تفسير سورة الأنبياء الصفحة 322 من القرآن الكريم

تفسير الصفحة رقم 322 من المصحف


بِسْمِ ٱللَّهِ ٱلرَّحْمَٰنِ ٱلرَّحِيمِ ٱقْتَرَبَ لِلنَّاسِ حِسَابُهُمْ وَهُمْ فِى غَفْلَةٍ مُّعْرِضُونَ (1)


يقول تعالى ذكره: دنا حساب الناس على أعمالهم التي عملوها في دنياهم ونعمهم التي أنعمها عليهم فيها في أبدانهم، وأجسامهم، ومطاعمهم، ومشاربهم، وملابسهم وغير ذلك من نعمه عندهم، ومسألته إياهم ماذا عملوا فيها؛ وهل أطاعوه فيها، فانتهوا إلى أمره ونهيه في جميعها، أم عصوه فخالفوا أمره فيها؟( وَهُمْ فِي غَفْلَةٍ مُعْرِضُونَ ) يقول: وهم في الدنيا عما الله فاعل بهم من ذلك يوم القيامة، وعن دنو محاسبته إياهم منهم، واقترابه لهم في سهو وغفلة، وقد أعرضوا عن ذلك، فتركوا الفكر فيه، والاستعداد له، والتأهب، جهلا منهم بما هم لاقوه عند ذلك من عظيم البلاء، وشديد الأهوال.وبنحو الذي قلنا في تأويل قوله ( وَهُمْ فِي غَفْلَةٍ مُعْرِضُونَ ) قال أهل التأويل، وجاء الأثر عن رسول الله صلى الله عليه وسلم.* ذكر من قال ذلك:حدثنا محمد بن المثنى، قال: ثنا أبو الوليد، قال: ثني أبو معاوية، قال: أخبرنا الأعمش، عن أبي صالح، عن أبي هريرة، عن النبي صلى الله عليه وسلم ( وَهُمْ فِي غَفْلَةٍ مُعْرِضُونَ ) قال: في الدنيا.

مَا يَأْتِيهِم مِّن ذِكْرٍ مِّن رَّبِّهِم مُّحْدَثٍ إِلَّا ٱسْتَمَعُوهُ وَهُمْ يَلْعَبُونَ (2)


يقول تعالى ذكره: ما يحدث الله من تنزيل شيء من هذا القرآن للناس، ويذكرهم به ويعظهم إلا استمعوه، وهم يلعبون لاهية قلوبهم.وبنحو الذي قلنا في تأويل ذلك قال أهل التأويل.* ذكر من قال ذلك:حدثنا بشر، قال: ثنا يزيد، قال: ثنا سعيد، عن قتادة قوله ( مَا يَأْتِيهِمْ مِنْ ذِكْرٍ مِنْ رَبِّهِمْ مُحْدَثٍ ). .. الآية، يقول: ما ينزل عليهم من شيء من القرآن إلا استمعوه وهم يلعبون.

لَاهِيَةً قُلُوبُهُمْ وَأَسَرُّوا۟ ٱلنَّجْوَى ٱلَّذِينَ ظَلَمُوا۟ هَلْ هَٰذَآ إِلَّا بَشَرٌ مِّثْلُكُمْ أَفَتَأْتُونَ ٱلسِّحْرَ وَأَنتُمْ تُبْصِرُونَ (3)


يقول تعالى ذكره ( لاهِيَةً قُلُوبُهُمْ ) غافلة : يقول: ما يستمع هؤلاء القوم الذين وصف صفتهم هذا القرآن إلا وهم يلعبون غافلة عنه قلوبهم، لا يتدبرون حكمه ولا يتفكرون فيما أودعه الله من الحجج عليهم.كما حدثنا بشر قال: ثنا يزيد، قال: ثنا سعيد، عن قتادة، قوله ( لاهِيَةً قُلُوبُهُمْ ) يقول: غافلة قلوبهم.وقوله ( وَأَسَرُّوا النَّجْوَى الَّذِينَ ظَلَمُوا ) يقول: وأسرّ هؤلاء الناس الذين اقتربت الساعة منهم وهم في غفلة معرضون، لاهية قلوبهم، النجوى بينهم، يقول: وأظهروا المناجاة بينهم فقالوا: هل هذا الذي يزعم أنه رسول من الله أرسله إليكم، إلا بشر مثلكم: يقولون: هل هو إلا إنسان مثلكم في صوركم وخلقكم؟ يعنون بذلك محمدا صلى الله عليه وسلم ، وقال الذين ظلموا فوصفهم بالظلم بفعلهم وقيلهم الذي أخبر به عنهم في هذه الآيات إنهم يفعلون ويقولون من الإعراض عن ذكر الله، والتكذيب برسوله وللذين من قوله ( وَأَسَرُّوا النَّجْوَى الَّذِينَ ظَلَمُوا ) في الإعراب وجهان: الخفض على أنه تابع للناس في قوله اقْتَرَبَ لِلنَّاسِ حِسَابُهُمْ ) والرفع على الردّ على الأسماء الذين (1) في قوله ( وَأَسَرُّوا النَّجْوَى ) من ذكر الناس، كما قيل: ثُمَّ عَمُوا وَصَمُّوا كَثِيرٌ مِنْهُمْ وقد يحتمل أن يكون رفعا على الابتداء، ويكون معناه: وأسرّوا النجوى، ثم قال: هم الذين ظلموا.وقوله ( أَفَتَأْتُونَ السِّحْرَ وَأَنْتُمْ تُبْصِرُونَ ) يقول: وأظهروا هذا القول بينهم، وهي النجوى التي أسرّوها بينهم، فقال بعضهم لبعض: أتقبلون السحر وتصدّقون به وأنتم تعلمون أنه سحر؟ يعنون بذلك القرآن.كما حدثني يونس، قال: أخبرنا ابن وهب، قال: قال ابن زيد، في قوله ( أَفَتَأْتُونَ السِّحْرَ وَأَنْتُمْ تُبْصِرُونَ ) قال: قال أهل الكفر لنبيهم لما جاء به من عند الله، زعموا أنه ساحر، وأن ما جاء به سحر، قالوا: أتأتون السحر وأنتم تبصرون؟------------------------الهوامش :(1) لعله على الاسم الذي . . إلخ .

قَالَ رَبِّى يَعْلَمُ ٱلْقَوْلَ فِى ٱلسَّمَآءِ وَٱلْأَرْضِ وَهُوَ ٱلسَّمِيعُ ٱلْعَلِيمُ (4)


اختلفت القرّاء في قراءة قوله ( قُلْ رَبّي ) فقرأ ذلك عامة قرّاء أهل المدينة والبصرة وبعض الكوفيين ( قُلْ رَبّي) على وجه الأمر، وقرأه بعض قرّاء مكة وعامة قرّاء الكوفة (قَالَ رَبِّي) على وجه الخبر.وكأن الذين قرءوه على وجه الأمر أرادوا من تأويله: قل يا محمد للقائلين أَفَتَأْتُونَ السِّحْرَ وَأَنْتُمْ تُبْصِرُونَ ربي يعلم قول كلّ قائل في السماء والأرض، لا يخفى عليه منه شيء وهو السميع لذلك كله، ولما يقولون من الكذب، العليم بصدقي، وحقيقة ما أدعوكم إليه، وباطل ما تقولون وغير ذلك من الأشياء كلها. وكأن الذين قرءوا ذلك قال على وجه الخبر أرادوا، قال محمد: ربي يعلم القول خبرا من الله عن جواب نبيه إياهم.والقول في ذلك أنهما قراءتان مشهورتان في قَرَاءة الأمصار، قد قرأ بكل واحدة منهما علماء من القرّاء، وجاءت بهما مصاحف المسلمين متفقتا المعنى، وذلك أن الله إذا أمر محمدا بقيل ذلك قاله، وإذا قاله فعن أمر الله قاله، فبأيتهما قرأ القارئ فمصيب الصواب في قراءته.

بَلْ قَالُوٓا۟ أَضْغَٰثُ أَحْلَٰمٍۭ بَلِ ٱفْتَرَىٰهُ بَلْ هُوَ شَاعِرٌ فَلْيَأْتِنَا بِـَٔايَةٍ كَمَآ أُرْسِلَ ٱلْأَوَّلُونَ (5)


يقول تعالى ذكره: ما صدّقوا بحكمة هذا القرآن، ولا أنه من عند الله، ولا أقرّوا بأنه وحي أوْحَى الله إلى محمد صلى الله عليه وسلم، بل قال بعضهم: هو أهاويل رؤيا رآها في النوم، وقال بعضهم: هو فرية واختلاق افتراه واختلقه من قبل نفسه، وقال بعضهم: بل محمد شاعر، وهذا الذي جاءكم به شعر (فَلْيَأْتِنا) به يقول: قالوا فليجئنا محمد إن كان صادقا في قوله، إن الله بعثه رسولا إلينا وإن هذا الذي يتلوه علينا وحي من الله أوحاه إلينا، (بآية) يقول: بحجة ودلالة على حقيقة ما يقول ويدّعي ( كَمَا أُرْسِلَ الأوَّلُونَ ) يقول: كما جاءت به الرسل الأوّلون من قَبْله من إحياء المَوتى، وإبراء الأكمه والأبرص وكناقة صالح، وما أشبه ذلك من المعجزات التي لا يقدر عليها إلا الله ولا يأتي بها إلا الأنبياء والرسل.وبنحو الذي قلنا في ذلك قال أهل التأويل.* ذكر من قال ذلك:حدثنا بشر، قال: ثنا يزيد، قال: ثنا سعيد، عن قتادة، قوله ( أَضْغَاثُ أَحْلامٍ ) أي فعل حالم، إنما هي رؤيا رآها( بَلِ افْتَرَاهُ بَلْ هُوَ شَاعِرٌ ) كل هذا قد كان منهم. وقوله ( فَلْيَأْتِنَا بِآيَةٍ كَمَا أُرْسِلَ الأوَّلُونَ ) يقول: كما جاء عيسى بالبيِّنات وموسى بالبينات، والرسل.حدثني عليّ، قال: ثنا عبد الله، قال: ثني معاوية، عن عليّ، عن ابن عباس، قوله ( أَضْغَاثُ أَحْلامٍ ) قال: مشتبهة.حدثني محمد بن عمرو، قال: ثنا أبو عاصم، قال: ثنا عيسى، وحدثني الحارث، قال: ثنا الحسن، قال: ثنا ورقاء جميعا، عن ابن أبي نجيح، عن مجاهد، في قوله ( أَضْغَاثُ أَحْلامٍ ) قال أهاويلها.حدثنا القاسم، قال: ثنا الحسين، قال: ثني حجاج، عن ابن جريج، عن مجاهد، مثله.وقال تعالى ذكره: بل قالوا: ولا جحد في الكلام ظاهر فيحقق ببل، لأن الخبر عن أهل الجحود والتكذيب، فاجْتُزِي بمعرفة السامعين بما دلّ عليه قوله، بل من ذكر الخبر عنهم على ما قد بينا.

مَآ ءَامَنَتْ قَبْلَهُم مِّن قَرْيَةٍ أَهْلَكْنَٰهَآ أَفَهُمْ يُؤْمِنُونَ (6)


يقول تعالى ذكره: ما آمن من قبل هؤلاء المكذّبين محمدا من مشركي قومه الذين قالوا: فليأتنا محمد بآية كما جاءت به الرسل قبله من أهل قرية عذّبناهم بالهلاك في الدنيا، إذ جاءهم رسولنا إليهم بآية معجزة ( أَفَهُمْ يُؤْمِنُونَ ) يقول: أفهؤلاء المكذبون محمدا السائلوه الآية يؤمنون إن جاءتهم آية ولم تؤمن قبلهمْ أسلافهم من الأمم الخالية التي أهلكناها برسلها مع مجيئها.وبنحو الذي قلنا في ذلك، قال أهل التأويل.* ذكر من قال ذلك:حدثني محمد بن عمرو، قال: ثنا أبو عاصم، قال: ثنا عيسى، وحدثني الحارث، قال: ثنا الحسن، قال: ثنا ورقاء جميعا، عن ابن أبي نجيح، عن مجاهد ( أَهْلَكْنَاهَا أَفَهُمْ يُؤْمِنُونَ ) يصدّقون بذلك.حدثنا القاسم، قال: ثنا الحسين، قال: ثني حجاج، عن ابن جريج، عن مجاهد، مثله.حدثنا بشر، قال: ثنا يزيد، قال: ثنا سعيد، عن قتادة، قوله ( مَا آمَنَتْ قَبْلَهُمْ مِنْ قَرْيَةٍ أَهْلَكْنَاهَا أَفَهُمْ يُؤْمِنُونَ ) أي الرسل كانوا إذا جاءوا قومهم بالبينات فلم يؤمنوا لم يناظروا.

وَمَآ أَرْسَلْنَا قَبْلَكَ إِلَّا رِجَالًا نُّوحِىٓ إِلَيْهِمْ فَسْـَٔلُوٓا۟ أَهْلَ ٱلذِّكْرِ إِن كُنتُمْ لَا تَعْلَمُونَ (7)


يقول تعالى ذكره لنبيه: وما أرسلنا يا محمد قبلك رسولا إلى أمة من الأمم التي خلت قبل أمتك إلا رجالا مثلهم نوحي إليهم، ما نريد أن نوحيه إليهم من أمرنا ونهينا، لا ملائكة، فماذا أنكروا من إرسالنا لك إليهم، وأنت رجل كسائر الرسل الذين قبلك إلى أممهم. وقوله ( فَاسْأَلُوا أَهْلَ الذِّكْرِ إِنْ كُنْتُمْ لا تَعْلَمُونَ ) يقول للقائلين لمحمد صلى الله عليه وسلم في تناجيهم بينهم: هل هذا إلا بشر مثلكم، فإن أنكرتم وجهلتم أمر الرسل الذين كانوا من قبل محمد، فلم تعلموا أيها القوم أمرهم إنسا كانوا أم ملائكة، فاسألوا أهل الكتب من التوراة والإنجيل ما كانوا يخبروكم عنهم.كما حدثنا بشر، قال: ثنا يزيد، قال: ثنا سعيد، عن قتادة، قوله ( فَاسْأَلُوا أَهْلَ الذِّكْرِ إِنْ كُنْتُمْ لا تَعْلَمُونَ ) يقول فاسألوا أهل التوراة والإنجيل قال أبو جعفر: أراه أنا قال: يخبروكم أن الرسل كانوا رجالا يأكلون الطعام، ويمشون في الأسواق. وقيل: أهل الذكر: أهل القرآن.* ذكر من قال ذلك:حدثني أحمد بن محمد الطوسيّ، قال: ثني عبد الرحمن بن صالح، قال: ثني موسى بن عثمان، عن جابر الجعفيّ، قال: لما نزلت ( فَاسْأَلُوا أَهْلَ الذِّكْرِ إِنْ كُنْتُمْ لا تَعْلَمُونَ ) قال: عليّ: نحن أهل الذّكر.حدثني يونس، قال: أخبرنا ابن وهب، قال: قال ابن زيد، في قوله ( فَاسْأَلُوا أَهْلَ الذِّكْرِ إِنْ كُنْتُمْ لا تَعْلَمُونَ ) قال: أهل القرآن، والذكر: القرآن. وقرأ إِنَّا نَحْنُ نَزَّلْنَا الذِّكْرَ وَإِنَّا لَهُ لَحَافِظُونَ .

وَمَا جَعَلْنَٰهُمْ جَسَدًا لَّا يَأْكُلُونَ ٱلطَّعَامَ وَمَا كَانُوا۟ خَٰلِدِينَ (8)


يقول تعالى ذكره: وما جعلنا الرسل الذين أرسلناهم من قبلك يا محمد إلى الأمم الماضية قبل أمتك، ( جَسَدًا لا يَأْكُلُونَ الطَّعَامَ ) يقول: لم نجعلهم ملائكة لا يأكلون الطعام، ولكن جعلناهم أجسادا مثلك يأكلون الطعام.كما حدثنا بشر، قال: ثنا يزيد، قال: ثنا سعيد، عن قتادة، قوله ( وَمَا جَعَلْنَاهُمْ جَسَدًا لا يَأْكُلُونَ الطَّعَامَ ) يقول: ما جعلناهم جسدا إلا ليأكلوا الطعام.حُدثت عن الحسين، قال: سمعت أبا معاذ يقول: أخبرنا عبيد، قال: سمعت الضحاك يقول في قوله ( وَمَا جَعَلْنَاهُمْ جَسَدًا لا يَأْكُلُونَ الطَّعَامَ ) يقول: لم أجعلهم جسدا ليس فيهم أرواح لا يأكلون الطعام، ولكن جعلناهم جسدا فيها أرواح يأكلون الطعام.قال أبو جعفر: وقال: ( وَمَا جَعَلْنَاهُمْ جَسَدًا ) فوحَّد الجسد وجعله موحدا، وهو من صفة الجماعة، وإنما جاز ذلك لأن الجسد بمعنى المصدر، كما يقال في الكلام: وما جعلناهم خَلْقا لا يأكلون.وقوله ( وَمَا كَانُوا خَالِدِينَ ) يقول: ولا كانوا أربابا لا يموتون ولا يفنون، ولكنهم كانوا بشرا أجسادا فماتوا، وذلك أنهم قالوا لرسول الله صلى الله عليه وسلم، كما قد أخبر الله عنهم لَنْ نُؤْمِنَ لَكَ حَتَّى تَفْجُرَ لَنَا مِنَ الأَرْضِ يَنْبُوعًا ... إلى قوله أَوْ تَأْتِيَ بِاللَّهِ وَالْمَلائِكَةِ قَبِيلا قال الله تبارك وتعالى لهم: ما فعلنا ذلك بأحد قبلكم فنفعل بكم، وإنما كنا نرسل إليهم رجالا نوحي إليهم كما أرسلنا إليكم رسولا نوحي إليه أمرنا ونهينا.وبنحو الذي قلنا في ذلك، قال أهل التأويل.* ذكر من قال ذلك:حدثنا بشر، قال: ثنا يزيد، قال: ثنا سعيد، عن قتادة، قوله ( وَمَا كَانُوا خَالِدِينَ ) أي لا بد لهم من الموت أن يموتوا.

ثُمَّ صَدَقْنَٰهُمُ ٱلْوَعْدَ فَأَنجَيْنَٰهُمْ وَمَن نَّشَآءُ وَأَهْلَكْنَا ٱلْمُسْرِفِينَ (9)


يقول تعالى ذكره: ثم صدقنا رسلنا الذين كذبّهم أممهم وسألتهم الآيات، فأتيناهم ما سألوه من ذلك، ثم أقاموا على تكذيبهم إياها، وأصرّوا على جحودهم نبوّتها بعد الذي أتتهم به من آيات ربها، وعدنا الذي وعدناهم من الهلاك على إقامتهم على الكفر بربهم بعد مجيء الآية التي سألوا ، وذلك كقوله جل ثناؤه فَمَنْ يَكْفُرْ بَعْدُ مِنْكُمْ فَإِنِّي أُعَذِّبُهُ عَذَابًا لا أُعَذِّبُهُ أَحَدًا مِنَ الْعَالَمِينَ وكقوله وَلا تَمَسُّوهَا بِسُوءٍ فَيَأْخُذَكُمْ عَذَابٌ قَرِيبٌ ونحو ذلك من المواعيد التي وعد الأمم مع مجيء الآيات ، وقوله ( فأنجيناهم ) يقول تعالى ذكره: فأنجينا الرسل عند إصرار أممها على تكذيبها بعد الآيات، ( وَمَنْ نَشَاءُ ) وهم أتباعها الذين صدقوها وآمنوا بها ، وقوله ( وَأَهْلَكْنَا الْمُسْرِفِينَ ) يقول تعالى ذكره: وأهلكنا الذين أسرفوا على أنفسهم بكفرهم بربهم.كما حدثنا بشر، قال: ثنا يزيد، قال: ثنا سعيد، عن قتادة ( وَأَهْلَكْنَا الْمُسْرِفِينَ ) والمسرفون: هم المشركون.

لَقَدْ أَنزَلْنَآ إِلَيْكُمْ كِتَٰبًا فِيهِ ذِكْرُكُمْ أَفَلَا تَعْقِلُونَ (10)


اختلف أهل التأويل في معنى ذلك، فقال بعضهم: معناه، لقد أنزلنا إليكم كتابا فيه ذكركم، فيه حديثكم.* ذكر من قال ذلك:حدثني محمد بن عمرو، قال: ثنا أبو عاصم، قال: ثنا عيسى، وحدثني الحارث، قال: ثنا الحسن، قال: ثنا ورقاء جميعا، عن ابن أبي نجيح عن مجاهد، قوله ( فِيهِ ذِكْرُكُمْ ) قال: حديثكم.حدثنا القاسم، قال: ثنا الحسين، قال: ثني حجاج، عن ابن جريج، عن مجاهد ( لَقَدْ أَنزلْنَا إِلَيْكُمْ كِتَابًا فِيهِ ذِكْرُكُمْ ) قال: حديثكم ( أَفَلا تَعْقِلُونَ ) قال: في قد أفلح بَلْ أَتَيْنَاهُمْ بِذِكْرِهِمْ فَهُمْ عَنْ ذِكْرِهِمْ مُعْرِضُونَ .حدثنا القاسم، قال: ثنا الحسين، قال: ثنا سفيان: نزل القرآن بمكارم الأخلاق، ألم تسمعه يقول ( لَقَدْ أَنزلْنَا إِلَيْكُمْ كِتَابًا فِيهِ ذِكْرُكُمْ أَفَلا تَعْقِلُونَ ).وقال آخرون: بل عني بالذكر في هذا الموضع: الشرف، وقالوا: معنى الكلام: لقد أنزلنا إليكم كتابا فيه شرفكم.قال أبو جعفر: وهذا القول الثاني أشبه بمعنى الكلمة، وهو نحو مما قال سفيان الذي حكينا عنه، وذلك أنه شرف لمن اتبعه وعمل بما فيه.

الصفحة التالية