تفسير سورة الأعراف الصفحة 159 من القرآن الكريم

تفسير الصفحة رقم 159 من المصحف


أُبَلِّغُكُمْ رِسَٰلَٰتِ رَبِّى وَأَنَا۠ لَكُمْ نَاصِحٌ أَمِينٌ (68)


بالتشديد من التبليغ , وبالتخفيف من الإبلاغ .وقيل : هما بمعنى واحد لغتان ; مثل كرمه وأكرمه .النصح : إخلاص النية من شوائب الفساد في المعاملة , بخلاف الغش .يقال : نصحته ونصحت له نصيحة ونصاحة ونصحا .وهو باللام أفصح .قال الله تعالى : " وأنصح لكم " والاسم النصيحة .والنصيح الناصح , وقوم نصحاء .ورجل ناصح الجيب أي نقي القلب .قال الأصمعي : الناصح الخالص من العسل وغيره .مثل الناصع .وكل شيء خلص فقد نصح .وانتصح فلان أقبل على النصيحة .يقال : انتصحني إنني لك ناصح .والناصح الخياط .والنصاح السلك يخاط به .والنصاحات أيضا الجلود .قال الأعشى : فترى الشرب نشاوى كلهم مثل ما مدت نصاحات الربح الربح لغة في الربع , وهو الفصيل .والربح أيضا طائر .وسيأتي لهذا زيادة معنى في " براءة " إن شاء الله تعالى .

أَوَعَجِبْتُمْ أَن جَآءَكُمْ ذِكْرٌ مِّن رَّبِّكُمْ عَلَىٰ رَجُلٍ مِّنكُمْ لِيُنذِرَكُمْ وَٱذْكُرُوٓا۟ إِذْ جَعَلَكُمْ خُلَفَآءَ مِنۢ بَعْدِ قَوْمِ نُوحٍ وَزَادَكُمْ فِى ٱلْخَلْقِ بَصْۜطَةً فَٱذْكُرُوٓا۟ ءَالَآءَ ٱللَّهِ لَعَلَّكُمْ تُفْلِحُونَ (69)


أَوَعَجِبْتُمْ أَنْ جَاءَكُمْ ذِكْرٌ مِنْ رَبِّكُمْ عَلَى رَجُلٍ مِنْكُمْ لِيُنْذِرَكُمْ" أوعجبتم " فتحت الواو لأنها واو عطف , دخلت عليها ألف الاستفهام للتقرير .وسبيل الواو أن تدخل على حروف الاستفهام إلا الألف لقوتها .أي وعظ من ربكم ." على رجل منكم " أي على لسان رجل .وقيل : " على " بمعنى " مع " , أي مع رجل وقيل : المعنى أن جاءكم ذكر من ربكم منزل على رجل منكم , أي تعرفون نسبه .أي على رجل من جنسكم .ولو كان ملكا فربما كان في اختلاف الجنس تنافر الطبع .وَاذْكُرُوا إِذْ جَعَلَكُمْ خُلَفَاءَ مِنْ بَعْدِ قَوْمِ نُوحٍ" خلفاء " جمع خليفة على التذكير والمعنى , وخلائف على اللفظ .من عليهم بأن جعلهم سكان الأرض بعد قوم نوح .وَزَادَكُمْ فِي الْخَلْقِ بَسْطَةً فَاذْكُرُوا آلَاءَ اللَّهِ لَعَلَّكُمْ تُفْلِحُونَ

قَالُوٓا۟ أَجِئْتَنَا لِنَعْبُدَ ٱللَّهَ وَحْدَهُۥ وَنَذَرَ مَا كَانَ يَعْبُدُ ءَابَآؤُنَا فَأْتِنَا بِمَا تَعِدُنَآ إِن كُنتَ مِنَ ٱلصَّٰدِقِينَ (70)


طلبوا العذاب الذي خوفهم به وحذرهم منه .

قَالَ قَدْ وَقَعَ عَلَيْكُم مِّن رَّبِّكُمْ رِجْسٌ وَغَضَبٌ أَتُجَٰدِلُونَنِى فِىٓ أَسْمَآءٍ سَمَّيْتُمُوهَآ أَنتُمْ وَءَابَآؤُكُم مَّا نَزَّلَ ٱللَّهُ بِهَا مِن سُلْطَٰنٍ فَٱنتَظِرُوٓا۟ إِنِّى مَعَكُم مِّنَ ٱلْمُنتَظِرِينَ (71)


قَالَ قَدْ وَقَعَ عَلَيْكُمْ مِنْ رَبِّكُمْ رِجْسٌ وَغَضَبٌومعنى وقع أي وجب .يقال : وقع القول والحكم أي وجب ! ومثله : " ولما وقع عليهم الرجز " [ الأعراف : 134 ] .أي نزل بهم ." وإذا وقع القول عليهم أخرجنا لهم دابة من الأرض " [ النمل : 82 ] .والرجس العذاب وقيل : عني بالرجس الرين على القلب بزيادة الكفر .أَتُجَادِلُونَنِي فِي أَسْمَاءٍ سَمَّيْتُمُوهَا أَنْتُمْ وَآبَاؤُكُمْ مَا نَزَّلَ اللَّهُ بِهَا مِنْ سُلْطَانٍ فَانْتَظِرُوا إِنِّي مَعَكُمْ مِنَ الْمُنْتَظِرِينَيعني الأصنام التي عبدوها , وكان لها أسماء مختلفة .فالاسم هنا بمعنى المسمى .نظيره " إن هي إلا أسماء سميتموها " [ النجم : 23 ] .وهذه الأسماء مثل العزى من العز والأعز واللات , وليس لها من العز والإلهية شيء ." ما نزل الله بها من سلطان " أي من حجة لكم في عبادتها .

فَأَنجَيْنَٰهُ وَٱلَّذِينَ مَعَهُۥ بِرَحْمَةٍ مِّنَّا وَقَطَعْنَا دَابِرَ ٱلَّذِينَ كَذَّبُوا۟ بِـَٔايَٰتِنَا وَمَا كَانُوا۟ مُؤْمِنِينَ (72)


" دابر " آخر .وقد تقدم أي لم يبق لهم بقية .

وَإِلَىٰ ثَمُودَ أَخَاهُمْ صَٰلِحًا قَالَ يَٰقَوْمِ ٱعْبُدُوا۟ ٱللَّهَ مَا لَكُم مِّنْ إِلَٰهٍ غَيْرُهُۥ قَدْ جَآءَتْكُم بَيِّنَةٌ مِّن رَّبِّكُمْ هَٰذِهِۦ نَاقَةُ ٱللَّهِ لَكُمْ ءَايَةً فَذَرُوهَا تَأْكُلْ فِىٓ أَرْضِ ٱللَّهِ وَلَا تَمَسُّوهَا بِسُوٓءٍ فَيَأْخُذَكُمْ عَذَابٌ أَلِيمٌ (73)


وَإِلَى ثَمُودَ أَخَاهُمْ صَالِحًا قَالَ يَا قَوْمِ اعْبُدُوا اللَّهَ مَا لَكُمْ مِنْ إِلَهٍوهو ثمود بن عاد بن إرم بن سام بن نوح .وهو أخو جديس , وكانوا في سعة من معايشهم ; فخالفوا أمر الله وعبدوا غيره , وأفسدوا في الأرض .فبعث الله إليهم صالحا نبيا , وهو صالح بن عبيد بن آسف بن كاشح بن عبيد بن حاذر بن ثمود .وكانوا قوما عربا .وكان صالح من أوسطهم نسبا وأفضلهم حسبا فدعاهم إلى الله تعالى حتى شمط ولا يتبعه منهم إلا قليل مستضعفون .ولم ينصرف " ثمود " لأنه جعل اسما للقبيلة .وقال أبو حاتم : لم ينصرف , لأنه اسم أعجمي .قال النحاس : وهذا غلط ; لأنه مشتق من الثمد وهو الماء القليل .وقد قرأ القراء ألا إن ثمود كفروا ربهم " [ هود : 68 ] على أنه اسم للحي .وكانت مساكن ثمود الحجر بين الحجاز والشام إلى وادي القرى .وهم من ولد سام بن نوح .وسميت ثمود لقلة مائها .وسيأتي بيانه في " الحجر " إن شاء الله تعالى .غَيْرُهُ قَدْ جَاءَتْكُمْ بَيِّنَةٌ مِنْ رَبِّكُمْ هَذِهِ نَاقَةُ اللَّهِ لَكُمْأخرج لهم الناقة حين سألوه من حجر صلد ; فكان لها يوم تشرب فيه ماء الوادي كله , وتسقيهم مثله لبنا لم يشرب قط ألذ وأحلى منه .وكان بقدر حاجتهم على كثرتهم ; قال الله تعالى : " لها شرب ولكم شرب يوم معلوم " [ الشعراء : 155 ] .وأضيفت الناقة إلى الله عز وجل على جهة إضافة الخلق إلى الخالق .وفيه معنى التشريف والتخصيص .آيَةً فَذَرُوهَا تَأْكُلْ فِي أَرْضِ اللَّهِ وَلَا تَمَسُّوهَا بِسُوءٍ فَيَأْخُذَكُمْ عَذَابٌأي ليس عليكم رزقها ومئونتها .

الصفحة السابقة الصفحة التالية