تفسير سورة المؤمنون الصفحة 347 من القرآن الكريم

تفسير الصفحة رقم 347 من المصحف


وَلَوْ رَحِمْنَٰهُمْ وَكَشَفْنَا مَا بِهِم مِّن ضُرٍّ لَّلَجُّوا۟ فِى طُغْيَٰنِهِمْ يَعْمَهُونَ (75)


قوله تعالى : ولو رحمناهم وكشفنا ما بهم من ضر للجوا في طغيانهم يعمهونقوله تعالى : ولو رحمناهم وكشفنا ما بهم من ضر أي لو رددناهم إلى الدنيا ولم ندخلهم النار وامتحناهم للجوا في طغيانهم قال السدي : في معصيتهم . يعمهون قال الأعمش : يترددون . قال ابن جريج : ولو رحمناهم يعني في الدنيا وكشفنا ما بهم من ضر أي من قحط وجوع للجوا أي لتمادوا في طغيانهم وضلالتهم وتجاوزهم الحد يعمهون يتذبذبون ويخبطون .

وَلَقَدْ أَخَذْنَٰهُم بِٱلْعَذَابِ فَمَا ٱسْتَكَانُوا۟ لِرَبِّهِمْ وَمَا يَتَضَرَّعُونَ (76)


قوله تعالى : ولقد أخذناهم بالعذاب فما استكانوا لربهم وما يتضرعونقوله تعالى : ولقد أخذناهم بالعذاب قال الضحاك : بالجوع . وقيل : بالأمراض والحاجة والجوع . وقيل : بالقتل والجوع . فما استكانوا لربهم أي ما خضعوا . وما يتضرعون أي ما يخشعون لله - عز وجل - في الشدائد تصيبهم . قال ابن عباس : نزلت في قصة ثمامة بن أثال لما أسرته السرية ، وأسلم وخلى رسول الله - صلى الله عليه وسلم - سبيله ، حال بين مكة وبين الميرة وقال : والله لا يأتيكم من اليمامة حبة حنطة حتى يأذن فيها رسول الله - صلى الله عليه وسلم - . وأخذ الله قريشا بالقحط والجوع حتى أكلوا الميتة والكلاب والعلهز ؛ قيل وما العلهز ؟ قال : كانوا يأخذون الصوف والوبر فيبلونه بالدم ثم يشوونه ويأكلونه . فقال له أبو سفيان : أنشدك الله والرحم ! أليس تزعم أن الله بعثك رحمة للعالمين ؟ قال : بلى . قال : فوالله ما أراك إلا قتلت الآباء بالسيف ، وقتلت الأبناء بالجوع ؛ فنزل قوله : ولو رحمناهم وكشفنا ما بهم من ضر للجوا في طغيانهم يعمهون .

حَتَّىٰٓ إِذَا فَتَحْنَا عَلَيْهِم بَابًا ذَا عَذَابٍ شَدِيدٍ إِذَا هُمْ فِيهِ مُبْلِسُونَ (77)


قوله تعالى : حتى إذا فتحنا عليهم بابا ذا عذاب شديد إذا هم فيه مبلسونقوله تعالى : حتى إذا فتحنا عليهم بابا ذا عذاب شديد قال عكرمة : هو باب من أبواب جهنم ، عليه من الخزنة أربعمائة ألف ، سود وجوههم ، كالحة أنيابهم ، وقد قلعت الرحمة من قلوبهم ؛ إذا بلغوه فتحه الله - عز وجل - عليهم . وقال ابن عباس : هو قتلهم بالسيف يوم بدر . مجاهد : هو القحط الذي أصابهم حتى أكلوا العلهز من الجوع ؛ على ما تقدم . وقيل فتح مكة . إذا هم فيه مبلسون أي يائسون متحيرون لا يدرون ما يصنعون ، كالآيس من الفرج ومن كل خير . وقد تقدم في ( الأنعام ) .

وَهُوَ ٱلَّذِىٓ أَنشَأَ لَكُمُ ٱلسَّمْعَ وَٱلْأَبْصَٰرَ وَٱلْأَفْـِٔدَةَ قَلِيلًا مَّا تَشْكُرُونَ (78)


قوله تعالى : وهو الذي أنشأ لكم السمع والأبصار والأفئدة قليلا ما تشكرونقوله تعالى : وهو الذي أنشأ لكم السمع والأبصار عرفهم كثرة نعمه وكمال قدرته . قليلا ما تشكرون أي ما تشكرون إلا شكرا قليلا . وقيل : أي لا تشكرون البتة .

وَهُوَ ٱلَّذِى ذَرَأَكُمْ فِى ٱلْأَرْضِ وَإِلَيْهِ تُحْشَرُونَ (79)


قوله تعالى : وهو الذي ذرأكم في الأرض وإليه تحشرونقوله تعالى : وهو الذي ذرأكم في الأرض أي أنشأكم وبثكم وخلقكم . وإليه تحشرون أي تجمعون للجزاء .

وَهُوَ ٱلَّذِى يُحْىِۦ وَيُمِيتُ وَلَهُ ٱخْتِلَٰفُ ٱلَّيْلِ وَٱلنَّهَارِ أَفَلَا تَعْقِلُونَ (80)


قوله تعالى : وهو الذي يحيي ويميت وله اختلاف الليل والنهار أي جعلهما مختلفين ؛ كقولك : لك الأجر والصلة ؛ أي إنك تؤجر وتوصل ؛ قاله الفراء . وقيل : اختلافهما نقصان أحدهما وزيادة الآخر . وقيل : اختلافهما في النور والظلمة . وقيل : تكررهما يوما بعد ليلة وليلة بعد يوم . ويحتمل خامسا : اختلاف ما مضى فيهما من سعادة وشقاء وضلال وهدى .أفلا تعقلون كنه قدرته ، وربوبيته ، ووحدانيته ، وأنه لا يجوز أن يكون له شريك من خلقه ، وأنه قادر على البعث .

بَلْ قَالُوا۟ مِثْلَ مَا قَالَ ٱلْأَوَّلُونَ (81)


ثم عيرهم بقولهم وأخبر عنهم أنهم " قالوا مثل ما قال الأولون "

قَالُوٓا۟ أَءِذَا مِتْنَا وَكُنَّا تُرَابًا وَعِظَٰمًا أَءِنَّا لَمَبْعُوثُونَ (82)


هذا لا يكون ولا يتصور .

لَقَدْ وُعِدْنَا نَحْنُ وَءَابَآؤُنَا هَٰذَا مِن قَبْلُ إِنْ هَٰذَآ إِلَّآ أَسَٰطِيرُ ٱلْأَوَّلِينَ (83)


لقد وعدنا نحن وآباؤنا هذا من قبل أي من قبل مجيء محمد - صلى الله عليه وسلم - ، فلم نر له حقيقة . إن هذا أي ما هذا إلا أساطير الأولين أي أباطيلهم وترهاتهم ؛ وقد تقدم هذا كله .

قُل لِّمَنِ ٱلْأَرْضُ وَمَن فِيهَآ إِن كُنتُمْ تَعْلَمُونَ (84)


قال الله تعالى قل يا محمد جوابا لهم عما قالوه لمن الأرض ومن فيها يخبر بربوبيته ، ووحدانيته ، وملكه الذي لا يزول ، وقدرته التي لا تحول ؛

سَيَقُولُونَ لِلَّهِ قُلْ أَفَلَا تَذَكَّرُونَ (85)


ف سيقولون لله ولا بد لهم من ذلك . ف قل أفلا تذكرون أي أفلا تتعظون وتعلمون أن من قدر على خلق ذلك ابتداء فهو على إحياء الموتى بعد موتهم قادر .

قُلْ مَن رَّبُّ ٱلسَّمَٰوَٰتِ ٱلسَّبْعِ وَرَبُّ ٱلْعَرْشِ ٱلْعَظِيمِ (86)


قل من رب السماوات السبع ورب العرش العظيم سيقولون لله قل أفلا تتقون يريد أفلا تخافون حيث تجعلون لي ما تكرهون ؛ زعمتم أن الملائكة بناتي ، وكرهتم لأنفسكم البنات .

سَيَقُولُونَ لِلَّهِ قُلْ أَفَلَا تَتَّقُونَ (87)


يريد أفلا تخافون حيث تجعلون لي ما تكرهون ; زعمتم أن الملائكة بناتي , وكرهتم لأنفسكم البنات .

قُلْ مَنۢ بِيَدِهِۦ مَلَكُوتُ كُلِّ شَىْءٍ وَهُوَ يُجِيرُ وَلَا يُجَارُ عَلَيْهِ إِن كُنتُمْ تَعْلَمُونَ (88)


قل من بيده ملكوت كل شيء يريد السماوات وما فوقها وما بينهن ، والأرضين وما تحتهن وما بينهن ، وما لا يعلمه أحد إلا هو . وقال مجاهد : ملكوت كل شيء خزائن كل شيء . الضحاك : ملك كل شيء . والملكوت من صفات المبالغة كالجبروت والرهبوت ؛ وقد مضى في ( الأنعام ) .وهو يجير ولا يجار عليه أي يمنع ولا يمنع منه . وقيل : يجير يؤمن من شاء . ولا يجار عليه أي لا يؤمن من أخافه . ثم قيل : هذا في الدنيا ؛ أي من أراد الله إهلاكه وخوفه لم يمنعه منه مانع ، ومن أراد نصره وأمنه لم يدفعه من نصره وأمنه دافع . وقيل : هذا في الآخرة ، أي لا يمنعه من مستحق الثواب مانع ولا يدفعه عن مستوجب العذاب دافع .

سَيَقُولُونَ لِلَّهِ قُلْ فَأَنَّىٰ تُسْحَرُونَ (89)


فأنى تسحرون أي فكيف تخدعون وتصرفون عن طاعته وتوحيده . أو كيف يخيل إليكم أن تشركوا به ما لا يضر ولا ينفع ! والسحر هو التخييل . وكل هذا احتجاج على العرب المقرين بالصانع وقرأ أبو عمرو ( سيقولون لله ) في الموضعين الأخيرين ؛ وهي قراءة أهل العراق . الباقون لله ، ولا خلاف في الأول أنه لله ؛ لأنه جواب ل ( قل لمن الأرض ومن فيها ) فلما تقدمت اللام في لمن رجعت في الجواب . ولا خلاف أنه مكتوب في جميع المصاحف بغير ألف . وأما من قرأ ( سيقولون لله ) فلأن السؤال بغير لام فجاء الجواب على لفظه ، وجاء في الأول لله لما كان السؤال باللام . وأما من قرأ لله باللام في الأخيرين وليس في السؤال لام فلأن معنى قل من رب السماوات السبع ورب العرش العظيم : قل لمن السماوات السبع ورب العرش العظيم . فكان الجواب لله ؛ حين قدرت اللام في السؤال . وعلة الثالثة كعلة الثانية . وقال الشاعر :إذا قيل من رب المزالف والقرى ورب الجياد الجرد قلت لخالدأي لمن المزالف .ودلت هذه الآيات على جواز جدال الكفار وإقامة الحجة عليهم . وقد تقدم في ( البقرة ) . ونبهت على أن من ابتدأ بالخلق والاختراع والإيجاد والإبداع هو المستحق للألوهية والعبادة .

الصفحة السابقة الصفحة التالية