تفسير سورة القصص الصفحة 388 من القرآن الكريم

تفسير الصفحة رقم 388 من المصحف


وَلَمَّا تَوَجَّهَ تِلْقَآءَ مَدْيَنَ قَالَ عَسَىٰ رَبِّىٓ أَن يَهْدِيَنِى سَوَآءَ ٱلسَّبِيلِ (22)


القول في تأويل قوله تعالى : وَلَمَّا تَوَجَّهَ تِلْقَاءَ مَدْيَنَ قَالَ عَسَى رَبِّي أَنْ يَهْدِيَنِي سَوَاءَ السَّبِيلِ (22)وقوله: ( وَلَمَّا تَوَجَّهَ تِلْقَاءَ مَدْيَنَ ) يقول تعالى ذكره: ولما جعل موسى وجهه نحو مدين, ماضيا إليها, شاخصا عن مدينة فرعون, وخارجا عن سلطانه,( قَالَ عَسَى رَبِّي أَنْ يَهْدِيَنِي سَوَاءَ السَّبِيلِ ) وعنى بقوله: " تلقاء " نحو مدين; ويقال: فعل ذلك من تلقاء نفسه, يعني به: من قبل نفسه ويقال: داره تلقاء دار فلان: إذا كانت محاذيتها, ولم يصرف اسم مدين لأنها اسم بلدة معروفة, كذلك تفعل العرب بأسماء البلاد المعروفة; ومنه قول الشاعر:رُهْبَانُ مَدْيَنَ لَوْ رَأَوْكِ تَنزلُواوَالعُصْمُ مِنْ شَعَفِ العُقُولِ الفَادِرِ (1)وقوله: ( عَسَى رَبِّي أَنْ يَهْدِيَنِي سَوَاءَ السَّبِيلِ ) يقول: عسى ربي أن يبين لي قصد السبيل إلى مدين, وإنما قال ذلك لأنه لم يكن يعرف الطريق إليها.وذُكر أن الله قيض له إذ قال: ( رَبِّ نَجِّنِي مِنَ الْقَوْمِ الظَّالِمِينَ ) ملَكا سدده الطريق, وعرفه إياه.* ذكر من قال ذلك:حدثنا موسى, قال: ثنا عمرو, قال: ثنا أسباط, عن السدي, قال: لما أخذ موسى في بنيات الطريق جاءه مَلَك على فرس بيده عَنزة; فلما رآه موسى سجد له من الفَرَق قال: لا تسجد لي ولكن اتبعني, فاتبعه, فهداه نحو مدين، وقال موسى وهو متوجه نحو مدين: ( عَسَى رَبِّي أَنْ يَهْدِيَنِي سَوَاءَ السَّبِيلِ ) فانطلق به حتى انتهى به إلى مَدين.حدثنا العباس, قال: أخبرنا يزيد, قال: أخبرنا الأصبغ بن زيد, قال: ثنا القاسم, قال: ثنا سعيد بن جُبَيْر, عن ابن عباس, قال: خرج موسى متوجها نحو مدين, وليس له علم بالطريق إلا حسن ظنه بربه, فإنه قال: ( عَسَى رَبِّي أَنْ يَهْدِيَنِي سَوَاءَ السَّبِيلِ ).حدثنا ابن حميد, قال: ثنا سلمة, عن ابن إسحاق, قال: ذُكر لي أنه خرج وهو يقول: ( رَبِّ نَجِّنِي مِنَ الْقَوْمِ الظَّالِمِينَ ) فهيأ الله الطريق إلى مَدين, فخرج من مصر بلا زاد ولا حذاء ولا ظهر (2) ولا درهم ولا رغيف, خائفا يترقب, حتى وقع إلى أمة من الناس يسقون بمَدين.حدثنا أبو عمار الحسين بن حريث المَروزِيّ, قال: ثنا الفضل بن موسى, عن الأعمش, عن المنهال بن عمرو, عن سعيد بن جُبَيْر, قال: خرج موسى من مصر إلى مَدْيَنَ, وبينها وبينها مسيرة ثمان, قال: وكان يقال نحو من الكوفة إلى البصرة, ولم يكن له طعام إلا وَرَق الشجر, وخرج حافيا, فما وصل إليها حتى وقع خفّ قدمه.حدثنا أبو كُرَيب, قال: ثنا عثام, قال: ثنا الأعمش, عن المنهال, عن سعيد, عن ابن عباس, قال: لما خرج موسى من مصر إلى مدين, وبينه وبينها ثمان ليال, كان يقال: نَحوٌ من البصرة إلى الكوفة ثم ذكر نحوه.ومدين كان بها يومئذ قوم شعيب عليه السلام.* ذكر من قال ذلك:حدثنا بشر, قال: ثنا يزيد, قال: ثنا سعيد, عن قَتادة, قوله: ( وَلَمَّا تَوَجَّهَ تِلْقَاءَ مَدْيَنَ ) ومدين: ماء كان عليه قوم شعيب ( قَالَ عَسَى رَبِّي أَنْ يَهْدِيَنِي سَوَاءَ السَّبِيلِ ).وأما قوله: ( سَوَاءَ السَّبِيلِ ) فإن أهل التأويل اختلفوا في تأويله نحو قولنا فيه.* ذكر من قال ذلك:حدثني محمد بن عمرو, قال: ثنا أبو عاصم, قال: ثنا عيسى; وحدثني الحارث, قال: ثنا الحسن, قال: ثنا ورقاء، جميعا عن ابن أبي نجيح, عن مجاهد: ( سَوَاءَ السَّبِيلِ ) قال: الطريق إلى مدين.حدثنا القاسم, قال: ثنا الحسين, قال: ثني حجاج, عن ابن جُرَيج, عن مجاهد, مثله.قال: ثنا الحسين, قال: ثنا أبو سفيان, عن معمر, عن قَتادة: ( قَالَ عَسَى رَبِّي أَنْ يَهْدِيَنِي سَوَاءَ السَّبِيلِ ) قال: قصد السبيل.حدثنا ابن بشار, قال: ثنا عبد الرحمن, قال: ثنا عَبَّاد بن راشد, عن الحسن: ( عَسَى رَبِّي أَنْ يَهْدِيَنِي سَوَاءَ السَّبِيلِ ) قال: الطريق المستقيم.--------------------الهوامش :(1) البيت لجرير، وقد تقدم الاستشهاد به على الرهبان جمع راهب في (7: 3) من هذا التفسير. واستشهد به هنا على أن مدين ممنوعة من الصرف لأنها علم على بلدة، ففيها العلمية والتأنيث.(2) الظهر: الدابة التي يركب ظهرها، من جمل ونحوه.

وَلَمَّا وَرَدَ مَآءَ مَدْيَنَ وَجَدَ عَلَيْهِ أُمَّةً مِّنَ ٱلنَّاسِ يَسْقُونَ وَوَجَدَ مِن دُونِهِمُ ٱمْرَأَتَيْنِ تَذُودَانِ قَالَ مَا خَطْبُكُمَا قَالَتَا لَا نَسْقِى حَتَّىٰ يُصْدِرَ ٱلرِّعَآءُ وَأَبُونَا شَيْخٌ كَبِيرٌ (23)


القول في تأويل قوله تعالى : وَلَمَّا وَرَدَ مَاءَ مَدْيَنَ وَجَدَ عَلَيْهِ أُمَّةً مِنَ النَّاسِ يَسْقُونَ وَوَجَدَ مِنْ دُونِهِمُ امْرَأتَيْنِ تَذُودَانِ قَالَ مَا خَطْبُكُمَا قَالَتَا لا نَسْقِي حَتَّى يُصْدِرَ الرِّعَاءُ وَأَبُونَا شَيْخٌ كَبِيرٌ (23)يقول تعالى ذكره: ( وَلَمَّا وَرَدَ ) مُوسَى ( مَاءَ مَدْيَنَ وَجَدَ عَلَيْهِ أُمَّةً ) يعني جماعة ( مِنَ النَّاسِ يَسْقُونَ ) نعمهم ومواشيهم.وبنحو الذي قلنا في ذلك قال أهل التأويل.* ذكر من قال ذلك:حدثنا موسى, قال: ثنا عمرو, قال: ثنا أسباط, عن السدي ( وَجَدَ عَلَيْهِ أُمَّةً مِنَ النَّاسِ يَسْقُونَ ) يقول: كثرة من الناس يسقون.حدثنا محمد بن عمرو, قال: ثنا أبو عاصم, قال: ثنا عيسى; وحدثني الحارث, قال: ثنا الحسن, قال: ثنا ورقاء، جميعا عن ابن أبي نجيح, عن مجاهد, قوله: ( أُمَّةً مِنَ النَّاسِ ) قال: أناسًا.حدثنا القاسم, قال: ثنا الحسين, قال: ثني حجاج, عن ابن جُرَيج, عن مجاهد, مثله.حدثنا ابن حميد, قال: ثنا سلمة, عن ابن إسحاق, قال: وقع إلى أمة من الناس يسقون بمدين أهل نعم وشاء.حدثنا عليّ بن موسى وابن بشار, قالا ثنا أبو داود, قال: أخبرنا عمران القطان, قال: ثنا أبو حمزة عن ابن عباس, في قوله: ( وَلَمَّا وَرَدَ مَاءَ مَدْيَنَ ) قال عليّ بن موسى: قال: مثل ماء جوابكم هذا, يعني المحدثة. وقال ابن بشار: مثل محدثتكم هذه, يعني جوابكم هذا.وقوله: ( وَوَجَدَ مِنْ دُونِهِمُ امْرَأتَيْنِ تَذُودَانِ ) يقول: ووجد من دون أمة الناس الذين هم على الماء, امرأتين تذودان, يعني بقوله: ( تَذُودَانِ) تَحبِسان غنمهما; يقال منه: ذاد فلان غنمه وماشيته: إذا أراد شيء من ذلك يَشِذّ ويذهب, فردّه ومنعه يذودها ذَوْدًا.وقال بعض أهل العربية من الكوفيين: لا يجوز أن يقال: ذدت الرجل بمعنى: حبسته, إنما يقال ذلك للغنم والإبل.وقد رُوي عن النبي صلى الله عليه وسلم: " إني لبِعُقْرِ حَوْضِي أَذُودُ النَّاسَ عَنْهُ بِعَصَايَ" فقد جعل الذَّود صلى الله عليه وسلم في الناس، ومن الذود قول سويد بن كراع:أَبِيتُ عَلَى بَابِ الْقَوَافِي كَأَنَّمَاأَذُودُ بِهَا سِرْبًا مِنَ الَوَحْشِ نزعا (3)وقول آخر:وَقَدْ سَلَبَتْ عَصَاكَ بَنُو تَمِيمٍفَمَا تَدْرِي بأيّ عَصًا تَذُودُ (4)وبنحو الذي قلنا في ذلك قال أهل التأويل.* ذكر من قال ذلك:حدثني علي, قال: ثنا أبو صالح, قال: ثني معاوية, عن علي, عن ابن عباس, قوله: (تَذُودَانِ) يقول: تحبسان.حدثني العباس, قال: أخبرنا يزيد, قال: أخبرنا الأصبغ, قال: ثنا القاسم, قال: ثني سعيد بن جُبَيْر, عن ابن عباس ( وَوَجَدَ مِنْ دُونِهِمُ امْرَأتَيْنِ تَذُودَانِ ) يعني بذلك أنهما حابستان.حدثنا ابن بشار, قال: ثنا عبد الرحمن, قال: ثنا سفيان, عن أبي الهيثم, عن سعيد بن جُبَيْر, في قوله: ( امْرَأتَيْنِ تَذُودَانِ ) قال: حابستين.حدثنا موسى, قال: ثنا عمرو, قال: ثنا أسباط, عن السدي ( وَوَجَدَ مِنْ دُونِهِمُ امْرَأتَيْنِ تَذُودَانِ ) يقول: تحبسان غنمهما.واختلف أهل التأويل في الذي كانت عنه تذود هاتان المرأتان, فقال بعضهم: كانتا تذودان غنمهما عن الماء, حتى يَصْدُرَ عَنْهُ مواشي الناس, ثم يسقيان ماشيتهما لضعفهما.* ذكر من قال ذلك:حدثنا القاسم, قال: ثنا الحسين, قال: ثنا هشيم, قال: أخبرنا حصين, عن أبي مالك قوله: ( امْرَأتَيْنِ تَذُودَانِ ) قال: تحبسان غنمهما عن الناس حتى يفرغوا وتخلو لهما البئر.حدثنا ابن حميد, قال: ثنا سلمة, عن ابن إسحاق ( وَوَجَدَ مِنْ دُونِهِمُ امْرَأتَيْنِ ) يعني دون القوم تذودان غنمهما عن الماء, وهو ماء مدين.وقال آخرون: بل معنى ذلك: تذودان الناس عن غنمهما.* ذكر من قال ذلك:حدثنا بشر, قال: ثنا يزيد, قال: ثنا سعيد, عن قَتادة ( وَلَمَّا وَرَدَ مَاءَ مَدْيَنَ وَجَدَ عَلَيْهِ أُمَّةً مِنَ النَّاسِ يَسْقُونَ وَوَجَدَ مِنْ دُونِهِمُ امْرَأتَيْنِ تَذُودَانِ ) قال: أي حابستين شاءهما تذودان الناس عن شائهما.حدثنا القاسم, قال: ثنا الحسين, قال: ثنا أبو سفيان, عن معمر, عن أصحابه (تَذُودَانِ) قال: تذودان الناس عن غنمهما.وأولى التأويلين في ذلك بالصواب قول من قال معناه: تحبسان غنمهما عن الناس حتى يفرغوا من سقي مواشيهم.وإنما قلنا ذلك أولى بالصواب لدلالة قوله: ( مَا خَطْبُكُمَا قَالَتَا لا نَسْقِي حَتَّى يُصْدِرَ الرِّعَاءُ ) على أن ذلك كذلك, وذلك أنهما إنما شكتا أنهما لا تسقيان حتى يصدر الرعاء, إذ سألهما موسى عن ذودهما, ولو كانتا تذودان عن غنمهما الناس, كان لا شك أنهما كانتا تخبران عن سبب ذودهما عنها الناس, لا عن سبب تأخر سقيهما إلى أن يُصْدِرَ الرعاء.وقوله: ( قَالَ مَا خَطْبُكُمَا ) يقول تعالى ذكره: قال موسى للمرأتين ما شأنكما وأمركما تذودان ماشيتكما عن الناس, هلا تسقونها مع مواشي الناس والعرب, تقول للرجل: ما خطبك؟ بمعنى: ما أمرك وحالك, كما قال الراجز:يَا عَجَبًا مَا خَطْبُهُ وَخَطْبِي (5)وبنحو الذي قلنا في ذلك قال أهل التأويل.* ذكر من قال ذلك:حدثنا العباس, قال: ثنا يزيد, قال: أخبرنا الأصبغ, قال: أخبرنا القاسم, قال: ثني سعيد بن جُبَيْر, عن ابن عباس, قال: قال لهما: ( مَا خَطْبُكُمَا ) معتزلتين لا تسقيان مع الناس.حدثنا ابن حميد, قال: ثنا سلمة, عن ابن إسحاق, قال: وجد لهما رحمة, ودخلته فيهما خشية, لما رأى من ضعفهما, وغَلَبَةِ الناس على الماء دونهما, فقال لهما: ما خطبكما: أي ما شأنكما.وقوله: ( قَالَتَا لا نَسْقِي حَتَّى يُصْدِرَ الرِّعَاءُ ) يقول جل ثناؤه: قالت المرأتان لموسى: لا نسقي ماشيتنا حتى يصدر الرعاء مَوَاشِيهِم, لأنا لا نطيق أن نسقي, وإنما نسقي مواشينا ما أفضلَتْ مواشي الرعاء في الحوض, والرّعاء: جمع راع, والراعي جمعه رعاء ورعاة ورعيان.وبنحو الذي قلنا في ذلك قال أهل التأويل.* ذكر من قال ذلك:حدثني العباس, قال: أخبرنا يزيد, قال: أخبرنا الأصبغ, قال: ثنا القاسم, قال: ثني سعيد بن جُبَيْر, عن ابن عباس, قال: لما قال موسى للمرأتين: ( مَا خَطْبُكُمَا قَالَتَا لا نَسْقِي حَتَّى يُصْدِرَ الرِّعَاءُ وَأَبُونَا شَيْخٌ كَبِيرٌ ): أي لا نستطيع أن نسقي حتى يسقي الناس, ثم نَتَّبع فضلاتهم.حدثنا القاسم, قال: ثنا الحسين, قال: ثني حجاج, عن ابن جُرَيج, قوله: ( حَتَّى يُصْدِرَ الرِّعَاءُ ) قال: تنتظران تسقيان من فضول ما في الحياض حياض الرعاء.حدثنا ابن حميد, قال: ثنا سلمة, عن ابن إسحاق ( قَالَتَا لا نَسْقِي حَتَّى يُصْدِرَ الرِّعَاءُ ) امرأتان لا نستطيع أن نزاحم الرجال ( وَأَبُونَا شَيْخٌ كَبِيرٌ ) لا يقدر أن يمسّ ذلك من نفسه, ولا يسقي ماشيته, فنحن ننتظر الناس حتى إذا فرغوا أسقينا ثم انصرفنا.واختلفت القرّاء في قراءة قوله: ( حَتَّى يُصْدِرَ الرِّعَاءُ ) فقرأ ذلك عامة قرّاء الحجاز سوى أبي جعفر القارئ وعامة قرّاء العراق سوى أبي عمرو: ( يُصْدِرَ الرِّعَاءُ ) بضم الياء, وقرأ ذلك أبو جعفر وأبو عمرو بفتح الياء من يصدر الرعاء عن الحوض. وأما الآخرون فإنهم ضموا الياء, بمعنى: أصدر الرعاء مواشيهم, وهما عندي قراءتان متقاربتا المعنى, قد قرأ بكل واحدة منهما علماء من القرّاء, فبأيتهما قرأ القارئ فمصيب.وقوله: ( وَأَبُونَا شَيْخٌ كَبِيرٌ ) يقولان: لا يستطيع من الكبر والضعف أن يَسْقِيَ ماشيته.وقوله: فَسَقَى لَهُمَا ذُكِرَ أنه عليه السلام فتح لهما عن رأس بئر كان عليها حَجَر لا يطيق رفعه إلا جماعة من الناس, ثم استسقى فسَقى لهما ماشيتهما منه.* ذكر من قال ذلك:حدثني محمد بن عمرو, قال: ثنا أبو عاصم, قال: ثنا عيسى; وحدثني الحارث, قال: ثنا الحسن, قال: ثنا ورقاء، جميعا عن ابن أبي نجيح, عن مجاهد, قال: فتح لهما عن بئر حجرا على فيها, فسقى لهما منها.حدثنا القاسم, قال: ثنا الحسين, قال: ثني حجاج, عن ابن جُرَيج بنحوه, وزاد فيه: قال ابن جُرَيج: حجرا كان لا يطيقه إلا عشرة رَهْط.حدثنا القاسم, قال: ثنا الحسين, قال: ثنا أبو معاوية, عن الحجاج, عن الحكم, عن شريح, قال: انتهى إلى حجر لا يرفعه إلا عشرة رجال, فرفعه وحده.حدثنا موسى, قال: ثنا عمرو, قال: ثنا أسباط, عن السدي, قال: رحمهما موسى حين ( قَالَتَا لا نَسْقِي حَتَّى يُصْدِرَ الرِّعَاءُ وَأَبُونَا شَيْخٌ كَبِيرٌ ) فأتى إلى البئر فاقتلع صخرة على البئر كان النفر من أهل مَدْيَنَ يجتمعون عليها, حتى يرفعوها, فسقى لهما موسى دلوا فأروتا غنمهما, فرجعتا سريعا, وكانتا إنما تسقيان من فُضول الحياض.حدثني العباس, قال: أخبرنا يزيد, قال: أخبرنا الأصبغ, قال: ثنا القاسم, قال: ثنا سعيد بن جُبَيْر, عن ابن عباس فَسَقَى لَهُمَا فجعل يغرف في الدلو ماء كثيرا حتى كانتا أوّل الرعاء ريا, فانصرفتا إلى أبيهما بغنمهما.حدثنا بشر, قال: ثنا يزيد, وقال: ثنا سعيد, عن قَتادة, قال: تصدق عليهما نبي الله صلى الله عليه وسلم , فسقى لهما, فلم يلبث أن أروى غنمهما.حدثنا ابن حميد, قال: ثنا سلمة, عن ابن إسحاق, قال: أخذ دلوهما موسى, ثم تقدّم إلى السقاء بفضل قوّته, فزاحم القوم على الماء حتى أخَّرهم عنه, ثم سقى لهما.-------------------الهوامش :(3) البيت لسويد بن كراع العكلي وكان هجا بني عبد الله بن دارم، فاستعدوا عليه سعيد بن عثمان، فأراد ضربه، فقال سويد قصيدة أولها: (تقول ابنة العوفي ليلى ألا ترى إلى ابن كراع لا يزال مفزعًا) والبيت من شواهد أبي عبيدة في مجاز القرآن. قال عند قوله تعالى: (ووجد من دونهم امرأتين تذودان): مجازه: تمنعان وتردان وتضربان. قال سويد بن كراع: "أبيت على باب القوافي..." البيت، وقد أورد صاحب الأغاني أبيات سويد بن كراع التي منها بيت الشاهد في الجزء (12: 344) طبعة دار كتب. وفيه "أصادى" في موضع "أذود" قال محققه: صاداه: داراه وساتره. ولا شاهد فيه حينئذ.(4) البيت من شواهد أبي عبيدة في (مجاز القرآن الورقة 178 ب) قال: تذودان مجازه: تمنعان وتردان وتضربان.(5) البيت من شواهد أبي عبيدة في معاني القرآن (الورقة 187-1) قال في تفسير قوله تعالى: (ما خطبكما): أي ما أمركما وشأنكما؟ قال: يا عجبا ما خطبه وخطبي. والبيت: من مشطور الرجز لرؤبة ابن العجاج (ديوانه ص 16) من أرجوزة يمدح بها بلال بن أبي بردة، وهو عامر بن عبد الله بن قيس، مطلعها أتعتبني والهوى ذو عتب.

فَسَقَىٰ لَهُمَا ثُمَّ تَوَلَّىٰٓ إِلَى ٱلظِّلِّ فَقَالَ رَبِّ إِنِّى لِمَآ أَنزَلْتَ إِلَىَّ مِنْ خَيْرٍ فَقِيرٌ (24)


القول في تأويل قوله تعالى : فَسَقَى لَهُمَا ثُمَّ تَوَلَّى إِلَى الظِّلِّ فَقَالَ رَبِّ إِنِّي لِمَا أَنْزَلْتَ إِلَيَّ مِنْ خَيْرٍ فَقِيرٌ (24)يقول تعالى ذكره: فسقى موسى للمرأتين ماشيتهما, ثم تولى إلى ظلّ شجرة ذُكِر أنها سَمُرة.* ذكر من قال ذلك:حدثنا موسى, قال: ثنا عمرو, قال: ثنا أسباط, عن السدي ( ثُمَّ تَوَلَّى) موسى إلى ظلّ شجرة سَمُرة, فقال: ( رَبِّ إِنِّي لِمَا أَنْزَلْتَ إِلَيَّ مِنْ خَيْرٍ فَقِيرٌ ).حدثني العباس, قال: ثنا يزيد, قال: أخبرنا الأصبغ, قال: ثنا القاسم, قال: ثني سعيد بن جُبَيْر, عن ابن عباس, قال: انصرف موسى إلى شجرة, فاستظلَّ بظلِّها,( فَقَالَ رَبِّ إِنِّي لِمَا أَنْزَلْتَ إِلَيَّ مِنْ خَيْرٍ فَقِيرٌ ).حدثني الحسين بن عمرو العنقزي, قال: ثنا أبي, قال: ثنا إسرائيل, عن أبي إسحاق, عن عمرو بن ميمون, عن عبد الله, قال: حثثت على جَمَل لي ليلتين حتى صبحت مدين, فسألت عن الشجرة التي أوى إليها موسى, فإذا شجرة خضراء تَرفّ, فأهوى إليها جملي وكان جائعا, فأخذها جملي, فعالجها ساعة, ثم لفظها, فدعوت الله لموسى عليه السلام , ثم انصرفت.وقوله: ( فَقَالَ رَبِّ إِنِّي لِمَا أَنْزَلْتَ إِلَيَّ مِنْ خَيْرٍ فَقِيرٌ ) محتاج. وذُكِر أن نبيّ الله موسى عليه السلام قال هذا القول, وهو بجهد شديد, وعَرَّض ذلك للمرأتين تعريضا لهما, لعلهما أن تُطعماه مما به من شدّة الجوع.وقيل: إن الخير الذي قال نبي الله ( إِنِّي لِمَا أَنْزَلْتَ إِلَيَّ مِنْ خَيْرٍ فَقِيرٌ ) محتاج, إنَّمَا عنى به: شَبْعَةٌ من طعام.وبنحو الذي قلنا في ذلك قال أهل التأويل.* ذكر من قال ذلك:حدثنا ابن حميد, قال: ثنا يعقوب, عن جعفر, عن سعيد, عن ابن عباس, قال: لما هرب موسى من فرعون أصابه جوع شديد, حتى كانت تُرى أمعاؤه من ظاهر الصِّفاق; فلما سقى للمرأتين, وأوى إلى الظلّ, قال: ( رَبِّ إِنِّي لِمَا أَنْزَلْتَ إِلَيَّ مِنْ خَيْرٍ فَقِيرٌ ).حدثنا ابن حميد, قال: ثنا حكام, قال: ثنا عنبسة, عن أبي حصين, عن سعيد بن جُبَيْر, عن ابن عباس, في قوله: وَلَمَّا وَرَدَ مَاءَ مَدْيَنَ قال: ورد الماء وإنه ليتراءَى خُضرةُ البقل في بطنه من الهُزال,( فَقَالَ رَبِّ إِنِّي لِمَا أَنزلْتَ إِلَيَّ مِنْ خَيْرٍ فَقِيرٌ ) قال: شَبعةُ.حدثني نصر بن عبد الرحمن الأوْدِيُّ, قال: ثنا حَكَّام بن سلم, عن عنبسة, عن أبي حُصَين, عن سعيد بن جُبَيْر, عن ابن عباس, في قوله: وَلَمَّا وَرَدَ مَاءَ مَدْيَنَ قال: ورد الماء, وإن خُضرة البقل لتُرى في بطنه من الهُزال.حدثني نصر بن عبد الرحمن, قال: ثنا حكام بن سَلْم, عن عنبسة, عن أبي حصين, عن سعيد بن جُبَيْر ( إِنِّي لِمَا أَنزلْتَ إِلَيَّ مِنْ خَيْرٍ فَقِيرٌ ) قال: شَبْعَةُ يومئذ.حدثنا ابن بشار, قال: ثنا عبد الرحمن, قال: ثنا سفيان عن منصور, عن إبراهيم, في قوله, فقال: ( رَبِّ إِنِّي لِمَا أَنزلْتَ إِلَيَّ مِنْ خَيْرٍ فَقِيرٌ ) قال: قال هذا وما معه درهم ولا دينار.قال: ثنا سفيان, عن ليث, عن مجاهد ( إِنِّي لِمَا أَنزلْتَ إِلَيَّ مِنْ خَيْرٍ فَقِيرٌ ) قال: ما سأل إلا الطعام.حدثنا ابن حميد, قال: ثنا سلمة بن الفضل, عن سفيان الثوري, عن ليث, عن مجاهد, في قوله: فقال: ( رَبِّ إِنِّي لِمَا أَنزلْتَ إِلَيَّ مِنْ خَيْرٍ فَقِيرٌ ) قال: ما سأل ربه إلا الطعام.حدثنا موسى, قال: ثنا عمرو, قال: ثنا أسباط, عن السدي قال: ( رَبِّ إِنِّي لِمَا أَنزلْتَ إِلَيَّ مِنْ خَيْرٍ فَقِيرٌ ) قال: قال ابن عباس: لقد قال موسى: ولو شاء إنسان أن ينظر إلى خُضْرة أمعائه من شدة الجوع, وما يسأل الله إلا أكلة.حدثنا بشر, قال: ثنا يزيد, قال: ثنا سعيد, عن قَتادة, قال: ( رَبِّ إِنِّي لِمَا أَنزلْتَ إِلَيَّ مِنْ خَيْرٍ فَقِيرٌ ) قال: كان نبي الله بجهد.حدثني يعقوب, قال: ثنا ابن علية, عن عطاء بن السائب في قوله: ( إِنِّي لِمَا أَنزلْتَ إِلَيَّ مِنْ خَيْرٍ فَقِيرٌ ) قال: بلغني أن موسى قالها وأسمع المرأة.حدثني محمد بن عمرو, قال: ثني أبو عاصم, قال: ثنا عيسى; وحدثني الحارث, قال: ثنا الحسن, قال: ثنا ورقاء، جميعا عن ابن أبي نُجَيح, عن مجاهد, قوله: ( مِنْ خَيْرٍ فَقِيرٌ ) قال: طعام.حدثنا القاسم, قال: ثنا الحسين, قال: ثني حجاج, عن ابن جُرَيج, عن مجاهد ( مِنْ خَيْرٍ فَقِيرٌ ) قال: طعام.حدثني يونس, قال: أخبرنا ابن وهب, قال: قال ابن زيد, في قوله: ( إِنِّي لِمَا أَنزلْتَ إِلَيَّ مِنْ خَيْرٍ فَقِيرٌ ) قال: الطعام يَسْتَطْعِم, لم يكن معه طعام, وإنما سأل الطعام.

فَجَآءَتْهُ إِحْدَىٰهُمَا تَمْشِى عَلَى ٱسْتِحْيَآءٍ قَالَتْ إِنَّ أَبِى يَدْعُوكَ لِيَجْزِيَكَ أَجْرَ مَا سَقَيْتَ لَنَا فَلَمَّا جَآءَهُۥ وَقَصَّ عَلَيْهِ ٱلْقَصَصَ قَالَ لَا تَخَفْ نَجَوْتَ مِنَ ٱلْقَوْمِ ٱلظَّٰلِمِينَ (25)


القول في تأويل قوله تعالى : فَجَاءَتْهُ إِحْدَاهُمَا تَمْشِي عَلَى اسْتِحْيَاءٍ قَالَتْ إِنَّ أَبِي يَدْعُوكَ لِيَجْزِيَكَ أَجْرَ مَا سَقَيْتَ لَنَا فَلَمَّا جَاءَهُ وَقَصَّ عَلَيْهِ الْقَصَصَ قَالَ لا تَخَفْ نَجَوْتَ مِنَ الْقَوْمِ الظَّالِمِينَ (25)يقول تعالى ذكره: فجاءت موسى إحدى المرأتين اللتين سَقَى لهما تمشي على استحياء من موسى, قد سترت وجهها بثوبها.وبنحو الذي قلنا في ذلك قال أهل التأويل.* ذكر من قال ذلك:حدثنا أبو السائب والفضل بن الصباح, قالا ثنا ابن فضيل, عن ضرار بن عبد الله بن أبي الهُذَيل, عن عمر بن الخطاب رضي الله عنه , في قوله: ( فَجَاءَتْهُ إِحْدَاهُمَا تَمْشِي عَلَى اسْتِحْيَاءٍ ) قال: مستترة بكمّ درعها, أو بكمّ قميصها.حدثنا ابن وكيع, قال: ثنا أبو أسامة, عن حماد بن عمرو الأسدي, عن أبي سِنان, عن ابن أبي الهُذَيل عن عمر رضي الله عنه, قال: واضعة يدها على وجهها مستترة.حدثنا ابن بشار, قال: ثنا عبد الرحمن, قال: ثنا سفيان, عن أبي إسحاق, عن نَوْف: ( فَجَاءَتْهُ إِحْدَاهُمَا تَمْشِي عَلَى اسْتِحْيَاءٍ ) قال: قد سترت وجهها بيديها.قال: ثنا يحيى, عن سفيان, عن أبي إسحاق, عن نَوْف، بنحوه.حدثنا ابن وكيع, قال: ثنا أبي, عن سفيان, عن أبي إسحاق, عن نوف ( فَجَاءَتْهُ إِحْدَاهُمَا تَمْشِي عَلَى اسْتِحْيَاءٍ ) قال: قائلة بيديها على وجهها, ووضع أبي يده على وجهه.حدثنا ابن بشار, قال: ثنا عبد الرحمن, قال: ثنا إسرائيل, عن أبي إسحاق, عن عَمرو بن ميمون ( فَجَاءَتْهُ إِحْدَاهُمَا تَمْشِي عَلَى اسْتِحْيَاءٍ ) قال: ليست بِسَلْفَع من النساء خرّاجة ولاجة واضعة ثوبها على وجهها، تقول: ( إِنَّ أَبِي يَدْعُوكَ لِيَجْزِيَكَ أَجْرَ مَا سَقَيْتَ لَنَا ).حدثنا ابن وكيع, قال: ثنا أبي, عن إسرائيل, عن أبي إسحاق, عن عمرو بن ميمون, عن عمر بن الخطَّاب رضي الله عنه ( فَجَاءَتْهُ إِحْدَاهُمَا تَمْشِي عَلَى اسْتِحْيَاءٍ ) قال: لم تكن سلفعا من النساء خرَّاجة ولاجَة, قائلة بيدها على وجهها( إِنَّ أَبِي يَدْعُوكَ لِيَجْزِيَكَ أَجْرَ مَا سَقَيْتَ لَنَا ).حدثنا ابن بشار, قال: ثنا عبد الرحمن, قال: ثنا سفيان, قال: ثنا قرة بن خالد, قال: سمعت الحسن يقول, في قوله: ( فَجَاءَتْهُ إِحْدَاهُمَا تَمْشِي عَلَى اسْتِحْيَاءٍ ) قال: بعيدة من البَذَاء.حدثنا موسى, قال: ثنا عمرو, قال: ثنا أسباط, عن السدي ( تَمْشِي عَلَى اسْتِحْيَاءٍ ) قال: أتته تمشي على استحياء منه.حدثنا ابن حميد, قال: ثنا سلمة, عن ابن إسحاق ( فَجَاءَتْهُ إِحْدَاهُمَا تَمْشِي عَلَى اسْتِحْيَاءٍ ) قال: واضعة يدها على جبينها.وقوله: ( قَالَتْ إِنَّ أَبِي يَدْعُوكَ لِيَجْزِيَكَ أَجْرَ مَا سَقَيْتَ لَنَا ) يقول تعالى ذكره: قالت المرأة التي جاءت موسى تمشي على استحياء: إن أبي يدعوك ليجزيك: تقول: يثيبَك أجر ما سقيت لنا.وقوله: ( فَلَمَّا جَاءَهُ وَقَصَّ عَلَيْهِ الْقَصَصَ ) يقول: فمضى موسى معها إلى أبيها, فلما جاء أباها وقصّ عليه قصصه مع فرعون وقومه من القبط, قال له أبوها: (لا تَخَفْ) فقد (نَجَوْتَ مِنَ القَوْمِ الظَّالِمِينَ) يعني: من فرعون وقومه, لأنه لا سلطان له بأرضنا التي أنت بها.وبنحو الذي قلنا في ذلك, قال أهل التأويل.* ذكر من قال ذلك:حدثني العباس, قال: أخبرنا يزيد, قال: ثنا الأصبغ, قال: ثنا القاسم, &; 19-560 &; قال: ثنا سعيد بن جُبَيْر عن ابن عباس, قال: استنكر أبو الجاريتين سُرعة صدورهما بغنمهما حُفَّلا بطانا, فقال: إن لكما اليوم لشأنا.قال أبو جعفر: احسبه قال: فأخبرتاه الخبر; فلما أتاه موسى كلمه,( قَالَ لا تَخَفْ نَجَوْتَ مِنَ الْقَوْمِ الظَّالِمِينَ ) ليس لفرعون ولا لقومه علينا سلطان, ولسنا في مملكته.حدثنا موسى, قال: ثنا عمرو, قال: ثنا أسباط, عن السدي, قال: لما رجعت الجاريتان إلى أبيهما سريعا سألهما, فأخبرتاه خبر موسى, فأرسل إليه إحداهما, فأتته تمشي على استحياء, وهي تستحي منه ( قَالَتْ إِنَّ أَبِي يَدْعُوكَ لِيَجْزِيَكَ أَجْرَ مَا سَقَيْتَ لَنَا ) فقام معها، وقال لها: امضي, فمشت بين يديه, فضربتها الريح, فنظر إلى عجيزتها, فقال لها موسى: امشي خلفي, ودُليني على الطريق إن أخطأت. فلما جاء الشيخ وقصّ عليه القصص ( قَالَ لا تَخَفْ نَجَوْتَ مِنَ الْقَوْمِ الظَّالِمِينَ ).حدثنا بشر, قال: ثنا يزيد, قال: ثنا سعيد, عن قَتادة ( فَجَاءَتْهُ إِحْدَاهُمَا تَمْشِي عَلَى اسْتِحْيَاءٍ قَالَتْ إِنَّ أَبِي يَدْعُوكَ لِيَجْزِيَكَ أَجْرَ مَا سَقَيْتَ لَنَا ) قال: قال مُطَرِّف: أما والله لو كان عند نبيّ الله شيء ما تتبع مذقيهما (6) ولكن إنما حمله على ذلك الجَهْد ( فَلَمَّا جَاءَهُ وَقَصَّ عَلَيْهِ الْقَصَصَ قَالَ لا تَخَفْ نَجَوْتَ مِنَ الْقَوْمِ الظَّالِمِينَ ).حدثنا ابن حميد, قال: ثنا سلمة, عن ابن إسحاق, قال: رجعتا إلى أبيهما في ساعة كانتا لا ترجعان فيها, فأنكر شأنهما, فسألهما فأخبرتاه الخبر, فقال لإحداهما: عجِّلي عليّ به, فأتته على استحياء فجاءته, فقالت: ( إِنَّ أَبِي يَدْعُوكَ لِيَجْزِيَكَ أَجْرَ مَا سَقَيْتَ لَنَا ) فقام معها كما ذُكِر لي, فقال لها: امشي خلفي, وانعتي لي الطريق, وأنا أمشي أمامك, فإنا لا ننظر إلى أدبار النساء; فلما جاءه أخبره الخبر, وما أخرجه من بلاده ( فَلَمَّا جَاءَهُ وَقَصَّ عَلَيْهِ الْقَصَصَ قَالَ لا تَخَفْ نَجَوْتَ مِنَ الْقَوْمِ الظَّالِمِينَ ) وقد أخبرت أباها بقوله: إنَّا لا ننظر إلى أدبار النساء.------------------الهوامش :(6) ‌مذقيهما: مثنى مذق، وهو اللبن يخلط بالماء، ويشرب. يريد أن موسى عليه السلام، لم يكن معه مال ولا زاد.

قَالَتْ إِحْدَىٰهُمَا يَٰٓأَبَتِ ٱسْتَـْٔجِرْهُ إِنَّ خَيْرَ مَنِ ٱسْتَـْٔجَرْتَ ٱلْقَوِىُّ ٱلْأَمِينُ (26)


القول في تأويل قوله تعالى : قَالَتْ إِحْدَاهُمَا يَا أَبَتِ اسْتَأْجِرْهُ إِنَّ خَيْرَ مَنِ اسْتَأْجَرْتَ الْقَوِيُّ الأَمِينُ (26)يقول تعالى ذكره: قالت إحدى المرأتين اللتين سقى لهما موسى لأبيها حين أتاهُ موسى, وكان اسم إحداهما صَفُّورا, واسم الأخرى لَيّا, وقيل: شَرْفا كذلك.حدثنا القاسم, قال: ثنا الحسين, قال: ثني حجاج, عن ابن جُرَيج, قال: أخبرني وهب بن سليمان الرمادي, عن شعيب الجَبَئِي, قال: اسم الجاريتين لَيّا, وصَفُّورَا, وامرأة موسى صفُّورا ابنة يثرون (7) كاهن مدين, والكاهن: حبر.حدثنا ابن حميد, قال: ثنا سلمة, عن ابن إسحاق, قال: إحداهما صَفُّورا ابنة يثرون وأختها شَرَفا, ويقال: ليا, وهما اللتان كانتا تذودان. وأما أبوهما ففي اسمه اختلاف, فقال بعضهم: كان اسمه يثرون.* ذكر من قال ذلك:حدثني أبو السائب, قال: ثنا أبو معاوية, عن الأعمش, عن عمر بن مرّة, عن أبي عُبيدة, قال: كان الذي استأجر موسى ابنُ أخي شعيب يثرون .حدثنا ابن وكيع, قال: ثنا أبو معاوية, عن الأعمش, عن عمرو بن مرّة, عن أبي عُبيدة, قال: الذي استأجر موسى يثرون ابنُ أخي شعيب عليه السلام .وقال آخرون: بل اسمه: يَثَرى .* ذكر من قال ذلك:حدثنا ابن وكيع, قال: ثنا العلاء بن عبد الجبار, عن حماد بن سلمة, عن أبي حمزة, عن ابن عباس قال: الذي استأجر موسى: يثرى صاحب مدين.حدثني أبو العالية العبدي إسماعيل بن الهيثم, قال: ثنا أبو قُتيبة, عن حماد بن سلمة, عن أبي حمزة, عن ابن عباس, قال: الذي استأجر موسى: يثرى صاحب مدين.حدثني أبو العالية العبديّ إسماعيل بن الهيثم, قال: ثنا أبو قُتيبة, عن حماد بن سلمة, عن أبي حمزة, عن ابن عباس, قال: اسم أبي المرأة: يثرى .وقال آخرون: بل اسمه شعيب, وقالوا: هو شعيب النبيّ صلى الله عليه وسلم .* ذكر من قال ذلك:حدثنا ابن بشار, قال: ثنا عبد الرحمن, قال: ثنا قرّة بن خالد, قال: سمعت الحسن يقول: يقولون شعيب صاحب موسى, ولكنه سيد أهل الماء يومئذ.قال أبو جعفر: وهذا مما لا يُدرك علمه إلا بخبر, ولا خبر بذلك تجب حجته, فلا قول في ذلك أولى بالصواب مما قاله الله جل ثناؤه وَوَجَدَ مِنْ دُونِهِمُ امْرَأتَيْنِ تَذُودَانِ ... قَالَتْ إِحْدَاهُمَا يَا أَبَتِ اسْتَأْجِرْهُ تعني بقولها: استأجره ليرعى عليك ماشيتك.( إِنَّ خَيْرَ مَنِ اسْتَأْجَرْتَ الْقَوِيُّ الأمِينُ ) تقول: إن خير من تستأجره للرعي القويّ على حفظ ماشيتك والقيام عليها في إصلاحها وصلاحها, الأمين الذي لا تخاف خيانته, فيما تأمنه عليه.وقيل: إنها لما قالت ذلك لأبيها, استنكر أبوها ذلك من وصفها إياه فقال لها: وما علمك بذلك؟ فقالت: أما قوّته فما رأيت من علاجه ما عالج عند السقي على البئر, وأما الأمانة فما رأيت من غضّ البصر عني.وبنحو ذلك جاءت الأخبار عن أهل التأويل.* ذكر من قال ذلك:حدثنا ابن وكيع, قال: ثنا يزيد, قال: أخبرنا الأصبغ بن زيد, عن القاسم بن أبي أيوب, عن سعيد بن جُبَيْر, عن ابن عباس, قال: ( قَالَتْ إِحْدَاهُمَا يَا أَبَتِ اسْتَأْجِرْهُ إِنَّ خَيْرَ مَنِ اسْتَأْجَرْتَ الْقَوِيُّ الأمِينُ ) قال: فأحفظته الغَيْرة أن قال: وما يدريك ما قوّته وأمانته؟ قالت: أما قوّته, فما رأيت منه حين سقى لنا, لم أر رجلا قط أقوى في ذلك السقي منه; وأما أمانته, فإنه نظر حين أقبلت إليه وشخصت له, فلما علم أني امرأة صوب رأسه فلم يرفعه, ولم ينظر إلي حتى بلغته رسالتك, ثم قال: امشي خلفي وانعتي لي الطريق, ولم يفعل ذلك إلا وهو أمين, فسُرّي عن أبيها وصدَّقها وظن به الذي قالت.حدثني عليّ, قال: ثنا أبو صالح, ثني معاوية, عن عليّ, عن ابن عباس, قوله: لموسى ( إِنَّ خَيْرَ مَنِ اسْتَأْجَرْتَ الْقَوِيُّ الأمِينُ ) يقول: أمين فيما وَلِيَ, أمين على ما استُودع.حدثني محمد بن سعد, قال: ثني أبي, قال: ثني عمي, قال: ثني أبي, عن أبيه, عن ابن عباس, قوله: ( قَالَتْ إِحْدَاهُمَا يَا أَبَتِ اسْتَأْجِرْهُ إِنَّ خَيْرَ مَنِ اسْتَأْجَرْتَ الْقَوِيُّ الأمِينُ ) قال: إن موسى لما سَقَى لهما, ورأت قوته, وحرّك حجَرا على الركِيّة, لم يستطعه ثلاثون رجلا فأزاله عن الركية, وانطلق مع الجارية حين دعته, فقال لها: امشي خلفي وأنا أمامك, كراهية أن يرى شيئا من خلفها مما حرّم الله أن ينظر إليه, وكان يوما فيه ريح.حدثنا ابن حميد, قال: ثنا جرير, عن مغيرة, عن عبد الرحمن بن أبي نعم, في قوله: ( يَا أَبَتِ اسْتَأْجِرْهُ إِنَّ خَيْرَ مَنِ اسْتَأْجَرْتَ الْقَوِيُّ الأمِينُ ) قال لها أبوها: ما رأيت من أمانته؟ قالت: لما دعوته مشيت بين يديه, فجعلت الريح تضرب ثيابي, فتلزق بجسدي, فقال: كوني خلفي, فإذا بلغت الطريق فاذهبي, قالت: ورأيته يملأ الحوض بسجل واحد.حدثني محمد بن عمرو, قال: ثنا أبو عاصم, قال: ثنا عيسى; وحدثني الحارث, قال: ثنا الحسن, قال: ثنا ورقاء جميعا, عن ابن أبي نجيح, عن مجاهد, قوله: ( الْقَوِيُّ الأمِينُ ) قال: غضّ طرفه عنهما. قال محمد بن عمرو في حديثه: حين, أو حتى سقى لهما فصدرتا. وقال الحارث في حديثه: حتى سقى بغير شك.حدثنا القاسم, قال: ثنا الحسين, قال: ثنا حجاج, عن ابن جُرَيج, عن مجاهد, قال: فتح عن بئر حجرا على فيها, فسقى لهما بها, والأمين: أنه غضّ بصره عنهما حين سقى لهما فصدرتا.حدثنا ابن وكيع, قال: ثنا أبو خالد الأحمر وهانئ بن سعيد, عن الحجاج, عن القاسم, عن مجاهد ( إِنَّ خَيْرَ مَنِ اسْتَأْجَرْتَ الْقَوِيُّ الأمِينُ ) قال: رفع حجرا لا يرفعه إلا فِئام من الناس.حدثنا ابن وكيع, قال: ثنا أبي, عن إسرائيل, عن أبي إسحاق, قال عمرو بن ميمون, في قوله: ( الْقَوِيُّ الأمِينُ ) قال: كان يوم ريح, فقال: لا تمشي أمامي, فيصفك الريح لي, ولكن امشي خلفي ودلِّيني على الطريق; قال: فقال لها: كيف عرفت قوته؟قالت: كان الحجر لا يطيقه إلا عشرة فرفعه وحده.حدثنا القاسم, قال: ثنا الحسين, قال: ثني أبو معاوية, عن الحجاج بن أرطأة, عن الحكم, عن شريح في قوله: ( الْقَوِيُّ الأمِينُ ) قال: أما قوّته: فانتهى إلى حجر لا يرفعه إلا عشرة, فرفعه وحده. وأما أمانته: فإنها مشت أمامه فوصفها الريح, فقال لها: امشي خلفي وصفي لي الطريق.حدثنا ابن وكيع, قال: ثنا أبو معاوية, عن عمرو, عن زائدة, عن الأعمش, قال: سألت تميم بن إبراهيم: بم عرفت أمانته ؟قال: في طرفه, بغضّ طرفه عنها.حدثنا بشر, قال: ثنا يزيد, قال: ثنا سعيد, عن قَتادة: ( إِنَّ خَيْرَ مَنِ اسْتَأْجَرْتَ الْقَوِيُّ الأمِينُ ) قال: القويّ في الصنعة, الأمين فيما وَلِيَ.قال: وذُكر لنا أن الذي رأت من قوّته: أنه لم تلبث ماشيتها حتى أرواها; وأن الأمانة التي رأت منه أنها حين جاءت تدعوه, قال لها: كوني ورائي, وكره أن يستدبرها, فذلك ما رأت من قوّته وأمانته.حدثنا القاسم, قال: ثنا الحسين, قال: ثنا أبو سفيان, عن معمر, عن قَتادة, قوله: ( يَا أَبَتِ اسْتَأْجِرْهُ إِنَّ خَيْرَ مَنِ اسْتَأْجَرْتَ الْقَوِيُّ الأمِينُ ) قال: بلغنا أن قوّته كانت سرعة ما أروى غنمهما. وبلغنا أنه ملأ الحوض بدلو (8) واحد. وأما أمانته فإنه أمرها أن تمشي خلفه.حدثنا موسى, قال: ثنا عمرو, قال: ثنا أسباط, عن السدي: ( قَالَتْ إِحْدَاهُمَا يَا أَبَتِ اسْتَأْجِرْهُ إِنَّ خَيْرَ مَنِ اسْتَأْجَرْتَ الْقَوِيُّ الأمِينُ ) وهي الجارية التي دعته, قال الشيخ: هذه القوة قد رأيت حين اقتلع الصخرة, أرأيت أمانته, ما يدريكِ ما هي؟ قالت: مشيت قدّامه فلم يحبّ أن يخونني في نفسي, فأمرني أن أمشي خلفه.حدثني يونس, قال: أخبرنا ابن وهب, قال: قال ابن زيد, في قوله: ( قَالَتْ إِحْدَاهُمَا يَا أَبَتِ اسْتَأْجِرْهُ إِنَّ خَيْرَ مَنِ اسْتَأْجَرْتَ الْقَوِيُّ الأمِينُ ) فقال لها: وما عِلْمكِ بقوته وأمانته؟ فقالت: أما قوّته فإنه كشف الصخرة التي على بئر آل فلان, وكان لا يكشفها دون سبعة نفر. وأما أمانته فإني لما جئت أدعوه قال: كوني خَلْفَ ظهري, وأشيري لي إلى منزلك, فعرفت أن ذلك منه أمانة.حدثنا ابن حميد, قال: ثنا سلمة, عن ابن إسحاق: ( قَالَتْ إِحْدَاهُمَا يَا أَبَتِ اسْتَأْجِرْهُ إِنَّ خَيْرَ مَنِ اسْتَأْجَرْتَ الْقَوِيُّ الأمِينُ ) لما رأت من قوّته وقوله:لها ما قال: أنِ امشي خلفي, لئلا يرى منها شيئا مما يكره, فزاده ذلك فيه رغبة.--------------------(7) يثرون ويثري: كذا في الأصل. وفي العرائس (قصص الأنبياء، لأبي إسحاق أحمد بن محمد بن إبراهيم النيسابوري المعروف بالثعلبي المتوفى سنة 427 ه ص 174: "ثبرون"). ولعله تحريف من الناسخ.(8) الدلو: الذي يستقى به من البئر ونحوها: يذكر ويؤنث (عن اللسان).

قَالَ إِنِّىٓ أُرِيدُ أَنْ أُنكِحَكَ إِحْدَى ٱبْنَتَىَّ هَٰتَيْنِ عَلَىٰٓ أَن تَأْجُرَنِى ثَمَٰنِىَ حِجَجٍ فَإِنْ أَتْمَمْتَ عَشْرًا فَمِنْ عِندِكَ وَمَآ أُرِيدُ أَنْ أَشُقَّ عَلَيْكَ سَتَجِدُنِىٓ إِن شَآءَ ٱللَّهُ مِنَ ٱلصَّٰلِحِينَ (27)


القول في تأويل قوله تعالى : قَالَ إِنِّي أُرِيدُ أَنْ أُنْكِحَكَ إِحْدَى ابْنَتَيَّ هَاتَيْنِ عَلَى أَنْ تَأْجُرَنِي ثَمَانِيَ حِجَجٍ فَإِنْ أَتْمَمْتَ عَشْرًا فَمِنْ عِنْدِكَ وَمَا أُرِيدُ أَنْ أَشُقَّ عَلَيْكَ سَتَجِدُنِي إِنْ شَاءَ اللَّهُ مِنَ الصَّالِحِينَ (27)يقول تعالى ذكره: (قَالَ) أبو المرأتين اللتين سقى لهما موسى لموسى: ( إِنِّي أُرِيدُ أَنْ أُنْكِحَكَ إِحْدَى ابْنَتَيَّ هَاتَيْنِ عَلَى أَنْ تَأْجُرَنِي ثَمَانِيَ حِجَجٍ ) يعني بقوله: ( عَلَى أَنْ تَأْجُرَنِي ): على أن تثيبني من تزويجها رعي ماشيتي ثماني حِجَج, من قول الناس: آجرك الله فهو يَأْجُرُك, بمعنى: أثابك الله; والعرب تقول: أَجَرْت الأجير آجره, بمعنى: أعطيته ذلك, كما يقال: أخذته فأنا آخذه. وحكى بعض أهل العربية من أهل البصرة أن لغة العرب: أَجَرْت غلامي فهو مأجور, وآجرته فهو مُؤْجَر, يريد: أفعلته.قال: وقال بعضهم: آجره فهو مؤاجر, أراد فاعلته; وكأن أباها عندي جعل صداق ابنته التي زوجها موسى رعي موسى عليه ماشيته ثمانيَ حِجَج, والحجَج: السنون.وقوله: ( فَإِنْ أَتْمَمْتَ عَشْرًا فَمِنْ عِنْدِكَ ) يقول: فإن أتممت الثماني الحجج عشرا التي شرطتها عليك بإنكاحي إياك إحدى ابنتي, فجعلتها عشر حجج, فإحسان من عندك, وليس مما اشترطته عليك بسبب تزويجك ابنتي ( وَمَا أُرِيدُ أَنْ أَشُقَّ عَلَيْكَ ) باشتراط الثماني الحِجَج عَشْرا عليك ( سَتَجِدُنِي إِنْ شَاءَ اللَّهُ مِنَ الصَّالِحِينَ ) في الوفاء بما قلت لك.كما حدثنا ابن حميد, قال: ثنا سلمة, عن ابن إسحاق: ( سَتَجِدُنِي إِنْ شَاءَ اللَّهُ مِنَ الصَّالِحِينَ ) أي في حُسن الصحبة والوفاء بما قلت.

قَالَ ذَٰلِكَ بَيْنِى وَبَيْنَكَ أَيَّمَا ٱلْأَجَلَيْنِ قَضَيْتُ فَلَا عُدْوَٰنَ عَلَىَّ وَٱللَّهُ عَلَىٰ مَا نَقُولُ وَكِيلٌ (28)


القول في تأويل قوله تعالى : قَالَ ذَلِكَ بَيْنِي وَبَيْنَكَ أَيَّمَا الأَجَلَيْنِ قَضَيْتُ فَلا عُدْوَانَ عَلَيَّ وَاللَّهُ عَلَى مَا نَقُولُ وَكِيلٌ (28)يقول تعالى ذكره: (قَالَ) موسى لأبي المرأتين ( ذَلِكَ بَيْنِي وَبَيْنَكَ ) أي هذا الذي قلتَ من أنك تزوّجني أحدى ابنتيك على أن آجرك ثماني حجَج, واجب بيني وبينك, على كل واحد منا الوفاء لصاحبه بما أوجب له على نفسه.وقوله: ( أَيَّمَا الأجَلَيْنِ قَضَيْتُ ) يقول: أيّ الأجلين من الثماني الحجج والعشر الحجَج قضيت, يقول: فرغت منها فوفيتكها رعي غنمك وماشيتك ( فَلا عُدْوَانَ عَلَيَّ ) يقول: فليس لك أن تعتدي عليّ, فتطالبني بأكثر منه, و " ما " في قوله: ( أَيَّمَا الأجَلَيْنِ ) صلة يوصل بها أي على الدوام (9) وزعم أهل العربية أن هذا أكثر في كلام العرب من أيّ, وأنشد قول الشاعر:وَأَيُّهُمَا مَا أَتَبَعَنَّ فَإِنَّنِيحَرِيصٌ عَلَى أَثَرِ الَّذِي أَنَا تَابِعُ (10)وقال عباس بن مرداس:فَأَيِّي مَا وَأَيُّكَ كَانَ شَرًّافَقِيدَ إلى المَقَامَةِ لا يَرَاهَا (11)وقوله: ( وَاللَّهُ عَلَى مَا نَقُولُ وَكِيلٌ ) كان ابن إسحاق يرى هذا القول من أبي المرأتين.حدثنا ابن حميد, قال: ثنا سلمة, عن ابن إسحاق, قال: قال موسى ( ذَلِكَ بَيْنِي وَبَيْنَكَ أَيَّمَا الأجَلَيْنِ قَضَيْتُ فَلا عُدْوَانَ عَلَيَّ ) قَالَ : نَعَمْ ( وَاللَّهُ عَلَى مَا نَقُولُ وَكِيلٌ ) فزوّجه, وأقام معه يكفيه, ويعمل له في رعاية غنمه, وما يحتاج إليه منه.وزوجة موسى صَفُّورا أو أختها شرفا أو ليَّا:حدثنا موسى, قال: ثنا عمرو, قال: ثنا أسباط, عن السدي, قال: قال ابن عباس; الجارية التي دعته هي التي تزوّج.حدثني يونس, قال: أخبرنا ابن وهب, قال: قال ابن زيد, قال له إِنِّي أُرِيدُ أَنْ أُنْكِحَكَ إِحْدَى ابْنَتَيَّ هَاتَيْنِ عَلَى أَنْ تَأْجُرَنِي ... إلى آخر الآية, قال: وأيتهما تريد أن تنكحني؟ قال: التي دعتك, قال: ألا وهي بريئة مما دخل نفسك عليها, فقال: هي عندك كذلك, فزوّجه.وبنحو الذي قلنا في قوله: ( أَيَّمَا الأجَلَيْنِ قَضَيْتُ ) قال أهل التأويل.* ذكر من قال ذلك:حدثنا موسى, قال: ثنا عمرو, قال: ثنا أسباط, عن السدي: ( قَالَ ذَلِكَ بَيْنِي وَبَيْنَكَ أَيَّمَا الأجَلَيْنِ قَضَيْتُ ) إما ثمانيا, وإما عشرًا.حدثني يونس, قال: أخبرنا ابن وهب, قال: أخبرني ابن لهيعة, عن عمارة بن غزية, عن يحيى بن سعيد, عن القاسم بن محمد, وسأله رجل قال ( أَيَّمَا الأجَلَيْنِ قَضَيْتُ فَلا عُدْوَانَ عَلَيَّ ) قال: فقال القاسم: ما أبالي أيّ ذلك كان, إنما هو موعد وقضاء.وقوله: ( وَاللَّهُ عَلَى مَا نَقُولُ وَكِيلٌ ) يقول: والله على ما أوجب كلّ واحد منا لصاحبه على نفسه بهذا القول, شهيد وحفيظ.كالذي حدثنا القاسم, قال: ثنا الحسين, قال: ثني حجاج, عن ابن جُرَيج, عن مجاهد: ( وَاللَّهُ عَلَى مَا نَقُولُ وَكِيلٌ ) قال: شهيد على قول موسى وخَتَنه.وذكر أن موسى وصاحبه لما تعاقدا بينهما هذا العقد, أمر إحدى ابنتيه أن تعطي موسى عصًا من العِصِيّ التي تكون مع الرعاة, فأعطته إياه, فذكر بعضهم أنها العصا التي جعلها الله له آية.وقال بعضهم تلك عصا أعطاه إياها جبريل عليه السلام .* ذكر من قال ذلك:حدثنا موسى, قال: ثنا عمرو, قال: ثنا أسباط, عن السدي, قال: أمر -يعني أبا المرأتين- إحدى ابنتيه أن تأتيه, يعني أن تأتيَ موسى بعصا, فأتته بعصًا, وكانت تلك العصا عصًا استودعها إياه ملك في صورة رجل, فدفعها إليه, فدخلت الجارية, فأخذت العصا, فأتته بها; فلما رآها الشيخ قال: لا ائتيه بغيرها, فألقتها تريد أن تأخذ غيرها, فلا يقع في يدها إلا هي, وجعل يردّدها, وكل ذلك لا يخرج في يدها غيرها; فلما رأى ذلك عمد إليها, فأخرجها معه, فَرعَى بها. ثم إن الشيخ ندم وقال: كانت وديعة, فخرج يتلقى موسى, فلما لقيه قال: اعطني العصا, فقال موسى: هي عَصَايَ, فأبى أن يعطيه, فاختصما, فرضيا أن يجعلا بينهما أوّل رجل يلقاهما, فأتاهما ملك يمشي, فقال: ضعوها في الأرض, فمن حملها فهي له, فعالجها الشيخ فلم يطقها, وأخذ موسى بيده فرفعها, فتركها له الشيخ, فرعَى له عشر سنين. قال عبد الله بن عباس: كان موسى أحق بالوفاء.حدثني يونس, قال: أخبرنا ابن وهب, قال: قال ابن زيد: قال -يعني أبا الجارية- لما زوّجها موسى لموسى: أدخل ذلك البيت فخذ عصا, فتوكأ عليها, فدخل, فلما وقف على باب البيت, طارت إليه تلك العصا, فأخذها, فقال: اردُدها وخذ أخرى مكانها, قال: فردّها, ثم ذهب ليأخذ أخرى, فطارت إليه كما هي, فقال: لا أرددها, فعل ذلك ثلاثا, فقال: ارددها, فقال: لا أجد غيرها اليوم, فالتفت إلى ابنته, فقال لابنته: إن زوجك لنبيّ.* ذكر من قال: التي كانت آية عصًا أعطاها موسى جبرائيل عليه السلام:حدثنا القاسم, قال: ثنا الحسين, قال: ثني حجاج, عن أبي بكر, قال: سألت عكرمة قال: أما عصا موسى, فإنها خرج بها آدم من الجنة, ثم قبضها بعد ذلك جبرائيل عليه السلام , فلقي موسى بها ليلا فدفعها إليه.------------------------الهوامش:(9) يظهر أن في عبارة الأصل سقطًا، يعلم من عبارة الفراء في شرح البيت الآتي. وقوله: "على الدوام" أي أن (ما) الزائدة تلحق بلفظ أي دائمًا، وقوله وزعم أهل العربية... إلخ: يريد أن أهل العربية قالوا: إن "ما" إما أن تلحق بلفظ أي، أو تجيء بعدما أضيف إليه "أي"، وهذا أكثر في كلام العرب كما يعلم من الشاهدين الآتيين بعد.(10) البيت من شواهد الفراء في معاني القرآن (ص 241) على أن (ما) قد تزاد بعد المضاف إلى "أي" أداة الجزاء.قال: قوله (أيما الأجلين) فجعل ما وهي صلة من صلات الجزاء مع أي. وهي في قراءة عبد الله: (أي الأجلين ما قضيت فلا عدوان علي). وهذا أكثر في كلام العرب من الأول. ويتضح من هذا أن عبارة المؤلف قاصرة أو فيها جزء ساقط قبل قوله: "وزعم أهل العربية...." إلخ.(11) البيت لعباس بن مرداس. وقد تقدم الاستشهاد به في مواضع. والشاهد هنا في زيادة "ما" بعدما أضيف إليه إي والمقامة: المجلس. وقيد إلى المقامة: دعاء عليه بأن يعمى، فلا يصل إلى مجلس قومه إلا إذا قيد.

الصفحة السابقة الصفحة التالية