه بالماء ، قذفا من بعيد ، مخافة عدوى العدسة . وكانت قريش تتقيها كما يتقى الطاعون . ثم احتملوه إلى أعلى مكة ، فأسندوه إلى جدار ، ثم رضموا عليه الحجارة .