تفسير سورة الرعد الصفحة 251 من القرآن الكريم

تفسير الصفحة رقم 251 من المصحف


لَهُۥ دَعْوَةُ ٱلْحَقِّ وَٱلَّذِينَ يَدْعُونَ مِن دُونِهِۦ لَا يَسْتَجِيبُونَ لَهُم بِشَىْءٍ إِلَّا كَبَٰسِطِ كَفَّيْهِ إِلَى ٱلْمَآءِ لِيَبْلُغَ فَاهُ وَمَا هُوَ بِبَٰلِغِهِۦ وَمَا دُعَآءُ ٱلْكَٰفِرِينَ إِلَّا فِى ضَلَٰلٍ (14)


قال أبو جعفر: يقول تعالى ذكره: لله من خلقه الدعوة الحق, و " الدعوة " هي" الحق " كما أضيفت الدار إلى الآخرة في قوله: وَلَدَارُ الآخِرَةِ [سورة يوسف: 109]، وقد بينا ذلك فيما مضى. (1)وإنما عنى بالدعوة الحق، توحيد الله وشهادةَ أن لا إله إلا الله .* * *وبنحو الذي قلنا تأوله أهل التأويل .*ذكر من قال ذلك:20280- حدثنا أحمد بن إسحاق قال حدثنا أبو أحمد قال: حدثنا إسرائيل, عن سماك, عن عكرمة, عن ابن عباس: (دعوة الحق) ، قال: لا إله إلا الله .20281- حدثني المثنى قال: حدثنا عبد الله قال: حدثني معاوية, عن علي, عن ابن عباس, قوله: (له دعوة الحق) قال: شهادة أن لا إله إلا الله .20282- ... قال: حدثنا إسحاق قال: حدثنا عبد الله بن هاشم قال: حدثنا سيف, عن أبي روق, عن أبي أيوب, عن علي رضي الله عنه: (له دعوة الحق) قال: التوحيد . (2)20283- حدثنا بشر قال: حدثنا يزيد قال: حدثنا سعيد, عن قتادة, قوله: (له دعوة الحق) قال: لا إله إلا الله .20284- حدثنا القاسم قال: حدثنا الحسين قال: ثني حجاج, عن ابن جريج قال: قال ابن عباس, في قوله: (له دعوة الحق) قال: لا إله إلا الله .20285- حدثني يونس قال: أخبرنا ابن وهب قال: قال ابن زيد, في قوله: (له دعوة الحق) : لا إله إلا الله ليست تنبغي لأحد غيره, لا ينبغي أن يقال: فلان إله بني فلان .* * *وقوله: (والذين يدعون من دونه) يقول تعالى ذكره: والآلهة التي يَدْعونها المشركون أربابًا وآلهة .* * *وقوله (من دونه) يقول: من دون الله.* * *وإنما عنى بقوله: (من دونه) الآلهة أنها مقصِّرة عنه, وأنَّها لا تكون إلهًا, ولا يجوز أن يكون إلهًا إلا الله الواحد القهار، (3) ومنه قول الشاعر: (4)أتُوعِدُنِي وَرَاء بَنِي رِيَاحٍ?كَذَبْتَ لَتَقْصُرَنّ يَدَاكَ دُونِي (5)يعني: لتقصرنَّ يداك عني .* * *وقوله: (لا يستجيبون لهم بشيء ) يقول: لا تجيب هذه الآلهة التي يدعوها هؤلاء المشركون آلهةً بشيء يريدونه من نفع أو دفع ضرٍّ (إلا كباسط كفيه إلى الماء) ، يقول: لا ينفع داعي الآلهة دعاؤه إياها إلا كما ينفع باسط كفيه إلى الماء بسطُه إياهما إليه من غير أن يرفعه إليه في إناء, ولكن ليرتفع إليه بدعائه إياه وإشارته إليه وقبضه عليه .* * *والعرب تضرب لمن سعى فيما لا يدركه مثلا بالقابض على الماء، (6) قال بعضهم: (7)فإنِّي وإيَّاكُمْ وَشَوْقًا إلَيْكُمُكَقَابِضِ مَاءٍ لَمْ تَسِقْهُ أَنَامِلُه (8)يعني بذلك: أنه ليس في يده من ذلك إلا كما في يد القابض على الماء, لأن القابض على الماء لا شيء في يده . وقال آخر: (9)فَأَصْبَحْتُ مِمَّا كانَ بَيْنِي وبَيْنهَامِنَ الوُدِّ مِثْلَ القَابِضِ المَاءَ بِاليَد (10)* * *وبنحو الذي قلنا في ذلك قال أهل التأويل .*ذكر من قال ذلك:20286- حدثني المثنى قال: حدثنا إسحاق قال: حدثنا سيف, عن أبي روق, عن أبي أيوب, عن علي رضي الله عنه, في قوله: (إلا كباسط كفيه إلى الماء ليبلغ فاه وما هو ببالغه) قال: كالرجل العطشان يمد يده إلى البئر ليرتفع الماء إليه وما هو ببالغه . (11)20287- حدثنا الحسن بن محمد قال: حدثنا شبابة قال: حدثنا ورقاء, عن ابن أبي نجيح, عن مجاهد, قوله: (كباسط كفيه إلى الماء) يدعو الماء بلسانه ويشير إليه بيده, ولا يأتيه أبدًا .20288- ... قال: حدثنا حجاج, عن ابن جريج قال: أخبرني الأعرج, عن مجاهد: (ليبلغ فاه) يدعوه ليأتيه وما هو بآتيه, كذلك لا يستجيب من هو دونه .20289- حدثني محمد بن عمرو قال: حدثنا أبو عاصم قال: حدثنا عيسى, عن ابن أبي نجيح, عن مجاهد: (كباسط كفيه إلى الماء) يدعو الماء بلسانه ويشير إليه بيده, فلا يأتيه أبدًا .20290- حدثني المثنى قال: حدثنا أبو حذيفة قال: حدثنا شبل, عن ابن أبي نجيح, عن مجاهد20291- ... قال: وحدثنا إسحاق قال: حدثنا عبد الله قال: حدثنا ورقاء, عن ابن أبي نجيح, عن مجاهد, مثله .20292- حدثنا القاسم قال: حدثنا الحسين قال: حدثني حجاج. عن ابن جريج, عن مجاهد مثل حديث الحسن عن حجاج قال ابن جريج: وقال الأعرج عن مجاهد: (ليبلغ فاه) قال: يدعوه لأن يأتيه وما هو بآتيه, فكذلك لا يستجيب مَنْ دونه .20293- حدثنا بشر قال: حدثنا يزيد قال: حدثنا سعيد, عن قتادة, قوله: (والذين يدعون من دونه لا يستجيبون لهم بشيء إلا كباسط كفيه إلى الماء ليبلغ فاه وما هو ببالغه) وليس ببالغه حتى يتمزَّع عنقه ويهلك عطشًا قال الله تعالى: (وما دعاء الكافرين إلا في ضلال) هذا مثل ضربه الله ; أي هذا الذي يدعو من دون الله هذا الوثنَ وهذا الحجر لا يستجيب له بشيء أبدًا ولا يسُوق إليه خيرًا ولا يدفع عنه سوءًا حتى يأتيه الموت, كمثل هذا الذي بسط ذارعيه إلى الماء ليبلغ فاه ولا يبلغ فاه ولا يصل إليه ذلك حتى يموت عطشًا .* * *وقال آخرون: معنى ذلك: والذين يدعون من دونه لا يستجيبون لهم بشيء إلا كباسط كفيه إلى الماء ليتناول خياله فيه, وما هو ببالغ ذلك .*ذكر من قال ذلك:20294- حدثني المثنى قال: حدثنا عبد الله بن صالح قال: حدثني معاوية, عن علي بن أبي طلحة, عن ابن عباس قوله: (كباسط كفيه إلى الماء ليبلغ فاه) ، فقال: هذا مثل المشرك مع الله غيرَهُ, فمثله كمثل الرَّجل العطشان الذي ينظر إلى خياله في الماء من بعيد, فهو يريد أن يتناوله ولا يقدر عليه .* * *وقال آخرون في ذلك ما:20295- حدثني به محمد بن سعد قال: حدثني أبي قال: حدثني عمي قال: حدثني أبي, عن أبيه, عن ابن عباس, قوله: (والذين يدعون من دونه لا يستجيبون لهم بشيء) إلى: (وما دعاء الكافرين إلا في ضلال) يقول: مثل الأوثان والذين يعبدون من دون الله، (12) كمثل رجل قد بلغه العطش حتى كَرَبه الموت وكفاه في الماء قد وضعهما لا يبلغان فاه, يقول الله: لا تستجيب الآلهة ولا تنفع الذين يعبدونها حتى يبلغ كفّا هذا فاه, وما هما ببالغتين فاه أبدًا .20296- حدثني يونس قال: أخبرنا ابن وهب قال: قال ابن زيد في قوله: (والذين يدعون من دونه لا يستجيبون لهم بشيء إلا كباسط كفيه إلى الماء ليبلغ فاه وما هو ببالغه) قال: لا ينفعونهم بشيء إلا كما ينفع هذا بكفيه, يعني بَسْطَهما إلى ما لا ينالُ أبدًا .* * *وقال آخرون: في ذلك ما:20297- حدثنا به محمد بن عبد الأعلى قال: حدثنا محمد بن ثور, عن معمر, عن قتادة: (إلا كباسط كفيه إلى الماء ليبلغ فاه) وليس الماء ببالغ فاه ما قام باسطًا كفيه لا يقبضهما(وما هو ببالغه وما دعاء الكافرين إلا في ضلال) . قال: هذا مثلٌ ضربه الله لمن اتخذ من دون الله إلهًا أنه غير نافعه, ولا يدفع عنه سوءًا حتى يموت على ذلك .* * *وقوله: (وما دعاء الكافرين إلا في ضلال) يقول: وما دعاء من كفر بالله ما يدعو من الأوثان والآلهة(إلا في ضلال)، يقول: إلا في غير استقامة ولا هدًى, لأنه يشرك بالله .----------------------الهوامش :(1) انظر ما سلف ص : 294 ، 295 .(2) الأثر : 20282 - مضى هذا الإسناد الهالك مرارًا آخرها رقم : 20273 .(3) انظر تفسير" دون" في فهارس اللغة ( دون ) .(4) هو جرير .(5) ديوانه 577 ، والنقائض : 31 ، ومجاز القرآن لأبي عبيدة 1 : 326 والأضداد لابن الأنباري : 58 ، وسيأتي التفسير قريبًا 13 : 130 ( بولاق ) وغيرها كثير ، يهجو فضالة من بني عرين .(6) قالوا في المثل : كالقابض على الماء" ، انظر أمثال الميداني 2 : 80 ، وجمهرة الأمثال : 164 .(7) هو ضابئ بن الحارث البرجمي .(8) من قصيدته التي قالها في السجن ، وكان أعد حديدة يريد أن يغتال بها عثمان بن عفان رضي الله عنه وشعره في خزانة الأدب 4 : 80 ، وفي طبقات فحول الشعراء : 145 ، وتاريخ الطبري 5 : 137 / 7 : 213 ، والبيت في الخزانة ، وفي اللسان ( وسق ) ، ومجاز القرآن لأبي عبيدة 1 : 327 ، وغريب القرآن لابن قتيبة : 226 . وقوله :" لم تسقه" ، من" وسقت الشيء أسقه وسقًا" ، إذا حملته .(9) هو الأحوص بن محمد الأنصاري .(10) الزهرة : 183 ، ومجاز القرآن لأبي عبيدة 1 : 327 ، وقبله :فوَاندَمِي إذْ لم أَعُجْ , إذ تقولُ لِيتقدَّمْ فَشَيِّعنا إلى ضَحْوةِ الغَدِووراية الزهرة :سِوَى ذِكْرها , كالقابضَ الماءَ باليدِ* وهي رواية جيدة جدًا ، خير مما روى أبو عبيدة والطبري .(11) الأثر : 20286 - هذا أيضًا هو الإسناد الهالك الذي مضى برقم : 20282 .(12) في المطبوعة والمخطوطة :" مثل الأثان الذين يعبدون" ، وهو لا يستقيم إلا كما كتبته .

وَلِلَّهِ يَسْجُدُ مَن فِى ٱلسَّمَٰوَٰتِ وَٱلْأَرْضِ طَوْعًا وَكَرْهًا وَظِلَٰلُهُم بِٱلْغُدُوِّ وَٱلْءَاصَالِ (15)


قال أبو جعفر: يقول تعالى ذكره: فإن امتنع هؤلاء الذين يدعون من دون الله الأوثان والأصنام لله شركاء من إفراد الطاعة والإخلاص بالعبادة له فلله يسجد من في السموات من الملائكة الكرام ومن في الأرض من المؤمنين به طوعًا, فأما الكافرون به فإنهم يسجدون له كَرْهًا حين يُكْرَهون على السُّجود . كما:-20298- حدثنا بشر قال: حدثنا يزيد قال: حدثنا سعيد, عن قتادة: (ولله يسجد من في السماوات والأرض طوعًا وكرهًا) ، فأما المؤمن فيسجد طائعًا, وأما الكافر فيسجد كارهًا .20299- حدثني المثنى قال: حدثنا سويد قال: أخبرنا ابن المبارك, عن سفيان قال: كان ربيع بن خُثيم إذا تلا هذه الآية: (ولله يسجد من في السماوات والأرض طوعًا وكرهًا) قال: بلى يا رَبَّاه .20300- حدثني يونس قال: أخبرنا ابن وهب قال: قال ابن زيد, في قوله: (ولله يسجد من في السماوات والأرض طوعًا وكرهًا) قال: من دخل طائعًا، هذا طوعًا(وكرهًا) من لم يدخل إلا بالسَّيف .* * *وقوله: (وظلالهم بالغدوّ والآصال) يقول: ويسجد أيضًا ظلالُ كل من سجد طوعًا وكرهًا بالغُدُوات والعَشَايا. (13) وذلك أن ظلَّ كلٍّ شخص فإنه يفيء بالعشيّ، كما قال جل ثناؤه أَوَلَمْ يَرَوْا إِلَى مَا خَلَقَ اللَّهُ مِنْ شَيْءٍ يَتَفَيَّأُ ظِلالُهُ عَنِ الْيَمِينِ وَالشَّمَائِلِ سُجَّدًا لِلَّهِ وَهُمْ دَاخِرُونَ ، [سورة النحل:48]* * *وبنحو الذي قلنا في ذلك قال جماعة من أهل التأويل .*ذكر من قال ذلك:20301- حدثني محمد بن سعد قال: حدثني أبي قال: حدثني عمي قال: حدثني أبي, عن أبيه, عن ابن عباس, قوله: (وظلالهم بالغدوّ والآصال) ، يعني: حين يفيء ظلُّ أحدهم عن يمينه أو شماله .20302- حدثني المثنى قال: حدثنا إسحاق قال: حدثنا عبد الله بن الزبير, عن سفيان قال في تفسير مجاهد: (ولله يسجد من في السماوات والأرض طوعًا وكرهًا وظلالهم بالغدوّ والآصال) قال: ظل المؤمن يسجد طوعًا وهو طائع, وظلُّ الكافر يسجد طوعًا وهو كاره . (14)20304- حدثني يونس قال: أخبرنا ابن وهب قال: قال ابن زيد في قوله: (وظلالهم بالغدوّ والآصال) قال: ذُكر أن ظلال الأشياء كلها تسجد له, وقرأ: سُجَّدًا لِلَّهِ وَهُمْ دَاخِرُونَ [سورة النحل:48]. قال: تلك الظلال تسجد لله .* * *و " الآصال ": جمع أصُلٍ, و " الأصُل ": جمع " أصيلٍ"، و " الأصيل ": هو العشيُّ, وهو ما بين العصر إلى مغرب الشمس، (15) قال أبو ذؤيب:لَعَمْرِي لأَنْتَ البَيْتُ أُكْرِمَ أَهْلَهُوَأَقْعُدُ فِي أَفْيَائِهِ بِالأصَائِلِ (16)* * *القول في تأويل قوله تعالى : قُلْ مَنْ رَبُّ السَّمَاوَاتِ وَالأَرْضِ قُلِ اللَّهُ قُلْ أَفَاتَّخَذْتُمْ مِنْ دُونِهِ أَوْلِيَاءَ لا يَمْلِكُونَ لأَنْفُسِهِمْ نَفْعًا وَلا ضَرًّاقال أبو جعفر: يقول تعالى ذكره لنبيه محمد صلى الله عليه وسلم: قل يا محمد لهؤلاء المشركين بالله :مَنْ رَبُّ السموات والأرض ومدبِّرها, فإنهم سيقولون الله . وأمر الله نبيّه صلى الله عليه وسلم أن يقول: " الله ", فقال له: قل، يا محمد: ربُّها، الذي خلقها وأنشأها, هو الذي لا تصلح العبادة إلا له, وهو الله . ثم قال: فإذا أجابوك بذلك فقل لهم: أفاتخذتم من دون رب السموات والأرض أولياء لا تملك لأنفسها نفعًا تجلبه إلى نفسها, ولا ضرًّا تدفعه عنها, وهي إذ لم تملك ذلك لأنفسها, فمِنْ مِلْكه لغيرها أبعدُ فعبدتموها, وتركتم عبادة من بيده النفع والضر والحياة والموت وتدبير الأشياء كلها . ثم ضرب لهم جل ثناؤه مثلا فقال: قُلْ هَلْ يَسْتَوِي الأَعْمَى وَالْبَصِيرُ .--------------------------الهوامش :(13) انظر تفسير" الغدو" فيما سلف 13 : 354 .(14) قوله :" يسجد طوعًا وهو كاره" ، يعني أن الظل ، وهو من خلق الله المتعبد له ، يسجد طوعًا ، وصاحب الظل كاره للسجود ، وهو الكافر ، أعاذنا الله وإياك .(15) انظر تفسير" الآصال" فيما سلف 13 : 354 ، 355 .(16) ديوانه : 141 ، ومجاز القرآن لأبي عبيدة 1 : 239 ، 328 ، والإنصاف : 304 ، 305 ، والخزانة 2 : 489 ، 564 ، واللسان ( أصل ) . وللنحاة فيه لجاجة كثيرة .

قُلْ مَن رَّبُّ ٱلسَّمَٰوَٰتِ وَٱلْأَرْضِ قُلِ ٱللَّهُ قُلْ أَفَٱتَّخَذْتُم مِّن دُونِهِۦٓ أَوْلِيَآءَ لَا يَمْلِكُونَ لِأَنفُسِهِمْ نَفْعًا وَلَا ضَرًّا قُلْ هَلْ يَسْتَوِى ٱلْأَعْمَىٰ وَٱلْبَصِيرُ أَمْ هَلْ تَسْتَوِى ٱلظُّلُمَٰتُ وَٱلنُّورُ أَمْ جَعَلُوا۟ لِلَّهِ شُرَكَآءَ خَلَقُوا۟ كَخَلْقِهِۦ فَتَشَٰبَهَ ٱلْخَلْقُ عَلَيْهِمْ قُلِ ٱللَّهُ خَٰلِقُ كُلِّ شَىْءٍ وَهُوَ ٱلْوَٰحِدُ ٱلْقَهَّٰرُ (16)


قال أبو جعفر: يقول تعالى ذكره لنبيه محمد صلى الله عليه وسلم: قل يا محمد لهؤلاء المشركين الذين عَبدُوا من دون الله الذي بيده نفعهم وضرهم ما لا ينفع ولا يضرُّ: (هل يستوي الأعمى) الذي لا يُبصر شيئًا ولا يهتدي لمحجة يسلكها إلا بأن يُهدى و " البصير " الذي يهدي الأعمى لمحجة الطريق الذي لا يُبصر؟ إنهما لا شك لغير مستويين. يقول: فكذلك لا يستوي المؤمن الذي يُبصر الحق فيتبعه ويعرف الهدى فيسلكه، وأنتم أيها المشركون الذين لا تعرفون حقا ولا تبصرون رَشَدًا .* * *وقوله: (أم هل تستوي الظلمات والنور) ، يقول تعالى ذكره: وهل تستوي الظلماتُ التي لا تُرَى فيها المحجة فتُسْلَك ولا يرى فيها السبيل فيُرْكَب والنور الذي تبصر به الأشياء ويجلو ضوءه الظّلام؟ يقول: إن هذين لا شك لغير مستويين, فكذلك الكفر بالله, إنما صاحبه منه في حَيرة يضرب أبدًا في غمرة لا يرجع منه إلى حقيقة, والإيمان بالله صاحبه منه في ضياء يعمل على علم بربه، ومعرفةٍ منه بأن له مثيبًا يثيبه على إحسانه ومعاقبًا يعاقبه على إساءته ورازقًا يرزقه ونافعًا ينفعه .* * *وبنحو الذي قلنا في ذلك قال أهل التأويل .*ذكر من قال ذلك:20305- حدثني المثنى قال: حدثنا أبو حذيفة قال: حدثنا شبل, عن ابن أبي نجيح, عن مجاهد: (قل هل يستوي الأعمى والبصير أم هل تستوي الظلمات والنور) ، أما(الأعمى والبصير) فالكافر والمؤمن وأما(الظلمات والنور) فالهدى والضلالة .* * *وقوله: (أم جعلوا لله شركاء خلقوا كخلقه فتشابه الخلق عليهم) يقول تعالى ذكره لنبيه محمد صلى الله عليه وسلم: قل يا محمد لهؤلاء المشركين: أخَلَق أوثانُكم التي اتخذتموها أولياء من دون الله خلقًا كخلق الله، فاشتبه عليكم أمرُها فيما خَلقت وخَلَق الله فجعلتموها له شركاء من أجل ذلك, أم إنما بكم الجهل والذهابُ عن الصواب؟ فإنه لا يشكل على ذي عقل أنّ عبادة ما لا يضرّ ولا ينفع من الفعل جهلٌ, وأن العبادة إنما تصلح للذي يُرْجَى نفعه وُيخْشَى ضَرَّه, كما أن ذلك غير مشكل خطؤه وجهلُ فاعله, كذلك لا يشكل جهل من أشرك في عبادة من يرزقه ويكفله ويَمُونه، من لا يقدِرُ له على ضررّ ولا نفع .* * *وبنحو الذي قلنا في ذلك قال بعض أهل التأويل .*ذكر من قال ذلك:20306- حدثني المثنى قال: حدثنا أبو حذيفة قال: حدثنا شبل, عن ابن أبي نجيح, عن مجاهد: (أم جعلوا لله شركاء خلقوا كخلقه) حملهم ذلك على أن شكُّوا في الأوثان .20307- حدثني المثنى قال: حدثنا إسحاق قال: حدثنا عبد الله, عن ورقاء, عن ابن أبي نجيح, عن مجاهد مثله .20308- حدثنا القاسم قال: حدثنا الحسين قال: حدثني حجاج, عن ابن جريج, عن مجاهد: (أم جعلوا لله شركاء خلقوا كخلقه فتشابه الخلق عليهم) ، خلقوا كخلقه, فحملهم ذلك على أن شكُّوا في الأوثان .20309- حدثنا الحسن بن محمد قال: حدثنا شبابة قال: حدثنا ورقاء, عن ابن أبي نجيح, عن مجاهد, مثله .20310- ... قال: حدثنا حجاج, عن ابن جريج قال: قال ابن كثير: سمعت مجاهدًا يقول: (أم جعلوا لله شركاء خلقوا كخلقه فتشابه الخلق عليهم) ضُرِبت مثلا .* * *وقوله: (قل الله خالق كل شيء) ، يقول تعالى ذكره لنبيه محمد صلى الله عليه وسلم: قل لهؤلاء المشركين إذا أقرُّوا لك أن أوثانهم التي أشركوها في عبادة الله لا تخلق شيئًا, فاللهُ خالقكم وخالق أوثانكم وخالق كل شيء, (17) فما وجه إشراككم ما لا يخلق ولا يضرّ؟* * *وقوله: (وهو الواحد القهار) ، يقول: وهو الفرد الذي لا ثاني له (18) (القهار) ، الذي يستحق الألوهة والعبادة, لا الأصنام والأوثان التي لا تضر ولا تنفع . (19)----------------------الهوامش :(17) في المطبوعة والمخطوطة :" وخلق كل شيء" ، والذي أثبت أجود .(18) انظر تفسير" الواحد" فيما سلف 3 : 265 ، 266 / 16 : 104 .(19) انظر تفسير" القهار" فيما سلف ص : 104 ، تعليق : 2 ، والمراجع هناك .

أَنزَلَ مِنَ ٱلسَّمَآءِ مَآءً فَسَالَتْ أَوْدِيَةٌۢ بِقَدَرِهَا فَٱحْتَمَلَ ٱلسَّيْلُ زَبَدًا رَّابِيًا وَمِمَّا يُوقِدُونَ عَلَيْهِ فِى ٱلنَّارِ ٱبْتِغَآءَ حِلْيَةٍ أَوْ مَتَٰعٍ زَبَدٌ مِّثْلُهُۥ كَذَٰلِكَ يَضْرِبُ ٱللَّهُ ٱلْحَقَّ وَٱلْبَٰطِلَ فَأَمَّا ٱلزَّبَدُ فَيَذْهَبُ جُفَآءً وَأَمَّا مَا يَنفَعُ ٱلنَّاسَ فَيَمْكُثُ فِى ٱلْأَرْضِ كَذَٰلِكَ يَضْرِبُ ٱللَّهُ ٱلْأَمْثَالَ (17)


قال أبو جعفر: وهذا مثل ضربه الله للحق والباطل، والإيمان به والكفر.يقول تعالى ذكره: مثل الحق في ثباته والباطل في اضمحلاله، مثل ماء أنزله الله من السماء إلى الأرض(فسالت أوديةٌ بقدرها) ، يقول: فاحتملته الأودية بملئها، الكبير بكبره، والصغير بصغره(فاحتمل السيل زبدًا رابيًا) ، يقول: فاحتمل السيل الذي حدث عن ذلك الماء الذي أنزله الله من السماء، زبدًا عاليًا فوق السيل .فهذا أحدُ مثلي الحقّ والباطل, فالحق هو الماءُ الباقي الذي أنزله الله من السماء, والزبد الذي لا ينتفع به هو الباطل .والمثل الآخر: (ومما يوقدون عليه في النار ابتغاء حلية) يقول جل ثناؤه: ومثلٌ آخر للحقّ والباطل, مثل فضة أو ذهب يوقد عليها الناس في النار طلب حلية يتخذونها أو متاع, وذلك من النحاس والرصاص والحديد, يوقد عليه ليتخذ منه متاع ينتفع به، (زبد مثله) ، يقول تعالى ذكره: ومما يوقدون عليه من هذه الأشياء زبد مثله, يعني: مثل زبد السَّيل لا ينتفع به ويذهب باطلا كما لا ينتفع بزبد السَّيل ويذهب باطلا .* * *ورفع " الزبد " بقوله: (ومما يوقدون عليه في النار) .* * *ومعنى الكلام: ومما يوقدون عليه في النار زبدٌ مثلُ زبد السيل في بطول زبده, وبقاء خالص الذهب والفضة .يقول الله تعالى: (كذلك يضرب الله الحق والباطل) ، يقول: كما مثَّل الله مثلَ الإيمان والكفر، (20) في بُطُول الكفر وخيبة صاحبه عند مجازاة الله، بالباقي النافع من ماء السيل وخالص الذهب والفضة, كذلك يمثل الله الحق والباطل (فأما الزبد فيذهب جُفَاء) يقول: فأما الزبد الذي علا السيل والذهب والفضة والنحاس والرصاص عند الوقود عليها, فيذهب بدفع الرياح وقذف الماء به، وتعلُّقه بالأشجار وجوانب الوادي(وأما ما ينفع الناس) من الماء والذهب والفضة والرصاص والنحاس, فالماء يمكثُ في الأرض فتشربه, والذهب والفضة تمكث للناس(كذلك يضرب الله الأمثال) يقول: كما مثَّل هذا المثل للإيمان والكفر, كذلك يمثل الأمثال .* * *وبنحو الذي قلنا في ذلك قال أهل التأويل .*ذكر من قال ذلك:20311- حدثني المثنى قال: حدثنا عبد الله بن صالح قال: حدثني معاوية, عن علي, عن ابن عباس قوله: (أنزل من السماء ماء فسالت أودية بقدرها) فهذا مثل ضربه الله، احتملت منه القلوب على قدر يقينها وشكّها, فأما الشك فلا ينفع معه العمل, وأما اليقين فينفع الله به أهله, وهو قوله: (فأما الزبد فيذهب جفاء) ، وهو الشك(وأما ما ينفع الناس فيمكث في الأرض)، وهو اليقين, كما يُجْعل الحَلْيُ في النار فيؤخذ خالصُه ويترك خَبَثُه في النار, فكذلك يقبل الله اليقين ويترك الشك .20312- حدثني محمد بن سعد قال: حدثني أبي قال: حدثني عمي قال: حدثني أبي, عن أبيه, عن ابن عباس قوله: (أنزل من السماء ماء فسالت أودية بقدرها فاحتمل السيل زبدًا رابيًا) ، يقول: احتمل السيل ما في الوادي من عود ودِمْنة، (ومما يوقدون عليه في النار) فهو الذهب والفضة والحلية والمتاع والنحاس والحديد, وللنحاس والحديد خَبَث, فجعل الله مثل خبثه كزبد الماء . فأما ما ينفع الناس فالذهب والفضة, وأما ما ينفع الأرض فما شربت من الماء فأنبتت . فجعل ذلك مثل العمل الصالح يبقى لأهله, والعمل السيءُ يضمحل عن أهله, كما يذهب هذا الزبد, فكذلك الهدى والحق جاء من عند الله, فمن عمل بالحق كان له، وبقي كما يبقى ما ينفع الناس في الأرض. وكذلك الحديد لا يستطاع أن تجعل منه سكين ولا سيف حتى يدخل في النّار فتأكل خبَثَه, فيخرج جيّده فينتفع به.فكذلك يضمحل الباطل إذا كان يوم القيامة، وأقيم الناس, وعرضت الأعمال, فيزيغ الباطل ويهلك, وينتفع أهل الحق بالحق, ثم قال: (ومما يوقدون عليه في النار ابتغاء حِلْية أو متاع زبدٌ مثله).20313- حدثني يعقوب قال: حدثنا ابن علية, عن أبي رجاء, عن الحسن, في قوله: (أنزل من السماء ماء فسالت أودية) إلى: (أو متاع زبد مثله) ، فقال: ابتغاء حلية الذهب والفضة, أو متاع الصُّفْر والحديد . قال: كما أوقد على الذهب والفضة والصُّفْر والحديد فخلص خالصه. قال: (كذلك يضرب الله الحق والباطل فأما الزبد فيذهب جفاءً وأمّا ما ينفع الناس فيمكث في الأرض) ، كذلك بقاء الحق لأهله فانتفعوا به .20314- حدثنا الحسن بن محمد الزعفراني قال: حدثنا حجاج بن محمد قال: قال ابن جريج: أخبرني عبد الله بن كثير أنه سمع مجاهدًا يقول: (أنزل من السماء ماء فسالت أودية بقدرها) ، قال: ما أطاقت ملأها(فاحتمل السيل زبدًا رابيًا) قال: انقضى الكلام, ثم استقبل فقال: (ومما يوقدون عليه في النار ابتغاء حلية أو متاع زبد مثله) قال: المتاع: الحديد والنحاس والرصاص وأشباهه(زبد مثله) قال: خَبَثُ ذلك مثل زَبَد السيل . قال: (وأما ما ينفع الناس فيمكث في الأرض)، وأما الزبد فيذهب جفاء، قال: فذلك مثل الحق والباطل .20315- حدثنا القاسم قال: حدثنا الحسين قال: حدثني حجاج, عن ابن جريج, عن عبد الله بن كثير, عن مجاهد: أنه سمعه يقول: فذكر نحوه وزاد فيه، قال: قال ابن جريج: قال مجاهد قوله: (فأما الزبد فيذهب جفاء) قال: جمودًا في الأرض,(وأما ما ينفع الناس فيمكث في الأرض) ، يعني الماء. وهما مثلان: مثل الحق والباطل .20316- حدثنا الحسن قال: حدثنا شبابة قال: حدثنا ورقاء, عن ابن أبي نجيح, عن مجاهد قوله: (زبدًا رابيًا) السيل مثل خَبَث الحديد والحلية(فيذهب جفاء) جمودًا في الأرض (ومما يوقدون عليه في النار ابتغاء حلية أو متاع زبد مثله) ، الحديد والنحاس والرصاص وأشباهه . وقوله: (وأما ما ينفع الناس فيمكث في الأرض) ، إنما هما مثلان للحق والباطل .20317- حدثني المثنى قال: حدثنا أبو حذيفة قال: حدثنا شبل, عن ابن أبي نجيح, عن مجاهد20318- ... قال، وحدثنا إسحاق قال: حدثنا عبد الله, عن ورقاء, عن ابن أبي نجيح, عن مجاهد يزيد أحدهما على صاحبه في قوله: ( فسالت أودية بقدرها) قال: بملئها(فاحتمل السيل زبدًا رابيًا) ، قال: الزبد: السيل(ابتغاء حلية أو متاع زبد مثله) ، قال: خبث الحديد والحلية(فأما الزبد فيذهب جفاء) قال: جمودًا في الأرض(وأما ما ينفع الناس فيمكث في الأرض) قال: الماء وهما مثلان للحق والباطل .20319- حدثنا بشر قال: حدثنا يزيد قال: حدثنا سعيد, عن قتادة قوله: (أنزل من السماء ماء فسالت أودية بقدرها) ، الصغير بصغره، والكبير بكبره(فاحتمل السيل زبدًا رابيًا) أي عاليًا(ومما يوقدون عليه في النار ابتغاء حلية أو متاع زبد مثله كذلك يضرب الله الحق والباطل فأما الزبد فيذهب جفاء) و " الجفاء ": ما يتعلق بالشجر(وأما ما ينفع الناس فيمكث في الأرض) . هذه ثلاثة أمثال ضربَها الله في مثلٍ واحد. يقول: كما اضمحلّ هذا الزبد فصار جُفاءً لا ينتفع به ولا تُرْجى بركته, كذلك يضمحلّ الباطل عن أهله كما اضمحل هذا الزبد, وكما مكث هذا الماء في الأرض, فأمرعت هذه الأرض وأخرجت نباتها, كذلك يبقى الحق لأهله كما بقي هذا الماء في الأرض, فأخرج الله به ما أخرج من النبات قوله: (ومما يوقدون عليه في النار) الآية, كما يبقى خالص الذهب والفضة حين أدخل النار وذهب خَبَثه, كذلك يبقى الحق لأهله قوله: (أو متاع زبد مثله) ، يقول: هذا الحديد والصُّفْر الذي ينتفع به فيه منافع. يقول: كما يبقى خالص هذا الحديد وهذا الصُّفر حين أدخل النار وذهب خَبَثه, كذلك يبقى الحق لأهله كما بقي خالصهما .20320- حدثنا محمد بن عبد الأعلى قال: حدثنا محمد بن ثور, عن معمر, عن قتادة: (فسالت أودية بقدرها) ، الكبير بقدره، والصغير بقدره(زبدًا رابيًا) قال: ربا فوق الماء الزبد" ومما يوقدون عليه في النار " قال: هو الذهب إذا أدخل النار بقي صَفْوه ونُفِيَ ما كان من كَدَره. وهذا مثل ضربه الله . للحق والباطل(فأما الزبد فيذهب جفاء) ، يتعلق بالشجر فلا يكون شيئًا. هذا مثل الباطل(وأما ما ينفع الناس فيمكث في الأرض) ، وهذا يخرج النبات. وهو مثل الحق(أو متاع زبد مثله) قال: " المتاع "، الصُّفْر والحديد .20321- حدثنا الحسن بن محمد قال: حدثنا هوذة بن خليفة قال: حدثنا عوف قال: بلغني في قوله: (أنزل من السماء ماء فسالت أودية بقدرها) قال: إنما هو مثل ضربه الله للحق والباطل(فسالت أودية بقدرها) الصغير على قدره, والكبير على قدره, وما بينهما على قدره (فاحتمل السيل زبدًا رابيًا) يقول: عظيمًا, وحيث استقرَّ الماءُ يذهب الزبد جفاءً فتطير به الريح فلا يكون شيئًا, ويبقى صريح الماء الذي ينفع الناس، منه شرابهم ونباتهم ومنفعتهم(أو متاع زبد مثله) ، ومثل الزبد كلّ شيء يوقد عليه في النار الذهب والفضة والنحاس والحديد, فيذهب خَبَثُه ويبقى ما ينفع في أيديهم, والخبث والزَّبد مثل الباطل, والذي ينفع الناس مما تحصَّل في أيديهم مما ينفعهم المال الذي في أيديهم .20322- حدثني يونس قال: أخبرنا ابن وهب قال: قال ابن زيد في قوله: " ومما يوقدون عليه في النار ابتغاء حلية أو متاع زبد مثله " قال: هذا مثل ضربه الله للحق والباطل . فقرأ: (أنزل من السماء ماء فسالت أودية بقدرها فاحتمل السيل زبدًا رابيًا) هذا الزبد لا ينفع(أو متاع زبد مثله) ، هذا لا ينفع أيضًا قال: وبقي الماءُ في الأرض فنفع الناس, وبقي الحَلْيُ الذي صلح من هذا, فانتفع الناس به(فأما الزبد فيذهب جفاء وأما ما ينفع الناس فيمكث في الأرض كذلك يضرب الله الأمثال) ، وقال: هذا مثل ضربه الله للحق والباطل .20323- حدثنا القاسم قال: حدثنا الحسين قال: حدثني حجاج, عن ابن جريج قال: قال ابن عباس: (أودية بقدرها) قال: الصغير بصغره, والكبير بكبره .20324- حدثنا أحمد بن إسحاق قال: حدثنا أبو أحمد قال: حدثنا طلحة بن عمرو, عن عطاء: ضرب الله مثلا للحق والباطل, فضرب مثل الحق كمثل السيل الذي يمكث في الأرض, وضرب مثل الباطل كمثل الزبد الذي لا ينفع الناس .* * *وعنى بقوله: (رابيًا) ، عاليًا منتفخًا, من قولهم: رَبَا الشيء يَرْبُو رُبُوًا فهو رابٍ, ومنه قيل للنَّشْز من الأرض كهيئة الأكمة: " رابية " ، ومنه قول الله تعالى: اهْتَزَّتْ وَرَبَتْ . [سورة الحج5/سورة فصلت39]. (21)* * *وقيل للنحاس والرصاص والحديد في هذا الموضع " المتاع "، لأنه يستمتع به, وكل ما يتمتع به الناس فهو " متاع " ، (22)كما قال الشاعر: (23)تَمَتَّعْ يا مُشَعَّثُ إنَّ شَيْئًاسَبَقْتَ بِهِ المَمَاتَ هُوَ المَتَاعُ (24)* * *وأما الجفاء فإني:20325- حدثت عن أبي عبيدة معمر بن المثنى، قال أبو عمرو بن العلاء: يقال: قد أجفأت القِدْرُ, وذلك إذا غلت فانصبَّ زَبدها, أو سَكنَت فلا يبقى منه شيءٌ . (25)* * *وقد زعم بعض أهل العربية من أهل البصرة، أن معنى قوله: (فيذهب جفاء) تنشِفهُ الأرض, وقال: يقال: جفا الوادي وأجفى في معنى نشف," وانجفى الوادي" (26)، إذا جاء بذلك الغثاء," وغَثَى الوادي فهو يَغْثَى غَثْيًا وغَثَيَانًا " (27) وذكر عن العرب أنها تقول: " جفأتُ القدر أجفؤها "، إذا أخرجتَ جُفَاءها, وهو الزبد الذي يعلوها و " أجفأتها إجفاء " لغة . قال: وقالوا: " جفأت الرجل جَفْأً": صرعته .وقيل: (فيذهب جفاء) بمعنى " جفأ ", لأنه مصدر من قول القائل: " جفأ الوادي غُثاءه, فخرج مخرج الاسم، وهو مصدر, كذلك تفعل العرب في مصدر كلّ ما كان من فعل شيء اجتمع بعضُه إلى بعض ك" القُمَاش والدُّقاق والحُطام والغُثَاء ", تخرجه على مذهب الاسم, كما فعلت ذلك في قولهم: " أعطيتُه عَطاء ", بمعنى الإعطاء, ولو أريد من " القماش " ، المصدر على الصحة لقيل: " قد قمشه قَمْشًا " .--------------------------الهوامش :(20) في المطبوعة :" كما مثل الله الإيمان .." ، حذف ما أثبته من المخطوطة .(21) انظر تفسير" ربا" فيما سلف 6 : 7 .(22) انظر تفسير" المتاع" فيما سلف 15 : 146 ، تعليق : 4 ، والمراجع هناك .(23) هو المشعث العامري ، وبهذا البيت سمي" مشعثًا" .(24) الأصمعيات رقم : 48 ، ومعجم الشعراء : 475 ، ومجاز القرآن لأبي عبيدة 1 : 328 ، واللسان ( متع ) ، وهي أبيات جياد ، يقول بعد البيت :بإصْر يَتَّرِكْنِي الحيُّ يومًارَهينةَ دَارِهمْ , وَهُمُ سِرَاعُوجاءَتْ جَيْأَلٌ وَأبُو بَنِيهَاأَحَمُّ المَأْقِيَيْنِ بِهِ خُمَاعُفظَلاَّ ينْبِشانِ التُّرْبَ عنِّيوما أنَا وَيْبَ غيْرِك والسِّباعُيقول : ليأتيني الأجل ، فيتركني أهلي دفينًا في ديارهم ، ثم يسرعون الرحيل . ثم تأتي" جيأل" ، وهي أنثى الضباع ، ويأتي ذكرها ، أسود مأق العين ، يخمع ويعرج ، فينبشان الترب عني ، ولا دفع عندي لما يفعلان .(25) هذا نص كلام أبي عبيدة في مجاز القرآن 1 : 329 .(26) هذا نص لا شبيه له في كتب اللغة في مادة ( جفا ) ، ولا في مادة ( جفأ ) ، وبين أنه أراد" جفا وأجفى" المعتل الآخر ، لا المهموز ، ولا أدري من قاله .(27) هذا أيضًا لا أدري من قاله قبل زمان أبي جعفر ، إلا أن صاحب اللسان ذكر مثله عن ابن جني ، والمعروف عند أهل اللغة :" غثا الوادي يغثو" .

لِلَّذِينَ ٱسْتَجَابُوا۟ لِرَبِّهِمُ ٱلْحُسْنَىٰ وَٱلَّذِينَ لَمْ يَسْتَجِيبُوا۟ لَهُۥ لَوْ أَنَّ لَهُم مَّا فِى ٱلْأَرْضِ جَمِيعًا وَمِثْلَهُۥ مَعَهُۥ لَٱفْتَدَوْا۟ بِهِۦٓ أُو۟لَٰٓئِكَ لَهُمْ سُوٓءُ ٱلْحِسَابِ وَمَأْوَىٰهُمْ جَهَنَّمُ وَبِئْسَ ٱلْمِهَادُ (18)


قال أبو جعفر: يقول تعالى ذكره: أما الذين استجابوا لله فآمنوا به حين دعاهم إلى الإيمان به، وأطاعوه فاتبعوا رسوله وصدّقوه فيما جاءهم به من عند الله, (28) فإن لهم الحسنى, وهي الجنة، (29) كذلك:-20326- حدثنا بشر قال: حدثنا يزيد قال: حدثنا سعيد, عن قتادة, قوله: (للذين استجابوا لربهم الحسنى) وهي الجنة .* * *وقوله: (والذين لم يستجيبوا له لو أنّ لهم ما في الأرض جميعًا ومثله معه لافتدوا به) ، يقول تعالى ذكره: وأما الذين لم يستجيبوا لله حين دعاهم إلى توحيده والإقرار بربوبيته، (30) ولم يطيعوه فيما أمرهم به, ولم يتبعوا رسوله فيصدقوه فيما جاءهم به من عند ربهم, فلو أن لهم ما في الأرض جميعًا من شيء ومثله معه ملكًا لهم، ثم قُبِل مثل ذلك منهم، وقبل منهم بدلا من العذاب الذي أعدّه الله لهم في نار جهنم وعوضًا، (31) لافتدوا به أنفسهم منه, يقول الله: (أولئك لهم سوء الحساب) ، يقول: هؤلاء الذين لم يستجيبوا لله لهم سوء الحساب، يقول: لهم عند الله أن يأخذهم بذنوبهم كلها, فلا يغفر لهم منها شيئا, ولكن يعذبهم على جميعها . كما:-20327- حدثنا الحسن بن عرفة قال: حدثنا يونس بن محمد قال: حدثنا عون, عن فرقد السبخي قال: قال لنا شهر بن حوشب: (سوء الحساب) أن لا يتجاوز لهم عن شيء . (32)20328- حدثني يعقوب قال: حدثنا ابن علية قال: حدثني الحجاج بن أبي عثمان قال: حدثني فرقد السبخي قال: قال إبراهيم النخعي: يا فرقد أتدري ما " سوء الحساب "؟ قلت: لا ! قال: هو أن يحاسب الرّجل بذنبه كله لا يغفر له منه شيء . (33)* * *وقوله: (ومأواهم جهنم) يقول: ومسكنهم الذي يسكنونه يوم القيامة جهنم (34) (وبئس المهاد) ، يقول: وبئس الفراش والوطاءُ جهنمُ التي هي مأواهم يوم القيامة . (35)------------------------الهوامش:(28) انظر تفسير" الاستجابة" فيما سلف 13 : 465 ، تعليق : 4 ، والمراجع هناك .(29) انظر تفسير" الحسنى" فيما سلف 9 : 96 / 14 : 291 .(30) في المطبوعة :" لم يستجيبوا له" ، وأثبت ما في المخطوطة .(31) كانت هذه العبارة في المطبوعة هكذا :" ثم مثل ذلك ، وقبل ذلك منهم بدلا من العذاب" ، وكان في المخطوطة هكذا :" ثم قبل مثل ذلك ، وقبل ذلك منهم بدلا من العذاب" . وهما عبارتان مختلفتان هالكتان ، والصواب الذي رجحته هو ما أثبت .(32) الأثر : 20327 -" الحسن بن عرفة العبدي البغدادي" ، شيخ الطبري ، ثقة مضى برقم : 9373 ، 12851 ، 15766 .و" يونس بن محمد بن مسلم البغدادي" ، ثقة ، روى له الجماعة ، مضى برقم : 5090 ، 12549و" عون" ، كأنه يعني :" عون بن سلام القرشي الكوفي" ، ثقة مترجم في التهذيب .وأما" فرقد السبخي" ، فهو" فرقد بن يعقوب السبخي" ،" أبو يعقوب" ، كان ضعيفًا منكر الحديث ، لأنه لم يكن صاحب حديث ، وليس بثقة مترجم في التهذيب ، والكبير 4 / 1 / 131 ، وابن أبي حاتم 3 / 2 / 81 ، وميزان الاعتدال 2 : 327 .(33) الأثر : 20328 -" فرقد السبخي" ، ليس بثقة ، مضى برقم : 20327 ، وسيأتي هذا الخبر بإسناد آخر رقم : 20334 .(34) انظر تفسير" المأوى" فيما سلف 15 : 26 ، تعليق : 1 ، والمراجع هناك .(35) انظر تفسير" المهاد" فيما سلف 12 : 435 ، تعليق : 1 ، والمراجع هناك .

الصفحة السابقة الصفحة التالية