تفسير سورة العنكبوت الصفحة 400 من القرآن الكريم

تفسير الصفحة رقم 400 من المصحف


وَلَمَّا جَآءَتْ رُسُلُنَآ إِبْرَٰهِيمَ بِٱلْبُشْرَىٰ قَالُوٓا۟ إِنَّا مُهْلِكُوٓا۟ أَهْلِ هَٰذِهِ ٱلْقَرْيَةِ إِنَّ أَهْلَهَا كَانُوا۟ ظَٰلِمِينَ (31)


فجاءوا إبراهيم أولا مبشرين بنصرة لوط على قومه حسبما تقدم بيانه في ( هود ) وغيرها

قَالَ إِنَّ فِيهَا لُوطًا قَالُوا۟ نَحْنُ أَعْلَمُ بِمَن فِيهَا لَنُنَجِّيَنَّهُۥ وَأَهْلَهُۥٓ إِلَّا ٱمْرَأَتَهُۥ كَانَتْ مِنَ ٱلْغَٰبِرِينَ (32)


قَالَ إِنَّ فِيهَا لُوطًا قَالُوا نَحْنُ أَعْلَمُ بِمَنْ فِيهَا لَنُنَجِّيَنَّهُ وَأَهْلَهُوقرأ الأعمش ويعقوب وحمزة والكسائي : لننجينه وأهله بالتخفيف . وشدد الباقون وقرأ ابن كثير وأبو بكر وحمزة والكسائي : ( إنا منجوك وأهلك ) بالتخفيف . وشدد الباقون وهما لغتان : أنجى ونجى بمعنى ، وقد تقدم

وَلَمَّآ أَن جَآءَتْ رُسُلُنَا لُوطًا سِىٓءَ بِهِمْ وَضَاقَ بِهِمْ ذَرْعًا وَقَالُوا۟ لَا تَخَفْ وَلَا تَحْزَنْ إِنَّا مُنَجُّوكَ وَأَهْلَكَ إِلَّا ٱمْرَأَتَكَ كَانَتْ مِنَ ٱلْغَٰبِرِينَ (33)


ولما أن جاءت رسلنا لوطالما خرجت الملائكة من عند إبراهيم , وكان بين إبراهيم وقرية لوط أربعة فراسخ بصرت بنتا لوط - وهما تستقيان - بالملائكة ورأتا هيئة حسنة , فقالتا : ما شأنكم ؟ ومن أين أقبلتم ؟ قالوا : من موضع كذا نريد هذه القرية قالتا : فإن أهلها أصحاب الفواحش ; فقالوا : أبها من يضيفنا ؟ قالتا : نعم ! هذا الشيخ وأشارتا إلى لوط ; فلما رأى لوط هيئتهم خاف قومه , عليهم .سيء بهمأي ساءه مجيئهم ; يقال : ساء يسوء فهو لازم , وساءه يسوءه فهو متعد أيضا , وإن شئت ضممت السين ; لأن أصلها الضم , والأصل سوئ بهم من السوء ; قلبت حركة الواو على السين فانقلبت ياء , وإن خففت الهمزة ألقيت حركتها على الياء فقلت : " سيء بهم " مخففا , ولغة شاذة بالتشديد .وضاق بهم ذرعاأي ضاق صدره بمجيئهم وكرهه . وقيل : ضاق وسعه وطاقته . وأصله أن يذرع البعير بيديه في سيره ذرعا على قدر سعة خطوه ; فإذا حمل على أكثر من طوقه ضاق عن ذلك , وضعف ومد عنقه ; فضيق الذرع عبارة عن ضيق الوسع . وقيل : هو من ذرعه القيء أي غلبه ; أي ضاق عن حبسه المكروه في نفسه , وإنما ضاق ذرعه بهم لما رأى من جمالهم , وما يعلم من فسق قومه .وقالوا لا تخف ولا تحزن إنا منجوك وأهلكلما رأت الملائكة حزنه واضطرابه ومدافعته عرفوه بأنفسهم , فلما علم أنهم رسل مكن قومه من الدخول , فأمر جبريل عليه السلام يده على أعينهم فعموا , وعلى أيديهم فجفت .إلا امرأتك كانت من الغابرينأي الباقين في عذاب الله ; قال ابن عباس وقتادة . غبر الشيء إذا مضى , وغبر إذا بقي . وهو من الأضداد . وقال قوم : الماضي عابر بالعين غير معجمة . والباقي غابر بالغين معجمة . حكاه ابن فارس في المجمل . وقال الزجاج : " من الغابرين " أي من الغائبين عن النجاة وقيل : لطول عمرها . قال النحاس : وأبو عبيدة يذهب إلى أن المعنى من المعمرين ; أي أنها قد هرمت . والأكثر في اللغة أن يكون الغابر الباقي ; قال الراجز : فما ونى محمد مذ أن غفر له الإله ما مضى وما غبر

إِنَّا مُنزِلُونَ عَلَىٰٓ أَهْلِ هَٰذِهِ ٱلْقَرْيَةِ رِجْزًا مِّنَ ٱلسَّمَآءِ بِمَا كَانُوا۟ يَفْسُقُونَ (34)


وقرأ ابن عامر : إنا منزلون بالتشديد . وهي قراءة ابن عباس الباقون بالتخفيف .

وَلَقَد تَّرَكْنَا مِنْهَآ ءَايَةًۢ بَيِّنَةً لِّقَوْمٍ يَعْقِلُونَ (35)


وقوله : ولقد تركنا منها آية بينة لقوم يعقلون قال قتادة : هي الحجارة التي أبقيت وقال أبو العالية وقيل : إنه يرجم بها قوم من هذه الأمة وقال ابن عباس : هي آثار منازلهم الخربة وقال مجاهد : هو الماء الأسود على وجه الأرض . وكل ذلك باق فلا تعارض .

وَإِلَىٰ مَدْيَنَ أَخَاهُمْ شُعَيْبًا فَقَالَ يَٰقَوْمِ ٱعْبُدُوا۟ ٱللَّهَ وَٱرْجُوا۟ ٱلْيَوْمَ ٱلْءَاخِرَ وَلَا تَعْثَوْا۟ فِى ٱلْأَرْضِ مُفْسِدِينَ (36)


قوله تعالى : وإلى مدين أخاهم شعيبا فقال ياقوم اعبدوا الله وارجوا اليوم الآخر ولا تعثوا في الأرض مفسدينقوله تعالى : وإلى مدين أخاهم شعيبا أي وأرسلنا إلى مدين أخاهم شعيبا وقد تقدم ذكرهم وفسادهم في ( الأعراف ) و ( هود ) . وارجوا اليوم الآخر وقال يونس النحوي : أي اخشوا الآخرة التي فيها الجزاء على الأعمال ولا تعثوا في الأرض أي لا تكفروا فإنه أصل كل فساد . والعثو والعثي أشد الفساد .

فَكَذَّبُوهُ فَأَخَذَتْهُمُ ٱلرَّجْفَةُ فَأَصْبَحُوا۟ فِى دَارِهِمْ جَٰثِمِينَ (37)


عثي يعثى وعثا يعثو بمعنى واحد . وقد تقدم . وقيل : وارجوا اليوم الآخر أي صدقوا به فإن القوم كانوا ينكرونه .

وَعَادًا وَثَمُودَا۟ وَقَد تَّبَيَّنَ لَكُم مِّن مَّسَٰكِنِهِمْ وَزَيَّنَ لَهُمُ ٱلشَّيْطَٰنُ أَعْمَٰلَهُمْ فَصَدَّهُمْ عَنِ ٱلسَّبِيلِ وَكَانُوا۟ مُسْتَبْصِرِينَ (38)


قوله تعالى : وعادا وثمود قال الكسائي : قال بعضهم هو راجع إلي أول السورة أي ولقد فتنا الذين من قبلهم وفتنا عادا وثمود . قال : وأحب إلي أن يكون معطوفا على فأخذتهم الرجفة وأخذت عادا وثمود وزعم الزجاج : أن التقدير : وأهلكنا عادا وثمود . وقيل : المعنى : واذكر عادا إذ أرسلنا إليهم هودا فكذبوه فأهلكناهم وثمود أيضا أرسلنا إليهم صالحا فكذبوه فأهلكناهم بالصيحة كما أهلكنا عادا بالريح العقيم .وقد تبين لكم يا معشر الكفار من مساكنهم بالحجر والأحقاف آيات في إهلاكهم فحذف فاعل التبين وزين لهم الشيطان أعمالهم أي أعمالهم الخسيسة فحسبوها رفيعة . فصدهم عن السبيل أي عن طريق الحق وكانوا مستبصرين فيه قولان : أحدهما : وكانوا مستبصرين في الضلالة قاله مجاهد . والثاني : كانوا مستبصرين قد عرفوا الحق من الباطل بظهور البراهين . وهذا القول أشبه ; لأنه إنما يقال : فلان مستبصر : إذا عرف الشيء على الحقيقة . قال الفراء : كانوا عقلاء ذوي بصائر فلم تنفعهم بصائرهم . وقيل : أتوا ما أتوا وقد تبين لهم أن عاقبتهم العذاب .

الصفحة السابقة الصفحة التالية