تفسير سورة البقرة الصفحة 24 من القرآن الكريم

تفسير الصفحة رقم 24 من المصحف


وَلَا تَقُولُوا۟ لِمَن يُقْتَلُ فِى سَبِيلِ ٱللَّهِ أَمْوَٰتٌۢ بَلْ أَحْيَآءٌ وَلَٰكِن لَّا تَشْعُرُونَ (154)


القول في تأويل قوله تعالى : وَلا تَقُولُوا لِمَنْ يُقْتَلُ فِي سَبِيلِ اللَّهِ أَمْوَاتٌ بَلْ أَحْيَاءٌ وَلَكِنْ لا تَشْعُرُونَ (154)قال أبو جعفر: يعني تعالى ذكره: يا أيها الذين آمنوا استعينوا بالصبر على طاعتي في جهاد عدوّكم، وترك معاصيَّ، وأداء سائر فرائضي عليكم, ولا تقولوا لمن يقتل في سبيل الله: هو ميت, فإن الميت من خَلقي مَنْ سلبته حياتَه وأعدمتُه حواسَّه, فلا يلتذّ لذة ولا يُدرك نعيما، فإنّ من قُتل منكم ومن سائر خَلقي في سبيلي، أحياءٌ عندي، في حياة ونعيم، وعيش هَنِيّ، ورزق سنيّ, فَرحين بما آتيتهم من فضلي، وَحبوتهم به من كرامتي، كما:-2317- حدثني محمد بن عمرو قال، حدثنا أبو عاصم قال حدثنا عيسى, عن ابن أبي نجيح, عن مجاهد في قوله: " بل أحياء " عند ربهم، يرزقون من ثمر الجنة، ويَجدون ريحها، وليسوا فيها.2318- حدثني المثنى قال، حدثنا أبو حذيفة قال، حدثنا شبل, عن ابن أبي نجيح, عن مجاهد مثله.2319- حدثنا بشر بن معاذ قال، حدثنا يزيد قال، حدثنا سعيد, عن قتادة قوله: " ولا تقولوا لمن يقتل في سَبيل الله أمواتٌ بل أحياءٌ ولكن لا تشعرون "، كنَّا نُحَدَّثَ (1) أن أرواح الشهداء تعارف في طَير بيض يأكلن من ثمار الجنة, وأن مساكنهم سِدرة المنتهى, وأن للمجاهد في سبيل الله ثلاثُ خصال من الخير: مَن قُتل في سبيل الله منهم صار حيًّا مرزوقًا, ومن غُلب آتاه الله أجرًا عظيمًا, ومن مات رَزَقه الله رزقًا حسنًا.2320- حدثنا الحسن بن يحيى قال، أخبرنا عبد الرزاق قال، أخبرنا معمر, عن قتادة في قوله: " ولا تَقولوا لمنْ يُقتل في سبيل الله أموات بل أحياء " قال، أرواحُ الشهداء في صُوَر طير بيضٍ.2321- حدثني المثنى قال، حدثنا إسحاق قال، حدثنا ابن أبي جعفر, عن أبيه, عن الربيع في قوله: " ولا تقولوا لمن يُقتل في سبيل الله أمواتٌ بل أحياء "، في صُوَر طير خضر يطيرون في الجنه حيث شاءوا منها، يأكلون من حيث شاءوا.2322- حدثني المثنى قال، حدثنا محمد بن جعفر قال، حدثنا عثمان بن غياث. قال، سمعت عكرمة يقول في قوله: " ولا تقولوا لمن يُقتل في سبيل الله أمواتٌ بل أحياءٌ ولكن لا تشعرون " قال، أرواح الشهداء في طير خُضر في الجنة.* * *قال أبو جعفر: فإن قال لنا قائل: وما في قوله: " ولا تقولوا لمن يُقتل في سبيل الله أمواتٌ بل أحياء "، من خصوصية الخبر عن المقتول في سبيل الله الذي لم يعمَّ به غيره؟ وقد علمت تظاهُر الأخبار عن رسول الله صلى الله عليه وسلم أنه وصف حال المؤمنين والكافرين بعد وفاتهم, فأخبر عن المؤمنين أنهم يفتح لهم من قبورهم أبوابٌ إلى الجنة يَشمون منها رَوْحها, ويستعجلون الله قيام الساعة، ليصيروا إلى مساكنهم منها، ويجمع بينهم وبين أهاليهم وأولادهم فيها = وعن الكافرين أنهم يُفتح لهم من قبورهم أبوابٌ إلى النار يَنظرون إليها، ويصيبهم من نَتنها ومكروهها, ويُسلط عليهم فيها إلى قيام الساعة من يَقمَعُهم فيها, ويسألون الله فيها تأخيرَ قيام الساعة، حِذارًا من المصير إلى ما أعد الله لهم فيها، مع أشباه ذلك من الأخبار. وإذا كانت الأخبار بذلك متظاهرة عن رسول الله صلى الله عليه وسلم, فما الذي خُصَّ به القتيل في سبيل الله، مما لم يعم به سائر البشر غيره من الحياة، وسائرُ الكفار والمؤمنين غيرُه أحياءٌ في البرزخ, أما الكفار فمعذبون فيه بالمعيشة الضنك, وأما المؤمنون فمنعَّمون بالروح والريحان ونَسيم الجنان؟قيل: إنّ الذي خَصّ الله به الشهداء في ذلك، وأفادَ المؤمنين بخبره عنهم تعالى ذكره، إعلامه إياهم أنهم مرزوقون من مآكل الجنة ومطاعمها في بَرْزَخِهم قَبل بعثهم, ومنعَّمون بالذي ينعم به داخلوها بعد البعث من سائر البشر، من لذيذ مطاعمها الذي لم يُطعمها الله أحدًا غيرَهم في برزخه قبل بعثه. فذلك هو الفضيلة التي فضَّلهم بها وخصهم بها من غيرهم, والفائدة التي أفادَ المؤمنين بالخبر عنهم, فقال تعالى ذكره لنبيه محمد صلى الله عليه وسلم: وَلا تَحْسَبَنَّ الَّذِينَ قُتِلُوا فِي سَبِيلِ اللَّهِ أَمْوَاتًا بَلْ أَحْيَاءٌ عِنْدَ رَبِّهِمْ يُرْزَقُونَ * فَرِحِينَ بِمَا آتَاهُمُ اللَّهُ مِنْ فَضْلِهِ [سورة آل عمران: 169-170]، وبمثل الذي قُلنا جاء الخبرُ عن رسول الله صلى الله عليه وسلم.2323- حدثنا أبو كريب قال، حدثنا عبد الرحيم بن سليمان, وَعَبدة بن سليمان, عن محمد بن إسحاق, عن الحارث بن فضيل, عن محمود بن لبيد, عن ابن عباس قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: " الشهداءُ على بَارق، نهر بباب الجنة، في قبة خضراء -وقال عبدة: في روضة خضراء- يخرُج عليهم رزقهم من الجنه بُكرة وَعشيًّا. (2)2324- حدثنا أبو كريب قال، حدثنا جابر بن نوح عن الإفريقي, عن ابن بشار السلمي -أو أبي بشار, شكّ أبو جعفر- قال: أرواح الشهداء في قباب بيض من قباب الجنة، في كل قبة زوجتان, رزقهم في كل يوم طلعت فيه الشمس ثَورٌ وحُوت, فأما الثور، ففيه طعم كلّ ثمرةٍ في الجنة, وأما الحوت ففيه طَعمُ كل شراب في الجنة. (3)* * *قال أبو جعفر: فإن قال قائل: فإنّ الخبر عما ذكرت أن الله تعالى ذكرُه أفاد المؤمنين بخبره عن الشهداء من النعمة التي خصّهم بها في البرزخ غيرُ موجود في قوله: " ولا تَقولوا لمنْ يُقتل في سبيل الله أموات بل أحياء "، وإنما فيه الخبرُ عن حَالهم، أمواتٌ هم أم أحياءٌ.قيل: إنّ المقصود بذكر الخبر عن حياتهم، إنما هو الخبر عَمَّا هم فيه من النِّعمة, ولكنه تعالى ذكره لما كان قد أنبأ عبادَه عما خَصّ به الشهداء في قوله: وَلا تَحْسَبَنَّ الَّذِينَ قُتِلُوا فِي سَبِيلِ اللَّهِ أَمْوَاتًا بَلْ أَحْيَاءٌ عِنْدَ رَبِّهِمْ يُرْزَقُونَ [سورة آل عمران: 169]، وعلموا حالهم بخبره ذلك، ثم كان المراد من الله تعالى ذكره في قوله: " ولا تقولوا لمنْ يُقتل في سبيل الله أموات بل أحياء "، نَهْيُ خَلقه عن أن يقولوا للشهداء أنهم موتى (4) = تَرَك إعادة ذكر ما قد بين لهم من خبرهم.* * *وأما قوله: " ولكنْ لا تَشعرُون "، فإنه يعني به: ولكنكم لا تَرونهم فتعلموا أنهم أحياءٌ, وإنما تعلمون ذلك بخبري إياكم به.* * *وإنما رفع قوله: " أمواتٌ" بإضمار مكنيّ عن أسماء " من يُقتل في سبيل الله "، ومعنى ذلك: ولا تقولوا لمن يقتل في سبيل الله هم أموات. ولا يجوز النصب في &; 3-219 &; " الأموات ", لأن القول لا يعمل فيهم، وكذلك قوله: " بل أحياء ", رفعٌ، بمعنى: هُمْ أحياء. (5)-------------------الهوامش :(1) في المطبوعة : "كما يحدث" ، والصواب ما أثبت .(2) الحديث : 2323- عبدة بن سليمان الكلابي الكوفي : ثقة من شيوخ أحمد وإسحاق . مترجم في التهذيب ، وابن سعد 6 : 272 ، وابن أبي حاتم 3/1/89 .الحارث بن فضيل الأنصاري المدني : ثقة ، وثقه ابن معين والنسائي وغيرهما . مترجم في التهذيب ، والكبير 1/2/277 ، وابن أبي حاتم 1/2/86 .محمود بن لبيد بن عقبة بن رافع الأشهلي ، الأوسي ، الأنصاري : صحابي على الراجح الذي جزم به البخاري ، مات سنة 96 أو 97 . قال الواقدي : مات وهو ابن 99 سنة . قال الحافظ في التهذيب : "على مقتضى قول الواقدي في سنة ، يكون له يوم مات النبي صلى الله عليه وسلم 13 سنة . وهذا يقوي قول من أثبت الصحبة" . وروى البخاري في الكبير 4/1/402 ، بإسناد صحيح : "عن محمود بن لبيد قال ، أسرع النبي صلى الله عليه وسلم حتى تقطعت نعالنا ، يوم مات سعد بن معاذ" . وهذا حجة كافية في إثبات صحبته . فقال ابن أبي حاتم 4/1/289-290 : "قال البخاري : له صحبة . فخط أبي عليه ، وقال لا يعرف له صحبة"! وهو نفي دون دليل ، لا يقوم أمام إثبات عن دليل صحيح . ولذلك قال ابن عبد البر - كما في التهذيب : "قول البخاري أولى" . وهو مترجم أيضًا في ابن سعد 5 : 55-56 . والإصابة 6 : 66-67 .والحديث رواه أحمد في المسند : 2390 ، عن يعقوب بن إبراهيم بن سعد ، عن أبيه ، عن ابن إسحاق ، بهذا الإسناد .وكذلك رواه ابن حبان في صحيحه 7 : 69 (من مخطوطة الإحسان) ، من طريق يعقوب ، به . ورواه الحاكم في المستدرك 2 : 74 ، من طريق يزيد بن هارون ، عن ابن إسحاق . وقال : "هذا حديث صحيح الإسناد على شرط مسلم ، ولم يخرجاه" . ووافقه الذهبي .وذكره ابن كثير في التفسير 2 : 292 ، عن رواية المسند . قال : "تفرد به أحمد" . ثم أشار إلى رواية الطبري هذه ، وقال : "وهو إسناد جيد" . وهو في مجمع الزوائد 5 : 298 ، ونسبه لأحمد ، والطبراني ، وقال : "ورجال أحمد ثقات" .وذكره السيوطي 2 : 96 . وزاد نسبته لابن أبي شيبة ، وعبد بن حميد ، وابن أبي حاتم ، وابن المنذر والبيهقي في البعث .وقوله : "وقال عبدة . . . " ، يريد أن"عبدة بن سليمان" قال : "في روضة" بدل"في قبة" . ووقع في المطبوعة"أو قال عبدة" . ووضع"أو" هنا بدل واو العطف - خطأ غير مستساغ . ونرجح أنه من ناسخ أو طابع .(3) الخبر : 2324- هذا خبر لا أدري ما هو؟! ورأسه"ابن بشار السلمي؛ أو أبو بشار" - الذي شك فيه ابن جرير : لم أهتد إلى شيء يدل عليه . وقد ذكره السيوطي 2 : 96 ، عن هذا الموضع من الطبري ، ثم لم يصنع شيئًا!(4) سياق الكلام : ولكنه تعالى ذكره لما كان قد أنبأ عباده . . . ترك أعادة ذكر . . . " .(5) في المطبوعة : "إنهم أحياء" ، والسياق يقتضي ما أثبت . وانظر معاني القرآن للفراء 1 : 93-94 ، فقد استوفى ما اختصره الطبري .

وَلَنَبْلُوَنَّكُم بِشَىْءٍ مِّنَ ٱلْخَوْفِ وَٱلْجُوعِ وَنَقْصٍ مِّنَ ٱلْأَمْوَٰلِ وَٱلْأَنفُسِ وَٱلثَّمَرَٰتِ وَبَشِّرِ ٱلصَّٰبِرِينَ (155)


القول في تأويل قوله تعالى : وَلَنَبْلُوَنَّكُمْ بِشَيْءٍ مِنَ الْخَوْفِ وَالْجُوعِ وَنَقْصٍ مِنَ الأَمْوَالِ وَالأَنْفُسِ وَالثَّمَرَاتِ وَبَشِّرِ الصَّابِرِينَ (155)قال أبو جعفر: وهذا إخبار من الله تعالى ذكره أتباعَ رَسوله صلى الله عليه وسلم، أنه مبتليهم وممتحنهم بشدائد من الأمور، ليعلم من يتبع الرسول ممن ينقلب على عقبيه, كما ابتلاهم فامتحنهم بتحويل القبلة من بيت المقدس إلى الكعبة, وكما امتحن أصفياءَه قَبلهم. ووَعدهم ذلك في آية أخرى فقال لهم: أَمْ حَسِبْتُمْ أَنْ تَدْخُلُوا الْجَنَّةَ وَلَمَّا يَأْتِكُمْ مَثَلُ الَّذِينَ خَلَوْا مِنْ قَبْلِكُمْ مَسَّتْهُمُ الْبَأْسَاءُ وَالضَّرَّاءُ وَزُلْزِلُوا حَتَّى يَقُولَ الرَّسُولُ وَالَّذِينَ آمَنُوا مَعَهُ مَتَى نَصْرُ اللَّهِ أَلا إِنَّ نَصْرَ اللَّهِ قَرِيبٌ [سورة البقرة: 214]، وبنحو الذي قلنا في ذلك كان ابن عباس وغيرُه يقول.2325- حدثني المثنى قال، حدثنا عبد الله بن صالح قال، حدثني معاوية, عن علي بن أبي طلحة, عن ابن عباس قوله: " ولنبلونكم بشيء من الخوف والجوع "، ونحو هذا, قال: أخبر الله المؤمنين أن الدنيا دارُ بلاء, وأنه مبتليهم فيها, وأمرَهم بالصبر وبَشّرهم فقال: " وبشر الصابرين "، ثم أخبرهم أنه فعل هكذا بأنبيائه وصَفوته، لتطيب أنفسهم فقال: مَسَّتْهُمُ الْبَأْسَاءُ وَالضَّرَّاءُ وَزُلْزِلُوا .* * *ومعنى قوله: " وَلنبلونكم "، ولنختبرنكم. وقد أتينا على البيان عن أن معنى " الابتلاء " الاختبار، فيما مضى قبل. (6)* * *وقوله: " بشيء من الخوف "، يعني من الخوف من العدو، وبالجوع -وهو القحط- يقول: لنختبرنكم بشيء من خوف ينالكم من عدوكم وبسَنة تُصيبكم ينالكم فيها مجاعة وشدة، وتتعذر المطالب عليكم، (7) فتنقص لذلك أموالكم, وحروبٌ تكون بينكم وبين أعدائكم من الكفار, فينقص لها عددكم, وموتُ ذراريكم وأولادكم, وجُدوب تحدُث, فتنقص لها ثماركم. كل ذلك امتحان مني لكم، واختبار مني لكم, فيتبين صادقوكم في إيمانهم من كاذبيكم فيه, ويُعرف أهل البصائر في دينهم منكم، من أهل النفاق فيه والشك والارتياب.كل ذلك خطابٌ منه لأتباع رَسول الله صلى الله عليه وسلم وأصحابه، كما:2326- حدثني هارون بن إدريس الكوفيّ الأصم قال، حدثنا عبد الرحمن بن محمد المحاربي, عن عبد الملك، عن عطاء في قوله: " ولنبلونكم بشيء من الخوف والجوع " قال، هم أصحاب محمد صلى الله عليه وسلم. (8)* * *وإنما قال تعالى ذكره: " بشيء من الخوف " ولم يقل بأشياء، لاختلاف أنواع ما أعلم عبادَه أنه مُمتحنهم به. فلما كان ذلك مختلفًا - وكانت " مِن " تَدلّ على أنّ كل نوع منها مُضمر " شيء "، فإنّ معنى ذلك: ولنبلونكم بشيء من الخوف، وبشيء من الجوع، وبشيء من نقص الأموال - اكتفى بدلالة ذكر " الشيء " في أوله، من إعادته مع كل نوع منها.ففعل تعالى ذكره كل ذلك بهم، وامتحنهم بضروب المحَن، كما:-2327- حدثني المثنى قال، حدثنا إسحاق قال، حدثنا ابن أبي جعفر, عن أبيه, عن الربيع في قوله: " ولنبلونكم بشيء من الخوف والجوع ونقص من الأموال والأنفس والثمرات " قال، قد كان ذلك, وسيكونُ ما هو أشد من ذلك.قال الله عند ذلك: وَبَشِّرِ الصَّابِرِينَ * الَّذِينَ إِذَا أَصَابَتْهُمْ مُصِيبَةٌ قَالُوا إِنَّا لِلَّهِ وَإِنَّا إِلَيْهِ رَاجِعُونَ * أُولَئِكَ عَلَيْهِمْ صَلَوَاتٌ مِنْ رَبِّهِمْ وَرَحْمَةٌ وَأُولَئِكَ هُمُ الْمُهْتَدُونَ .* * *ثم قال تعالى ذكره لنبيه صلى الله عليه وسلم: يا محمد، بشّر الصابرين على امتحاني بما أمتحنهم به، (9) والحافظين أنفسهم عن التقدم على نَهْيي عما أنهاهم عنه, والآخذين أنفسهم بأداء ما أكلفهم من فرائضي، مع ابتلائي إياهم بما أبتليهم به، (10) القائلين إذا أصابتهم مصيبة: إِنَّا لِلَّهِ وَإِنَّا إِلَيْهِ رَاجِعُونَ . فأمره الله تعالى ذكره بأن يخصّ -بالبشارة على ما يمتحنهم به من الشدائد- أهلَ الصبر، الذين وصف الله صفتهم.* * *وأصل " التبشير ": إخبار الرجل الرجلَ الخبرَ، يَسرّه أو يسوءه، لم يسبقه به إلى غيره (11)-----------------الهوامش :(6) انظر ما سلف 2 : 48 ، 49 ، ثم هذا الجزء 3 : 7 .(7) في المطبوعة : "وتعذر المطالب" والصواب ما أثبت .(8) الخبر : 2326- سبق هذا الإسناد : 1455 ، ولما نعرف شيخ الطبري فيه .(9) في المطبوعة : "بما امتحنتهم" ، والسياق يقتضي ما أثبت .(10) في المطبوعة : "بما ابتليتهم" ، والسياق يقتضي ما أثبت .(11) انظر ما سلف 1 : 383/2 : 393 .

ٱلَّذِينَ إِذَآ أَصَٰبَتْهُم مُّصِيبَةٌ قَالُوٓا۟ إِنَّا لِلَّهِ وَإِنَّآ إِلَيْهِ رَٰجِعُونَ (156)


القول في تأويل قوله تعالى : الَّذِينَ إِذَا أَصَابَتْهُمْ مُصِيبَةٌ قَالُوا إِنَّا لِلَّهِ وَإِنَّا إِلَيْهِ رَاجِعُونَ (156)قال أبو جعفر: يعني تعالى ذكره: وبشّر، يا محمد، الصابرين الذين يعلمون أن جميع ما بهم من نعمة فمنّي, فيُقرون بعبوديتي, ويوحِّدونني بالربوبية, ويصدقون بالمعاد والرجوع إليّ فيستسلمون لقضائي, ويرجون ثَوابي، ويخافون عقابي, ويقولون -عند امتحاني إياهم ببعض مِحَني, وابتلائي إياهم بما وعدتهم أنْ أبتليهم به من الخوف والجوع ونَقص الأموال والأنفس والثمرات وغير ذلك من المصائب التي أنا مُمتحنهم بها-: إنا مماليك ربنا ومعبودنا أحياءً، ونحن عبيده وإنا إليه بعد مَماتنا صائرون = تسليمًا لقضائي ورضًا بأحكامي.

أُو۟لَٰٓئِكَ عَلَيْهِمْ صَلَوَٰتٌ مِّن رَّبِّهِمْ وَرَحْمَةٌ وَأُو۟لَٰٓئِكَ هُمُ ٱلْمُهْتَدُونَ (157)


القول في تأويل قوله تعالى : أُولَئِكَ عَلَيْهِمْ صَلَوَاتٌ مِنْ رَبِّهِمْ وَرَحْمَةٌ وَأُولَئِكَ هُمُ الْمُهْتَدُونَ (157)قال أبو جعفر: يعني تعالى ذكره بقوله: " أولئك "، هؤلاء الصابرون، الذين وصفهم ونَعتهم -" عليهم ", يعني: لَهم،" صلوات "، يعني: مغفرة." وصلوات الله " على عباده، غُفرانه لعباده, كالذي روي عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال:2328-" اللهم صَلِّ على آل أبي أوْفى ". (12)* * *يعني: اغفر لَهم. وقد بينا " الصلاة " وما أصلها في غير هذا الموضع. (13)وقوله: " ورحمة "، يعني: ولهُم مع المغفرة، التي بها صَفح عن ذنوبهم وتغمَّدها، رحمة من الله ورأفة.ثم أخبر تعالى ذكره -مع الذي ذكر أنه مُعطيهم على اصطبارهم على محنه، تسليمًا منهم لقضائه، من المغفرة والرحمة- أنهم هم المهتدون، المصيبون طريق الحقّ، والقائلون مَا يُرْضى عنهم والفاعلون ما استوجبوا به من الله الجزيل من الثواب.وقد بينا معنى " الاهتداء "، فيما مضى، فإنه بمعنى الرشد للصواب. (14)* * *وبمعنى ما قلنا في ذلك قال جماعة من أهل التأويل.* ذكر من قال ذلك:2329- حدثني المثنى قال، حدثنا عبد الله بن صالح قال، حدثني معاوية بن صالح, عن علي بن أبي طلحة, عن ابن عباس في قوله: " الذين إذا أصابتهم مُصيبة قالوا إنا لله وإنا إليه رَاجعون أولئكَ عليهم صَلوات من ربهم وَرحمة وأولئك هم المهتدون " قال، أخبر الله أنّ المؤمن إذا سَلّم الأمرَ إلى الله، ورَجع واسترْجع عند المصيبة, كتب له ثلاث خصال من الخير: الصلاةُ من الله, والرحمة, وتحقيق سَبيل الهدى. وقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: مَن استرْجع عند المصيبة، جبر الله مُصيبته, وأحسن عُقباه, وَجعل له خَلفًا صالحًا يرضاه. (15)2330- حدثني المثنى قال، حدثنا إسحاق قال، حدثنا ابن أبي جعفر, عن أبيه, عن الربيع في قوله: " أولئك عليهم صلواتٌ من ربّهم ورحمة "، يقول: الصلوات والرحمة على الذين صبروا واسترجعوا.2331- حدثنا أبو كريب قال، حدثنا وكيع, عن سفيان العُصفُريّ, عن سعيد بن جبير قال: مَا أعطِيَ أحدٌ ما أعطيت هذه الأمة: الَّذِينَ إِذَا أَصَابَتْهُمْ مُصِيبَةٌ قَالُوا إِنَّا لِلَّهِ وَإِنَّا إِلَيْهِ رَاجِعُونَ * أُولَئِكَ عَلَيْهِمْ صَلَوَاتٌ مِنْ رَبِّهِمْ وَرَحْمَةٌ ، ولو أعطيها أحدٌ لأعطيها يعقوب عليه السلام, ألم تسمعْ إلى قوله: يَا أَسَفَى عَلَى يُوسُفَ [سورة يوسف: 84]. (16)-----------------------الهوامش :(12) الحديث : 2328- هو جزء من حديث صحيح . رواه البخاري 3 : 286 (من الفتح) . ومسلم 1 : 297- كلاهما من طريق شعبة ، عن عمرو بن مرة ، عن عبد الله بن أبي أوفى قال ، "كان رسول الله صلى الله عليه وسلم إذا أتاه قوم بصدقتهم قال : اللهم صل عليهم ، فأتاه أبي أبو أوفى بصدقته ، فقال : اللهم صل على آل أبي أوفى" .قال الحافظ : "يريد أبا أوفى نفسه ، لأن الآل يطلق على ذات الشيء . . . وقيل لا يقال ذلك إلا في حق الرجل الجليل القدر" .وهذه فائدة نفيسة ، من الحافظ ابن حجر ، رحمه الله .(13) انظر ما سلف 1 : 242 / ثم 2 : 505 / ثم 2 : 37 ، 213 ، 214 .(14) انظر ما سلف 1 : 166-170 ، 230 ، 249 ، 549-551 / ثم 2 : 211/ ثم هذا الجزء 3 : 101 ، 140 ، 141 .(15) الحديث : 2329- ذكره الهيثمي في مجمع الزوائد 2 : 330-331 ، وقال : "رواه الطبراني في الكبير ، وفيه علي بن أبي طلحة ، وهو ضعيف" .وذكره السيوطي في الدر المنثور 1 : 156 ، وزاد نسبته لابن المنذر ، وابن أبي حاتم ، والبيهقي في شعب الإيمان .وعلي بن أبي طلحة : سبق في : 1833 أنه ثقة ، وأن علة هذا الإسناد -وهو كثير الدوران في تفسير الطبري- : انقطاعه ، لأن ابن أبي طلحة لم يسمع من ابن عباس ، ولم يره .(16) الخبر : 2331- سفيان العصفري : هو سفيان بن زياد العصفري ، وهو ثقة ، وثقه ابن معين ، وأبو حاتم ، وأبو زرعة . مترجم في التهذيب 4 : 111 ، برقم : 198 . وابن أبي حاتم 2/1/221 ، برقم : 966 . والكبير للبخاري 2/2/93 ، برقم : 2076 ، لكن لم يذكر نسبته"العصفري" . وهو يشتبه على كثير من العلماء بآخر ، هو"سفيان بن دينار ، أبو الورقاء الأحمري" . فقد ترجمه ابن أبي حاتم 2/1/220-221 ، برقم : 695 ، وثبت في بعض نسخه زيادة"العصفري" في نسبته . والبخاري ترجم"الأحمري" 2/2/92 ، برقم : 2073 . ولم يذكر فيه"العصفري" أيضًا . وترجم في التهذيب 4 : 109 ، برقم : 193- مع شيء من التخليط في الترجمتين ، يظهر بالتأمل . ومع هذا التخليط فقد رجح الحافظ أنهما اثنان ، وقال في ترجمة"سفيان بن دينار"- : "والتحقيق فيه : أن سفيان بن دينار التمار هذا ، يقال له : العصفري ، أيضًا ، وأن سفيان بن زياد العصفري : آخر ، بينه الباحي" . وقال في ترجمة الآخر : "والصحيح أنهما اثنان ، كما قال ابن معين وغيره" . وأيا ما كان فالاثنان قتان .

إِنَّ ٱلصَّفَا وَٱلْمَرْوَةَ مِن شَعَآئِرِ ٱللَّهِ فَمَنْ حَجَّ ٱلْبَيْتَ أَوِ ٱعْتَمَرَ فَلَا جُنَاحَ عَلَيْهِ أَن يَطَّوَّفَ بِهِمَا وَمَن تَطَوَّعَ خَيْرًا فَإِنَّ ٱللَّهَ شَاكِرٌ عَلِيمٌ (158)


إن الصفا والمروة من شعائر اللهالقول في تأويل قوله تعالى : إن الصفا والمروة من شعائر الله والصفا : جمع صفاة , وهي الصخرة الملساء , ومنه قول الطرماح : أبى لي ذو القوى والطول ألا يؤبس حافر أبدا صفاتي وقد قالوا إن الصفا واحد , وأنه يثنى صفوان ويجمع أصفاء وصفيا وصفيا ; واستشهدوا على ذلك بقول الراجز : كأن متنيه من النفي مواقع الطير على الصفي وقالوا : هو نظير عصا وعصي ورحا ورحي وأرحاء . وأما المروة فإنها الحصاة الصغيرة يجمع قليلها مروات , وكثيرها المرو مثل تمرة وتمرات وتمر . قال الأعشى ميمون بن قيس : وترى بالأرض خفا زائلا فإذا ما صادف المرو رضح يعني بالمرو : الصخر الصغار . ومن ذلك قول أبي ذؤيب الهذلي : حتى كأن للحوادث مروة بصفا المشرق كل يوم تقرع ويقال " المشقر " . وإنما عنى الله تعالى ذكره بقوله : إن الصفا والمروة في هذا الموضع : الجبلين المسميين بهذين الاسمين اللذين في حرمه دون سائر الصفا والمرو ; ولذلك أدخل فيهما الألف واللام , ليعلم عباده أنه عنى بذلك الجبلين المعروفين بهذين الاسمين دون سائر الصفا والمرو . وأما قوله : من شعائر الله فإنه يعني من معالم الله التي جعلها تعالى ذكره لعباده معلما ومشعرا يعبدونه عندها , إما بالدعاء وإما بالذكر وإما بأداء ما فرض عليهم من العمل عندها ; ومنه قول الكميت : نقتلهم جيلا فجيلا تراهم شعائر قربان بهم يتقرب وكان مجاهد يقول في الشعائر بما : 1935 - حدثني به محمد بن عمرو , قال : ثنا أبو عاصم , عن عيسى , عن ابن أبي نجيح , عن مجاهد : إن الصفا والمروة من شعائر الله قال : من الخبر الذي أخبركم عنه * - حدثني المثنى , قال : ثنا أبو حذيفة , قال : ثنا شبل , عن ابن أبي نجيح عن مجاهد مثله . فكأن مجاهدا كان يرى أن الشعائر إنما هو جمع شعيرة من إشعار الله عباده أمر الصفا والمروة وما عليهم في الطواف بهما , فمعناه إعلامهم ذلك ; وذلك تأويل من المفهوم بعيد . وإنما أعلم الله تعالى ذكره بقوله : إن الصفا والمروة من شعائر الله عباده المؤمنين أن السعي بينهما من مشاعر الحج التي سنها لهم , وأمر بها خليله إبراهيم صلى الله عليه وسلم , إذ سأله أن يريه مناسك الحج . وذلك وإن كان مخرجه مخرج الخبر , فإنه مراد به الأمر لأن الله تعالى ذكره قد أمر نبيه محمدا صلى الله عليه وسلم باتباع ملة إبراهيم عليه السلام فقال له : ثم أوحينا إليك أن اتبع ملة إبراهيم حنيفا 16 123 وجعل تعالى ذكره إبراهيم إماما لمن بعده . فإذا كان صحيحا أن الطواف والسعي بين الصفا والمروة من شعائر الله ومن مناسك الحج , فمعلوم أن إبراهيم صلى الله عليه وسلم قد عمل به وسنه لمن بعده , وقد أمر نبينا صلى الله عليه وسلم أمته باتباعه فعليهم العمل بذلك على ما بينه رسول الله صلى الله عليه وسلم .فمن حج البيت أو اعتمرالقول في تأويل قوله تعالى : فمن حج البيت أو اعتمر يعني تعالى ذكره : فمن حج البيت فمن أتاه عائدا إليه بعد بدء , وكذلك كل من أكثر الاختلاف إلى شيء فهو حاج إليه ; ومنه قول الشاعر : وأشهد من عوف حلولا كثيرة يحجون بيت الزبرقان المزعفرا يعني بقوله يحجون : يكثرون التردد إليه لسؤدده ورياسته . وإنما قيل للحاج حاج لأنه يأتي البيت قبل التعريف ثم يعود إليه لطواف يوم النحر بعد التعريف , ثم ينصرف عنه إلى منى , ثم يعود إليه لطواف الصدر , فلتكراره العود إليه مرة بعد أخرى قيل له حاج . وأما المعتمر فإنما قيل له معتمر لأنه إذا طاف به انصرف عنه بعد زيارته إياه . وإنما يعني تعالى ذكره بقوله : أو اعتمر أو اعتمر البيت , ويعني بالاعتمار الزيارة , فكل قاصد لشيء فهو له معتمر ومنه قول العجاج : لقد سما ابن معمر حين اعتمر مغزى بعيدا من بعيد وضبر يعني بقوله " حين اعتمر " : حين قصده وأمه .فلا جناح عليه أن يطوف بهماالقول في تأويل قوله تعالى : فلا جناح عليه أن يطوف بهما . يعني تعالى ذكره بقوله : فلا جناح عليه أن يطوف بهما يقول : فلا حرج عليه ولا مأثم في طوافه بهما . فإن قال قائل : وما وجه هذا الكلام , وقد قلت لنا إن قوله : إن الصفا والمروة من شعائر الله وإن كان ظاهره ظاهر الخبر فإنه في معنى الأمر بالطواف بهما ؟ فكيف يكون أمرا بالطواف , ثم يقال : لا جناح على من حج البيت أو اعتمر في الطواف بهما ؟ وإنما يوضع الجناح عمن أتى ما عليه بإتيانه الجناح والحرج والأمر بالطواف بهما , والترخيص في الطواف بهما غير جائز اجتماعهما في حال واحدة ؟ قيل : إن ذلك بخلاف ما إليه ذهب , وإنما معنى ذلك عند أقوام أن النبي صلى الله عليه وسلم لما اعتمر عمرة القضية تخوف أقوام كانوا يطوفون بهما في الجاهلية قبل الإسلام لصنمين كانا عليهما تعظيما منهم لهما فقالوا : وكيف نطوف بهما , وقد علمنا أن تعظيم الأصنام وجميع ما كان يعبد من ذلك من دون الله شرك ؟ ففي طوافنا بهذين الحجرين أحد ذلك , لأن الطواف بهما في الجاهلية إنما كان للصنمين اللذين كانا عليهما , وقد جاء الله بالإسلام اليوم ولا سبيل إلى تعظيم شيء مع الله بمعنى العبادة له . فأنزل الله تعالى ذكره في ذلك من أمرهم : إن الصفا والمروة من شعائر الله يعني أن الطواف بهما , فترك ذكر الطواف بهما اكتفاء بذكرهما عنه . وإذ كان معلوما عند المخاطبين به أن معناه : من معالم الله التي جعلها علما لعباده يعبدونه عندهما بالطواف بينهما ويذكرونه عليهما وعندهما بما هو له أهل من الذكر , فمن حج البيت أو اعتمر فلا يتخوفن الطواف بهما , من أجل ما كان أهل الجاهلية يطوفون بهما , من أجل الصنمين اللذين كانا عليهما , فإن أهل الشرك كانوا يطوفون بهما كفرا , وأنتم تطوفون بهما إيمانا وتصديقا لرسولي وطاعة لأمري , فلا جناح عليكم في الطواف بهما . والجناح : الإثم . كما : 1936 - حدثني موسى بن هارون , قال : ثنا عمرو , قال : ثنا أسباط , عن السدي : فلا جناح عليه أن يطوف بهما يقول : ليس عليه إثم ولكن له أجر . وبمثل الذي قلنا في ذلك تظاهرت الرواية عن السلف من الصحابة والتابعين . ذكر الأخبار التي رويت بذلك : 1937 - حدثنا محمد بن عبد الملك بن أبي الشوارب قال : ثنا يزيد بن زريع , قال : ثنا داود , عن الشعبي : أن وثنا كان في الجاهلية على الصفا يسمى إسافا , ووثنا على المروة يسمى نائلة ; فكان أهل الجاهلية إذا طافوا بالبيت مسحوا الوثنين ; فلما جاء الإسلام وكسرت الأوثان , قال المسلمون : إن الصفا والمروة إنما كان يطاف بهما من أجل الوثنين , وليس الطواف بهما من الشعائر . قال : فأنزل الله : إنهما من الشعائر فمن حج البيت أو اعتمر فلا جناح عليه أن يطوف بهما 1938 - حدثنا محمد بن المثنى , قال : ثنا عبد الوهاب , قال : ثنا داود , عن عامر , قال : كان صنم بالصفا يدعى إسافا , ووثن بالمروة يدعى نائلة . ثم ذكر نحو حديث ابن أبي الشوارب وزاد فيه , قال : فذكر الصفا من أجل الوثن الذي كان عليه , وأنث المروة من أجل الوثن الذي كان عليه مؤنثا . 1939 - حدثني يعقوب بن إبراهيم , قال : ثنا ابن علية , عن داود بن أبي هند , عن الشعبي , وذكر نحو حديث ابن أبي الشوارب , عن يزيد , وزاد فيه قال : فجعله الله تطوع خير . 1940 - حدثني يعقوب , قال : ثنا ابن أبي زائدة , قال : أخبرني عاصم الأحول , قال : قلت لأنس بن مالك : أكنتم تكرهون الطواف بين الصفا والمروة حتى نزلت هذه الآية ؟ فقال : نعم كنا نكره الطواف بينهما لأنهما من شعائر الجاهلية حتى نزلت هذه الآية : إن الصفا والمروة من شعائر الله * - حدثني علي بن سهل الرملي , قال : ثنا مؤمل بن إسماعيل , قال : ثنا سفيان , عن عاصم , قال : سألت أنسا عن الصفا والمروة , فقال : كانتا من مشاعر الجاهلية , فلما كان الإسلام أمسكوا عنهما , فنزلت : إن الصفا والمروة من شعائر الله 1941 - حدثني عبد الوارث بن عبد الصمد بن عبد الوارث , قال : حدثني أبو الحسين المعلم , قال : ثنا سنان أبو معاوية , عن جابر الجعفي , عن عمرو بن حبشي , قال : قلت لابن عمر : إن الصفا والمروة من شعائر الله فمن حج البيت أو اعتمر فلا جناح عليه أن يطوف بهما قال : انطلق إلى ابن عباس فاسأله , فإنه أعلم من بقي بما أنزل على محمد صلى الله عليه وسلم ! فأتيته فسألته , فقال : إنه كان عندهما أصنام , فلما حرمن أمسكوا عن الطواف بينهما حتى أنزلت : إن الصفا والمروة من شعائر الله فمن حج البيت أو اعتمر فلا جناح عليه أن يطوف بهما 1942 - حدثني المثنى , قال : ثنا عبد الله بن صالح , قال : حدثني معاوية بن صالح , عن علي بن أبي طلحة عن ابن عباس قوله : إن الصفا والمروة من شعائر الله وذلك أن ناسا كانوا يتحرجون أن يطوفوا بين الصفا والمروة , فأخبر الله أنهما من شعائره , والطواف بينهما أحب إليه , فمضت السنة بالطواف بينهما . 1943 - حدثني موسى , قال : ثنا عمرو , قال : ثنا أسباط , عن السدي : إن الصفا والمروة من شعائر الله فمن حج البيت أو اعتمر فلا جناح عليه أن يطوف بهما قال : زعم أبو مالك عن ابن عباس أنه كان في الجاهلية شياطين تعزف الليل أجمع بين الصفا والمروة , وكانت بينهما آلهة , فلما جاء الإسلام وظهر قال المسلمون : يا رسول الله لا نطوف بين الصفا والمروة , فإنه شرك كنا نفعله في الجاهلية ! فأنزل الله : فلا جناح عليه أن يطوف بهما 1944 - حدثني يعقوب بن إبراهيم , قال : ثنا ابن علية , عن ابن أبي نجيح , عن مجاهد في قوله : إن الصفا والمروة من شعائر الله قال : قالت الأنصار : إن السعي بين هذين الحجرين من أمر الجاهلية . فأنزل الله تعالى ذكره : إن الصفا والمروة من شعائر الله * - حدثني محمد بن عمرو , قال : ثنا أبو عاصم , قال : ثنا عيسى , عن ابن أبي نجيح , عن مجاهد نحوه . 1945 - حدثني يونس , قال : أخبرنا ابن وهب , قال : قال ابن زيد في قوله فلا جناح عليه أن يطوف بهما قال : كان أهل الجاهلية قد وضعوا على كل واحد منهما صنما يعظمونهما ; فلما أسلم المسلمون كرهوا الطواف بالصفا والمروة لمكان الصنمين , فقال الله تعالى : إن الصفا والمروة من شعائر الله فمن حج البيت أو اعتمر فلا جناح عليه أن يطوف بهما وقرأ : ومن يعظم شعائر الله فإنها من تقوى القلوب 22 32 وسن رسول الله صلى الله عليه وسلم الطواف بهما . * - حدثنا ابن حميد , قال : ثنا جرير , عن عاصم , قال قلت لأنس : الصفا والمروة أكنتم تكرهون أن تطوفوا بهما مع الأصنام التي نهيتم عنها ؟ قال : نعم حتى نزلت : إن الصفا والمروة من شعائر الله * - حدثنا ابن حميد , قال : ثنا جرير , قال : أخبرنا عاصم , قال : سمعت أنس بن مالك يقول : إن الصفا والمروة من مشاعر قريش في الجاهلية , فلما كان الإسلام تركناهما . وقال آخرون : بل أنزل الله تعالى ذكره هذه الآية في سبب قوم كانوا في الجاهلية لا يسعون بينهما فلما جاء الإسلام تخوفوا السعي بينهما كما كانوا يتخوفونه في الجاهلية . ذكر من قال ذلك : 1946 - حدثنا بشر بن معاذ , قال : ثنا يزيد , عن سعيد , عن قتادة قوله : إن الصفا والمروة من شعائر الله الآية , فكان حي من تهامة في الجاهلية لا يسعون بينهما , فأخبرهم الله أن الصفا والمروة من شعائر الله , وكان من سنة إبراهيم وإسماعيل الطواف بينهما . * - حدثنا الحسن بن يحيى , قال : أخبرنا عبد الرزاق , قال : أخبرنا معمر , عن قتادة , قال : كان ناس من أهل تهامة لا يطوفون بين الصفا والمروة , فأنزل الله : إن الصفا والمروة من شعائر الله 1947 - حدثني المثنى , قال : ثنا عبد الله بن صالح قال : حدثني الليث , قال : حدثني عقيل , عن ابن شهاب , قال : حدثني عروة بن الزبير , قال : سألت عائشة فقلت لها : أرأيت قول الله : إن الصفا والمروة من شعائر الله فمن حج البيت أو اعتمر فلا جناح عليه أن يطوف بهما ؟ وقلت لعائشة : والله ما على أحد جناح أن لا يطوف بالصفا والمروة ! فقالت عائشة : بئس ما قلت يا ابن أختي , إن هذه الآية لو كانت كما أولتها كانت لا جناح عليه أن لا يطوف بهما , ولكنها إنما أنزلت في الأنصار كانوا قبل أن يسلموا يهلون لمناة الطاغية التي كانوا يعبدون بالمشلل وكان من أهل لها يتحرج أن يطوف بين الصفا والمروة , فلما سألوا رسول الله صلى الله عليه وسلم عن ذلك فقالوا : يا رسول الله إنا كنا نتحرج أن نطوف بين الصفا والمروة ; أنزل الله تعالى ذكره : إن الصفا والمروة من شعائر الله فمن حج البيت أو اعتمر فلا جناح عليه أن يطوف بهما . قالت عائشة : ثم قد سن رسول الله صلى الله عليه وسلم الطواف بينهما , فليس لأحد أن يترك الطواف بينهما 1948 - حدثنا الحسن بن يحيى , قال : أخبرنا عبد الرزاق قال : أخبرنا معمر , عن الزهري , عن عروة , عن عائشة , قالت : كان رجال من الأنصار ممن يهل لمناة في الجاهلية ومناة صنم بين مكة والمدينة , قالوا : يا نبي الله إنا كنا لا نطوف بين الصفا والمروة تعظيما لمناة , فهل علينا من حرج أن نطوف بهما ؟ فأنزل الله تعالى ذكره : إن الصفا والمروة من شعائر الله فمن حج البيت أو اعتمر فلا جناح عليه أن يطوف بهما قال عروة : فقلت لعائشة : ما أبالي أن لا أطوف بين الصفا والمروة , قال الله : فلا جناح عليه قالت : يا ابن أختي ألا ترى أنه يقول : إن الصفا والمروة من شعائر الله ؟ قال الزهري : فذكرت ذلك لأبي بكر بن عبد الرحمن بن الحارث بن هشام , فقال : هذا العلم ! قال أبو بكر : ولقد سمعت رجالا من أهل العلم يقولون : لما أنزل الله الطواف بالبيت ولم ينزل الطواف بين الصفا والمروة , قيل للنبي صلى الله عليه وسلم : إنا كنا نطوف في الجاهلية بين الصفا والمروة , وإن الله قد ذكر الطواف بالبيت , ولم يذكر الطواف بين الصفا والمروة فهل علينا من حرج أن لا نطوف بهما ؟ فأنزل الله تعالى ذكره : إن الصفا والمروة من شعائر الله الآية كلها . قال أبو بكر : فأسمع أن هذه الآية نزلت في الفريقين كليهما فيمن طاف وفيمن لم يطف . 1949 - حدثنا الحسن بن يحيى , قال : أخبرنا معمر عن قتادة , قال : كان ناس من أهل تهامة لا يطوفون بين الصفا والمروة , فأنزل الله : إن الصفا والمروة من شعائر الله والصواب من القول في ذلك عندنا أن يقال : إن الله تعالى ذكره قد جعل الطواف بين الصفا والمروة من شعائر الله , كما جعل الطواف بالبيت من شعائره . فأما قوله : فلا جناح عليه أن يطوف بهما فجائز أن يكون قيل لكلا الفريقين اللذين تخوف بعضهم الطواف بهما من أجل الصنمين اللذين ذكرهما الشعبي , وبعضهم من أجل ما كان من كراهتهم الطواف بهما في الجاهلية على ما روي عن عائشة . وأي الأمرين كان من ذلك فليس في قول الله تعالى ذكره : فلا جناح عليه أن يطوف بهما الآية , دلالة على أنه عنى به وضع الحرج عمن طاف بهما , من أجل أن الطواف بهما كان غير جائز بحظر الله ذلك ثم جعل الطواف بهما رخصة لإجماع الجميع , على أن الله تعالى ذكره لم يحظر ذلك في وقت , ثم رخص فيه بقوله : فلا جناح عليه أن يطوف بهما . وإنما الاختلاف في ذلك بين أهل العلم على أوجه ; فرأى بعضهم أن تارك الطواف بينهما تارك من مناسك حجه ما لا يجزيه منه غير قضائه بعينه , كما لا يجزي تارك الطواف الذي هو طواف الإفاضة إلا قضاؤه بعينه , وقالوا : هما طوافان أمر الله بأحدهما بالبيت , والآخر بين الصفا والمروة . ورأى بعضهم أن تارك الطواف بهما يجزيه من تركه فدية , ورأوا أن حكم الطواف بهما حكم رمي بعض الجمرات , والوقوف بالمشعر , وطواف الصدر , وما أشبه ذلك مما يجزي تاركه من تركه فدية ولا يلزمه العود لقضائه بعينه . ورأى آخرون أن الطواف بهما تطوع , إن فعله صاحبه كان محسنا , وإن تركه تارك لم يلزمه بتركه شيء . والله تعالى أعلم . ذكر من قال : إن السعي بين الصفا والمروة واجب ولا يجزي منه فدية ومن تركه فعليه العودة . 1950 - حدثنا أبو كريب , قال : ثنا وكيع , عن هشام بن عروة , عن أبيه , عن عائشة قالت : لعمري ما حج من لم يسع بين الصفا والمروة , لأن الله قال : إن الصفا والمروة من شعائر الله 1951 - حدثني يونس , قال : أخبرنا ابن وهب , قال : قال مالك بن أنس : من نسي السعي بين الصفا والمروة حتى يستبعد من مكة فليرجع فليسع , وإن كان قد أصاب النساء فعليه العمرة والهدي . وكان الشافعي يقول : على من ترك السعي بين الصفا والمروة حتى رجع إلى بلده العود إلى مكة حتى يطوف بينهما لا يجزيه غير ذلك . حدثنا بذلك عنه الربيع . ذكر من قال : يجزي منه دم وليس عليه عود لقضائه : قال الثوري بما : 1952 - حدثني به علي بن سهل , عن زيد بن أبي الزرقاء عنه , وأبو حنيفة , وأبو يوسف , ومحمد : إن عاد تارك الطواف بينهما لقضائه فحسن , وإن لم يعد فعليه دم . ذكر من قال : الطواف بينهما تطوع ولا شيء على من تركه , ومن كان يقرأ : فلا جناح عليه أن لا يطوف بهما 1953 - حدثنا محمد بن بشار , قال : ثنا أبو عاصم , قال : ثنا ابن جريج , قال : قال عطاء : لو أن حاجا أفاض بعدما رمى جمرة العقبة فطاف بالبيت ولم يسع , فأصابها - يعني امرأته - لم يكن عليه شيء , لا حج ولا عمرة ; من أجل قول الله في مصحف ابن مسعود : " فمن حج البيت أو اعتمر فلا جناح عليه أن لا يطوف بهما " فعاودته بعد ذلك , فقلت : إنه قد ترك سنة النبي صلى الله عليه وسلم , قال : ألا تسمعه يقول : فمن تطوع خيرا فأبى أن يجعل عليه شيئا ؟ 1954 - حدثني يعقوب بن إبراهيم , قال : ثنا هشيم , قال : أخبرنا عبد الملك , عن عطاء , عن ابن عباس أنه كان يقرأ : إن الصفا والمروة من شعائر الله الآية , فلا جناح عليه أن لا يطوف بهما 1955 - حدثني علي بن سهل , قال : ثنا مؤمل , قال : ثنا سفيان , عن عاصم , قال سمعت أنسا يقول : الطواف بينهما تطوع . * - حدثني المثنى , قال : ثنا حجاج , قال : ثنا حماد , قال : أخبرنا عاصم الأحول , قال : قال أنس بن مالك : هما تطوع . 1956 - حدثني محمد بن عمرو : قال : ثنا أبو عاصم , قال : ثنا عيسى , عن ابن أبي نجيح , عن مجاهد نحوه . 1957 - حدثني المثنى , قال : ثنا أبو حذيفة , قال : ثنا شبل , عن ابن أبي نجيح , عن مجاهد : إن الصفا والمروة من شعائر الله فمن حج البيت أو اعتمر فلا جناح عليه أن يطوف بهما قال : فلم يحرج من لم يطف بهما . 1958 - حدثنا المثنى , قال : ثنا حجاج قال : ثنا أحمد , عن عيسى بن قيس , عن عطاء , عن عبد الله بن الزبير , قال : هما تطوع * - حدثنا ابن حميد , قال : ثنا جرير , عن عاصم , قال : قلت لأنس بن مالك : السعي بين الصفا والمروة تطوع ؟ قال : تطوع . والصواب من القول في ذلك عندنا أن الطواف بهما فرض واجب , وأن على من تركه العود لقضائه ناسيا كان أو عامدا لأنه لا يجزيه غير ذلك , لتظاهر الأخبار عن رسول الله صلى الله عليه وسلم أنه حج بالناس فكان مما علمهم من مناسك حجهم الطواف بهما . ذكر الرواية عنه بذلك : 1959 - حدثني يوسف بن سلمان , قال : ثنا حاتم بن إسماعيل , قال : ثنا جعفر بن محمد , عن أبيه , عن جابر قال : لما دنا رسول الله صلى الله عليه وسلم من الصفا في حجه , قال : " إن الصفا والمروة من شعائر الله ابدءوا بما بدأ الله بذكره " فبدأ بالصفا فرقي عليه . 1960 - حدثنا أبو كريب , قال : ثنا محمود بن ميمون أبو الحسن , عن أبي بكر بن عياش , عن ابن عطاء عن أبيه , عن ابن عباس : أن النبي صلى الله عليه وسلم قال : إن الصفا والمروة من شعائر الله , فأتى الصفا فبدأ بها , فقام عليها ثم أتى المروة فقام عليها وطاف وسعى . فإذا كان صحيحا بإجماع الجميع من الأمة أن الطواف بهما على تعليم رسول الله صلى الله عليه وسلم أمته في مناسكهم وعمله في حجه وعمرته , وكان بيانه صلى الله عليه وسلم لأمته جمل ما نص الله في كتابه وفرضه في تنزيله , وأمر به مما لم يدرك علمه إلا ببيانه لازما العمل به أمته كما قد بينا في كتابنا " كتاب البيان عن أصول الأحكام " إذا اختلفت الأمة في وجوبه , ثم كان مختلفا في الطواف بينهما هل هو واجب أو غير واجب ; كان بينا وجوب فرضه على من حج أو اعتمر لما وصفنا , وكذلك وجوب العود لقضاء الطواف بين الصفا والمروة , لما كان مختلفا فيما على من تركه مع إجماع جميعهم , على أن ذلك مما فعله رسول الله صلى الله عليه وسلم وعلمه أمته في حجهم وعمرتهم إذ علمهم مناسك حجهم , كما طاف بالبيت وعلمه أمته في حجهم وعمرتهم , إذ علمهم مناسك حجهم وعمرتهم , وأجمع الجميع على أن الطواف بالبيت لا تجزي منه فدية ولا بدل , ولا يجزي تاركه إلا العود لقضائه ; كان نظيرا له الطواف بالصفا والمروة , ولا تجزي منه فدية ولا جزاء , ولا يجزي تاركه إلا العود لقضائه , إذ كانا كلاهما طوافين أحدهما بالبيت والآخر بالصفا والمروة . ومن فرق بين حكمهما عكس عليه القول فيه , ثم سئل البرهان على التفرقة بينهما , فإن اعتل بقراءة من قرأ : " فلا جناح عليه أن لا يطوف بهما " قيل : ذلك خلاف ما في مصاحف المسلمين غير جائز لأحد أن يزيد في مصاحفهم ما ليس فيها . وسواء قرأ ذلك كذلك قارئ , أو قرأ قارئ : ثم ليقضوا تفثهم وليوفوا نذورهم وليطوفوا بالبيت العتيق 22 29 فلا جناح عليهم أن لا يطوفوا به . فإن جاءت إحدى الزيادتين اللتين ليستا في المصحف كانت الأخرى نظيرتها وإلا كان مجيز إحداهما إذا منع الأخرى متحكما , والتحكم لا يعجز عنه أحد . وقد روي إنكار هذه القراءة وأن يكون التنزيل بها عن عائشة . 1961 - حدثني يونس بن عبد الأعلى , قال : أخبرنا ابن وهب , قال : أخبرني مالك بن أنس , عن هشام بن عروة , عن أبيه قال : قلت لعائشة زوج النبي صلى الله عليه وسلم وأنا يومئذ حديث السن : أرأيت قول الله عز وجل : إن الصفا والمروة من شعائر الله فمن حج البيت أو اعتمر فلا جناح عليه أن يطوف بهما فما نرى على أحد شيئا أن لا يطوف بهما ؟ فقالت عائشة : كلا لو كانت كما تقول كانت وفلا جناح عليه أن لا يطوف بهما " , إنما أنزلت هذه الآية في الأنصار كانوا يهلون لمناة وكانت مناة حذو قديد , وكانوا يتحرجون أن يطوفوا بين الصفا والمروة ; فلما جاء الإسلام سألوا رسول الله صلى الله عليه وسلم عن ذلك , فأنزل الله : إن الصفا والمروة من شعائر الله فمن حج البيت أو اعتمر فلا جناح عليه أن يطوف بهما وقد يحتمل قراءة من قرأ : فلا جناح عليه أن لا يطوف بهما أن تكون " لا " التي مع " أن " صلة في الكلام , إذ كان قد تقدمها جحد في الكلام قبلها , وهو قوله : فلا جناح عليه فيكون نظير قول الله تعالى ذكره : قال ما منعك ألا تسجد إذ أمرتك 7 12 بمعنى ما منعك أن تسجد , وكما قال الشاعر : ما كان يرضى رسول الله فعلهما والطيبان أبو بكر ولا عمر ولو كان رسم المصحف كذلك لم يكن فيه لمحتج حجة مع احتمال الكلام ما وصفنا لما بينا أن ذلك مما علم رسول الله صلى الله عليه وسلم أمته في مناسكهم على ما ذكرنا , ولدلالة القياس على صحته , فكيف وهو خلاف رسوم مصاحف المسلمين , ومما لو قرأه اليوم قارئ كان مستحقا العقوبة لزيادته في كتاب الله عز وجل ما ليس منه ؟ومن تطوع خيرا فإن الله شاكر عليمالقول في تأويل قوله تعالى : ومن تطوع خيرا فإن الله شاكر عليم اختلف القراء في قراءة ذلك , فقرأته عامة قراء أهل المدينة والبصرة : ومن تطوع خيرا على لفظ المضي بالتاء وفتح العين . وقرأته عامة قراء الكوفيين : ومن يطوع خيرا بالياء وجزم العين وتشديد الطاء , بمعنى : ومن يتطوع . وذكر أنها في قراءة عبد الله : " ومن يتطوع " . فقرأ ذلك قراء أهل الكوفة على ما وصفنا اعتبارا بالذي ذكرنا من قراءة عبد الله سوى عاصم فإنه وافق المدنيين , فشددوا الطاء طلبا لإدغام التاء في الطاء . وكلتا القراءتين معروفة صحيحة متفق معنياهما غير مختلفين , لأن الماضي من الفعل مع حروف الجزاء بمعنى المستقبل , فبأي القراءتين قرأ ذلك قارئ فمصيب . ومعنى ذلك : ومن تطوع بالحج والعمرة بعد قضاء حجته الواجبة عليه , فإن الله شاكر له على تطوعه له بما تطوع به من ذلك ابتغاء وجهه فمجازيه به , عليم بما قصد وأراد بتطوعي بما تطوع به وإنما قلنا إن الصواب في معنى قوله : فمن تطوع خيرا هو ما وصفنا دون قول من زعم أنه معني به : فمن تطوع بالسعي والطواف بين الصفا والمروة ; لأن الساعي بينهما لا يكون متطوعا بالسعي بينهما إلا في حج تطوع أو عمرة تطوع لما وصفنا قبل ; وإذ كان ذلك كذلك كان معلوما أنه إنما عنى بالتطوع بذلك التطوع بما يعمل ذلك فيه من حج أو عمرة . وأما الذين زعموا أن الطواف بهما تطوع لا واجب , فإن الصواب أن يكون تأويل ذلك على قولهم : فمن تطوع بالطواف بهما فإن الله شاكر ; لأن للحاج والمعتمر على قولهم الطواف بهما إن شاء وترك الطواف , فيكون معنى الكلام على تأويلهم : فمن تطوع بالطواف بالصفا والمروة , فإن الله شاكر تطوعه ذلك , عليم بما أراد ونوى الطائف بهما كذلك . كما : 1962 - حدثني محمد بن عمرو , قال : ثنا أبو عاصم , قال : ثنا عيسى , عن ابن أبي نجيح عن مجاهد : ومن تطوع خيرا فإن الله شاكر عليم قال : من تطوع خيرا فهو خير له , تطوع رسول الله فكانت من السنن . وقال آخرون : معنى ذلك : ومن تطوع خيرا فاعتمر . ذكر من قال ذلك : 1963 - حدثني يونس , قال : أخبرنا ابن وهب , قال : قال ابن زيد في قوله : ومن تطوع خيرا فإن الله شاكر عليم من تطوع خيرا فاعتمر فإن الله شاكر عليم ; قال : فالحج فريضة , والعمرة تطوع , ليست العمرة واجبة على أحد من الناس .

إِنَّ ٱلَّذِينَ يَكْتُمُونَ مَآ أَنزَلْنَا مِنَ ٱلْبَيِّنَٰتِ وَٱلْهُدَىٰ مِنۢ بَعْدِ مَا بَيَّنَّٰهُ لِلنَّاسِ فِى ٱلْكِتَٰبِ أُو۟لَٰٓئِكَ يَلْعَنُهُمُ ٱللَّهُ وَيَلْعَنُهُمُ ٱللَّٰعِنُونَ (159)


القول في تأويل قوله تعالى : إِنَّ الَّذِينَ يَكْتُمُونَ مَا أَنْزَلْنَا مِنَ الْبَيِّنَاتِ وَالْهُدَى مِنْ بَعْدِ مَا بَيَّنَّاهُ لِلنَّاسِ فِي الْكِتَابِقال أبو جعفر: يعني بقوله: (58) " إنّ الذين يَكتمون مَا أنزلنا منَ البينات ", علماءَ اليهود وأحبارَها، وعلماءَ النصارى, لكتمانهم الناسَ أمرَ محمد صلى الله عليه وسلم, وتركهم اتباعه وهم يجدونه مكتوبًا عندهم في التوراة والإنجيل.* * *و " البينات " التي أنزلها الله: (59) ما بيّن من أمر نبوة محمد صلى الله عليه وسلم ومبعثه وصفته، في الكتابين اللذين أخبر الله تعالى ذكره أنّ أهلهما يجدون صفته فيهما.* * *ويعني تعالى ذكره ب " الهدى " ما أوضح لَهم من أمره في الكتب التي أنزلها على أنبيائهم, فقال تعالى ذكره: إنّ الذين يكتمون الناسَ الذي أنزلنا في كتبهم من البيان من أمر محمد صلى الله عليه وسلم ونبوته، وصحة الملة التي أرسلته بها وحقِّيَّتها، فلا يخبرونهم به، ولا يعلنون من تبييني ذلك للناس وإيضاحِيه لهم، (60) في الكتاب الذي أنزلته إلى أنبيائهم أُولَئِكَ يَلْعَنُهُمُ اللَّهُ وَيَلْعَنُهُمُ اللاعِنُونَ * إِلا الَّذِينَ تَابُوا الآية. كما:-2370- حدثنا أبو كريب قال، وحدثنا يونس بن بكير -وحدثنا ابن حميد قال، حدثنا سلمة- قالا جميعًا، حدثنا محمد بن إسحاق قال، حدثني محمد بن أبي محمد مولى زيد بن ثابت قال، حدثني سعيد بن جبير, أو عكرمة, عن ابن عباس قال: سألَ مُعاذ بن جبل أخو بنى سَلِمة، وسعد بن مُعاذ أخو بني عبد الأشهل، وخارجة بن زيد أخو بني الحارث بن الخزرج, نفرًا من أحبار يَهود - قال أبو كريب: عما في التوراة, وقال ابن حميد: عن بَعض مَا في التوراة - فكتموهم إياه, وأبوْا أن يُخبروهم عنه, فأنزل الله تعالى ذكره فيهم: " إنّ الذين يَكتمون مَا أنزلنا من البينات والهدى من بعد ما بيَّناه للناس في الكتاب أولئك يَلعنهم الله وَيَلعنهم اللاعنون ". (61)2371- حدثني محمد بن عمرو قال، حدثنا أبو عاصم, عن عيسى, عن ابن أبي نجيح, عن مجاهد في قول الله: " إنّ الذين يَكتمونَ مَا أنزلنا من البينات والهدى " قال، هم أهل الكتاب.2372- حدثني المثنى قال، حدثنا أبو حذيفة قال، حدثنا شبل, عن ابن أبي نجيح, عن مجاهد مثله.2373- حدثني المثنى قال، حدثنا إسحاق قال، حدثنا ابن أبي جعفر, عن أبيه عن الربيع في قوله: " إنّ الذين يكتمون ما أنزلنا من البينات والهدى " قال، كتموا محمدًا صلى الله عليه وسلم، وهم يجدونه مكتوبًا عندهم, فكتموه حسدًا وبغيًا.2374- حدثنا بشر بن معاذ: قال، حدثنا يزيد قال، حدثنا سعيد, عن قتادة: " إنّ الذين يَكتمون مَا أنزلنا من البينات والهدى من بَعد مَا بيَّناه للناس في الكتاب "، أولئكَ أهلُ الكتاب، كتموا الإسلام وهو دين الله, وكتموا محمدًا صلى الله عليه وسلم, وهم يَجدونه مكتوبًا عندهم في التوراة والإنجيل.2374م- حدثني موسى قال، حدثنا عمرو قال، حدثنا أسباط, عن السدي: " إنّ الذين يَكتمونَ ما أنزلنا من البينات والهدى من بَعد مَا بيَّناه للناس في الكتاب "، زعموا أن رجلا من اليهود كان له صديقٌ من الأنصار يُقال له ثَعلبة بن غَنَمة، (62) قال له: هل تجدون محمدًا عندكم؟ قال: لا! = قال: مُحمد: " البينات ". (63)* * *القول في تأويل قوله تعالى : مِنْ بَعْدِ مَا بَيَّنَّاهُ لِلنَّاسِ فِي الْكِتَابِ[قال أبو جعفر: يعني تعالى ذكره بقوله: " من بعد ما بيناه للناس "]، (64) بعضَ الناس، لأن العلم بنبوة محمد صلى الله عليه وسلم وصفته ومَبعثه لم يكن إلا عند أهل الكتاب دون غيرهم, وإياهم عَنى تعالى ذكره بقوله: " للناس في الكتاب "، ويعني بذلك: التوراة والإنجيل.* * *وهذه الآية وإن كانت نزلت في خاصٍّ من الناس, فإنها معنيٌّ بها كل كاتمٍ علمًا فرضَ الله تعالى بيانه للناس.وذلك نظير الخبر الذي رُوي عن رسول الله صلى الله عليه وسلم أنه قال2375- من سُئل عَن علم يَعلمهُ فكتمه, ألجِمَ يوم القيامة بلجام من نار." (65)* * *وكان أبو هريرة يقول ما:-2376- حدثنا به نصر بن علي الجهضمي قال، حدثنا حاتم بن وردان قال، حدثنا أيوب السختياني, عن أبي هريرة قال، لولا آيةٌ من كتاب الله ما حدَّثتكم! وتلا " إنّ الذين يكتمونَ مَا أنزلنا من البينات والهدى من بَعد ما بيَّناه للناس في الكتاب أولئك يَلعنهم اللهُ ويَلعنهم اللاعنون "، (66)2377- حدثني محمد بن عبد الله بن عبد الحكم قال، حدثنا أبو زرعة وَهْب الله بن راشد، عن يونس قال، قال ابن شهاب, قال ابن المسيب: قال أبو هريرة: لولا آيتان أنزلهما الله في كتابه ما حدَّثت شيئًا: إِنَّ الَّذِينَ يَكْتُمُونَ مَا أَنْزَلْنَا مِنَ الْبَيِّنَاتِ إلى آخر الآية، والآية الأخرى: وَإِذْ أَخَذَ اللَّهُ مِيثَاقَ الَّذِينَ أُوتُوا الْكِتَابَ لَتُبَيِّنُنَّهُ لِلنَّاسِ إلى آخر الآية [سورة آل عمران: 187]. (67)* * *القول في تأويل قوله تعالى : أُولَئِكَ يَلْعَنُهُمُ اللَّهُ وَيَلْعَنُهُمُ اللاعِنُونَ (159)قال أبو جعفر: يعني تعالى ذكره بقوله: " أولئك يَلعنهم الله "، هؤلاء الذين يكتمون ما أنزلهُ الله من أمر محمد صلى الله عليه وسلم وصفَته وأمر دينه، أنه الحق -من بعد ما بيَّنه الله لهم في كتبهم- يلعنهم بكتمانهم ذلك، وتركهم تَبيينه للناس.* * *و " اللعنة "" الفَعْلة ", من " لعنه الله " بمعنى أقصاه وأبعده وأسْحَقه. وأصل " اللعن ": الطرْد، (68) كما قال الشماخ بن ضرار, وذكر ماءً ورَد عليه:ذَعَرْتُ بِهِ القَطَا وَنَفَيْتُ عَنْهُمَقَامَ الذِّئْبِ كَالرَّجُلِ الَّلعِينِ (69)يعني: مقامَ الذئب الطريد. و " اللعين " من نعت " الذئب ", وإنما أراد: مقام الذئب الطريد واللعين كالرَّجل. (70)* * *فمعنى الآية إذًا: أولئك يُبعدهم الله منه ومن رحمته, ويسألُ ربَّهم اللاعنون أنْ يلعنهم، لأن لعنةَ بني آدم وسائر خَلق الله مَا لَعنوا أن يقولوا: " اللهم العنه " إذْ كان معنى " اللعن " هو ما وصفنا من الإقصاء والإبعاد.وإنما قلنا إن لعنة اللاعنين هي ما وصفنا: من مسألتهم رَبَّهم أن يَلعَنهم, وقولهم: " لعنه الله " أو " عليه لعنة الله "، لأن:-2378- محمد بن خالد بن خِداش ويعقوب بن إبراهيم حدثاني قالا حدثنا إسماعيل بن علية, عن ابن أبي نجيح, عن مجاهد في قوله: " أولئك يَلعنهم الله ويَلعنهم اللاعنون "، البهائم, قال: إذا أسنَتَتِ السَّنة، (71) قالت البهائم: هذا من أجل عُصَاة بني آدم, لعنَ الله عُصَاة بني آدم!* * *ثم اختلف أهل التأويل فيمن عنى الله تعالى ذكره ب " اللاعنين ". فقال بعضهم: عنى بذلك دوابَّ الأرض وهَوامَّها.* ذكر من قال ذلك:2379- حدثنا محمد بن حميد قال، حدثنا جرير, عن منصور, عن مجاهد قال: تلعنهم دوابُّ الأرض، وما شاءَ الله من الخنافس والعقارب تقول: نُمْنَعَ القطرَ بذنوبهم.2380- حدثنا ابن بشار قال، حدثنا عبد الرحمن قال، حدثنا سفيان, عن منصور, عن مجاهد: " أولئك يَلعنهم الله ويَلعنهم اللاعنون " قال، دواب الأرض، العقاربُ والخنافس، يقولون: مُنِعنا القطرَ بخطايا بني آدم.2381- حدثنا ابن حميد قال، حدثنا حكام, عن عمرو، عن منصور, عن مجاهد: " ويلعنهم اللاعنون " قال، تلعنهم الهوامّ ودواب الأرض، تقول: أمسك القطرُ عنا بخطايا بني آدم.2382- حدثنا مُشرف بن أبان الحطاب البغدادي قال، حدثنا وكيع, عن سفيان, عن خصيف, عن عكرمة في قوله: " أولئك يَلعنهم اللهُ ويَلعنهم اللاعنون " قال، يلعنهم كل شيء حتى الخنافس والعقاربُ، يقولون: مُنعنا القطرَ بذنوب بني آدم. (72)2383- حدثني محمد بن عمرو قال، حدثنا أبو عاصم قال، حدثنا عيسى، عن ابن أبي نجيح, عن مجاهد: " ويلعنهم اللاعنون " قال، اللاعنون: البهائم.2383م- حدثني المثنى قال، حدثنا أبو حذيفة قال، حدثنا شبل, عن ابن أبي نجيح, عن مجاهد في قوله: " ويلعنهم اللاعنون "، البهائمُ، تلعن عُصاةَ بَني آدم حين أمسك الله عنهم بذنوب بني آدم المطر، فتخرج البهائم فتلعنهم.2384- حدثني يونس بن عبد الأعلى قال، أخبرنا ابن وهب قال، أخبرني مسلم بن خالد, عن ابن أبي نجيح, عن مجاهد في قوله: " أولئك يَلعنهم الله &;ويَلعنهم اللاعنون "، البهائم: الإبل والبقرُ والغنم, فتلعن عُصاةَ بني آدم إذا أجدبت الأرض.* * *فإن قال لنا قائل: ومَا وَجْهُ الذين وجَّهوا تأويلَ قوله: " ويلعنهم اللاعنون "، إلى أن اللاعنين هم الخنافسُ والعقارب ونحو ذلك من هَوامِّ الأرض, وقد علمتَ أنّها إذا جَمعتْ مَا كان من نَوع البهائم وغير بني آدم، (73) فإنما تجمعه بغير " الياء والنون " وغير " الواو والنون ", وإنما تجمعه ب " التاء ", وما خالفَ ما ذكرنا, فتقول: " اللاعنات " ونحو ذلك؟قيل: الأمر وإن كان كذلك, فإنّ من شأن العرَب إذا وصفت شيئًا من البهائم أو غيرها - مما حُكم جَمعه أن يكون ب " التاء " وبغير صورة جمع ذُكْرَانِ بني آدم - بما هُو منْ صفة الآدميين، أن يجمعوه جمع ذكورهم, كما قال تعالى ذكره: وَقَالُوا لِجُلُودِهِمْ لِمَ شَهِدْتُمْ عَلَيْنَا [سورة فصلت: 21]، فأخرج خطابهم على مثال خطاب بني آدم، إذ كلَّمتهم وكلَّموها, وكما قال: يَا أَيُّهَا النَّمْلُ ادْخُلُوا مَسَاكِنَكُمْ [سورة النمل: 18]، وكما قال: وَالشَّمْسَ وَالْقَمَرَ رَأَيْتُهُمْ لِي سَاجِدِينَ [سورة يوسف: 4].* * *وقال آخرون: عنى الله تعالى ذكره بقوله: " ويَلعنهم اللاعنون "، الملائكة والمؤمنين.* ذكر من قال ذلك:2385- حدثنا بشر بن معاذ قال، حدثنا يزيد بن زريع قال، حدثنا سعيد، عن قتادة: " ويَلعنهم اللاعنون "، قال، يَقول: اللاعنون من ملائكة الله ومن المؤمنين. (74)2386- حدثنا الحسن بن يحيى قال، أخبرنا عبد الرزاق قال، أخبرنا معمر, عن قتادة في قوله: " ويلعنهم اللاعنون "، الملائكة.2387- حدثني المثنى قال، حدثنا إسحاق قال، حدثنا ابن أبي جعفر, عن أبيه, عن الربيع بن أنس قال: " اللاعنون "، من ملائكة الله والمؤمنين.* * *وقال آخرون: يعني ب " اللاعنين "، كل ما عدا بني آدم والجنّ.* ذكر من قال ذلك:2388- حدثني موسى قال، حدثنا عمرو قال، حدثنا أسباط, عن السدي: " ويلعنهم اللاعنون " قال، قال البراء بن عازب: إنّ الكافر إذا وُضع في قبره أتته دَابة كأن عينيها قِدْران من نُحاس، معها عمود من حديد, فتضربه ضربة بين كتفيه، فيصيح، فلا يسمع أحد صوته إلا لعنه, ولا يبقى شَيء إلا سمع صوته, إلا الثقلين الجن والإنس.2389- حدثنا المثنى قال, حدثنا إسحاق قال, حدثنا أبو زهير, عن جويبر, عن الضحاك في قوله: " أولئك يلعنهم الله ويلعنهم اللاعنون " قال، الكافر إذا وضع في حفرته، ضُرب ضربة بمطرق (75) فيصيح صيحةً، يسمع صَوْته كل شيء إلا الثقلين الجن والإنس، فلا يسمع صيحته شَيء إلا لعنه.* * *قال أبو جعفر: وأولى هذه الأقوال بالصحة عندنا قول من قال: " اللاعنون "، الملائكةُ والمؤمنون. لأن الله تعالى ذكره قد وصف الكفار بأن اللعنة التي تحلّ بهم إنما هي من الله والملائكة والناس أجمعين, فقال تعالى ذكره: إِنَّ الَّذِينَ كَفَرُوا وَمَاتُوا وَهُمْ كُفَّارٌ أُولَئِكَ عَلَيْهِمْ لَعْنَةُ اللَّهِ وَالْمَلائِكَةِ وَالنَّاسِ أَجْمَعِينَ ، (76) فكذلك اللعنة التي أخبر الله تعالى ذكره أنها حَالَّة بالفريق الآخر: الذين يكتمونَ ما أنزل الله من البينات والهدى من بعد ما بينه للناس، (77) هي لعنة الله، ولعنة الذين أخبر أن لعنتهم حالّة بالذين كفروا وماتوا وهم كفار، (78) وهم " اللاعنون ", لأن الفريقين جميعًا أهلُ كفر.* * *وأما قول من قال إن " اللاعنين " هم الخنافس والعقارب وما أشبه ذلك من دبيب الأرض وهَوامِّها، (79) فإنه قول لا تدرك حَقيقته إلا بخبر عن الله أن ذلك من فعلها تَقوم به الحجة, ولا خبرَ بذلك عن نبي الله صلى الله عليه وسلم, فيجوز أن يقال إنّ ذلك كذلك.وإذْ كان ذلك كذلك, فالصواب من القول فيما قالوه أن يقال: إن الدليل من ظاهر كتاب الله موجودٌ بخلاف [قول] أهل التأويل، (80) وهو ما وصفنا. فإنْ كان جائزًا أن تكون البهائم وسائرُ خلق الله، تَلعن الذين يَكتمون ما أنزل الله في كتابه من صفة محمد صلى الله عليه وسلم ونعته ونبوّته, بعد علمهم به, وتلعن معهم جميع الظَّلمة - فغير جائز قطعُ الشهادة في أن الله عنى ب " اللاعنين " البهائمَ والهوامَّ ودَبيب الأرض, إلا بخبر للعذر قاطع. ولا خبرَ بذلك، وظاهر كتابا لله الذي ذكرناه دالٌّ على خلافه. (81)-------------الهوامش :(58) في المطبوعة : يقول : "إن الذين يكتمون . . . " ، وهو خطأ ناسخ ، صوابه ما أثبت .(59) في المطبوعة : "من البينات" ، كأنه متصل بالكلام قبله ، وهو لا يستقيم ، وكأن الصواب ما أثبت .(60) كان في المطبوعة"ولا يعلمون من تبييني ذلك للناس وإيضاحي لهم" ، وهي عبارة لا تستقيم وسياق معنى الآية يقتضي ما أثبت ، من جعل"يعلمون""يعلنونه" ، وزيادة"بعد" ، وجعل"إيضاحي""إيضاحيه" .(61) الأثر رقم : 2370- في سيرة ابن هشام 2 : 200 كما في رواية ابن حميد .(62) في سيرة ابن هشام ، وغيرها بالغين المعجمة غير مضبوط باللفظ ، ولكن ابن حجر ضبطه في الإصابة ، وقال : "بفتح المهملة والنون" ، ولم يذكر شكًا ولا اختلافًا في ضبطه بالغين المعجمة .(63) قوله : "قال : محمد البينات" من تفسير السدي ، ليس من الخطاب بين ثعلبة بن غنمة واليهودي . ويعني أن البينات التي يكتمونها هي محمد صلى الله عليه وسلم ، أي صفته ونعته في كتابهم .(64) الزيادة بين القوسين لا بد منها ، وقد استظهرتها من نهج أبي جعفر في جميع تفسيره . وهذا سقط من الناسخ بلا ريب .(65) الحديث : 2375- هذا حديث صحيح . ذكره الطبري هنا معلقًا دون إسناد . وقد رواه أحمد في المسند : 7561 ، من حديث أبي هريرة . وخرجناه في شرح المسند ، وفي صحيح ابن حبان بتحقيقنا ، رقم : 95 .(66) الحديث : 2376- نصر بن علي بن نصر بن علي الجهضمي : ثقة ، من شيوخ أصحاب الكتب الستة . مترجم في التهذيب ، والكبير 4/2/106 ، وابن أبي حاتم 4/1/471 .حاتم بن وردان السعدي : ثقة ، روى له الشيخان . مترجم في التهذيب ، والكبير 2/1/72 ، وابن أبي حاتم 1/2/260 .أيوب السختياني : مضى في : 2039 . ولكن روايته هنا عن أبي هريرة منقطعة ، فإنه ولد سنة 66 ، وأبو هريرة مات سنة 59 أو نحوها . ومعنى الحديث صحيح ثابت عن أبي هريرة ، بروايات أخر متصلة ، كما سنذكر في الحديث بعده .(67) الحديث : 2377- محمد بن عبد الله بن عبد الحكم : الإمام الحافظ المصري ، فقيه عصره ، قال ابن خزيمة : "ما رأيت في فقهاء الإسلام أعرف بأقاويل الصحابة والتابعين - منه" . مترجم في التهذيب ، وابن أبي حاتم 3/2/300-301 ، وتذكرة الحفاظ 2 : 115-116 .أبو زرعة وهب الله بن راشد المصري ، مؤذن الفسطاط : ثقة ، قال أبو حاتم : "محله الصدق" . ترجمه ابن أبي حاتم 4/2/27 ، وقال : "روى عنه عبد الرحمن ، ومحمد ، وسعد ، بنو عبد الله بن عبد الحكم" . وترجم أيضًا في لسان الميزان 6 : 235 ، ونقل عن ابن يونس ، أنه مات في ربيع الأول سنة 211"وكانت القضاة تقبله" ، وروى عنه عبد الرحمن بن عبد الله بن عبد الحكم . في فتوح مصر مرارًا ، منها في ص : 182 س 3-4 : "حدثنا وهب الله بن راشد ، أخبرنا يونس بن يزيد ، عن ابن شهاب . . . " . وهذا الإسناد ثابت في تاريخ ولاة مصر للكندي ، ص 33 ، عن علي بن قديد ، عن عبد الرحمن : "حدثنا أبو زرعة وهب الله بن راشد" . وذكره الدولابي في الكنى والأسماء 1 : 182 ، وروى : "حدثنا محمد بن عبد الله بن عبد الحكم ، والربيع بن سليمان الجيزى ، قالا : حدثنا أبو زرعة وهب الله بن راشد ، إلخ" . ورواية الربيع الجيزى عنه ، ثابتة في كتاب الولاة ، ص 313 ، أيضًا .وهذا الاسم"وهب الله" : من نادر الأسماء ، لم أره -فيما رأيت- إلا لهذا الشيخ ، ولم يذكره أصحاب المشتبه ، بل لم يذكره الزبيدي في شرح القاموس ، على سعة اطلاعه . واشتبه أمره على ناسخي الطبري أو طابعيه ، فثبت في المطبوعة هكذا : "ثنا أبو زرعة وعبد الله بن راشد"؛ فحرفوا"وهب الله" إلى"وعبد الله" - فجعلوه راويين!يونس : هو ابن يزيد الأيلي ، وهو ثقة ، عرف بالراوية عن الزهري وملازمته . قال أحمد بن صالح : "نحن لا نقدم في الزهري أحدًا على يونس" ، وقال : "كان الزهري إذا قدم أيلة نزل على يونس ، وإذا سار إلى المدينة زامله يونس" . مترجم في التهذيب ، والكبير 4/2/406 ، وابن أبي حاتم 4/2/247-249 ، وابن سعد 7/2/206 .وهذا الحديث جزء من حديث مطول ، رواه مسلم 2 : 261-262 ، من طريق ابن وهب ، عن يونس ، عن ابن شهاب -فذكر حديثًا عن عائشة- ثم : "قال ابن شهاب : وقال ابن المسيب : إن أبا هريرة قال . . . " .ورواه عبد الرزاق في تفسيره ، ص 14-15 ، عن معمر ، عن الزهري ، عن الأعرج ، عن أبي هريرة ، بنحوه مطولا . ورواه أحمد في المسند : 7691 ، عن عبد الرزاق .ورواه البخاري 5 : 21 (فتح) ، بنحوه ، من رواية إبراهيم بن سعد ، عن الزهري ، عن الأعرج . ورواه البخاري أيضًا 1 : 190-191 (فتح) من رواية مالك ، عن الزهري ، عن الأعرج وكذلك رواه ابن سعد 2/2/118 ، وأحمد في المسند : 7274- كلاهما من طريق مالك .وروى الحاكم في المستدرك 2 : 271 ، نحوه مختصرًا ، من طريق أبي أسامة ، عن طلحة بن عمرو ، عن عطاء بن أبي رباح ، عن أبي هريرة ، وقال : "هذا حديث صحيح الإسناد ، ولم يخرجاه" . ووافقه الذهبي .(68) انظر ما سلف 2 : 328 .(69) سلف تخريجه وشرحه في 2 : 328 . وفي التعليق هناك خطأ صوابه"مجاز القرآن : 46" .(70) كان في المطبوعة : "الطريد واللعين" ، والصواب طرح الواو .(71) أسنتت الأرض والسنة : أجدبت ، وعام مسنت مجدب . والسنة : القحط والجدب . وكان في المطبوعة : "أسنت" ، والصواب ما أثبت . وفي الدر المنثور 1 : 162 : "إذا اشتدت السنة" .(72) الخبر : 2382- مشرف بن أبان الحطاب البغدادي : ثبت هنا على الصواب ، كما ظهر في : 1951 . وقد مضى ذلك مغلوطًا"بشر بن أبان" : 1383 .(73) الضمير في قوله : "أنها إذا جمعت" ، للعرب ، وإن لم يجر لها ذكر في الكلام .(74) في المطبوعة : "يزيد بن زريع عن قتادة" بإسقاط"قال حدثنا سعيد" ، والصواب ما أثبته ، وهو إسناد دائر في التفسير أقربه رقم : 2374 .(75) المطرق والمطرقة : وهي أداة الحداد التي يضرب بها الحديد .(76) هي الآية رقم : 161 ، تأتي بعد قليل .(77) في المطبوعة : "من بعد ما بيناه للناس" ، وهو سهو ناسخ .(78) في المطبوعة : "هي لعنة الله التي أخبر أن لعنتهم حالة . . . " ، والصواب ما أثبت .(79) كل ماش على وجه الأرض يقال له : دابة ودبيب .(80) ما بين القوسين زيادة ، أخشى أن تكون سقطت من ناسخ .(81) في المطبوعة : "وكتاب الله الذي ذكرناه" ، وهو كلام لا يقال . والصواب ما أثبت . والذي ذكره آنفًا : "إن الدليل من ظاهر كتاب الله . . . " .هذا ، ورد قول هؤلاء القائلين بما قالوه ، مبين لك عن نهج الطبري وتفسيره ، وكاشف لك عن طريقته في رد الأخبار التي رواها عن التابعين ، في كل ما يحتاج إلى خبر عن رسول الله صلى الله عليه وسلم قاطع بالبيان عما ذكروه . والطبري قد يذكر مثل هذه الأخبار ، ثم لا يذكر حجته في ردها ، لأنه كره إعادة القول وتريده فيما جعله أصلا في التفسير ، كما بين ذلك في"رسالة التفسير" ، ثم في تفسيره بعد ، ورد أشباهه في مواضع متفرقة منه . أما إذا كان في شيء من ذلك خبر قاطع عن رسول الله صلى الله عليه وسلم ، فإنه لا يدع ذكره ، فإذا لم يذكر -فيما أشبه ذلك- خبرًا عن رسول الله ، فاعلم أنه يدع لقارئ كتابه علم الوجه الذي يرد به هذا القول .

إِلَّا ٱلَّذِينَ تَابُوا۟ وَأَصْلَحُوا۟ وَبَيَّنُوا۟ فَأُو۟لَٰٓئِكَ أَتُوبُ عَلَيْهِمْ وَأَنَا ٱلتَّوَّابُ ٱلرَّحِيمُ (160)


القول في تأويل قوله تعالى : إِلا الَّذِينَ تَابُوا وَأَصْلَحُوا وَبَيَّنُوا فَأُولَئِكَ أَتُوبُ عَلَيْهِمْ وَأَنَا التَّوَّابُ الرَّحِيمُ (160)قال أبو جعفر: يعني تعالى ذكره بذلك: أن الله واللاعنين يَلعنون الكاتمين الناس ما علموا من أمر نبوة محمد صلى الله عليه وسلم وصفته ونعته في الكتاب الذي أنزله الله وبَيَّنه للناس, إلا من أناب من كتمانه ذلك منهم؛ ورَاجع التوبة بالإيمان بمحمد صلى الله عليه وسلم, والإقرار به وبنبوّته, وتصديقه فيما جاء به من عند الله، وبيان ما أنزل الله في كتبه التي أنزل إلى أنبيائه، من الأمر باتباعه؛ وأصلح حالَ نفسه بالتقرب إلى الله من صَالح الأعمال بما يُرضيه عنه؛ وبيَّن الذي عَلم من وَحي الله الذي أنزله إلى أنبيائه وعهد إليهم في كتبه فلم يكتمه، وأظهرَه فلم يُخفِه =" فأولئك ", يعني: هؤلاء الذين فَعلوا هذا الذي وصفت منهم, هم الذين أتوب عليهم, فأجعلهم من أهل الإياب إلى طاعتي، والإنابة إلى مَرضَاتي.ثم قال تعالى ذكره: " وَأنا التواب الرحيم "، يقول: وأنا الذي أرجع بقلوب عبيدي المنصرفة عنّى إليَّ, والرادُّها بعد إدبارها عَن طاعتي إلى طلب محبتي, والرحيم بالمقبلين بعد إقبالهم إليَّ، أتغمدهم مني بعفو، وأصفح عن عظيم ما كانوا اجترموا فيما بيني وبينهم، بفضل رحمتي لهم.* * *فإن قال قائل: وكيف يُتاب على من تاب؟ وما وَجه قوله: " إلا الذينَ تابوا فأولئك أتوب عليهم "؟ وهل يكون تائبٌ إلا وهو مَتُوب عليه، أو متوب عليه إلا وهو تائب؟قيل: ذلك مما لا يكون أحدُهما إلا والآخر معه, فسواء قيل: إلا الذين تِيبَ عليهم فتابوا - أو قيل: إلا الذين تابوا فإني أتوب عليهم. وقد بيَّنا وَجه ذلك فيما جاء من الكلام هذا المجيء، في نظيره فيما مضى من كتابنا هذا, فكرهنا إعادته في هذا الموضع. (82)* * *وبنحو ما قلنا في ذلك قال أهل التأويل.* ذكر من قال ذلك:2390- حدثنا بشر بن معاذ قال، حدثنا يزيد قال، حدثنا سعيد, عن قتادة في قوله: " إلا الذين تابوا وأصلحوا وبَيَّنوا "، يقول: أصلحوا فيما بينهم وبين الله, وبيَّنوا الذي جاءهم من الله, فلم يكتموه ولم يجحدوا به: أولئك أتوب عليهم وأنا التواب الرحيم.2391- حدثني يونس قال، أخبرنا ابن وهب قال، قال ابن زيد في قوله: " إلا الذين تَابوا وأصلحوا وبَينوا " قال، بيّنوا ما في كتاب الله للمؤمنين, وما سألوهم عنه من أمر النبي صلى الله عليه وسلم. وهذا كله في يهود.* * *قال أبو جعفر: وقد زعم بعضهم أن معنى قوله: " وبيَّنوا "، إنما هو: وبينوا التوبة بإخلاص العمل. ودليل ظاهر الكتاب والتنزيل بخلافه. لأن القوم إنما عوتبوا قبل هذه الآية، (83) على كتمانهم ما أنزلَ الله تعالى ذكره وبينه في كتابه، في أمر محمد صلى الله عليه وسلم ودينه، ثم استثنى منهم تعالى ذكره الذين يبينون أمرَ محمد صلى الله عليه وسلم ودينه، فيتوبون مما كانوا عليه من الجحود والكتمان, فأخرجهم من عِداد مَنْ يَلعنه الله ويَلعنه اللاعنون (84) = ولم يكن العتاب على تركهم تبيين التوبة بإخلاص العمل.والذين استثنى اللهُ من الذين يكتمون ما أنزل الله من البينات والهدى من بعد ما بيَّنه للناس في الكتاب، (85) عبدُ الله بن سلام وذَووه من أهل الكتاب، (86) الذين أسلموا فحسن إسلامهم، واتبعوا رسول الله صلى الله عليه وسلم.-----------الهوامش :(82) انظر ما سلف 2 : 549 .(83) في المطبوعة : "في مثل هذه الآية" ، وهو خطأ ، والصواب ما أثبت .(84) في المطبوعة : "فأخرجهم من عذاب من يلعنه الله" ، وهو تصحيف ، صوابه ما أثبت .(85) في المطبوعة : "من بعد ما بيناه للناس" ، وهو خطأ وسهو .(86) قوله : "وذووه" ، أي أصحابه وأهل ملته ، بإضافة"ذو" إلى الضمير ، وللنحاة فيه قول كثير ، وزعموا أن ذلك يكون في ضرورة الشعر ، وليس كذلك ، بل هو آت في النثر قديمًا ، بمثل ما استعمله الطبري .

إِنَّ ٱلَّذِينَ كَفَرُوا۟ وَمَاتُوا۟ وَهُمْ كُفَّارٌ أُو۟لَٰٓئِكَ عَلَيْهِمْ لَعْنَةُ ٱللَّهِ وَٱلْمَلَٰٓئِكَةِ وَٱلنَّاسِ أَجْمَعِينَ (161)


القول في تأويل قوله تعالى : إِنَّ الَّذِينَ كَفَرُوا وَمَاتُوا وَهُمْ كُفَّارٌ أُولَئِكَ عَلَيْهِمْ لَعْنَةُ اللَّهِ وَالْمَلائِكَةِ وَالنَّاسِ أَجْمَعِينَ (161)قال أبو جعفر: يعني تعالى ذكره بقوله: " إنّ الذين كفروا "، إن الذين جَحدوا نبوة محمد صلى الله عليه وسلم وكذبوا به = من اليهود والنصارى وسائر أهل الملل، والمشركين من عَبدة الأوثان =" وماتوا وهم كفار "، يعني: وماتوا وهم على جُحودهم ذلك وتكذيبهم محمدًا صلى الله عليه وسلم،" أولئك عَليهم لَعنةُ الله والملائكة ", يعني: فأولئك الذين كفروا وماتوا وهم كفار عليهم لعنة الله، يقول: أبعدهم الله وأسحقهم من رحمته," والملائكة "، يعني ولَعنهم الملائكةُ والناس أجمعون. ولعنة الملائكة والناس إياهم قولهم: " عليهم لعنة الله ".* * *وقد بينا معنى " اللعنة " فيما مضى قبل بما أغنى عن إعادته. (87)* * *فإن قال قائل: وكيف تَكونُ على الذي يموت كافرًا بمحمد صلى الله عليه وسلم [لعنةُ الناس أجمعين] من أصناف الأمم، (88) وأكثرهم ممن لا يؤمن به ويصدقه؟قيل: إن معنى ذلك على خلاف ما ذهبتَ إليه. وقد اختلف أهل التأويل في تأويل ذلك. فقال بعضهم: عنى الله بقوله: " والناس أجمعين "، أهلَ الإيمان به وبرسوله خاصة، دون سائر البشر.* ذكر من قال ذلك:2392- حدثنا بشر بن معاذ قال، حدثنا يزيد بن زريع قال، حدثنا سعيد, عن قتادة قوله: " والناس أجمعين "، يعني: ب " الناس أجمعين "، المؤمنين.2393- حدثني المثنى قال، حدثنا إسحاق قال، حدثنا ابن أبي جعفر, عن أبيه، عن الربيع: " والناس أجمعين "، يعني ب " الناس أجمعين "، المؤمنين.* * *وقال آخرون: بل ذلك يومَ القيامة، يُوقَفُ على رءوس الأشهاد الكافرُ فيلعنه الناس كلهم.* ذكر من قال ذلك:2394- حدثت عن عمار قال، حدثنا ابن أبي جعفر, عن أبيه, عن الربيع, عن أبي العالية: أن الكافر يُوقَف يوم القيامة فيلعنه الله, ثم تلعنه الملائكة, ثم يلعنه الناس أجمعون.* * *وقال آخرون: بل ذلك قول القائل كائنًا من كان: " لَعنَ الله الظالم ", فيلحق ذلك كل كافر، لأنه من الظَّلمة.* ذكر من قال ذلك:2395- حدثني موسى بن هارون قال، حدثنا عمرو بن حماد قال، حدثنا أسباط, عن السدي قوله: " أولئك عليهم لَعنة الله والملائكة والناس أجمعين "، فإنه لا يتلاعن اثنان مُؤمنان ولا كافران فيقول أحدهما: " لعن الله الظالم "، إلا وجبت تلك اللعنة على الكافر، لأنه ظالم, فكل أحد من الخلق يلعنه.* * *قال أبو جعفر: وأولى هذه الأقوال بالصواب عندنا قولُ من قال: عنى الله بذلك جَميعَ الناس، بمعنى لعنهم إياهم بقولهم: " لعن الله الظالم - أو الظالمين ".فإن كلّ أحد من بني آدم لا يمتنع من قيل ذلك كائنًا من كان، (89) ومن أي أهل ملة كان, فيدخل بذلك في لعنته كلّ كافرٍ كائنًا من كان. وذلك بمعنى ما قاله أبو العالية. لأن الله تعالى ذكره أخبر عمن شَهدهم يوم القيامة أنهم يلعنونهم فقال: وَمَنْ أَظْلَمُ مِمَّنِ افْتَرَى عَلَى اللَّهِ كَذِبًا أُولَئِكَ يُعْرَضُونَ عَلَى رَبِّهِمْ وَيَقُولُ الأَشْهَادُ هَؤُلاءِ الَّذِينَ كَذَبُوا عَلَى رَبِّهِمْ أَلا لَعْنَةُ اللَّهِ عَلَى الظَّالِمِينَ [هود: 18]وأما ما قاله قتادة، من أنه عنى به بعضَ الناس, فقولٌ ظاهرُ التنزيل بخلافه, ولا برهان على حقيقته من خبر ولا نظر. فإن كان ظن أن المعنيَّ به المؤمنون، من أجل أن الكفار لا يَلعنون أنفسهم ولا أولياءهم, فإن الله تعالى ذكره قد أخبر أنهم يَلعنونهم في الآخرة. ومعلومٌ منهم أنّهم يَلعنون الظَّلمة, وداخلٌ في الظَّلمة كل كافر، بظلمه نفسه, وجحوده نعمةَ ربه, ومخالفته أمرَه.----------------الهوامش :(87) انظر ما سلف في هذا الجزء 3 : 254 ، والتعليق : 1 ، ومراجعه .(88) الزيادة التي بين القوسين لا بد منها ، وإلا اختل الكلام والسؤال ، ولم يكن لهما معنى محدود مفهوم ، واستظهرت الزيادة من جواب هذا السؤال .(89) في المطبوعة : "لا يمنع من قيل ذلك" ، والصواب ما أثبت .

خَٰلِدِينَ فِيهَا لَا يُخَفَّفُ عَنْهُمُ ٱلْعَذَابُ وَلَا هُمْ يُنظَرُونَ (162)


القول في تأويل قوله تعالى : خَالِدِينَ فِيهَا لا يُخَفَّفُ عَنْهُمُ الْعَذَابُ وَلا هُمْ يُنْظَرُونَ (162)* * *قال أبو جعفر: إن قال لنا قائل: ما الذي نصب " خالدين فيها "؟قيل: نُصب على الحال من " الهاء والميم " اللتين في" عليهم ". وذلك أنّ معنى قوله: أُولَئِكَ عَلَيْهِمْ لَعْنَةُ اللَّهِ ، أولئك يلعنهم الله والملائكةُ والناس أجمعون خالدين فيها. ولذلك قرأ ذلك: " أولئك عَليهم لعنة الله والملائكةُ والناس أجمعون " مَنْ قرأَهُ كذلك، (90) توجيهًا منه إلى المعنى الذي وصفتُ. وذلك وإن كان جائزًا في العربية, فغيرُ جائزةٍ القراءةُ به، لأنه خلافٌ لمصاحف المسلمين، وما جاء به المسلمون من القراءة مستفيضًا فيهم. فغير جائز الاعتراضُ بالشاذّ من القول، على ما قد ثبتت حُجته بالنقل المستفيض.* * *وأما " الهاء والألف " اللتان في قوله: " فيها "، فإنهما عائدتان على " اللعنة ", والمرادُ بالكلام: ما صار إليه الكافر باللعنة من الله ومن ملائكته ومن الناس. والذي صار إليه بها، نارُ جهنم. وأجرى الكلام على " اللعنة "، والمراد بها ما صار إليه الكافر، كما قد بينا من نظائر ذلك فيما مضى قبل، كما:-2396- حدثت عن عمار قال: حدثنا ابن أبي جعفر, عن أبيه, عن الربيع, عن أبي العالية: " خالدين فيها "، يقول: خالدين في جهنم، في اللعنة.* * *وأما قوله: " لا يخفّف عنهم العذاب "، فإنه خبرٌ من الله تعالى ذكره عن دَوَام العذاب أبدًا من غير توقيت ولا تخفيف, كما قال تعالى ذكره: وَالَّذِينَ كَفَرُوا لَهُمْ نَارُ جَهَنَّمَ لا يُقْضَى عَلَيْهِمْ فَيَمُوتُوا وَلا يُخَفَّفُ عَنْهُمْ مِنْ عَذَابِهَا [سورة فاطر: 36]، وكما قال: كُلَّمَا نَضِجَتْ جُلُودُهُمْ بَدَّلْنَاهُمْ جُلُودًا غَيْرَهَا [سورة النساء: 56]* * *وأما قوله: " ولا هم يُنظرون "، فإنه يعني: ولا هُم يُنظرون بمعذرة يَعتذرون، كما:-2397- حدثت عن عمار قال، حدثنا ابن أبي جعفر, عن أبيه, عن الربيع, عن أبي العالية: " ولا هم ينظرون "، يقول: لا يُنظرون فيعتذرون, كقوله: هَذَا يَوْمُ لا يَنْطِقُونَ * وَلا يُؤْذَنُ لَهُمْ فَيَعْتَذِرُونَ . [سورة المرسلات: 35-36]-----------------------الهوامش :(90) في المطبوعة : "والناس أجميعن" ، وهو خطأ ، والصواب ما أثبت ، برفع"الملائكة والناس أجمعون" ، وهي قراءة الحسن . وانظر معاني القرآن للفراء 1 : 96-97 ، وتفسير هذه الآية في سائر كتب التفسير .

وَإِلَٰهُكُمْ إِلَٰهٌ وَٰحِدٌ لَّآ إِلَٰهَ إِلَّا هُوَ ٱلرَّحْمَٰنُ ٱلرَّحِيمُ (163)


القول في تأويل قوله عز وجل : وَإِلَهُكُمْ إِلَهٌ وَاحِدٌ لا إِلَهَ إِلا هُوَ الرَّحْمَنُ الرَّحِيمُ (163)قال أبو جعفر: قد بينا فيما مضى معنى " الألوهية "، وأنها اعتباد الخلق. (91)فمعنى قوله: " وإلهكم إلهٌ واحدٌ لا إلهَ إلا هو الرحمن الرحيم ": والذي يستحق عَليكم أيها الناس الطاعةَ له, ويستوجب منكم العبادة، معبودٌ واحدٌ وربٌّ واحد, فلا تعبدوا غيرَه، ولا تشركوا معه سواه، فإنّ من تُشركونه معه في عبادتكم إياه، هو خَلقٌ من خلق إلهكم مثلكم, وإلهكم إله واحد، لا مثلَ لهُ وَلا نَظير.* * *واختُلِف في معنى وَحدانيته تعالى ذكره,فقال بعضهم: معنى وحدانية الله، معنى نَفي الأشباه والأمثال عنه، كما يقال: " فلان واحدُ الناس - وهو وَاحد قومه ", يعني بذلك أنه ليسَ له في الناس مثل, ولا له في قومه شبيه ولا نظيرٌ. فكذلك معنى قول: " اللهُ واحد ", يعني به: الله لا مثل له ولا نظير.فزعموا أن الذي دلَّهم على صحة تأويلهم ذلك، أنّ قول القائل: " واحد " يفهم لمعان أربعة. أحدها: أن يكون " واحدًا " من جنس، كالإنسان " الواحد " من الإنس. والآخر: أن يكون غير متفرِّق، كالجزء الذي لا ينقسم. (92) والثالث: أن يكون معنيًّا به: المِثلُ والاتفاق، كقول القائل: " هذان الشيئان واحد ", يراد بذلك: أنهما متشابهان، حتى صارَا لاشتباههما في المعاني كالشيء الواحد.والرابع: أن يكون مرادًا به نفي النظير عنه والشبيه.قالوا: فلما كانت المعاني الثلاثةُ من معاني" الواحد " منتفيةً عنه، صح المعنى الرابع الذي وَصَفناه.* * *وقال آخرون: معنى " وحدانيته " تعالى ذكره، معنى انفراده من الأشياء، وانفراد الأشياء منه. قالوا: وإنما كان منفردًا وحده, لأنه غير داخل في شيء ولا داخلٌ فيه شيء. قالوا: ولا صحة لقول القائل: " واحد "، من جميع الأشياء إلا ذلك. وأنكر قائلو هذه المقالة المعاني الأربعةَ التي قالها الآخرون.* * *وأما قوله: " لا إله إلا هو "، فإنه خبرٌ منه تعالى ذكره أنه لا رب للعالمين غيرُه, ولا يستوجبُ على العبادِ العبادةَ سواه, وأنّ كلّ ما سواه فهُم خَلقه, والواجبُ على جميعهم طاعته والانقيادُ لأمره، وتركُ عبادة ما سواه من الأنداد والآلهة، وهجْر الأوثان والأصنام. لأنّ جميع ذلك خلقُه، وعلى جميعهم الدينونة له بالوحدانية والألوهة, ولا تَنبغي الألوهة إلا له, إذ كان ما بهم من نعمة في الدنيا فمنه، دون ما يعبدونه من الأوثان ويشركون معه من الأشراك؛ (93) وما يصيرون إليه من نعمة في الآخرة فمنه, وأن ما أشركوا معه من الأشراك لا يضر ولا ينفعُ في عاجل ولا في آجل, ولا في دنيا ولا في آخرة.وهذا تنبيه من الله تعالى ذكره أهلَ الشرك به على ضلالهم, ودعاءٌ منه لهم إلى الأوبة من كفرهم, والإنابة من شركهم.ثم عرَّفهم تعالى ذكره بالآية التي تتلوها، موضعَ استدلال ذوي الألباب منهم على حقيقة ما نبَّههم عليه من توحيده وحُججه الواضحة القاطعة عُذرَهم, فقال تعالى ذكره: أيها المشركون، إن جهلتم أو شككتم في حقيقة ما أخبرتكم من الخبر: من أنّ إلهكم إله واحد، دونَ ما تدَّعون ألوهيته من الأنداد والأوثان, فتدبروا حُججي وفكروا فيها, فإن من حُججي خَلق السموات والأرض, واختلاف الليل والنهار, والفلكُ التي تجري في البحر بما يَنفعُ الناس, وما أنزلت من السماء من ماء فأحييت به الأرض بعد موتها, وما بثثتُ فيها من كل دابة, والسحاب الذي سَخرته بين السماء والأرض. فإن كان ما تعبدونه من الأوثان والآلهة والأنداد وسائر ما تشركون به، إذا اجتمع جميعه فتظاهرَ أو انفرد بعضُه دون بعض، يقدر على أن يخلق نظيرَ شيء من خَلقي الذي سميتُ لكم, فلكم بعبادتكم ما تعبدون من دوني حينئذ عذرٌ, وإلا فلا عُذر لكم في اتخاذ إله سواي, ولا إله لكم ولما تعبدون غَيري. فليتدبر أولو الألباب إيجازَ الله احتجاجَه على جميع أهل الكفر به والملحدين في توحيده، في هذه الآية وفي التي بعدها، بأوْجز كلام، وأبلغ حجة وألطف معنى يشرف بهم على مَعرفة فضْل حكمة الله وبَيانه.* * *--------------------الهوامش :(91) انظر ما سلف 1 : 122-126 .(92) في المطبوعة : "غير متصرف" ، وهو تصحيف ، والصواب ما أثبت .(93) الأشراك جمع شريك ، كما يقال : شريف وأشراف ، ونصير وأنصار ، ويجمع أيضًا على"شركاء" .

الصفحة السابقة الصفحة التالية