تفسير سورة الزخرف الصفحة 492 من القرآن الكريم

تفسير الصفحة رقم 492 من المصحف


وَلِبُيُوتِهِمْ أَبْوَٰبًا وَسُرُرًا عَلَيْهَا يَتَّكِـُٔونَ (34)


القول في تأويل قوله تعالى : وَلِبُيُوتِهِمْ أَبْوَابًا وَسُرُرًا عَلَيْهَا يَتَّكِئُونَ (34)يقول تعالى ذكره: وجعلنا لبيوتهم أبوابا من فضة, وسُرُرا من فضة.كما حدثني عليّ, قال: ثنا أبو صالح, قال: ثني معاوية, عن عليّ, عن ابن عباس, وسررا قال: سرر فضة.حدثني يونس, قال: أخبرنا ابن وهب, قال: قال ابن زيد, فى قوله: ( وَلِبُيُوتِهِمْ أَبْوَابًا وَسُرُرًا عَلَيْهَا يَتَّكِئُونَ ) قال: الأبواب من فضة, والسرر من فضة عليها يتكئون, يقول: على السرر يتكئون.

وَزُخْرُفًا وَإِن كُلُّ ذَٰلِكَ لَمَّا مَتَٰعُ ٱلْحَيَوٰةِ ٱلدُّنْيَا وَٱلْءَاخِرَةُ عِندَ رَبِّكَ لِلْمُتَّقِينَ (35)


وقوله: ( وَزُخْرُفًا ) يقول: ولجعلنا لهم مع ذلك زخرفا, وهو الذهب.وبنحو الذي قلنا في ذلك قال أهل التأويل.* ذكر من قال ذلك:حدثني عليّ, قال: ثنا أبو صالح, قال: ثني معاوية, عن عليّ, عن ابن عباس ( وَزُخْرُفًا ) وهو الذهب.حدثنا محمد بن عبد الأعلى, قال: ثنا ابن ثور, عن معمر, عن قتادة, في قوله: ( وَزُخْرُفًا ) قال: الذهب. وقال الحسن: بيت من زُخرف, قال: ذهب.حدثنا بشر, قال: ثنا يزيد, قال: ثنا سعيد, عن قتادة ( وَزُخْرُفًا ) الزخرف: الذهب, قال: قد والله كانت تكره ثياب الشهرة. وذُكر لنا أن نبي الله صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسَلَّم كان يقول: " إيَّاكُمْ والحُمْرَةَ فإنَّها مِنْ أحَبّ الزّينَةِ إلى الشَّيْطَانِ".حدثنا محمد, قال: ثنا أحمد, قال: ثنا أسباط, عن السديّ( وَزُخْرُفًا ) قال: الذهب.حدثنا أحمد (1) قال: ثنا أسباط, عن السديّ( وَزُخْرُفًا ) قال: الذهب.حدثني يونس, قال: أخبرنا ابن وهب, قال: قال ابن زيد, في قوله: ( وَزُخْرُفًا ) لجعلنا هذا لأهل الكفر, يعني لبيوتهم سقفا من فضة وما ذكر معها. والزخرف سمي هذا الذي سمي السقف, والمعارج والأبواب والسرر من الأثاث والفرش والمتاع.حُدثت عن الحسين, قال: سمعت أبا معاذ يقول: أخبرنا عبيد, قال: سمعت الضحاك يقول في قوله: ( وَزُخْرُفًا ) يقول: ذهبا. والزخرف على قول ابن زيد: هذا هو ما تتخذه الناس من منازلهم من الفرش والأمتعة والآلات.وفي نصب الزخرف وجهان: أحدهما: أن يكون معناه: لجعلنا لمن يكفر بالرحمن لبيوتهم سقفا من فضة ومن زخرف, فلما لم يكرّر عليه من نصب على إعمال الفعل فيه ذلك, والمعنى فيه: فكأنه قيل: وزخرفا يجعل ذلك لهم منه. والوجه الثاني: أن يكون معطوفا على السرر, فيكون معناه: لجعلنا لهم هذه الأشياء من فضة, وجعلنا لهم مع ذلك ذهبا يكون لهم غنى يستغنون بها, ولو كان التنزيل جاء بخفض الزخرف لكان: لجعلنا لمن يكفر بالرحمن لبيوتهم سقفا من فضة ومن زخرف, فكان الزخرف يكون معطوفا على الفضة. وأما المعارج فإنها جُمعت على مفاعل, وواحدها معراج, على جمع معرج, كما يجمع المفتاح مفاتح على جمع مفتح, لأنهما لغتان: معرج, ومفتح, ولو جمع معاريج كان صوابا, كما يجمع المفتاح مفاتيح, إذ كان واحده معراج.وقوله: ( وَإِنْ كُلُّ ذَلِكَ لَمَّا مَتَاعُ الْحَيَاةِ الدُّنْيَا ) يقول تعالى ذكره: وما كل هذه الأشياء التي ذكرت من السقف من الفضة والمعارج والأبواب والسرر من الفضة والزخرف, إلا متاع يستمتع به أهل الدنيا في الدنيا.( وَالآخِرَةُ عِنْدَ رَبِّكَ لِلْمُتَّقِينَ ) يقول تعالى ذكره: وزين الدار الآخرة وبهاؤها عند ربك للمتقين, الذين اتقوا الله فخافوا عقابه, فجدوا في طاعته, وحذروا معاصيه خاصة دون غيرهم من خلق الله.كما حدثنا بشر, قال: ثنا يزيد, قال: ثنا سعيد, عن قتادة ( وَالآخِرَةُ عِنْدَ رَبِّكَ لِلْمُتَّقِينَ ) خصوصا.-----------------الهوامش :(1) يظهر أن هذا مكرر .

وَمَن يَعْشُ عَن ذِكْرِ ٱلرَّحْمَٰنِ نُقَيِّضْ لَهُۥ شَيْطَٰنًا فَهُوَ لَهُۥ قَرِينٌ (36)


القول في تأويل قوله تعالى : وَمَنْ يَعْشُ عَنْ ذِكْرِ الرَّحْمَنِ نُقَيِّضْ لَهُ شَيْطَانًا فَهُوَ لَهُ قَرِينٌ (36)يقول تعالى ذكره: ومن يعرض عن ذكر الله فلم يخف سطوته, ولم يخش عقابه ( نُقَيِّضْ لَهُ شَيْطَانًا فَهُوَ لَهُ قَرِينٌ ) يقول: نجعل له شيطانا يغويه فهو له قرين: يقول: فهو للشيطان قرين, أي يصير كذلك, وأصل العشو: النظر بغير ثبت لعلة في العين, يقال منه: عشا فلان يعشو عشوا وعشوّا: إذا ضعف بصره, وأظلمت عينه, كأن عليه غشاوة, كما قال الشاعر:مَتى تَأتِهِ تَعْشُو إلى ضَوْءِ نارِهِتَجِدْ حَطَبا جَزْلا وَنارًا تَأَجَّجا (2)يعني: متى تفتقر فتأته يعنك. وأما إذا ذهب البصر ولم يبصر, فإنه يقال فيه: عَشِيَ فلان يَعْشَى عَشًى منقوص, ومنه قول الأعشى?رأتْ رَجُلا غَائِبَ الوَافِدَيْنِمُخْتَلِفَ الخَلْقِ أعْشَى ضَرِيرا (3)يقال منه: رجل أعشى وامرأة عشواء. وإنما معنى الكلام: ومن لا ينظر في حجج الله بالإعراض منه عنه إلا نظرًا ضعيفًا, كنظر من قد عَشِيَ بصره ( نُقَيِّضْ لَهُ شَيْطَانًا ). وبنحو الذي قلنا في ذلك قال أهل التأويل.* ذكر من قال ذلك:حدثنا بشر, قال: ثنا يزيد, قال: ثنا سعيد, عن قتادة, قوله: ( وَمَنْ يَعْشُ عَنْ ذِكْرِ الرَّحْمَنِ نُقَيِّضْ لَهُ شَيْطَانًا ) يقول: إذا أعرض عن ذكر الله نقيض له شيطانا( فَهُوَ لَهُ قَرِينٌ ).حدثنا محمد, قال: ثنا أحمد, قال: ثنا أسباط, عن السديّ, في قوله: ( وَمَنْ يَعْشُ عَنْ ذِكْرِ الرَّحْمَنِ ) قال: يعرض.وقد تأوّله بعضهم بمعنى. ومن يعمَ, ومن تأوّل ذلك كذلك, فيحب أن تكون قراءته ( وَمَنْ يَعْشَ ) بفتح الشين على ما بيَّنت قيل.* ذكر من تأوّله كذلك: حدثني يونس, قال: أخبرنا ابن وهب, قال: قال ابن زيد, في قوله: ( وَمَنْ يَعْشُ عَنْ ذِكْرِ الرَّحْمَنِ ) قال: من يعمَ عن ذكر الرحمن.

وَإِنَّهُمْ لَيَصُدُّونَهُمْ عَنِ ٱلسَّبِيلِ وَيَحْسَبُونَ أَنَّهُم مُّهْتَدُونَ (37)


وقوله: ( وَإِنَّهُمْ لَيَصُدُّونَهُمْ عَنِ السَّبِيلِ ) يقول تعالى ذكره: وإن الشياطين ليصدّون هؤلاء الذين يعشون عن ذكر الله, عن سبيل الحقّ, فيزينون لهم الضلالة, ويكرهون إليهم الإيمان بالله, والعمل بطاعته ( وَيَحْسَبُونَ أَنَّهُمْ مُهْتَدُونَ ) يقول: ويظن المشركون بالله بتحسين الشياطين لهم ما هم عليه من الضلالة, أنهم على الحق والصواب, يخبر تعالى ذكره عنهم أنهم من الذي هم عليه من الشرك على شكّ وعلى غير بصيرة. وقال جلّ ثناؤه: ( وَإِنَّهُمْ لَيَصُدُّونَهُمْ عَنِ السَّبِيلِ ) فأخرج ذكرهم مخرج ذكر الجميع, وإنما ذُكر قبل واحدا, فقال: ( نُقَيِّضْ لَهُ شَيْطَانًا ) لأن الشيطان وإن كان لفظه واحدا, ففي معنى جمع.--------------------الهوامش :(2) هذا بيت مركب من شطرين من بيتين مختلفين ؛ فصدره للحطيئة من قصدية مدح بها بغيض بن عامر بن شماس بن لأي بن أنف الناقة التميمي. وعجزه من بيت لعبد بن الحر من قصيدة قالها وهو في حبس مصعب بن الزبير في الكوفة وبيت الحطيئة بتمامه كما في ( خزانة الأدب الكبير للبغدادي 3 : 662 ) :مَتى تَأْتِهِ تَعْشُو إلى ضَوْءِ نَارِهِتجِدْ خَيرَ نارٍ عِنْدَها خَيرُ مُوقِدِوبيت عبد الله بن الحر بتمامه هو ، كما في ( الخزانة 3 : 663 ) :َتى تَأْتِنا تُلْمِمْ بِنا فِي دِيارِناتَجِدْ حَطَبا جَزْلا وناراً تَأجَّجاواستشهد المؤلف بالبيت عند قوله تعالى : ( ومن يعش عن ذكر الرحمن ) . قال أبو عبيدة في مجاز القرآن ( الورقة 220 ) : أي تظلم عينه عنه ، كأن عليها غشاوة . وقال الفراء في معاني القرآن ( الورقة 295) : يريد : ومن يعرض عنه . ومن قرأها (ومن يعش ) فتح الشين ، فمعناه : من يعم عنه . وقال القتيبي ( اللسان : عشي ) معنى قوله ( ومن يعش عن ذكر الرحمن ) أي يظلم بصره . قال : وهذا قول أبي عبيدة . ثم ذهب يرد قول الفراء ويقول : لم أر أحداً يجيزه : عشوت عن الشيء : أعرضت عنه . إنما يقال : تعايشت عن الشيء : أي تغافلت عنه ، كأني لم أره . وكذلك تعاميت . قال : وعشوت إلى النار : أي استدللت عليها ببصر ضعيف . وقال الأزهري يرد كلام ابن قتيبة : أغفل القتيبي موضع الصواب ، واعترض مع غفلته على الفراء . والعرب تقول : عشوت إلى النار أعشو عشوا ، أي قصدتها مهتديا . وعشوت عنها : أي أعرضت عنها . فيفرقون بين إلى وعن موصولين بالفعل . ا ه .(3) البيت لأعشى بن قيس بن ثعلبة ، ميمون بن قيس ( ديوانه طبع القاهرة 95 ) الضمير في رأت يعود على امرأة ذكرها من أول القصيدة ، وسماها ليلى . والوافدان : العينان . ومختلف الخلق : غيرته السن والأحداث عما عهدته عليه من النضرة والقوة . والأعشى الذي به سوء في عينيه ، أو هو الذي لا يبصر ليلاً ، أو هو الأعمى . وهو الأقرب لقوله بعده" ضريرا" . وفعله عشي يعشى عشى ، مثل عمي يعمى . وهو غير عشا إلى الشيء يعشو إذا نظر إليه وأقبل عليه ؛ أو عشا عنه يعشو عشا : إذا أعرض عنه ؛ كما بيناه في الشاهد الذي قبله . ا ه .

حَتَّىٰٓ إِذَا جَآءَنَا قَالَ يَٰلَيْتَ بَيْنِى وَبَيْنَكَ بُعْدَ ٱلْمَشْرِقَيْنِ فَبِئْسَ ٱلْقَرِينُ (38)


القول في تأويل قوله تعالى : حَتَّى إِذَا جَاءَنَا قَالَ يَا لَيْتَ بَيْنِي وَبَيْنَكَ بُعْدَ الْمَشْرِقَيْنِ فَبِئْسَ الْقَرِينُ (38)اختلفت القرّاء في قراءة قوله: ( حَتَّى إِذَا جَاءَنَا ) فقرأته عامة قرّاء الحجاز سوى ابن محيصن, وبعض الكوفيين وبعض الشاميين " حتى إذا جاءنا " على التوحيد بمعنى: حتى إذا جاءنا هذا الذي عَشِي عن ذكر الرحمن, وقرينه الذي قيض له من الشياطين. وقرأ ذلك عامة قرّاء الكوفة والبصرة وابن محيصن: ( حَتَّى إِذَا جَاءَنَا ) على التوحيد, بمعنى: حتى إذا جاءنا هذا العاشي من بني آدم عن ذكر الرحمن.والصواب من القول في ذلك عندنا أنهما قراءتان متقاربتا المعنى وذلك أن في خبر الله تبارك وتعالى عن حال أحد الفريقين عند مقدمه عليه فيما أقرنا فيه في الدنيا, الكفاية للسامع عن خبر الآخر, إذ كان الخبر عن حال أحدهما معلوما به خبر حال الآخر, وهما مع ذلك قراءتان مستفيضتان في قرءة الأمصار, فبأيتهما قرأ القارئ فمصيب.وبنحو الذي قلنا في ذلك قال أهل التأويل.* ذكر من قال ذلك:حدثنا بشر, قال: ثنا يزيد, قال: ثنا سعيد, عن قتادة: حتى إذَا جاءنا هو وقرينه جميعا.وقوله: ( يَا لَيْتَ بَيْنِي وَبَيْنَكَ بُعْدَ الْمَشْرِقَيْنِ ) يقول تعالى ذكره: قال أحد هذين القرينين لصاحبه الآخر: وددت أن بيني وبينك بعد المشرقين: أى بعد ما بين المشرق والمغرب, فغلب اسم أحدهما على الآخر, كما قيل: شبه القمرين, وكما قال الشاعر?أخَذْنا بآفاقِ السَّمَاءِ عَلَيْكُمُلنَا قَمَرَاهَا والنُّجُومُ الطَّوَالِعُ (4)وكما قال الآخر?فَبَصْرَةُ الأزْدِ مِنَّا والعِرَاقُ لنَاوالمَوْصِلانِ وَمِنَّا مِصْرُ والحَرَمُ (5)يعني: الموصل والجزيرة, فقال: الموصلان, فغلب الموصل.وقد قيل: عنى بقوله ( بُعْدَ الْمَشْرِقَيْنِ ) : مشرق الشتاء, ومشرق الصيف, وذلك أن الشمس تطلع في الشتاء من مشرق, وفي الصيف من مشرق غيره; وكذلك المغرب تغرب في مغربين مختلفين, كما قال جلّ ثناؤه: رَبُّ الْمَشْرِقَيْنِ وَرَبُّ الْمَغْرِبَيْنِ .وذُكر أن هذا قول أحدهما لصاحبه عند لزوم كل واحد منهما صاحبه حتى يورده جهنم.* ذكر من قال ذلك:حدثنا ابن عبد الأعلى, قال: ثنا ابن ثور, عن معمر, عن سعيد الجريري, قال: بلغني أن الكافر إذا بُعث يوم القيامة من قبره, سفع بيده الشيطان, فلم يفارقه حتى يصيرهما الله إلى النار, فذلك حين يقول: يا ليت بيني وبينك بعد المشرقين, فبئس القرين. وأما المؤمن فيوكَّل به ملك فهو معه حتى قال: إما يفصل بين الناس, أو نصير إلى ما شاء الله.-----------------الهوامش :(4) البيت للفرزدق ( ديوانه طبعة الصاوي 519 ) . قال : وقمراها : الشمس والقمر ، ثناهما تغليبا . ورواه المبرد في الكامل :" أخذنا بأطراف" في موضع ، ورواه في آخر بآفاق . ا ه . واستشهد به المؤلف عند قوله تعالى : (يا ليت بيني وبينك بعد المشرقين) : أي بعد ما بين المشرق والمغرب . وأخذ كلامه من كلام الفراء في معاني القرآن ( الورقة 295 ) قال الفراء : يريد ما بين مشرق الشتاء ومشرق الصيف . ويقال إنه أراد المشرق والمغرب ، فقال المشرقين ، وهو أشبه الوجهين بالصواب ؛ لأن العرب قد تجمع الاسمين ، على تسمية أشهرهما فيقال : جاءك الزهدمان ، وإنما أحدهما زهم ( أي والآخر : كردم العبسيان كما تقدم في شاهد سابق ) وقال الشاعر :" أخذنا بآفاق السماء ..." البيت .(5) هذا الشاهد في معنى الذي قبله . استشهد به الفراء أيضا في معاني القرآن كسابقه ، على أن الشيئين المختلفي اللفظ ، قد يجمعان بلفظ واحد ، فيقال البصرتان ، البصرة والكوفة ، والموصلان للموصل والجزيرة . وكل هذا من باب تغليب الأشهر من اللفظين على الآخر . قال : وأنشدني رجل من طيئ :" فبصرة الأزد منا ..." البيت ، يريد الجزيرة والموصل .

وَلَن يَنفَعَكُمُ ٱلْيَوْمَ إِذ ظَّلَمْتُمْ أَنَّكُمْ فِى ٱلْعَذَابِ مُشْتَرِكُونَ (39)


وقوله: ( وَلَنْ يَنْفَعَكُمُ الْيَوْمَ ) أيها العاشون عن ذكر الله في الدنيا( إِذْ ظَلَمْتُمْ أَنَّكُمْ فِي الْعَذَابِ مُشْتَرِكُونَ ) يقول: لن يخفف عنكم اليوم من عذاب الله اشتراككم فيه, لأن لكل واحد منكم نصيبه منه, و " أنَّ" من قوله ( أنَّكُمْ ) في موضع رفع لما ذكرت أن معناه: لن ينفعكم اشتراككم.

أَفَأَنتَ تُسْمِعُ ٱلصُّمَّ أَوْ تَهْدِى ٱلْعُمْىَ وَمَن كَانَ فِى ضَلَٰلٍ مُّبِينٍ (40)


القول في تأويل قوله تعالى : أَفَأَنْتَ تُسْمِعُ الصُّمَّ أَوْ تَهْدِي الْعُمْيَ وَمَنْ كَانَ فِي ضَلالٍ مُبِينٍ (40)يقول تعالى ذكره لنبيه محمد صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسَلَّم: ( أَفَأَنْتَ تُسْمِعُ الصُّمَّ ) : من قد سلبه الله استماع حججه التي احتجّ بها في هذا الكتاب فأصمه عنه, أو تهدي إلى طريق الهدى من أعمى الله قلبه عن إبصاره, واستحوذ عليه الشيطان, فزين له الردى ( وَمَنْ كَانَ فِي ضَلالٍ مُبِينٍ ) يقول: أو تهدي من كان في جور عن قصد السبيل, سالك غير سبيل الحقّ, قد أبان ضلاله أنه عن الحقّ زائل, وعن قصد السبيل جائر: يقول جلّ ثناؤه: ليس ذلك إليك, إنما ذلك إلى الله الذي بيده صرف قلوب خلقه كيف شاء, وإنما أنت منذر, فبلغهم النذارة.

فَإِمَّا نَذْهَبَنَّ بِكَ فَإِنَّا مِنْهُم مُّنتَقِمُونَ (41)


وقوله: ( فَإِمَّا نَذْهَبَنَّ بِكَ فَإِنَّا مِنْهُمْ مُنْتَقِمُونَ ) اختلف أهل التأويل في المعنيين بهذا الوعيد, فقال بعضهم: عني به أهل الإسلام من أمة نبينا عليه الصلاة والسلام .* ذكر من قال ذلك:حدثنا سوار بن عبد الله العنبري, قال: ثني أبي, عن أبي الأشهب, عن الحسن, في قوله: ( فَإِمَّا نَذْهَبَنَّ بِكَ فَإِنَّا مِنْهُمْ مُنْتَقِمُونَ ) قال: لقد كانت بعد نبي الله نقمة شديدة, فأكرم الله جلّ ثناؤه نبيه صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسَلَّم أن يريه في أمته ما كان من النقمة بعده.حدثنا بشر, قال: ثنا يزيد, قال: ثنا سعيد, عن قتادة, قوله: ( فَإِمَّا نَذْهَبَنَّ بِكَ فَإِنَّا مِنْهُمْ مُنْتَقِمُونَ ) فذهب الله بنبيه صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسَلَّم, ولم ير في أمته إلا الذي تقرّ به عينه, وأبقى الله النقمة بعده, وليس من نبيّ إلا وقد رأى في أمته العقوبة, أو قال ما لا يشتهي. ذُكر لنا أن النبيّ صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسَلَّم أُري الذي لقيت أمته بعده, فما زال منقبضا ما انبسط ضاحكا حتى لقي الله تبارك وتعالى.حدثنا ابن عبد الأعلى, قال: ثنا ابن ثور, عن معمر, قال: تلا قتادة ( فَإِمَّا نَذْهَبَنَّ بِكَ فَإِنَّا مِنْهُمْ مُنْتَقِمُونَ ) فقال: ذهب النبيّ صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسَلَّم وبقيت النقمة, ولم ير الله نبيه صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسَلَّم في أمته شيئا يكرهه حتى مضى, ولم يكن نبيّ قطّ إلا رأى العقوبة في أمته, إلا نبيكم صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسَلَّم. قال: وذُكر لنا أن النبي صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسَلَّم أري ما يصيب أمته بعده, فما رئي ضاحكا منبسطا حتى قبضه الله.وقال آخرون: بل عنى به أهل الشرك من قريش, وقالوا: قد أري الله نبيه عليه الصلاة والسلام فيهم.* ذكر من قال ذلك:حدثنا محمد, قال: ثنا أحمد, قال: ثنا أسباط, عن السديّ, في قوله: ( فَإِمَّا نَذْهَبَنَّ بِكَ فَإِنَّا مِنْهُمْ مُنْتَقِمُونَ ) كما انتقمنا من الأمم الماضية.

أَوْ نُرِيَنَّكَ ٱلَّذِى وَعَدْنَٰهُمْ فَإِنَّا عَلَيْهِم مُّقْتَدِرُونَ (42)


( أَوْ نُرِيَنَّكَ الَّذِي وَعَدْنَاهُمْ ) فقد أراه الله ذلك وأظهره عليه. وهذا القول الثاني أولى التأويلين في ذلك بالصواب وذلك أن ذلك في سياق خبر الله عن المشركين فلأن يكون ذلك تهديدا لهم أولى من أن يكون وعيدا لمن لم يجر له ذكر. فمعنى الكلام إذ كان ذلك كذلك: فإن نذهب بك يا محمد من بين أظهر هؤلاء المشركين, فنخرجك من بينهم ( فَإِنَّا مِنْهُمْ مُنْتَقِمُونَ ), كما فعلنا ذلك بغيرهم من الأمم المكذّبة رسلها.( أَوْ نُرِيَنَّكَ الَّذِي وَعَدْنَاهُمْ ) يا محمد من الظفر بهم, وإعلائك عليهم ( فَإِنَّا عَلَيْهِمْ مُقْتَدِرُونَ ) أن نظهرك عليهم, ونخزيهم بيدك وأيدي المؤمنين بك.

فَٱسْتَمْسِكْ بِٱلَّذِىٓ أُوحِىَ إِلَيْكَ إِنَّكَ عَلَىٰ صِرَٰطٍ مُّسْتَقِيمٍ (43)


القول في تأويل قوله تعالى : فَاسْتَمْسِكْ بِالَّذِي أُوحِيَ إِلَيْكَ إِنَّكَ عَلَى صِرَاطٍ مُسْتَقِيمٍ (43)يقول تعالى ذكره لنبيه محمد صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسَلَّم: فتمسك يا محمد بما يأمرك به هذا القرآن الذي أوحاه إليك ربك,( إِنَّكَ عَلَى صِرَاطٍ مُسْتَقِيمٍ ) و منهاج سديد, وذلك هو دين الله الذي أمر به, وهو الإسلام.كما حدثنا بشر, قال: ثنا يزيد, قال: ثنا سعيد, عن قتادة, قوله: ( فَاسْتَمْسِكْ بِالَّذِي أُوحِيَ إِلَيْكَ إِنَّكَ عَلَى صِرَاطٍ مُسْتَقِيمٍ ) : أي الإسلام.حدثنا محمد, قال: ثنا أحمد, قال: ثنا أسباط, عن السديّ( فَاسْتَمْسِكْ بِالَّذِي أُوحِيَ إِلَيْكَ إِنَّكَ عَلَى صِرَاطٍ مُسْتَقِيمٍ ).

وَإِنَّهُۥ لَذِكْرٌ لَّكَ وَلِقَوْمِكَ وَسَوْفَ تُسْـَٔلُونَ (44)


وقوله: ( وَإِنَّهُ لَذِكْرٌ لَكَ وَلِقَوْمِكَ ) يقول تعالى ذكره: وإن هذا القرآن الذي أوحي إليك يا محمد الذي أمرناك أن تستمسك به لشرف لك ولقومك من قريش ( وَسَوْفَ تُسْأَلُون ) يقول: وسوف يسألك ربك وإياهم عما عملتم فيه, وهل عملتم بما أمركم ربكم فيه, وانتهيتم عما نهاكم عنه فيه؟.وبنحو الذي قلنا في تأويل ذلك قال أهل التأويل.* ذكر من قال ذلك:حدثني عليّ, قال: ثنا أبو صالح, قال: ثنا معاوية, عن عليّ, عن ابن عباس: قوله: ( وَإِنَّهُ لَذِكْرٌ لَكَ وَلِقَوْمِكَ ) يقول: إن القرآن شرف لك.حدثني عمرو بن مالك, قال: ثنا سفيان, عن ابن أبي نجيح, عن مجاهد, في قوله: ( وَإِنَّهُ لَذِكْرٌ لَكَ وَلِقَوْمِكَ ) قال: يقول للرجل: من أنت؟ فيقول: من العرب, فيقال: من أيّ العرب؟ فيقول: من قريش.حدثنا بشر, قال: ثنا يزيد, قال: ثنا سعيد, عن قتادة ( وَإِنَّهُ لَذِكْرٌ لَكَ وَلِقَوْمِكَ ) وهو هذا القرآن.حدثنا محمد, قال: ثنا أحمد, قال: ثنا أسباط, عن السديّ( وَإِنَّهُ لَذِكْرٌ لَكَ وَلِقَوْمِكَ ) قال: شرف لك ولقومك, يعني القرآن.حدثني يونس, قال: أخبرنا ابن وهب, قال: قال ابن زيد, في قوله: ( وَإِنَّهُ لَذِكْرٌ لَكَ وَلِقَوْمِكَ ) قال: أولم تكن النبوّة والقرآن الذي أنزل على نبيه صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسَلَّم ذكرا له ولقومه.

وَسْـَٔلْ مَنْ أَرْسَلْنَا مِن قَبْلِكَ مِن رُّسُلِنَآ أَجَعَلْنَا مِن دُونِ ٱلرَّحْمَٰنِ ءَالِهَةً يُعْبَدُونَ (45)


القول في تأويل قوله تعالى : وَاسْأَلْ مَنْ أَرْسَلْنَا مِنْ قَبْلِكَ مِنْ رُسُلِنَا أَجَعَلْنَا مِنْ دُونِ الرَّحْمَنِ آلِهَةً يُعْبَدُونَ (45)اختلف أهل التأويل في معنى قوله: ( وَاسْأَلْ مَنْ أَرْسَلْنَا مِنْ قَبْلِكَ مِنْ رُسُلِنَا ) ومن الذين أمر رسول الله صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسَلَّم بمسألتهم ذلك, فقال بعضهم الذين أمر بمسألتهم ذلك رسول الله صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسَلَّم, مؤمنو أهل الكتابين: التوراة, والإنجيل.* ذكر من قال ذلك:حدثني عبد الأعلى بن واصل, قال: ثنا يحيى بن آدم, عن ابن عيينة, عن ابن أبي نجيح, عن مجاهد قال: في قراءة عبد الله بن مسعود " وَاسأَلْ الَّذِينَ أرْسَلْنا إلَيْهِمْ قَبْلَكَ رُسُلنا ".حدثنا محمد, قال: ثنا أحمد, قال: ثنا أسباط, عن السديّ( وَاسْأَلْ مَنْ أَرْسَلْنَا مِنْ قَبْلِكَ مِنْ رُسُلِنَا ) إنها قراءة عبد الله: " سل الذين أرسلنا إليهم قبلك رسلنا ".حدثنا بشر, قال: ثنا يزيد, قال: ثنا سعيد, عن قتادة ( وَاسْأَلْ مَنْ أَرْسَلْنَا مِنْ قَبْلِكَ مِنْ رُسُلِنَا ) يقول: سل أهل التوراة والإنجيل: هل جاءتهم الرسل إلا بالتوحيد أن يوحدوا الله وحده؟ قال: وفي بعض القراءة: " واسأل الذين أرسلنا إليهم رسلنا قبلك ".( أَجَعَلْنَا مِنْ دُونِ الرَّحْمَنِ آلِهَةً يُعْبَدُونَ ).حدثنا ابن عبد الأعلى, قال: ثنا ابن ثور, عن معمر, عن قتادة في بعض الحروف " واسْأَلْ الَّذِينَ أَرْسَلْنا إِلَيْهِمْ قَبْلَكَ مِنْ رُسُلِنا " سل أهل الكتاب: أما كانت الرسل تأتيهم بالتوحيد؟ أما كانت تأتي بالإخلاص؟.حُدثت عن الحسين, قال: سمعت أبا معاذ يقول: ثنا عبيد, قال: سمعت الضحاك يقول: في قوله: ( وَاسْأَلْ مَنْ أَرْسَلْنَا مِنْ قَبْلِكَ مِنْ رُسُلِنَا ) في قراءة ابن مسعود " سَلِ الَّذِينَ يَقْرَءُونَ الكِتَابَ مِنْ قَبْلِكَ" يعني: مؤمني أهل الكتاب.وقال آخرون: بل الذي أمر بمسألتهم ذلك الأنبياء الذين جُمِعوا له ليلة أُسرِي به ببيت المقدس.* ذكر من قال ذلك:حدثني يونس, قال: أخبرنا ابن وهب, قال: قال ابن زيد, في قوله: ( وَاسْأَلْ مَنْ أَرْسَلْنَا مِنْ قَبْلِكَ )... الآية, قال: جمعوا له ليلة أُسري به ببيت المقدس, فأمهم, وصلى بهم, فقال الله له: سلهم, قال: فكان أشدّ إيمانا ويقينا بالله وبما جاء من الله أن يسألهم, وقرأ فَإِنْ كُنْتَ فِي شَكٍّ مِمَّا أَنْزَلْنَا إِلَيْكَ فَاسْأَلِ الَّذِينَ يَقْرَءُونَ الْكِتَابَ مِنْ قَبْلِكَ قال: فلم يكن فى شكّ, ولم يسأل الأنبياء, ولا الذين يقرءون الكتاب. قال: ونادى جبرائيل صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسَلَّم, فقلت في نفسي: " الآن يؤمنا أبونا إبراهيم "; قال: " فدفع جبرائيل في ظهري", قال: تقدم يا محمد فصلّ, وقرأ سُبْحَانَ الَّذِي أَسْرَى بِعَبْدِهِ لَيْلا مِنَ الْمَسْجِدِ الْحَرَامِ ... حتى بلغ لِنُرِيَهُ مِنْ آيَاتِنَا .وأولى القولين بالصواب في تأويل ذلك, قول من قال: عني به: سل مؤمني أهل الكتابين.فإن قال قائل: وكيف يجوز أن يقال: سل الرسل, فيكون معناه: سل المؤمنين بهم وبكتابهم؟ قيل: جاز ذلك من أجل أن المؤمنين بهم وبكتبهم أهل بلاغ عنهم ما أتوهم به عن ربهم, فالخبر عنهم وعما جاءوا به من ربهم إذا صحَّ بمعنى خبرهم, والمسألة عما جاءوا به بمعنى مسألتهم إذا كان المسئول من أهل العلم بهم والصدق عليهم, وذلك نظير أمر الله جلّ ثناؤه إيانا برد ما تنازعنا فيه إلى الله وإلى الرسول, يقول: فَإِنْ تَنَازَعْتُمْ فِي شَيْءٍ فَرُدُّوهُ إِلَى اللَّهِ وَالرَّسُولِ ومعلوم أن معنى ذلك: فردوه إلى كتاب الله وسنة رسوله, لأن الرد إلى ذلك رد إلى الله والرسول. وكذلك قوله: ( وَاسْأَلْ مَنْ أَرْسَلْنَا مِنْ قَبْلِكَ مِنْ رُسُلِنَا ) إنما معناه: فاسأل كتب الذين أرسلنا من قبلك من الرسل, فإنك تعلم صحة ذلك من قبلنا, فاستغنى بذكر الرسل من ذكر الكتب, إذ كان معلوما ما معناه.وقوله: ( أَجَعَلْنَا مِنْ دُونِ الرَّحْمَنِ آلِهَةً يُعْبَدُونَ ) يقول: أمرناهم بعبادة الآلهة من دون إلله فيما جاءوهم به, أو أتوهم بالأمر بذلك من عندنا.وبنحو الذي قلنا في ذلك قال أهل التأويل.* ذكر من قال ذلك:حدثنا محمد, قال: ثنا أحمد, قال: ثنا أسباط, عن السديّ( أَجَعَلْنَا مِنْ دُونِ الرَّحْمَنِ آلِهَةً يُعْبَدُونَ )؟ أتتهم الرسل يأمرونهم بعبادة الآلهة من دون الله؟ وقيل: ( آلِهَةً يُعْبَدُونَ ), فأخرج الخبر عن الآلهة مخرج الخبر عن ذكور بني آدم, ولم يقل: تعبد, ولا يعبدن, فتؤنث وهي حجارة, أو بعض الجماد كما يفعل في الخبر عن بعض الجماد. وإنما فعل ذلك كذلك, إذ كانت تعبد وتعظم تعظيم الناس ملوكهم وسراتهم, فأجري الخبر عنها مُجْرى الخبر عن المملوك والأشراف من بني آدم.

وَلَقَدْ أَرْسَلْنَا مُوسَىٰ بِـَٔايَٰتِنَآ إِلَىٰ فِرْعَوْنَ وَمَلَإِي۟هِۦ فَقَالَ إِنِّى رَسُولُ رَبِّ ٱلْعَٰلَمِينَ (46)


القول في تأويل قوله تعالى : وَلَقَدْ أَرْسَلْنَا مُوسَى بِآيَاتِنَا إِلَى فِرْعَوْنَ وَمَلَئِهِ فَقَالَ إِنِّي رَسُولُ رَبِّ الْعَالَمِينَ (46)يقول تعالى ذكره: ولقد أرسلنا يا محمد موسى بحججنا إلى فرعون وأشراف قومه, كما أرسلناك إلى هؤلاء المشركين من قومك, فقال لهم موسى: إني رسول رب العالمين, كما قلت أنت لقومك من قريش. إني رسول الله إليكم.

فَلَمَّا جَآءَهُم بِـَٔايَٰتِنَآ إِذَا هُم مِّنْهَا يَضْحَكُونَ (47)


( فَلَمَّا جَاءَهُمْ بِآيَاتِنَا إِذَا هُمْ مِنْهَا يَضْحَكُونَ ) يقول: فلما جاء موسى فرعون وملأه بحججنا وأدلتنا على صدق قوله, فيما يدعوهم إليه من توحيد الله والبراءة من عبادة الآلهة, إذا فرعون وقومه مما جاءهم به موسى من الآيات والعبر يضحكون; كما أن قومك مما جئتهم به من الآيات والعبر يسخرون, وهذا تسلية من الله عزّ وجلّ نبيه صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسَلَّم عما كان يلقى من مشركي قومه, وإعلام منه له, أن قومه من أهل الشرك لن يعدو أن يكونوا كسائر الأمم الذين كانوا على منهاجهم في الكفر بالله وتكذيب رسله, وندب منه نبيه صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسَلَّم إلى الاستنان في الصبر عليهم بسنن أولي العزم من الرسل, وإخبار منه له أن عقبى مردتهم إلى البوار والهلاك كسنته في المتمردين عليه قبلهم, وإظفاره بهم, وإعلائه أمره, كالذي فعل بموسى عليه السلام, وقومه الذين آمنوا به من إظهارهم على فرعون وملئه.

الصفحة السابقة الصفحة التالية