تفسير سورة الزخرف الصفحة 492 من القرآن الكريم

تفسير الصفحة رقم 492 من المصحف


وَلِبُيُوتِهِمْ أَبْوَٰبًا وَسُرُرًا عَلَيْهَا يَتَّكِـُٔونَ (34)


قوله تعالى : ولبيوتهم أبوابا وسررا عليها يتكئونقوله تعالى ولبيوتهم أبوابا أي : ولجعلنا لبيوتهم . وقيل : ( لبيوتهم ) بدل اشتمال من قوله : ( لمن يكفر بالرحمن ) . ( أبوابا ) أي : من فضة . ( وسررا ) كذلك ، وهو جمع السرير . وقيل : جمع الأسرة ، والأسرة جمع السرير ، فيكون جمع الجمع . ( عليها يتكئون ) الاتكاء والتوكؤ : التحامل على الشيء ، ومنه ، ( أتوكأ عليها ) . ورجل تكأة ، مثال همزة ، كثير الاتكاء . والتكأة أيضا : ما يتكأ عليه . واتكأ على الشيء فهو متكئ ، والموضع متكأ . وطعنه حتى أتكأه ( على أفعله ) أي : ألقاه على هيئة المتكئ . وتوكأت على العصا . وأصل التاء في جميع ذلك واو ، ففعل به ما فعل باتزن واتعد .

وَزُخْرُفًا وَإِن كُلُّ ذَٰلِكَ لَمَّا مَتَٰعُ ٱلْحَيَوٰةِ ٱلدُّنْيَا وَٱلْءَاخِرَةُ عِندَ رَبِّكَ لِلْمُتَّقِينَ (35)


( وزخرفا ) الزخرف هنا الذهب ، عن ابن عباس وغيره . نظيره : ( أو يكون لك بيت من زخرف ) وقد تقدم . وقال ابن زيد : هو ما يتخذه الناس في منازلهم من الأمتعة والأثاث . وقال الحسن : النقوش ، وأصله الزينة . يقال : زخرفت الدار ، أي : زينتها . وتزخرف فلان ، أي : تزين . وانتصب ( زخرفا ) على معنى وجعلنا لهم مع ذلك زخرفا . وقيل : بنزع الخافض ، والمعنى فجعلنا لهم سقفا وأبوابا وسررا من فضة ومن ذهب ، فلما حذف ( من ) قال : وزخرفا فنصب .وإن كل ذلك لما متاع الحياة الدنيا قرأ عاصم وحمزة وهشام عن ابن عامر وإن كل ذلك لما متاع الحياة الدنيا بالتشديد . الباقون بالتخفيف ، وقد ذكر هذا . وروي عن أبي رجاء كسر اللام من لما ، ف ( ما ) عنده بمنزلة الذي ، والعائد عليها محذوف ، والتقدير : وإن كل ذلك للذي هو متاع الحياة الدنيا ، وحذف الضمير هاهنا كحذفه في قراءة من قرأ ( مثلا ما بعوضة فما فوقها ) وتماما على الذي أحسن . أبو الفتح : ينبغي أن يكون ( كل ) على هذه القراءة منصوبة ; لأن ( إن ) مخففة من الثقيلة ، وهي إذا خففت وبطل عملها لزمتها اللام في آخر الكلام للفرق بينها وبين ( إن ) النافية التي بمعنى ما ، نحو إن زيد لقائم ، ولا لام هنا سوى الجارة .والآخرة عند ربك للمتقين يريد : الجنة لمن اتقى وخاف . وقال كعب : إني لأجد في بعض كتب الله المنزلة : لولا أن يحزن عبدي المؤمن لكللت رأس عبدي الكافر بالإكليل ، ولا يتصدع ولا ينبض منه عرق بوجع . وفي صحيح الترمذي عن أبي هريرة قال : قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم - : الدنيا سجن المؤمن وجنة الكافر . وعن سهل بن سعد قال : قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم - : لو كانت الدنيا تعدل عند الله جناح بعوضة ما سقى كافرا منها شربة ماء . وفي الباب عن أبي هريرة ، وقال : حديث حسن غريب . وأنشدوا :فلو كانت الدنيا جزاء لمحسن إذا لم يكن فيها معاش لظالم لقد جاع فيها الأنبياء كرامةوقد شبعت فيها بطون البهائموقال آخر :تمتع من الأيام إن كنت حازما فإنك فيها بين ناه وآمرإذا أبقت الدنيا على المرء دينه فما فاته منها فليس بضائرفلا تزن الدنيا جناح بعوضة ولا وزن رق من جناح لطائرفلم يرض بالدنيا ثوابا لمحسن ولا رضي الدنيا عقابا لكافر

وَمَن يَعْشُ عَن ذِكْرِ ٱلرَّحْمَٰنِ نُقَيِّضْ لَهُۥ شَيْطَٰنًا فَهُوَ لَهُۥ قَرِينٌ (36)


قوله تعالى : ومن يعش عن ذكر الرحمن نقيض له شيطانا فهو له قرين وقرأ ابن عباس وعكرمة ( ومن يعش ) بفتح الشين ، ومعناه يعمى ، يقال منه عشي يعشى عشا إذا عمي . ورجل أعشى وامرأة عشواء إذا كان لا يبصر ، ومنه قول الأعشى :رأت رجلا غائب الوافدي ن مختلف الخلق أعشى ضريراوقوله :أأن رأت رجلا أعشى أضر بهريب المنون ودهر مفند خبلالباقون بالضم ، من عشا يعشو إذا لحقه ما يلحق الأعشى . وقال الخليل : العشو هو النظر ببصر ضعيف ، وأنشد :متى تأته تعشو إلى ضوء نارهتجد خير نار عندها خير موقدوقال آخر :لنعم الفتى يعشو إلى ضوء نارهإذا الريح هبت والمكان جديبالجوهري : والعشا ( مقصور ) مصدر الأعشى وهو الذي لا يبصر بالليل ويبصر بالنهار . والمرأة عشواء ، وامرأتان عشواوان . وأعشاه الله فعشي ( بالكسر ) يعشى عشى ، وهما يعشيان ، ولم يقولوا يعشوان ; لأن الواو لما صارت في الواحد ياء لكسرة ما قبلها تركت في التثنية على حالها . وتعاشى إذا أرى من نفسه أنه أعشى . والنسبة إلى أعشى أعشوي . وإلى العشية عشوي . والعشواء : الناقة التي لا تبصر أمامها فهي تخبط بيديها كل شيء . وركب فلان العشواء إذا خبط أمره على غير بصيرة . وفلان خابط خبط عشواء .وهذه الآية تتصل بقوله أول السورة : أفنضرب عنكم الذكر صفحا أي : نواصل لكم الذكر ، فمن يعش عن ذلك الذكر بالإعراض عنه إلى أقاويل المضلين وأباطيلهم ( نقيض له شيطانا ) أي : نسبب له شيطانا جزاء له على كفره ( فهو له قرين ) قيل في الدنيا ، يمنعه من الحلال ، ويبعثه على الحرام ، وينهاه عن الطاعة ، ويأمره بالمعصية ، وهو معنى قول ابن عباس . وقيل : في الآخرة إذا قام من قبره ، قاله سعيد الجريري . وفي الخبر : أن الكافر إذا خرج من قبره يشفع بشيطان لا يزال معه حتى يدخلا النار . وأن المؤمن يشفع بملك حتى يقضي الله بين خلقه ، ذكره المهدوي . وقال القشيري : والصحيح ( فهو له قرين ) في الدنيا والآخرة . وقال أبو الهيثم والأزهري : عشوت إلى كذا أي : قصدته . وعشوت عن كذا أي : أعرضت عنه ، فتفرق بين ( إلى ) و " عن " ، مثل : ملت إليه وملت عنه . وكذا قال قتادة : ( يعش ) ، يعرض ، وهو قول الفراء . النحاس : وهو غير معروف في اللغة . وقال القرظي : يولي ظهره ، والمعنى واحد . وقال أبو عبيدة والأخفش : تظلم عينه . وأنكر العتبي عشوت بمعنى أعرضت ، قال : وإنما الصواب تعاشيت . والقول قول أبي الهيثم والأزهري . وكذلك قال جميع أهل المعرفة .وقرأ السلمي وابن أبي إسحاق ويعقوب وعصمة عن عاصم وعن الأعمش ( يقيض ) ( بالياء ) لذكر ( الرحمن ) أولا ، أي : يقيض له الرحمن شيطانا . الباقون بالنون . وعن ابن عباس : يقيض له شيطان فهو له قرين ، أي : ملازم ومصاحب . قيل : ( فهو ) كناية عن الشيطان ، على ما تقدم . وقيل : عن الإعراض عن القرآن ، أي : هو قرين للشيطان .

وَإِنَّهُمْ لَيَصُدُّونَهُمْ عَنِ ٱلسَّبِيلِ وَيَحْسَبُونَ أَنَّهُم مُّهْتَدُونَ (37)


( وإنهم ليصدونهم عن السبيل ) أي : وإن الشياطين ليصدونهم عن سبيل الهدى ، وذكر بلفظ الجمع لأن ( من ) في قوله : ومن يعش في معنى الجمع . ( ويحسبون ) أي : ويحسب الكفار أنهم مهتدون وقيل : ويحسب الكفار إن الشياطين مهتدون فيطيعونهم .

حَتَّىٰٓ إِذَا جَآءَنَا قَالَ يَٰلَيْتَ بَيْنِى وَبَيْنَكَ بُعْدَ ٱلْمَشْرِقَيْنِ فَبِئْسَ ٱلْقَرِينُ (38)


( حتى إذا جاءنا ) على التوحيد قرأ أبو عمرو وحمزة والكسائي وحفص يعني : الكافر يوم القيامة . الباقون ( جاءانا ) على التثنية ، يعني : الكافر وقرينه وقد جعلا في سلسلة واحدة ، فيقول الكافر : ياليت بيني وبينك بعد المشرقين أي : مشرق الشتاء ومشرق الصيف ، كما قال تعالى : رب المشرقين ورب المغربين ونحوه قول مقاتل . وقراءة التوحيد وإن كان ظاهرها الإفراد فالمعنى لهما جميعا ; لأنه قد عرف ذلك بما بعده ، كما قال [ امرؤ القيس ] :وعين لها حدرة بدرة شقت مآقيهما من أخرقال مقاتل : يتمنى الكافر أن بينهما بعد مشرق أطول يوم في السنة إلى مشرق أقصر يوم في السنة ، ولذلك قال : بعد المشرقين وقال الفراء : أراد المشرق والمغرب فغلب اسم أحدهما ، كما يقال : القمران للشمس والقمر ، والعمران لأبي بكر وعمر ، والبصرتان للكوفة والبصرة ، والعصران للغداة والعصر . وقال الشاعر :أخذنا بآفاق السماء عليكم لنا قمراها والنجوم الطوالعوأنشد أبو عبيدة لجرير :ما كان يرضى رسول الله فعلهم والعمران أبو بكر ولا عمروأنشد سيبويه : قدني من نصر الخبيبين قدييريد عبد الله ومصعبا ابني الزبير ، وإنما أبو خبيب عبد الله . ( فبئس القرين ) أي فبئس الصاحب أنت ; لأنه يورده إلى النار . قال أبو سعيد الخدري : إذا بعث الكافر زوج بقرينه من الشياطين فلا يفارقه حتى يصير به إلى النار .

وَلَن يَنفَعَكُمُ ٱلْيَوْمَ إِذ ظَّلَمْتُمْ أَنَّكُمْ فِى ٱلْعَذَابِ مُشْتَرِكُونَ (39)


قوله تعالى : ولن ينفعكم اليوم إذ ظلمتم أنكم في العذاب مشتركون .قوله تعالى : ولن ينفعكم اليوم إذ ظلمتم ( إذ ) بدل من اليوم ، أي : يقول الله للكافر : لن ينفعكم اليوم إذ أشركتم في الدنيا هذا الكلام ، وهو قول الكافر : ياليت بيني وبينك بعد المشرقين أي : لا تنفع الندامة اليوم . ( إنكم ) بالكسر ( في العذاب مشتركون ) وهي قراءة ابن عامر باختلاف عنه . الباقون بالفتح . وهي في موضع رفع تقديره : ولن ينفعكم اليوم اشتراككم في العذاب ; لأن لكل واحد نصيبه الأوفر منه . أعلم الله تعالى أنه منع أهل النار التأسي كما يتأسى أهل المصائب في الدنيا ، وذلك أن التأسي يستروحه أهل الدنيا فيقول أحدهم : لي في البلاء والمصيبة أسوة ، فيسكن ذلك من حزنه ، كما قالت الخنساء :فلولا كثرة الباكين حولي على إخوانهم لقتلت نفسي وما يبكون مثل أخي ولكن أعزي النفس عنه بالتأسيفإذا كان في الآخرة لم ينفعهم التأسي شيئا لشغلهم بالعذاب .وقال مقاتل : لن ينفعكم الاعتذار والندم اليوم ; لأن قرناءكم وأنتم في العذاب مشتركون كما اشتركتم في الكفر .

أَفَأَنتَ تُسْمِعُ ٱلصُّمَّ أَوْ تَهْدِى ٱلْعُمْىَ وَمَن كَانَ فِى ضَلَٰلٍ مُّبِينٍ (40)


قوله تعالى : أفأنت تسمع الصم أو تهدي العمي ومن كان في ضلال مبين .قوله تعالى أفأنت تسمع الصم أو تهدي العمي يا محمد ومن كان في ضلال مبين أي : ليس لك ذلك فلا يضيق صدرك إن كفروا ، ففيه تسلية للنبي صلى الله عليه وسلم . وفيه رد على القدرية وغيرهم ، وأن الهدى والرشد والخذلان في القلب خلق الله تعالى ، يضل من يشاء ويهدي من يشاء .

فَإِمَّا نَذْهَبَنَّ بِكَ فَإِنَّا مِنْهُم مُّنتَقِمُونَ (41)


قوله تعالى : فإما نذهبن بك فإنا منهم منتقمونقوله تعالى فإما نذهبن بك يريد أخرجنك من مكة من أذى قريش . ( فإنا منهم منتقمون )

أَوْ نُرِيَنَّكَ ٱلَّذِى وَعَدْنَٰهُمْ فَإِنَّا عَلَيْهِم مُّقْتَدِرُونَ (42)


أو نرينك الذي وعدناهم ) وهو الانتقام منهم في حياتك . ( فإنا عليهم مقتدرون ) قالابن عباس : قد أراه الله ذلك يوم بدر ، وهو قول أكثر المفسرين . وقال الحسن وقتادة : هي في أهل الإسلام ، يريد ما كان بعد النبي - صلى الله عليه وسلم - من الفتن . ونذهبن بك على هذا نتوفينك . وقد كان بعد النبي - صلى الله عليه وسلم - نقمة شديدة فأكرم الله نبيه - صلى الله عليه وسلم - وذهب به فلم يره في أمته إلا التي تقر به عينه وأبقى النقمة بعده ، وليس من نبي إلا وقد أري النقمة في أمته . وروي أن النبي - صلى الله عليه وسلم - أري ما لقيت أمته من بعده ، فما زال منقبضا ، ما انبسط ضاحكا حتى لقي ، الله عز وجل . وعن ابن مسعود : أن النبي - صلى الله عليه وسلم - قال : إذا أراد الله بأمة خيرا قبض نبيها قبلها فجعله لها فرطا وسلفا . وإذا أراد الله بأمة عذابا عذبها ونبيها حي لتقر عينه لما كذبوه وعصوا أمره .

فَٱسْتَمْسِكْ بِٱلَّذِىٓ أُوحِىَ إِلَيْكَ إِنَّكَ عَلَىٰ صِرَٰطٍ مُّسْتَقِيمٍ (43)


قوله تعالى فاستمسك بالذي أوحي إليك يريد القرآن ، وإن كذب به من كذب ، ف إنك على صراط مستقيم يوصلك إلى الله ورضاه وثوابه .

وَإِنَّهُۥ لَذِكْرٌ لَّكَ وَلِقَوْمِكَ وَسَوْفَ تُسْـَٔلُونَ (44)


وإنه لذكر لك ولقومك يعني القرآن شرف لك ولقومك من قريش ، إذ نزل بلغتهم وعلى رجل منهم ، نظيره : لقد أنزلنا إليكم كتابا فيه ذكركم أي : شرفكم . فالقرآن نزل بلسان قريش وإياهم خاطب ، فاحتاج أهل اللغات كلها إلى لسانهم كل من آمن بذلك فصاروا عيالا عليهم ; لأن أهل كل لغة احتاجوا إلى أن يأخذوه من لغتهم حتى يقفوا على المعنى الذي عني به من الأمر ، والنهي وجميع ما فيه من الأنباء ، فشرفوا بذلك على سائر أهل اللغات ولذلك سمي عربيا . وقيل : بيان لك ولأمتك فيما بكم إليه حاجة . وقيل : تذكرة تذكرون به أمر الدين وتعملون به . وقيل : وإنه لذكر لك ولقومك يعني الخلافة فإنها في قريش لا تكون في غيرهم ، قال النبي - صلى الله عليه وسلم - : الناس تبع لقريش في هذا الشأن مسلمهم تبع لمسلمهم وكافرهم تبع لكافرهم . وقال مالك : هو قول الرجل حدثني أبي عن أبيه ، حكاه ابن أبي سلمة عن أبيه عن مالك بن أنس فيما ذكر الماوردي والثعلبي وغيرهما . قال ابن العربي : ولم أجد في الإسلام هذه المرتبة لأحد إلا ببغداد فإن بني التميمي بها يقولون : حدثني أبي قال حدثني أبي ، إلى رسول الله - صلى الله عليه وسلم - ، وبذلك شرفت أقدارهم ، وعظم الناس شأنهم ، وتهممت الخلافة بهم . ورأيت بمدينة السلام ابني أبي محمد رزق الله بن عبد الوهاب أبي الفرج بن عبد العزيز بن الحارث بن الأسد بن الليث بن سليمان بن أسود بن سفيان بن يزيد بن أكينة بن عبد الله التميمي وكانا يقولان : سمعنا أبانا رزق الله يقول سمعت أبي يقول سمعت أبي يقول سمعت أبي يقول سمعت أبي يقول سمعت أبي يقول سمعت علي بن أبي طالب يقول وقد سئل عن الحنان المنان فقال : الحنان الذي يقبل على من أعرض عنه ، والمنان الذي يبدأ بالنوال قبل السؤال . والقائل سمعت عليا : أكينة بن عبد الله جدهم الأعلى . والأقوى أن يكون المراد بقوله : وإنه لذكر لك ولقومك يعني القرآن ، فعليه انبنى الكلام وإليه يرجع المصير ، والله أعلم .قال الماوردي : ولقومك فيهم قولان : أحدهما : من اتبعك من أمتك ، قاله قتادة وذكره الثعلبي عن الحسن . الثاني : لقومك من قريش ، فيقال ممن هذا ؟ فيقال من العرب ، فيقال من أي العرب ؟ فيقال من قريش ، قاله مجاهد .قلت : والصحيح أنه شرف لمن عمل به ، كان من قريش أو من غيرهم . روى ابن عباس قال : أقبل نبي الله - صلى الله عليه وسلم - من سرية أو غزاة فدعا فاطمة فقال : يا فاطمة اشتري نفسك من الله فإني لا أغني عنك من الله شيئا وقال مثل ذلك لنسوته ، وقال مثل ذلك لعترته ، ثم قال نبي الله - صلى الله عليه وسلم - : ما بنو هاشم بأولى الناس بأمتي إن أولى الناس بأمتي المتقون ، ولا قريش بأولى الناس بأمتي إن أولى الناس بأمتي المتقون ، ولا الأنصار بأولى الناس بأمتي إن أولى الناس بأمتي المتقون ، ولا الموالي بأولى الناس بأمتي إن أولى الناس بأمتي المتقون . إنما أنتم من رجل وامرأة وأنتم كجمام الصاع ، ليس لأحد على أحد فضل إلا بالتقوى .وعن أبي هريرة قال : قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم - : لينتهين أقوام يفتخرون بفحم من فحم جهنم أو يكونون شرا عند الله من الجعلان التي تدفع النتن بأنفها ، كلكم بنو آدم وآدم من تراب ، إن الله أذهب عنكم عبية الجاهلية وفخرها بالآباء ؛ الناس مؤمن تقي وفاجر شقي . خرجهما الطبري . وسيأتي لهذا مزيد بيان في الحجرات إن شاء الله تعالى . ( وسوف تسألون ) أي عن الشكر عليه ، قال مقاتل والفراء . وقال ابن جريج : أي : تسألون أنت ومن معك على ما أتاك . وقيل : تسألون عما عملتم فيه ، والمعنى متقارب .

وَسْـَٔلْ مَنْ أَرْسَلْنَا مِن قَبْلِكَ مِن رُّسُلِنَآ أَجَعَلْنَا مِن دُونِ ٱلرَّحْمَٰنِ ءَالِهَةً يُعْبَدُونَ (45)


قوله تعالى : واسأل من أرسلنا من قبلك من رسلنا أجعلنا من دون الرحمن آلهة يعبدون .قال ابن عباس وابن زيد : لما أسري برسول الله - صلى الله عليه وسلم - من المسجد الحرام إلى المسجد الأقصى - وهو مسجد بيت المقدس - بعث الله له آدم ومن ولد من المرسلين ، وجبريل مع النبي - صلى الله عليه وسلم - ، فأذن جبريل - صلى الله عليه وسلم - ثم أقام الصلاة ، ثم قال : يا محمد تقدم فصل بهم ، فلما فرغ رسول الله - صلى الله عليه وسلم - ، قال له جبريل - صلى الله عليه وسلم - : [ سل يا محمد من أرسلنا من قبلك من رسلنا أجعلنا من دون الرحمن آلهة يعبدون ] . فقال رسول الله - صلى الله عليه وسلم - : لا أسأل قد اكتفيت . قال ابن عباس : وكانوا سبعين نبيا منهم إبراهيم وموسى وعيسى عليهم السلام ، فلم يسألهم لأنه كان أعلم بالله منهم . في غير رواية ابن عباس : فصلوا خلف رسول الله - صلى الله عليه وسلم - سبعة صفوف ، المرسلون ثلاثة صفوف والنبيون أربعة ، وكان يلي ظهر رسول الله - صلى الله عليه وسلم - إبراهيم خليل الله ، وعلى يمينه إسماعيل وعلى يساره إسحاق ثم موسى ثم سائر المرسلين فأمهم ركعتين ، فلما انفتل قام فقال : إن ربي أوحى إلي أن أسألكم هل أرسل أحد منكم يدعو إلى عبادة غير الله ؟ فقالوا : يا محمد ، إنا نشهد إنا أرسلنا أجمعين بدعوة واحدة أن لا إله إلا الله وأن ما يعبدون من دونه باطل ، وأنك خاتم النبيين وسيد المرسلين ، قد استبان ذلك لنا بإمامتك إيانا ، وأن لا نبي بعدك إلى يوم القيامة إلا عيسى ابن مريم فإنه مأمور أن يتبع أثرك ) . وقال سعيد بن جبير في قوله تعالى : واسأل من أرسلنا من قبلك من رسلنا قال : لقي الرسل ليلة أسري به . وقال الوليد بن مسلم في قوله تعالى : واسأل من أرسلنا من قبلك من رسلنا قال : سألت عن ذلك وليد بن دعلج فحدثني عن قتادة قال : سألهم ليلة أسري به ، لقي الأنبياء ولقي آدم ومالكا خازن النار .قلت : هذا هو الصحيح في تفسير هذه الآية . ومن التي قبل رسلنا على هذا القول غير زائدة . وقال المبرد وجماعة من العلماء : إن المعنى واسأل أمم من قد أرسلنا من قبلك من رسلنا . وروي أن في قراءة ابن مسعود : ( واسأل الذين أرسلنا إليهم قبلك رسلنا ) وهذه قراءة مفسرة ، ف ( من ) على هذا زائدة ، وهو قول مجاهد والسدي والضحاك وقتادة وعطاء والحسن وابن عباس أيضا . أي : واسأل مؤمني أهل الكتابين التوراة والإنجيل . وقيل : المعنى سلنا يا محمد عن الأنبياء الذين أرسلنا قبلك ، فحذفت " عن " ، والوقف على رسلنا على هذا تام ، ثم ابتدأ بالاستفهام على طريق الإنكار . وقيل : المعنى واسأل تباع من أرسلنا من قبلك من رسلنا ، فحذف المضاف . والخطاب للنبي - صلى الله عليه وسلم - والمراد أمته .أجعلنا من دون الرحمن آلهة يعبدون أخبر عن الآلهة كما أخبر عمن يعقل فقال : ( يعبدون ) ولم يقل تعبد ولا يعبدن ، لأن الآلهة جرت عندهم مجرى من يعقل فأجرى الخبر عنهم مجرى الخبر عمن يعقل .وسبب هذا الأمر بالسؤال أن اليهود والمشركين قالوا للنبي - صلى الله عليه وسلم - : إن ما جئت به مخالف لمن كان قبلك ، فأمره الله بسؤاله الأنبياء على جهة التوقيف والتقرير ، لا لأنه كان في شك منه . واختلف أهل التأويل في سؤال النبي - صلى الله عليه وسلم - لهم على قولين : أحدهما : أنه سألهم فقالت الرسل بعثنا بالتوحيد ، قاله الواقدي . الثاني : أنه لم يسألهم ليقينه بالله - عز وجل - ، حتى حكى ابن زيد أن ميكائيل قال لجبريل : ( هل سألك محمد عن ذلك ؟ فقال جبريل : هو أشد إيمانا وأعظم يقينا من أن يسأل عن ذلك ) . وقد تقدم هذا المعنى في الروايتين حسبما ذكرناه .

وَلَقَدْ أَرْسَلْنَا مُوسَىٰ بِـَٔايَٰتِنَآ إِلَىٰ فِرْعَوْنَ وَمَلَإِي۟هِۦ فَقَالَ إِنِّى رَسُولُ رَبِّ ٱلْعَٰلَمِينَ (46)


قوله تعالى : ولقد أرسلنا موسى بآياتنا لما أعلم النبي - صلى الله عليه وسلم - أنه منتقم له من عدوه وأقام الحجة باستشهاد الأنبياء واتفاق الكل على التوحيد أكد ذلك بقصة موسى وفرعون ، وما كان من فرعون من التكذيب ، وما نزل به وبقومه من الإغراق والتعذيب : أي : أرسلنا موسى بالمعجزات وهي التسع الآيات فكذب ، فجعلت العاقبة الجميلة له ، فكذلك أنت .

فَلَمَّا جَآءَهُم بِـَٔايَٰتِنَآ إِذَا هُم مِّنْهَا يَضْحَكُونَ (47)


استهزاء وسخرية ; يوهمون أتباعهم أن تلك الآيات سحر وتخييل , وأنهم قادرون عليها .

الصفحة السابقة الصفحة التالية