تفسير سورة النجم الصفحة 528 من القرآن الكريم

تفسير الصفحة رقم 528 من المصحف


وَأَنَّهُۥ خَلَقَ ٱلزَّوْجَيْنِ ٱلذَّكَرَ وَٱلْأُنثَىٰ (45)


أي من أولاد آدم ولم يرد آدم وحواء بأنهما خلقا من نطفة .

مِن نُّطْفَةٍ إِذَا تُمْنَىٰ (46)


وأنه خلق الزوجين الذكر والأنثى أي من أولاد آدم ولم يرد آدم وحواء بأنهما خلقا من نطفة . والنطفة الماء القليل ، مشتق من نطف الماء إذا قطر . تمنى تصب في الرحم وتراق ; قاله الكلبي والضحاك وعطاء بن أبي رباح . يقال : منى الرجل وأمنى من المني ، وسميت منى بهذا الاسم لما يمنى فيها من الدماء أي يراق . وقيل : تمنى تقدر ; قاله أبو عبيدة . يقال : منيت الشيء إذا قدرته ، ومني له أي قدر له ; قال الشاعر أبو قلابة الهذلي :حتى تلاقي ما يمني لك المانيأي ما يقدر لك القادر .

وَأَنَّ عَلَيْهِ ٱلنَّشْأَةَ ٱلْأُخْرَىٰ (47)


قوله تعالى : وأن عليه النشأة الأخرى أي إعادة الأرواح في الأشباح للبعث . وقرأ ابن كثير وأبو عمرو " النشاءة " بفتح الشين والمد ; أي وعد ذلك ووعده صدق .

وَأَنَّهُۥ هُوَ أَغْنَىٰ وَأَقْنَىٰ (48)


وأنه هو أغنى وأقنى قال ابن زيد : أغنى من شاء وأفقر من شاء ; ثم قرأ يبسط الرزق لمن يشاء من عباده ويقدر له وقرأ يقبض ويبسط واختاره الطبري . وعن ابن زيد أيضا ومجاهد وقتادة والحسن : أغنى : مول ، وأقنى : أخدم . وقيل : أقنى جعل لكم قنية تقتنونها ، وهو معنى أخدم أيضا . وقيل : معناه أرضى بما أعطى أي أغناه ثم رضاه بما أعطاه ; قاله ابن عباس . وقال الجوهري : قني الرجل يقنى قنى ، مثل غني يغنى غنى ، وأقناه الله أي أعطاه الله ما يقتنى من القنية والنشب . وأقناه الله أيضا أي رضاه . والقنى الرضا ، عن أبي زيد قال : وتقول العرب : من أعطي مائة من المعز فقد أعطي القنى ، ومن أعطي مائة من الضأن فقد أعطي الغنى ، ومن أعطي مائة من الإبل فقد أعطي المنى . ويقال : أغناه الله وأقناه أي أعطاه ما يسكن إليه . وقيل : أغنى وأقنى أي أغنى نفسه وأفقر خلقه إليه ; قاله سليمان التيمي . وقال سفيان : أغنى بالقناعة وأقنى بالرضا . وقال الأخفش : أقنى أفقر . قال ابن كيسان : أولد . وهذا راجع لما تقدم .

وَأَنَّهُۥ هُوَ رَبُّ ٱلشِّعْرَىٰ (49)


وأنه هو رب الشعرى الشعرى الكوكب المضيء الذي يطلع بعد الجوزاء ، وطلوعه في شدة الحر ، وهما الشعريان العبور التي في الجوزاء والشعرى الغميصاء التي في الذراع ; وتزعم العرب أنهما أختا سهيل . وإنما ذكر أنه رب الشعرى وإن كان ربا لغيره ; لأن العرب كانت تعبده ; فأعلمهم الله جل وعز أن الشعرى مربوب ليس برب . واختلف فيمن كان يعبده ; فقال السدي : كانت تعبده حمير وخزاعة . وقال غيره : أول من عبده أبو كبشة أحد أجداد النبي صلى الله عليه وسلم من قبل أمهاته ، ولذلك كان مشركو قريش يسمون النبي صلى الله عليه وسلم ابن أبي كبشة حين دعا إلى الله وخالف أديانهم ; وقالوا : ما لقينا من ابن أبي كبشة ! وقال أبو سفيان يوم الفتح وقد وقف في بعض المضايق وعساكر رسول الله صلى الله عليه وسلم تمر عليه : لقد أمر أمر ابن أبي كبشة . وقد كان من لا يعبد الشعرى من العرب يعظمها ويعتقد تأثيرها في العالم ، قال الشاعر :مضى أيلول وارتفع الحرور وأخبت نارها الشعرى العبوروقيل : إن العرب تقول في خرافاتها : إن سهيلا والشعرى كانا زوجين ، فانحدر سهيل فصار يمانيا ، فاتبعته الشعرى العبور فعبرت المجرة فسميت العبور ، وأقامت الغميصاء فبكت لفقد سهيل حتى غمصت عيناها فسميت غميصاء لأنها أخفى من الأخرى .

وَأَنَّهُۥٓ أَهْلَكَ عَادًا ٱلْأُولَىٰ (50)


وأنه أهلك عادا الأولى سماها الأولى لأنهم كانوا من قبل ثمود . وقيل : إن ثمود من قبل عاد . وقال ابن زيد : قيل لها عاد الأولى لأنها أول أمة أهلكت بعد نوح عليه السلام . وقال ابن إسحاق : هما عادان ؛ فالأولى أهلكت بالريح الصرصر ، ثم كانت الأخرى فأهلكت بالصيحة . وقيل : عاد الأولى هو عاد بن إرم بن عوص بن سام بن نوح ، وعاد الثانية من ولد عاد الأولى ; والمعنى متقارب . وقيل : إن عادا الآخرة الجبارون وهم قوم هود . وقراءة العامة عادا الأولى ببيان التنوين والهمز . وقرأ نافع وابن محيصن وأبو عمرو " عادا الاولى " بنقل حركة الهمزة إلى اللام وإدغام التنوين فيها ، إلا أن قالون والسوسي يظهران الهمزة الساكنة . وقلبها الباقون واوا على أصلها ; والعرب تقلب هذا القلب فتقول : قم الآن عنا وضم لثنين أي قم الآن وضم الاثنين .

وَثَمُودَا۟ فَمَآ أَبْقَىٰ (51)


وثمود فما أبقى ثمود هم قوم صالح أهلكوا بالصيحة . قرئ " ثمودا " وقد تقدم . وانتصب على العطف على عاد .

وَقَوْمَ نُوحٍ مِّن قَبْلُ إِنَّهُمْ كَانُوا۟ هُمْ أَظْلَمَ وَأَطْغَىٰ (52)


وقوم نوح من قبل أي وأهلك قوم نوح من قبل عاد وثمود إنهم كانوا هم أظلم وأطغى وذلك لطول مدة نوح فيهم ، حتى كان الرجل فيهم يأخذ بيد ابنه فينطلق إلى نوح عليه السلام فيقول : احذر هذا فإنه كذاب ، وإن أبي قد مشى بي إلى هذا وقال لي مثل ما قلت لك ; فيموت الكبير على الكفر ، وينشأ الصغير على وصية أبيه . وقيل : إن الكناية ترجع إلى كل من ذكر من عاد وثمود وقوم نوح ; أي كانوا أكفر من مشركي العرب وأطغى . فيكون فيه تسلية وتعزية للنبي صلى الله عليه وسلم ; فكأنه يقول له : فاصبر أنت أيضا فالعاقبة الحميدة لك .

وَٱلْمُؤْتَفِكَةَ أَهْوَىٰ (53)


والمؤتفكة أهوى يعني مدائن قوم لوط عليه السلام ائتفكت بهم ، أي : انقلبت وصار عاليها سافلها . يقال : أفكته أي قلبته وصرفته . أهوى أي خسف بهم بعد رفعها إلى السماء ; رفعها جبريل ثم أهوى بها إلى الأرض . وقال المبرد : جعلها تهوي . ويقال : هوى بالفتح يهوي هويا أي سقط و " أهوى " أي أسقط .

فَغَشَّىٰهَا مَا غَشَّىٰ (54)


فغشاها ما غشى أي ألبسها ما ألبسها من الحجارة ; قال الله تعالى : فجعلنا عاليها سافلها وأمطرنا عليها حجارة من سجيل وقيل : إن الكناية ترجع إلى جميع هذه الأمم ; أي غشاها من العذاب ما غشاهم ، وأبهم لأن كلا منهم أهلك بضرب غير ما أهلك به الآخر . وقيل : هذا تعظيم الأمر .

فَبِأَىِّ ءَالَآءِ رَبِّكَ تَتَمَارَىٰ (55)


فبأي آلاء ربك تتمارى أي فبأي نعم ربك تشك . والمخاطبة للإنسان المكذب . والآلاء النعم واحدها ألى وإلى وإلي . وقرأ يعقوب " تمارى " بإدغام إحدى التاءين في الأخرى والتشديد .

هَٰذَا نَذِيرٌ مِّنَ ٱلنُّذُرِ ٱلْأُولَىٰٓ (56)


قوله تعالى : هذا نذير من النذر الأولى قال ابن جريج ومحمد بن كعب : يريد أن محمدا صلى الله عليه وسلم نذير بالحق الذي أنذر به الأنبياء قبله ، فإن أطعتموه أفلحتم ، وإلا حل بكم ما حل بمكذبي الرسل السالفة . وقال قتادة : يريد القرآن ، وأنه نذير بما أنذرت به الكتب الأولى . وقيل : أي هذا الذي أخبرنا به من أخبار الأمم الماضية الذين هلكوا تخويف لهذه الأمة من أن ينزل بهم ما نزل بأولئك من النذر أي مثل النذر ; والنذر في قول العرب بمعنى الإنذار كالنكر بمعنى الإنكار ; أي هذا إنذار لكم . وقال أبو مالك : هذا الذي أنذرتكم به من وقائع الأمم الخالية هو في صحف إبراهيم وموسى . وقال السدي : أخبرني أبو صالح قال : هذه الحروف التي ذكر الله تعالى من قوله تعالى : أم لم ينبأ بما في صحف موسى وإبراهيم إلى قوله : هذا نذير من النذر الأولى كل هذه في صحف إبراهيم وموسى .

أَزِفَتِ ٱلْءَازِفَةُ (57)


قوله تعالى : أزفت الآزفة أي قربت الساعة ودنت القيامة . وسماها " آزفة " لقرب قيامها عنده ; كما قال : يرونه بعيدا ونراه قريبا . وقيل : سماها " آزفة " لدنوها من الناس وقربها منهم ليستعدوا لها ; لأن كل ما هو آت قريب . قال :أزف الترحل غير أن ركابنا لما تزل برحالنا وكأن قدوفي الصحاح : أزف الترحل يأزف أزفا أي دنا وأفد ; ومنه قوله تعالى : أزفت الآزفة يعني القيامة ، وأزف الرجل أي عجل فهو آزف على فاعل ، والمتآزف القصير وهو المتداني . قال أبو زيد : قلت لأعرابي ما المحبنطئ ؟ قال : المتكأكئ . قلت : ما المتكأكئ ؟ قال : المتآزف . قلت : ما المتآزف ؟ قال : أنت أحمق وتركني ومر .

لَيْسَ لَهَا مِن دُونِ ٱللَّهِ كَاشِفَةٌ (58)


ليس لها من دون الله كاشفة أي ليس لها من دون الله من يؤخرها أو يقدمها . وقيل : كاشفة أي : انكشاف أي لا يكشف عنها ولا يبديها إلا الله ; فالكاشفة اسم بمعنى المصدر والهاء فيه كالهاء في العاقبة والعافية والداهية والباقية ; كقولهم : ما لفلان من باقية أي من بقاء . وقيل : أي لا أحد يرد ذلك ; أي أن القيامة إذا قامت لا يكشفها أحد من آلهتهم ولا ينجيهم غير الله تعالى . وقد سميت القيامة " غاشية " ، فإذا كانت غاشية كان ردها كشفا ، فالكاشفة على هذا نعت مؤنث محذوف ; أي نفس كاشفة أو فرقة كاشفة أو حال كاشفة . وقيل : إن كاشفة بمعنى كاشف والهاء للمبالغة مثل راوية وداهية .

أَفَمِنْ هَٰذَا ٱلْحَدِيثِ تَعْجَبُونَ (59)


قوله تعالى : أفمن هذا الحديث يعني القرآن . وهذا استفهام توبيخ تعجبون تكذيبا به

وَتَضْحَكُونَ وَلَا تَبْكُونَ (60)


وتضحكون استهزاء ولا تبكون انزجارا وخوفا من الوعيد . وروي أن النبي صلى الله عليه وسلم ما رئي بعد نزول هذه الآية ضاحكا إلا تبسما . وقال أبو هريرة : لما نزلت أفمن هذا الحديث تعجبون قال أهل الصفة : " إنا لله وإنا إليه راجعون " ثم بكوا حتى جرت دموعهم على خدودهم ، فلما سمع النبي صلى الله عليه وسلم بكاءهم بكى معهم فبكينا لبكائه ; فقال النبي صلى الله عليه وسلم : لا يلج النار من بكى من خشية الله ولا يدخل الجنة مصر على معصية الله ولو لم تذنبوا لذهب الله بكم ولجاء بقوم يذنبون فيغفر لهم ويرحمهم إنه هو الغفور الرحيم . وقال أبو حازم : نزل جبريل على النبي صلى الله عليه وسلم وعنده رجل يبكي ، فقال له : من هذا ؟ قال : هذا فلان ; فقال جبريل : إنا نزن أعمال بني آدم كلها إلا البكاء ، فإن الله تعالى ليطفئ بالدمعة الواحدة بحورا من جهنم .

وَأَنتُمْ سَٰمِدُونَ (61)


قوله تعالى : وأنتم سامدون أي لاهون معرضون . عن ابن عباس ; رواه الوالبي والعوفي عنه . وقال عكرمة عنه : هو الغناء بلغة حمير ; يقال : سمد لنا أي غن لنا ، فكانوا إذا سمعوا القرآن يتلى تغنوا ولعبوا حتى لا يسمعوا . وقال الضحاك : سامدون : شامخون متكبرون . وفي الصحاح : سمد سمودا رفع رأسه تكبرا وكل رافع رأسه فهو سامد ; قال رؤبة بن العجاج :سوامد الليل خفاف الأزواديقول : ليس في بطونها علف . وقال ابن الأعرابي : سمدت سمودا علوت . وسمدت الإبل في سيرها جدت . والسمود اللهو ، والسامد اللاهي ; يقال للقينة : أسمدينا ; أي ألهينا بالغناء . وتسميد الأرض أن يجعل فيها السماد وهو سرجين ورماد . وتسميد الرأس استئصال شعره ، لغة في التسبيد . واسمأد الرجل بالهمز اسمئدادا أي ورم غضبا . وروي عن علي رضي الله عنه أن معنى سامدون أن يجلسوا غير مصلين ولا منتظرين الصلاة . وقال الحسن : واقفون للصلاة قبل وقوف الإمام ; ومنه ما روي عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه خرج والناس ينتظرونه قياما فقال : ما لي أراكم سامدين حكاه الماوردي . وذكره المهدوي عن علي ، وأنه خرج إلى الصلاة فرأى الناس قياما ينتظرونه فقال : ما لكم سامدون ؛ قاله المهدوي . والمعروف في اللغة : سمد يسمد سمودا إذا لها وأعرض . وقال المبرد : سامدون : خامدون ; قال الشاعر :أتى الحدثان نسوة آل حرب بمقدور سمدن له سموداوقال صالح أبو الخليل : لما قرأ النبي صلى الله عليه وسلم أفمن هذا الحديث تعجبون وتضحكون ولا تبكون وأنتم سامدون لم ير ضاحكا إلا مبتسما حتى مات صلى الله عليه وسلم ؛ ذكره النحاس .

فَٱسْجُدُوا۟ لِلَّهِ وَٱعْبُدُوا۟ (62)


قوله تعالى : فاسجدوا لله واعبدوا قيل : المراد به سجود تلاوة القرآن . وهو قول ابن مسعود . وبه قال أبو حنيفة والشافعي . وقد تقدم أول السورة من حديث ابن عباس أن النبي صلى الله عليه وسلم سجد فيها وسجد معه المشركون . وقيل : إنما سجد معه المشركون لأنهم سمعوا أصوات الشياطين في أثناء قراءة رسول الله صلى الله عليه وسلم عند قوله : أفرأيتم اللات والعزى ومناة الثالثة الأخرى وأنه قال : تلك الغرانيق العلا وشفاعتهن ترتجى . كذا في رواية سعيد بن جبير ترتجى . وفي رواية أبي العالية وشفاعتهن ترتضى ، ومثلهن لا ينسى . ففرح المشركون وظنوا أنه من قول محمد صلى الله عليه وسلم على ما تقدم بيانه في ( الحج ) . فلما بلغ الخبر بالحبشة من كان بها من أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم رجعوا ظنا منهم أن أهل مكة آمنوا ; فكان أهل مكة أشد عليهم وأخذوا في تعذيبهم إلى أن كشف الله عنهم . وقيل : المراد سجود الفرض في الصلاة وهو قول ابن عمر ; كان لا يراها من عزائم السجود . وبه قال مالك . وروى أبي بن كعب رضي الله عنه : كان آخر فعل النبي صلى الله عليه وسلم ترك السجود في المفصل . والأول أصح وقد مضى القول فيه آخر ( الأعراف ) مبينا والحمد لله رب العالمين . تم تفسير سورة " والنجم " .

الصفحة السابقة