تفسير سورة يوسف الصفحة 235 من القرآن الكريم

تفسير الصفحة رقم 235 من المصحف


بِسْمِ ٱللَّهِ ٱلرَّحْمَٰنِ ٱلرَّحِيمِ الٓر تِلْكَ ءَايَٰتُ ٱلْكِتَٰبِ ٱلْمُبِينِ (1)


سورة يوسف عليه السلام وهي مكية كلها . وقال ابن عباس وقتادة : إلا أربع آيات منها . وروي أن اليهود سألوا رسول الله - صلى الله عليه وسلم - عن قصة يوسف فنزلت السورة ; وسيأتي . وقال سعد بن أبي وقاص : أنزل القرآن على رسول الله - صلى الله عليه وسلم - فتلاه عليهم زمانا فقالوا : لو قصصت علينا ; فنزل : نحن نقص عليك فتلاه عليهم زمانا فقالوا : لو حدثتنا ; فأنزل : الله نزل أحسن الحديث . قال العلماء : وذكر الله أقاصيص الأنبياء في القرآن وكررها بمعنى واحد في وجوه مختلفة ، بألفاظ متباينة على درجات البلاغة ، وقد ذكر قصة يوسف ولم يكررها ، فلم يقدر مخالف على معارضة ما تكرر ، ولا على معارضة غير المتكرر ، والإعجاز لمن تأمل .بسم الله الرحمن الرحيمالر تلك آيات الكتاب المبينقوله تعالى : " الر " تقدم القول فيه ; والتقدير هنا : تلك آيات الكتاب ، على الابتداء والخبر . وقيل : الر اسم السورة ; أي هذه السورة المسماة " الر "تلك آيات الكتاب المبين يعني بالكتاب المبين القرآن المبين ; أي المبين حلاله وحرامه وحدوده وأحكامه وهداه وبركته . وقيل : أي هذه تلك الآيات التي كنتم توعدون بها في التوراة .

إِنَّآ أَنزَلْنَٰهُ قُرْءَٰنًا عَرَبِيًّا لَّعَلَّكُمْ تَعْقِلُونَ (2)


قوله تعالى : إنا أنزلناه قرآنا عربيا لعلكم تعقلونقوله تعالى : إنا أنزلناه قرآنا عربيا يجوز أن يكون المعنى : إنا أنزلنا القرآن عربيا ; نصب " قرآنا " على الحال ; أي مجموعا . و " عربيا " نعت لقوله " قرآنا " . ويجوز أن يكون توطئة للحال ، كما تقول : مررت بزيد رجلا صالحا ، و " عربيا " على الحال ، أي يقرأ بلغتكم يا معشر العرب . أعرب بين ، ومنه الثيب تعرب عن نفسها .لعلكم تعقلون أي لكي تعلموا معانيه ، وتفهموا ما فيه . وبعض العرب يأتي بأن مع " لعل " تشبيها بعسى . واللام في " لعل " زائدة للتوكيد ; كما قال الشاعر :يا أبتا علك أو عساكاوقيل : لعلكم تعقلون أي لتكونوا على رجاء من تدبره ; فيعود معنى الشك إليهم لا إلى الكتاب ، ولا إلى الله عز وجل . وقيل : معنى أنزلناه أي أنزلنا خبر يوسف ، قال النحاس : وهذا أشبه بالمعنى ; لأنه يروى أن اليهود قالوا : سلوه لم انتقل آل يعقوب من الشام إلى مصر ؟ وعن خبر يوسف ; فأنزل الله - عز وجل - هذا بمكة موافقا لما في التوراة ، وفيه زيادة ليست عندهم . فكان هذا للنبي صلى الله عليه وسلم - إذ أخبرهم ولم يكن يقرأ كتابا قط ولا هو في موضع كتاب - بمنزلة إحياء عيسى - عليه السلام - الميت على ما يأتي فيه .

نَحْنُ نَقُصُّ عَلَيْكَ أَحْسَنَ ٱلْقَصَصِ بِمَآ أَوْحَيْنَآ إِلَيْكَ هَٰذَا ٱلْقُرْءَانَ وَإِن كُنتَ مِن قَبْلِهِۦ لَمِنَ ٱلْغَٰفِلِينَ (3)


قوله تعالى : نحن نقص عليك أحسن القصص بما أوحينا إليك هذا القرآن وإن كنت من قبله لمن الغافلينقوله تعالى : نحن نقص عليك ابتداء وخبره . أحسن القصص بمعنى المصدر ، والتقدير : قصصنا أحسن القصص . وأصل القصص تتبع الشيء ، ومنه قوله تعالى : وقالت لأخته قصيه أي تتبعي أثره ; فالقاص ، يتبع الآثار فيخبر بها .والحسن يعود إلى القصص لا إلى القصة . يقال : فلان حسن الاقتصاص للحديث أي جيد السياقة له . وقيل : القصص ليس مصدرا ، بل هو في معنى الاسم ، كما يقال : الله رجاؤنا ، أي مرجونا فالمعنى على هذا : نحن نخبرك بأحسن الأخبار .بما أوحينا إليك أي بوحينا ف " ما " مع الفعل بمنزلة المصدر .هذا القرآن نصب القرآن على أنه نعت لهذا ، أو بدل منه ، أو عطف بيان . وأجاز الفراء الخفض ; قال : على التكرير ; وهو عند البصريين على البدل من " ما " . وأجاز أبو إسحاق الرفع على إضمار مبتدأ ، كأن سائلا سأله عن الوحي فقيل له : هو هذا القرآن .وإن كنت من قبله لمن الغافلين أي من الغافلين عما عرفناكه .مسألة : واختلف العلماء لم سميت هذه السورة أحسن القصص من بين سائر الأقاصيص ؟ فقيل : لأنه ليست قصة في القرآن تتضمن من العبر والحكم ما تتضمن هذه القصة ; وبيانه قوله في آخرها : لقد كان في قصصهم عبرة لأولي الألباب . وقيل : سماها أحسن القصص لحسن مجاوزة يوسف عن إخوته ، وصبره على أذاهم ، وعفوه عنهم - بعد الالتقاء بهم - عن ذكر ما تعاطوه ، وكرمه في العفو عنهم ، حتى قال : لا تثريب عليكم اليوم . وقيل : لأن فيها ذكر الأنبياء والصالحين والملائكة والشياطين ، والجن والإنس والأنعام والطير ، وسير الملوك والممالك ، والتجار والعلماء والجهال ، والرجال والنساء وحيلهن ومكرهن ، وفيها ذكر التوحيد والفقه والسير وتعبير الرؤيا ، والسياسة والمعاشرة وتدبير المعاش ، وجمل الفوائد التي تصلح للدين والدنيا . وقيل لأن فيها ذكر الحبيب والمحبوب وسيرهما . وقيل : " أحسن " هنا بمعنى أعجب . وقال بعض أهل المعاني : إنما كانت أحسن القصص لأن كل من ذكر فيها كان مآله السعادة ; انظر إلى يوسف وأبيه وإخوته ، وامرأة العزيز ; قيل : والملك أيضا أسلم بيوسف وحسن إسلامه ، ومستعبر الرؤيا الساقي ، والشاهد فيما يقال : فما كان أمر الجميع إلا إلى خير .

إِذْ قَالَ يُوسُفُ لِأَبِيهِ يَٰٓأَبَتِ إِنِّى رَأَيْتُ أَحَدَ عَشَرَ كَوْكَبًا وَٱلشَّمْسَ وَٱلْقَمَرَ رَأَيْتُهُمْ لِى سَٰجِدِينَ (4)


قوله تعالى : إذ قال يوسف لأبيه ياأبت إني رأيت أحد عشر كوكبا والشمس والقمر رأيتهم لي ساجدين قوله تعالى : إذ قال يوسف إذ في موضع نصب على الظرف ; أي اذكر لهم حين قال يوسف . وقراءة العامة بضم السين . وقرأ طلحة بن مصرف " يؤسف " بالهمزة وكسر السين . وحكى أبو زيد : " يؤسف " بالهمزة وفتح السين . ولم ينصرف لأنه أعجمي ; وقيل : هو عربي .وسئل أبو الحسن الأقطع - وكان حكيما - عن " يوسف " فقال : الأسف في اللغة الحزن ; والأسيف العبد ، وقد اجتمعا في يوسف ; فلذلك سمي يوسف ." لأبيه يا أبت " بكسر التاء قراءة أبي عمرو وعاصم ونافع وحمزة والكسائي ، وهي عند البصريين علامة التأنيث أدخلت على الأب في النداء خاصة بدلا من ياء الإضافة ، وقد تدخل علامة التأنيث على المذكر فيقال : رجل نكحة وهزأة ; قال النحاس : إذا قلت يا أبت بكسر التاء فالتاء عند سيبويه بدل من ياء الإضافة ; ولا يجوز على قوله الوقف إلا بالهاء ، وله على قوله دلائل : منها - أن قولك : " يا أبه " يؤدي عن معنى " يا أبي " ; وأنه لا يقال : يا أبت إلا في المعرفة ; ولا يقال : جاءني أبت ، ولا تستعمل العرب هذا إلا في النداء خاصة ، ولا يقال : " يا أبتي " لأن التاء بدل من الياء فلا يجمع بينهما . وزعم الفراء أنه إذا قال : " يا أبت " فكسر دل على الياء لا غير ; لأن الياء في النية . وزعم أبو إسحاق أن هذا خطأ ، والحق ما قال ، كيف تكون الياء في النية وليس يقال : " يا أبتي " ؟ وقرأ أبو جعفر والأعرج وعبد الله بن عامر " يا أبت " بفتح التاء ; قال البصريون : أرادوا " يا أبتي " بالياء ، ثم أبدلت الياء ألفا فصارت " يا أبتا " فحذفت الألف وبقيت الفتحة على التاء . وقيل : الأصل الكسر ، ثم أبدل من الكسرة فتحة ، كما يبدل من الياء ألف فيقال : يا غلاما أقبل . وأجاز الفراء " يا أبت " بضم التاء .إني رأيت أحد عشر كوكبا ليس بين النحويين اختلاف أنه يقال : جاءني أحد عشر ، ورأيت ومررت بأحد عشر ، وكذلك ثلاثة عشر وتسعة عشر وما بينهما ; جعلوا الاسمين اسما واحدا وأعربوهما بأخف الحركات . قال السهيلي : أسماء هذه الكواكب جاء ذكرها مسندا ; رواه الحارث بن أبي أسامة قال : جاء بستانة - وهو رجل من أهل الكتاب - فسأل النبي - صلى الله عليه وسلم - عن الأحد عشر كوكبا الذي رأى يوسف فقال : ( الحرثان والطارق والذيال وقابس والمصبح والضروح وذو الكنفات وذو القرع والفليق ووثاب والعمودان ; رآها يوسف - عليه السلام - تسجد له ) . قال ابن عباس وقتادة : الكواكب إخوته ، والشمس أمه ، والقمر أبوه . وقال قتادة أيضا : الشمس خالته ، لأن أمه كانت قد ماتت ، وكانت خالته تحت أبيه ." رأيتهم " توكيد . وقال : رأيتهم لي ساجدين فجاء مذكرا ; فالقول عند الخليل وسيبويه أنه لما أخبر عن هذه الأشياء بالطاعة والسجود وهما من أفعال من يعقل أخبر عنها كما يخبر عمن يعقل . وقد تقدم هذا المعنى في قوله : وتراهم ينظرون إليك . والعرب تجمع ما لا يعقل جمع من يعقل إذا أنزلوه منزلته ، وإن كان خارجا عن الأصل .

الصفحة التالية