تفسير سورة الفرقان - تفسير الطبري الصفحة رقم 359 من القرآن الكريم
تفسير الصفحة رقم 359 من المصحف
بِسْمِ ٱللَّهِ ٱلرَّحْمَٰنِ ٱلرَّحِيمِ تَبَارَكَ ٱلَّذِى نَزَّلَ ٱلْفُرْقَانَ عَلَىٰ عَبْدِهِۦ لِيَكُونَ لِلْعَٰلَمِينَ نَذِيرًا (1)
قال أبو جعفر: تبارك: تفاعل من البركة, كما حدثنا أبو كريب, قال: ثنا عثمان بن سعيد, قال: ثنا بشر بن عمارة,قال: ثنا أبو روق, عن الضحاك, عن عبد الله بن عباس, قال: تبارك: تفاعل من البركة. وهو كقول القائل: تقدّس ربنا, فقوله: ( تَبَارَكَ الَّذِي نزلَ الْفُرْقَانَ ) يقول: تبارك الذي نزل الفصل بين الحقّ والباطل, فصلا بعد فصل وسورة بعد سورة, على عبده محمد صلى الله عليه وسلم, ليكون محمد لجميع الجنّ والإنس، الذين بعثه الله إليهم داعيا إليه, نذيرا: يعني منذرا ينذرهم عقابه ويخوِّفهم عذابه, إن لم يوحدوه ولم يخلصوا له العبادة، ويخلعوا كلّ ما دونه من الآلهة والأوثان.وبنحو الذي قلنا في ذلك قال أهل التأويل.* ذكر من قال ذلك:حدثني يونس, قال: أخبرنا ابن وهب, قال: قال ابن زيد, في قوله: ( تَبَارَكَ الَّذِي نزلَ الْفُرْقَانَ عَلَى عَبْدِهِ لِيَكُونَ لِلْعَالَمِينَ نَذِيرًا ) قال: النبيّ النذير. وقرأ وَإِنْ مِنْ أُمَّةٍ إِلا خَلا فِيهَا نَذِيرٌ وقرأ وَمَا أَهْلَكْنَا مِنْ قَرْيَةٍ إِلا لَهَا مُنْذِرُونَ قال: رسل. قال: المنذرون: الرسل. قال: وكان نذيرا واحدا بلَّغ ما بين المشرق والمغرب, ذو القرنين, ثم بلغ السدّين, وكان نذيرا, ولم أسمع أحدا يحق أنه كان نبيا وَأُوحِيَ إِلَيَّ هَذَا الْقُرْآنُ لأُنْذِرَكُمْ بِهِ وَمَنْ بَلَغَ قال: من بلغه القرآن من الخلق, فرسول الله نذيره. وقرأ يَا أَيُّهَا النَّاسُ إِنِّي رَسُولُ اللَّهِ إِلَيْكُمْ جَمِيعًا وقال: لم يرسل الله رسولا إلى الناس عامة إلا نوحا, بدأ به الخلق, فكان رسول أهل الأرض كلهم, ومحمد صلى الله عليه وسلم ختم به.
ٱلَّذِى لَهُۥ مُلْكُ ٱلسَّمَٰوَٰتِ وَٱلْأَرْضِ وَلَمْ يَتَّخِذْ وَلَدًا وَلَمْ يَكُن لَّهُۥ شَرِيكٌ فِى ٱلْمُلْكِ وَخَلَقَ كُلَّ شَىْءٍ فَقَدَّرَهُۥ تَقْدِيرًا (2)
يقول تعالى ذكره: تبارك الذي نزل الفرقان ( الَّذِي لَهُ مُلْكُ السَّمَاوَاتِ وَالأرْضِ ) فالذي الثانية من نعت الذي الأولى, وهما جميعا في موضع رفع, الأولى بقوله تبارك, والثانية نعت لها ويعني بقوله: ( الَّذِي لَهُ مُلْكُ السَّمَاوَاتِ وَالأرْضِ ) الذي له سلطان السماوات والأرض ينفذ في جميعها أمره وقضاءه, ويمضي في كلها أحكامه، يقول: فحقّ على من كان كذلك أن يطيعه أهل مملكته، ومن في سلطانه، ولا يعصوه, يقول: فلا تعصوا نذيري إليكم أيها الناس, واتبعوه, واعملوا بما جاءكم به من الحق ( وَلَمْ يَتَّخِذْ وَلَدًا ) يقول: تكذيبا لمن أضاف إليه الولد، وقال: الملائكة بنات الله، ما اتخذ الذي نزل الفرقان على عبده ولدا، فمن أضاف إليه ولدا فقد كذب وافترى على ربه ( وَلَمْ يَكُنْ لَهُ شَرِيكٌ فِي الْمُلْكِ ) يقول تكذيبا لمن كان يضيف الألوهة إلى الأصنام ويعبدها من دون الله من مشركي العرب، ويقول في تلبيته: لبيك لا شريك لك, إلا شريكا هو لك تملكه وما ملك، كذب قائلو هذا القول, ما كان لله من شريك في مُلكه وسلطانه، فيصلح أن يعبد من دونه. يقول تعالى ذكره: فأفردوا أيها الناس لربكم الذي نزل الفرقان على عبده محمد نبيه صلى الله عليه وسلم الألوهة, وأخلصوا له العبادة دون كلّ ما تعبدونه من دونه من الآلهة والأصنام والملائكة والجنّ والإنس, فإن كلّ ذلك خلقه وفي ملكه, فلا تصلح العبادة إلا لله الذي هو مالك جميع ذلك، وقوله: ( وَخَلَقَ كُلَّ شَيْءٍ ) يقول تعالى ذكره: وخلق الذي نزل على محمد الفرقان كل شيء, فالأشياء كلها خلقه وملكه, وعلى المماليك طاعة مالكهم، وخدمة سيدهم دون غيره. يقول: وأنا خالقكم ومالككم, فأخلصوا لي العبادة دون غيري، وقوله: ( فَقَدَّرَهُ تَقْدِيرًا ) يقول: فسوّى كل ما خلق، وهيأه لما يصلح له, فلا خلل فيه ولا تفاوت.