تفسير سورة آل عمران الصفحة 61 من القرآن الكريم

تفسير الصفحة رقم 61 من المصحف


قُلْ ءَامَنَّا بِٱللَّهِ وَمَآ أُنزِلَ عَلَيْنَا وَمَآ أُنزِلَ عَلَىٰٓ إِبْرَٰهِيمَ وَإِسْمَٰعِيلَ وَإِسْحَٰقَ وَيَعْقُوبَ وَٱلْأَسْبَاطِ وَمَآ أُوتِىَ مُوسَىٰ وَعِيسَىٰ وَٱلنَّبِيُّونَ مِن رَّبِّهِمْ لَا نُفَرِّقُ بَيْنَ أَحَدٍ مِّنْهُمْ وَنَحْنُ لَهُۥ مُسْلِمُونَ (84)



وَمَن يَبْتَغِ غَيْرَ ٱلْإِسْلَٰمِ دِينًا فَلَن يُقْبَلَ مِنْهُ وَهُوَ فِى ٱلْءَاخِرَةِ مِنَ ٱلْخَٰسِرِينَ (85)


قوله تعالى : ومن يبتغ غير الإسلام دينا فلن يقبل منه وهو في الآخرة من الخاسرين( غير ) مفعول بيبتغ ، ( دينا ) منصوب على التفسير ، ويجوز أن ينتصب ( دينا ) بيبتغ ، وينتصب " غير " على أنه حال من الدين . قال مجاهد والسدي : نزلت هذه الآية في الحارث بن سويد أخو الجلاس بن سويد ، وكان من الأنصار ، ارتد عن الإسلام هو واثنا عشر معه ولحقوا بمكة كفارا ، فنزلت هذه الآية ، ثم أرسل إلى أخيه يطلب التوبة . وروي ذلك عن ابن عباس وغيره . قال ابن عباس : وأسلم بعد نزول الآيات .وهو في الآخرة من الخاسرين قال هشام : أي وهو خاسر في الآخرة من الخاسرين ; ولولا هذا لفرقت بين الصلة والموصول . وقال المازني : الألف واللام مثلها في الرجل . وقد تقدم هذا في البقرة عند قوله : وإنه في الآخرة لمن الصالحين .

كَيْفَ يَهْدِى ٱللَّهُ قَوْمًا كَفَرُوا۟ بَعْدَ إِيمَٰنِهِمْ وَشَهِدُوٓا۟ أَنَّ ٱلرَّسُولَ حَقٌّ وَجَآءَهُمُ ٱلْبَيِّنَٰتُ وَٱللَّهُ لَا يَهْدِى ٱلْقَوْمَ ٱلظَّٰلِمِينَ (86)


قوله تعالى : كيف يهدي الله قوما كفروا بعد إيمانهم وشهدوا أن الرسول حق وجاءهم البينات والله لا يهدي القوم الظالمينقال ابن عباس : إن رجلا من الأنصار أسلم ثم ارتد ولحق بالشرك ثم ندم ; فأرسل إلى قومه : سلوا لي رسول الله - صلى الله عليه وسلم - هل لي من توبة ؟ فجاء قومه إلى رسول الله - صلى الله عليه وسلم - فقالوا : هل له من توبة ؟ فنزلت كيف يهدي الله قوما كفروا بعد إيمانهم إلى قوله : غفور رحيم . فأرسل إليه فأسلم . أخرجه النسائي . وفي رواية أن رجلا من الأنصار ارتد فلحق بالمشركين ، فأنزل الله كيف يهدي الله قوما كفروا إلى قوله : إلا الذين تابوا فبعث بها قومه إليه ، فلما قرئت عليه قال : والله ما كذبني قومي على رسول الله - صلى الله عليه وسلم - ولا أكذبت رسول الله - صلى الله عليه وسلم - عن الله ، والله عز وجل أصدق الثلاثة ; فرجع تائبا ، فقبل منه رسول الله - صلى الله عليه وسلم - وتركه . وقال الحسن : نزلت في اليهود لأنهم كانوا يبشرون بالنبي - صلى الله عليه وسلم - ويستفتحون على الذين كفروا ; فلما بعث عاندوا وكفروا ، فأنزل الله عز وجل : أولئك جزاؤهم أن عليهم لعنة الله والملائكة والناس أجمعين . ثم قيل : كيف لفظة استفهام ومعناه الجحد ، أي لا يهدي الله . ونظيره قوله : كيف يكون للمشركين عهد عند الله وعند رسوله ; أي لا يكون لهم عهد ; وقال الشاعر :كيف نومي على الفراش ولما يشمل القوم غارة شعواءأي لا نوم لي .والله لا يهدي القوم الظالمين يقال : ظاهر الآية أن من كفر بعد إسلامه لا يهديه الله ومن كان ظالما ، لا يهديه الله ; وقد رأينا كثيرا من المرتدين قد أسلموا وهداهم الله ، وكثيرا من الظالمين تابوا عن الظلم . قيل له : معناه لا يهديهم الله ما داموا مقيمين على كفرهم وظلمهم ولا يقبلون على الإسلام ; فأما إذا أسلموا وتابوا فقد وفقهم الله لذلك . والله تعالى أعلم .

أُو۟لَٰٓئِكَ جَزَآؤُهُمْ أَنَّ عَلَيْهِمْ لَعْنَةَ ٱللَّهِ وَٱلْمَلَٰٓئِكَةِ وَٱلنَّاسِ أَجْمَعِينَ (87)


أي إن داموا على كفرهم .وقد تقدم معنى لعنة الله والناس في " البقرة " فلا معنى لإعادته .

خَٰلِدِينَ فِيهَا لَا يُخَفَّفُ عَنْهُمُ ٱلْعَذَابُ وَلَا هُمْ يُنظَرُونَ (88)


أي لا يؤخرون ولا يؤجلون .

إِلَّا ٱلَّذِينَ تَابُوا۟ مِنۢ بَعْدِ ذَٰلِكَ وَأَصْلَحُوا۟ فَإِنَّ ٱللَّهَ غَفُورٌ رَّحِيمٌ (89)


هو الحارث بن سويد كما تقدم .ويدخل في الآية بالمعنى كل من راجع الإسلام وأخلص .

إِنَّ ٱلَّذِينَ كَفَرُوا۟ بَعْدَ إِيمَٰنِهِمْ ثُمَّ ٱزْدَادُوا۟ كُفْرًا لَّن تُقْبَلَ تَوْبَتُهُمْ وَأُو۟لَٰٓئِكَ هُمُ ٱلضَّآلُّونَ (90)


قوله تعالى : إن الذين كفروا بعد إيمانهم ثم ازدادوا كفرا لن تقبل توبتهم وأولئك هم الضالونقال قتادة وعطاء الخراساني والحسن : نزلت في اليهود كفروا بعيسى والإنجيل ، ثم ازدادوا كفرا بمحمد - صلى الله عليه وسلم - والقرآن . وقال أبو العالية : نزلت في اليهود والنصارى كفروا بمحمد - صلى الله عليه وسلم - بعد إيمانهم بنعته وصفته ثم ازدادوا كفرا بإقامتهم على كفرهم . وقيل : ازدادوا كفرا بالذنوب التي اكتسبوها . وهذا اختيار الطبري ، وهي عنده في اليهود . لن تقبل توبتهم مشكل لقوله : وهو الذي يقبل التوبة عن عباده ويعفو عن السيئات فقيل : المعنى لن تقبل توبتهم عند الموت . قال النحاس : وهذا قول حسن ; كما قال عز وجل : وليست التوبة للذين يعملون السيئات حتى إذا حضر أحدهم الموت قال إني تبت الآن . وروي عن الحسن وقتادة وعطاء . وقد قال - صلى الله عليه وسلم - : إن الله يقبل توبة العبد ما لم يغرغر . وسيأتي في " النساء " بيان هذا المعنى . وقيل : لن تقبل توبتهم التي كانوا عليها قبل أن يكفروا ; لأن الكفر قد أحبطها . وقيل : لن تقبل توبتهم إذا تابوا من كفرهم إلى كفر آخر ; وإنما تقبل توبتهم إذا تابوا إلى الإسلام . وقال قطرب : هذه الآية نزلت في قوم من أهل مكة قالوا : نتربص بمحمد ريب المنون ، فإن بدا لنا الرجعة رجعنا إلى قومنا . فأنزل الله تعالى : إن الذين كفروا بعد إيمانهم ثم ازدادوا كفرا لن تقبل توبتهم أي لن تقبل توبتهم وهم مقيمون على الكفر ; فسماها توبة غير مقبولة ; لأنه لم يصح من القوم عزم ، والله عز وجل يقبل التوبة كلها إذا صح العزم .

إِنَّ ٱلَّذِينَ كَفَرُوا۟ وَمَاتُوا۟ وَهُمْ كُفَّارٌ فَلَن يُقْبَلَ مِنْ أَحَدِهِم مِّلْءُ ٱلْأَرْضِ ذَهَبًا وَلَوِ ٱفْتَدَىٰ بِهِۦٓ أُو۟لَٰٓئِكَ لَهُمْ عَذَابٌ أَلِيمٌ وَمَا لَهُم مِّن نَّٰصِرِينَ (91)


قوله تعالى : إن الذين كفروا وماتوا وهم كفار فلن يقبل من أحدهم ملء الأرض ذهبا ولو افتدى به أولئك لهم عذاب أليم وما لهم من ناصرينالملء ( بالكسر ) مقدار ما يملأ الشيء ، والملء ( بالفتح ) مصدر ملأت الشيء ; ويقال : أعطني ملأه وملأيه وثلاثة أملائه . والواو في ولو افتدى به قيل : هي مقحمة زائدة ; المعنى : فلن يقبل من أحدهم ملء الأرض ذهبا لو افتدى به . وقال أهل النظر من النحويين : لا يجوز أن تكون الواو مقحمة لأنها تدل على معنى . ومعنى الآية : فلن يقبل من أحدهم ملء الأرض ذهبا تبرعا ولو افتدى به . و ( ذهبا ) نصب على التفسير في قول الفراء . قال المفضل : شرط التفسير أن يكون الكلام تاما وهو مبهم ; كقولك عندي عشرون ; فالعدد معلوم والمعدود مبهم ; فإذا قلت درهما فسرت . وإنما نصب التمييز لأنه ليس له ما يخفضه ولا ما يرفعه ، وكان النصب أخف الحركات فجعل لكل ما لا عامل فيه . وقال الكسائي : نصب على إضمار من ، أي من ذهب ; كقوله : أو عدل ذلك صياما ; أي من صيام . وفي البخاري ومسلم عن قتادة عن أنس بن مالك أن النبي - صلى الله عليه وسلم - قال : يجاء بالكافر يوم القيامة فيقال له أرأيت لو كان لك ملء الأرض ذهبا أكنت تفتدي به فيقول نعم فيقال له قد كنت سئلت ما هو أيسر من ذلك . لفظ البخاري . وقال مسلم بدل ( قد كنت ; كذبت ، قد سئلت ) .

الصفحة السابقة الصفحة التالية