تفسير سورة الزخرف الصفحة 489 من القرآن الكريم

تفسير الصفحة رقم 489 من المصحف


بِسْمِ ٱللَّهِ ٱلرَّحْمَٰنِ ٱلرَّحِيمِ حمٓ (1)


سورة الزخرفمكية بإجماع . وقال مقاتل : إلا قوله : واسأل من أرسلنا من قبلك من رسلنا . وهي تسع وثمانون آية .بسم الله الرحمن الرحيم .حمقوله تعالى : حم والكتاب المبين تقدم الكلام فيه . وقيل : ( حم ) قسم .

وَٱلْكِتَٰبِ ٱلْمُبِينِ (2)


( والكتاب المبين ) قسم ثان ، ولله أن يقسم بما شاء . والجواب إنا جعلناه وقال ابن الأنباري : من جعل جواب ( والكتاب ) ( حم ) - كما تقول نزل والله وجب والله - وقف على ( الكتاب المبين ) . ومن جعل جواب القسم ( إنا جعلناه ) لم يقف على الكتاب المبين

إِنَّا جَعَلْنَٰهُ قُرْءَٰنًا عَرَبِيًّا لَّعَلَّكُمْ تَعْقِلُونَ (3)


ومعنى : ( جعلناه ) أي : سميناه ووصفناه ، ولذلك تعدى إلى مفعولين ، كقوله تعالى : ما جعل الله من بحيرة . وقال السدي : أي : أنزلناه قرآنا . مجاهد : قلناه . الزجاج وسفيان الثوري : بيناه .( عربيا ) أي : أنزلناه بلسان العرب ; لأن كل نبي أنزل كتابه بلسان قومه ، قال سفيان الثوري وغيره . وقال مقاتل : لأن لسان أهل السماء عربي . وقيل : المراد ( بالكتاب ) جميع الكتب المنزلة على الأنبياء ; لأن الكتاب اسم جنس فكأنه أقسم بجميع ما أنزل من الكتب أنه جعل القرآن عربيا .والكناية في قوله : ( جعلناه ) ترجع إلى القرآن وإن لم يجر له ذكر في هذه السورة ، كقوله تعالى : إنا أنزلناه في ليلة القدر .لعلكم تعقلون أي تفهمون أحكامه ومعانيه . فعلى هذا القول يكون خاصا للعرب دون العجم ، قاله ابن عيسى . وقال ابن زيد : المعنى لعلكم تتفكرون ، فعلى هذا يكون خطابا عاما للعرب والعجم . ونعت الكتاب بالمبين لأن الله بين فيه أحكامه وفرائضه ، على ما تقدم في غير موضع

وَإِنَّهُۥ فِىٓ أُمِّ ٱلْكِتَٰبِ لَدَيْنَا لَعَلِىٌّ حَكِيمٌ (4)


قوله تعالى : وإنه في أم الكتاب لدينا لعلي حكيم .قوله تعالى : وإنه في أم الكتاب يعني القرآن في اللوح المحفوظ ( لدينا ) عندنا لعلي حكيم أي : رفيع محكم لا يوجد فيه اختلاف ولا تناقض ، قال الله تعالى : إنه لقرآن كريم في كتاب مكنون وقال تعالى : بل هو قرآن مجيد في لوح محفوظ . وقال ابن جريج : المراد بقوله تعالى : ( وإنه ) أي : أعمال الخلق من إيمان وكفر وطاعة ومعصية . ( لعلي ) أي : رفيع عن أن ينال فيبدل ، ( حكيم ) أي : محفوظ من نقص أو تغيير . وقال ابن عباس : أول ما خلق الله القلم فأمره أن يكتب ما يريد أن يخلق ، فالكتاب عنده ، ثم قرأ وإنه في أم الكتاب لدينا لعلي حكيم وكسر الهمزة من ( أم الكتاب ) حمزة والكسائي . وضم الباقون ، وقد تقدم .

أَفَنَضْرِبُ عَنكُمُ ٱلذِّكْرَ صَفْحًا أَن كُنتُمْ قَوْمًا مُّسْرِفِينَ (5)


قوله تعالى : أفنضرب عنكم الذكر صفحا أن كنتم قوما مسرفين.قوله تعالى : أفنضرب عنكم الذكر صفحا يعني : القرآن ، عن الضحاك وغيره . وقيل : المراد بالذكر العذاب ، أي : أفنضرب عنكم العذاب ولا نعاقبكم على إسرافكم وكفركم ، قاله مجاهد وأبو صالح والسدي ، ورواه العوفي عن ابن عباس .وقال ابن عباس : المعنى أفحسبتم أن نصفح عنكم العذاب ولما تفعلوا ما أمرتم به . وعنه أيضا أن المعنى أتكذبون بالقرآن ولا تعاقبون . وقال السدي أيضا : المعنى أفنترككم سدى فلا نأمركم ولا ننهاكم .وقال قتادة : المعنى أفنهلككم ولا نأمركم ولا ننهاكم . وعنه أيضا : أفنمسك عن إنزال القرآن من قبل أنكم لا تؤمنون به فلا ننزله عليكم . وقاله ابن زيد . قال قتادة : والله لو كان هذا القرآن رفع حين رددته أوائل هذه الأمة لهلكوا ، ولكن الله ردده وكرره عليهم برحمته . وقال الكسائي : أفنطوي عنكم الذكر طيا فلا توعظون ولا تؤمرون . وقيل : الذكر التذكر ، فكأنه قال : أنترك تذكيركم لأن كنتم قوما مسرفين ، في قراءة من فتح . ومن كسر جعلها للشرط وما قبلها جوابا لها ; لأنها لم تعمل في اللفظ . ونظيره : وذروا ما بقي من الربا إن كنتم مؤمنين وقيل : الجواب محذوف دل عليه ما تقدم ، كما تقول : أنت ظالم إن فعلت . ومعنى الكسر عند الزجاج الحال ; لأن في الكلام معنى التقرير والتوبيخ .ومعنى ( صفحا ) إعراضا ، يقال صفحت عن فلان إذا أعرضت عن ذنبه . وقد ضربت عنه صفحا إذا أعرضت عنه وتركته . والأصل ، فيه صفحة العنق ، يقال : أعرضت عنه أي : وليته صفحة عنقي . قال الشاعر :صفوحا فما تلقاك إلا بخيلة فمن مل منها ذلك الوصل ملتوانتصب ( صفحا ) على المصدر لأن معنى ( أفنضرب ) أفنصفح . وقيل : التقدير أفنضرب عنكم الذكر صافحين ، كما يقال : جاء فلان مشيا . ومعنى : مسرفين مشركين . واختار أبو عبيدة الفتح في ( أن ) وهي قراءة ابن كثير وأبي عمرو وعاصم وابن عامر ، قال : لأن الله تعالى عاتبهم على ما كان منهم ، وعلمه قبل ذلك من فعلهم .

وَكَمْ أَرْسَلْنَا مِن نَّبِىٍّ فِى ٱلْأَوَّلِينَ (6)


قوله تعالى : وكم أرسلنا من نبي في الأولين ( كم ) هنا خبرية والمراد بها التكثير ، والمعنى ما أكثر ما أرسلنا من الأنبياء . كما قال : كم تركوا من جنات وعيون أي : ما أكثر ما تركوا .

وَمَا يَأْتِيهِم مِّن نَّبِىٍّ إِلَّا كَانُوا۟ بِهِۦ يَسْتَهْزِءُونَ (7)


وما يأتيهم من نبي أي : لم يكن يأتيهم نبي إلا كانوا به يستهزئون كاستهزاء قومك بك . يعزي نبيه محمدا - صلى الله عليه وسلم - ويسليه .

فَأَهْلَكْنَآ أَشَدَّ مِنْهُم بَطْشًا وَمَضَىٰ مَثَلُ ٱلْأَوَّلِينَ (8)


فأهلكنا أشد منهم بطشا أي قوما أشد منهم قوة . والكناية في ( منهم ) ترجع إلى المشركين المخاطبين بقوله : أفنضرب عنكم الذكر صفحا فكنى عنهم بعد أن خاطبهم . ( وأشد ) نصب على الحال . وقيل : هو مفعول ، أي : فقد أهلكنا أقوى من هؤلاء المشركين في أبدانهم وأتباعهم . ومضى مثل الأولين أي عقوبتهم ، عن قتادة وقيل : صفحة الأولين ، فخبرهم بأنهم أهلكوا على كفرهم ، حكاه النقاش والمهدوي .والمثل : الوصف والخبر .

وَلَئِن سَأَلْتَهُم مَّنْ خَلَقَ ٱلسَّمَٰوَٰتِ وَٱلْأَرْضَ لَيَقُولُنَّ خَلَقَهُنَّ ٱلْعَزِيزُ ٱلْعَلِيمُ (9)


قوله تعالى : ولئن سألتهم من خلق السماوات والأرض ليقولن خلقهن العزيز العليم .قوله تعالى : ولئن سألتهم يعني المشركين . من خلق السماوات والأرض ليقولن خلقهن العزيز العليم فأقروا له بالخلق والإيجاد ، ثم عبدوا معه غيره جهلا منهم . وقد مضى في غير موضع

ٱلَّذِى جَعَلَ لَكُمُ ٱلْأَرْضَ مَهْدًا وَجَعَلَ لَكُمْ فِيهَا سُبُلًا لَّعَلَّكُمْ تَهْتَدُونَ (10)


قوله تعالى : الذي جعل لكم الأرض مهدا وجعل لكم فيها سبلا لعلكم تهتدونقوله تعالى : الذي جعل لكم الأرض مهدا وصف نفسه سبحانه بكمال القدرة . وهذا ابتداء إخبار منه عن نفسه ، ولو كان هذا إخبارا عن قول الكفار لقال الذي جعل لنا الأرض ( مهادا ) فراشا وبساطا . وقد تقدم . وقرأ الكوفيون مهدا وجعل لكم فيها سبلا أي معايش . وقيل : طرقا ، لتسلكوا منها إلى حيث أردتم . لعلكم تهتدون فتستدلون بمقدوراته على قدرته . وقيل : لعلكم تهتدون في أسفاركم ، قاله ابن عيسى . وقيل : لعلكم تعرفون نعمة الله عليكم ، قاله سعيد بن جبير . وقيل : تهتدون إلى معايشكم .

الصفحة التالية