تفسير سورة العنكبوت الصفحة 398 من القرآن الكريم

تفسير الصفحة رقم 398 من المصحف


فَأَنجَيْنَٰهُ وَأَصْحَٰبَ ٱلسَّفِينَةِ وَجَعَلْنَٰهَآ ءَايَةً لِّلْعَٰلَمِينَ (15)


قوله تعالى : فأنجيناه وأصحاب السفينة معطوف على الهاء . وجعلناها آية للعالمين والهاء والألف في ( جعلناها ) للسفينة أو للعقوبة أو للنجاة ; ثلاثة أقوال .

وَإِبْرَٰهِيمَ إِذْ قَالَ لِقَوْمِهِ ٱعْبُدُوا۟ ٱللَّهَ وَٱتَّقُوهُ ذَٰلِكُمْ خَيْرٌ لَّكُمْ إِن كُنتُمْ تَعْلَمُونَ (16)


قوله تعالى : ( وإبراهيم ) قال الكسائي : ( وإبراهيم ) منصوب ب ( أنجينا ) يعني أنه معطوف على الهاء . وأجاز الكسائي أن يكون معطوفا على نوح والمعنى : وأرسلنا إبراهيم وقول ثالث : أن يكون منصوبا بمعنى : واذكر إبراهيم إذ قال لقومه اعبدوا الله أي أفردوه بالعبادة واتقوه أي اتقوا عقابة وعذابه ذلكم خير لكم أي من عبادة الأوثان إن كنتم تعلمون .

إِنَّمَا تَعْبُدُونَ مِن دُونِ ٱللَّهِ أَوْثَٰنًا وَتَخْلُقُونَ إِفْكًا إِنَّ ٱلَّذِينَ تَعْبُدُونَ مِن دُونِ ٱللَّهِ لَا يَمْلِكُونَ لَكُمْ رِزْقًا فَٱبْتَغُوا۟ عِندَ ٱللَّهِ ٱلرِّزْقَ وَٱعْبُدُوهُ وَٱشْكُرُوا۟ لَهُۥٓ إِلَيْهِ تُرْجَعُونَ (17)


قوله تعالى : إنما تعبدون من دون الله أوثانا أي أصناما . قال أبو عبيدة : الصنم ما يتخذ من ذهب أو فضة أو نحاس ، والوثن ما يتخذ من جص أو حجارة . الجوهري : الوثن : الصنم ، والجمع وثن وأوثان ، مثل أسد وآساد وتخلقون إفكا قال الحسن : معنى ( تخلقون ) : تنحتون ، فالمعنى : إنما تعبدون أوثانا وأنتم تصنعونها . وقال مجاهد : الإفك : الكذب ، والمعنى : تعبدون الأوثان وتخلقون الكذب . وقرأ أبو عبد الرحمن : ( وتخلقون ) وقرئ : ( تخلقون ) بمعنى التكثير من ( خلق ) و ( تخلقون ) من تخلق بمعنى تكذب وتخرص وقرئ : ( أفكا ) وفيه وجهان : أن يكون مصدرا نحو : كذب ولعب . والإفك مخففا منه كالكذب واللعب ، وأن يكون صفة على ( فعل ) أي خلقا أفكا أي ذا إفك وباطل و ( أوثانا ) نصب ب ( تعبدون ) و ( ما ) كافة . ويجوز في غير القرآن رفع ( أوثان ) على أن تجعل ( ما ) اسما ; لأن ( تعبدون ) صلته ، وحذفت الهاء لطول الاسم وجعل ( أوثانا ) خبر ( إن ) . فأما وتخلقون إفكا فهو منصوب بالفعل لا غير . وكذا لا يملكون لكم رزقا فابتغوا عند الله الرزق أي اصرفوا رغبتكم في أرزاقكم إلى الله فإياه فاسألوه وحده دون غيره .

وَإِن تُكَذِّبُوا۟ فَقَدْ كَذَّبَ أُمَمٌ مِّن قَبْلِكُمْ وَمَا عَلَى ٱلرَّسُولِ إِلَّا ٱلْبَلَٰغُ ٱلْمُبِينُ (18)


وإن تكذبوا فقد كذب أمم من قبلكم فقيل : هو من قول إبراهيم أي التكذيب عادة الكفار وليس على الرسل إلا التبليغ .

أَوَلَمْ يَرَوْا۟ كَيْفَ يُبْدِئُ ٱللَّهُ ٱلْخَلْقَ ثُمَّ يُعِيدُهُۥٓ إِنَّ ذَٰلِكَ عَلَى ٱللَّهِ يَسِيرٌ (19)


قوله تعالى : أولم يروا كيف يبدئ الله الخلق قراءة العامة بالياء على الخبر والتوبيخ لهم وهي اختيار أبي عبيد وأبي حاتم . قال أبو عبيد : لذكر الأمم كأنه قال أولم ير الأمم كيف . وقرأ أبو بكر والأعمش وابن وثاب وحمزة والكسائي : ( تروا ) بالتاء خطابا ; لقوله : وإن تكذبوا . وقد قيل ( وإن تكذبوا ) خطاب لقريش ليس من قول إبراهيم . ( ثم يعيده ) يعني الخلق والبعث . وقيل : المعنى أولم يروا كيف يبدئ الله الثمار فتحيا ثم تفنى ثم يعيدها أبدا وكذلك يبدأ خلق الإنسان ثم يهلكه بعد أن خلق منه ولدا وخلق من الولد ولدا وكذلك سائر الحيوان أي فإذا رأيتم قدرته على الإبداء والإيجاد فهو القادر على الإعادة إن ذلك على الله يسير لأنه إذا أراد أمرا قال له كن فيكون .

قُلْ سِيرُوا۟ فِى ٱلْأَرْضِ فَٱنظُرُوا۟ كَيْفَ بَدَأَ ٱلْخَلْقَ ثُمَّ ٱللَّهُ يُنشِئُ ٱلنَّشْأَةَ ٱلْءَاخِرَةَ إِنَّ ٱللَّهَ عَلَىٰ كُلِّ شَىْءٍ قَدِيرٌ (20)


قوله تعالى : قل سيروا في الأرض أي قل لهم يا محمد سيروا في الأرض فانظروا كيف بدأ الخلق على كثرتهم وتفاوت هيئاتهم واختلاف ألسنتهم وألوانهم وطبائعهم ، وانظروا إلى مساكن القرون الماضية وديارهم وآثارهم كيف أهلكهم ; لتعلموا بذلك كمال قدرة الله . ثم الله ينشئ النشأة الآخرة وقرأ أبو عمرو وابن كثير : ( النشاءة ) بفتح الشين وهما لغتان مثل الرأفة والرآفة وشبهه . الجوهري : أنشأه الله : خلقه والاسم النشأة والنشاءة بالمد عن أبي عمرو بن العلاء . إن الله على كل شيء قدير

يُعَذِّبُ مَن يَشَآءُ وَيَرْحَمُ مَن يَشَآءُ وَإِلَيْهِ تُقْلَبُونَ (21)


يعذب من يشاء أي بعدله ويرحم من يشاء أي بفضله وإليه تقلبون : ترجعون وتردون

وَمَآ أَنتُم بِمُعْجِزِينَ فِى ٱلْأَرْضِ وَلَا فِى ٱلسَّمَآءِ وَمَا لَكُم مِّن دُونِ ٱللَّهِ مِن وَلِىٍّ وَلَا نَصِيرٍ (22)


وما أنتم بمعجزين في الأرض ولا في السماء قال الفراء : معناه ولا من في السماء بمعجزين الله وهو غامض في العربية ; للضمير الذي لم يظهر في الثاني وهو كقول حسان :فمن يهجو رسول الله منكم ويمدحه وينصره سواءأراد : ومن يمدحه وينصره سواء ; فأضمر ( من ) وقال عبد الرحمن بن زيد : ونظيره : قوله سبحانه : وما منا إلا له مقام معلوم أي : من له ، والمعنى : إن الله لا يعجزه أهل الأرض في الأرض ولا أهل السماء إن عصوه . وقال قطرب : ولا في السماء لو كنتم فيها كما تقول : لا يفوتني فلان بالبصرة ولا هاهنا بمعنى لا يفوتني بالبصرة لو صار إليها . وقيل : لا يستطيعون هربا في الأرض ولا في السماء . وقال المبرد : والمعنى : ولا من في السماء على أن ( من ) ليست موصولة ولكن تكون نكرة و ( في السماء ) صفة لها ، فأقيمت الصفة مقام الموصوف ورد ذلك علي بن سليمان . وقال : لا يجوز . وقال : إن ( من ) إذا كانت نكرة فلا بد من وصفها فصفتها كالصلة ، ولا يجوز حذف الموصول وترك الصلة ; قال : والمعنى إن الناس خوطبوا بما يعقلون ; والمعنى : لو كنتم في السماء ما أعجزتم الله ; كما قال :ولو كنتم في بروج مشيدة . وما لكم من دون الله من ولي ولا نصير ويجوز ( نصير ) بالرفع على الموضع وتكون ( من ) زائدة

وَٱلَّذِينَ كَفَرُوا۟ بِـَٔايَٰتِ ٱللَّهِ وَلِقَآئِهِۦٓ أُو۟لَٰٓئِكَ يَئِسُوا۟ مِن رَّحْمَتِى وَأُو۟لَٰٓئِكَ لَهُمْ عَذَابٌ أَلِيمٌ (23)


والذين كفروا بآيات الله ولقائه أي بالقرآن أو بما نصب من الأدلة والأعلام أولئك يئسوا من رحمتي أي من الجنة ونسب اليأس إليهم والمعنى : أويسوا . وهذه الآيات اعتراض من الله تعالى تذكيرا وتحذيرا لأهل مكة .

الصفحة السابقة الصفحة التالية