تفسير سورة سبأ الصفحة 433 من القرآن الكريم

تفسير الصفحة رقم 433 من المصحف


وَيَوْمَ يَحْشُرُهُمْ جَمِيعًا ثُمَّ يَقُولُ لِلْمَلَٰٓئِكَةِ أَهَٰٓؤُلَآءِ إِيَّاكُمْ كَانُوا۟ يَعْبُدُونَ (40)


القول في تأويل قوله تعالى : وَيَوْمَ يَحْشُرُهُمْ جَمِيعًا ثُمَّ يَقُولُ لِلْمَلائِكَةِ أَهَؤُلاءِ إِيَّاكُمْ كَانُوا يَعْبُدُونَ (40)يقول تعالى ذكره: ويوم نحشر هؤلاء الكفار بالله جميعًا، ثم نقول للملائكة: أهؤلاء كانوا يعبدونكم من دوننا؟ فتتبرأ منهم الملائكة .

قَالُوا۟ سُبْحَٰنَكَ أَنتَ وَلِيُّنَا مِن دُونِهِم بَلْ كَانُوا۟ يَعْبُدُونَ ٱلْجِنَّ أَكْثَرُهُم بِهِم مُّؤْمِنُونَ (41)


(قَالُوا سُبْحَانَكَ) ربنا؛ تنزيهًا لك وتبرئة مما أضاف إليك هؤلاء من الشركاء والأنداد (أَنْتَ وَلِيُّنَا مِنْ دُونِهِمْ) لا نتخذ وليًّا دونك (بَلْ كَانُوا يَعْبُدُونَ الْجِنَّ).وبنحو الذي قلنا في ذلك قال أهل التأويل.* ذكر من قال ذلك:حدثنا بشر، قال: ثنا يزيد، قال: ثنا سعيد، عن قتادة قوله (وَيَوْمَ نَحْشُرُهُمْ جَمِيعًا ثُمَّ نَقُولُ لِلْمَلائِكَةِ أَهَؤُلاءِ إِيَّاكُمْ كَانُوا يَعْبُدُونَ) استفهام كقوله لعيسى أَأَنْتَ قُلْتَ لِلنَّاسِ اتَّخِذُونِي وَأُمِّيَ إِلَهَيْنِ مِنْ دُونِ اللَّهِ .وقوله (أَكْثَرُهُمْ بِهِمْ مُؤْمِنُونَ) يقول: أكثرهم بالجن مصدقون، يزعمون أنهم بنات الله، تعالى الله عمَّا يقولون علوًّا كبيرًا.

فَٱلْيَوْمَ لَا يَمْلِكُ بَعْضُكُمْ لِبَعْضٍ نَّفْعًا وَلَا ضَرًّا وَنَقُولُ لِلَّذِينَ ظَلَمُوا۟ ذُوقُوا۟ عَذَابَ ٱلنَّارِ ٱلَّتِى كُنتُم بِهَا تُكَذِّبُونَ (42)


القول في تأويل قوله تعالى : فَالْيَوْمَ لا يَمْلِكُ بَعْضُكُمْ لِبَعْضٍ نَفْعًا وَلا ضَرًّا وَنَقُولُ لِلَّذِينَ ظَلَمُوا ذُوقُوا عَذَابَ النَّارِ الَّتِي كُنْتُمْ بِهَا تُكَذِّبُونَ (42)يقول تعالى ذكره: فاليوم لا يملك بعضكم أيها الملائكة للذين كانوا في الدنيا يعبدونكم نفعًا ينفعونكم به، ولا ضرًّا ينالونكم به أو تنالونهم به (وَنَقُولُ لِلَّذِينَ ظَلَمُوا) يقول: ونقول للذين عبدوا غير الله فوضعوا العبادة في غير موضعها، وجعلوها لغير من تنبغي أن تكون له (ذُوقُوا عَذَابَ النَّارِ الَّتِي كُنْتُمْ بِهَا) في الدنيا(تُكَذِّبُونَ) فقد وردتموها.

وَإِذَا تُتْلَىٰ عَلَيْهِمْ ءَايَٰتُنَا بَيِّنَٰتٍ قَالُوا۟ مَا هَٰذَآ إِلَّا رَجُلٌ يُرِيدُ أَن يَصُدَّكُمْ عَمَّا كَانَ يَعْبُدُ ءَابَآؤُكُمْ وَقَالُوا۟ مَا هَٰذَآ إِلَّآ إِفْكٌ مُّفْتَرًى وَقَالَ ٱلَّذِينَ كَفَرُوا۟ لِلْحَقِّ لَمَّا جَآءَهُمْ إِنْ هَٰذَآ إِلَّا سِحْرٌ مُّبِينٌ (43)


القول في تأويل قوله تعالى : وَإِذَا تُتْلَى عَلَيْهِمْ آيَاتُنَا بَيِّنَاتٍ قَالُوا مَا هَذَا إِلا رَجُلٌ يُرِيدُ أَنْ يَصُدَّكُمْ عَمَّا كَانَ يَعْبُدُ آبَاؤُكُمْ وَقَالُوا مَا هَذَا إِلا إِفْكٌ مُفْتَرًى وَقَالَ الَّذِينَ كَفَرُوا لِلْحَقِّ لَمَّا جَاءَهُمْ إِنْ هَذَا إِلا سِحْرٌ مُبِينٌ (43)يقول تعالى ذكره: وإذا تتلى على هؤلاء المشركين آيات كتابنا بيِّنات، يقول: واضحات أنهن حق من عندنا( قَالُوا مَا هَذَا إِلا رَجُلٌ يُرِيدُ أَنْ يَصُدَّكُمْ عَمَّا كَانَ يَعْبُدُ آبَاؤُكُمْ ) يقول: قالوا عند ذلك: لا تتبعوا محمدًا، فما هو إلا رجل يريد أن يصدكم عما كان يعبد آباوكم من الأوثان، ويغير دينكم ودين آبائكم (وَقَالُوا مَا هَذَا إِلا إِفْكٌ مُفْتَرًى) يقول تعالى ذكره: وقال هؤلاء المشركون: ما هذا الذي تتلو علينا يا محمد، يعنون القرآن، إلا إفك، يقول: إلا كذب مفترى: يقول: مختلق متخرص ( وَقَالَ الَّذِينَ كَفَرُوا لِلْحَقِّ لَمَّا جَاءَهُمْ إِنْ هَذَا إِلا سِحْرٌ مُبِينٌ ) يقول جل ثناؤه: وقال الكفار للحق، يعني محمدًا صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسَلَّم، لما جاءهم، يعني: لما بعثه الله نبيًّا: هذا سحر مبين، يقول: ما هذا إلا سحر مبين، يبين لمن رآه وتأمله أنه سحر.

وَمَآ ءَاتَيْنَٰهُم مِّن كُتُبٍ يَدْرُسُونَهَا وَمَآ أَرْسَلْنَآ إِلَيْهِمْ قَبْلَكَ مِن نَّذِيرٍ (44)


القول في تأويل قوله تعالى : وَمَا آتَيْنَاهُمْ مِنْ كُتُبٍ يَدْرُسُونَهَا وَمَا أَرْسَلْنَا إِلَيْهِمْ قَبْلَكَ مِنْ نَذِيرٍ (44)يقول تعالى ذكره: وما أنزلنا على المشركين القائلين لمحمد صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسَلَّم لما جاءهم بآياتنا: هذا سحر مبين، بما يقولون من ذلك كتبًا يدرسونها، يقول: يقرءونها.&; 20-416 &; كما حدثنا بشر، قال: ثنا يزيد، قال: ثنا سعيد، عن قتادة قوله (ومَا آتيْنَاهُمْ مِنْ كُتُبٍ يَدْرُسُونَهَا) أي: يقرءونها(وَمَا أَرْسَلْنَا إِلَيْهِمْ قَبْلَكَ مِنْ نَذِيرٍ) يقول: وما أرسلنا إلى هؤلاء المشركين من قومك يا محمد فيما يقولون ويعملون قبلك من نبي ينذرهم بأسنا عليه.وبنحو الذي قلنا في ذلك قال أهل التأويل.* ذكر من قال ذلك:حدثنا بشر، قال: ثنا يزيد، قال: ثنا سعيد، عن قتادة (وَمَا أَرْسَلْنَا إِلَيْهِمْ قَبْلَكَ مِنْ نَذِيرٍ) ما أنزل الله على العرب كتابًا قبل القرآن، ولا بعث إليهم نبيًّا قبل محمد صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسَلَّم.

وَكَذَّبَ ٱلَّذِينَ مِن قَبْلِهِمْ وَمَا بَلَغُوا۟ مِعْشَارَ مَآ ءَاتَيْنَٰهُمْ فَكَذَّبُوا۟ رُسُلِى فَكَيْفَ كَانَ نَكِيرِ (45)


وقوله (وَكَذَّبَ الَّذِينَ مِنْ قَبْلِهِمْ) يقول: وكذب الذين من قبلهم من الأمم رسلنا وتنزيلنا(وَمَا بَلَغُوا مِعْشَارَ مَا آتيْنَاهُمْ) يقول: ولم يبلغ قومك يا محمد عشر ما أعطينا الذين من قبلهم من الأمم من القوة والأيدي والبطش، وغير ذلك من النعم.وبنحو الذي قلنا في ذلك قال أهل التأويل.* ذكر من قال ذلك:حدثني علي قال: ثنا أَبو صالح قال: ثني معاوية، عن علي، عن ابن عباس قوله (وَمَا بَلَغُوا مِعْشَارَ مَا آتيْنَاهُمْ) من القوة في الدنيا.حدثني محمد بن سعد، قال: ثني أبي، قال: ثني عمي، قال: ثني أبي، عن أبيه، عن ابن عباس قوله (وَمَا بَلَغُوا مِعْشَارَ مَا آتيْنَاهُمْ) يقول: ما جاوزوا معشار ما أنعمنا عليهم.حدثنا بشر، قال: ثنا يزيد، قال: ثنا سعيد، عن قتادة قوله ( وَكَذَّبَ الَّذِينَ مِنْ قَبْلِهِمْ وَمَا بَلَغُوا مِعْشَارَ مَا آتَيْنَاهُمْ ) يخبركم أنه أعطى القوم ما لم يعطكم &; 20-417 &; من القوة وغير ذلك.حدثني يونس، قال: أخبرنا ابن وهب، قال: قال ابن زيد، في قوله (وَمَا بَلَغُوا مِعْشَارَ مَا آتيْنَاهُمْ) قال: ما بلغ هؤلاء، أمة محمد صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسَلَّم، معشار ما آتينا الذين من قبلهم، وما أعطيناهم من الدنيا، وبسطنا عليهم (فَكَذَّبُوا رُسُلِي فَكَيْفَ كَانَ نَكِير) يقول: فكذبوا رسلي فيما أتوهم به من رسالتي، فعاقبناهم بتغييرنا بهم ما كنا آتيناهم من النعم، فانظر يا محمد كيف كان نكير، يقول: كيف كان تغييري بهم وعقوبتي.

قُلْ إِنَّمَآ أَعِظُكُم بِوَٰحِدَةٍ أَن تَقُومُوا۟ لِلَّهِ مَثْنَىٰ وَفُرَٰدَىٰ ثُمَّ تَتَفَكَّرُوا۟ مَا بِصَاحِبِكُم مِّن جِنَّةٍ إِنْ هُوَ إِلَّا نَذِيرٌ لَّكُم بَيْنَ يَدَىْ عَذَابٍ شَدِيدٍ (46)


القول في تأويل قوله تعالى : قُلْ إِنَّمَا أَعِظُكُمْ بِوَاحِدَةٍ أَنْ تَقُومُوا لِلَّهِ مَثْنَى وَفُرَادَى ثُمَّ تَتَفَكَّرُوا مَا بِصَاحِبِكُمْ مِنْ جِنَّةٍ إِنْ هُوَ إِلا نَذِيرٌ لَكُمْ بَيْنَ يَدَيْ عَذَابٍ شَدِيدٍ (46)يقول تعالى ذكره: قل يا محمد لهؤلاء المشركين من قومك: إنما أعظكم أيها القوم بواحدة وهي طاعة الله.كما حدثني محمد بن عمرو، قال: ثنا أَبو عاصم، قال: ثنا عيسى، وحدثني الحارث، قال: ثنا الحسن، قال: ثنا ورقاء جميعا، عن ابن أَبي نجيح، عن مجاهد قوله (إِنَّمَا أَعِظُكُمْ بِوَاحِدَةٍ) قال: بطاعة الله.وقوله ( أَنْ تَقُومُوا لِلَّهِ مَثْنَى وَفُرَادَى ) يقول: وتلك الواحدة التي أعظكم بها هي أن تقوموا لله اثنين اثنين، (وفُرادَى) فرادى (1) فأن في موضع خفض ترجمة عن الواحدة.وبنحو الذي قلنا في ذلك قال أهل التأويل.* ذكر من قال ذلك:حدثني محمد بن عمرو، قال: ثني أَبو عاصم، قال: ثنا عيسى، وحدثني الحارث، قال: ثنا الحسن، قال: ثنا ورقاء جميعا، عن ابن أَبي نجيح، عن مجاهد ( أَنْ تَقُومُوا لِلَّهِ مَثْنَى وَفُرَادَى ) قال: واحدًا واثنين.حدثنا بشر، قال: ثنا يزيد، قال: ثنا سعيد، عن قتادة قوله ( قُلْ إِنَّمَا أَعِظُكُمْ بِوَاحِدَةٍ أَنْ تَقُومُوا لِلَّهِ مَثْنَى وَفُرَادَى ) رجلا ورجلين.وقيل: إنما قيل: إنما أعظكم بواحدة، وتلك الواحدة أن تقوموا لله بالنصيحة وترك الهوى.(مَثْنَى) يقول: يقوم الرجل منكم مع آخر قيتصادقان على المناظرة: هل علمتم بمحمد صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسَلَّم جنونًا قطُّ؟ ثم ينفرد كل واحد منكم، فيتفكر ويعتبر فردًا هل كان ذلك به؟ فتعلموا حينئذٍ أنه نذير لكم.وقوله (ثُمَّ تَتَفَكَّرُوا مَا بِصَاحِبِكُمْ مِنْ جِنَّةٍ) يقول: لأنه ليس بمجنون.وقوله (إِنْ هُوَ إِلا نَذِيرٌ لَكُمْ بَيْنَ يَدَيْ عَذَابٍ شَدِيدٍ) يقول: ما محمد إلا نذير لكم ينذركم على كفركم بالله عقابه أمام عذاب جهنم قبل أن تصلوها، وقوله: هو كناية اسم محمد صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسَلَّم.------------------------الهوامش:(1) لعله: فردًا وفردًا: أي أن تقوموا اثنين اثنين، وواحدا واحدا.

قُلْ مَا سَأَلْتُكُم مِّنْ أَجْرٍ فَهُوَ لَكُمْ إِنْ أَجْرِىَ إِلَّا عَلَى ٱللَّهِ وَهُوَ عَلَىٰ كُلِّ شَىْءٍ شَهِيدٌ (47)


القول في تأويل قوله تعالى : قُلْ مَا سَأَلْتُكُمْ مِنْ أَجْرٍ فَهُوَ لَكُمْ إِنْ أَجْرِيَ إِلا عَلَى اللَّهِ وَهُوَ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ شَهِيدٌ (47)يقول تعالى ذكره: قل يا محمد لقومك المكذبيك، الرادين عليك ما أتيتهم به من عند ربك: ما أسألكم من جُعْلٍ على إنذاريكم عذاب الله، وتخويفكم به بأسه، ونصيحتي لكم في أمري إياكم بالإيمان بالله، والعمل بطاعته، فهو لكم لا حاجة لي به. وإنما معنى الكلام: قل لهم: إني لم أسألكم على ذلك جعلا فتتهموني، وتظنوا أني إنما دعوتكم إلى اتباعي لمال آخذه منكم.وبنحو الذي قلنا في ذلك قال أهل التأويل.* ذكر من قال ذلك:حدثنا بشر، قال: ثنا يزيد، قال: ثنا سعيد، عن قتادة قوله (قُلْ مَا سَأَلْتُكُمْ مِنْ أَجْرٍ) أي: جُعل (فَهُوَ لَكُمْ) يقول: لم أسألكم على الإسلام جعلا.وقوله ( إِنْ أَجْرِيَ إِلا عَلَى اللَّهِ ) يقول: ما ثوابي على دعائكم إلى الإيمان بالله والعمل بطاعته، وتبليغكم رسالته، إلا على الله (وَهُوَ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ شَهِيد) يقول: والله على حقيقة ما أقول لكم شهيد يشهد لي به، وعلى غير ذلك من الأشياء كلها.

قُلْ إِنَّ رَبِّى يَقْذِفُ بِٱلْحَقِّ عَلَّٰمُ ٱلْغُيُوبِ (48)


القول في تأويل قوله تعالى : قُلْ إِنَّ رَبِّي يَقْذِفُ بِالْحَقِّ عَلامُ الْغُيُوبِ (48)يقول جل ثناؤه لنبيه محمد صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسَلَّم: (قُلْ) يا محمد لمشركي قومك ( إِنَّ رَبِّي يَقْذِفُ بِالْحَقِّ ) وهو الوحي، يقول: ينزله من السماء، فيقذفه إلى نبيه محمد صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسَلَّم (عَلامُ الْغُيُوبِ) يقول: علام ما يغيب عن الأبصار، ولا مَظْهَر لها، وما لم يكن مما هو كائن، وذلك من صفة الرب، غير أنه رفع لمجيئه بعد الخبر، وكذلك تفعل العرب إذا وقع النعت بعد الخبر، في أن أتبعوا النعت إعراب ما في الخبر، فقالوا: إن أباك يقوم الكريم، فرفع الكريم على ما وصفت، والنصب فيه جائز؛ لأنه نعت للأب، فيتبع إعرابه.

الصفحة السابقة الصفحة التالية