تفسير سورة المرسلات الصفحة 580 من القرآن الكريم

تفسير الصفحة رقم 580 من المصحف


بِسْمِ ٱللَّهِ ٱلرَّحْمَٰنِ ٱلرَّحِيمِ وَٱلْمُرْسَلَٰتِ عُرْفًا (1)


سورة المرسلاتمكية في قول الحسن وعكرمة وعطاء وجابر . وقال ابن عباس وقتادة إلا آية منها ، وهي قوله تعالى : وإذا قيل لهم اركعوا لا يركعون مدنية . وقال ابن مسعود : نزلت والمرسلات عرفا على النبي - صلى الله عليه وسلم - ليلة الجن ونحن معه نسير ، حتى أوينا إلى غار بمنى فنزلت ، فبينا نحن نتلقاها منه ، وإن فاه لرطب بها إذ وثبت حية ، فوثبنا عليها لنقتلها فذهبت ; فقال النبي - صلى الله عليه وسلم - : " وقيتم شرها كما وقيت شركم " . وعن كريب مولى ابن عباس قال : قرأت سورة والمرسلات عرفا فسمعتني أم الفضل امرأة العباس ، فبكت وقالت : والله يا بني لقد أذكرتني بقراءتك هذه السورة إنها لآخر ما سمعت رسول الله - صلى الله عليه وسلم - يقرأ بها في صلاة المغرب . والله أعلم . وهي خمسون آية .بسم الله الرحمن الرحيموالمرسلات عرفاقوله تعالى : والمرسلات عرفا جمهور المفسرين على أن المرسلات الرياح . وروى مسروق عن عبد الله قال : هي الملائكة أرسلت بالمعروف من أمر الله تعالى ونهيه والخبر والوحي . وهو قول أبي هريرة ومقاتل وأبي صالح والكلبي .وقيل : هم الأنبياء أرسلوا بلا إله إلا الله ; قاله ابن عباس . وقال أبو صالح : إنهم الرسل ترسل بما يعرفون به من المعجزات . وعن ابن عباس وابن مسعود : أنها الرياح ; كما قال تعالى : وأرسلنا الرياح . وقال : وهو الذي يرسل الرياح . ومعنى عرفا يتبع بعضها بعضا كعرف الفرس ; تقول العرب : الناس إلى فلان عرف واحد : إذا توجهوا إليه فأكثروا . وهو نصب على الحال من والمرسلات أي والرياح التي أرسلت متتابعة . ويجوز أن تكون مصدرا أي تباعا . ويجوز أن يكون النصب على تقدير حرف الجر ، كأنه قال : والمرسلات بالعرف ، والمراد الملائكة أو الملائكة والرسل . وقيل : يحتمل أن يكون المراد بالمرسلات السحاب ، لما فيها من نعمة ونقمة ، عارفة بما أرسلت فيه ومن أرسلت إليه . وقيل : إنها الزواجر والمواعظ . و ( عرفا ) على هذا التأويل متتابعات كعرف الفرس ; قاله ابن مسعود . وقيل : جاريات ; قاله الحسن يعني في القلوب . وقيل : معروفات في العقول .

فَٱلْعَٰصِفَٰتِ عَصْفًا (2)


فالعاصفات عصفا الرياح بغير اختلاف ; قاله المهدوي . وعن ابن مسعود : هي الرياح العواصف تأتي بالعصف ، وهو ورق الزرع وحطامه ; كما قال تعالى : فيرسل عليكم قاصفا . وقيل : العاصفات الملائكة الموكلون بالرياح يعصفون بها . وقيل : الملائكة تعصف بروح الكافر ; يقال : عصف بالشيء أي أباده وأهلكه ، وناقة عصوف أي تعصف براكبها ، فتمضي كأنها ريح في السرعة ، وعصفت الحرب بالقوم أي ذهبت بهم . وقيل : يحتمل أنها الآيات المهلكة كالزلازل والخسوف .

وَٱلنَّٰشِرَٰتِ نَشْرًا (3)


والناشرات نشرا الملائكة الموكلون بالسحب ينشرونها . وقال ابن مسعود ومجاهد : هي الرياح يرسلها الله تعالى نشرا بين يدي رحمته ; أي تنشر السحاب للغيث . وروي ذلك عن أبي صالح . وعنه أيضا : الأمطار ; لأنها تنشر النبات ، فالنشر بمعنى الإحياء ; يقال : نشر الله الميت وأنشره أي أحياه . وروى عنه السدي : أنها الملائكة تنشر كتب الله - عز وجل - . وروى الضحاك عن ابن عباس قال : يريد ما ينشر من الكتب وأعمال بني آدم . الضحاك : إنها الصحف تنشر على الله بأعمال العباد . وقال الربيع : إنه البعث للقيامة تنشر فيه الأرواح . قال : والناشرات بالواو ; لأنه استئناف قسم آخر .

فَٱلْفَٰرِقَٰتِ فَرْقًا (4)


فالفارقات فرقا الملائكة تنزل بالفرق بين الحق والباطل ; قاله ابن عباس ومجاهد والضحاك وأبو صالح . وروى الضحاك عن ابن عباس قال : ما تفرق الملائكة من الأقوات والأرزاق والآجال . وروى ابن أبي نجيح عن مجاهد قال : الفارقات الرياح تفرق بين السحاب وتبدده . وعن سعيد عن قتادة قال : الفارقات فرقا الفرقان ، فرق الله فيه بين الحق والباطل والحرام والحلال . وقاله الحسن وابن كيسان . وقيل : يعني الرسل فرقوا بين ما أمر الله به ونهى عنه أي بينوا ذلك . وقيل : السحابات الماطرة تشبيها بالناقة الفارق وهي الحامل التي تخرج وتند في الأرض حين تضع ، ونوق فوارق وفرق . وربما شبهوا السحابة التي تنفرد من السحاب بهذه الناقة ; قال ذو الرمة :أو مزنة فارق يجلو غواربها تبوج البرق والظلماء علجوم

فَٱلْمُلْقِيَٰتِ ذِكْرًا (5)


فالملقيات ذكرا الملائكة بإجماع ; أي تلقي كتب الله - عز وجل - إلى الأنبياء عليهم السلام ; قاله المهدوي . وقيل : هو جبريل وسمي باسم الجمع ; لأنه كان ينزل بها . وقيل : المراد الرسل يلقون إلى أممهم ما أنزل الله عليهم ; قاله قطرب . وقرأ ابن عباس فالملقيات بالتشديد مع فتح القاف ; وهو كقوله تعالى : وإنك لتلقى القرآن

عُذْرًا أَوْ نُذْرًا (6)


عذرا أو نذرا أي تلقى الوحي إعذارا من الله أو إنذارا إلى خلقه من عذابه ; قاله الفراء . وروي عن أبي صالح قال : يعني الرسل يعذرون وينذرون . وروى سعيد عن قتادة عذرا قال : عذرا لله - جل ثناؤه - إلى خلقه ، ونذرا للمؤمنين ينتفعون به ويأخذون به . وروى الضحاك عن ابن عباس : عذرا أي ما يلقيه الله - جل ثناؤه - من معاذير أوليائه وهي التوبة أو نذرا ينذر أعداءه . وقرأ أبو عمرو وحمزة والكسائي وحفص أو نذرا بإسكان الذال وجميع السبعة على إسكان ذال عذرا سوى ما رواه الجعفي والأعشى عن أبي بكر عن عاصم أنه ضم الذال . وروي ذلك عن ابن عباس والحسن وغيرهما . وقرأ إبراهيم التيمي وقتادة عذرا ونذرا بالواو العاطفة ولم يجعلا بينهما ألفا . وهما منصوبان على الفاعل له أي للإعذار أو للإنذار . وقيل : على المفعول به ، قيل : على البدل من ذكرا أي فالملقيات عذرا أو نذرا . وقال أبو علي : يجوز أن يكون العذر والنذر بالتثقيل على جمع عاذر وناذر ; كقوله تعالى : هذا نذير من النذر الأولى فيكون نصبا على الحال من الإلقاء ; أي يلقون الذكر في حال العذر والإنذار . أو يكون مفعولا ل " ذكرا " أي فالملقيات أي تذكر عذرا أو نذرا . وقال المبرد : هما بالتثقيل جمع والواحد عذير ونذير .

إِنَّمَا تُوعَدُونَ لَوَٰقِعٌ (7)


هذا جواب ما تقدم من القسم ; أي ما توعدون من أمر القيامة لواقع بكم ونازل عليكم .

فَإِذَا ٱلنُّجُومُ طُمِسَتْ (8)


ثم بين وقت وقوعه فقال : فإذا النجوم طمست أي ذهب ضوءها ومحي نورها كطمس الكتاب ; يقال : طمس الشيء إذا درس وطمس فهو مطموس ، والريح تطمس الآثار فتكون الريح طامسة والأثر طامسا بمعنى مطموس .

وَإِذَا ٱلسَّمَآءُ فُرِجَتْ (9)


وإذا السماء فرجت أي فتحت وشقت ; ومنه قوله تعالى : وفتحت السماء فكانت أبوابا . وروى الضحاك عن ابن عباس قال : فرجت للطي .

وَإِذَا ٱلْجِبَالُ نُسِفَتْ (10)


وإذا الجبال نسفت أي ذهب بها كلها بسرعة ; يقال : نسفت الشيء وأنسفته : إذا أخذته كله بسرعة . وكان ابن عباس والكلبي يقول : سويت بالأرض ، والعرب تقول : فرس نسوف إذا كان يؤخر الحزام بمرفقيه ; قال بشر :نسوف للحزام بمرفقيهاونسفت الناقة الكلأ : إذا رعته . وقال المبرد : نسفت قلعت من موضعها ; يقول الرجل للرجل يقتلع رجليه من الأرض : أنسفت رجلاه . وقيل : النسف تفريق الأجزاء حتى تذروها للرياح . ومنه نسف الطعام ; لأنه يحرك حتى يذهب الريح بعض ما فيه من التبن .

وَإِذَا ٱلرُّسُلُ أُقِّتَتْ (11)


وإذا الرسل أقتت أي جمعت لوقتها ليوم القيامة ، والوقت الأجل الذي يكون عنده الشيء المؤخر إليه ; فالمعنى : جعل لها وقت وأجل للفصل والقضاء بينهم وبين الأمم ; كما قال تعالى : يوم يجمع الله الرسل . وقيل : هذا في الدنيا أي جمعت الرسل لميقاتها الذي ضرب لها في إنزال العذاب بمن كذبهم بأن الكفار ممهلون . وإنما تزول الشكوك يوم القيامة . والأول أحسن ; لأن التوقيت معناه شيء يقع يوم القيامة ، كالطمس ونسف الجبال وتشقيق السماء ولا يليق به التأقيت قبل يوم القيامة . قال أبو علي : أي جعل يوم الدين والفصل لها وقتا . وقيل : أقتت وعدت وأجلت . وقيل : أقتت أي أرسلت لأوقات معلومة على ما علمه الله وأراد . والهمزة في أقتت بدل من الواو ; قاله الفراء والزجاج . قال الفراء : وكل واو ضمت وكانت ضمتها لازمة جاز أن يبدل منها همزة ; تقول : صلى القوم أحدانا تريد وحدانا ، ويقولون هذه وجوه حسان وأجوه . وهذا لأن ضمة الواو ثقيلة . ولم يجز البدل في قوله : ولا تنسوا الفضل بينكم لأن الضمة غير لازمة . وقرأ أبو عمرو وحميد والحسن ونصر . وعن عاصم ومجاهد ( وقتت ) بالواو وتشديد القاف على الأصل . وقال أبو عمرو : وإنما يقرأ " أقتت " من قال في وجوه أجوه . وقرأ أبو جعفر وشيبة والأعرج ( وقتت ) بالواو وتخفيف القاف . وهو فعلت من الوقت ومنه كتابا موقوتا . وعن الحسن أيضا : ووقتت بواوين ، وهو فوعلت من الوقت أيضا مثل عوهدت . ولو قلبت الواو في هاتين القراءتين ألفا لجاز . وقرأ يحيى وأيوب وخالد بن إلياس وسلام أقتت بالهمزة والتخفيف ; لأنها مكتوبة في المصحف بالألف .

لِأَىِّ يَوْمٍ أُجِّلَتْ (12)


أي أخرت , وهذا تعظيم لذلك اليوم فهو استفهام على التعظيم .

لِيَوْمِ ٱلْفَصْلِ (13)


أي ليوم الفصل أجلت . وروى سعيد عن قتادة قال : يفصل فيه بين الناس بأعمالهم إلى الجنة أو إلى النار . وفي الحديث : " إذا حشر الناس يوم القيامة قاموا أربعين عاما على رؤوسهم الشمس شاخصة أبصارهم إلى السماء ينتظرون الفصل " .

وَمَآ أَدْرَىٰكَ مَا يَوْمُ ٱلْفَصْلِ (14)


أتبع التعظيم تعظيما ; أي وما أعلمك ما يوم الفصل ؟

وَيْلٌ يَوْمَئِذٍ لِّلْمُكَذِّبِينَ (15)


ويل يومئذ للمكذبين أي عذاب وخزي لمن كذب بالله وبرسله وكتبه وبيوم الفصل فهو وعيد . وكرره في هذه السورة عند كل آية لمن كذب ; لأنه قسمه بينهم على قدر تكذيبهم ، فإن لكل مكذب بشيء عذابا سوى تكذيبه بشيء آخر ، ورب شيء كذب به هو أعظم جرما من تكذيبه بغيره ; لأنه أقبح في تكذيبه ، وأعظم في الرد على الله ، فإنما يقسم له من الويل على قدر ذلك ، وعلى قدر وفاقه وهو قوله : جزاء وفاقا .وروي عن النعمان بن بشير قال : ويل : واد في جهنم فيه ألوان العذاب . وقاله ابن عباس وغيره . قال ابن عباس : إذا خبت جهنم أخذ من جمره فألقي عليها فيأكل بعضها بعضا . وروي أيضا عن النبي - صلى الله عليه وسلم - أنه قال : عرضت علي جهنم فلم أر فيها واديا أعظم من الويل وروي أنه مجمع ما يسيل من قيح أهل النار وصديدهم ، وإنما يسيل الشيء فيما سفل من الأرض وانفطر ، وقد علم العباد في الدنيا أن شر المواضع في الدنيا ما استنقع فيها مياه الأدناس والأقذار والغسالات من الجيف وماء الحمامات ; فذكر أن ذلك الوادي . مستنقع صديد أهل الكفر والشرك ; ليعلم ذوو العقول أنه لا شيء أقذر منه قذارة ، ولا أنتن منه نتنا ، ولا أشد منه مرارة ، ولا أشد سوادا منه ; ثم وصفه رسول الله - صلى الله عليه وسلم - بما تضمن من العذاب ، وأنه أعظم واد في جهنم ، فذكره الله تعالى في وعيده في هذه السورة .

أَلَمْ نُهْلِكِ ٱلْأَوَّلِينَ (16)


أخبر عن إهلاك الكفار من الأمم الماضين من لدن آدم إلى محمد صلى الله عليه وسلم .

ثُمَّ نُتْبِعُهُمُ ٱلْءَاخِرِينَ (17)


أي نلحق الآخرين بالأولين .

كَذَٰلِكَ نَفْعَلُ بِٱلْمُجْرِمِينَ (18)


كذلك نفعل بالمجرمين أي مثل ما فعلناه بمن تقدم نفعل بمشركي قريش إما بالسيف ، وإما بالهلاك . وقرأ العامة ثم نتبعهم بالرفع على الاستئناف ، وقرأ الأعرج ( نتبعهم ) بالجزم عطفا على نهلك الأولين كما تقول : ألم تزرني ثم أكرمك . والمراد أنه أهلك قوما بعد قوم على اختلاف أوقات المرسلين . ثم استأنف بقوله : كذلك نفعل بالمجرمين يريد من يهلك فيما بعد . ويجوز أن يكون الإسكان تخفيفا من نتبعهم لتوالي الحركات . وروي عنه الإسكان للتخفيف . وفي قراءة ابن مسعود ( ثم سنتبعهم ) والكاف من كذلك في موضع نصب ، أي مثل ذلك الهلاك نفعله بكل مشرك . ثم قيل : معناه التهويل لهلاكهم في الدنيا اعتبارا . وقيل : هو إخبار بعذابهم في الآخرة .

وَيْلٌ يَوْمَئِذٍ لِّلْمُكَذِّبِينَ (19)


أي عذاب وخزي لمن كذب بالله وبرسله وكتبه وبيوم الفصل فهو وعيد .وكرره في هذه السورة عند كل آية لمن كذب ; لأنه قسمه بينهم على قدر تكذيبهم , فإن لكل مكذب بشيء عذابا سوى تكذيبه بشيء آخر , ورب شيء كذب به هو أعظم جرما من تكذيبه بغيره ; لأنه أقبح في تكذيبه , وأعظم في الرد على الله , فإنما يقسم له من الويل على قدر ذلك , وعلى قدر وفاقه وهو قوله : " جزاء وفاقا " .[ النبأ : 26 ] .وروي عن النعمان بن بشير قال : ويل : واد في جهنم فيه ألوان العذاب .وقاله ابن عباس وغيره .قال ابن عباس : إذا خبت جهنم أخذ من جمره فألقي عليها فيأكل بعضها بعضا .وروي أيضا عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال : [ عرضت علي جهنم فلم أر فيها واديا أعظم من الويل ] وروي أنه مجمع ما يسيل من قيح أهل النار وصديدهم , وإنما يسيل الشيء فيما سفل من الأرض وانفطر , وقد علم العباد في الدنيا أن شر المواضع في الدنيا ما استنقع فيها مياه الأدناس والأقذار والغسالات من الجيف وماء الحمامات ; فذكر أن ذلك الوادي .مستنقع صديد أهل الكفر والشرك ; ليعلم ذوو العقول أنه لا شيء أقذر منه قذارة , ولا أنتن منه نتنا , ولا أشد منه مرارة , ولا أشد سوادا منه ; ثم وصفه رسول الله صلى الله عليه وسلم بما تضمن من العذاب , وأنه أعظم واد في جهنم , فذكره الله تعالى في وعيده في هذه السورة .

الصفحة التالية