تفسير سورة يوسف الصفحة 243 من القرآن الكريم

تفسير الصفحة رقم 243 من المصحف


قَالَ هَلْ ءَامَنُكُمْ عَلَيْهِ إِلَّا كَمَآ أَمِنتُكُمْ عَلَىٰٓ أَخِيهِ مِن قَبْلُ فَٱللَّهُ خَيْرٌ حَٰفِظًا وَهُوَ أَرْحَمُ ٱلرَّٰحِمِينَ (64)


القول في تأويل قوله تعالى : قَالَ هَلْ آمَنُكُمْ عَلَيْهِ إِلا كَمَا أَمِنْتُكُمْ عَلَى أَخِيهِ مِنْ قَبْلُ فَاللَّهُ خَيْرٌ حَافِظًا وَهُوَ أَرْحَمُ الرَّاحِمِينَ (64)قال أبو جعفر: يقول تعالى ذكره: قال أبوهم يعقوب: هل آمنكم على أخيكم من أبيكم الذي تسألوني أن أرسله معكم إلا كما أمنتكم على أخيه يوسف من قبل؟ يقول: من قَبْلِه .* * *واختلفت القرأة في قراءة قوله: (فالله خير حافظا) .فقرأ ذلك عامة قرأة أهل المدينة وبعض الكوفيين والبصريين: ( فَاللَّهُ خَيْرٌ حفِظًا ) ، بمعنى: والله خيركم حفظًا .* * *وقرأ ذلك عامة قرأة الكوفيين وبعض أهل مكة: ( فَاللَّهُ خَيْرٌ حَافِظًا ) بالألف على توجيه " الحافظ " إلى أنه تفسير للخير , كما يقال: " هو خير رجلا " , والمعنى: فالله خيركم حافظًا , ثم حذفت " الكاف والميم " .* * *قال أبو جعفر: والصواب من القول في ذلك أنهما قراءتان مشهورتان متقاربتا المعنى قد قرأ بكل واحدة منهما أهل علمٍ بالقرآن، فبأيتهما قرأ القارئ فمصيب . وذلك أن من وصف الله بأنه خيرهم حفظًا فقد وصفه بأنه خيرهم حافظًا , ومن وصفه بأنه خيرهم حافظًا، فقد وصفه بأنه خيرهم حفظًا* * *، (وهو أرحم الراحمين) ، يقول: والله أرحم راحمٍ بخلقه , يرحم ضعفي على كبر سنِّي , ووحدتي بفقد ولدي , فلا يضيعه , ولكنه يحفظه حتى يردَّه عليَّ لرحمته .

وَلَمَّا فَتَحُوا۟ مَتَٰعَهُمْ وَجَدُوا۟ بِضَٰعَتَهُمْ رُدَّتْ إِلَيْهِمْ قَالُوا۟ يَٰٓأَبَانَا مَا نَبْغِى هَٰذِهِۦ بِضَٰعَتُنَا رُدَّتْ إِلَيْنَا وَنَمِيرُ أَهْلَنَا وَنَحْفَظُ أَخَانَا وَنَزْدَادُ كَيْلَ بَعِيرٍ ذَٰلِكَ كَيْلٌ يَسِيرٌ (65)


القول في تأويل قوله تعالى : وَلَمَّا فَتَحُوا مَتَاعَهُمْ وَجَدُوا بِضَاعَتَهُمْ رُدَّتْ إِلَيْهِمْ قَالُوا يَا أَبَانَا مَا نَبْغِي هَذِهِ بِضَاعَتُنَا رُدَّتْ إِلَيْنَا وَنَمِيرُ أَهْلَنَا وَنَحْفَظُ أَخَانَا وَنَزْدَادُ كَيْلَ بَعِيرٍ ذَلِكَ كَيْلٌ يَسِيرٌ (65)قال أبو جعفر: يقول تعالى ذكره: ولما فتح إخوة يوسف متاعَهم الذي حملوه من مصر من عند يوسف ، (وجدوا بضاعتهم) , وذلك ثمن الطعام الذي اكتالوه منه ، رُدّت إليهم، (قالوا يا أبانا ما نبغي هذه بضاعتنا ردت إلينا) يعني أنهم قالوا لأبيهم: ماذا نبغي؟ هذه بضاعتنا ردت إلينا ! تطييبًا منهم لنفسه بما صُنع بهم في ردِّ بضاعتهم إليهم . (1)* * *وإذا وُجِّه الكلام إلى هذا المعنى، كانت " ما " استفهامًا في موضع نصب بقوله: (نبغي) .* * *وإلى هذا التأويل كان يوجِّهه قتادة .19476-حدثنا بشر , قال: حدثنا يزيد , قال: حدثنا سعيد , عن قتادة , قوله: (ما نبغي) يقول: ما نبغي وراء هذا , إن بضاعتنا ردت إلينا , وقد أوفى لنا الكيل.* * *وقوله: (ونمير أهلنا) ، يقول: ونطلب لأهلنا طعامًا فنشتريه لهم.* * *يقال منه: " مارَ فلانٌ أهلهَ يميرهم مَيْرًا " , ومنه قول الشاعر: (2)بَعَثْتُكَ مَائِرًا فَمَكَثْتَ حَوْلامَتَى يَأْتِي غِيَاثُكَ مَنْ تُغِيثُ* * *(ونحفظ أخانا) ، الذي ترسله معنا(ونزداد كيل بعير) ، يقول: ونزداد على أحمالنا [من] الطعام حمل بعير (3) يكال لنا ما حمل بعير آخر من إبلنا ، (ذلك كيل يسير) ، يقول: هذا حمل يسير . كما:-19477-حدثني الحارث , قال: حدثنا القاسم , قال: حدثنا حجاج , عن ابن جريج: (ونزداد كيل بعير) قال: كان لكل رجل منهم حمل بعير , فقالوا: أرسل معنا أخانا نزداد حمل بعير ، وقال ابن جريج: قال مجاهد: (كيل بعير) حمل حمار . قال: وهي لغة ، قال القاسم: يعني مجاهد: أن " الحمار " يقال له في بعض اللغات: " بعير ".19478- حدثنا بشر , قال: حدثنا يزيد قال: حدثنا سعيد , عن قتادة قوله: (ونزداد كيل بعير) ، يقول: حمل بعير.19479- حدثنا ابن حميد قال: حدثنا سلمة , عن ابن إسحاق: (ونزداد كيل بعير) نَعُدّ به بعيرًا مع إبلنا ، (ذلك كيل يسير).----------------------الهوامش:(1) في المطبوعة :" ردت إليه" ، والجيد ما أثبت .(2) لم أعرف قائله ، ولم أجد البيت في مكان ، وإن كنت أخالني أعرفه .

قَالَ لَنْ أُرْسِلَهُۥ مَعَكُمْ حَتَّىٰ تُؤْتُونِ مَوْثِقًا مِّنَ ٱللَّهِ لَتَأْتُنَّنِى بِهِۦٓ إِلَّآ أَن يُحَاطَ بِكُمْ فَلَمَّآ ءَاتَوْهُ مَوْثِقَهُمْ قَالَ ٱللَّهُ عَلَىٰ مَا نَقُولُ وَكِيلٌ (66)


القول في تأويل قوله تعالى : قَالَ لَنْ أُرْسِلَهُ مَعَكُمْ حَتَّى تُؤْتُونِ مَوْثِقًا مِنَ اللَّهِ لَتَأْتُنَّنِي بِهِ إِلا أَنْ يُحَاطَ بِكُمْ فَلَمَّا آتَوْهُ مَوْثِقَهُمْ قَالَ اللَّهُ عَلَى مَا نَقُولُ وَكِيلٌ (66)قال أبو جعفر: يقول تعالى ذكره: قال يعقوب لبنيه: لن أرسل أخاكم معكم إلى ملك مصر ، (حتى تؤتون موثقًا من الله) ، يقول: حتى تعطون موثقًا من الله ، بمعنى " الميثاق " , وهو ما يوثق به من يمينٍ وعهد (4) (لتأتنني به) يقول لتأتنني بأخيكم ، (إلا أن يحاط بكم) ، يقول: إلا أن يُحيط بجميعكم ما لا تقدرون معه على أن تأتوني به . (5)* * *وبنحو الذي قلنا في ذلك قال أهل التأويل .*ذكر من قال ذلك:19480- حدثني المثنى , قال: حدثنا أبو حذيفة قال، حدثنا شبل , عن ابن أبي نجيح , عن مجاهد: (فلما آتوه موثقهم) ، قال: عهدهم.19481- حدثني المثنى قال: أخبرنا إسحاق قال: حدثنا عبد الله , عن ورقاء , عن ابن أبي نجيح , عن مجاهد مثله .19482- حدثنا الحسن بن محمد قال: حدثنا شبابة , قال: حدثنا ورقاء , عن ابن أبي نجيح , عن مجاهد قوله: (إلا أن يحاط بكم) : ، إلا أن تهلكوا جميعًا.19483- حدثني المثنى قال: حدثنا أبو حذيفة قال، حدثنا شبل , عن ابن أبي نجيح , عن مجاهد ،19484- قال، وحدثنا إسحاق , قال: أخبرنا عبد الله , عن ورقاء , عن ابن أبي نجيح , عن مجاهد , مثله .19485- حدثنا الحسن بن يحيى قال، أخبرنا عبد الرزاق , قال: أخبرنا معمر , عن قتادة: (إلا أن يحاط بكم) ، قال: إلا أن تغلَبوا حتى لا تطيقوا ذلك.19486- حدثنا ابن حميد قال، حدثنا سلمة , عن ابن إسحاق قوله: (إلا أن يحاط بكم) : ، إلا أن يصيبكم أمرٌ يذهب بكم جميعًا , فيكون ذلك عذرًا لكم عندي.* * *وقوله: (فلما آتوه موثقهم) ، يقول: فلما أعطوه عهودهم ، " قال "، يعقوب: (الله على ما نقول) ، أنا وأنتم ، (وكيل) ، يقول: هو شهيد علينا بالوفاء بما نقول جميعًا . (6)* * *----------------------الهوامش:(3) الزيادة بين القوسين يقتضيها السياق .(4) انظر تفسير" الميثاق" فيما سلف 14 : 82 ، تعليق : 1 ، والمراجع هناك .(5) انظر تفسير" الإحاطة" فيما سلف 15 : 462 ، تعليق : 1 ، والمراجع هناك .(6) انظر تفسير" الوكيل" فيما سلف 15 : 220 ، تعليق : 3 ، والمراجع هناك .

وَقَالَ يَٰبَنِىَّ لَا تَدْخُلُوا۟ مِنۢ بَابٍ وَٰحِدٍ وَٱدْخُلُوا۟ مِنْ أَبْوَٰبٍ مُّتَفَرِّقَةٍ وَمَآ أُغْنِى عَنكُم مِّنَ ٱللَّهِ مِن شَىْءٍ إِنِ ٱلْحُكْمُ إِلَّا لِلَّهِ عَلَيْهِ تَوَكَّلْتُ وَعَلَيْهِ فَلْيَتَوَكَّلِ ٱلْمُتَوَكِّلُونَ (67)


القول في تأويل قوله تعالى : وَقَالَ يَا بَنِيَّ لا تَدْخُلُوا مِنْ بَابٍ وَاحِدٍ وَادْخُلُوا مِنْ أَبْوَابٍ مُتَفَرِّقَةٍ وَمَا أُغْنِي عَنْكُمْ مِنَ اللَّهِ مِنْ شَيْءٍ إِنِ الْحُكْمُ إِلا لِلَّهِ عَلَيْهِ تَوَكَّلْتُ وَعَلَيْهِ فَلْيَتَوَكَّلِ الْمُتَوَكِّلُونَ (67)قال أبو جعفر: يقول تعالى ذكره: قال يعقوب لبنيه لما أرادُوا الخروج من عنده إلى مصر ليمتاروا الطعام: يا بني لا تدخلوا مصر من طريق واحد , وادخلوا من أبواب متفرقة.* * *وذكر أنه قال ذلك لهم , لأنهم كانوا رجالا لهم جمال وهيأة , (7) فخاف عليهم العينَ إذا دخلوا جماعة من طريق واحدٍ، وهم ولد رجل واحد , فأمرهم أن يفترقوا في الدخول إليها . كما:-19487- حدثنا الحسن بن محمد قال: حدثنا يزيد الواسطي , عن جويبر , عن الضحاك: (لا تدخلوا من بابٍ واحد وادخلوا من أبواب متفرقة) ، قال: خاف عليهم العينَ .19488- حدثنا بشر قال: حدثنا يزيد قال: حدثنا سعيد , عن قتادة قوله: (يا بنيّ لا تدخلوا من باب واحد) خشي نبيُّ الله صلى الله عليه وسلم العينَ على بنيه، كانوا ذوي صُورة وجَمال.19489- حدثنا محمد بن عبد الأعلى قال: حدثنا محمد بن ثور , عن معمر , عن قتادة: (وادخلوا من أبواب متفرقة) ، قال: كانوا قد أوتوا صورةً وجمالا فخشي عليهم أنفُسَ الناس.19490- حدثني محمد بن سعد قال: حدثني أبي قال: حدثني عمي قال: حدثني أبي , عن أبيه , عن ابن عباس , قوله: (وقال يا بني لا تدخلوا من باب واحد وادخلوا من أبواب متفرقة) ، قال: رهب يعقوب عليه السلام عليهم العينَ.19491- حدثت عن الحسين بن الفرج قال، سمعت أبا معاذ قال، أخبرنا عبيد بن سليمان , قال، سمعت الضحاك يقول في قوله: (لا تدخلوا من باب واحد) ، خشي يعقوب على ولده العينَ.19492- حدثنا ابن وكيع قال، حدثنا زيد بن الحباب , عن أبي معشر , عن محمد بن كعب: (لا تدخلوا من باب واحد) ، قال: خشي عليهم العين.19493- ... قال، حدثنا عمرو , عن أسباط , عن السدي قال: خاف يعقوب صلى الله عليه وسلم على بنيه العين , فقال: (يا بني لا تدخلوا من باب واحد) . فيقال: هؤلاء لرجل واحدٍ! ولكن ادخلوا من أبواب متفرقة.19494- حدثنا ابن حميد قال، حدثنا سلمة , عن ابن إسحاق قال: لما أجمعوا الخروجَ ، يعني ولد يعقوب ، قال يعقوب: (يا بنيّ لا تدخلوا من باب واحد وادخلوا من أبواب متفرقة) ، خشي عليهم أعين الناس، لهيأتهم , وأنهم لرجل واحدٍ.* * *وقوله: (وما أغني عنكم من الله من شيء) ، يقول: وما أقدر أن أدفع عنكم من قضاء الله الذي قد قضاه عليكم من شيء صغير ولا كبير , لأن قضاءه نافذ في خلقه (8) ، (إن الحكم إلا لله) ، يقول: ما القضاء والحكم إلا لله دون ما سواه من الأشياء , فإنه يحكم في خلقه بما يشاء , فينفذ فيهم حكمه , ويقضي فيهم، ولا يُرَدّ قضاؤه ، (عليه توكلت) ، يقول: على الله توكلت فوثقت به فيكم وفي حفظكم عليّ، حتى يردكم إليّ وأنتم سالمون معافون , لا على دخولكم مصر إذا دخلتموها من أبواب متفرقة ، (وعليه فليتوكل المتوكلون) ، يقول: وإلى الله فليفوِّض أمورَهم المفوِّضون . (9)----------------------الهوامش:(7) في المطبوعة :" وهيبة" ، لأنها في المخطوطة :" وهمة" ، غير منقوطة ، وستأتي كذلك بعد ، وسأصححها دون أن أشير هذا التصحيح في سائر المواضع .(8) انظر تفسير" أغنى" فيما سلف 15 : 472 ، تعليق : 1 ، والمراجع هناك .(9) انظر تفسير" التوكل" فيما سلف 15 : 545 ، تعليق : 1 ، والمراجع هناك .

وَلَمَّا دَخَلُوا۟ مِنْ حَيْثُ أَمَرَهُمْ أَبُوهُم مَّا كَانَ يُغْنِى عَنْهُم مِّنَ ٱللَّهِ مِن شَىْءٍ إِلَّا حَاجَةً فِى نَفْسِ يَعْقُوبَ قَضَىٰهَا وَإِنَّهُۥ لَذُو عِلْمٍ لِّمَا عَلَّمْنَٰهُ وَلَٰكِنَّ أَكْثَرَ ٱلنَّاسِ لَا يَعْلَمُونَ (68)


القول في تأويل قوله تعالى : وَلَمَّا دَخَلُوا مِنْ حَيْثُ أَمَرَهُمْ أَبُوهُمْ مَا كَانَ يُغْنِي عَنْهُمْ مِنَ اللَّهِ مِنْ شَيْءٍ إِلا حَاجَةً فِي نَفْسِ يَعْقُوبَ قَضَاهَا وَإِنَّهُ لَذُو عِلْمٍ لِمَا عَلَّمْنَاهُ وَلَكِنَّ أَكْثَرَ النَّاسِ لا يَعْلَمُونَ (68)قال أبو جعفر: يقول تعالى ذكره: ولما دخل ولد يعقوب (من حيث أمرهم أبوهم، وذلك دخولهم مصر من أبواب متفرقة ، (ما كان يغني) ، دخولهم إياها كذلك ، (عنهم) من قضاء الله الذي قضاه فيهم فحتمه ,(من شيء إلا حاجة في نفس يعقوب قضاها) ، إلا أنهم قضوا وطرًا ليعقوب بدخولهم لا من طريق واحد خوفًا من العين عليهم , فاطمأنت نفسه أن يكونوا أوتوا من قبل ذلك أو نالهم من أجله مكروه . كما:-19495- حدثنا الحسن بن محمد قال: حدثنا شبابة قال: حدثنا ورقاء , عن ابن أبي نجيح , عن مجاهد: (إلا حاجة في نفس يعقوب قضاها) ، خيفة العين على بنيه.19496- حدثني المثنى قال: حدثنا أبو حذيفة قال: حدثنا شبل , عن ابن أبي نجيح , عن مجاهد , مثله .19497- ... قال: أخبرنا إسحاق قال: حدثنا عبد الله , عن ورقاء , عن ابن أبي نجيح , عن مجاهد , مثله .19498- حدثنا ابن وكيع قال: حدثنا ابن نمير , عن ورقاء , عن ابن أبي نجيح , عن مجاهد: (إلا حاجة في نفس يعقوب قضاها) ، قال: خشية العين عليهم.19499- حدثنا ابن حميد قال: حدثنا سلمة , عن ابن إسحاق قوله: (إلا حاجة في نفس يعقوب قضاها) ، قال: ما تخوَّف على بنيه من أعين الناس لهيأتهم وعِدّتهم.* * *وقوله: (وإنه لذو علم لما علمناه) ، يقولُ تعالى ذكره: وإن يعقوب لذو علم لتعليمنا إياه .* * *وقيل: معناه وإنه لذو حفظٍ لما استودعنا صدره من العلم .* * *واختلف عن قتادة في ذلك:19500- فحدثنا بشر قال: حدثنا يزيد قال: حدثنا سعيد , عن قتادة , قوله: (وإنه لذو علم لما علمناه) : أي: مما علمناه.19501- حدثني المثنى قال: حدثنا إسحاق قال، حدثنا عبد الله بن الزبير , عن سفيان , عن ابن أبي عروبة عن قتادة: (وإنه لذو علم لما علمناه) ، قال: إنه لعامل بما عَلم.19502- ... قال: المثنى قال إسحاق قال عبد الله قال سفيان: (إنه لذو علم)، مما علمناه. وقال: من لا يعمل لا يكون عالمًا.* * *، (ولكن أكثر الناس لا يعلمون) ، يقول جل ثناؤه: ولكن كثيرًا من الناس غير يعقوب , لا يعلمون ما يعلمه , لأنَّا حَرَمناه ذلك فلم يعلمه .

وَلَمَّا دَخَلُوا۟ عَلَىٰ يُوسُفَ ءَاوَىٰٓ إِلَيْهِ أَخَاهُ قَالَ إِنِّىٓ أَنَا۠ أَخُوكَ فَلَا تَبْتَئِسْ بِمَا كَانُوا۟ يَعْمَلُونَ (69)


القول في تأويل قوله تعالى : وَلَمَّا دَخَلُوا عَلَى يُوسُفَ آوَى إِلَيْهِ أَخَاهُ قَالَ إِنِّي أَنَا أَخُوكَ فَلا تَبْتَئِسْ بِمَا كَانُوا يَعْمَلُونَ (69)قال أبو جعفر: يقول تعالى ذكره: ولما دخل ولد يعقوب على يوسف ، (آوى إليه أخاه) ، يقول: ضم إليه أخاه لأبيه وأمه. (10)* * *وكان إيواؤه إياه، (11) كما:-19503- حدثنا ابن وكيع قال، حدثنا عمرو , عن أسباط , عن السدي: (ولما دخلوا على يوسف آوى إليه أخاه) ، قال: عرف أخاه , فأنزلهم منزلا وأجرى عليهم الطعام والشراب. فلما كان الليلُ جاءهم بِمُثُل، فقال: لينم كل أخوين منكم على مِثَال. (12) فلما بقي الغلام وحده، قال يوسف: هذا ينام معي على فراشي . فبات معه , فجعل يوسف يشمُّ ريحه , ويضمه إليه حتى أصبح , وجعل روبيل يقول: ما رأيْنا مثل هذا! أريحُونا منه!19504- حدثنا ابن حميد قال، حدثنا سلمة , عن ابن إسحاق قال: لما دخلوا ، يعني ولد يعقوب ، على يوسف، قالوا: هذا أخونا الذي أمرتَنا أن نأتيك به , قد جئناك به. فذكر لي أنه قال لهم: قد أحسنتم وأصبتم , وستجدون ذلك عندي ، أو كما قال . ثم قال: إني أراكم رجالا وقد أردت أن أكرمكم. ودعا [صاحب] ضيافته. (13) فقال: أنزل كل رجلين على حدة , ثم أكرمهما، وأحسن ضيافتهما. ثم قال: إني أرى هذا الرجل الذي جئتم به ليس معه ثانٍ، فسأضمه إليّ , فيكون منزله معي . فأنزلهم رجلين رجلين في منازل شتَّى , وأنزل أخاه معه , فآواه إليه. فلما خلا به قال إني أنا أخوك، أنا يوسف، فلا تبتئس بشيء فعلوه بنا فيما مضى , فإن الله قد أحسن إلينا , ولا تعلمهم شيئًا مما أعلمتك . يقول الله: (ولما دخلوا على يوسف آوى إليه أخاه قال إني أنا أخوك فلا تبتئس بما كانوا يعملون).19505- حدثنا بشر قال: حدثنا يزيد قال: حدثنا سعيد , عن قتادة قوله: (ولما دخلوا على يوسف آوى إليه أخاه) ، ضمه إليه، وأنزله , وهو بنيامين.19506- حدثني المثنى قال: حدثنا إسحاق قال: حدثنا إسماعيل بن عبد الكريم قال: حدثني عبد الصمد بن معقل قال: سمعت وهب بن منبه يقول ، وسئل عن قول يوسف: (ولما دخلوا على يوسف آوى إليه أخاه قال إني أنا أخوك فلا تبتئس بما كانوا يعملون) ، : كيف أصابه حين أخذ بالصُّواع , وقد كان أخبره [أنه] أخوه، (14) وأنتم تزعمون أنه لم يزل متنكرًا لهم يكايدهم حتى رجعوا؟ فقال: إنه لم يعترف له بالنسبة , ولكنه قال: (أنا أخوك) مكانَ أخيك الهالك ، (فلا تبتئس بما كانوا يعملون) ، يقول: لا يحزنك مكانهُ.* * *وقوله: (فلا تبتئس) ، يقول: فلا تستكِنْ ولا تحزن.وهو: " فلا تفتعل " من " البؤس ", يقال منه: " ابتأس يبتئس ابتئاسًا " . (15)* * *وبنحو ما قلنا في ذلك قال أهل التأويل .*ذكر من قال ذلك:19507- حدثنا بشر قال، حدثنا يزيد قال، حدثنا سعيد , عن قتادة: (فلا تبتئس) ، يقول: فلا تحزن ولا تيأس.19508- حدثني المثنى قال، حدثنا إسحاق قال، حدثنا إسماعيل بن عبد الكريم قال، حدثني عبد الصمد قال: سمعت وهب بن منبه يقول: (فلا تبتئس) ، يقول: لا يحزنك مكانه.19509- حدثنا ابن وكيع قال: حدثنا عمرو , عن أسباط , عن السدي: (فلا تبتئس بما كانوا يعملون) ، يقول: لا تحزن على ما كانوا يعملون.* * *قال أبو جعفر: فتأويل الكلام إذًا: فلا تحزن ولا تستكن لشيء سلف من إخوتك إليك في نفسك، وفي أخيك من أمك , وما كانوا يفعلون قبلَ اليوم بك .----------------------الهوامش:(10) انظر تفسير" الإيواء" فيما سلف 15 : 422 ، تعليق : 1 ، والمراجع هناك .(11) كان الكلام في المطبوعة هكذا :" وكل أخوه لأبيه" ، فلم يحسن قراءة المخطوطة ، فجاء بكلام لا معنى له ، وكان فيها :" وكل إيواوه إياه" غير منقوطة ، وهذا صواب قراءته .(12) " المثال" ( بكسر الميم ) ، وجمعه" مثل" ( بضمتين ) ، وهو الفراش ، وفي الحديث أنه دخل على سعد بن أبي وقاص ، وفي البيت متاع رث ومثال رث أي : فراش خلق بال . ويقال : هو النمط الذي يفترش من مفارش الصوف الملونة .(13) في المطبوعة" ودعا ضافته" ، ولا أجد لها وجهًا . وفي المخطوطة كما أثبتها ، ولكنه لا يستقيم إلا بالذي زدته بين القوسين .(14) في المطبوعة والمخطوطة :" كيف أجابه حين أخذ بالصواع ، وقد كان أخبره أخوه" ، ولعل الصواب ما أثبت ، مع هذه الزيادة بين القوسين .(15) انظر تفسير" ابتأس" فيما سلف 15 : 306 ، 307

الصفحة السابقة الصفحة التالية