تفسير سورة الذاريات الصفحة 522 من القرآن الكريم

تفسير الصفحة رقم 522 من المصحف


قَالَ فَمَا خَطْبُكُمْ أَيُّهَا ٱلْمُرْسَلُونَ (31)


قوله تعالى : قال فما خطبكم أيها المرسلون لما تيقن إبراهيم عليه السلام أنهم ملائكة بإحياء العجل والبشارة قال لهم : فما خطبكم أي ما شأنكم وقصتكم أيها المرسلون

قَالُوٓا۟ إِنَّآ أُرْسِلْنَآ إِلَىٰ قَوْمٍ مُّجْرِمِينَ (32)


يريد قوم لوط .

لِنُرْسِلَ عَلَيْهِمْ حِجَارَةً مِّن طِينٍ (33)


أي لنرجمهم بها .

مُّسَوَّمَةً عِندَ رَبِّكَ لِلْمُسْرِفِينَ (34)


مسومة أي معلمة . قيل : كانت مخططة بسواد وبياض . وقيل : بسواد وحمرة . وقيل : مسومة أي معروفة بأنها حجارة العذاب . وقيل : على كل حجر اسم من يهلك به . وقيل : عليها أمثال الخواتيم . وقد مضى هذا كله في " هود " . فجعلت الحجارة تتبع مسافريهم وشذاذهم فلم يفلت منهم مخبر .عند ربك أي عند الله وقد أعدها لرجم من قضى برجمه . ثم قيل : كانت مطبوخة طبخ الآجر ؛ قاله ابن زيد ; وهو معنى قوله تعالى : حجارة من سجيل على ما تقدم بيانه في " هود " . وقيل : هي الحجارة التي نراها وأصلها طين ، وإنما تصير حجارة بإحراق الشمس إياها على مر الدهور . وإنما قال : من طين ليعلم أنها ليست حجارة الماء التي هي البرد . حكاه القشيري .

فَأَخْرَجْنَا مَن كَانَ فِيهَا مِنَ ٱلْمُؤْمِنِينَ (35)


أي لما أردنا إهلاك قوم لوط أخرجنا من كان في قومه من المؤمنين ; لئلا يهلك المؤمنون , وذلك قوله تعالى : " فأسر بأهلك " [ هود : 81 ] .

فَمَا وَجَدْنَا فِيهَا غَيْرَ بَيْتٍ مِّنَ ٱلْمُسْلِمِينَ (36)


فما وجدنا فيها غير بيت من المسلمين يعني لوطا وبنتيه وفيه إضمار ; أي فما وجدنا فيها غير أهل بيت . وقد يقال بيت شريف يراد به الأهل . وقوله : فيها كناية عن القرية ولم يتقدم لها ذكر ; لأن المعنى مفهوم . وأيضا فقوله تعالى : إنا أرسلنا إلى قوم مجرمين يدل على القرية ; لأن القوم إنما يسكنون قرية . وقيل : الضمير فيها للجماعة . والمؤمنون والمسلمون هاهنا سواء فجنس اللفظ لئلا يتكرر ، كما قال : إنما أشكو بثي وحزني إلى الله . وقيل : الإيمان تصديق القلب ، والإسلام الانقياد بالظاهر ، فكل مؤمن مسلم وليس كل مسلم مؤمنا . فسماهم في الآية الأولى مؤمنين ; لأنه ما من مؤمن إلا وهو مسلم . وقد مضى الكلام في هذا المعنى في " البقرة " وغيرها . وقوله : قالت الأعراب آمنا قل لم تؤمنوا يدل على الفرق بين الإيمان والإسلام وهو مقتضى حديث جبريل عليه السلام في صحيح مسلم وغيره . وقد بيناه في غير موضع .

وَتَرَكْنَا فِيهَآ ءَايَةً لِّلَّذِينَ يَخَافُونَ ٱلْعَذَابَ ٱلْأَلِيمَ (37)


قوله تعالى : وتركنا فيها آية أي عبرة وعلامة لأهل ذلك الزمان ومن بعدهم ; نظيره : ولقد تركنا منها آية بينة لقوم يعقلون . ثم قيل : الآية المتروكة نفس القرية الخربة . وقيل : الحجارة المنضودة التي رجموا بها هي الآية .للذين يخافون لأنهم المنتفعون .

وَفِى مُوسَىٰٓ إِذْ أَرْسَلْنَٰهُ إِلَىٰ فِرْعَوْنَ بِسُلْطَٰنٍ مُّبِينٍ (38)


أي وتركنا أيضا في قصة موسى آية .وقال الفراء : هو معطوف على قوله : " وفي الأرض آيات " " وفي موسى " .

فَتَوَلَّىٰ بِرُكْنِهِۦ وَقَالَ سَٰحِرٌ أَوْ مَجْنُونٌ (39)


قوله تعالى : فتولى بركنه أي فرعون أعرض عن الإيمان بركنه أي بجموعه وأجناده ; قاله ابن زيد . وهو معنى قول مجاهد ، ومنه قوله : أو آوي إلى ركن شديد يعني المنعة والعشيرة . وقال ابن عباس وقتادة : بقوته . ومنه قول عنترة :فما أوهى مراس الحرب ركني ولكن ما تقادم من زمانيوقيل : بنفسه . وقال الأخفش : بجانبه ; كقوله تعالى : أعرض ونأى بجانبه وقاله المؤرج . الجوهري : وركن الشيء جانبه الأقوى ، وهو يأوي إلى ركن شديد أي عزة ومنعة . القشيري : والركن جانب البدن . وهذا عبارة عن المبالغة في الإعراض عن الشيء . وقال ساحر أو مجنون " أو " بمعنى الواو ، لأنهم قالوهما جميعا ؛ قاله المؤرج والفراء ، وأنشد بيت جرير :أثعلبة الفوارس أو رياحا عدلت بهم طهية والخشاباوقد توضع " أو " بمعنى الواو ; كقوله تعالى : ولا تطع منهم آثما أو كفورا والواو بمعنى أو ، كقوله تعالى : فانكحوا ما طاب لكم من النساء مثنى وثلاث ورباع وقد تقدم جميع هذا .

فَأَخَذْنَٰهُ وَجُنُودَهُۥ فَنَبَذْنَٰهُمْ فِى ٱلْيَمِّ وَهُوَ مُلِيمٌ (40)


فَأَخَذْنَاهُ وَجُنُودَهُلكفرهم وتوليهم عن الإيمان .فَنَبَذْنَاهُمْ فِي الْيَمِّأي طرحناهم في البحر وَهُوَ مُلِيمٌيعني فرعون , لأنه أتى ما يلام عليه .

وَفِى عَادٍ إِذْ أَرْسَلْنَا عَلَيْهِمُ ٱلرِّيحَ ٱلْعَقِيمَ (41)


قوله تعالى : وفي عاد أي وتركنا في عاد آية لمن تأمل .إذ أرسلنا عليهم الريح العقيم وهي التي لا تلقح سحابا ولا شجرا ، ولا رحمة فيها ولا بركة ولا منفعة ; ومنه امرأة عقيم لا تحمل ولا تلد . ثم قيل : هي الجنوب . روى ابن أبي ذئب عن الحارث بن عبد الرحمن عن النبي صلى الله عليه وسلم قال : الريح العقيم الجنوب وقال مقاتل : هي الدبور كما في الصحيح عن النبي صلى الله عليه وسلم نصرت بالصبا وأهلكت عاد بالدبور . وقال ابن عباس : هي النكباء . وقال عبيد بن عمير : مسكنها الأرض الرابعة وما فتح على عاد منها إلا كقدر منخر الثور . وروى ابن أبي نجيح عن مجاهد أيضا أنها الصبا ; فالله أعلم .

مَا تَذَرُ مِن شَىْءٍ أَتَتْ عَلَيْهِ إِلَّا جَعَلَتْهُ كَٱلرَّمِيمِ (42)


قوله تعالى : ما تذر من شيء أتت عليه إلا جعلته كالرميم أي كالشيء الهشيم ; يقال للنبت إذا يبس وتفتت : رميم وهشيم . قال ابن عباس : كالشيء الهالك البالي ; وقاله مجاهد : ومنه قول الشاعر جرير :تركتني حين كف الدهر من بصري وإذ بقيت كعظم الرمة الباليوقال قتادة : إنه الذي ديس من يابس النبات . وقال أبو العالية والسدي : كالتراب المدقوق . قطرب : الرميم الرماد . وقال يمان : ما رمته الماشية من الكلإ بمرمتها . ويقال للشفة المرمة والمقمة بالكسر ، والمرمة بالفتح لغة فيه . وأصل الكلمة من رم العظم إذا بلي ; تقول منه : رم العظم يرم بالكسر رمة فهو رميم ، قال الشاعر :ورأى عواقب خلف ذاك مذمة تبقى عليه والعظام رميموالرمة بالكسر العظام البالية والجمع رمم ورمام . ونظير هذه الآية : تدمر كل شيء حسب ما تقدم .

وَفِى ثَمُودَ إِذْ قِيلَ لَهُمْ تَمَتَّعُوا۟ حَتَّىٰ حِينٍ (43)


قوله تعالى : وفي ثمود أي وفيهم أيضا عبرة وآية حين قيل لهم : عيشوا متمتعين بالدنيا حتى حين أي إلى وقت الهلاك وهو ثلاثة أيام كما في هود : تمتعوا في داركم ثلاثة أيام . وقيل : معنى تمتعوا أي أسلموا وتمتعوا إلى وقت فراغ آجالكم .

فَعَتَوْا۟ عَنْ أَمْرِ رَبِّهِمْ فَأَخَذَتْهُمُ ٱلصَّٰعِقَةُ وَهُمْ يَنظُرُونَ (44)


فعتوا عن أمر ربهم أي خالفوا أمر الله فعقروا الناقة فأخذتهم الصاعقة أي : الموت . وقيل : هي كل عذاب مهلك . قال الحسين بن واقد : كل صاعقة في القرآن فهو العذاب . وقرأ عمر بن الخطاب وحميد وابن محيصن ومجاهد والكسائي " الصعقة " يقال صعق الرجل صعقة وتصعاقا أي غشي عليه . وصعقتهم السماء أي ألقت عليهم الصاعقة . والصاعقة أيضا صيحة العذاب وقد مضى في " البقرة " وغيرها . وهم ينظرون إليها نهارا .

فَمَا ٱسْتَطَٰعُوا۟ مِن قِيَامٍ وَمَا كَانُوا۟ مُنتَصِرِينَ (45)


فما استطاعوا من قيام قيل : معناه من نهوض . وقيل : ما أطاقوا أن يستقلوا بعذاب الله وأن يتحملوه ويقوموا به ويدفعوه عن أنفسهم ; تقول : لا أقوم لهذا الأمر أي لا أطيقه . وقال ابن عباس : أي ذهبت أجسامهم وبقيت أرواحهم في العذاب .وما كانوا منتصرين أي ممتنعين من العذاب حين أهلكوا ، أي ما كان لهم ناصر .

وَقَوْمَ نُوحٍ مِّن قَبْلُ إِنَّهُمْ كَانُوا۟ قَوْمًا فَٰسِقِينَ (46)


قوله تعالى : وقوم نوح من قبل إنهم كانوا قوما فاسقين قوله تعالى : وقوم نوح من قبل قرأ حمزة والكسائي وأبو عمرو " وقوم نوح " بالخفض ; أي : وفي قوم نوح آية أيضا . الباقون بالنصب على معنى وأهلكنا قوم نوح ، أو يكون معطوفا على الهاء والميم في أخذتهم أو الهاء في أخذناه أي فأخذتهم الصاعقة وأخذت قوم نوح ، أو فنبذناهم في اليم ونبذنا قوم نوح ، أو يكون بمعنى اذكر .

وَٱلسَّمَآءَ بَنَيْنَٰهَا بِأَيْي۟دٍ وَإِنَّا لَمُوسِعُونَ (47)


قوله تعالى : والسماء بنيناها بأيد لما بين هذه الآيات قال : وفي السماء آيات وعبر تدل على أن الصانع قادر على الكمال ، فعطف أمر السماء على قصة قوم نوح لأنهما آيتان . ومعنى بأيد أي بقوة وقدرة . عن ابن عباس وغيره .وإنا لموسعون قال ابن عباس : لقادرون . وقيل : أي وإنا لذو سعة ، وبخلقها وخلق غيرها لا يضيق علينا شيء نريده . وقيل : أي وإنا لموسعون الرزق على خلقنا . عن ابن عباس أيضا . الحسن : وإنا لمطيقون . وعنه أيضا : وإنا لموسعون الرزق بالمطر . وقال الضحاك : أغنيناكم ; دليله : على الموسع قدره . وقال القتبي : ذو سعة على خلقنا . والمعنى متقارب . وقيل : جعلنا بينهما وبين الأرض سعة . الجوهري : وأوسع الرجل أي صار ذا سعة وغنى ، ومنه قوله تعالى : والسماء بنيناها بأيد وإنا لموسعون أي أغنياء قادرون . فشمل جميع الأقوال .

وَٱلْأَرْضَ فَرَشْنَٰهَا فَنِعْمَ ٱلْمَٰهِدُونَ (48)


والأرض فرشناها أي بسطناها كالفراش على وجه الماء ومددناها .فنعم الماهدون أي فنعم الماهدون نحن لهم . والمعنى في الجمع التعظيم ; مهدت الفراش مهدا بسطته ووطأته ، وتمهيد الأمور تسويتها وإصلاحها .

وَمِن كُلِّ شَىْءٍ خَلَقْنَا زَوْجَيْنِ لَعَلَّكُمْ تَذَكَّرُونَ (49)


قوله تعالى : ومن كل شيء خلقنا زوجين أي صنفين ونوعين مختلفين . قال ابن زيد : أي ذكرا وأنثى وحلوا وحامضا ونحو ذلك . مجاهد . يعني الذكر والأنثى ، والسماء والأرض ، والشمس والقمر ، والليل والنهار ، والنور والظلام ، والسهل والجبل ، والجن والإنس ، والخير والشر ، والبكرة والعشي ، وكالأشياء المختلفة الألوان من الطعوم والأراييح والأصوات . أي جعلنا هذا كهذا دلالة على قدرتنا ، ومن قدر على هذا فليقدر على الإعادة . وقيل : ومن كل شيء خلقنا زوجين لتعلموا أن خالق الأزواج فرد ، فلا يقدر في صفته حركة ولا سكون ، ولا ضياء ولا ظلام ، ولا قعود ولا قيام ، ولا ابتداء ولا انتهاء ; إذ هو عز وجل وتر ليس كمثله شيء لعلكم تذكرون .

فَفِرُّوٓا۟ إِلَى ٱللَّهِ إِنِّى لَكُم مِّنْهُ نَذِيرٌ مُّبِينٌ (50)


قوله تعالى : ففروا إلى الله إني لكم منه نذير مبين لما تقدم ما جرى من تكذيب أممهم لأنبيائهم وإهلاكهم ; لذلك قال الله تعالى لنبيه صلى الله عليه وسلم : قل لهم يا محمد ; أي قل لقومك : ففروا إلى الله إني لكم منه نذير مبين أي فروا من معاصيه إلى طاعته . وقال ابن عباس : فروا إلى الله بالتوبة من ذنوبكم . وعنه فروا منه إليه واعملوا بطاعته . وقال محمد بن عبد الله بن عمرو بن عثمان بن عفان : ففروا إلى الله اخرجوا إلى مكة . وقال الحسين بن الفضل : احترزوا من كل شيء دون الله فمن فر إلى غيره لم يمتنع منه . وقال أبو بكر الوراق : فروا من طاعة الشيطان إلى طاعة الرحمن . وقال الجنيد : الشيطان داع إلى الباطل ففروا إلى الله يمنعكم منه . وقال ذو النون المصري : ففروا من الجهل إلى العلم ، ومن الكفر إلى الشكر . وقال عمرو بن عثمان : فروا من أنفسكم إلى ربكم . وقال أيضا : فروا إلى ما سبق لكم من الله ولا تعتمدوا على حركاتكم . وقال سهل بن عبد الله : فروا مما سوى الله إلى الله . إني لكم منه نذير مبين أي أنذركم عقابه على الكفر والمعصية .

وَلَا تَجْعَلُوا۟ مَعَ ٱللَّهِ إِلَٰهًا ءَاخَرَ إِنِّى لَكُم مِّنْهُ نَذِيرٌ مُّبِينٌ (51)


ولا تجعلوا مع الله إلها آخر أمر محمدا صلى الله عليه وسلم أن يقول هذا للناس وهو النذير . وقيل : هو خطاب من الله للخلق .إني لكم منه أي من محمد وسيوفه نذير أي أنذركم بأسه وسيفه إن أشركتم بي ; قاله ابن عباس .

الصفحة السابقة الصفحة التالية