تفسير سورة هود الصفحة 221 من القرآن الكريم

تفسير الصفحة رقم 221 من المصحف


بِسْمِ ٱللَّهِ ٱلرَّحْمَٰنِ ٱلرَّحِيمِ الٓر كِتَٰبٌ أُحْكِمَتْ ءَايَٰتُهُۥ ثُمَّ فُصِّلَتْ مِن لَّدُنْ حَكِيمٍ خَبِيرٍ (1)


القول في تأويل قوله تعالى : الر كِتَابٌ أُحْكِمَتْ آيَاتُهُ ثُمَّ فُصِّلَتْ مِنْ لَدُنْ حَكِيمٍ خَبِيرٍ (1)قال أبو جعفر: قد ذكرنا اختلاف أهل التأويل في تأويل قوله : (الر) ، والصواب من القول في ذلك عندنا بشواهده ، بما أغنى عن إعادته في هذا الموضع . (11)* * *وقوله: (كتاب أحكمت آياته) ، يعني: هذا الكتاب الذي أنزله الله على نبيه محمد صلى الله عليه وسلم، وهو القرآن.* * *ورفع قوله: " كتاب " بنيّة: " هذا كتاب ".فأما على قول من زعم أن قوله: (الر) ، مرادٌ به سائر حروف المعجم التي نزل بها القرآن، وجعلت هذه الحروف دلالةً على جميعها، وأن معنى الكلام: " هذه الحروف كتاب أحكمت آياته " ، فإن الكتاب على قوله ، ينبغي أن يكون مرفوعًا بقوله: (الر).* * *وأما قوله: (أحكمت آياته ثم فصلت) ، فإن أهل التأويل اختلفوا في تأويله، فقال بعضهم: تأويله: أحكمت آياته بالأمر والنهي، ثم فصلت بالثَّواب والعقاب.*ذكر من قال ذلك:17915- حدثني يعقوب بن إبراهيم قال ، حدثنا هشيم، قال، أخبرني أبو محمد الثقفي، عن الحسن في قوله: (كتاب أحكمت آياته ثم فصلت) ، قال: أحكمت بالأمر والنهي، وفصلت بالثواب والعقاب. (12)17916- حدثنا ابن حميد قال ، حدثنا عبد الكريم بن محمد الجرجاني، عن أبي بكر الهذلي، عن الحسن: (الر كتاب أحكمت آياته) ، قال: أحكمت في الأمر والنهى ، وفصلت بالوعيد. (13)17917- حدثني المثنى قال ، حدثنا إسحاق قال ، حدثنا عبد الله بن الزبير، عن ابن عيينة، عن رجل، عن الحسن: (الر كتاب أحكمت آياته) ، قال: بالأمر والنهي ، (ثم فصلت) ، قال: بالثواب والعقاب.* * *وروي عن الحسن قولٌ خلاف هذا. وذلك ما:-17918- حدثنا القاسم قال ، حدثنا الحسين، قال، حدثني حجاج، عن ابن جريج، عن أبي بكر، عن الحسن، قال ، وحدثنا عباد بن العوام، عن رجل، عن الحسن قال: (أحكمت) ، بالثواب والعقاب ، (ثم فصلت) ، بالأمر والنهي.* * *وقال آخرون: معنى ذلك: ( أحكمت آياته ) من الباطل، ثم فصلت، فبين منها الحلال والحرام.*ذكر من قال ذلك:17919- حدثنا بشر قال ، حدثنا يزيد قال ، حدثنا سعيد، عن قتادة قوله: ( الر كتاب أحكمت آياته ثم فصلت من لدن حكيم خبير) ، أحكمها الله من الباطل ، ثم فصلها بعلمه، فبيّن حلاله وحرامه ، وطاعته ومعصيته.* * *17920- حدثنا محمد بن عبد الأعلى قال ، حدثنا محمد بن ثور، عن معمر، عن قتادة: (أحكمت آياته ثم فصلت) ، قال: أحكمها الله من الباطل، ثم فَصَّلها، بيَّنها.* * *قال أبو جعفر: وأولى القولين في ذلك بالصواب ، قولُ من قال: معناه: أحكم الله آياته من الدَّخَل والخَلَل والباطل، ثم فصَّلها بالأمر والنهي.وذلك أن " إحكام الشيء " إصلاحه وإتقانه ، و " إحكام آيات القرآن " إحكامها من خلل يكون فيها ، أو باطل يقدر ذو زيغ أن يطعن فيها من قِبَله. (14)وأما " تفصيل آياته " فإنه تمييز بعضها من بعض، بالبيان عما فيها من حلال وحرام ، وأمرٍ ونهي. (15)* * *وكان بعض المفسرين يفسر قوله: (فصلت)، بمعنى: فُسِّرت، وذلك نحو الذي قلنا فيه من القول.*ذكر من قال ذلك:17921- حدثني محمد بن عمرو قال ، حدثنا أبو عاصم قال ، حدثنا عيسى قال ، حدثنا ابن أبي نجيح، عن مجاهد في قول الله: (ثم فصلت) ، قال: فُسِّرت .17922- حدثنا ابن وكيع قال ، حدثنا ابن نمير، عن ورقاء، عن ابن أبي نجيح، عن مجاهد: (فصلت)، قال: فُسّرت.17923-. . . . قال، حدثنا محمد بن بكر، عن ابن جريج قال، بلغني عن مجاهد: (ثم فصلت) ، قال: فسّرت .17924- حدثني المثنى قال ، حدثنا أبو حذيفة قال ، حدثنا شبل، عن ابن أبي نجيح، عن مجاهد، مثله.17925-. . . . قال، حدثنا إسحاق قال ، حدثنا عبد الله، عن ورقاء، عن ابن أبي نجيح، عن مجاهد، مثله.17926- حدثنا القاسم قال ، حدثنا الحسين قال، حدثني حجاج، عن ابن جريج، عن مجاهد، مثله.* * *وقال قتادة: معناه: بُيِّنَتْ، وقد ذكرنا الرواية بذلك قبلُ، وهو شبيه المعنى بقول مجاهد.* * *وأما قوله: (من لدن حكيم خبير)، فإن معناه: (حكيم ) بتدبير الأشياء وتقديرها، خبير بما تؤول إليه عواقبُها. (16)17927- حدثنا بشر قال ، حدثنا يزيد قال ، حدثنا سعيد، عن قتادة، في قوله: (من لدن حكيم خبير)، يقول: من عند حكيم خبير. (17)-------------------------الهوامش :(1) انظر تفسير " المس " فيما سلف ص : 49 ، تعليق : 1 ، والمراجع هناك .وتفسير " الضر " فيما سلف من فهارس اللغة ( ضرر ) .(2) انظر تفسير " الكشف " فيما سلف 11 : 354 / 13 : 73 / 15 : 36 ، 205 .(3) انظر تفسير " الخير " فيما سلف من فهارس اللغة ( خير ) .(4) انظر تفسير " الإصابة " فيما سلف من فهارس اللغة ( صوب ) .(5) انظر تفسير " الغفور " و " الرحيم " فيما سلف من فهارس اللغة ( غفر ) ، ( رحم ) .(6) انظر تفسير " الاهتداء " فيما سلف من فهارس اللغة ( هدى ) .(7) انظر تفسير " الضلال " فيما سلف من فهارس اللغة ( ظلل ) .(8) انظر تفسير " وكيل " فيما سلف 12 : 33 ، تعليق : 2 ، والمراجع هناك .(9) انظر تفسير " الحكم " فيما سلف 12 : 561 ، تعليق : 1 ، والمراجع هناك .(10) عند هذا الموضع ، انتهى جزء من التقسيم القديم ، وفي مخطوطتنا بعد هذا ما نصه :" آخر تفسير سورة يونس عليه السلام والحمد لله وحده ، وصلى الله على محمد وآله .يتلوه تفسير السورة التي يذكر فيها هود " .يتلوه :" بسم الله الرحمن الرحيم ربّ يسِّرْ "(11) انظر ما سلف 1 : 205 - 224 / 6 : 149 - 12 : 293 ، 294 / 15 : 7 .(12) الأثر : 17915 - " أبو محمد الثقفي " ، الراوي عن الحسن ، لم أعلم من يكون .(13) الأثر : 17916 - " عبد الكريم بن محمد الجرجاني " ، قاضي جرجان ، روى عن قيس بن الربيع ، وأبي حنيفة ، وزهير بن معاوية ، وابن جريج ، وغيرهم . روى عنه أبو يوسف القاضي ، وابن عيينة ، وهما أكبر منه ، والشافعي ، وغيرهم . مات سنة نيف وسبعين ومائة ، فلا أدري أيدرك محمد بن حميد أن يروي عنه أم لا ؟ مترجم في التهذيب .(14) انظر تفسير " الإحكام " فيما سلف 6 : 170 ، 174 - 182 .(15) انظر تفسير " تفصيل الآيات " فيما سلف ص : 91 ، تعليق : 1 ، والمراجع هناك .(16) انظر تفسير " حكيم " و " خبير " فيما سلف من فهارس اللغة ( حكم ) ، ( خبر ) .(17) انظر تفسير " من لدن " فيما سلف 6 : 362 .

أَلَّا تَعْبُدُوٓا۟ إِلَّا ٱللَّهَ إِنَّنِى لَكُم مِّنْهُ نَذِيرٌ وَبَشِيرٌ (2)


القول في تأويل قوله تعالى : أَلا تَعْبُدُوا إِلا اللَّهَ إِنَّنِي لَكُمْ مِنْهُ نَذِيرٌ وَبَشِيرٌ (2)قال أبو جعفر : يقول تعالى ذكره: ثم فُصّلت بأن لا تعبدوا إلا الله وحده لا شريك له ، وتخلعوا الآلهة والأنداد. ثم قال تعالى ذكره لنبيه محمد صلى الله عليه وسلم: قل ، يا محمد ، للناس (إنني لكم ) ، من عند الله ، (نذير) ينذركم عقابه على معاصيه وعبادة الأصنام ، (وبشير) ، يبشركم بالجزيل من الثواب على طاعته وإخلاص العبادة والألُوهَةِ له. (18)-------------------------الهوامش :(18) انظر تفسير " النذير " فيما سلف ص : 215 ، تعليق : 2 ، والمراجع هناك .، وتفسير " البشير " فيما سلف من فهارس اللغة ( بشر ) .

وَأَنِ ٱسْتَغْفِرُوا۟ رَبَّكُمْ ثُمَّ تُوبُوٓا۟ إِلَيْهِ يُمَتِّعْكُم مَّتَٰعًا حَسَنًا إِلَىٰٓ أَجَلٍ مُّسَمًّى وَيُؤْتِ كُلَّ ذِى فَضْلٍ فَضْلَهُۥ وَإِن تَوَلَّوْا۟ فَإِنِّىٓ أَخَافُ عَلَيْكُمْ عَذَابَ يَوْمٍ كَبِيرٍ (3)


القول في تأويل قوله تعالى : وَأَنِ اسْتَغْفِرُوا رَبَّكُمْ ثُمَّ تُوبُوا إِلَيْهِ يُمَتِّعْكُمْ مَتَاعًا حَسَنًا إِلَى أَجَلٍ مُسَمًّى وَيُؤْتِ كُلَّ ذِي فَضْلٍ فَضْلَهُ وَإِنْ تَوَلَّوْا فَإِنِّي أَخَافُ عَلَيْكُمْ عَذَابَ يَوْمٍ كَبِيرٍ (3)قال أبو جعفر : يقول تعالى ذكره: ثم فصلت آياته ، بأن لا تعبدوا إلا الله ، وبأن استغفروا ربكم. ويعني بقوله: (وأن استغفروا ربكم) ، وأن اعملوا أيها الناس من الأعمال ما يرضي ربكم عنكم، فيستر عليكم عظيمَ ذنوبكم التي ركبتموها بعبادتكم الأوثان والأصنام ، وإشراككم الآلهة والأنداد في عبادته. (19)وقوله: (ثم توبوا إليه) ، يقول: ثم ارجعوا إلى ربكم بإخلاص العبادة له دون ما سواه من سائر ما تعبدون من دونه بعد خلعكم الأنداد وبراءتكم من عبادتها. (20)ولذلك قيل: (وأن استغفروا ربكم ثم توبوا إليه) ، ولم يقل: " وتوبوا إليه " ، لأن " التوبة " معناها الرجوع إلى العمل بطاعة الله، والاستغفار: استغفار من الشرك الذي كانوا عليه مقيمين، والعملُ لله لا يكون عملا له إلا بعد ترك الشرك به، فأما الشرك فإنّ عمله لا يكون إلا للشيطان، فلذلك أمرهم تعالى ذكره بالتوبة إليه بعد الاستغفار من الشرك، لأن أهل الشرك كانوا يرون أنهم يُطِيعون الله بكثير من أفعالهم ، وهم على شركهم مقيمون.وقوله: (يمتعكم متاعًا حسنًا إلى أجل مسمى)، يقول تعالى ذكره للمشركين الذين خاطبهم بهذه الآيات: استغفروا ربكم ثم توبوا إليه، فإنكم إذا فعلتم ذلك بسط عليكم من الدنيا ورزقكم من زينتها، وأنسأ لكم في آجالكم إلى الوقت الذي قضى فيه عليكم الموت. (21)* * *وبنحو الذي قلنا في تأويل ذلك قال أهل التأويل.*ذكر من قال ذلك:17928- حدثنا بشر قال ، حدثنا يزيد قال ، حدثنا سعيد، عن قتادة قوله: (يمتعكم متاعًا حسنًا إلى أجل مسمى) ، فأنتم في ذلك المتاع ، فخذوا بطاعة الله ومعرفة حقّه، فإن الله منعم يحبّ الشاكرين ، وأهل الشكر في مزيدٍ من الله، وذلك قضاؤه الذي قضى.* * *وقوله: (إلى أجل مسمى)، يعني الموت.17929- حدثني المثنى قال ، حدثنا أبو حذيفة قال ، حدثنا شبل، عن ابن أبي نجيح، عن مجاهد: (إلى أجل مسمى) ، قال: الموت.17930- حدثنا بشر قال ، حدثنا يزيد قال ، حدثنا سعيد، عن قتادة قوله: (إلى أجل مسمى) ، وهو الموت .17931- حدثنا الحسن قال أخبرنا عبد الرزاق قال، أخبرنا معمر، عن قتادة: (إلى أجل مسمى)، قال: الموت.* * *وأما قوله: (ويؤت كل ذي فضل فضله) ، فإنه يعني: يثيب كل من تفضَّل بفضل ماله أو قوته أو معروفه على غيره محتسبًا بذلك ، مريدًا به وجه الله ، أجزلَ ثوابه وفضله في الآخرة، كما:-17932- حدثني محمد بن عمرو قال ، حدثنا أبو عاصم قال ، حدثنا عيسى، عن ابن أبي نجيح، عن مجاهد: (ويؤت كل ذي فضل فضله) ، قال: ما احتسب به من ماله، أو عمل بيده أو رجله، أو كَلِمة، أو ما تطوَّع به من أمره كله.17933- حدثني المثنى قال ، حدثنا أبو حذيفة قال ، حدثنا شبل، عن ابن أبي نجيح، عن مجاهد قال ،17934-. . . . وحدثنا إسحاق قال ، حدثنا عبد الله، عن ورقاء، عن ابن أبي نجيح، عن مجاهد ، بنحوه ، إلا أنه قال: أو عملٍ بيديه أو رجليه وكلامه، وما تطوَّل به من أمره كله.17935- حدثنا القاسم قال: حدثنا الحسين قال: حدثني حجاج، عن ابن جريج، عن مجاهد بنحوه ، إلا أنه قال: وما نطق به من أمره كله.17936- حدثنا بشر قال ، حدثنا يزيد قال ، حدثنا سعيد، عن قتادة: (ويؤت كل ذي فضل فضله) ، أي : في الآخرة.* * *وقد روي عن ابن مسعود أنه كان يقول في تأويل ذلك ما:-17937- حدثت به عن المسيب بن شريك، عن أبي بكر، عن سعيد بن جبير، عن ابن مسعود، في قوله: (ويؤت كل ذي فضل فضله) ، قال: من عمل سيئة كتبت عليه سيئة، ومن عمل حسنة كتبت له عشر حسنات. فإن عوقب بالسيئة التي كان عملها في الدنيا بقيت له عشر حسنات. وإن لم يعاقب بها في الدنيا أخذ من الحسنات العشر واحدة ، وبقيت له تسع حسنات. ثم يقول: هلك من غلب آحادُه أعشارَه !!* * *وقوله: (وإن تولوا فإني أخاف عليكم عذاب يوم كبير) ، يقول تعالى ذكره: وإن أعرضوا عما دعوتُهم إليه ، (22) من إخلاص العبادة لله ، وترك عبادة الآلهة ، وامتنعوا من الاستغفار لله والتوبة إليه ، فأدبروا مُوَلِّين عن ذلك، (فإني) ، أيها القوم ، (أخاف عليكم عذاب يوم كبير) شأنُه , عظيمٍ هَوْلُه، وذلك يوم تجزى كل نفس بما كسبت وهم لا يظلمون.* * *وقال جل ثناؤه: (وإن تولوا فإني أخاف عليكم عذاب يوم كبير) ، ولكنه مما قد تقدّمه قولٌ، والعرب إذا قدَّمت قبل الكلام قولا خاطبت ، ثم عادت إلى الخبر عن الغائب ، ثم رجعت بعدُ إلى الخطاب، وقد بينا ذلك في غير موضع ، بما أغنى عن إعادته في هذا الموضع. (23)--------------------------الهوامش :(19) انظر تفسير " الاستغفار " فيما سلف من فهارس اللغة ( غفر ) .(20) انظر تفسير " التوبة " فيما سلف من فهارس اللغة ( توب ) .(21) انظر تفسير " المتاع " فيما سلف من فهارس اللغة ( متع ) .، وتفسير " الأجل المسمى " فيما سلف من فهارس اللغة ( أجل ) .(22) انظر تفسير " التولي " فيما سلف من فهارس اللغة ( ولى ) .(23) انظر ما سلف 13 : 314 ، تعليق ، 3 : والمراجع هناك .

إِلَى ٱللَّهِ مَرْجِعُكُمْ وَهُوَ عَلَىٰ كُلِّ شَىْءٍ قَدِيرٌ (4)


القول في تأويل قوله تعالى : إِلَى اللَّهِ مَرْجِعُكُمْ وَهُوَ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ (4)قال أبو جعفر : يقول تعالى ذكره : (إلى الله)، أيها القوم ، مآبكم ومصيركم، (24)فاحذروا عقابه إن توليتم عما أدعوكم إليه من التوبة إليه من عبادتكم الآلهة والأصنام، فإنه مخلدكم نارَ جهنم إن هلكتم على شرككم قبل التوبة إليه ، (وهو على كل شيء قدير) ، يقول: وهو على إحيائكم بعد مماتكم، وعقابكم على إشراككم به الأوثانَ وغير ذلك مما أراد بكم وبغيركم قادرٌ. (25)---------------------الهوامش :(24) انظر تفسير " المرجع " فيما سلف ص : 146 ، تعليق : 5 ، والمراجع هناك .(25) انظر تفسير " قدير " فيما سلف من فهارس اللغة ( قدر ) .

أَلَآ إِنَّهُمْ يَثْنُونَ صُدُورَهُمْ لِيَسْتَخْفُوا۟ مِنْهُ أَلَا حِينَ يَسْتَغْشُونَ ثِيَابَهُمْ يَعْلَمُ مَا يُسِرُّونَ وَمَا يُعْلِنُونَ إِنَّهُۥ عَلِيمٌۢ بِذَاتِ ٱلصُّدُورِ (5)


القول في تأويل قوله تعالى : أَلا إِنَّهُمْ يَثْنُونَ صُدُورَهُمْ لِيَسْتَخْفُوا مِنْهُ أَلا حِينَ يَسْتَغْشُونَ ثِيَابَهُمْ يَعْلَمُ مَا يُسِرُّونَ وَمَا يُعْلِنُونَ إِنَّهُ عَلِيمٌ بِذَاتِ الصُّدُورِ (5)قال أبو جعفر : اختلفت القراء في قراءة قوله: ( ألا أنهم يثنون صدورهم ) ، فقرأته عامة الأمصار: ( أَلا إِنَّهُمْ يَثْنُونَ صُدُورَهُمْ ) ، على تقدير " يفعلون " من " ثنيت "، و " الصدور " منصوبة.واختلف قارئو ذلك كذلك في تأويله، فقال بعضهم: ذلك كان من فعل بعض المنافقين ، كان إذا مرّ برسول الله صلى الله عليه وسلم غطَّى وجهه وثَنَى ظهره.*ذكر من قال ذلك:17938- حدثنا محمد بن المثنى قال ، حدثنا ابن أبي عدي، عن شعبة، عن حصين، عن عبد الله بن شداد في قوله: (ألا إنهم يثنون صدورهم ليستخفوا منه ألا حين يستغشون ثيابهم) ، قال: كان أحدهم إذا مرّ برسول الله صلى الله عليه وسلم قال بثوبه على وجهه ، وثنى ظهره. (26)17939- حدثنا القاسم قال ، حدثنا الحسين قال ، حدثنا هشيم قال، أخبرنا حصين، عن عبد الله بن شداد بن الهاد قوله: (ألا إنهم يثنون صدورهم ليستخفوا منه)، قال: من رسول الله صلى الله عليه وسلم . قال: كان المنافقون إذا مرُّوا به ثنى أحدهم صدره ، ويطأطئ رأسه. فقال الله: (ألا إنهم يثنون صدورهم)، الآية.17940- حدثني المثنى قال ، حدثنا عمرو بن عون قال ، حدثنا هشيم، عن حصين قال: سمعت عبد الله بن شداد يقول في قوله: (يثنون صدورهم) ، قال: كان أحدهم إذا مر بالنبي صلى الله عليه وسلم ، ثَنَى صدره، وتغشَّى بثوبه ، كي لا يراه النبي صلى الله عليه وسلم.* * *وقال آخرون: بل كانوا يفعلون ذلك جهلا منهم بالله وظنًّا أن الله يخفى عليه ما تضمره صدورهم إذا فعلوا ذلك.*ذكر من قال ذلك:17941- حدثني محمد بن عمرو قال ، حدثنا أبو عاصم قال ، حدثنا عيسى، عن ابن أبي نجيح، عن مجاهد: (يثنون صدورهم) قال: شكًّا وامتراءً في الحق، ليستخفوا من الله إن استطاعوا.17942- حدثني المثنى قال ، حدثنا أبو حذيفة قال ، حدثنا شبل، عن ابن أبي نجيح، عن مجاهد: (يثنون صدورهم) ، شكًّا وامتراءً في الحق.(ليستخفوا منه) ، قال: من الله إن استطاعوا.17943- حدثنا ابن وكيع قال ، حدثنا ابن نمير، عن ورقاء، عن ابن نجيح، عن مجاهد: (يثنون صدورهم) ، قال: تضيق شكًّا .17944- حدثنا المثنى قال ، حدثنا إسحاق قال ، حدثنا عبد الله، عن ورقاء، عن ابن أبي نجيح، عن مجاهد: (يثنون صدورهم) ، قال: تضيق شكًّا وامتراءً في الحق. قال: (ليستخفوا منه) ، قال: من الله إن استطاعوا17945- حدثنا القاسم قال ، حدثنا الحسين قال، حدثني حجاج، عن ابن جريج، عن مجاهد، بنحوه.17946- حدثنا محمد بن بشار قال ، حدثنا هوذة قال ، حدثنا عوف، عن الحسن في قوله: (ألا إنهم يثنون صدورهم ليستخفوا منه ألا حين يستغشون ثيابهم)، قال: من جهالتهم به، قال الله: (ألا حين يستغشون ثيابهم) ، في ظلمة الليل ، في أجواف بيوتهم ، (يعلم) ، تلك الساعة (ما يسرون وما يعلنون إنه عليم بذات الصدور ).17947- حدثنا ابن وكيع قال ، حدثنا أبي، عن سفيان، عن منصور، عن أبي رزين: (ألا إنهم يثنون صدورهم ليستخفوا منه ألا حين يستغشون ثيابهم)، قال: كان أحدهم يحني ظهره ، ويستغشي بثوبه.* * *وقال آخرون: إنما كانوا يفعلون ذلك لئلا يسمعوا كتاب الله . (27)*ذكر من قال ذلك:17948- حدثنا بشر قال ، حدثنا يزيد قال ، حدثنا سعيد، عن قتادة : ( ألا إنهم يثنون صدورهم) الآية، قال: كانوا يحنون صدورهم لكيلا يسمعوا كتاب الله، قال تعالى: (ألا حين يستغشون ثيابهم يعلم ما يسرون وما يعلنون) وذلك أخفى ما يكون ابن آدم ، إذا حنى صدره واستغشى بثوبه ، وأضمر همَّه في نفسه، فإن الله لا يخفى ذلك عليه. (28)17949- حدثنا محمد بن عبد الأعلى قال ، حدثنا محمد بن ثور، عن معمر، عن قتادة: (يستغشون ثيابهم) ، قال: أخفى ما يكون الإنسان إذا أسرَّ في نفسه شيئًا وتغطَّى بثوبه، فذلك أخفى ما يكون، والله يطلع على ما في نفوسهم، والله يعلم ما يسرُّون وما يعلنون.* * *وقال آخرون: إنما هذا إخبارٌ من الله نبيَّه صلى الله عليه وسلم عن المنافقين الذين كانوا يضمرون له العداوة والبغضاء ، ويبدون له المحبة والمودة، أنهم معه وعلى دينه. (29) يقول جل ثناؤه: ألا إنهم يطوون صدورهم على الكفر ليستخفوا من الله، ثم أخبر جل ثناؤه أنه لا يخفى عليه سرائرهم وعلانيتهم.* * *وقال آخرون: كانوا يفعلون ذلك إذا ناجى بعضهم بعضًا.*ذكر من قال ذلك:17950- حدثني يونس قال، أخبرنا ابن وهب قال، قال ابن زيد في قوله: (ألا إنهم يثنون صدورهم ليستخفوا منه) ، قال: هذا حين يناجي بعضهم بعضًا. وقرأ: (ألا حين يستغشون ثيابهم) الآية.* * *وروي عن ابن عباس أنه كان يقرأ ذلك: (أَلا إِنَّهُمْ تَثْنَونِي صُدُورُهُمْ )، على مثال: " تَحْلَولِي الثمرة " ، " تَفْعَوْعِل ".17951- حدثنا . . . قال ، حدثنا أبو أسامة، عن ابن جريج، عن ابن أبي مليكة قال: سمعت ابن عباس يقرأ (أَلا إِنَّهُمْ تَثْنَوْنِي صُدُورُهُمْ )، قال: كانوا لا يأتون النساء ولا الغائط إلا وقد تغشوا بثيابهم ، كراهة أن يُفْضُوا بفروجهم إلى السماء. (30)17952- حدثنا القاسم قال ، حدثنا الحسين قال، حدثني حجاج، عن ابن جريج قال، سمعت محمد بن عباد بن جعفر يقول، سمعت ابن عباس يقرؤها: (أَلا إِنَّهُمْ تَثْنَوْنِي صُدُورُهُمْ )، قال: سألته عنها فقال: كان ناس يستحيون أن يتخلَّوا فيُفْضُوا إلى السماء، وأن يصيبوا فيْفضُوا إلى السماء.* * *وروي عن ابن عباس في تأويل ذلك قول آخر، وهو ما:-17953- حدثنا به محمد بن عبد الأعلى قال ، حدثنا محمد بن ثور، عن معمر قال، أخبرت ، عن عكرمة: أن ابن عباس قرأ (أَلا إِنَّهُمْ تَثْنَوْنِي صُدُورُهُمْ )، وقال ابن عباس: " تثنوني صدورهم "، الشكُّ في الله ، وعمل السيئات ، (يستغشون ثيابهم) ، يستكبر، أو يستكنّ من الله ، والله يراه، يعلم ما يسرُّون وما يعلنون.17954- حدثنا الحسن بن يحيى قال، أخبرنا عبد الرزاق، قال، أخبرنا معمر، عن رجل، عن عكرمة، عن ابن عباس أنه قرأ: (أَلا إِنَّهُمْ تَثْنَونِي صُدُورُهُمْ )، قال عكرمة: " تثنوني صدورهم "، قال: الشك في الله ، وعمل السيئات، فيستغشي ثيابه ، ويستكنّ من الله، والله يراه ويعلم ما يسرُّون وما يعلنون* * *قال أبو جعفر: والصواب من القراءة في ذلك عندنا ما عليه قراء الأمصار، وهو: ( أَلا إِنَّهُمْ يَثْنُونَ صُدُورَهُمْ ) ، على مثال " يفعلون "، و " الصدور " نصب ، بمعنى: يحنون صدورهم ويكنُّونها، (31) كما:-17955- حدثني المثنى قال ، حدثنا عبد الله بن صالح قال، حدثني معاوية، عن علي، عن ابن عباس قوله: (يثنون صدورهم) ، يقول: يكنُّون. (32)17956- حدثني محمد بن سعد قال، حدثني أبي قال، حدثني عمي قال، حدثني أبي، عن أبيه، عن ابن عباس قوله: (ألا إنهم يثنون صدورهم) ، يقول: يكتمون ما في قلوبهم ، (ألا حين يستغشون ثيابهم)، يعلم ما عملوا بالليل والنهار.17957- حدثت عن الحسين بن الفرج قال، سمعت أبا معاذ يقول، حدثنا عبيد قال، سمعت الضحاك يقول في قوله: (ألا إنهم يثنون صدورهم) ، يقول: (تَثْنَوْنِي صُدُورُهُمْ).قال أبو جعفر: وهذا التأويل الذي تأوّله الضحاك على مذهب قراءة ابن عباس، إلا أن الذي حدثنا ، هكذا ذكر القراءة في الرواية.* * *فإذا كانت القراءة التي ذكرنا أولى القراءتين في ذلك بالصواب ، لإجماع الحجة من القراء عليها. فأولى التأويلات بتأويل ذلك، تأويلُ من قال: إنهم كانوا يفعلون ذلك جهلا منهم بالله أنه يخفى عليه ما تضمره نفوسهم ، أو تناجوه بينهم.وإنما قلنا ذلك أولى التأويلات بالآية، لأن قوله: (ليستخفوا منه) ، بمعنى: ليستخفوا من الله، وأن الهاء في قوله، (منه) ، عائدة على اسم الله، ولم يجر لمحمّدٍ ذكر قبلُ ، فيجعل من ذكره صلى الله عليه وسلم وهي في سياق الخبر عن الله. فإذا كان ذلك كذلك ، كانت بأن تكون من ذكر الله أولى. وإذا صحّ أن ذلك كذلك، كان معلومًا أنهم لم يحدِّثوا أنفسهم أنهم يستخفون من الله ، إلا بجهلهم به. فأخبرهم جل ثناؤه أنه لا يخفى عليه سرُّ أمورهم وعلانيتها على أيّ حالٍ كانوا ، تغشَّوا بالثياب ، أو أظهروا بالبَرَاز، (33)فقال: (ألا حين يستغشون ثيابهم) ، يعني: يتغشَّون ثيابهم ، يتغطونها ويلبسون.* * *يقال منه: " استغشى ثوبه وتغشّاه "، قال الله: وَاسْتَغْشَوْا ثِيَابَهُمْ [سورة نوح: 7 ]، وقالت الخنساء:أَرْعَى النُّجُومَ وَمَا كُلِّفْتُ رِعْيَتَهَاوَتَارَةً أَتَغَشَّى فَضْلَ أَطْمَارِي (34)* * *، (يعلم ما يسرون) ، يقول جل ثناؤه: يعلم ما يسرُّ هؤلاء الجهلة بربهم، الظانُّون أن الله يخفى عليه ما أضمرته صدورهم إذا حنوها على ما فيها ، وثنوها، وما تناجوه بينهم فأخفوه (35) ، (وما يعلنون) ، سواء عنده سرائرُ عباده وعلانيتهم ، (إنه عليم بذات الصدور) ، يقول تعالى ذكره: إن الله ذو علم بكل ما أخفته صدور خلقه ، من إيمان وكفر ، وحق وباطل ، وخير وشر، وما تستجنُّه مما لم تُجنُّه بعدُ، (36) كما:-17958- حدثني المثنى قال ، حدثنا عبد الله بن صالح قال حدثني معاوية، عن علي، عن ابن عباس: (ألا حين يستغشون ثيابهم) ، يقول: يغطون رءوسهم.* * *قال أبو جعفر: فاحذروا أن يطلع عليكم ربكم وأنتم مضمرون في صُدُوركم الشكّ في شيء من توحيده أو أمره أو نهيه، أو فيما ألزمكم الإيمان به والتصديق، فتهلكوا باعتقادكم ذلك.--------------------------الهوامش :(26) قوله : " قال بثوبه على وجهه " ، أي : أخذ ثوبه وحاول أن يغطي به وجهه حتى لا يراه صلى الله عليه وسلم . و " قال " حرف من اللغة ، يستخدم في معان كثيرة ، ويراد به تصوير الحركة .انظر ما سلف 2 : 546 ، 547 / الأثر : 5796 ج 5 ص 400 ، تعليق : 1 / الأثر 12523 ج 10 ص 572 ، تعليق : 1 / الأثر 17429 ، ج 14 ص : 541 ، تعليق : 2 .(27) في المطبوعة : " كلام الله تعالى " ، وأثبت ما في المخطوطة .(28) ما بين القوسين ساقط من المخطوطة .(29) في المطبوعة : " وأنهم " بالواو ، وما في المخطوطة صواب جيد .(30) الأثر : 17951 - في المطبوعة : " حدثنا ابن وكيع قال ، حدثنا أبو أسامة " ، وهذا ليس في المخطوطة ، بل الذي فيها ما أثبته : " حدثنا قال .... حدثنا أبو أسامة " ، بياض بين الكلامين وفوقه كتب " كذا " ، يعني ، هكذا البياض بالأصل .(31) في المطبوعة : " يكبونها " و " يكبون " ، بالباء في الموضعين ، والصواب ما في المخطوطة وهي منقوطة هناك فيهما .(32) في المطبوعة : " يكبونها " و " يكبون " ، بالباء في الموضعين ، والصواب ما في المخطوطة وهي منقوطة هناك فيهما .(33) " البراز " ( بفتح الباء ) : الفضاء البعيد الواسع ، ليس فيه شجر ولا ستر .(34) ديوانها : 109 ، من شعرها في مراثي أخيها صخر ، تقول قبله :إنِّي أَرِقْتُ فبِتُّ اللَّيْلَ سَاهِرَةًكَأَنَّمَا كٌحِلَتْ عَيْنِي بِعُوَّارِ" العوار " القذى . وقولها : " أرعى النجوم " ، تراقبها ، من غلبة الهم عليها ليلا ، فهي ساهرة تأنس بتطويح البصر في السماوات . و " الأطمار " ، أخلاق الثياب . تقول : طال حدادها وحزنها ، فلا تبالي أن يكون لها جديد ، فهي في خلقان ثيابها ، فإذا طال سهرها وغلبها ما غلبها ، تغطت بأطمارها فعل الحزين ، وبكت أو انطوت على أحزانها .(35) انظر تفسير " الإسرار " فيما سلف : 103 .(36) انظر تفسير " ذات الصدور " فيما سلف 13 : 570 ، تعليق : 2 ، والمراجع هناك .

الصفحة التالية