تفسير سورة الشعراء الصفحة 375 من القرآن الكريم

تفسير الصفحة رقم 375 من المصحف


وَٱتَّقُوا۟ ٱلَّذِى خَلَقَكُمْ وَٱلْجِبِلَّةَ ٱلْأَوَّلِينَ (184)


واتقوا الذي خلقكم والجبلة الأولين قال مجاهد : الجبلة هي الخليقة . وجبل فلان على كذا : أي خلق ; فالخلق جبلة وجبلة وجبلة وجبلة وجبلة ، ذكره النحاس في ( معاني القرآن ) والجبلة عطف على الكاف والميم . قال الهروي : الجبلة والجبلة والجبل والجبل والجبل ، لغات ; وهو الجمع ذو العدد الكثير من الناس ; ومنه قوله تعالى : جبلا كثيرا . قال النحاس في كتاب ( إعراب القرآن ) له : ويقال " جبلة " والجمع فيهما جبال ، وتحذف الضمة والكسرة من الباء ، وكذلك التشديد من اللام ; فيقال : جبلة وجبل ، ويقال : جبلة وجبال ; وتحذف الهاء من هذا كله . وقرأ الحسن باختلاف عنه : ( والجبلة الأولين ) بضم الجيم والباء ; وروي عن شيبة والأعرج . الباقون بالكسر . قال :والموت أعظم حادث فيما يمر على الجبله

قَالُوٓا۟ إِنَّمَآ أَنتَ مِنَ ٱلْمُسَحَّرِينَ (185)


الذين يأكلون الطعام والشراب على ما تقدم .

وَمَآ أَنتَ إِلَّا بَشَرٌ مِّثْلُنَا وَإِن نَّظُنُّكَ لَمِنَ ٱلْكَٰذِبِينَ (186)


أي ما نظنك إلا من الكاذبين في أنك رسول الله تعالى .

فَأَسْقِطْ عَلَيْنَا كِسَفًا مِّنَ ٱلسَّمَآءِ إِن كُنتَ مِنَ ٱلصَّٰدِقِينَ (187)


فأسقط علينا كسفا من السماء أي جانبا من السماء وقطعة منه ، فننظر إليه ; كما قال : وإن يروا كسفا من السماء ساقطا يقولوا سحاب مركوم . وقيل : أرادوا أنزل علينا العذاب . وهو مبالغة في التكذيب . قال أبو عبيدة : الكسف جمع " كسفة " مثل سدر وسدرة . وقرأ السلمي وحفص : ( كسفا ) جمع كسفة أيضا وهي القطعة والجانب تقديره كسرة وكسر . قال الجوهري : الكسفة القطعة من الشيء ، يقال أعطني كسفة من ثوبك والجمع كسف وكسف . ويقال : الكسف والكسفة واحد . وقال الأخفش : من قرأ : " كسفا " جعله واحدا ومن قرأ : " كسفا " جعله جمعا . وقد مضى هذا في سورة " سبحان " وقال الهروي : ومن قرأ : " كسفا " على التوحيد فجمعه أكساف وكسوف ، كأنه قال : أو تسقطه علينا طبقا واحدا ، وهو من كسفت الشيء كسفا إذا غطيته .إن كنت من الصادقين

قَالَ رَبِّىٓ أَعْلَمُ بِمَا تَعْمَلُونَ (188)


تهديد ; أي إنما علي التبليغ وليس العذاب الذي سألتم وهو يجازيكم .

فَكَذَّبُوهُ فَأَخَذَهُمْ عَذَابُ يَوْمِ ٱلظُّلَّةِ إِنَّهُۥ كَانَ عَذَابَ يَوْمٍ عَظِيمٍ (189)


فكذبوه فأخذهم عذاب يوم الظلة إنه كان عذاب يوم عظيم قال ابن عباس : أصابهم حر شديد ، فأرسل الله سبحانه سحابة فهربوا إليها ليستظلوا بها ، فلما صاروا تحتها صيح بهم فهلكوا . وقيل : أقامها الله فوق رءوسهم ، وألهبها حرا حتى ماتوا من الرمد . وكان من أعظم يوم في الدنيا عذابا . وقيل : بعث الله عليهم سموما فخرجوا إلى الأيكة يستظلون بها فأضرمها الله عليهم نارا فاحترقوا . وعن ابن عباس أيضا وغيره : إن الله تعالى فتح عليهم بابا من أبواب جهنم ، وأرسل عليهم هدة وحرا شديدا فأخذ بأنفسهم ، فدخلوا بيوتهم فلم ينفعهم ظل ولا ماء فأنضجهم الحر ، فخرجوا هربا إلى البرية ، فبعث الله عز وجل سحابة فأظلتهم فوجدوا لها بردا وروحا وريحا طيبة ، فنادى بعضهم بعضا ، فلما اجتمعوا تحت السحابة ألهبها الله تعالى عليهم نارا ، ورجفت بهم الأرض ، فاحترقوا كما يحترق الجراد في المقلى ، فصاروا رمادا ; فذلك قوله : فأصبحوا في ديارهم جاثمين كأن لم يغنوا فيها وقوله : فأخذهم عذاب يوم الظلة إنه كان عذاب يوم عظيم . وقيل : إن الله تعالى حبس عنهم الريح سبعة أيام ، وسلط عليهم الحر حتى أخذ بأنفاسهم ، ولم ينفعهم ظل ولا ماء فكانوا يدخلون الأسراب ، ليتبردوا فيها فيجدوها أشد حرا من الظاهر . فهربوا إلى البرية ، فأظلتهم سحابة وهي الظلة ، فوجدوا لها بردا ونسيما ، فأمطرت عليهم نارا فاحترقوا . وقال يزيد الجريري : سلط الله عليهم الحر سبعة أيام ولياليهن ثم رفع لهم جبل من بعيد فأتاه رجل فإذا تحته أنهار وعيون وشجر وماء بارد ، فاجتمعوا كلهم تحته ، فوقع عليهم الجبل وهو الظلة . وقال قتادة : بعث الله شعيبا إلى أمتين : أصحاب مدين وأصحاب الأيكة فأهلك الله أصحاب الأيكة بالظلة ، وأما أصحاب مدين فصاح بهم جبريل صيحة فهلكوا أجمعين .

إِنَّ فِى ذَٰلِكَ لَءَايَةً وَمَا كَانَ أَكْثَرُهُم مُّؤْمِنِينَ (190)


إن في ذلك لآية وما كان أكثرهم مؤمنين قيل : آمن بشعيب من الفئتين تسعمائة نفر .

وَإِنَّ رَبَّكَ لَهُوَ ٱلْعَزِيزُ ٱلرَّحِيمُ (191)


يريد المنيع المنتقم من أعدائه , الرحيم بأوليائه .

وَإِنَّهُۥ لَتَنزِيلُ رَبِّ ٱلْعَٰلَمِينَ (192)


عاد إلى ما تقدم بيانه في أول السورة من إعراض المشركين عن القرآن .

نَزَلَ بِهِ ٱلرُّوحُ ٱلْأَمِينُ (193)


نزل به الروح الأمين " نزل " مخففا قرأ نافع وابن كثير وأبو عمرو . الباقون : ( نزل ) مشددا به الروح الأمين نصبا وهو اختيار أبي حاتم وأبي عبيد لقوله : وإنه لتنزيل وهو مصدر " نزل " والحجة لمن قرأ بالتخفيف أن يقول ليس هذا بمقدر ، لأن المعنى وإن القرآن لتنزيل رب العالمين نزل به جبريل إليك ; كما قال تعالى : قل من كان عدوا لجبريل فإنه نزله على قلبك أي يتلوه عليك فيعيه قلبك . وقيل : ليثبت قلبك .

عَلَىٰ قَلْبِكَ لِتَكُونَ مِنَ ٱلْمُنذِرِينَ (194)


أي يتلوه عليك فيعيه قلبك .وقيل : ليثبت قلبك .

بِلِسَانٍ عَرَبِىٍّ مُّبِينٍ (195)


أي لئلا يقولوا لسنا نفهم ما تقول .

وَإِنَّهُۥ لَفِى زُبُرِ ٱلْأَوَّلِينَ (196)


وإنه لفي زبر الأولين أي وإن ذكر نزوله لفي كتب الأولين يعني الأنبياء . وقيل : أي إن ذكر محمد عليه السلام في كتب الأولين ; كما قال تعالى : يجدونه مكتوبا عندهم في التوراة والإنجيل و " الزبر " الكتب ، الواحد " زبور " كرسول ورسل ; وقد تقدم .

أَوَلَمْ يَكُن لَّهُمْ ءَايَةً أَن يَعْلَمَهُۥ عُلَمَٰٓؤُا۟ بَنِىٓ إِسْرَٰٓءِيلَ (197)


قوله تعالى : أولم يكن لهم آية أن يعلمه علماء بني إسرائيل قال مجاهد : يعني عبد الله بن سلام وسلمان وغيرهما ممن أسلم . وقال ابن عباس : بعث أهل مكة إلى اليهود وهم بالمدينة يسألونهم عن محمد عليه السلام ، فقالوا : إن هذا لزمانه ، وإنا لنجد في التوراة نعته وصفته . فيرجع لفظ " العلماء " إلى كل من كان له علم بكتبهم أسلم أو لم يسلم على هذا القول . وإنما صارت شهادة أهل الكتاب حجة على المشركين ; لأنهم كانوا يرجعون في أشياء من أمور الدين إلى أهل الكتاب ; لأنهم مظنون بهم علم . وقرأ ابن عامر : ( أولم تكن لهم آية ) . الباقون أولم يكن لهم آية بالنصب على الخبر واسم " يكن " أن يعلمه والتقدير : أولم يكن لهم علم علماء بني إسرائيل الذين أسلموا آية واضحة . وعلى القراءة الأولى اسم " كان " : آية ، والخبر أن يعلمه علماء بني إسرائيل . وقرأ عاصم الجحدري : ( أن تعلمه علماء بني إسرائيل ) .

وَلَوْ نَزَّلْنَٰهُ عَلَىٰ بَعْضِ ٱلْأَعْجَمِينَ (198)


أي على رجل ليس بعربي اللسان

فَقَرَأَهُۥ عَلَيْهِم مَّا كَانُوا۟ بِهِۦ مُؤْمِنِينَ (199)


فقرأه عليهم ما كانوا به مؤمنين بغير لغة العرب لما آمنوا ولقالوا لا نفقه . نظيره : ولو جعلناه قرآنا أعجميا الآية . وقيل : معناه ولو نزلناه على رجل ليس من العرب لما آمنوا به أنفة وكبرا . يقال : رجل أعجم وأعجمي إذا كان غير فصيح وإن كان عربيا ، ورجل عجمي وإن كان فصيحا ينسب إلى أصله ; إلا أن الفراء أجاز أن يقال رجل عجمي بمعنى أعجمي . وقرأ الحسن على بعض الأعجميين مشددة بياءين جعله نسبة . ومن قرأ : الأعجمين فقيل : إنه جمع أعجم . وفيه بعد ; لأن ما كان من الصفات الذي مؤنثه " فعلاء " لا يجمع بالواو والنون ، ولا بالألف والتاء ; لا يقال أحمرون ولا حمراوات . وقيل : إن أصله " الأعجمين " كقراءة الجحدري ثم حذفت ياء النسب ، وجعل جمعه بالياء والنون دليلا عليها . قاله أبو الفتح عثمان بن جني . وهو مذهب سيبويه .

كَذَٰلِكَ سَلَكْنَٰهُ فِى قُلُوبِ ٱلْمُجْرِمِينَ (200)


قوله تعالى : كذلك سلكناه يعني القرآن أي الكفر به في قلوب المجرمين لا يؤمنون به وقيل : سلكنا التكذيب في قلوبهم ; فذلك الذي منعهم من الإيمان ، قاله يحيى بن سلام وقال عكرمة : القسوة . والمعنى متقارب وقد مضى في ( الحجر ) وأجاز الفراء الجزم في " لا يؤمنون " لأن فيه معنى الشرط والمجازاة . وزعم أن من شأن العرب إذا وضعت ( لا ) موضع ( كي لا ) في مثل هذا ربما جزمت ما بعدها وربما رفعت ; فتقول : ربطت الفرس لا ينفلت ، بالرفع والجزم ، لأن معناه إن لم أربطه ينفلت ، والرفع بمعنى كيلا ينفلت . وأنشد لبعض بني عقيل :وحتى رأينا أحسن الفعل بيننا مساكنة لا يقرف الشر قارفبالرفع لما حذف " كي " . ومن الجزم قول الآخر :لطالما حلأتماها لا ترد فخلياها والسجال تبتردقال النحاس : وهذا كله في " يؤمنون " خطأ عند البصريين ، ولا يجوز الجزم بلا جازم ، ولا يكون شيء يعمل عملا فإذا حذف عمل عملا أقوى من عمله وهو موجود ، فهذا احتجاج بين

لَا يُؤْمِنُونَ بِهِۦ حَتَّىٰ يَرَوُا۟ ٱلْعَذَابَ ٱلْأَلِيمَ (201)


لا يؤمنون به حتى يروا العذاب الأليم فيأتيهم بغتة أي العذاب . وقرأ الحسن : ( فتأتيهم ) بالتاء ، والمعنى : فتأتيهم الساعة بغتة ، فأضمرت لدلالة العذاب الواقع فيها ، ولكثرة ما في القرآن من ذكرها .

فَيَأْتِيَهُم بَغْتَةً وَهُمْ لَا يَشْعُرُونَ (202)


وقال رجل للحسن وقد قرأ : " فتأتيهم " : يا أبا سعيد إنما يأتيهم العذاب بغتة . فانتهره وقال : إنما هي الساعة تأتيهم بغتة أي فجأة . وهم لا يشعرون بإتيانها .

فَيَقُولُوا۟ هَلْ نَحْنُ مُنظَرُونَ (203)


فيقولوا هل نحن منظرون أي مؤخرون وممهلون . يطلبون الرجعة هنالك فلا يجابون إليها . قال القشيري : وقوله : " فيأتيهم " ليس عطفا على قوله : حتى يروا بل هو جواب قوله : " لا يؤمنون " فلما كان جوابا للنفي انتصب ، وكذلك قوله : " فيقولوا " .

أَفَبِعَذَابِنَا يَسْتَعْجِلُونَ (204)


قال مقاتل : قال المشركون للنبي صلى الله عليه وسلم يا محمد إلى متى تعدنا بالعذاب ولا تأتي به ! فنزلت : " أفبعذابنا يستعجلون " .

أَفَرَءَيْتَ إِن مَّتَّعْنَٰهُمْ سِنِينَ (205)


يعني في الدنيا والمراد أهل مكة في قول الضحاك وغيره .

ثُمَّ جَآءَهُم مَّا كَانُوا۟ يُوعَدُونَ (206)


من العذاب والهلاك

الصفحة السابقة الصفحة التالية