تفسير سورة البقرة الصفحة 20 من القرآن الكريم

تفسير الصفحة رقم 20 من المصحف


وَإِذْ يَرْفَعُ إِبْرَٰهِۦمُ ٱلْقَوَاعِدَ مِنَ ٱلْبَيْتِ وَإِسْمَٰعِيلُ رَبَّنَا تَقَبَّلْ مِنَّآ إِنَّكَ أَنتَ ٱلسَّمِيعُ ٱلْعَلِيمُ (127)


وَإِذْ يَرْفَعُ إِبْرَاهِيمُ الْقَوَاعِدَ مِنَ الْبَيْتِ وَإِسْمَاعِيلُالْقَوْل فِي تَأْوِيل قَوْله تَعَالَى : وَإِذْ يَرْفَع إبْرَاهِيم الْقَوَاعِد مِنْ الْبَيْت وَإِسْمَاعِيل يَعْنِي تَعَالَى ذِكْره بِقَوْلِهِ : وَإِذْ يَرْفَع إبْرَاهِيم الْقَوَاعِد مِنْ الْبَيْت وَاذْكُرُوا إذْ يَرْفَع إبْرَاهِيم الْقَوَاعِد مِنْ الْبَيْت . وَالْقَوَاعِد جَمْع قَاعِدَة , يُقَال لِلْوَاحِدَةِ مِنْ قَوَاعِد الْبَيْت قَاعِدَة , وَلِلْوَاحِدَةِ مِنْ قَوَاعِد النِّسَاء وَعَجَائِزهنَّ قَاعِد , فَتُلْغَى هَاء التَّأْنِيث ; لِأَنَّهَا فَاعِل مِنْ قَوْل الْقَائِل : قَعَدْت عَنْ الْحَيْض , وَلَا حَظّ فِيهِ لِلذُّكُورَةِ , كَمَا يُقَال : امْرَأَة طَاهِر وَطَامِث ; لِأَنَّهُ لَا حَظّ فِي ذَلِكَ لِلذُّكُورِ . وَلَوْ عَنَى بِهِ الْقُعُود الَّذِي هُوَ خِلَاف الْقِيَام لَقِيلَ قَاعِدَة , وَلَمْ يَجُزْ حِينَئِذٍ إسْقَاط هَاء التَّأْنِيث . وَقَوَاعِد الْبَيْت : أَسَاسه . ثُمَّ اخْتَلَفَ أَهْل التَّأْوِيل فِي الْقَوَاعِد الَّتِي رَفَعَهَا إبْرَاهِيم وَإِسْمَاعِيل مِنْ الْبَيْت , أَهُمَا أَحْدَثَا ذَلِكَ , أَمْ هِيَ قَوَاعِد كَانَتْ لَهُ قَبْلهمَا ؟ فَقَالَ قَوْم : هِيَ قَوَاعِد بَيْت كَانَ بَنَاهُ آدَم أَبُو الْبَشَر بِأَمْرِ اللَّه إيَّاهُ بِذَلِكَ , ثُمَّ دُرِسَ مَكَانه وَتَعَفَّى أَثَره بَعْده حَتَّى بَوَّأَهُ اللَّه إبْرَاهِيم عَلَيْهِ الصَّلَاة وَالسَّلَام , فَبَنَاهُ . ذِكْر مَنْ قَالَ ذَلِكَ : 1677 - حَدَّثَنَا الْحَسَن بْن يَحْيَى , قَالَ : أَخْبَرَنَا عَبْد الرَّزَّاق , قَالَ : أَخْبَرَنَا ابْن جُرَيْجٍ , عَنْ عَطَاء , قَالَ : قَالَ آدَم : يَا رَبّ إنِّي لَا أَسْمَع أَصْوَات الْمَلَائِكَة ! قَالَ : بِخَطِيئَتِك , وَلَكِنْ اهْبِطْ إلَى الْأَرْض وَابْن لِي بَيْتًا , ثُمَّ اُحْفُفْ بِهِ كَمَا رَأَيْت الْمَلَائِكَة تَحُفّ بِبَيْتِي الَّذِي فِي السَّمَاء . فَيَزْعُم النَّاس أَنَّهُ بَنَاهُ مِنْ خَمْسَة أَجْبُل : مِنْ حِرَاء , وَطُور زَيْتَا , وَطُور سِينَا , وَجَبَل لُبْنَان , وَالْجُودِيّ , وَكَانَ رُبَضه مِنْ حِرَاء ; فَكَانَ هَذَا بِنَاء آدَم حَتَّى بَنَاهُ إبْرَاهِيم بَعْد . 1678 - حَدَّثَنَا الْحَسَن بْن يَحْيَى قَالَ : أَخْبَرَنَا عَبْد الرَّزَّاق , قَالَ : أَخْبَرَنَا مَعْمَر , عَنْ أَيُّوب , عَنْ سَعِيد بْن جُبَيْر , عَنْ ابْن عَبَّاس : وَإِذْ يَرْفَع إبْرَاهِيم الْقَوَاعِد مِنْ الْبَيْت قَالَ : الْقَوَاعِد الَّتِي كَانَتْ قَوَاعِد الْبَيْت قَبْل ذَلِكَ . وَقَالَ آخَرُونَ : بَلْ هِيَ قَوَاعِد بَيْت كَانَ اللَّه أَهْبَطَهُ لِآدَم مِنْ السَّمَاء إلَى الْأَرْض , يَطُوف بِهِ كَمَا كَانَ يَطُوف بِعَرْشِهِ فِي السَّمَاء , ثُمَّ رَفَعَهُ إلَى السَّمَاء أَيَّام الطُّوفَان , فَرَفَعَ إبْرَاهِيم قَوَاعِد ذَلِكَ الْبَيْت . ذِكْر مَنْ قَالَ ذَلِكَ : 1679 - حَدَّثَنِي مُحَمَّد بْن بَشَّار , قَالَ : ثنا عَبْد الْوَهَّاب , قَالَ : ثنا أَيُّوب , عَنْ أَبِي قِلَابَةَ , عَنْ عَبْد اللَّه بْن عَمْرو قَالَ : لَمَّا أَهْبَطَ اللَّهُ آدَمَ مِنْ الْجَنَّة قَالَ : إنِّي مُهْبِط مَعَك - أَوْ مُنْزِل - مَعَك بَيْتًا يُطَاف حَوْله , كَمَا يُطَاف حَوْل عَرْشِي , وَيُصَلَّى عِنْده , كَمَا يُصَلَّى عِنْد عَرْشِي . فَلَمَّا كَانَ زَمَن الطُّوفَان رُفِعَ , فَكَانَتْ الْأَنْبِيَاء يَحُجُّونَهُ وَلَا يَعْلَمُونَ مَكَانه , حَتَّى بَوَّأَهُ اللَّهُ إبْرَاهِيمَ وَأَعْلَمهُ مَكَانه , فَبَنَاهُ مِنْ خَمْسَة أَجْبُل : مِنْ حِرَاء , وَثَبِير , وَلُبْنَان , وَجَبَل الطُّور , وَجَبَل الْخَمْر . * حَدَّثَنِي يَعْقُوب بْن إبْرَاهِيم , قَالَ : ثنا إسْمَاعِيل بْن عُلَيَّة , قَالَ : ثنا أَيُّوب , عَنْ أَبِي قِلَابَةَ , قَالَ : لَمَّا أُهْبِطَ آدَمُ , ثُمَّ ذَكَرَ نَحْوه . 1680 - حَدَّثَنَا الْحَسَن بْن يَحْيَى , قَالَ : أَخْبَرَنَا عَبْد الرَّزَّاق , قَالَ : أَخْبَرَنَا هِشَام بْن حَسَّان , عَنْ سَوَّار , عَنْ عَطَاء بْن أَبِي رَبَاح , قَالَ : لَمَّا أَهْبَطَ اللَّهُ آدَمَ مِنْ الْجَنَّة كَانَ رِجْلَاهُ فِي الْأَرْض وَرَأْسه فِي السَّمَاء , يَسْمَع كَلَام أَهْل السَّمَاء وَدُعَاءَهُمْ , يَأْنَس إلَيْهِمْ , فَهَابَتْهُ الْمَلَائِكَة حَتَّى شَكَتْ إلَى اللَّه فِي دُعَائِهَا وَفِي صَلَاتهَا , فَخَفَضَهُ إلَى الْأَرْض ; فَلَمَّا فَقَدَ مَا كَانَ يَسْمَع مِنْهُمْ , اسْتَوْحَشَ حَتَّى شَكَا ذَلِكَ إلَى اللَّه فِي دُعَائِهِ وَفِي صَلَاته , فَوُجِّهَ إلَى مَكَّة , فَكَانَ مَوْضِع قَدَمه قَرْيَة وَخَطْوه مَفَازَة , حَتَّى انْتَهَى إلَى مَكَّة . وَأَنْزَلَ اللَّه يَاقُوتَة مِنْ يَاقُوت الْجَنَّة , فَكَانَتْ عَلَى مَوْضِع الْبَيْت الْآن , فَلَمْ يَزَلْ يَطُوف بِهِ حَتَّى أَنْزَلَ اللَّه الطُّوفَان , فَرُفِعَتْ تِلْكَ الْيَاقُوتَة , حَتَّى بَعَثَ اللَّهُ إبْرَاهِيمَ فَبَنَاهُ , فَذَلِكَ قَوْل اللَّه : وَإِذْ بَوَّأْنَا لِإِبْرَاهِيم مَكَان الْبَيْت . 22 26 1681 - حَدَّثَنِي الْحَسَن بْن يَحْيَى , قَالَ : أَخْبَرَنَا عَبْد الرَّزَّاق , قَالَ : أَخْبَرَنَا مَعْمَر , عَنْ قَتَادَة , قَالَ : وَضَعَ اللَّه الْبَيْت مَعَ آدَم حِين أَهْبَطَ اللَّهُ آدَمَ إلَى الْأَرْض , وَكَانَ مَهْبِطه بِأَرْضِ الْهِنْد , وَكَانَ رَأْسه فِي السَّمَاء وَرِجْلَاهُ فِي الْأَرْض , فَكَانَتْ الْمَلَائِكَة تَهَابهُ , فَنَقَصَ إلَى سِتِّينَ ذِرَاعًا . فَحَزِنَ آدَم إذْ فَقَدَ أَصْوَات الْمَلَائِكَة وَتَسْبِيحهمْ فَشَكَا ذَلِكَ إلَى اللَّه تَعَالَى فَقَالَ اللَّه : يَا آدَم إنِّي قَدْ أَهَبْت إلَيْك بَيْتًا تَطُوف بِهِ كَمَا يُطَاف حَوْل عَرْشِي , وَتُصَلِّي عِنْده كَمَا يُصَلَّى عِنْد عَرْشِي . فَانْطَلَقَ إلَيْهِ آدَم فَخَرَجَ , وَمُدّ لَهُ فِي خَطْوه , فَكَانَ بَيْن كُلّ خُطْوَتَيْنِ مَفَازَة , فَلَمْ تَزَلْ تِلْكَ الْمَفَاوِز بَعْد ذَلِكَ , فَأَتَى آدَم الْبَيْت وَطَافَ بِهِ وَمَنْ بَعْده مِنْ الْأَنْبِيَاء . 1682 - حَدَّثَنَا الْحَسَن بْن يَحْيَى , قَالَ : أَخْبَرَنَا عَبْد الرَّزَّاق , قَالَ : أَخْبَرَنَا مَعْمَر , عَنْ أَبَانَ : أَنَّ الْبَيْت أُهْبِطَ يَاقُوتَة وَاحِدَة أَوْ دِرَّة وَاحِدَة , حَتَّى إذَا أَغْرَقَ اللَّه قَوْم نُوح رَفَعَهُ وَبَقِيَ أَسَاسه , فَبَوَّأَهُ اللَّهُ لِإِبْرَاهِيم , فَبَنَاهُ بَعْد ذَلِكَ . وَقَالَ آخَرُونَ : بَلْ كَانَ مَوْضِع الْبَيْت رَبْوَة حَمْرَاء كَهَيْئَةِ الْقُبَّة . وَذَلِكَ أَنَّ اللَّه لَمَّا أَرَادَ خَلْق الْأَرْض عَلَا الْمَاء زُبْدَة حَمْرَاء أَوْ بَيْضَاء , وَذَلِكَ فِي مَوْضِع الْبَيْت الْحَرَام . ثُمَّ دَحَا الْأَرْض مِنْ تَحْتهَا , فَلَمْ يَزَلْ ذَلِكَ كَذَلِكَ حَتَّى بَوَّأَهُ اللَّه إبْرَاهِيم , فَبَنَاهُ عَلَى أَسَاسه . وَقَالُوا : عَلَى أَرْكَان أَرْبَعَة فِي الْأَرْض السَّابِعَة . ذِكْر مَنْ قَالَ ذَلِكَ : 1683 - حَدَّثَنِي يُونُس , قَالَ : أَخْبَرَنَا ابْن وَهْب , قَالَ : قَالَ جَرِير بْن حَازِم , حَدَّثَنِي حُمَيْد بْن قَيْس , عَنْ مُجَاهِد , قَالَ : كَانَ مَوْضِع الْبَيْت عَلَى الْمَاء قَبْل أَنْ يَخْلُق اللَّه السَّمَوَات وَالْأَرْض , مِثْل الزُّبْدَة الْبَيْضَاء , وَمِنْ تَحْته دُحِيَتْ الْأَرْض . 1684 - حَدَّثَنَا الْحَسَن بْن يَحْيَى , قَالَ : أَخْبَرَنَا عَبْد الرَّزَّاق , قَالَ , أَخْبَرَنَا ابْن جُرَيْجٍ , قَالَ : قَالَ عَطَاء وَعَمْرو بْن دِينَار : بَعَثَ اللَّه رِيَاحًا فَصَفَّقَتْ الْمَاء , فَأُبْرِزَتْ فِي مَوْضِع الْبَيْت عَنْ حَشَفَة كَأَنَّهَا الْقُبَّة , فَهَذَا الْبَيْت مِنْهَا فَلِذَلِك هِيَ أُمّ الْقُرَى . قَالَ ابْن جُرَيْجٍ : قَالَ عَطَاء : ثُمَّ وَتَدهَا بِالْجِبَالِ كَيْ لَا تُكْفَأ بِمَيْدِ , فَكَانَ أَوَّل جَبَل " أَبُو قُبَيْس " . 1685 - حَدَّثَنَا ابْن حُمَيْد , قَالَ : ثنا يَعْقُوب الْقَمِّيّ , عَنْ حَفْص بْن حُمَيْد , عَنْ عِكْرِمَة , عَنْ ابْن عَبَّاس قَالَ : وُضِعَ الْبَيْت عَلَى أَرْكَان الْمَاء عَلَى أَرْبَعَة أَرْكَان قَبْل أَنْ تُخْلَق الدُّنْيَا بِأَلْفَيْ عَام , ثُمَّ دُحِيَتْ الْأَرْض مِنْ تَحْت الْبَيْت . 1686 - حَدَّثَنَا ابْن حُمَيْد , قَالَ : ثنا يَعْقُوب , عَنْ هَارُونَ بْن عَنْتَرَة , عَنْ عَطَاء بْن أَبِي رَبَاح , قَالَ : وَجَدُوا بِمَكَّة حَجَرًا مَكْتُوبًا عَلَيْهِ : " إنِّي أَنَا اللَّه ذُو بَكَّة بَنَيْته يَوْم صَنَعْت الشَّمْس وَالْقَمَر , وَحَفَفْته بِسَبْعَةِ أَمْلَاك حَفًّا " . 1687 - حَدَّثَنَا ابْن حُمَيْد , قَالَ : ثنا سَلَمَة , عَنْ ابْن إسْحَاق , قَالَ : حَدَّثَنِي عَبْد اللَّه بْن أَبِي يَحْيَى , عَنْ مُجَاهِد وَغَيْره مِنْ أَهْل الْعِلْم : أَنَّ اللَّه لَمَّا بَوَّأَ إبْرَاهِيمَ مَكَان الْبَيْت , خَرَجَ إلَيْهِ مِنْ الشَّام , وَخَرَجَ مَعَهُ بِإِسْمَاعِيل وَأُمّه هَاجَر , وَإِسْمَاعِيل طِفْل صَغِير يَرْضِع , وَحَمَلُوا - فِيمَا حَدَّثَنِي - عَلَى الْبُرَاق وَمَعَهُ جِبْرِيل يَدُلّهُ عَلَى مَوْضِع الْبَيْت وَمَعَالِم الْحَرَم . فَخَرَجَ وَخَرَجَ مَعَهُ جِبْرِيل , فَقَالَ : كَانَ لَا يَمُرّ بِقَرْيَةِ إلَّا قَالَ : أَبِهَذِهِ أَمَرْت يَا جِبْرِيل ؟ فَيَقُول جِبْرِيل : امْضِهِ ! حَتَّى قَدِمَ بِهِ مَكَّة , وَهِيَ إذْ ذَاكَ عِضَاه سِلْم وَسَمَر يَرُبّهَا أُنَاس يُقَال لَهُمْ الْعَمَالِيق خَارِج مَكَّة وَمَا حَوْلهَا , وَالْبَيْت يَوْمئِذٍ رَبْوَة حَمْرَاء مَدَرَة , فَقَالَ إبْرَاهِيم لِجِبْرِيل : أَهَهُنَا أُمِرْت أَنْ أَضَعهُمَا ؟ قَالَ : نَعَمْ ! فَعَمَدَ بِهِمَا إلَى مَوْضِع الْحَجَر فَأَنْزَلَهُمَا فِيهِ , وَأَمَرَ هَاجَرَ أُمّ إسْمَاعِيل أَنْ تَتَّخِذ فِيهِ عَرِيشًا , فَقَالَ : رَبّنَا إنِّي أَسْكَنْت مِنْ ذُرِّيَّتِي بِوَادٍ غَيْر ذِي زَرْع عِنْد بَيْتك الْمُحَرَّم 14 37 إلَى قَوْله : لَعَلَّهُمْ يَشْكُرُونَ . 14 37 قَالَ ابْن حُمَيْد : قَالَ سَلَمَة : قَالَ ابْن إسْحَاق : وَيَزْعُمُونَ - وَاَللَّه أَعْلَم - أَنَّ مَلَكًا مِنْ الْمَلَائِكَة أَتَى هَاجَرَ أُمّ إسْمَاعِيل , حِين أَنْزَلَهُمَا إبْرَاهِيم مَكَّة قَبْل أَنْ يَرْفَع إبْرَاهِيم وَإِسْمَاعِيل الْقَوَاعِد مِنْ الْبَيْت , فَأَشَارَ لَهُمَا إلَى الْبَيْت , وَهُوَ رَبْوَة حَمْرَاء مَدَرَة , فَقَالَ لَهُمَا : هَذَا أَوَّل بَيْت وُضِعَ فِي الْأَرْض , وَهُوَ بَيْت اللَّه الْعَتِيق , وَاعْلَمِي أَنَّ إبْرَاهِيم وَإِسْمَاعِيل هُمَا يَرْفَعَانِهِ . فَاَللَّه أَعْلَم . 1688 - حَدَّثَنِي الْحَسَن بْن يَحْيَى , قَالَ : أَخْبَرَنَا عَبْد الرَّزَّاق , قَالَ : أَخْبَرَنَا هِشَام بْن حَسَّان , قَالَ : أَخْبَرَنِي حُمَيْد , عَنْ مُجَاهِد , قَالَ : خَلَقَ اللَّه مَوْضِع هَذَا الْبَيْت قَبْل أَنْ يَخْلُق شَيْئًا مِنْ الْأَرْض بِأَلْفَيْ سَنَة , وَأَرْكَانه فِي الْأَرْض السَّابِعَة . 1689 - حَدَّثَنَا الْحَسَن بْن يَحْيَى , قَالَ : أَخْبَرَنَا عَبْد الرَّزَّاق , قَالَ : أَخْبَرَنَا ابْن عُيَيْنَةَ , قَالَ : أَخْبَرَنِي بِشْر بْن عَاصِم , عَنْ ابْن الْمُسَيِّب , قَالَ : حَدَّثَنَا كَعْب أَنَّ الْبَيْت كَانَ غُثَاءَة عَلَى الْمَاء قَبْل أَنْ يَخْلُق اللَّه الْأَرْض بِأَرْبَعِينَ سَنَة , وَمِنْهُ دُحِيَتْ الْأَرْض . قَالَ : وَحَدَّثَنَا عَنْ عَلِيّ بْن أَبِي طَالِب أَنَّ إبْرَاهِيم أَقْبَلَ مِنْ أَرْمِينِيَّة مَعَهُ السَّكِينَة , تَدُلّهُ عَلَى تَبَوُّء الْبَيْت كَمَا تَتَبَوَّأ الْعَنْكَبُوت بَيْتهَا . قَالَ : فَرَفَعَتْ عَنْ أَحْجَار تُطِيقهُ - أَوْ لَا تُطِيقهُ - ثَلَاثُونَ رَجُلًا . قَالَ : قُلْت يَا أَبَا مُحَمَّد , فَإِنَّ اللَّه يَقُول : وَإِذْ يَرْفَع إبْرَاهِيم الْقَوَاعِد مِنْ الْبَيْت قَالَ : كَانَ ذَاكَ بَعْد . وَالصَّوَاب مِنْ الْقَوْل فِي ذَلِكَ عِنْدنَا أَنْ يُقَال : إنَّ اللَّه تَعَالَى ذِكْره أَخْبَرَ عَنْ إبْرَاهِيم خَلِيله أَنَّهُ وَابْنه إسْمَاعِيل رَفَعَا الْقَوَاعِد مِنْ الْبَيْت الْحَرَام . وَجَائِز أَنْ يَكُون ذَلِكَ قَوَاعِد بَيْت كَانَ أَهْبَطَهُ مَعَ آدَم , فَجَعَلَهُ مَكَان الْبَيْت الْحَرَام الَّذِي بِمَكَّة . وَجَائِز أَنْ يَكُون ذَلِكَ كَانَ الْقُبَّة الَّتِي ذَكَرهَا عَطَاء مِمَّا أَنْشَأَهُ اللَّه مِنْ زَبَد الْمَاء . وَجَائِز أَنْ يَكُون كَانَ يَاقُوتَة أَوْ دُرَّة أُهْبِطَا مِنْ السَّمَاء . وَجَائِز أَنْ يَكُون كَانَ آدَم بَنَاهُ ثُمَّ انْهَدَمَ حَتَّى رَفَعَ قَوَاعِده إبْرَاهِيم وَإِسْمَاعِيل . وَلَا عِلْم عِنْدنَا بِأَيِّ ذَلِكَ كَانَ مِنْ أَيّ ; لِأَنَّ حَقِيقَة ذَلِكَ لَا تُدْرَك إلَّا بِخَبَرِ عَنْ اللَّه وَعَنْ رَسُوله صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بِالنَّقْلِ الْمُسْتَفِيض , وَلَا خَبَر بِذَلِكَ تَقُوم بِهِ الْحُجَّة فَيَجِب التَّسْلِيم لَهَا , وَلَا هُوَ إذْ لَمْ يَكُنْ بِهِ خَبَر عَلَى مَا وَصَفْنَا مِمَّا يَدُلّ عَلَيْهِ بِالِاسْتِدْلَالِ وَالْمَقَايِيس فَيُمَثَّل بِغَيْرِهِ , وَيُسْتَنْبَط عِلْمه مِنْ جِهَة الِاجْتِهَاد , فَلَا قَوْل فِي ذَلِكَ هُوَ أَوْلَى بِالصَّوَابِ مَا قُلْنَا . وَاَللَّه تَعَالَى أَعْلَم .رَبَّنَا تَقَبَّلْ مِنَّاالْقَوْل فِي تَأْوِيل قَوْله تَعَالَى : رَبّنَا تَقَبَّلْ مِنَّا . يَعْنِي تَعَالَى ذِكْره بِذَلِكَ : وَإِذْ يَرْفَع إبْرَاهِيم الْقَوَاعِد مِنْ الْبَيْت وَإِسْمَاعِيل يَقُولَانِ : رَبّنَا تَقَبَّلْ مِنَّا وَذَكَرَ أَنَّ ذَلِكَ كَذَلِكَ فِي قِرَاءَة ابْن مَسْعُود , وَهُوَ قَوْل جَمَاعَة مِنْ أَهْل التَّأْوِيل . ذِكْر مَنْ قَالَ ذَلِكَ : 1690 - حَدَّثَنِي مُوسَى بْن هَارُونَ , قَالَ : ثنا عَمْرو , قَالَ : ثنا أَسْبَاط , عَنْ السُّدِّيّ , قَالَ : يَبْنِيَانِ وَهُمَا يَدْعُوَانِ الْكَلِمَات الَّتِي ابْتَلَى بِهَا إبْرَاهِيمَ رَبُّهُ , قَالَ : رَبّنَا تَقَبَّلْ مِنَّا إنَّك أَنْت السَّمِيع الْعَلِيم رَبّنَا وَاجْعَلْنَا مُسْلِمَيْنِ لَك وَمِنْ ذُرِّيَّتنَا أُمَّة مُسْلِمَة لَك رَبّنَا وَابْعَثْ فِيهِمْ رَسُولًا مِنْهُمْ . 1691 - حَدَّثَنَا الْقَاسِم , قَالَ : ثنا الْحُسَيْن , قَالَ : حَدَّثَنِي حَجَّاج عَنْ ابْن جُرَيْجٍ , قَالَ : أَخْبَرَنِي ابْن كَثِير , قَالَ : ثنا سَعِيد بْن جُبَيْر , عَنْ ابْن عَبَّاس : وَإِذْ يَرْفَع إبْرَاهِيمُ الْقَوَاعِد مِنْ الْبَيْت وَإِسْمَاعِيلُ قَالَ : هُمَا يَرْفَعَانِ الْقَوَاعِد مِنْ الْبَيْت , وَيَقُولَانِ : رَبّنَا تَقَبَّلْ مِنَّا إنَّك أَنْت السَّمِيع الْعَلِيم قَالَ : وَإِسْمَاعِيل يَحْمِل الْحِجَارَة عَلَى رَقَبَته وَالشَّيْخ يَبْنِي . فَتَأْوِيل الْآيَة عَلَى هَذَا الْقَوْل : وَإِذْ يَرْفَع إبْرَاهِيم الْقَوَاعِد مِنْ الْبَيْت وَإِسْمَاعِيل قَائِلَيْنِ : رَبّنَا تَقَبَّلْ مِنَّا . وَقَالَ آخَرُونَ : بَلْ قَائِل ذَلِكَ كَانَ إسْمَاعِيل . فَتَأْوِيل الْآيَة عَلَى هَذَا الْقَوْل : وَإِذْ يَرْفَع إبْرَاهِيم الْقَوَاعِد مِنْ الْبَيْت , وَإِذْ يَقُول إسْمَاعِيل : رَبّنَا تَقَبَّلْ مِنَّا . فَيَصِير حِينَئِذٍ إسْمَاعِيل مَرْفُوعًا بِالْجُمْلَةِ الَّتِي بَعْده , و " يَقُول " حِينَئِذٍ خَبَر لَهُ دُون إبْرَاهِيم . ثُمَّ اخْتَلَفَ أَهْل التَّأْوِيل فِي الَّذِي رَفَعَ الْقَوَاعِد بَعْد إجْمَاعهمْ عَلَى أَنَّ إبْرَاهِيم كَانَ مِمَّنْ رَفَعَهَا , فَقَالَ بَعْضهمْ : رَفَعَهَا إبْرَاهِيم وَإِسْمَاعِيل جَمِيعًا . ذِكْر مَنْ قَالَ ذَلِكَ : 1692 - حَدَّثَنِي مُوسَى بْن هَارُونَ , قَالَ : ثنا عَمْرو بْن حَمَّاد , قَالَ : ثنا أَسْبَاط , عَنْ السُّدِّيّ : وَعَهِدْنَا إلَى إبْرَاهِيم وَإِسْمَاعِيل أَنْ طَهِّرَا بَيْتِي لِلطَّائِفِينَ قَالَ : فَانْطَلَقَ إبْرَاهِيم حَتَّى أَتَى مَكَّة , فَقَامَ هُوَ وَإِسْمَاعِيل وَأَخَذَا الْمَعَاوِل لَا يَدْرِيَانِ أَيْنَ الْبَيْت , فَبَعَثَ اللَّه رِيحًا يُقَال لَهَا رِيح الْخُجُوج , لَهَا جَنَاحَانِ وَرَأْس فِي صُورَة حَيَّة . فَكَنَسَتْ لَهُمَا مَا حَوْل الْكَعْبَة , وَعَنْ أَسَاس الْبَيْت الْأَوَّل , وَاتَّبَعَاهَا بِالْمَعَاوِلِ يَحْفِرَانِ حَتَّى وَضَعَا الْأَسَاس ; فَذَلِكَ حِين يَقُول : وَإِذْ بَوَّأْنَا لِإِبْرَاهِيم مَكَان الْبَيْت . 22 36 فَلَمَّا بَنَيَا الْقَوَاعِد فَبَلَغَا مَكَان الرُّكْن قَالَ إبْرَاهِيم لِإِسْمَاعِيل : يَا بُنَيّ اُطْلُبْ لِي حَجَرًا حَسَنًا أَضَعهُ هَهُنَا ! قَالَ : يَا أَبَت إنِّي كَسْلَان تَعِب ! قَالَ : عَلَيَّ بِذَلِكَ ! فَانْطَلَقَ فَطَلَب لَهُ حَجَرًا فَجَاءَهُ بِحَجَرِ , فَلَمْ يَرْضَهُ , فَقَالَ : ائْتِنِي بِحَجَرِ أَحْسَن مِنْ هَذَا ! فَانْطَلَقَ فَطَلَب لَهُ حَجَرًا ; وَجَاءَهُ جِبْرِيل بِالْحَجَرِ الْأَسْوَد مِنْ الْهِنْد , وَكَانَ أَبْيَض يَاقُوتَة بَيْضَاء مِثْل الثِّغَامَة , وَكَانَ آدَم هَبَطَ بِهِ مِنْ الْجَنَّة فَاسْوَدَّ مِنْ خَطَايَا النَّاس , فَجَاءَهُ إسْمَاعِيل بِحَجَرِ فَوَجَدَهُ عِنْد الرُّكْن , فَقَالَ : يَا أَبَت مَنْ جَاءَ بِهَذَا ؟ فَقَالَ : مَنْ هُوَ أَنْشَط مِنْك . فَبَنَيَاهُ . 1693 - حَدَّثَنَا ابْن حُمَيْد , قَالَ : ثنا سَلَمَة , عَنْ ابْن إسْحَاق , عَنْ عَمْرو بْن عَبْد اللَّه بْن عُتْبَةَ , عَنْ عُبَيْد بْن عُمَيْر اللَّيْثِيّ , قَالَ : بَلَغَنِي أَنَّ إبْرَاهِيم وَإِسْمَاعِيل هُمَا رَفَعَا قَوَاعِد الْبَيْت . وَقَالَ آخَرُونَ : بَلْ رَفَعَ قَوَاعِد الْبَيْت إبْرَاهِيمُ , وَكَانَ إسْمَاعِيلُ يُنَاوِلهُ الْحِجَارَة . ذِكْر مَنْ قَالَ ذَلِكَ : 1694 - حَدَّثَنَا أَحْمَد بْن ثَابِت الرَّازِيّ , قَالَ : ثنا عَبْد الرَّزَّاق , قَالَ : أَخْبَرَنَا مَعْمَر , عَنْ أَيُّوب , وَكَثِير بْن كَثِير بْن الْمُطَّلِب بْن أَبِي وَدَاعَة , يَزِيد أَحَدهمَا عَلَى الْآخَر , عَنْ سَعِيد بْن جُبَيْر , عَنْ ابْن عَبَّاس , قَالَ : جَاءَ إبْرَاهِيم وَإِسْمَاعِيل يَبْرِي نَبْلًا قَرِيبًا مِنْ زَمْزَم . فَلَمَّا رَآهُ قَامَ إلَيْهِ , فَصَنَعَا كَمَا يَصْنَع الْوَالِد بِالْوَلَدِ , وَالْوَلَد بِالْوَالِدِ , ثُمَّ قَالَ : يَا إسْمَاعِيل إنَّ اللَّه أَمَرَنِي بِأَمْرِ , قَالَ : فَاصْنَعْ مَا أَمَرَك رَبّك ! قَالَ : وَتُعِيننِي ؟ قَالَ : وَأُعِينك . قَالَ : فَإِنَّ اللَّه أَمَرَنِي أَنْ أَبْنِي هَهُنَا بَيْتًا ! وَأَشَارَ إلَى الْكَعْبَة , وَالْكَعْبَة مُرْتَفِعَة عَلَى مَا حَوْلهَا . قَالَ : فَعِنْد ذَلِكَ رَفَعَا الْقَوَاعِد مِنْ الْبَيْت . قَالَ : فَجَعَلَ إسْمَاعِيل يَأْتِي بِالْحِجَارَةِ , وَإِبْرَاهِيم يَبْنِي , حَتَّى إذَا ارْتَفَعَ الْبِنَاء جَاءَ بِهَذَا الْحَجَر فَوَضَعَهُ لَهُ , فَقَامَ عَلَيْهِ وَهُوَ يَبْنِي , وَإِسْمَاعِيل يُنَاوِلهُ الْحِجَارَة وَهُمَا يَقُولَانِ : رَبّنَا تَقَبَّلْ مِنَّا إنَّك أَنْت السَّمِيع الْعَلِيم حَتَّى دَوَّرَ حَوْل الْبَيْت . 1695 - حَدَّثَنَا ابْن بَشَّار الْقَزَّاز , قَالَ : ثنا عُبَيْد اللَّه بْن عَبْد الْمَجِيد أَبُو عَلِيّ الْحَنَفِيّ , قَالَ : ثنا إبْرَاهِيم بْن نَافِع قَالَ : سَمِعْت كَثِير بْن كَثِير يُحَدِّث عَنْ سَعِيد بْن جُبَيْر , عَنْ ابْن عَبَّاس قَالَ : جَاءَ - يَعْنِي إبْرَاهِيم - فَوَجَدَ إسْمَاعِيل يُصْلِح نَبْلًا مِنْ وَرَاء زَمْزَم , قَالَ إبْرَاهِيم : يَا إسْمَاعِيل إنَّ اللَّه رَبّك قَدْ أَمَرَنِي أَنْ أَبْنِي لَهُ بَيْتًا ! فَقَالَ لَهُ إسْمَاعِيل : فَأَطِعْ رَبّك فِيمَا أَمَرَك ! فَقَالَ لَهُ إبْرَاهِيم : قَدْ أَمَرَك أَنْ تُعِيننِي عَلَيْهِ . قَالَ : إذًا أَفْعَل . قَالَ : فَقَامَ مَعَهُ , فَجَعَلَ إبْرَاهِيم يَبْنِيه وَإِسْمَاعِيل يُنَاوِلهُ الْحِجَارَة , وَيَقُولَانِ : رَبّنَا تَقَبَّلْ مِنَّا إنَّك أَنْت السَّمِيع الْعَلِيم فَلَمَّا ارْتَفَعَ الْبُنْيَان وَضَعَفَ الشَّيْخ عَنْ رَفْع الْحِجَارَة , قَامَ عَلَى حَجَر فَهُوَ مَقَام إبْرَاهِيم ; فَجَعَلَ يُنَاوِلهُ وَيَقُولَانِ : رَبّنَا تَقَبَّلْ مِنَّا إنَّك أَنْت السَّمِيع الْعَلِيم . وَقَالَ آخَرُونَ : بَلْ الَّذِي رَفَعَ قَوَاعِد الْبَيْت إبْرَاهِيم وَحْده وَإِسْمَاعِيل يَوْمَئِذٍ طِفْل صَغِير . ذِكْر مَنْ قَالَ ذَلِكَ : 1696 - حَدَّثَنَا مُحَمَّد بْن بَشَّار وَمُحَمَّد بْن الْمُثَنَّى , قَالَا : ثنا مُؤَمَّل , قَالَ : ثنا سُفْيَان , عَنْ أَبِي إسْحَاق , عَنْ حَارِثَة بْن مُصَرِّف , عَنْ عَلِيّ , قَالَ : لَمَّا أُمِرَ إبْرَاهِيم بِبِنَاءِ الْبَيْت , خَرَجَ مَعَهُ إسْمَاعِيل وَهَاجَر . قَالَ : فَلَمَّا قَدِمَ مَكَّة رَأَى عَلَى رَأْسه فِي مَوْضِع الْبَيْت مِثْل الْغَمَامَة فِيهِ مِثْل الرَّأْس , فَكَلَّمَهُ فَقَالَ : يَا إبْرَاهِيم ابْن عَلَى ظِلِّيّ - أَوْ عَلَى قَدْرِي - وَلَا تُزِدْ وَلَا تُنْقِص ! فَلَمَّا بَنَى [ خَرَجَ ] وَخَلَفَ إسْمَاعِيل وَهَاجَر , فَقَالَتْ هَاجَر : يَا إبْرَاهِيم إلَى مَنْ تَكِلنَا ؟ قَالَ : إلَى اللَّه . قَالَتْ : انْطَلِقْ فَإِنَّهُ لَا يُضَيِّعنَا . قَالَ : فَعَطِشَ إسْمَاعِيل عَطَشًا شَدِيدًا . قَالَ : فَصَعِدَتْ هَاجَر الصَّفَا فَنَظَرَتْ فَلَمْ تَرَ شَيْئًا , ثُمَّ أَتَتْ الْمَرْوَة فَنَظَرَتْ فَلَمْ تَرَ شَيْئًا , ثُمَّ رَجَعَتْ إلَى الصَّفَا فَنَظَرَتْ فَلَمْ تَرَ شَيْئًا , حَتَّى فَعَلَتْ ذَلِكَ سَبْع مَرَّات فَقَالَتْ : يَا إسْمَاعِيل مُتْ حَيْثُ لَا أَرَاك ! فَأَتَتْهُ وَهُوَ يَفْحَص بِرِجْلِهِ مِنْ الْعَطَش . فَنَادَاهَا جِبْرِيل , فَقَالَ لَهَا : مَنْ أَنْت ؟ فَقَالَتْ : أَنَا هَاجَر أُمّ وَلَد إبْرَاهِيم . قَالَ : إلَى مَنْ وَكَلَكُمَا ؟ قَالَتْ : وَكَلَنَا إلَى اللَّه . قَالَ : وَكَلَكُمَا إلَى كَافٍ . قَالَ : فَفَحَصَ الْأَرْض بِأُصْبُعِهِ فَنَبَعَتْ زَمْزَم , فَجَعَلَتْ تَحْبِس الْمَاء . فَقَالَ : دَعِيهِ فَإِنَّهَا رُوَاء . 1697 - حَدَّثَنَا عُبَادَة , قَالَ : ثنا أَبُو الْأَحْوَص , عَنْ سِمَاك , عَنْ خَالِد بْن عُرْعُرَة : أَنَّ رَجُلًا قَامَ إلَى عَلِيّ فَقَالَ : أَلَا تُخْبِرنِي عَنْ الْبَيْت ؟ أَهُوَ أَوَّل بَيْت وُضِعَ فِي الْأَرْض ؟ فَقَالَ : لَا , وَلَكِنْ هُوَ أَوَّل بَيْت وُضِعَ فِي الْبَرَكَة مَقَام إبْرَاهِيم , وَمَنْ دَخَلَهُ كَانَ آمِنًا , وَإِنْ شِئْت أَنْبَأْتُك كَيْف بُنِيَ ; إنَّ اللَّه أَوْحَى إلَى إبْرَاهِيم أَنْ ابْنِ لِي بَيْتًا فِي الْأَرْض , قَالَ : فَضَاقَ إبْرَاهِيم بِذَلِكَ ذَرْعًا , فَأَرْسَلَ اللَّه السَّكِينَة وَهَى رِيح خُجُوج , وَلَهَا رَأْسَانِ , فَأَتْبَع أَحَدهمَا صَاحِبه حَتَّى انْتَهَتْ إلَى مَكَّة , فَتَطَوَّتْ عَلَى مَوْضِع الْبَيْت كَتَطَوِّي الْحَجَفَة , وَأَمَرَ إبْرَاهِيم أَنْ يَبْنِي حَيْثُ تَسْتَقِرّ السَّكِينَة . فَبَنَى إبْرَاهِيم وَبَقِيَ حَجَر , فَذَهَبَ الْغُلَام يَبْغِي شَيْئًا , فَقَالَ إبْرَاهِيم : لَا , ابْغِ حَجَرًا كَمَا آمُرك ! قَالَ : فَانْطَلَقَ الْغُلَام يَلْتَمِس لَهُ حَجَرًا , فَأَتَاهُ فَوَجَدَهُ قَدْ رَكَّبَ الْحَجَر الْأَسْوَد فِي مَكَانه فَقَالَ : يَا أَبَت مَنْ أَتَاك بِهَذَا الْحَجَر ؟ قَالَ : أَتَانِي بِهِ مَنْ لَمْ يَتَّكِل عَلَى بَنَاتك جَاءَ بِهِ جِبْرِيل مِنْ السَّمَاء . فَأَتَمَّاهُ . * حَدَّثَنَا مُحَمَّد بْن الْمُثَنَّى , قَالَ : ثنا مُحَمَّد بْن جَعْفَر , قَالَ : ثنا سَعِيد , عَنْ سِمَاك , سَمِعْت خَالِد بْن عُرْعُرَة يُحَدِّث عَنْ عَلِيّ بِنَحْوِهِ . * حَدَّثَنَا الْمُثَنَّى , قَالَ : ثنا أَبُو دَاوُد , قَالَ : ثنا شُعْبَة وَحَمَّاد بْن سَلَمَة وَأَبُو الْأَحْوَص كُلّهمْ عَنْ سِمَاك , عَنْ خَالِد بْن عُرْعُرَة , عَنْ عَلِيّ بِنَحْوِهِ . فَمَنْ قَالَ : رَفَعَ الْقَوَاعِد إبْرَاهِيم وَإِسْمَاعِيل , أَوْ قَالَ رَفَعَهَا إبْرَاهِيم وَكَانَ إسْمَاعِيل يُنَاوِلهُ الْحِجَارَة . فَالصَّوَاب فِي قَوْله أَنْ يَكُون الْمُضْمَر مِنْ الْقَوْل لِإِبْرَاهِيم وَإِسْمَاعِيل , وَيَكُون الْكَلَام حِينَئِذٍ : وَإِذْ يَرْفَع إبْرَاهِيم الْقَوَاعِد مِنْ الْبَيْت وَإِسْمَاعِيل يَقُولَانِ : رَبّنَا تَقَبَّلْ مِنَّا . وَقَدْ كَانَ يُحْتَمَل عَلَى هَذَا التَّأْوِيل أَنْ يَكُون الْمُضْمَر مِنْ الْقَوْل لِإِسْمَاعِيل خَاصَّة دُون إبْرَاهِيم , وَلِإِبْرَاهِيم خَاصَّة دُون إسْمَاعِيل ; لَوْلَا مَا عَلَيْهِ عَامَّة أَهْل التَّأْوِيل مِنْ أَنَّ الْمُضْمَر مِنْ الْقَوْل لِإِبْرَاهِيم وَإِسْمَاعِيل جَمِيعًا . وَأَمَّا عَلَى التَّأْوِيل الَّذِي رُوِيَ عَنْ عَلِيّ أَنَّ إبْرَاهِيم هُوَ الَّذِي رَفَعَ الْقَوَاعِد دُون إسْمَاعِيل , فَلَا يَجُوز أَنْ يَكُون الْمُضْمَر مِنْ الْقَوْل عِنْد ذَلِكَ إلَّا لِإِسْمَاعِيل خَاصَّة . وَالصَّوَاب مِنْ الْقَوْل عِنْدنَا فِي ذَلِكَ أَنَّ الْمُضْمَر مِنْ الْقَوْل لِإِبْرَاهِيم وَإِسْمَاعِيل , وَأَنَّ قَوَاعِد الْبَيْت رَفَعَهَا إبْرَاهِيم وَإِسْمَاعِيل جَمِيعًا ; وَذَلِكَ أَنَّ إبْرَاهِيم وَإِسْمَاعِيل إنْ كَانَا هُمَا بَنَيَاهُمَا وَرَفَعَاهَا فَهُوَ مَا قُلْنَا , وَإِنْ كَانَ إبْرَاهِيم تَفَرَّدَ بِبِنَائِهَا , وَكَانَ إسْمَاعِيل يُنَاوِلهُ , فَهُمَا أَيْضًا رَفَعَاهَا ; لِأَنَّ رَفْعهَا كَانَ بِهِمَا مِنْ أَحَدهمَا الْبِنَاء مِنْ الْآخَر نَقْل الْحِجَارَة إلَيْهَا وَمَعُونَة وَضْع الْأَحْجَار مَوَاضِعهَا . وَلَا تَمْتَنِع الْعَرَب مِنْ نِسْبَة الْبِنَاء إلَى مَنْ كَانَ بِسَبَبِهِ الْبِنَاء وَمَعُونَته . وَإِنَّمَا قُلْنَا مَا قُلْنَا مِنْ ذَلِكَ لِإِجْمَاعِ جَمِيع أَهْل التَّأْوِيل عَلَى أَنَّ إسْمَاعِيل مَعْنِيّ بِالْخَبَرِ الَّذِي أَخْبَرَ اللَّه عَنْهُ وَعَنْ أَبِيهِ أَنَّهُمَا كَانَا يَقُولَانِهِ , وَذَلِكَ قَوْلهمَا : رَبّنَا تَقَبَّلْ مِنَّا إنَّك أَنْت السَّمِيع الْعَلِيم فَمَعْلُوم أَنَّ إسْمَاعِيل لَمْ يَكُنْ لِيَقُولَ ذَلِكَ إلَّا وَهُوَ إمَّا رَجُل كَامِل , وَإِمَّا غُلَام قَدْ فَهِمَ مَوَاضِع الضُّرّ مِنْ النَّفْع , وَلَزِمَتْهُ فَرَائِض اللَّه وَأَحْكَامه . وَإِذَا كَانَ - فِي حَال بِنَاء أَبِيهِ , مَا أَمَرَهُ اللَّه بِبِنَائِهِ وَرَفْعه قَوَاعِد بَيْت اللَّه - كَذَلِكَ , فَمَعْلُوم أَنَّهُ لَمْ يَكُنْ تَارِكًا مَعُونَة أَبِيهِ , إمَّا عَلَى الْبِنَاء , وَإِمَّا عَلَى نَقْل الْحِجَارَة . وَأَيّ ذَلِكَ كَانَ مِنْهُ فَقَدْ دَخَلَ فِي مَعْنَى مَنْ رَفَعَ قَوَاعِد الْبَيْت , وَثَبَتَ أَنَّ الْقَوْل الْمُضْمَر خَبَر عَنْهُ وَعَنْ وَالِده إبْرَاهِيم عَلَيْهِ الصَّلَاة وَالسَّلَام . فَتَأْوِيل الْكَلَام : وَإِذْ يَرْفَع إبْرَاهِيم الْقَوَاعِد مِنْ الْبَيْت وَإِسْمَاعِيل يَقُولَانِ : رَبّنَا تَقَبَّلْ مِنَّا عَمَلنَا وَطَاعَتنَا إيَّاكَ وَعِبَادَتنَا لَك فِي انْتِهَائِنَا إلَى أَمْرك الَّذِي أَمَرْتنَا بِهِ فِي بِنَاء بَيْتك الَّذِي أَمَرْتنَا بِبِنَائِهِ إنَّك أَنْت السَّمِيع الْعَلِيم . وَفِي إخْبَار اللَّه تَعَالَى ذِكْره أَنَّهُمَا رَفَعَا الْقَوَاعِد مِنْ الْبَيْت وَهُمَا يَقُولَانِ : رَبّنَا تَقَبَّلْ مِنَّا إنَّك أَنْت السَّمِيع الْعَلِيم دَلِيل وَاضِح عَلَى أَنَّ بِنَاءَهُمَا ذَلِكَ لَمْ يَكُنْ مَسْكَنًا يَسْكُنَانِهِ وَلَا مَنْزِلًا يَنْزِلَانِهِ , بَلْ هُوَ دَلِيل عَلَى أَنَّهُمَا بَنَيَاهُ وَرَفَعَا قَوَاعِده لِكُلِّ مَنْ أَرَادَ أَنْ يَعْبُد اللَّه تَقَرُّبًا مِنْهُمَا إلَى اللَّه بِذَلِكَ ; وَلِذَلِكَ قَالَا : رَبّنَا تَقَبَّلْ مِنَّا . وَلَوْ كَانَا بَنَيَاهُ مَسْكَنًا لِأَنْفُسِهِمَا لَمْ يَكُنْ لِقَوْلِهِمَا : تَقَبَّلْ مِنَّا وَجْه مَفْهُوم , لِأَنَّهُ كَانَا يَكُونَانِ لَوْ كَانَ الْأَمْر كَذَلِكَ سَائِلِينَ أَنْ يَتَقَبَّل مِنْهُمَا مَا لَا قُرْبَة فِيهِ إلَيْهِ , وَلَيْسَ مَوْضِعهمَا مَسْأَلَة اللَّه قَبُول مَا لَا قُرْبَة إلَيْهِ فِيهِ .إِنَّكَ أَنْتَ السَّمِيعُ الْعَلِيمُالْقَوْل فِي تَأْوِيل قَوْله تَعَالَى : إنَّك أَنْت السَّمِيع الْعَلِيم . وَتَأْوِيل قَوْله : إنَّك أَنْت السَّمِيع الْعَلِيم إنَّك أَنْت السَّمِيع دُعَاءَنَا وَمَسْأَلَتنَا إيَّاكَ قَبُول مَا سَأَلْنَاك قَبُوله مِنَّا مِنْ طَاعَتك فِي بِنَاء بَيْتك الَّذِي أَمَرْتنَا بِبِنَائِهِ ; الْعَلِيم بِمَا فِي ضَمَائِر نَفُوسنَا مِنْ الْإِذْعَان لَك فِي الطَّاعَة وَالْمَصِير إلَى مَا فِيهِ لَك الرِّضَا وَالْمَحَبَّة , وَمَا نُبْدِي وَنَخْفِي مِنْ أَعْمَالنَا . كَمَا : 1698 - حَدَّثَنِي الْقَاسِم , قَالَ : ثنا الْحُسَيْن , قَالَ : حَدَّثَنِي حَجَّاج , قَالَ : قَالَ ابْن جُرَيْجٍ : أَخْبَرَنِي أَبُو كَثِير , قَالَ : ثنا سَعِيد بْن جُبَيْر , عَنْ ابْن عَبَّاس : تَقَبَّلْ مِنَّا إنَّك أَنْت السَّمِيع الْعَلِيم يَقُول : تَقَبَّلْ مِنَّا إنَّك سَمِيع الدُّعَاء .

رَبَّنَا وَٱجْعَلْنَا مُسْلِمَيْنِ لَكَ وَمِن ذُرِّيَّتِنَآ أُمَّةً مُّسْلِمَةً لَّكَ وَأَرِنَا مَنَاسِكَنَا وَتُبْ عَلَيْنَآ إِنَّكَ أَنتَ ٱلتَّوَّابُ ٱلرَّحِيمُ (128)


رَبَّنَا وَاجْعَلْنَا مُسْلِمَيْنِ لَكَالْقَوْل فِي تَأْوِيل قَوْله تَعَالَى : رَبّنَا وَاجْعَلْنَا مُسْلِمَيْنِ لَك وَهَذَا أَيْضًا خَبَر مِنْ اللَّه تَعَالَى ذِكْره عَنْ إبْرَاهِيم وَإِسْمَاعِيل أَنَّهُمَا كَانَا يَرْفَعَانِ الْقَوَاعِد مِنْ الْبَيْت وَهُمَا يَقُولَانِ : رَبّنَا وَاجْعَلْنَا مُسْلِمَيْنِ لَك يَعْنِيَانِ بِذَلِكَ : وَاجْعَلْنَا مُسْتَسْلِمَيْنِ لِأَمْرِك خَاضِعَيْنِ لِطَاعَتِك , لَا نُشْرِك مَعَك فِي الطَّاعَة أَحَدًا سِوَاك , وَلَا فِي الْعِبَادَة غَيْرك . وَقَدْ دَلَّلْنَا فِيمَا مَضَى عَلَى أَنَّ مَعْنَى الْإِسْلَام الْخُضُوع لِلَّهِ بِالطَّاعَةِ .وَمِنْ ذُرِّيَّتِنَا أُمَّةً مُسْلِمَةً لَكَوَأَمَّا قَوْله : وَمِنْ ذُرِّيَّتنَا أُمَّة مُسْلِمَة لَك فَإِنَّهُمَا خَصَّا بِذَلِكَ بَعْض الذُّرِّيَّة ; لِأَنَّ اللَّه تَعَالَى ذِكْره قَدْ كَانَ أَعْلَم إبْرَاهِيم خَلِيله صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَبْل مَسْأَلَته هَذِهِ أَنَّ مِنْ ذُرِّيَّته مَنْ لَا يَنَال عَهْده لِظُلْمِهِ وَفُجُوره , فَخَصَّا بِالدَّعْوَةِ بَعْض ذُرِّيَّتهمَا . وَقَدْ قِيلَ إنَّهُمَا عَنَيَا بِذَلِكَ الْعَرَب . ذِكْر مَنْ قَالَ ذَلِكَ : 1699 - حَدَّثَنَا مُوسَى بْن هَارُونَ , قَالَ : ثنا عَمْرو بْن حَمَّاد , قَالَ : ثنا أَسْبَاط , عَنْ السُّدِّيّ : وَمِنْ ذُرِّيَّتنَا أُمَّة مُسْلِمَة لَك يَعْنِيَانِ الْعَرَب . وَهَذَا قَوْل يَدُلّ ظَاهِر الْكِتَاب عَلَى خِلَافه ; لِأَنَّ ظَاهِره يَدُلّ عَلَى أَنَّهُمَا دَعَوْا اللَّه أَنْ يَجْعَل مِنْ ذُرِّيَّتهمَا أَهْل طَاعَته وَوِلَايَته والمستجيبين لِأَمْرِهِ , وَقَدْ كَانَ فِي وَلَد إبْرَاهِيم الْعَرَب وَغَيْر الْعَرَب , وَالْمُسْتَجِيب لِأَمْرِ اللَّه وَالْخَاضِع لَهُ بِالطَّاعَةِ مِنْ الْفَرِيقَيْنِ ; فَلَا وَجْه لِقَوْلِ مَنْ قَالَ : عَنَى إبْرَاهِيم بِدُعَائِهِ ذَلِكَ فَرِيقًا مِنْ وَلَده بِأَعْيَانِهِمْ دُون غَيْرهمْ إلَّا التَّحَكُّم الَّذِي لَا يَعْجِز عَنْهُ أَحَد . وَأَمَّا الْأُمَّة فِي هَذَا الْمَوْضِع , فَإِنَّهُ يَعْنِي بِهَا الْجَمَاعَة مِنْ النَّاس , مِنْ قَوْل اللَّه : وَمِنْ قَوْم مُوسَى أُمَّة يَهْدُونَ بِالْحَقِّ . 7 159وَأَرِنَا مَنَاسِكَنَاالْقَوْل فِي تَأْوِيل قَوْله تَعَالَى : وَأَرِنَا مَنَاسِكنَا . اخْتَلَفَتْ الْقُرَّاء فِي قِرَاءَة ذَلِكَ , فَقَرَأَهُ بَعْضهمْ : وَأَرِنَا مَنَاسِكنَا بِمَعْنَى رُؤْيَة الْعَيْن , أَيْ أَظْهَرَهَا لِأَعْيُنِنَا حَتَّى نَرَاهَا . وَذَلِكَ قِرَاءَة عَامَّة أَهْل الْحِجَاز وَالْكُوفَة , وَكَانَ بَعْض مَنْ يُوَجِّه تَأْوِيل ذَلِكَ إلَى هَذَا التَّأْوِيل يُسَكِّن الرَّاء مِنْ " أَرِنَا " , غَيْر أَنَّهُ يُشِمّهَا كَسْرَة . وَاخْتَلَفَ قَائِل هَذِهِ الْمَقَالَة وَقُرَّاء هَذِهِ الْقِرَاءَة فِي تَأْوِيل قَوْله : مَنَاسِكنَا فَقَالَ بَعْضهمْ : هِيَ مَنَاسِك الْحَجّ وَمَعَالِمه . ذِكْر مَنْ قَالَ ذَلِكَ : 1700 - حَدَّثَنَا بِشْر بْن مُعَاذ , قَالَ : ثنا يَزِيد , قَالَ : ثنا سَعِيد , عَنْ قَتَادَة قَوْله : وَأَرِنَا مَنَاسِكنَا فَأَرَاهُمَا اللَّه مَنَاسِكهمَا الطَّوَاف بِالْبَيْتِ , وَالسَّعْي بَيْن الصَّفَا وَالْمَرْوَة , وَالْإِفَاضَة مِنْ عَرَفَات , وَالْإِفَاضَة مِنْ جَمْع , وَرَمْي الْجِمَار , حَتَّى أَكْمَلَ اللَّه الدِّين أَوْ دِينه . 1701 - حَدَّثَنَا الْحَسَن بْن يَحْيَى , قَالَ : أَخْبَرَنَا عَبْد الرَّزَّاق , قَالَ : أَخْبَرَنَا مَعْمَر عَنْ قَتَادَة فِي قَوْله : وَأَرِنَا مَنَاسِكنَا قَالَ : أَرِنَا نُسُكنَا وَحَجّنَا . 1702 - حَدَّثَنَا مُوسَى , قَالَ : حَدَّثَنَا عَمْرو , قَالَ : ثنا أَسْبَاط , عَنْ السُّدِّيّ , قَالَ : لَمَّا فَرَغَ إبْرَاهِيم وَإِسْمَاعِيل مِنْ بُنْيَان الْبَيْت أَمَرَهُ اللَّه أَنْ يُنَادِي فَقَالَ : وَأَذِّنْ فِي النَّاس بِالْحَجِّ فَنَادَى بَيْن أَخْشَبَيْ مَكَّة : يَا أَيّهَا النَّاس إنَّ اللَّه يَأْمُركُمْ أَنْ تَحُجُّوا بَيْته . قَالَ : فَوَقِرَتْ فِي قَلْب كُلّ مُؤْمِن , فَأَجَابَهُ كُلّ مَنْ سَمِعَهُ مِنْ جَبَل أَوْ شَجَر أَوْ دَابَّة : لَبَّيْكَ لَبَّيْكَ ! فَأَجَابُوهُ بِالتَّلْبِيَةِ : لَبَّيْكَ اللَّهُمَّ لَبَّيْكَ ! وَأَتَاهُ مَنْ أَتَاهُ . فَأَمَرَهُ اللَّه أَنْ يَخْرُج إلَى عَرَفَات وَنَعَتَهَا فَخَرَجَ ; فَلَمَّا بَلَغَ الشَّجَرَة عِنْد الْعَقَبَة اسْتَقْبَلَهُ الشَّيْطَان , فَرَمَاهُ بِسَبْعِ حَصَيَات يُكَبِّر مَعَ كُلّ حَصَاة , فَطَارَ فَوَقَعَ عَلَى الْجَمْرَة الثَّانِيَة أَيْضًا , فَصَدَّهُ فَرَمَاهُ وَكَبَّرَ , فَطَارَ فَوَقَعَ عَلَى الْجَمْرَة الثَّالِثَة , فَرَمَاهُ وَكَبَّرَ . فَلَمَّا رَأَى أَنَّهُ لَا يُطِيقهُ , وَلَمْ يَدْرِ إبْرَاهِيم أَيْنَ يَذْهَب , انْطَلَقَ حَتَّى أَتَى ذَا الْمَجَاز , فَلَمَّا نَظَرَ إلَيْهِ فَلَمْ يَعْرِفهُ جَازَ فَلِذَلِك سُمِّيَ ذَا الْمَجَاز . ثُمَّ انْطَلَقَ حَتَّى وَقَعَ بِعَرَفَاتِ , فَلَمَّا نَظَرَ إلَيْهَا عَرَفَ النَّعْت , قَالَ : قَدْ عَرَفْت ! فَسُمِّيَتْ عَرَفَات . فَوَقَفَ إبْرَاهِيم بِعَرَفَاتِ . حَتَّى إذَا أَمْسَى ازْدَلَفَ إلَى جَمْع , فَسُمِّيَتْ الْمُزْدَلِفَة . فَوَقَفَ بِجَمْعِ . ثُمَّ أَقَبْل حَتَّى أَتَى الشَّيْطَان حَيْثُ لَقِيَهُ أَوَّل مَرَّة فَرَمَاهُ بِسَبْعِ حَصَيَات سَبْع مَرَّات , ثُمَّ أَقَامَ بِمِنَى حَتَّى فَرَغَ مِنْ الْحَجّ وَأَمْره . وَذَلِكَ قَوْله : وَأَرِنَا مَنَاسِكنَا . وَقَالَ آخَرُونَ مِمَّنْ قَرَأَ هَذِهِ الْقِرَاءَة : الْمَنَاسِك الْمَذَابِح . فَكَانَ تَأْوِيل هَذِهِ الْآيَة عَلَى قَوْل مَنْ قَالَ ذَلِكَ : وَأَرِنَا كَيْف نَنْسَك لَك يَا رَبّنَا نَسَائِكنَا فَنَذْبَحهَا لَك . ذِكْر مَنْ قَالَ ذَلِكَ : 1703 - حَدَّثَنَا مُحَمَّد بْن بَشَّار , قَالَ : ثنا عَبْد الرَّحْمَن , قَالَ : ثنا سُفْيَان , عَنْ ابْن جُرَيْجٍ , عَنْ عَطَاء : وَأَرِنَا مَنَاسِكنَا قَالَ : ذَبْحنَا . * حَدَّثَنَا الْحَسَن بْن يَحْيَى , قَالَ : ثنا عَبْد الرَّزَّاق , قَالَ : أَخْبَرَنَا الثَّوْرِيّ , عَنْ ابْن جُرَيْجٍ , عَنْ عَطَاء , قَالَ : مَذَابِحنَا . 1704 - حَدَّثَنِي مُحَمَّد بْن عَمْرو , قَالَ : ثنا أَبُو عَاصِم , قَالَ : ثنا عِيسَى , عَنْ ابْن أَبِي نَحِيح , عَنْ مُجَاهِد مِثْله . * حَدَّثَنَا الْمُثَنَّى , قَالَ : حَدَّثَنَا أَبُو حُذَيْفَة , قَالَ : حَدَّثَنَا شِبْل , عَنْ ابْن أَبِي نَجِيح , عَنْ مُجَاهِد مِثْله . 1705 - حَدَّثَنَا الْقَاسِم , قَالَ : ثنا الْحُسَيْن , قَالَ : حَدَّثَنِي حَجَّاج , عَنْ ابْن جُرَيْجٍ , قَالَ : قَالَ عَطَاء : سَمِعْت عُبَيْد بْن عُمَيْر يَقُول : وَأَرِنَا مَنَاسِكنَا قَالَ : أَرِنَا مَذَابِحنَا . وَقَالَ آخَرُونَ : وَأَرِنَا مَنَاسِكنَا بِتَسْكِينِ الرَّاء . وَزَعَمُوا أَنَّ مَعْنَى ذَلِكَ : وَعَلِّمْنَا وَدُلَّنَا عَلَيْهَا , لَا أَنَّ مَعْنَاهَا أَرِنَاهَا بِالْأَبْصَارِ . وَزَعَمُوا أَنَّ ذَلِكَ نَظِير قَوْل حَطَائِط بْن يَعْفُر أَخِي الْأَسْوَد بْن يَعْفُر : أَرِينِي جَوَادًا مَاتَ هَزْلًا لِأَنَّنِي أَرَى مَا تَرَيْنَ أَوْ بَخِيلًا مُخَلَّدًا يَعْنِي بِقَوْلِهِ أَرِينِي : دُلِّينِي عَلَيْهِ وَعَرِّفِينِي مَكَانه , وَلَمْ يَعْنِ بِهِ رُؤْيَة الْعَيْن . وَهَذِهِ قِرَاءَة رُوِيَتْ عَنْ بَعْض الْمُتَقَدِّمِينَ . ذِكْر مَنْ قَالَ ذَلِكَ : 1706 - حَدَّثَنَا الْقَاسِم , قَالَ : ثنا الْحُسَيْن , قَالَ : حَدَّثَنِي حَجَّاج , عَنْ ابْن جُرَيْجٍ , قَالَ : قَالَ عَطَاء : أَرِنَا مَنَاسِكنَا أَخْرَجَهَا لَنَا , عَلِّمْنَاهَا . 1707 - حَدَّثَنَا الْحَسَن بْن يَحْيَى , قَالَ : أَخْبَرَنَا عَبْد الرَّزَّاق , قَالَ : أَخْبَرَنَا ابْن جُرَيْجٍ , قَالَ : قَالَ ابْن الْمُسَيِّب : قَالَ عَلِيّ بْن أَبِي طَالِب : لَمَّا فَرَغَ إبْرَاهِيم مِنْ بِنَاء الْبَيْت , قَالَ : فَعَلْت أَيْ رَبّ فَأَرِنَا مَنَاسِكنَا , أَبْرِزْهَا لَنَا , عَلِّمْنَاهَا ! فَبَعَثَ اللَّه جِبْرِيل فَحَجّ بِهِ . وَالْقَوْل وَاحِد , فَمَنْ كَسَرَ الرَّاء جَعَلَ عَلَامَة الْجَزْم سُقُوط الْيَاء الَّتِي فِي قَوْل الْقَائِل أَرِنِيهِ , وَأَقَرَّ الرَّاء مَكْسُورَة كَمَا كَانَتْ قَبْل الْجَزْم . وَمَنْ سَكَّنَ الرَّاء مِنْ " أَرِنَا " تَوَهَّمَ أَنَّ إعْرَاب الْحَرْف فِي الرَّاء فَسَكَّنَهَا فِي الْجَزْم كَمَا فَعَلُوا ذَلِكَ فِي لَمْ يَكُنْ وَلَمْ يَكُ . وَسَوَاء كَانَ ذَلِكَ مِنْ رُؤْيَة الْعَيْن , أَوْ مِنْ رُؤْيَة الْقَلْب . وَلَا مَعْنَى لِفَرْقِ مَنْ فَرَّقَ بَيْن رُؤْيَة الْعَيْن فِي ذَلِكَ وَرُؤْيَة الْقَلْب . وَأَمَّا الْمَنَاسِك فَإِنَّهَا جَمْع " مَنْسَك " , وَهُوَ الْمَوْضِع الَّذِي يَنْسَك لِلَّهِ فِيهِ , وَيَتَقَرَّب إلَيْهِ فِيهِ بِمَا يُرْضِيه مِنْ عَمَل صَالِح إمَّا بِذَبْحِ ذَبِيحَة لَهُ , وَإِمَّا بِصَلَاةِ أَوْ طَوَاف أَوْ سَعْي , وَغَيْر ذَلِكَ مِنْ الْأَعْمَال الصَّالِحَة ; وَلِذَلِكَ قِيلَ لِمَشَاعِر الْحَجّ مَنَاسِكه , لِأَنَّهَا أَمَارَات وَعَلَامَات يَعْتَادهَا النَّاس , وَيَتَرَدَّدُونَ إلَيْهَا . وَأَصْل الْمَنْسَك فِي كَلَام الْعَرَب : الْمَوْضِع الْمُعْتَاد الَّذِي يَعْتَادهُ الرَّجُل وَيَأْلَفهُ , يُقَال : لِفُلَانِ مَنْسَك , وَذَلِكَ إذَا كَانَ لَهُ مَوْضِع يَعْتَادهُ لِخَيْرِ أَوْ شَرّ ; وَلِذَلِكَ سُمِّيَتْ الْمَنَاسِك مَنَاسِك , لِأَنَّهَا تُعْتَاد وَيَتَرَدَّد إلَيْهَا بِالْحَجِّ وَالْعُمْرَة , وَبِالْأَعْمَالِ الَّتِي يُتَقَرَّب بِهَا إلَى اللَّه . وَقَدْ قِيلَ : إنَّ مَعْنَى النُّسُك : عِبَادَة اللَّه , وَأَنَّ النَّاسِك إنَّمَا سُمِّيَ نَاسِكًا بِعِبَادَةِ رَبّه , فَتَأَوَّلَ قَائِل هَذِهِ الْمَقَالَة قَوْله : وَأَرِنَا مَنَاسِكنَا وَعَلِّمْنَا عِبَادَتك كَيْف نَعْبُدك , وَأَيْنَ نَعْبُدك , وَمَا يُرْضِيك عَنَّا فَنَفْعَلهُ . وَهَذَا الْقَوْل وَإِنْ كَانَ مَذْهَبًا يَحْتَمِلهُ الْكَلَام , فَإِنَّ الْغَالِب عَلَى مَعْنَى الْمَنَاسِك مَا وَصَفْنَا قَبْل مِنْ أَنَّهَا مَنَاسِك الْحَجّ الَّتِي ذَكَرْنَا مَعْنَاهَا . وَخَرَجَ هَذَا الْكَلَام مِنْ قَوْل إبْرَاهِيم وَإِسْمَاعِيل عَلَى وَجْه الْمَسْأَلَة مِنْهُمَا رَبّهمَا لِأَنْفُسِهِمَا , وَإِنَّمَا ذَلِكَ مِنْهُمَا مَسْأَلَة رَبّهمَا لِأَنْفُسِهِمَا وَذُرِّيَّتهمَا الْمُسْلِمِينَ , فَلَمَّا ضَمَّا ذُرِّيَّتهمَا الْمُسْلِمَيْنِ إلَى أَنْفُسهمَا صَارَا كَالْمُخْبِرَيْنِ عَنْ أَنْفُسهمْ بِذَلِكَ . وَإِنَّمَا قُلْنَا إنَّ ذَلِكَ كَذَلِكَ لِتَقَدُّمِ الدُّعَاء مِنْهُمَا لِلْمُسْلِمِينَ مِنْ ذُرِّيَّتهمَا قَبْل فِي أَوَّل الْآيَة , وَتَأَخُّره بَعْد فِي الْآيَة الْأُخْرَى . فَأَمَّا الَّذِي فِي أَوَّل الْآيَة فَقَوْلهمَا : رَبّنَا وَاجْعَلْنَا مُسْلِمَيْنِ لَك وَمِنْ ذُرِّيَّتنَا أُمَّة مُسْلِمَة لَك . ثُمَّ جَمَعَا أَنْفُسهمَا وَالْأُمَّة الْمُسْلِمَة مِنْ ذُرِّيَّتهمَا فِي مَسْأَلَتهمَا رَبّهمَا أَنْ يُرِيهِمْ مَنَاسِكهمْ فَقَالَا : وَأَرِنَا مَنَاسِكنَا . وَأَمَّا الَّتِي فِي الْآيَة الَّتِي بَعْدهَا : رَبّنَا وَابْعَثْ فِيهِمْ رَسُولًا مِنْهُمْ فَجَعَلَا الْمَسْأَلَة لِذُرِّيَّتِهِمَا خَاصَّة . وَقَدْ ذُكِرَ أَنَّهَا فِي قِرَاءَة ابْن مَسْعُود : " وَأَرِهِمْ مَنَاسِكهمْ " , يَعْنِي بِذَلِكَ : وَأَرِ ذُرِّيَّتنَا الْمُسْلِمَة مَنَاسِكهمْ .وَتُبْ عَلَيْنَاالْقَوْل فِي تَأْوِيل قَوْله تَعَالَى : وَتُبْ عَلَيْنَا . أَمَّا التَّوْبَة فَأَصْلهَا الْأَوْبَة مِنْ مَكْرُوه إلَى مَحْبُوب , فَتَوْبَة الْعَبْد إلَى رَبّه : أَوْبَته مِمَّا يَكْرَههُ اللَّه مِنْهُ بِالنَّدَمِ عَلَيْهِ وَالْإِقْلَاع عَنْهُ , وَالْعَزْم عَلَى تَرْك الْعَوْد فِيهِ . وَتَوْبَة الرَّبّ عَلَى عَبْده : عَوْده عَلَيْهِ بِالْعَفْوِ لَهُ عَنْ جُرْمه وَالصَّفْع لَهُ عَنْ عُقُوبَة ذَنْبه , مَغْفِرَة لَهُ مِنْهُ , وَتَفَضُّلًا عَلَيْهِ . فَإِنْ قَالَ لَنَا قَائِل : وَهَلْ كَانَ لَهُمَا ذُنُوب فَاحْتَاجَا إلَى مَسْأَلَة رَبّهمَا التَّوْبَة ؟ قِيلَ : إنَّهُ لَيْسَ أَحَد مِنْ خَلْق اللَّه إلَّا وَلَهُ مِنْ الْعَمَل فِيمَا بَيْنه وَبَيْن رَبّه مَا يَجِب عَلَيْهِ الْإِنَابَة مِنْهُ وَالتَّوْبَة . فَجَائِز أَنْ يَكُون مَا كَانَ مِنْ قَبْلهمَا مَا قَالَا مِنْ ذَلِكَ , وَإِنَّمَا خَصَّا بِهِ الْحَال الَّتِي كَانَا عَلَيْهَا مِنْ رَفْع قَوَاعِد الْبَيْت , لِأَنَّ ذَلِكَ كَانَ أَحْرَى الْأَمَاكِن أَنْ يَسْتَجِيب اللَّه فِيهَا دُعَاءَهُمَا , وَلِيَجْعَلَا مَا فَعَلَا مِنْ ذَلِكَ سُنَّة يُقْتَدَى بِهَا بَعْدهمَا , وَتَتَّخِذ النَّاس تِلْكَ الْبُقْعَة بَعْدهمَا مَوْضِع تَنَصُّل مِنْ الذُّنُوب إلَى اللَّه . وَجَائِز أَنْ يَكُونَا عَنَيَا بِقَوْلِهِمَا : وَتُبْ عَلَيْنَا وَتُبْ عَلَى الظَّلَمَة مِنْ أَوْلَادنَا وَذُرِّيَّتنَا , الَّذِينَ أَعْلَمْتنَا أَمْرهمْ مِنْ ظُلْمهمْ وَشِرْكهمْ , حَتَّى يُنِيبُوا إلَى طَاعَتك . فَيَكُون ظَاهِر الْكَلَام عَلَى الدُّعَاء لِأَنْفُسِهِمَا , وَالْمَعْنِيّ بِهِ ذُرِّيَّتهمَا , كَمَا يُقَال : أَكَرَمَنِي فُلَان فِي وَلَدِي وَأَهْلِي , وَبَرَّنِي فُلَان : إذَا بَرَّ وَلَده .إِنَّكَ أَنْتَ التَّوَّابُ الرَّحِيمُوَأَمَّا قَوْله : إنَّك أَنْت التَّوَّاب الرَّحِيم فَإِنَّهُ يَعْنِي بِهِ : إنَّك أَنْت الْعَائِد عَلَى عِبَادك بِالْفَضْلِ وَالْمُتَفَضِّل عَلَيْهِمْ بِالْعَفْوِ وَالْغُفْرَان , الرَّحِيم بِهِمْ , الْمُسْتَنْقِذ مَنْ تُشَاء مِنْهُمْ بِرَحْمَتِك مِنْ هَلَكَته , الْمُنْجِي مَنْ تُرِيد نَجَاته مِنْهُمْ بِرَأْفَتِك مِنْ سَخَطك .

رَبَّنَا وَٱبْعَثْ فِيهِمْ رَسُولًا مِّنْهُمْ يَتْلُوا۟ عَلَيْهِمْ ءَايَٰتِكَ وَيُعَلِّمُهُمُ ٱلْكِتَٰبَ وَٱلْحِكْمَةَ وَيُزَكِّيهِمْ إِنَّكَ أَنتَ ٱلْعَزِيزُ ٱلْحَكِيمُ (129)


رَبَّنَا وَابْعَثْ فِيهِمْ رَسُولًا مِنْهُمْ يَتْلُو عَلَيْهِمْ آيَاتِكَالْقَوْل فِي تَأْوِيل قَوْله تَعَالَى : رَبّنَا وَابْعَثْ فِيهِمْ رَسُولًا مِنْهُمْ / وَهَذِهِ دَعْوَة إبْرَاهِيم وَإِسْمَاعِيل لِنَبِيِّنَا مُحَمَّد صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ خَاصَّة , وَهِيَ الدَّعْوَة الَّتِي كَانَ نَبِيّنَا صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَقُول : " أَنَا دَعْوَة أَبِي إبْرَاهِيم وَبُشْرَى عِيسَى " . 1708 - حَدَّثَنَا بِذَلِكَ ابْن حُمَيْد , قَالَ : ثنا سَلَمَة , عَنْ مُحَمَّد بْن إسْحَاق , عَنْ ثَوْر بْن يَزِيد , عَنْ خَالِد بْن مَعْدَان الْكُلَاعِيّ : أَنَّ نَفَرًا مِنْ أَصْحَاب رَسُول اللَّه صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالُوا : يَا رَسُول اللَّه أَخْبِرْنَا عَنْ نَفْسك ! قَالَ ; " نَعَمْ , أَنَا دَعْوَة أَبِي إبْرَاهِيم , وَبُشْرَى عِيسَى صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ " . 1709 - حَدَّثَنِي عِمْرَان بْن بَكَّار الْكُلَاعِيّ , قَالَ : ثنا أَبُو الْيَمَان , قَالَ : ثنا أَبُو كُرَيْب , عَنْ أَبِي مَرْيَم , عَنْ سَعِيد بْن سُوَيْد , عَنْ الْعِرْبَاضِ بْن سَارِيَة السُّلَمِيّ , قَالَ : سَمِعْت رَسُول اللَّه صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَقُول : " إنِّي عِنْد اللَّه فِي أُمّ الْكِتَاب خَاتَم النَّبِيِّينَ وَإِنَّ آدَم لَمُنْجَدِل فِي طِينَته , وَسَوْفَ أُنَبِّئكُمْ بِتَأْوِيلِ ذَلِكَ : أَنَا دَعْوَة أَبِي إبْرَاهِيم وَبِشَارَة عِيسَى قَوْمه وَرُؤْيَا أُمِّي " . * حَدَّثَنِي يُونُس بْن عَبْد الْأَعْلَى , قَالَ : ثنا ابْن وَهْب , قَالَ : أَخْبَرَنِي مُعَاوِيَة , وَحَدَّثَنِي عُبَيْد بْن آدَم بْن أَبِي إيَاس الْعَسْقَلَانِيّ , قَالَ : حَدَّثَنِي أَبِي , قَالَ : ثنا اللَّيْث بْن سَعْد , عَنْ مُعَاوِيَة بْن صَالِح , قَالَا جَمِيعًا , عَنْ سَعِيد بْن سُوَيْد , عَنْ عَبْد اللَّه بْن هِلَال السُّلَمِيّ , عَنْ عِرْبَاض بْن سَارِيَة السُّلَمِيّ , عَنْ النَّبِيّ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بِنَحْوِهِ . * حَدَّثَنِي الْمُثَنَّى , قَالَ : ثنا أَبُو صَالِح , قَالَ : ثنا مُعَاوِيَة , عَنْ سَعِيد بْن سُوَيْد , عَنْ عَبْد الْأَعْلَى بْن هِلَال السُّلَمِيّ , عَنْ عِرْبَاض بْن سَارِيَة أَنَّهُ قَالَ : سَمِعْت رَسُول اللَّه صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَقُول ; فَذَكَرَ نَحْوه . وَبِاَلَّذِي قُلْنَا فِي ذَلِكَ قَالَ جَمَاعَة مِنْ أَهْل التَّأْوِيل . ذِكْر مَنْ قَالَ ذَلِكَ : 1710 - حَدَّثَنَا بِشْر بْن مُعَاذ , قَالَ : ثنا يَزِيد بْن زُرَيْعٍ , قَالَ : ثنا سَعِيد , عَنْ قَتَادَة قَوْله : رَبّنَا وَابْعَثْ فِيهِمْ رَسُولًا مِنْهُمْ فَفَعَلَ اللَّه ذَلِكَ , فَبَعَثَ فِيهِمْ رَسُولًا مِنْ أَنْفُسهمْ يَعْرِفُونَ وَجْهه وَنَسَبه , يُخْرِجهُمْ مِنْ الظُّلُمَات إلَى النُّور , وَيَهْدِيهِمْ إلَى صِرَاط الْعَزِيز الْحَمِيد . 1711 - حَدَّثَنَا مُوسَى , قَالَ : ثنا عَمْرو , قَالَ : ثنا أَسْبَاط , عَنْ السُّدِّيّ : رَبّنَا وَابْعَثْ فِيهِمْ رَسُولًا مِنْهُمْ هُوَ مُحَمَّد صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ . 1712 - حَدَّثَنَا عَنْ عَمَّار , قَالَ : ثنا ابْن أَبِي جَعْفَر , عَنْ أَبِيهِ عَنْ الرَّبِيع : رَبّنَا وَابْعَثْ فِيهِمْ رَسُولًا مِنْهُمْ هُوَ مُحَمَّد صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ , فَقِيلَ لَهُ : قَدْ اُسْتُجِيبَ ذَلِكَ , وَهُوَ فِي آخِر الزَّمَان . وَيَعْنِي تَعَالَى ذِكْره بِقَوْلِهِ : يَتْلُوا عَلَيْهِمْ آيَاتك يَقْرَأ عَلَيْهِمْ كِتَابك الَّذِي تُوحِيه إلَيْهِ .وَيُعَلِّمُهُمُ الْكِتَابَ وَالْحِكْمَةَالْقَوْل فِي تَأْوِيل قَوْله تَعَالَى : وَيُعَلِّمهُمْ الْكِتَاب وَالْحِكْمَة . وَيَعْنِي بِالْكِتَابِ الْقُرْآن . وَقَدْ بَيَّنْت فِيمَا مَضَى لِمَ سُمِّيَ الْقُرْآن كِتَابًا وَمَا تَأْوِيله . وَهُوَ قَوْل جَمَاعَة مِنْ أَهْل التَّأْوِيل . ذِكْر مَنْ قَالَ ذَلِكَ : 1713 - حَدَّثَنِي يُونُس قَالَ : أَخْبَرَنَا ابْن وَهْب , قَالَ : قَالَ ابْن زَيْد : وَيُعَلِّمهُمْ الْكِتَاب الْقُرْآن . ثُمَّ اخْتَلَفَ أَهْل التَّأْوِيل فِي مَعْنَى الْحِكْمَة الَّتِي ذَكَرَهَا اللَّه فِي هَذَا الْمَوْضِع , فَقَالَ بَعْضهمْ : هِيَ السُّنَّة . ذِكْر مَنْ قَالَ ذَلِكَ : 1714 - حَدَّثَنَا بِشْر بْن مُعَاذ , قَالَ : ثنا يَزِيد , قَالَ : ثنا سَعِيد , عَنْ قَتَادَة , وَالْحِكْمَة : أَيْ السُّنَّة . وَقَالَ بَعْضهمْ : الْحِكْمَة هِيَ الْمَعْرِفَة بِالدِّينِ وَالْفِقْه فِيهِ . ذِكْر مَنْ قَالَ ذَلِكَ : 1715 - حَدَّثَنِي يُونُس , قَالَ : أَخْبَرَنَا ابْن وَهْب , قَالَ : قُلْت لِمَالِكِ : مَا الْحِكْمَة ؟ قَالَ : الْمَعْرِفَة بِالدِّينِ , وَالْفِقْه فِي الدِّين , وَالِاتِّبَاع لَهُ . 1716 - حَدَّثَنِي يُونُس , قَالَ : أَخْبَرَنَا ابْن وَهْب , قَالَ : قَالَ ابْن زَيْد فِي قَوْله : وَالْحِكْمَة قَالَ : الْحِكْمَة : الدِّين الَّذِي لَا يَعْرِفُونَهُ إلَّا بِهِ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يُعَلِّمهُمْ إيَّاهَا . قَالَ : وَالْحِكْمَة : الْعَقْل فِي الدِّين ; وَقَرَأَ : وَمَنْ يُؤْتَ الْحِكْمَة فَقَدْ أُوتِيَ خَيْرًا كَثِيرًا . 2 269 وَقَالَ لِعِيسَى : وَيُعَلِّمهُ الْكِتَاب وَالْحِكْمَة وَالتَّوْرَاة وَالْإِنْجِيل . 3 48 قَالَ : وَقَرَأَ ابْن زَيْد : وَاتْلُ عَلَيْهِمْ نَبَأ الَّذِي آتَيْنَاهُ آيَاتنَا فَانْسَلَخَ مِنْهَا . 7 175 قَالَ : لَمْ يَنْتَفِع بِالْآيَاتِ حَيْثُ لَمْ تَكُنْ مَعَهَا حِكْمَة . قَالَ : وَالْحِكْمَة شَيْء يَجْعَلهُ اللَّه فِي الْقَلْب يُنَوِّر لَهُ بِهِ . وَالصَّوَاب مِنْ الْقَوْل عِنْدنَا فِي الْحِكْمَة , أَنَّهَا الْعِلْم بِأَحْكَامِ اللَّه الَّتِي لَا يُدْرَك عِلْمهَا إلَّا بِبَيَانِ الرَّسُول صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَالْمَعْرِفَة بِهَا , وَمَا دَلَّ عَلَيْهِ ذَلِكَ مِنْ نَظَائِره . وَهُوَ عِنْدِي مَأْخُوذ مِنْ " الْحُكْم " الَّذِي بِمَعْنَى الْفَصْل بَيْن الْحَقّ وَالْبَاطِل بِمَنْزِلَةِ " الْجِلْسَة وَالْقَعْدَة " مِنْ " الْجُلُوس وَالْقُعُود " , يُقَال مِنْهُ : إنَّ فُلَانًا لَحَكِيم بَيِّن الْحِكْمَة , يَعْنِي بِهِ أَنَّهُ لَبَيِّن الْإِصَابَة فِي الْقَوْل وَالْفِعْل . وَإِذْ كَانَ ذَلِكَ كَذَلِكَ , فَتَأْوِيل , الْآيَة : رَبّنَا وَابْعَثْ فِيهِمْ رَسُولًا مِنْهُمْ يَتْلُو عَلَيْهِمْ آيَاتك , وَيُعَلِّمهُمْ كِتَابك الَّذِي تُنَزِّلهُ عَلَيْهِمْ , وَفَصْل قَضَائِك , وَأَحْكَامك الَّتِي تُعَلِّمهُ إيَّاهَا .وَيُزَكِّيهِمْالْقَوْل فِي تَأْوِيل قَوْله تَعَالَى : وَيُزَكِّيهِمْ . قَدْ دَلَّلْنَا فِيمَا مَضَى قَبْل عَلَى أَنَّ مَعْنَى التَّزْكِيَة : التَّطْهِير , وَأَنَّ مَعْنَى الزَّكَاة : النَّمَاء وَالزِّيَادَة . فَمَعْنَى قَوْله : وَيُزَكِّيهِمْ فِي هَذَا الْمَوْضِع : وَيُطَهِّرهُمْ مِنْ الشِّرْك بِاَللَّهِ وَعِبَادَة الْأَوْثَان وَيُنَمِّيهِمْ وَيُكَثِّرهُمْ بِطَاعَةِ اللَّه . كَمَا : 1717 - حَدَّثَنِي الْمُثَنَّى بْن إبْرَاهِيم , قَالَ : ثنا عَبْد اللَّه بْن صَالِح , قَالَ : حَدَّثَنِي مُعَاوِيَة بْن صَالِح , عَنْ عَلِيّ بْن أَبِي طَلْحَة , عَنْ ابْن عَبَّاس : يَتْلُوا عَلَيْهِمْ آيَاتك وَيُزَكِّيهِمْ قَالَ : يَعْنِي بِالزَّكَاةِ , طَاعَة اللَّه وَالْإِخْلَاص . 1718 - حَدَّثَنَا الْقَاسِم , قَالَ : ثنا الْحُسَيْن , قَالَ : ثنا حَجَّاج , قَالَ : قَالَ ابْن جُرَيْجٍ : قَوْله : وَيُزَكِّيهِمْ قَالَ : يُطَهِّرهُمْ مِنْ الشِّرْك وَيُخَلِّصهُمْ مِنْهُ .إِنَّكَ أَنْتَ الْعَزِيزُ الْحَكِيمُالْقَوْل فِي تَأْوِيل قَوْله تَعَالَى : إنَّك أَنْت الْعَزِيز الْحَكِيم . يَعْنِي تَعَالَى ذِكْره بِذَلِكَ : إنَّك يَا رَبّ أَنْت الْعَزِيز الْقَوِيّ الَّذِي لَا يُعْجِزهُ شَيْء أَرَادَهُ , فَافْعَلْ بِنَا وَبِذُرِّيَّتِنَا مَا سَأَلْنَاهُ وَطَلَبْنَاهُ مِنْك . وَالْحَكِيم : الَّذِي لَا يَدْخُل تَدْبِيره خَلَل وَلَا زَلَل , فَأَعْطِنَا مَا يَنْفَعنَا وَيَنْفَع ذُرِّيَّتنَا , وَلَا يُنْقِصك وَلَا يُنْقِص خَزَائِنك .

وَمَن يَرْغَبُ عَن مِّلَّةِ إِبْرَٰهِۦمَ إِلَّا مَن سَفِهَ نَفْسَهُۥ وَلَقَدِ ٱصْطَفَيْنَٰهُ فِى ٱلدُّنْيَا وَإِنَّهُۥ فِى ٱلْءَاخِرَةِ لَمِنَ ٱلصَّٰلِحِينَ (130)


وَمَنْ يَرْغَبُ عَنْ مِلَّةِ إِبْرَاهِيمَالْقَوْل فِي تَأْوِيل قَوْله تَعَالَى : وَمَنْ يَرْغَب عَنْ مِلَّة إبْرَاهِيم يَعْنِي تَعَالَى ذِكْره بِقَوْلِهِ : وَمَنْ يَرْغَب عَنْ مِلَّة إبْرَاهِيم وَأَيّ النَّاس يَزْهَد فِي مِلَّة إبْرَاهِيم وَيَتْرُكهَا رَغْبَة عَنْهَا إلَى غَيْرهَا . وَإِنَّمَا عَنَى اللَّه بِذَلِكَ الْيَهُود وَالنَّصَارَى لِاخْتِيَارِهِمْ مَا اخْتَارُوا مِنْ الْيَهُودِيَّة وَالنَّصْرَانِيَّة عَلَى الْإِسْلَام ; لِأَنَّ مِلَّة إبْرَاهِيم هِيَ الْحَنِيفِيَّة الْمُسْلِمَة , كَمَا قَالَ تَعَالَى ذِكْره : مَا كَانَ إبْرَاهِيم يَهُودِيًّا وَلَا نَصْرَانِيًّا وَلَكِنْ كَانَ حَنِيفًا مُسْلِمًا 3 67 فَقَالَ تَعَالَى ذِكْره لَهُمْ : وَمَنْ يَزْهَد عَنْ مِلَّة إبْرَاهِيم الْحَنِيفِيَّة الْمُسْلِمَة إلَّا مَنْ سَفِهَ نَفْسه . كَمَا : 1719 - حَدَّثَنَا بِشْر بْن مُعَاذ , قَالَ : ثنا يَزِيد , قَالَ : ثنا سَعِيد , عَنْ قَتَادَة قَوْله : وَمَنْ يَرْغَب عَنْ مِلَّة إبْرَاهِيم إلَّا مَنْ سَفِهَ نَفْسه رَغِبَ عَنْ مِلَّته الْيَهُود وَالنَّصَارَى , وَاِتَّخَذُوا الْيَهُودِيَّة وَالنَّصْرَانِيَّة بِدْعَة لَيْسَتْ مِنْ اللَّه , وَتَرَكُوا مِلَّة إبْرَاهِيم - يَعْنِي الْإِسْلَام - حَنِيفًا , كَذَلِكَ بَعَثَ اللَّه نَبِيّه مُحَمَّدًا صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بِمِلَّةِ إبْرَاهِيم . 1720 - حُدِّثْت عَنْ عَمَّار , قَالَ : ثنا ابْن أَبِي جَعْفَر , عَنْ أَبِيهِ , عَنْ الرَّبِيع فِي قَوْله : وَمَنْ يَرْغَب عَنْ مِلَّة إبْرَاهِيم إلَّا مَنْ سَفِهَ نَفْسه قَالَ : رَغِبَتْ الْيَهُود وَالنَّصَارَى عَنْ مِلَّة إبْرَاهِيم وَابْتَدَعُوا الْيَهُودِيَّة وَالنَّصْرَانِيَّة وَلَيْسَتْ مِنْ اللَّه , وَتَرَكُوا مِلَّة إبْرَاهِيم الْإِسْلَام .إِلَّا مَنْ سَفِهَ نَفْسَهُالْقَوْل فِي تَأْوِيل قَوْله تَعَالَى : إلَّا مَنْ سَفِهَ نَفْسه . يَعْنِي تَعَالَى ذِكْره بِقَوْلِهِ : إلَّا مَنْ سَفِهَ نَفْسه إلَّا مَنْ سَفِهَتْ نَفْسه , وَقَدْ بَيَّنَّا فِيمَا مَضَى أَنَّ مَعْنَى السَّفَه : الْجَهْل . فَمَعْنَى الْكَلَام : وَمَا يَرْغَب عَنْ مِلَّة إبْرَاهِيم الْحَنِيفِيَّة إلَّا سَفِيه جَاهِل بِمَوْضِعِ حَظّ نَفْسه فِيمَا يَنْفَعهَا وَيَضُرّهَا فِي مُعَادهَا . كَمَا : 1721 - حَدَّثَنِي يُونُس , قَالَ : أَخْبَرَنَا ابْن وَهْب , قَالَ : قَالَ ابْن زَيْد فِي قَوْله : إلَّا مَنْ سَفِهَ نَفْسه قَالَ : إلَّا مَنْ أَخْطَأَ حَظّه . وَإِنَّمَا نُصِبَ " النَّفْس " عَلَى مَعْنَى الْمُفَسَّر ; ذَلِكَ أَنَّ السَّفَه فِي الْأَصْل لِلنَّفْسِ , فَلَمَّا نُقِلَ إلَى " مَنْ " نُصِبَتْ " النَّفْس " بِمَعْنَى التَّفْسِير , كَمَا يُقَال : هُوَ أَوْسَعكُمْ دَارًا , فَتَدْخُل " الدَّار " فِي الْكَلَام عَلَى أَنَّ السِّعَة فِيهِ لَا فِي الرَّجُل . فَكَذَلِكَ النَّفْس أُدْخِلَتْ , لِأَنَّ السَّفَه لِلنَّفْسِ لَا ل " مَنْ " ; وَلِذَلِكَ لَمْ يَجُزْ أَنْ يُقَال سَفِهَ أَخُوك , وَإِنَّمَا جَازَ أَنْ يُفَسَّر بِالنَّفْسِ وَهِيَ مُضَافَة إلَى مَعْرِفَة لِأَنَّهَا فِي تَأْوِيل نَكِرَة . وَقَالَ بَعْض نَحْوِيِّي الْبَصْرَة : إنَّ قَوْله : سَفِهَ نَفْسه جَرَتْ مَجْرَى " سَفِهَ " إذَا كَانَ الْفِعْل غَيْر مُتَّعَد . وَإِنَّمَا عَدَّاهُ إلَى " نَفْسه " و " رَأْيه " وَأَشْبَاه ذَلِكَ مِمَّا هُوَ فِي الْمَعْنَى نَحْو سَفِهَ , إذَا هُوَ لَمْ يَتَعَدَّ . فَأَمَّا " غَبَنَ " و " خَسِرَ " فَقَدْ يَتَعَدَّى إلَى غَيْره , يُقَال : غَبَنَ خَمْسِينَ , وَخَسِرَ خَمْسِينَ .وَلَقَدِ اصْطَفَيْنَاهُ فِي الدُّنْيَاالْقَوْل فِي تَأْوِيل قَوْله تَعَالَى : وَلَقَدْ اصْطَفَيْنَاهُ فِي الدُّنْيَا . يَعْنِي تَعَالَى ذِكْره بِقَوْلِهِ : وَلَقَدْ اصْطَفَيْنَاهُ فِي الدُّنْيَا وَلَقَدْ اصْطَفَيْنَا إبْرَاهِيم , وَالْهَاء الَّتِي فِي قَوْله : اصْطَفَيْنَاهُ مِنْ ذِكْر إبْرَاهِيم . وَالِاصْطِفَاء : الِافْتِعَال مِنْ الصَّفْوَة , وَكَذَلِكَ اصْطَفَيْنَا افْتَعَلْنَا مِنْهُ , صُيِّرَتْ تَاؤُهَا طَاء لِقُرْبِ مَخْرَجهَا مِنْ مَخْرَج الصَّاد . وَيَعْنِي بِقَوْلِهِ : اصْطَفَيْنَاهُ اخْتَرْنَاهُ وَاجْتَبَيْنَاهُ لِلْخِلَّةِ , وَنَصِيرهُ فِي الدُّنْيَا لِمَنْ بَعْده إمَامًا . وَهَذَا خَبَر مِنْ اللَّه تَعَالَى ذِكْره عَنْ أَنَّ مَنْ خَالَفَ إبْرَاهِيم فِيمَا سَنَّ لِمَنْ بَعْده فَهُوَ لِلَّهِ مُخَالِف , وَإِعْلَام مِنْهُ خَلْقه أَنَّ مَنْ خَالَفَ مَا جَاءَ بِهِ مُحَمَّد صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَهُوَ لِإِبْرَاهِيم مُخَالِف ; وَذَلِكَ أَنَّ اللَّه تَعَالَى ذِكْره أَخْبَرَ أَنَّهُ اصْطَفَاهُ لِخِلَّتِهِ , وَجَعَلَهُ لِلنَّاسِ إمَامًا , وَأَخْبَرَ أَنَّ دِينه كَانَ الْحَنِيفِيَّة الْمُسْلِمَة . فَفِي ذَلِكَ أَوْضَح الْبَيَان مِنْ اللَّه تَعَالَى ذِكْره عَنْ أَنَّ مَنْ خَالَفَهُ فَهُوَ لِلَّهِ عَدُوّ لِمُخَالَفَتِهِ الْإِمَام الَّذِي نَصَبَهُ اللَّه لِعِبَادِهِ .وَإِنَّهُ فِي الْآخِرَةِ لَمِنَ الصَّالِحِينَالْقَوْل فِي تَأْوِيل قَوْله تَعَالَى : وَإِنَّهُ فِي الْآخِرَة لَمِنْ الصَّالِحِينَ . يَعْنِي تَعَالَى ذِكْره بِقَوْلِهِ : وَإِنَّهُ فِي الْآخِرَة لَمِنْ الصَّالِحِينَ وَإِنَّ إبْرَاهِيم فِي الدَّار الْآخِرَة لَمِنْ الصَّالِحِينَ . وَالصَّالِح مِنْ بَنِي آدَم هُوَ الْمُؤَدِّي حُقُوق اللَّه عَلَيْهِ . فَأَخْبَرَ تَعَالَى ذِكْره عَنْ إبْرَاهِيم خَلِيله أَنَّهُ فِي الدُّنْيَا لَهُ صَفِيّ , وَفِي الْآخِرَة وَلِيّ , وَإِنَّهُ وَارِد مَوَارِد أَوْلِيَائِهِ الْمُوفِينَ بِعَهْدِهِ .

إِذْ قَالَ لَهُۥ رَبُّهُۥٓ أَسْلِمْ قَالَ أَسْلَمْتُ لِرَبِّ ٱلْعَٰلَمِينَ (131)


إِذْ قَالَ لَهُ رَبُّهُ أَسْلِمْالْقَوْل فِي تَأْوِيل قَوْله تَعَالَى : إذْ قَالَ لَهُ رَبّه أَسْلِمْ يَعْنِي تَعَالَى ذِكْره بِقَوْلِهِ : إذْ قَالَ لَهُ رَبّه أَسْلِمْ إذْ قَالَ لَهُ رَبّه : أَخْلِصْ لِي الْعِبَادَة , وَاخْضَعْ لِي بِالطَّاعَةِ , وَقَدْ دَلَّلْنَا فِيمَا مَضَى عَلَى مَعْنَى الْإِسْلَام فِي كَلَام الْعَرَب , فَأَغْنَى عَنْ إعَادَته صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ .قَالَ أَسْلَمْتُ لِرَبِّ الْعَالَمِينَوَأَمَّا مَعْنَى قَوْله : قَالَ أَسْلَمْت لِرَبِّ الْعَالَمِينَ فَإِنَّهُ يَعْنِي تَعَالَى ذِكْره : قَالَ إبْرَاهِيم مُجِيبًا لِرَبِّهِ : خَضَعْت بِالطَّاعَةِ , وَأَخْلَصْت بِالْعِبَادَةِ لِمَالِك جَمِيع الْخَلَائِق وَمُدَبِّرهَا دُون غَيْره . فَإِنْ قَالَ قَائِل : قَدْ عَلِمْت أَنَّ " إذْ " وَقْت فَمَا الَّذِي وَقَّتَ بِهِ , وَمَا الَّذِي صِلَته ؟ قِيلَ : هُوَ صِلَة لِقَوْلِهِ : وَلَقَدْ اصْطَفَيْنَاهُ فِي الدُّنْيَا . وَتَأْوِيل الْكَلَام : وَلَقَدْ اصْطَفَيْنَاهُ فِي الدُّنْيَا حِين قَالَ لَهُ رَبّه أَسْلِمْ , قَالَ : أَسْلَمْت لِرَبِّ الْعَالَمِينَ . فَأَظْهَر اسْم " اللَّه " فِي قَوْله : إذْ قَالَ لَهُ رَبّه أَسْلِمْ عَلَى وَجْه الْخَبَر عَنْ غَائِب , وَقَدْ جَرَى ذِكْره قِيلَ عَلَى وَجْه الْخَبَر عَنْ نَفْسه , كَمَا قَالَ خِفَاف بْن نُدْبَة : أَقُول لَهُ وَالرُّمْح يَأْمُر مَتْنه تَأَمَّلْ خِفَافًا إنَّنِي أَنَا ذَالِكَا فَإِنْ قَالَ لَنَا قَائِل : وَهَلْ دَعَا اللَّه إبْرَاهِيم إلَى الْإِسْلَام ؟ قِيلَ لَهُ : نَعَمْ , قَدْ دَعَاهُ إلَيْهِ . فَإِنْ قَالَ : وَفِي أَيّ حَال دَعَاهُ إلَيْهِ ؟ قِيلَ : حِين قَالَ : يَا قَوْم إنِّي بَرِيء مِمَّا تُشْرِكُونَ إنِّي وَجَّهْت وَجْهِي لِلَّذِي فَطَرَ السَّمَوَات وَالْأَرْض حَنِيفًا وَمَا أَنَا مِنْ الْمُشْرِكِينَ 6 78 : 79 وَذَلِكَ هُوَ الْوَقْت الَّذِي قَالَ لَهُ رَبّه أَسْلِمْ مِنْ بَعْد مَا امْتَحَنَهُ بِالْكَوَاكِبِ وَالْقَمَر وَالشَّمْس .

وَوَصَّىٰ بِهَآ إِبْرَٰهِۦمُ بَنِيهِ وَيَعْقُوبُ يَٰبَنِىَّ إِنَّ ٱللَّهَ ٱصْطَفَىٰ لَكُمُ ٱلدِّينَ فَلَا تَمُوتُنَّ إِلَّا وَأَنتُم مُّسْلِمُونَ (132)


وَوَصَّى بِهَا إِبْرَاهِيمُ بَنِيهِ وَيَعْقُوبُالْقَوْل فِي تَأْوِيل قَوْله تَعَالَى : وَوَصَّى بِهَا إبْرَاهِيم بَنِيهِ وَيَعْقُوب / يَعْنِي تَعَالَى ذِكْره بِقَوْلِهِ : وَوَصَّى بِهَا وَوَصَّى بِهَذِهِ الْكَلِمَة ; أَعْنِي بِالْكَلِمَةِ قَوْله : أَسْلَمْت لِرَبِّ الْعَالَمِينَ وَهِيَ الْإِسْلَام الَّذِي أَمَرَ بِهِ نَبِيّه صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ , وَهُوَ إخْلَاص الْعِبَادَة وَالتَّوْحِيد لِلَّهِ , وَخُضُوع الْقَلْب وَالْجَوَارِح لَهُ . وَيَعْنِي بِقَوْلِهِ : وَوَصَّى بِهَا إبْرَاهِيم بَنِيهِ عَهِدَ إلَيْهِمْ بِذَلِكَ وَأَمَرَهُمْ بِهِ . وَأَمَّا قَوْله : وَيَعْقُوب فَإِنَّهُ يَعْنِي : وَوَصَّى بِذَلِكَ أَيْضًا يَعْقُوب بَنِيهِ . كَمَا : 1722 - حَدَّثَنَا بِشْر بْن مُعَاذ , قَالَ : ثنا يَزِيد بْن زُرَيْعٍ , قَالَ : ثنا سَعِيد , عَنْ قَتَادَة قَوْله : وَوَصَّى بِهَا إبْرَاهِيم بَنِيهِ وَيَعْقُوب يَقُول : وَوَصَّى بِهَا يَعْقُوب بَنِيهِ بَعْد إبْرَاهِيم . 1723 - حَدَّثَنِي مُحَمَّد بْن سَعْد , قَالَ : حَدَّثَنِي أَبِي , قَالَ : حَدَّثَنِي عَمِّي , قَالَ : حَدَّثَنِي أَبِي , عَنْ أَبِيهِ , عَنْ ابْن عَبَّاس : وَوَصَّى بِهَا إبْرَاهِيم بَنِيهِ وَصَّاهُمْ بِالْإِسْلَامِ , وَوَصَّى يَعْقُوب بِمِثْلِ ذَلِكَ . وَقَالَ بَعْضهمْ : قَوْله : وَوَصَّى بِهَا إبْرَاهِيم بَنِيهِ خَبَر مُنْقِض , وَقَوْله : وَيَعْقُوب خَبَر مُبْتَدَأ , فَإِنَّهُ قَالَ : وَوَصَّى بِهَا إبْرَاهِيم بَنِيهِ بِأَنْ يَقُولُوا : أَسْلَمْنَا لِرَبِّ الْعَالَمِينَ , وَوَصَّى يَعْقُوب بَنِيهِ أَنَّ : يَا بَنِيَّ إنَّ اللَّه اصْطَفَى لَكُمْ الدِّين فَلَا تَمُوتُنَّ إلَّا وَأَنْتُمْ مُسْلِمُونَ . وَلَا مَعْنَى لِقَوْلِ مَنْ قَالَ ذَلِكَ ; وَلِأَنَّ الَّذِي أَوْصَى بِهِ يَعْقُوب بَنِيهِ نَظِير الَّذِي أَوْصَى بِهِ إبْرَاهِيم بَنِيهِ مِنْ الْحَثّ عَلَى طَاعَة اللَّه وَالْخُضُوع لَهُ وَالْإِسْلَام . فَإِنْ قَالَ قَائِل : فَإِنْ كَانَ الْأَمْر عَلَى مَا وَصَفْت مِنْ أَنَّ مَعْنَاهُ : وَوَصَّى بِهَا إبْرَاهِيم بَنِيهِ وَيَعْقُوب أَنَّ يَا بَنِيَّ , فَمَا بَال " أَنَّ " مَحْذُوفَة مِنْ الْكَلَام ؟ قِيلَ : لِأَنَّ الْوَصِيَّة قَوْل فَحُمِلَتْ عَلَى مَعْنَاهَا , وَذَلِكَ أَنَّ ذَلِكَ لَوْ جَاءَ بِلَفْظِ الْقَوْل لَمْ تَحْسُن مَعَهُ " أَنَّ " , وَإِنَّمَا كَانَ يُقَال : وَقَالَ إبْرَاهِيم لِبَنِيهِ وَيَعْقُوب : " يَا بَنِيَّ " , فَلَمَّا كَانَتْ الْوَصِيَّة قَوْلًا حُمِلَتْ عَلَى مَعْنَاهَا دُون قَوْلهَا , فَحُذِفَتْ " أَنَّ " الَّتِي تَحْسُن مَعَهَا , كَمَا قَالَ تَعَالَى ذِكْره : يُوصِيكُمْ اللَّه فِي أَوْلَادكُمْ لِلذَّكَرِ مِثْل حَظّ الْأُنْثَيَيْنِ 4 11 وَكَمَا قَالَ الشَّاعِر : إنِّي سَأُبْدِي لَك فِيمَا أُبْدِي لِي شَجَنَانِ شَجَن بِنَجْدِ وَشَجَن لِي بِبِلَادِ السِّنْد فَحُذِفَتْ " أَنَّ " إذْ كَانَ الْإِبْدَاء بِاللِّسَانِ فِي الْمَعْنَى قَوْلًا , فَحَمَلَهُ عَلَى مَعْنَاهُ دُون لَفْظه . وَقَدْ قَالَ بَعْض أَهْل الْعَرَبِيَّة : إنَّمَا حُذِفَتْ " أَنَّ " مِنْ قَوْله : وَوَصَّى بِهَا إبْرَاهِيم بَنِيهِ وَيَعْقُوب بِاكْتِفَاءِ النِّدَاء , يَعْنِي بِالنِّدَاءِ قَوْله : " يَا بَنِيَّ " , وَزَعَمَ أَنَّ عِلَّته فِي ذَلِكَ أَنَّ مِنْ شَأْن الْعَرَب الِاكْتِفَاء بِالْأَدَوَاتِ عَنْ " أَنَّ " كَقَوْلِهِمْ : نَادَيْت هَلْ قُمْت ؟ وَنَادَيْت أَيْنَ زَيْد ؟ قَالَ : وَرُبَّمَا أَدْخَلُوهَا مَعَ الْأَدَوَات فَقَالُوا : نَادَيْت أَنْ هَلْ قُمْت ؟ وَقَدْ قَرَأَ عَهِدَ إلَيْهِمْ عَهْدًا بَعْد عَهْد , وَأَوْصَى وَصِيَّة بَعْد وَصِيَّة .يَا بَنِيَّ إِنَّ اللَّهَ اصْطَفَى لَكُمُالْقَوْل فِي تَأْوِيل قَوْله تَعَالَى : يَا بَنِيَّ إنَّ اللَّه اصْطَفَى لَكُمْ الدِّين . يَعْنِي تَعَالَى ذِكْره بِقَوْلِهِ : إنَّ اللَّه اصْطَفَى لَكُمْ الدِّين إنَّ اللَّه اخْتَارَ لَكُمْ هَذَا الدِّين الَّذِي عَهِدَ إلَيْكُمْ فِيهِ وَاجْتَبَاهُ لَكُمْ . وَإِنَّمَا أَدْخَلَ الْأَلِف وَاللَّام فِي " الدِّين " , لِأَنَّ الَّذِينَ خُوطِبُوا مِنْ وَلَدهمَا وَبَنِيهِمَا بِذَلِكَ كَانُوا قَدْ عَرَفُوهُ بِوَصِيَّتِهِمَا إيَّاهُمْ بِهِ وَوَصِيَّتهمَا إلَيْهِمْ فِيهِ , ثُمَّ قَالَا لَهُمْ بَعْد أَنْ عَرَّفَاهُمُوهُ : إنَّ اللَّه اصْطَفَى لَكُمْ هَذَا الدِّين الَّذِي قَدْ عَهِدَ إلَيْكُمْ فِيهِ , فَاتَّقُوا اللَّه أَنْ تَمُوتُوا إلَّا وَأَنْتُمْ عَلَيْهِ .الدِّينَ فَلَا تَمُوتُنَّ إِلَّا وَأَنْتُمْالْقَوْل فِي تَأْوِيل قَوْله تَعَالَى : فَلَا تَمُوتُنَّ إلَّا وَأَنْتُمْ مُسْلِمُونَ . إنْ قَالَ لَنَا قَائِل : أَوْ إلَى بَنِي آدَم الْمَوْت وَالْحَيَاة فَيَنْهَى أَحَدهمْ أَنْ يَمُوت إلَّا عَلَى حَالَة دُون حَالَة ؟ قِيلَ لَهُ : إنَّ مَعْنَى ذَلِكَ عَلَى غَيْر الْوَجْه الَّذِي ظَنَنْت , وَإِنَّمَا مَعْنَاهُ : فَلَا تَمُوتُنَّ إلَّا وَأَنْتُمْ مُسْلِمُونَ أَيْ فَلَا تُفَارِقُوا هَذَا الدِّين وَهُوَ الْإِسْلَام أَيَّام حَيَاتكُمْ ; وَذَلِكَ أَنَّ أَحَدًا لَا يَدْرِي مَتَى تَأْتِيه مَنِيَّته , فَلِذَلِك قَالَا لَهُمْ : فَلَا تَمُوتُنَّ إلَّا وَأَنْتُمْ مُسْلِمُونَ لِأَنَّكُمْ لَا تَدْرُونَ مَتَى تَأْتِيكُمْ مَنَايَاكُمْ مِنْ لَيْل أَوْ نَهَار , فَلَا تُفَارِقُوا الْإِسْلَام فَتَأْتِيكُمْ مَنَايَاكُمْ وَأَنْتُمْ عَلَى غَيْر الدِّين الَّذِي اصْطَفَاهُ لَكُمْ رَبّكُمْ فَتَمُوتُوا وَرَبّكُمْ سَاخِط عَلَيْكُمْ فَتَهْلَكُوا .

أَمْ كُنتُمْ شُهَدَآءَ إِذْ حَضَرَ يَعْقُوبَ ٱلْمَوْتُ إِذْ قَالَ لِبَنِيهِ مَا تَعْبُدُونَ مِنۢ بَعْدِى قَالُوا۟ نَعْبُدُ إِلَٰهَكَ وَإِلَٰهَ ءَابَآئِكَ إِبْرَٰهِۦمَ وَإِسْمَٰعِيلَ وَإِسْحَٰقَ إِلَٰهًا وَٰحِدًا وَنَحْنُ لَهُۥ مُسْلِمُونَ (133)


أَمْ كُنْتُمْ شُهَدَاءَ إِذْ حَضَرَ يَعْقُوبَ الْمَوْتُالْقَوْل فِي تَأْوِيل قَوْله تَعَالَى : أَمْ كُنْتُمْ شُهَدَاء إذْ حَضَرَ يَعْقُوبَ الْمَوْتُ يَعْنِي تَعَالَى ذِكْره بِقَوْلِهِ : أَمْ كُنْتُمْ شُهَدَاء أَكُنْتُمْ , وَلَكِنَّهُ اسْتَفْهَمَ ب " أَمْ " إذْ كَانَ اسْتِفْهَامًا مُسْتَأْنَفًا عَلَى كَلَام قَدْ سَبَقَهُ , كَمَا قِيلَ : ألم تَنْزِيل الْكِتَاب لَا رَيْب فِيهِ مِنْ رَبّ الْعَالَمِينَ أَمْ يَقُولُونَ افْتَرَاهُ , 32 1 : 3 وَكَذَلِكَ تَفْعَل الْعَرَب فِي كُلّ اسْتِفْهَام ابْتَدَأَتْهُ بَعْد كَلَام قَدْ سَبَقَهُ تَسْتَفْهِم فِيهِ ب " أَمْ " , وَالشُّهَدَاء جَمْع شَهِيد كَمَا الشُّرَكَاء جَمْع شَرِيك , وَالْخُصَمَاء جَمْع خَصِيم . وَتَأْوِيل الْكَلَام : أَكُنْتُمْ يَا مَعْشَر الْيَهُود وَالنَّصَارَى الْمُكَذِّبِينَ بِمُحَمَّدِ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ , الْجَاحِدِينَ نُبُوَّته , حُضُور يَعْقُوب وَشُهُوده إذْ حَضَرَهُ الْمَوْت , أَيْ أَنَّكُمْ لَمْ تَحْضُرُوا ذَلِكَ . فَلَا تَدَّعُوا عَلَى أَنْبِيَائِي وَرُسُلِي الْأَبَاطِيل , وَتَنْحَلُوهُمْ الْيَهُودِيَّة وَالنَّصْرَانِيَّة , فَإِنِّي ابْتَعَثْت خَلِيلِي إبْرَاهِيم وَوَلَده إسْحَاق وَإِسْمَاعِيل وَذُرِّيَّتهمْ بِالْحَنِيفِيَّةِ الْمُسْلِمَة , وَبِذَلِكَ وَصُّوا بَنِيهِمْ وَبِهِ عَهِدُوا إلَى أَوْلَادهمْ مِنْ بَعْدهمْ , فَلَوْ حَضَرْتُمُوهُمْ فَسَمِعْتُمْ مِنْهُمْ عَلِمْتُمْ أَنَّهُمْ عَلَى غَيْر مَا تَنْحَلُوهُمْ مِنْ الْأَدْيَان وَالْمِلَل مِنْ بَعْدهمْ . وَهَذِهِ آيَات نَزَلَتْ تَكْذِيبًا مِنْ اللَّه تَعَالَى لِلْيَهُودِ وَالنَّصَارَى فِي دَعْوَاهُمْ فِي إبْرَاهِيم وَوَلَده يَعْقُوب أَنَّهُمْ كَانُوا عَلَى مِلَّتهمْ , فَقَالَ لَهُمْ فِي هَذِهِ الْآيَة : أَمْ كُنْتُمْ شُهَدَاء إذْ حَضَرَ يَعْقُوبَ الْمَوْتُ فَتَعْلَمُوا مَا قَالَ لِوَلَدِهِ وَقَالَ لَهُ وَلَده . ثُمَّ أَعْلَمهُمْ مَا قَالَ لَهُمْ وَمَا قَالُوا لَهُ . وَبِنَحْوِ الَّذِي قُلْنَا فِي ذَلِكَ قَالَ أَهْل التَّأْوِيل . ذِكْر مَنْ قَالَ ذَلِكَ : 1724 - حَدَّثَنِي الْمُثَنَّى , قَالَ : ثنا إسْحَاق , قَالَ : ثنا ابْن أَبِي جَعْفَر , عَنْ أَبِيهِ , عَنْ الرَّبِيع قَوْله : أَمْ كُنْتُمْ شُهَدَاء يَعْنِي أَهْل الْكِتَاب .إِذْ قَالَ لِبَنِيهِ مَا تَعْبُدُونَ مِنْ بَعْدِي قَالُوا نَعْبُدُ إِلَهَكَ وَإِلَهَ آبَائِكَ إِبْرَاهِيمَ وَإِسْمَاعِيلَ وَإِسْحَاقَ إِلَهًا وَاحِدًا وَنَحْنُ لَهُ مُسْلِمُونَالْقَوْل فِي تَأْوِيل قَوْله تَعَالَى : إذْ قَالَ لِبَنِيهِ مَا تَعْبُدُونَ مِنْ بَعْدِي قَالُوا نَعْبُد إلَهك وَإِلَه آبَاءَك إبْرَاهِيم وَإِسْمَاعِيل وَإِسْحَاق إلَهًا وَاحِدًا وَنَحْنُ لَهُ مُسْلِمُونَ . يَعْنِي تَعَالَى ذِكْره بِقَوْلِهِ : إذْ قَالَ لِبَنِيهِ إذْ قَالَ يَعْقُوب لِبَنِيهِ . و " إذْ " هَذِهِ مُكَرَّرَة إبْدَالًا مِنْ " إذْ " الْأُولَى بِمَعْنَى : أَمْ كُنْتُمْ شُهَدَاء يَعْقُوب إذْ قَالَ يَعْقُوب لِبَنِيهِ حِين حُضُور مَوْته . وَمَعْنِيّ بِقَوْلِهِ : مَا تَعْبُدُونَ مِنْ بَعْدِي أَيْ شَيْء تَعْبُدُونَ مِنْ بَعْدِي , أَيْ مِنْ بَعْد وَفَاتِي . قَالُوا نَعْبُد إلَهك يَعْنِي بِهِ : قَالَ بَنُوهُ لَهُ : نَعْبُد مَعْبُودك الَّذِي تَعْبُدهُ , وَمَعْبُود آبَائِك إبْرَاهِيم وَإِسْمَاعِيل وَإِسْحَاق إلَهًا وَاحِدًا , أَيْ نُخْلِص لَهُ الْعِبَادَة وَنُوَحِّد لَهُ الرُّبُوبِيَّة فَلَا نُشْرِك بِهِ شَيْئًا وَلَا نَتَّخِذ دُونه رَبًّا . وَيَعْنِي بِقَوْلِهِ : وَنَحْنُ لَهُ مُسْلِمُونَ وَنَحْنُ لَهُ خَاضِعُونَ بِالْعُبُودِيَّةِ وَالطَّاعَة . وَيَحْتَمِل قَوْله : وَنَحْنُ لَهُ مُسْلِمُونَ أَنْ تَكُون بِمَعْنَى الْحَال , كَأَنَّهُمْ قَالُوا : نَعْبُد إلَهك مُسْلِمِينَ لَهُ بِطَاعَتِنَا وَعِبَادَتنَا إيَّاهُ . وَيَحْتَمِل أَنْ يَكُون خَبَرًا مُسْتَأْنَفًا , فَيَكُون بِمَعْنَى : نَعْبُد إلَهك بَعْدك , وَنَحْنُ لَهُ الْآن وَفِي كُلّ حَال مُسْلِمُونَ . وَأَحْسَن هَذَيْنِ الْوَجْهَيْنِ فِي تَأْوِيل ذَلِكَ أَنْ يَكُون بِمَعْنَى الْحَال , وَأَنْ يَكُون بِمَعْنَى : نَعْبُد إلَهك وَإِلَه آبَائِك إبْرَاهِيم وَإِسْمَاعِيل وَإِسْحَاق مُسْلِمِينَ لِعِبَادَتِهِ . وَقِيلَ : إنَّمَا قَدَّمَ ذِكْر إسْمَاعِيل عَلَى إسْحَاق لِأَنَّ إسْمَاعِيل كَانَ أَسَنّ مِنْ إسْحَاق . ذِكْر مَنْ قَالَ ذَلِكَ : 1725 - حَدَّثَنِي يُونُس بْن عَبْد الْأَعْلَى , قَالَ : أَخْبَرَنَا ابْن وَهْب , قَالَ : قَالَ ابْن زَيْد فِي قَوْله : قَالُوا نَعْبُد إلَهك وَإِلَه آبَائِك إبْرَاهِيم وَإِسْمَاعِيل وَإِسْحَاق قَالَ : يُقَال بَدَأَ بِإِسْمَاعِيل لِأَنَّهُ أَكْبَر . وَقَرَأَ بَعْض الْمُتَقَدِّمِينَ : " وَإِلَه أَبِيك إبْرَاهِيم " ظَنًّا مِنْهُ أَنَّ إسْمَاعِيل إذْ كَانَ عَمًّا لِيَعْقُوب , فَلَا يَجُوز أَنْ يَكُون فِيمَنْ تَرْجَمَ بِهِ عَنْ الْآبَاء وَدَاخِلًا فِي عِدَادهمْ . وَذَلِكَ مِنْ قَارِئِهِ كَذَلِكَ قِلَّة عِلْم مِنْهُ بِمَجَارِي كَلَام الْعَرَب . وَالْعَرَب لَا تَمْتَنِع مِنْ أَنْ تَجْعَل الْأَعْمَام بِمَعْنَى الْآبَاء , وَالْأَخْوَال بِمَعْنَى الْأُمَّهَات , فَلِذَلِك دَخَلَ إسْمَاعِيل فِيمَنْ تَرْجَمَ بِهِ عَنْ الْآبَاء . وَإِبْرَاهِيم وَإِسْمَاعِيل وَإِسْحَاق تَرْجَمَة عَنْ الْآبَاء فِي مَوْضِع جَرّ , وَلَكِنَّهُمْ نَصَبُوا بِأَنَّهُمْ لَا يَجُرُّونَ . وَالصَّوَاب مِنْ الْقِرَاءَة عِنْدنَا فِي ذَلِكَ : وَإِلَه آبَائِك لِإِجْمَاعِ الْقُرَّاء عَلَى تَصْوِيب ذَلِكَ وَشُذُوذ مَنْ خَالَفَهُ مِنْ الْقُرَّاء مِمَّنْ قَرَأَ خِلَاف ذَلِكَ , وَنُصِبَ قَوْله إلَهًا عَلَى الْحَال مِنْ قَوْله إلَهك .

تِلْكَ أُمَّةٌ قَدْ خَلَتْ لَهَا مَا كَسَبَتْ وَلَكُم مَّا كَسَبْتُمْ وَلَا تُسْـَٔلُونَ عَمَّا كَانُوا۟ يَعْمَلُونَ (134)


تِلْكَ أُمَّةٌ قَدْ خَلَتْ لَهَا مَا كَسَبَتْ وَلَكُمْ مَا كَسَبْتُمْ وَلَا تُسْأَلُونَ عَمَّا كَانُوا يَعْمَلُونَالْقَوْل فِي تَأْوِيل قَوْله تَعَالَى : تِلْكَ أُمَّة قَدْ خَلَتْ لَهَا مَا كَسَبَتْ وَلَكُمْ مَا كَسَبْتُمْ وَلَا تُسْأَلُونَ عَمَّا كَانُوا يَعْمَلُونَ يَعْنِي تَعَالَى ذِكْره بِقَوْلِهِ : تِلْكَ أُمَّة قَدْ خَلَتْ إبْرَاهِيم وَإِسْمَاعِيل وَإِسْحَاق وَيَعْقُوب وَوَلَدهمْ . يَقُول لِلْيَهُودِ وَالنَّصَارَى : يَا مَعْشَر الْيَهُود وَالنَّصَارَى دَعَوْا ذِكْر إبْرَاهِيم وَإِسْمَاعِيل وَإِسْحَاق وَيَعْقُوب وَالْمُسْلِمِينَ مِنْ أَوْلَادهمْ بِغَيْرِ مَا هُمْ أَهْله وَلَا تَنْحَلُوهُمْ كُفْر الْيَهُودِيَّة وَالنَّصْرَانِيَّة فَتُضِيفُوهَا إلَيْهِمْ , فَإِنَّهُمْ أُمَّة - وَيَعْنِي بِالْأُمَّةِ فِي هَذَا الْمَوْضِع الْجَمَاعَة , وَالْقَرْن مِنْ النَّاس - قَدْ خَلَتْ : مَضَتْ لِسَبِيلِهَا . وَإِنَّمَا قِيلَ لِلَّذِي قَدْ مَاتَ فَذَهَبَ : قَدْ خَلَا , لِتَخَلِّيهِ مِنْ الدُّنْيَا , وَانْفِرَاده بِمَا كَانَ مِنْ الْأُنْس بِأَهْلِهِ وَقُرَنَائِهِ فِي دُنْيَاهُ , وَأَصْله مِنْ قَوْلهمْ : خَلَا الرَّجُل , إذَا صَارَ بِالْمَكَانِ الَّذِي لَا أَنِيس لَهُ فِيهِ وَانْفَرَدَ مِنْ النَّاس , فَاسْتَعْمَلَ ذَلِكَ فِي الَّذِي يَمُوت عَلَى ذَلِكَ الْوَجْه . ثُمَّ قَالَ تَعَالَى ذِكْره لِلْيَهُودِ وَالنَّصَارَى : إنَّ لِمَنْ نَحَلْتُمُوهُ بِضَلَالِكُمْ وَكُفْركُمْ الَّذِي أَنْتُمْ عَلَيْهِ مِنْ أَنْبِيَائِي وَرُسُلِي مَا كَسَبَتْ . وَالْهَاء وَالْأَلِف فِي قَوْله : لَهَا عَائِدَة إنْ شِئْت عَلَى " تِلْكَ " , وَإِنْ شِئْت عَلَى " الْأُمَّة " . وَيَعْنِي بِقَوْلِهِ : لَهَا مَا كَسَبَتْ أَيْ مَا عَمِلَتْ مِنْ خَيْر , وَلَكُمْ يَا مَعْشَر الْيَهُود وَالنَّصَارَى مِثْل ذَلِكَ مَا عَمِلْتُمْ . وَلَا تُؤَاخَذُونَ أَنْتُمْ أَيّهَا النَّاحِلُونَ مَا نَحَلْتُمُوهُمْ مِنْ الْمِلَل , فَسَأَلُوا عَمَّا كَانَ إبْرَاهِيم وَإِسْمَاعِيل وَإِسْحَاق وَيَعْقُوب وَوَلَدهمْ يَعْمَلُونَ فَيَكْسِبُونَ مِنْ خَيْر وَشَرّ ; لِأَنَّ لِكُلِّ نَفْس مَا كَسَبَتْ , وَعَلَيْهَا مَا اكْتَسَبَتْ . فَدَعَوْا انْتِحَالهمْ وَانْتِحَال مِلَلهمْ , فَإِنَّ الدَّعَاوَى غَيْر مُغْنِيَتكُمْ عِنْد اللَّه , وَإِنَّمَا يُغْنِي عَنْكُمْ عِنْده مَا سَلَف لَكُمْ مِنْ صَالِح أَعْمَالكُمْ إنْ كُنْتُمْ عَمِلْتُمُوهَا وَقَدَّمْتُمُوهَا .

الصفحة السابقة الصفحة التالية