تفسير سورة الحجر الصفحة 265 من القرآن الكريم

تفسير الصفحة رقم 265 من المصحف


إِذْ دَخَلُوا۟ عَلَيْهِ فَقَالُوا۟ سَلَٰمًا قَالَ إِنَّا مِنكُمْ وَجِلُونَ (52)


إذ دخلوا عليه جمع الخبر لأن الضيف اسم يصلح للواحد والجمع والتثنية والمذكر والمؤنث كالمصدر . ضافه وأضافه أماله ; ومنه الحديث ( حين تضيف الشمس للغروب ) ، وضيفوفة السهم ، والإضافة النحوية .فقالوا سلاما أي سلموا سلاما .قال إنا منكم وجلون أي فزعون خائفون ، وإنما قال هذا بعد أن قرب العجل ورآهم لا يأكلون ، على ما تقدم في هود . وقيل : أنكر السلام ولم يكن في بلادهم رسم السلام .

قَالُوا۟ لَا تَوْجَلْ إِنَّا نُبَشِّرُكَ بِغُلَٰمٍ عَلِيمٍ (53)


قَالُوا لَا تَوْجَلْأي قالت الملائكة لا تخف .إِنَّا نُبَشِّرُكَ بِغُلَامٍ عَلِيمٍأي حليم ; قاله مقاتل .وقال الجمهور : عالم .وهو إسحاق .

قَالَ أَبَشَّرْتُمُونِى عَلَىٰٓ أَن مَّسَّنِىَ ٱلْكِبَرُ فَبِمَ تُبَشِّرُونَ (54)


قال أبشرتموني على أن مسني الكبر أن مصدرية ; أي على مس الكبر إياي وزوجتي ، وقد تقدم في هود وإبراهيم ،فبم تبشرون استفهام تعجب . وقيل : استفهام حقيقي . وقرأ الحسن " توجل " بضم التاء . والأعمش " بشرتموني " بغير ألف ، ونافع وشيبة " تبشرون بكسر النون والتخفيف ; مثل ، أتحاجونني وقد تقدم تعليله . وقرأ ابن كثير وابن محيصن تبشرون بكسر النون مشددة ، تقديره تبشرونني ، فأدغم النون في النون . الباقون " تبشرون " بنصب النون بغير إضافة .

قَالُوا۟ بَشَّرْنَٰكَ بِٱلْحَقِّ فَلَا تَكُن مِّنَ ٱلْقَٰنِطِينَ (55)


قوله تعالى : قالوا بشرناك بالحق فلا تكن من القانطين قوله تعالى : قالوا بشرناك بالحق أي بما لا خلف فيه ، وأن الولد لا بد منه .فلا تكن من القانطين أي من الآيسين من الولد ، وكان قد أيس من الولد لفرط الكبر . وقراءة العامة من القانطين بالألف . وقرأ الأعمش ويحيى بن وثاب من القنطين بلا ألف . وروي عن أبي عمرو . وهو مقصور من القانطين . ويجوز أن يكون من لغة من قال : قنط يقنط ; مثل حذر يحذر . وفتح النون وكسرها من يقنط لغتان قرئ بهما . وحكي فيه " يقنط " بالضم . ولم يأت فيه " قنط يقنط " [ و ] من فتح النون في الماضي والمستقبل فإنه جمع بين اللغتين ، فأخذ في الماضي بلغة من قال : قنط يقنط ، وفي المستقبل بلغة من قال : قنط يقنط ; ذكره المهدوي .

قَالَ وَمَن يَقْنَطُ مِن رَّحْمَةِ رَبِّهِۦٓ إِلَّا ٱلضَّآلُّونَ (56)


قوله تعالى : قال ومن يقنط من رحمة ربه إلا الضالون أي المكذبون الذاهبون عن طريق الصواب . يعني أنه استبعد الولد لكبر سنه لا أنه قنط من رحمة الله - تعالى - .

قَالَ فَمَا خَطْبُكُمْ أَيُّهَا ٱلْمُرْسَلُونَ (57)


لما علم أنهم ملائكة - إذ أخبروه بأمر خارق للعادة وهو بشراهم بالولد - قال : فما خطبكم ؟ والخطب الأمر الخطير .أي فما أمركم وشأنكم وما الذي جئتم به .

قَالُوٓا۟ إِنَّآ أُرْسِلْنَآ إِلَىٰ قَوْمٍ مُّجْرِمِينَ (58)


أي مشركين ضالين .وفي الكلام إضمار ; أي أرسلنا إلى قوم مجرمين لنهلكهم .

إِلَّآ ءَالَ لُوطٍ إِنَّا لَمُنَجُّوهُمْ أَجْمَعِينَ (59)


إِلَّا آلَ لُوطٍأتباعه وأهل دينه .إِنَّا لَمُنَجُّوهُمْ أَجْمَعِينَوقرأ حمزة والكسائي " لمنجوهم " بالتخفيف من أنجى .الباقون : بالتشديد من نجى , واختاره أبو عبيد وأبو حاتم .والتنجية والإنجاء التخليص .

إِلَّا ٱمْرَأَتَهُۥ قَدَّرْنَآ إِنَّهَا لَمِنَ ٱلْغَٰبِرِينَ (60)


إلا امرأته قدرنا إنها لمن الغابرين إلا امرأته استثنى من آل لوط امرأته وكانت كافرة فالتحقت بالمجرمين في الهلاك . وقد تقدمت قصة قوم لوط في " الأعراف " وسورة " هود " بما فيه كفاية . قدرنا إنها لمن الغابرين أي قضينا وكتبنا إنها لمن الباقين في العذاب . والغابر : الباقي . قال :لا تكسع الشول بأغبارها إنك لا تدري من الناتجالأغبار بقايا اللبن . وقرأ أبو بكر والمفضل " قدرنا " بالتخفيف هنا وفي النمل ، وشدد الباقون . الهروي : يقال قدر وقدر ، بمعنى .لا خلاف بين أهل اللسان وغيرهم أن الاستثناء من النفي إثبات ومن الإثبات نفي ; فإذا قال رجل : له علي عشرة دراهم إلا أربعة إلا درهما ; ثبت الإقرار بسبعة ; لأن الدرهم مستثنى من الأربعة ، وهو مثبت لأنه مستثنى من منفي ، وكانت الأربعة منفية لأنها مستثناة من موجب وهو العشرة ، فعاد الدرهم إلى الستة فصارت سبعة . وكذلك لو قال : علي خمسة دراهم إلا درهما إلا ثلثيه ; كان عليه أربعة دراهم وثلث . وكذلك إذا قال : لفلان علي عشرة إلا تسعة إلا ثمانية إلا سبعة ; كان الاستثناء الثاني راجعا إلى ما قبله ، والثالث إلى الثاني فيكون عليه درهمان ; لأن العشرة إثبات والثمانية إثبات فيكون مجموعها ثمانية عشر . والتسعة نفي والسبعة نفي فيكون ستة عشر تسقط من ثمانية عشر ويبقى درهمان ، وهو القدر الواجب بالإقرار لا غير . فقوله سبحانه : إنا أرسلنا إلى قوم مجرمين إلا آل لوط إنا لمنجوهم أجمعين إلا امرأته فاستثنى آل لوط من القوم المجرمين ، ثم قال : إلا امرأته فاستثناها من آل لوط ، فرجعت في التأويل إلى القوم المجرمين كما بينا . وهكذا الحكم في الطلاق ، لو قال لزوجته : أنت طالق ثلاثا إلا اثنتين إلا واحدة طلقت اثنتين ; لأن الواحدة رجعت إلى الباقي من المستثنى منه وهي الثلاث . وكذا كل ما جاء من هذا ، فتفهمه .

فَلَمَّا جَآءَ ءَالَ لُوطٍ ٱلْمُرْسَلُونَ (61)



قَالَ إِنَّكُمْ قَوْمٌ مُّنكَرُونَ (62)


أي لا أعرفكم .وقيل : كانوا شبابا ورأى جمالا فخاف عليهم من فتنة قومه ; فهذا هو الإنكار .

قَالُوا۟ بَلْ جِئْنَٰكَ بِمَا كَانُوا۟ فِيهِ يَمْتَرُونَ (63)


قالوا بل جئناك بما كانوا فيه يمترونأي يشكون أنه نازل بهم , وهو العذاب .

وَأَتَيْنَٰكَ بِٱلْحَقِّ وَإِنَّا لَصَٰدِقُونَ (64)


وأتيناك بالحقأي بالصدق . وقيل : بالعذاب .وإنا لصادقونأي في هلاكهم .

فَأَسْرِ بِأَهْلِكَ بِقِطْعٍ مِّنَ ٱلَّيْلِ وَٱتَّبِعْ أَدْبَٰرَهُمْ وَلَا يَلْتَفِتْ مِنكُمْ أَحَدٌ وَٱمْضُوا۟ حَيْثُ تُؤْمَرُونَ (65)


فأسر بأهلك بقطع من الليل فأسر بأهلك قرئ " فاسر " بوصل الألف وقطعها ; لغتان فصيحتان . قال الله - تعالى - : والليل إذا يسر وقال : سبحان الذي أسرى وقال النابغة : فجمع بين اللغتين :أسرت عليه من الجوزاء سارية تزجي الشمال عليه جامد البردوقال آخر :حي النضيرة ربة الخدر أسرت إليك ولم تكن تسريوقد قيل : فأسر بالقطع إذا سار من أول الليل ، وسرى إذا سار من آخره ; ولا يقال في النهار إلا سار . وقال لبيد :إذا المرء أسرى ليلة ظن أنه قضى عملا والمرء ما عاش عاملوقال عبد الله بن رواحة :عند الصباح يحمد القوم السرى وتنجلي عنهم غيابات الكرىبقطع من الليل قال ابن عباس : ( بطائفة من الليل ) . الضحاك : ببقية من الليل . وقيل : بظلمة من الليل . وقيل : بعد هدء من الليل . وقيل : هزيع من الليل . وكلها متقاربة ; وقيل إنه نصف الليل ; مأخوذ من قطعه نصفين ; ومنه قول الشاعر :ونائحة تنوح بقطع ليل على رجل بقارعة الصعيدفإن قيل : السرى لا يكون إلا بالليل ، فما معنى بقطع من الليل ؟ فالجواب : أنه لو لم يقل : بقطع من الليل جاز أن يكون أوله .واتبع أدبارهم أي كن من ورائهم لئلا يتخلف منهم أحد فيناله العذاب .ولا يلتفت منكم أحد نهوا عن الالتفات ليجدوا في السير ويتباعدوا عن القرية قبل أن يفاجئهم الصبح . وقيل : المعنى لا يتخلف .وامضوا حيث تؤمرون قال ابن عباس ( يعني الشام ) . مقاتل . يعني صفد ، قرية من قرى لوط . وقد تقدم . وقيل : إنه مضى إلى أرض الخليل بمكان يقال له اليقين ، وإنما سمي اليقين لأن إبراهيم لما خرجت الرسل شيعهم ، فقال لجبريل : من أين يخسف بهم ؟ قال : ( من هاهنا ) وحد له حدا ، وذهب جبريل ، فلما جاء لوط . جلس عند إبراهيم وارتقبا ذلك العذاب ، فلما اهتزت الأرض قال إبراهيم : ( أيقنت بالله ) فسمي اليقين .

وَقَضَيْنَآ إِلَيْهِ ذَٰلِكَ ٱلْأَمْرَ أَنَّ دَابِرَ هَٰٓؤُلَآءِ مَقْطُوعٌ مُّصْبِحِينَ (66)


وَقَضَيْنَا إِلَيْهِأي أوحينا إلى لوط .أَنَّ دَابِرَ هَؤُلَاءِ مَقْطُوعٌ مُصْبِحِينَنظيره " فقطع دابر القوم الذين ظلموا " .[ الأنعام : 45 ] " مصبحين " أي عند طلوع الصبح .وقد تقدم .

وَجَآءَ أَهْلُ ٱلْمَدِينَةِ يَسْتَبْشِرُونَ (67)


وَجَاءَ أَهْلُ الْمَدِينَةِأي أهل مدينة لوط يَسْتَبْشِرُونَمستبشرين بالأضياف طمعا منهم في ركوب الفاحشة .

قَالَ إِنَّ هَٰٓؤُلَآءِ ضَيْفِى فَلَا تَفْضَحُونِ (68)


قَالَ إِنَّ هَؤُلَاءِ ضَيْفِيأي أضيافي .فَلَا تَفْضَحُونِأي تخجلون .

وَٱتَّقُوا۟ ٱللَّهَ وَلَا تُخْزُونِ (69)


يجوز أن يكون من الخزي وهو الذل والهوان , ويجوز أن يكون من الخزاية وهو الحياء والخجل .وقد تقدم في هود .

قَالُوٓا۟ أَوَلَمْ نَنْهَكَ عَنِ ٱلْعَٰلَمِينَ (70)


أي عن أن تضيف , أحدا لأنا نريد منهم الفاحشة .وكانوا يقصدون بفعلهم الغرباء ; عن الحسن .وقد تقدم في الأعراف .وقيل : أولم ننهك عن أن تكلمنا في أحد من الناس إذا قصدناه بالفاحشة .

الصفحة السابقة الصفحة التالية