تفسير سورة النحل الصفحة 280 من القرآن الكريم

تفسير الصفحة رقم 280 من المصحف


يَوْمَ تَأْتِى كُلُّ نَفْسٍ تُجَٰدِلُ عَن نَّفْسِهَا وَتُوَفَّىٰ كُلُّ نَفْسٍ مَّا عَمِلَتْ وَهُمْ لَا يُظْلَمُونَ (111)


يقول تعالى ذكره: إن ربك من بعدها لغفور رحيم ( يَوْمَ تَأْتِي كُلُّ نَفْسٍ ) تخاصم عن نفسها، وتحتجّ عنها بما أسلفت في الدنيا من خير أو شرّ أو إيمان أو كفر ، ( وَتُوَفَّى كُلُّ نَفْسٍ مَا عَمِلَتْ ) في الدنيا من طاعة ومعصية ( وَهُمْ لا يُظْلَمُونَ ) : يقول: وهم لا يفعل بهم إلا ما يستحقونه ويستوجبونه بما قدّموه من خير أو شرّ، فلا يجزى المحسن إلا بالإحسان ولا المسيء إلا بالذي أسلف من الإساءة، لا يعاقب محسن ولا يبخس جزاء إحسانه، ولا يثاب مسيء إلا ثواب عمله.واختلف أهل العربية في السبب الذي من أجله قيل تجادل ، فأنَّث الكلّ، فقال بعض نحويِّي البصرة: قيل ذلك لأن معنى كلّ نفس: كلّ إنسان، وأنث لأن النفس تذكر وتؤنث، يقال: ما جاءني نفس واحد وواحدة. وكان بعض أهل العربية يرى هذا القول من قائله غلطا ويقول: كلّ إذا أضيفت إلى نكرة واحدة خرج الفعل على قدر النكرة ، كلّ امرأة قائمة، وكل رجل قائم، وكل امرأتين قائمتان ، وكل رجلين قائمان، وكل نساء قائمات، وكل رجال قائمون، فيخرج على عدد النكرة وتأنيثها وتذكيرها، ولا حاجة به إلى تأنيث النفس وتذكيرها.

وَضَرَبَ ٱللَّهُ مَثَلًا قَرْيَةً كَانَتْ ءَامِنَةً مُّطْمَئِنَّةً يَأْتِيهَا رِزْقُهَا رَغَدًا مِّن كُلِّ مَكَانٍ فَكَفَرَتْ بِأَنْعُمِ ٱللَّهِ فَأَذَٰقَهَا ٱللَّهُ لِبَاسَ ٱلْجُوعِ وَٱلْخَوْفِ بِمَا كَانُوا۟ يَصْنَعُونَ (112)


يقول الله تعالى ذكره: ومثل الله مثلا لمكة التي سكنها أهل الشرك بالله هي القرية التي كانت آمنة مطمئنة ، وكان أمنها أن العرب كانت تتعادى ، ويقتل بعضها بعضا ، ويَسْبي بعضها بعضا، وأهل مكة لا يغار عليهم ، ولا يحارَبون في بلدهم، فذلك كان أمنها. وقوله ( مُطْمَئِنَّةً) يعني: قارّة بأهلها، لا يحتاج أهلها إلى النَّجْع ، كما كان سكان البوادي يحتاجون إليها( يَأْتِيهَا رِزْقُهَا رَغَدًا ) يقول: يأتي أهلها معايشهم واسعة كثيرة. وقوله ( مِنْ كُلِّ مَكَانٍ ) يعني: من كلّ فجّ من فِجاج هذه القرية ، ومن كلّ ناحية فيها.وبنحو الذي قلنا في أن القرية التي ذُكِرت في هذا الموضع أريد بها مكة ، قال أهل التأويل.* ذكر من قال ذلك:حدثني محمد بن سعد، قال: ثني أبي، قال: ثني عمي، قال: ثني أبي، عن أبيه، عن ابن عباس، قوله ( وَضَرَبَ اللَّهُ مَثَلا قَرْيَةً كَانَتْ آمِنَةً مُطْمَئِنَّةً يَأْتِيهَا رِزْقُهَا رَغَدًا مِنْ كُلِّ مَكَانٍ ) يعني: مكة.حدثني محمد بن عمرو، قال: ثنا أبو عاصم، قال: ثنا عيسى وحدثني الحارث، قال: ثنا الحسن، قال: ثنا ورقاء جميعا عن ابن أبي نجيح، عن مجاهد ( قَرْيَةً كَانَتْ آمِنَةً مُطْمَئِنَّةً ) قال: مكة.حدثنا القاسم، قال: ثنا الحسين، قال: ثني حجاج، عن ابن جريج، عن مجاهد. مثله.حدثنا بشر، قال: ثنا يزيد، قال: ثنا سعيد، عن قتادة، قوله ( وَضَرَبَ اللَّهُ مَثَلا قَرْيَةً كَانَتْ آمِنَةً مُطْمَئِنَّةً ) قال: ذّكر لنا أنها مكة.حدثنا ابن عبد الأعلى، قال: ثنا ابن ثور، عن مَعْمر، عن قتادة ( قَرْيَةً كَانَتْ آمِنَةً ) قال: هي مكة.حدثني يونس، قال: أخبرنا ابن وهب، قال: قال ابن زيد، في قوله ( وَضَرَبَ اللَّهُ مَثَلا قَرْيَةً كَانَتْ آمِنَةً مُطْمَئِنَّةً ) ... إلى آخر الآية. قال: هذه مكة.وقال آخرون: بل القرية التي ذكر الله في هذا الموضع مدينة الرسول صلى الله عليه وسلم.* ذكر من قال ذلك:حدثني ابن عبد الرحيم البرقيّ، قال: ثنا ابن أبي مريم، قال: أخبرنا نافع بن يزيد، قال: ثني عبد الرحمن بن شريح، أن عبد الكريم بن الحارث الحضرميّ، حدث أنه سمع مِشْرَح بن عاهانَ، يقول: سمعت سليم بن نمير يقول: صدرنا من الحجّ مع حفصة زوج النبيّ صلى الله عليه وسلم ، وعثمان محصور بالمدينة ، فكانت تسأل عنه ما فعل، حتى رأت راكبين، فأرسلت إليهما تسألهما، فقالا قُتِل فقالت حفصة: والذي نفسي بيده إنها القرية، تعني المدينة التي قال الله تعالى ( وَضَرَبَ اللَّهُ مَثَلا قَرْيَةً كَانَتْ آمِنَةً مُطْمَئِنَّةً يَأْتِيهَا رِزْقُهَا رَغَدًا مِنْ كُلِّ مَكَانٍ فَكَفَرَتْ بِأَنْعُمِ اللَّهِ ) قرأها ، قال أبو شريح: وأخبرني عبد الله بن المغيرة عمن حدثه، أنه كان يقول: إنها المدينة ، وقوله: ( فَكَفَرَتْ بِأَنْعُمِ اللَّهِ ) يقول: فكفر أهل هذه القرية بأنعم الله التي أنعم عليها.واختلف أهل العربية في واحد الأنعم ، فقال بعض نحويِّي البصرة: جمع النعمة على أنعم، كما قال الله حَتَّى إِذَا بَلَغَ أَشُدَّهُ فزعم أنه جمع الشِّدّة. وقال آخر منهم الواحد نُعْم، وقال: يقال: أيام طُعْم ونعم: أي نعيم، قال: فيجوز أن يكون معناها: فكفرت بنعيم الله لها. واستشهد على ذلك بقول الشاعر:وعندي قُرُوضُ الخَيرِ والشَّرّ كلِّهفبُؤْسٌ لِذي بُؤْسٍ ونُعْمٍ بأنْعُمِ (1)وكان بعض أهل الكوفة يقول: أنعم: جمع نعماء، مثل بأساء وأبؤس، وضرّاء وأضرّ ؛ فأما الأشدّ فإنه زعم أنه جمع شَدّ.وقوله ( فَأَذَاقَهَا اللَّهُ لِبَاسَ الْجُوعِ وَالْخَوْفِ ) يقول تعالى ذكره: فأذاق الله أهل هذه القرية لباس الجوع ، وذلك جوع خالط أذاه أجسامهم، فجعل الله تعالى ذكره ذلك لمخالطته أجسامهم بمنزلة اللباس لها. وذلك أنهم سلط عليهم الجوع سنين متوالية بدعاء رسول الله صلى الله عليه وسلم، حتى أكلوا العلهز والجِيَف. قال أبو جعفر: والعلهز: الوبر يعجن بالدم والقُراد يأكلونه ؛ وأما الخوف فإن ذلك كان خوفهم من سرايا رسول الله صلى الله عليه وسلم التي كانت تطيف بهم. وقوله ( بِمَا كَانُوا يَصْنَعُونَ ) يقول: بما كانوا يصنعون من الكفر بأنعم الله، ويجحدون آياته، ويكذّبون رسوله ، وقال: بما كانوا يصنعون ، وقد جرى الكلام من ابتداء الآية إلى هذا الموضع على وجه الخبر عن القرية، لأن الخبر وإن كان جرى في الكلام عن القرية ، استغناء بذكرها عن ذكر أهلها لمعرفة السامعين بالمراد منها، فإن المراد أهلها فلذلك قيل ( بِمَا كَانُوا يَصْنَعُونَ ) فردّ الخبر إلى أهل القرية، وذلك نظير قوله فَجَاءَهَا بَأْسُنَا بَيَاتًا أَوْ هُمْ قَائِلُونَ ولم يقل قائلة، وقد قال قبله فَجَاءَهَا بَأْسُنَا ، لأنه رجع بالخبر إلى الإخبار عن أهل القرية ، ونظائر ذلك في القرآن كثيرة.------------------------الهوامش:(1) في مجاز القرآن لأبي عبيدة ( 1 : 369 ) عند الآية: واحدها "نعم" بضم النون وسكون العين، ومعناه: نعمة، وهما واحد. قالوا: نادى منادي النبي صلى الله عليه وسلم بمنى "إنها أيام طعم ونعم، فلا تصوموا". وفي "اللسان: نعم" وجمع النعمة: نعم، وأنعم. كشدة وأشد حكاه سيبويه. وقال النابغة:فَلَنْ أذْكُر النُّعْمَانَ إلاَّ بِصَالِحٍفإنَّ لَهُ عِنْدِي يُدِيًّا وأنْعُماوالنعم: خلاف البؤس، ويقال: يوم نعم، ويوم بؤس. والجمع: أنعم، وأبؤس.

وَلَقَدْ جَآءَهُمْ رَسُولٌ مِّنْهُمْ فَكَذَّبُوهُ فَأَخَذَهُمُ ٱلْعَذَابُ وَهُمْ ظَٰلِمُونَ (113)


يقول تعالى ذكره: ولقد جاء أهل هذه القرية التي وصف الله صفتها في هذه الآية التي قبل هذه الآية ( رَسُولٌ مِنْهُمْ ) يقول: رسول الله صلى الله عليه وسلم منهم، يقول: من أنفسهم يعرفونه ، ويعرفون نسبه وصدق لهجته، يدعوهم إلى الحقّ ، وإلى طريق مستقيم ( فَكَذَّبُوهُ ) ولم يقبلوا ما جاءهم به من عند الله ( فَأَخَذَهُمُ الْعَذَابُ ) وذلك لباس الجوع والخوف مكان الأمن والطمأنينة والرزق الواسع الذي كان قبل ذلك يرزقونه، وقتل بالسيف ( وَهُمْ ظَالِمُونَ ) يقول: وهم مشركون، وذلك أنه قتل عظماؤهم يوم بدر بالسيف على الشرك.وبنحو الذي قلنا في ذلك ، قال أهل التأويل.* ذكر من قال ذلك:حدثنا بشر، قال: ثنا يزيد، قال: ثنا سعيد، عن قتادة ( وَلَقَدْ جَاءَهُمْ رَسُولٌ مِنْهُمْ ) إي والله، يعرفون نسبه وأمره ، ( فَكَذَّبُوهُ فَأَخَذَهُمُ الْعَذَابُ وَهُمْ ظَالِمُونَ ) ، فأخذهم الله بالجوع والخوف والقتل.

فَكُلُوا۟ مِمَّا رَزَقَكُمُ ٱللَّهُ حَلَٰلًا طَيِّبًا وَٱشْكُرُوا۟ نِعْمَتَ ٱللَّهِ إِن كُنتُمْ إِيَّاهُ تَعْبُدُونَ (114)


يقول تعالى ذكره: فكلوا أيها الناس مما رزقكم الله من بهائم الأنعام التي أحلها لكم حلالا طيبا مُذَكَّاة غير محرّمة عليكم ( وَاشْكُرُوا نِعْمَةَ اللَّهِ ) يقول: واشكروا الله على نعمه التي أنعم بها عليكم في تحليله ما أحلّ لكم من ذلك، وعلى غير ذلك من نعمه ( إِنْ كُنْتُمْ إِيَّاهُ تَعْبُدُونَ ) يقول: إن كنتم تعبدون الله، فتطيعونه فيما يأمركم وينهاكم. وكان بعضهم يقول: إنما عنى بقوله ( فَكُلُوا مِمَّا رَزَقَكُمُ اللَّهُ حَلالا طَيِّبًا ) طعامًا كان بعث به رسول الله صلى الله عليه وسلم إلى المشركين من قومه في سِنِي الجدب والقحط رقة عليهم، فقال الله تعالى للمشركين: فكلوا مما رزقكم الله من هذا الذي بعث به إليكم حلالا طيبا ، وذلك تأويل بعيد مما يدلّ عليه ظاهر التنزيل، وذلك أن الله تعالى قد أتبع ذلك بقوله: إِنَّمَا حَرَّمَ عَلَيْكُمُ الْمَيْتَةَ وَالدَّمَ ... الآية والتي بعدها، فبين بذلك أن قوله ( فَكُلُوا مِمَّا رَزَقَكُمُ اللَّهُ حَلالا طَيِّبًا ) إعلام من الله عباده أن ما كان المشركون يحرّمونه من البحائر والسوائب والوصائل ، وغير ذلك مما قد بيَّنا قبل فيما مضى لا معنى له، إذ كان ذلك من خطوات الشيطان، فإن كلّ ذلك حلال لم يحرم الله منه شيئا.

إِنَّمَا حَرَّمَ عَلَيْكُمُ ٱلْمَيْتَةَ وَٱلدَّمَ وَلَحْمَ ٱلْخِنزِيرِ وَمَآ أُهِلَّ لِغَيْرِ ٱللَّهِ بِهِۦ فَمَنِ ٱضْطُرَّ غَيْرَ بَاغٍ وَلَا عَادٍ فَإِنَّ ٱللَّهَ غَفُورٌ رَّحِيمٌ (115)


يقول تعالى ذكره مكذّبًا المشركين الذين كانوا يحرّمون ما ذكرنا من البحائر وغير ذلك: ما حرّم الله عليكم أيها الناس إلا الميتة والدم ولحم الخنزير ، وما ذبح للأنصاب ، فسمي عليه غير الله ، لأن ذلك من ذبائح من لا يحلّ أكل ذبيحته، فمن اضطرّ إلى ذلك أو إلى شيء منه لمجاعة حلَّت فأكله ( غَيْرَ بَاغٍ وَلا عَادٍ فَإِنَّ اللَّهَ غَفُورٌ رَحِيمٌ ) يقول: ذو ستر عليه أن يؤاخذه بأكله ذلك في حال الضرورة، رحيم به أن يعاقبه عليه.وقد بيَّنا اختلاف المختلفين في قوله ( غَيْرَ بَاغٍ وَلا عَادٍ ) والصواب عندنا من القول في ذلك بشواهده فيما مضى بما أغنى عن إعادته.حدثنا بشر، قال: ثنا يزيد، قال: ثنا سعيد، عن قتادة، قوله ( إِنَّمَا حَرَّمَ عَلَيْكُمُ الْمَيْتَةَ وَالدَّمَ ) ... الآية قال: وإن الإسلام دين يطهره الله من كلّ سوء، وجعل لك فيه يا ابن آدم سعة إذا اضطرت إلى شيء من ذلك. قوله ( فَمَنِ اضْطُرَّ غَيْرَ بَاغٍ وَلا عَادٍ ) غير باغ في أكله ولا عاد أن يتعدّى حلالا إلى حرام، وهو يجد عنه مندوحة.

وَلَا تَقُولُوا۟ لِمَا تَصِفُ أَلْسِنَتُكُمُ ٱلْكَذِبَ هَٰذَا حَلَٰلٌ وَهَٰذَا حَرَامٌ لِّتَفْتَرُوا۟ عَلَى ٱللَّهِ ٱلْكَذِبَ إِنَّ ٱلَّذِينَ يَفْتَرُونَ عَلَى ٱللَّهِ ٱلْكَذِبَ لَا يُفْلِحُونَ (116)


اختلفت القرّاء في قراءة ذلك، فقرأته عامَّة قرّاء الحجاز والعراق ( وَلا تَقُولُوا لِمَا تَصِفُ أَلْسِنَتُكُمُ الْكَذِبَ ) فتكون تصف الكذب، بمعنى: ولا تقولوا لوصف ألسنتكم الكذب، فتكون " ما " بمعنى المصدر. وذُكر عن الحسن البصري أنه قرأ (وَلا تَقُولُوا لِمَا تَصِفُ أَلْسِنَتُكُمُ الْكَذِبِ) هذا بخفض الكذب، بمعنى: ولا تقولوا للكذب الذي تصفه ألسنتكم ( هَذَا حَلالٌ وَهَذَا حَرَامٌ ) فيجعل الكذب ترجمة عن " ما " التي في لمَا، فتخفضه بما تخفض به " ما ". وقد حُكي عن بعضهم: (لِمَا تَصِفُ أَلْسِنَتُكُمُ الْكُذُبُ) يرفع الكُذُب، فيجعل الكُذُب من صفة الألسنة، ويخرج على فُعُل على أنه جمع كُذُوب وكذب، مثل شُكُور وشُكُر.والصواب عندي من القراءة في ذلك نصب الكَذِب لإجماع الحجة من القرّاء عليه ، فتأويل الكلام إذ كان ذلك كذلك لما ذكرنا: ولا تقولوا لوصف ألسنتكم الكذبَ فيما رزق الله عباده من المطاعم: هذا حلال، وهذا حرام، كي تفتروا على الله بقيلكم ذلك الكذبَ، فإن الله لم يحرم من ذلك ما تُحرِّمون، ولا أحلّ كثيًرا مما تُحِلون ، ثم تقدّم إليهم بالوعيد على كذبهم عليه، فقال ( إِنَّ الَّذِينَ يَفْتَرُونَ عَلَى اللَّهِ الْكَذِبَ ) يقول: إن الذين يتخرّصون على الله الكذب ويختلقونه، لا يخلَّدون في الدنيا ، ولا يبقون فيها، إنما يتمتعون فيها قليلا.

مَتَٰعٌ قَلِيلٌ وَلَهُمْ عَذَابٌ أَلِيمٌ (117)


وقال ( مَتَاعٌ قَلِيلٌ ) فرفع، لأن المعنى الذي هم فيه من هذه الدنيا متاع قليل، أو لهم متاع قليل في الدنيا. وقوله ( وَلَهُمْ عَذَابٌ أَلِيمٌ ) يقول: ثم إلينا مرجعهم ومعادهم، ولهم على كذبهم وافترائهم على الله بما كانوا يفترون عذاب عند مصيرهم إليه أليم.وبنحو الذي قلنا في ذلك قال أهل التأويل.* ذكر من قال ذلك:حدثني محمد بن عمرو، قال: ثنا أبو عاصم، قال: ثنا عيسى ؛ وحدثني الحارث، قال: ثنا الحسن، قال: ثنا ورقاء، جميعا عن ابن أبي نجيح، عن مجاهد، في قول الله تعالى ( لِمَا تَصِفُ أَلْسِنَتُكُمُ الْكَذِبَ هَذَا حَلالٌ وَهَذَا حَرَامٌ ) في البحيرة والسائبة.حدثنا القاسم، قال: ثنا الحسين، قال: ثني حجاج، عن ابن جريج، عن مجاهد، قال: البحائر والسوائب.

وَعَلَى ٱلَّذِينَ هَادُوا۟ حَرَّمْنَا مَا قَصَصْنَا عَلَيْكَ مِن قَبْلُ وَمَا ظَلَمْنَٰهُمْ وَلَٰكِن كَانُوٓا۟ أَنفُسَهُمْ يَظْلِمُونَ (118)


يقول تعالى ذكره: وحرّمنا من قبلك يا محمد على اليهود ، ما أنبأناك به من قبل في سورة الأنعام، وذاك كلّ ذي ظفر، ومن البقر والغنم ، حرمنا عليهم شحومهما ، إلا ما حملت ظُهورهما أو الحوايا ، أو ما اختلط بعظم ( وَمَا ظَلَمْنَاهُمْ ) بتحريمنا ذلك عليهم ( وَلَكِنْ كَانُوا أَنْفُسَهُمْ يَظْلِمُونَ ) فجزيناهم ذلك ببغيهم على ربهم ، وظُلمِهم أنفسهم بمعصية الله، فأورثهم ذلك عقوبة الله.وبنحو الذي قلنا في ذلك ، قال أهل التأويل.* ذكر من قال ذلك:حدثني يعقوب، قال: ثنا ابن عُلَية، عن أبى رجاء، عن الحسن، في قوله ( وَعَلَى الَّذِينَ هَادُوا حَرَّمْنَا مَا قَصَصْنَا عَلَيْكَ مِنْ قَبْلُ ) قال: في سورة الأنعام.حدثني يعقوب، قال: ثنا ابن عُلَية، عن أيوب، عن عكرمة، في قوله ( وَعَلَى الَّذِينَ هَادُوا حَرَّمْنَا مَا قَصَصْنَا عَلَيْكَ مِنْ قَبْلُ ) قال في سورة الأنعام.حدثنا بشر، قال: ثنا يزيد، قال: ثنا سعيد، عن قتادة، قوله ( وَعَلَى الَّذِينَ هَادُوا حَرَّمْنَا مَا قَصَصْنَا عَلَيْكَ مِنْ قَبْلُ ) قال: ما قصّ الله تعالى في سورة الأنعام حيث يقول وَعَلَى الَّذِينَ هَادُوا حَرَّمْنَا كُلَّ ذِي ظُفُرٍ ... الآية.

الصفحة السابقة الصفحة التالية