تفسير سورة الزخرف الصفحة 495 من القرآن الكريم

تفسير الصفحة رقم 495 من المصحف


إِنَّ ٱلْمُجْرِمِينَ فِى عَذَابِ جَهَنَّمَ خَٰلِدُونَ (74)


القول في تأويل قوله تعالى : إِنَّ الْمُجْرِمِينَ فِي عَذَابِ جَهَنَّمَ خَالِدُونَ (74)يقول تعالى ذكره ( إِنَّ الْمُجْرِمِينَ ) وهم الذين اجترموا في الدنيا الكفر بالله, فاجترموا به في الآخرة ( فِي عَذَابِ جَهَنَّمَ خَالِدُونَ ) يقول: هم فيه ماكثون.

لَا يُفَتَّرُ عَنْهُمْ وَهُمْ فِيهِ مُبْلِسُونَ (75)


لا يفتر عنهم, يقول: لا يخفف عنهم العذاب وأصل الفتور: الضعف ( وَهُمْ فِيهِ مُبْلِسُونَ ) يقول: وهم في عذاب جهنم مبلسون, والهاء في فيه من ذكر العذاب. ويذكر أن ذلك في قراءة عبد الله: " وَهُمْ فِيهَا مُبْلِسُونَ" والمعنى: وهم في جهنم مبلسون, والمبلس في هذا الموضع: هو الآيس من النجاة الذي قد قنط فاستسلم للعذاب والبلاء.وبنحو الذي قلنا في ذلك قال أهل التأويل.* ذكر من قال ذلك:حدثنا بشر, قال: ثنا يزيد, قال: ثنا سعيد, عن قتادة ( وَهُمْ فِيهِ مُبْلِسُونَ ) : أي مستسلمون.حدثنا ابن عبد الأعلى, قال: ثنا ابن ثور, عن معمر, عن قتادة, قوله: ( وَهُمْ فِيهِ مُبْلِسُونَ ) قال: آيسون.وقال آخرون بما حدثنا محمد, قال: ثنا أحمد, قال: ثنا أسباط, عن السديّ( وَهُمْ فِيهِ مُبْلِسُونَ ) متغير حالهم.وقد بينَّا فيما مضى معنى الإبلاس بشواهده, وذكر المختلفين فيه بما أغنى عن إعادته في هذا الموضع.

وَمَا ظَلَمْنَٰهُمْ وَلَٰكِن كَانُوا۟ هُمُ ٱلظَّٰلِمِينَ (76)


وقوله: ( وَمَا ظَلَمْنَاهُمْ وَلَكِنْ كَانُوا هُمُ الظَّالِمِينَ ) يقول تعالى ذكره: وما ظلمنا هؤلاء المجرمين بفعلنا بهم ما أخبرناكم أيها الناس أنا فعلنا بهم من التعذيب بعذاب جهنم ( وَلَكِنْ كَانُوا هُمُ الظَّالِمِينَ ) بعبادتهم في الدنيا غير من كان عليهم عبادته, وكفرهم بالله, وجحودهم توحيده.

وَنَادَوْا۟ يَٰمَٰلِكُ لِيَقْضِ عَلَيْنَا رَبُّكَ قَالَ إِنَّكُم مَّٰكِثُونَ (77)


القول في تأويل قوله تعالى : وَنَادَوْا يَا مَالِكُ لِيَقْضِ عَلَيْنَا رَبُّكَ قَالَ إِنَّكُمْ مَاكِثُونَ (77)يقول تعالى ذكره: ونادى هؤلاء المجرمون بعد ما أدخلهم الله جهنم, فنالهم فيها من البلاء ما نالهم, مالكا خازن جهنم ( يَا مَالِكُ لِيَقْضِ عَلَيْنَا رَبُّكَ ) قال: ليمتنا ربك, فيفرغ من إماتتنا, فذكر أن مالكا لا يجيبهم في وقت قيلهم له ذلك, ويدعهم ألف عام بعد ذلك, ثم يجيبهم, فيقول لهم: ( إِنَّكُمْ مَاكِثُونَ ).* ذكر من قال ذلك:حدثنا ابن بشار, قال: ثنا عبد الرحمن, قال: ثنا سفيان, عن عطاء بن السائب, عن أبي الحسن, عن ابن عباس ( وَنَادَوْا يَا مَالِكُ لِيَقْضِ عَلَيْنَا رَبُّكَ ) فأجابهم بعد ألف سنة ( إِنَّكُمْ مَاكِثُونَ ).حدثنا ابن حميد, قال: ثنا جرير, عن عطاء بن السائب, عن رجل من جيرانه يقال له الحسن, عن نوف في قوله: ( وَنَادَوْا يَا مَالِكُ لِيَقْضِ عَلَيْنَا رَبُّكَ ) قال: يتركهم مئة سنة مما تعدون, ثم يناديهم فيقول: يا أهل النار إنكم ماكثون.حدثنا محمد بن بشار, قال: ثنا ابن أبي عدي, عن سعيد, عن قتادة, عن عبد الله بن عمرو, قال: ( وَنَادَوْا يَا مَالِكُ لِيَقْضِ عَلَيْنَا رَبُّكَ ) قال: فخلى عنهم أربعين عاما لا يجيبهم, ثم أجابهم: ( إِنَّكُمْ مَاكِثُونَ ) : قالوا رَبَّنَا أَخْرِجْنَا مِنْهَا فَإِنْ عُدْنَا فَإِنَّا ظَالِمُونَ فخلى عنهم مثلي الدنيا, ثم أجابهم: اخْسَئُوا فِيهَا وَلا تُكَلِّمُونِ قال: فوالله ما نبس القوم بعد الكلمة, إن كان إلا الزفيرُ والشهيق.حدثنا بشر, قال: ثنا يزيد, قال: ثنا سعيد, عن قتادة, عن أبي أيوب الأزدي, عن عبد الله بن عمرو, قال: إن أهل جهنم يدعون مالكا أربعين عاما فلا يجيبهم, ثم يقول: ( إِنَّكُمْ مَاكِثُونَ ), ثم ينادون ربهم رَبَّنَا أَخْرِجْنَا مِنْهَا فَإِنْ عُدْنَا فَإِنَّا ظَالِمُونَ فيدعهم أو يخلي عنهم مثل الدنيا, ثم يردّ عليهم اخْسَئُوا فِيهَا وَلا تُكَلِّمُونِ قال: فما نبس القوم بعد ذلك بكلمة إن كان إلا الزفير والشهيق في نار جهنم.حدثنا ابن حميد, قال: ثنا حكام, عن عمرو, عن عطاء, عن الحسن, عن نوف ( وَنَادَوْا يَا مَالِكُ لِيَقْضِ عَلَيْنَا رَبُّكَ ) قال: يتركهم مئة سنة مما تعدّون, ثم ناداهم فاستجابوا له, فقال: إنكم ماكثون.حدثنا محمد, قال: ثنا أحمد, قال: ثنا أسباط عن السديّ, في قوله: ( وَنَادَوْا يَا مَالِكُ لِيَقْضِ عَلَيْنَا رَبُّكَ ) قال: مالك خازن النار, قال: فمكثوا ألف سنة مما تعدون, قال: فأجابهم بعد ألف عام: إنكم ماكثون.حدثني يونس, قال: أخبرنا ابن وهب, قال: قال ابن زيد, في قول الله تعالى ذكره: ( وَنَادَوْا يَا مَالِكُ لِيَقْضِ عَلَيْنَا رَبُّكَ ) قال: يميتنا, القضاء ههنا الموت, فأجابهم ( إِنَّكُمْ مَاكِثُونَ ).

لَقَدْ جِئْنَٰكُم بِٱلْحَقِّ وَلَٰكِنَّ أَكْثَرَكُمْ لِلْحَقِّ كَٰرِهُونَ (78)


وقوله: ( لَقَدْ جِئْنَاكُمْ بِالْحَقِّ ) يقول: لقد أرسلنا إليكم يا معشر قريش رسولنا محمدا بالحق.كما حدثني محمد, قال: ثنا أحمد, قال: ثنا أسباط, عن السديّ,( لَقَدْ جِئْنَاكُمْ بِالْحَقِّ ), قال: الذي جاء به محمد صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسَلَّم ( وَلَكِنَّ أَكْثَرَكُمْ لِلْحَقِّ كَارِهُونَ ) يقول تعالى ذكره: ولكن أكثرهم لما جاء به محمد صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسَلَّم من الحق كارهون.

أَمْ أَبْرَمُوٓا۟ أَمْرًا فَإِنَّا مُبْرِمُونَ (79)


القول في تأويل قوله تعالى : أَمْ أَبْرَمُوا أَمْرًا فَإِنَّا مُبْرِمُونَ (79)يقول تعالى ذكره: أم أبرم هؤلاء المشركون من قريش أمرا فأحكموه, يكيدون به الحقّ الذي جئناهم به, فإنا محكمون لهم ما يخزيهم, ويذلهم من النكال.وبنحو الذي قلنا في ذلك قال أهل التأويل.* ذكر من قال ذلك:حدثني محمد بن عمرو, قال: ثنا أبو عاصم, قال: ثنا عيسى; وحدثني الحارث, قال: ثنا الحسن, قال: ثنا ورقاء جميعا, عن ابن أبي نجيح, عن مجاهد, قوله: ( أَمْ أَبْرَمُوا أَمْرًا فَإِنَّا مُبْرِمُونَ ) قال: مجمعون: إن كادوا شرّا كدنا مثله.حدثنا ابن عبد الأعلى, قال: ثنا ابن ثور, عن معمر, عن قتادة, في قوله: ( أَمْ أَبْرَمُوا أَمْرًا فَإِنَّا مُبْرِمُونَ ) قال: أم أجمعوا أمرا فإنا مجمعون.حدثني يونس, قال: أخبرنا ابن وهب, قال: قال ابن زيد, في قوله: ( أَمْ أَبْرَمُوا أَمْرًا فَإِنَّا مُبْرِمُونَ ) قال: أم أحكموا أمرا فإنا محكمون لأمرنا.

أَمْ يَحْسَبُونَ أَنَّا لَا نَسْمَعُ سِرَّهُمْ وَنَجْوَىٰهُم بَلَىٰ وَرُسُلُنَا لَدَيْهِمْ يَكْتُبُونَ (80)


وقوله: ( أَمْ يَحْسَبُونَ أَنَّا لا نَسْمَعُ سِرَّهُمْ وَنَجْوَاهُمْ ) يقول: أم يظنّ هؤلاء المشركون بالله أنا لا نسمع ما أخفوا عن الناس من منطقهم, وتشاوروا بينهم وتناجوا به دون غيرهم, فلا نعاقبهم عليه لخفائه علينا.وقوله: ( بَلَى وَرُسُلُنَا لَدَيْهِمْ يَكْتُبُونَ ) يقول تعالى ذكره: بل نحن نعلم ما تناجوا به بينهم, وأخفوه عن الناس من سرّ كلامهم, وحفظتنا لديهم, يعني عندهم يكتبون ما نطقوا به من منطق, وتكلموا به من كلامهم.وذكر أن هذه الآية نزلت في نفر ثلاثة تدارءوا في سماع الله تبارك وتعالى كلام عباده.* ذكر من قال ذلك:حدثني عمرو بن سعيد بن يسار القرشيّ, قال: ثنا أبو قتيبة, قال: ثنا عاصم بن محمد العمريّ, عن محمد بن كعب القرظي, قال: بينا ثلاثة بين الكعبة وأستارها, قرشيان وثقفي, أو ثقفيان وقرشيّ, فقال واحد من الثلاثة: أترون الله يسمع كلامنا؟ فقال الأول: إذا جهرتم سمع, وإذا أسررتم لم يسمع, قال الثاني: إن كان يسمع إذا أعلنتم, فإنه يسمع إذا أسررتم, قال: فنزلت ( أَمْ يَحْسَبُونَ أَنَّا لا نَسْمَعُ سِرَّهُمْ وَنَجْوَاهُمْ بَلَى وَرُسُلُنَا لَدَيْهِمْ يَكْتُبُونَ ).وبنحو الذي قلنا في معنى قوله: ( بَلَى وَرُسُلُنَا لَدَيْهِمْ يَكْتُبُونَ ) قال أهل التأويل.* ذكر من قال ذلك:حدثني محمد, قال: ثنا أحمد, قال: ثنا أسباط, عن السديّ( بَلَى وَرُسُلُنَا لَدَيْهِمْ يَكْتُبُونَ ) قال: الحفَظة.حدثنا بشر, قال: ثنا يزيد, قال: ثنا سعيد. عن قتادة ( بَلَى وَرُسُلُنَا لَدَيْهِمْ يَكْتُبُونَ ) : أي عندهم.

قُلْ إِن كَانَ لِلرَّحْمَٰنِ وَلَدٌ فَأَنَا۠ أَوَّلُ ٱلْعَٰبِدِينَ (81)


القول في تأويل قوله تعالى : قُلْ إِنْ كَانَ لِلرَّحْمَنِ وَلَدٌ فَأَنَا أَوَّلُ الْعَابِدِينَ (81)اختلف أهل التأويل في تأويل قوله: ( قُلْ إِنْ كَانَ لِلرَّحْمَنِ وَلَدٌ فَأَنَا أَوَّلُ الْعَابِدِينَ ) فقال بعضهم: في معنى ذلك: قل يا محمد إن كان للرحمن ولد في قولكم وزعمكم أيها المشركون, فأنا أوّل المؤمنين بالله في تكذيبكم, والجاحدين ما قلتم من أن له ولدا.* ذكر من قال ذلك:حدثني محمد بن عمرو, قال: ثنا أبو عاصم, قال: ثنا عيسى; وحدثني الحارث, قال: ثنا الحسن, قال: ثنا ورقاء جميعا, عن ابن أبي نجيح, عن مجاهد ( قُلْ إِنْ كَانَ لِلرَّحْمَنِ وَلَدٌ ) كما تقولون ( فَأَنَا أَوَّلُ الْعَابِدِينَ ) المؤمنين بالله, فقولوا ما شئتم.حدثنا ابن عبد الأعلى, قال: ثنا ابن ثور, عن معمر, عن ابن أبي نجيح, عن مجاهد, في قوله: ( فَأَنَا أَوَّلُ الْعَابِدِينَ ) قال: قل إن كان لله ولد في قولكم, فأنا أول من عبد الله ووحده وكذّبكم.وقال آخرون: بل معنى ذلك: قل ما كان للرحمن ولد, فأنا أول العابدين له بذلك.* ذكر من قال ذلك:حدثني عليّ, قال: ثنا أبو صالح, قال: ثني معاوية, عن عليّ, عن ابن عباس, قوله: ( قُلْ إِنْ كَانَ لِلرَّحْمَنِ وَلَدٌ فَأَنَا أَوَّلُ الْعَابِدِينَ ) يقول: لم يكن للرحمن ولد فأنا أول الشاهدين.وقال آخرون: بل معنى ذلك نفي, ومعنى إن الجحد, وتأويل ذلك ما كان ذلك, ولا ينبغي أن يكون.* ذكر من قال ذلك:حدثنا بشر, قال: ثنا يزيد, قال: ثنا سعيد, عن قتادة, قوله: ( قُلْ إِنْ كَانَ لِلرَّحْمَنِ وَلَدٌ فَأَنَا أَوَّلُ الْعَابِدِينَ ) قال قتادة: وهذه كلمة من كلام العرب ( إِنْ كَانَ لِلرَّحْمَنِ وَلَدٌ ) : أي إن ذلك لم يكن, ولا ينبغي.حدثني يونس, قال: أخبرنا ابن وهب, قال: قال ابن زيد, في قوله: ( قُلْ إِنْ كَانَ لِلرَّحْمَنِ وَلَدٌ فَأَنَا أَوَّلُ الْعَابِدِينَ ) قال: هذا الإنكاف (1) ما كان للرحمن ولد, نكف الله أن يكون له ولد, وإن مثل " ما " إنما هي: ما كان للرحمن ولد, ليس للرحمن ولد, مثل قوله: وَإِنْ كَانَ مَكْرُهُمْ لِتَزُولَ مِنْهُ الْجِبَالُ إنما هي: ما كان مكرهم لتزول منه الجبال, فالذي أنزل الله من كتابه وقضاه من قضائه أثبت من الجبال, و " إن " هي" ما " إن كان ما كان تقول العرب: إن كان, وما كان الذي تقول. وفي قوله: ( فَأَنَا أَوَّلُ الْعَابِدِينَ ) أول من يعبد الله بالإيمان والتصديق أنه ليس للرحمن ولد على هذا أعبد الله.حدثني ابن عبد الرحيم البرقي, قال: ثنا عمرو بن أبي سلمة, قال: سألت ابن محمد, عن قول الله: ( إِنْ كَانَ لِلرَّحْمَنِ وَلَدٌ ) قال: ما كان.حدثني ابن عبد الرحيم البرقي, قال: ثنا عمرو, قال: سألت زيد بن أسلم, عن قول الله: ( قُلْ إِنْ كَانَ لِلرَّحْمَنِ وَلَدٌ ) قال: هذا قول العرب معروف, إن كان: ما كان, إن كان هذا الأمر قط, ثم قال: وقوله: وإن كان: ما كان.وقال آخرون: معنى " إن " في هذا الموضع معنى المجازاة, قالوا: وتأويل الكلام: لو كان للرحمن ولد, كنت أوّل من عبده بذلك.* ذكر من قال ذلك:حدثنا محمد, قال: ثنا أحمد, قال: ثنا أسباط, عن السديّ( قُلْ إِنْ كَانَ لِلرَّحْمَنِ وَلَدٌ فَأَنَا أَوَّلُ الْعَابِدِينَ ) قال: لو كان له ولد كنت أول من عبده بأن له ولدا, ولكن لا ولد له.وقال آخرون: معنى ذلك: قل إن كان للرحمن ولد, فأنا أوّل الآنفين ذلك, ووجهوا معنى العابدين إلى المنكرين الآبين, من قول العرب: قد عبِد فلان من هذا الأمر إذا أنف منه وغضب وأباه, فهو يعبد عبدا, كما قال الشاعر?ألا هَوِيَتْ أُمُّ الوَلِيدِ وأصْبَحَتْلِمَا أبْصَرَتْ فِي الرأس مِنِّي تَعَبَّدُ (2)وكما قال الآخر?مَتى ما يَشأْ ذُو الودّ يَصْرِمْ خَلِيلَهُوَيَعْبَدْ عَلَيْهْ لا محَالَةَ ظالِمَا (3)وقد حدثني يونس بن عبد الأعلى, قال: أخبرنا ابن وهب, ثني قال: ابن أبي ذئب, عن أبي قسيط, عن بعجة بن زيد الجهني, أن امرأة منهم دخلت على زوجها, وهو رجل منهم أيضا, فولدت له في ستة أشهر, فذكر ذلك لعثمان بن عفان رضي الله عنه فأمر بها أن تُرجم, فدخل عليه عليّ بن أبي طالب رضي الله عنه فقال: إن الله تبارك وتعالى يقول في كتابه: وَحَمْلُهُ وَفِصَالُهُ ثَلاثُونَ شَهْرًا وقال: وَفِصَالُهُ فِي عَامَيْنِ قال: فوالله ما عبِد عثمان أن بعث إليها تردّ. قال يونس, قال ابن وهب: عبد: استنكف.وأولى الأقوال في ذلك عندي بالصواب قول من قال: معنى: ( إنْ ) الشرط الذي يقتضي الجزاء على ما ذكرناه عن السديّ, وذلك أن " إن " لا تعدو في هذا الموضع أحد معنيين: إما أن يكون الحرف الذي هو بمعنى الشرط الذي يطلب الجزاء, أو تكون بمعنى الجحد, وهب إذا وجهت إلى الجحد لم يكن للكلام كبير معنى, لأنه يصير بمعنى: قل ما كان للرحمن ولد, وإذا صار بذلك المعنى أوهم أهل الجهل من أهل الشرك بالله أنه إنما نفى بذلك عن الله عزّ وجلّ أن يكون له ولد قبل بعض الأوقات, ثم أحدث له الولد بعد أن لم يكن, مع أنه لو كان ذلك معناه لقدر الذين أمر الله نبيَّهُ محمدا صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسَلَّم أن يقول لهم: ما كان للرحمن ولد, فأنا أول العابدين أن يقولوا له صدقت, وهو كما قلت, ونحن لم نزعم أنه لم يزل له ولد. وإنما قلنا: لم يكن له ولد, ثم خلق الجنّ فصاهرهم, فحدث له منهم ولد, كما أخبر الله عنهم أنهم كانوا يقولونه, ولم يكن الله تعالى ذكره ليحتجّ لنبيه صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسَلَّم وعلى مكذبيه من الحجة بما يقدرون على الطعن فيه, وإذ كان في توجيهنا " إن " إلى معنى الجحد ما ذكرنا, فالذي هو أشبه المعنيين بها الشرط. وإذ كان ذلك كذلك, فبينة صحة ما نقول من أن معنى الكلام: قل يا محمد لمشركي قومك الزاعمين أن الملائكة بنات الله: إن كان للرحمن ولد فأنا أول عابديه بذلك منكم, ولكنه لا ولد له, فأنا أعبده بأنه لا ولد له, ولا ينبغي أن يكون له.وإذا وجه الكلام إلى ما قلنا من هذا الوجه لم يكن على وجه الشكّ, ولكن على وجه الإلطاف من الكلام وحسن الخطاب, كما قال جلّ ثناؤه قُلِ اللَّهُ وَإِنَّا أَوْ إِيَّاكُمْ لَعَلَى هُدًى أَوْ فِي ضَلالٍ مُبِينٍ .وقد علم أن الحقّ معه, وأن مخالفيه في الضلال المبين.------------------------الهوامش:(1) في النهاية لابن الأثير : إنكاف الله من سوء : أي تنزيهه وتقديسه . وأنكفته : نزهته .(2) هذا شاهد لم أقف على قائله . استشهد به المؤلف عند قوله تعالى : ( فأنا أول العابدين ) . قال أبو عبيدة في تفسير الآية ( مجاز القرآن الورقة 221 ) : مجازها إن كان للرحمن ولد : إن في موضع ( ما ) في قول بعضهم : ما كان للرحمن ولد . والفاء : مجازها مجاز الواو . يريد : ما كان وأنا أول العابدين . وقال آخرون : مجازها : إن كان في قولكم للرحمن ولد ، فأنا أول العابدين : أي الكافرين بذاك ، والجاحدين لما قلتم . وهو من عبدت تعبد . ا ه . أي من باب علم يعلم . بمعنى أنف أو غضب أو كره الشيء . وتعبد في البيت: بمعنى تأنف أو تغضب ، وهو كعبد بمعنى أنف وغضب قال في ( اللسان : عبد ) : وتعبد : كعبد .(3) وهذا الشاهد أيضا لم أقف على قائله ، وهو بمعنى الشاهد الذي قبله ، استشهد به المؤلف على الآية نفسها ، يريد أن قول الشاعر : يعبد عليه هو مضارع عبد عليه كعلم : إذا غضب عليه . وفي ( اللسان : عبد ) والعبد ( كسبب) طول الغضب . قال الفراء : عبد عليه ، وأحن عليه ، أي غضب . وقال الغنوي : العبد : الحزن والوجد . قال الفرزدق .أولَئِكَ قَوْمِي إنْ هَجَوْتِي هَجَوْتُهُموَأَعْبَدُ أنْ أهْجُو كُلَيْبا بِدَارِمِأعبد : أي آنف . ا ه .

سُبْحَٰنَ رَبِّ ٱلسَّمَٰوَٰتِ وَٱلْأَرْضِ رَبِّ ٱلْعَرْشِ عَمَّا يَصِفُونَ (82)


وقوله: ( سُبْحَانَ رَبِّ السَّمَاوَاتِ وَالأرْضِ ) يقول تعالى ذكره تبرئة وتنزيها لمالك السموات والأرض ومالك العرش المحيط بذلك كله, وما في ذلك من خلق مما يصفه به هؤلاء المشركون من الكذب, ويضيفون إليه من الولد وغير ذلك من الأشياء التي لا ينبغي أن تضاف إليه.وبنحو الذي قلنا في ذلك قال أهل التأويل.* ذكر من قال ذلك:حدثنا بشر, قال: ثنا يزيد, قال: ثنا سعيد, عن قتادة, قوله: ( رَبِّ الْعَرْشِ عَمَّا يَصِفُونَ ) : أي يكذّبون.

فَذَرْهُمْ يَخُوضُوا۟ وَيَلْعَبُوا۟ حَتَّىٰ يُلَٰقُوا۟ يَوْمَهُمُ ٱلَّذِى يُوعَدُونَ (83)


القول في تأويل قوله تعالى : فَذَرْهُمْ يَخُوضُوا وَيَلْعَبُوا حَتَّى يُلاقُوا يَوْمَهُمُ الَّذِي يُوعَدُونَ (83)يقول تعالى ذكره: فذر يا محمد هؤلاء المفترين على الله, الواصفة بأن له ولدا يخوضوا في باطلهم, ويلعبوا في دنياهم ( حَتَّى يُلاقُوا يَوْمَهُمُ الَّذِي يُوعَدُونَ ) وذلك يوم يصليهم الله بفريتهم عليه جهنم, وهو يوم القيامة.كما حدثنا محمد, قال: ثنا أحمد, قال: ثنا أسباط, عن السديّ( حَتَّى يُلاقُوا يَوْمَهُمُ الَّذِي يُوعَدُونَ ) قال: يوم القيامة.

وَهُوَ ٱلَّذِى فِى ٱلسَّمَآءِ إِلَٰهٌ وَفِى ٱلْأَرْضِ إِلَٰهٌ وَهُوَ ٱلْحَكِيمُ ٱلْعَلِيمُ (84)


وقوله: ( وَهُوَ الَّذِي فِي السَّمَاءِ إِلَهٌ وَفِي الأرْضِ إِلَهٌ ) يقول تعالى ذكره: والله الذي له الألوهة في السماء معبود, وفي الأرض معبود كما هو في السماء معبود, لا شيء سواه تصلح عبادته; يقول تعالى ذكره: فأفردوا لمن هذه صفته العبادة, ولا تشركوا به شيئا غيره.وبنحو الذي قلنا في ذلك قال أهل التأويل.* ذكر من قال ذلك:حدثنا ابن عبد الأعلى, قال: ثنا ابن ثور, عن معمر, عن قتادة, في قوله: ( وَهُوَ الَّذِي فِي السَّمَاءِ إِلَهٌ وَفِي الأرْضِ إِلَهٌ ) قال: يُعبد في السماء, ويُعبد في الأرض.حدثنا بشر, قال: ثنا يزيد, قال: ثنا سعيد, عن قتادة, في قوله: ( وَهُوَ الَّذِي فِي السَّمَاءِ إِلَهٌ وَفِي الأرْضِ إِلَهٌ ) أي يُعبد في السماء وفي الأرض.وقوله: ( وَهُوَ الْحَكِيمُ الْعَلِيمُ ) يقول: وهو الحكيم في تدبير خلقه, وتسخيرهم لما يشاء, العليم بمصالحهم.

وَتَبَارَكَ ٱلَّذِى لَهُۥ مُلْكُ ٱلسَّمَٰوَٰتِ وَٱلْأَرْضِ وَمَا بَيْنَهُمَا وَعِندَهُۥ عِلْمُ ٱلسَّاعَةِ وَإِلَيْهِ تُرْجَعُونَ (85)


القول في تأويل قوله تعالى : وَتَبَارَكَ الَّذِي لَهُ مُلْكُ السَّمَاوَاتِ وَالأَرْضِ وَمَا بَيْنَهُمَا وَعِنْدَهُ عِلْمُ السَّاعَةِ وَإِلَيْهِ تُرْجَعُونَ (85)يقول تعالى ذكره, وتبارك الذي له سلطان السموات السبع والأرض, وما بينهما من الأشياء كلها, جار على جميع ذلك حكمه, ماض فيهم قضاؤه. يقول: فكيف يكون له شريكا من كان في سلطانه وحكمه فيه نافذ.( وَعِنْدَهُ عِلْمُ السَّاعَةِ ) يقول: وعنده علم الساعة التي تقوم فيها القيامة, ويُحشر فيها الخلق من قبورهم لموقف الحساب.قوله: ( وَإِلَيْهِ تُرْجَعُونَ ) يقول: وإليه أيها الناس تردّون من بعد مماتكم, فتصيرون إليه, فيجازي المحسن بإحسانه, والمسيء بإساءته.

وَلَا يَمْلِكُ ٱلَّذِينَ يَدْعُونَ مِن دُونِهِ ٱلشَّفَٰعَةَ إِلَّا مَن شَهِدَ بِٱلْحَقِّ وَهُمْ يَعْلَمُونَ (86)


القول في تأويل قوله تعالى : وَلا يَمْلِكُ الَّذِينَ يَدْعُونَ مِنْ دُونِهِ الشَّفَاعَةَ إِلا مَنْ شَهِدَ بِالْحَقِّ وَهُمْ يَعْلَمُونَ (86)اختلف أهل التأويل في تأويل ذلك, فقال بعضهم: معنى ذلك: ولا يملك عيسى وعُزير والملائكة الذين يعبدهم هؤلاء المشركون بالساعة, الشفاعة عند الله لأحد, إلا من شهد بالحقّ, فوحد الله وأطاعه, بتوحيد علم منه وصحة بما جاءت به رسله.* ذكر من قال ذلك:حدثني محمد بن عمرو, قال: ثنا أبو عاصم, قال: ثنا عيسى; وحدثني الحارث, قال: ثنا الحسن, قال: ثنا ورقاء جميعا, عن ابن أبي نجيح, عن مجاهد, قوله: ( وَلا يَمْلِكُ الَّذِينَ يَدْعُونَ مِنْ دُونِهِ الشَّفَاعَةَ ) قال: عيسى, وعُزير, والملائكة.قوله: ( إِلا مَنْ شَهِدَ بِالْحَقِّ ) قال: كلمة الإخلاص, وهم يعلمون أن الله حقّ, وعيسى وعُزير والملائكة يقول: لا يشفع عيسى وعُزير والملائكة إلا من شهد بالحقّ, وهو يعلم الحقّ.وقال آخرون: عني بذلك: ولا تملك الآلهة التي يدعوها المشركون ويعبدونها من دون الله الشفاعة إلا عيسى وعُزير وذووهما, والملائكة الذين شهدوا بالحقّ, فأقروا به وهم يعلمون حقيقة ما شهدوا به.* ذكر من قال ذلك:حدثنا بشر, قال: ثنا يزيد, قال: ثنا سعيد, عن قتادة ( وَلا يَمْلِكُ الَّذِينَ يَدْعُونَ مِنْ دُونِهِ الشَّفَاعَةَ إِلا مَنْ شَهِدَ بِالْحَقِّ وَهُمْ يَعْلَمُونَ ) : الملائكة وعيسى وعُزير, قد عُبِدوا من دون الله ولهم شفاعة عند الله ومنزلة.حدثنا ابن عبد الأعلى, قال: ثنا ابن ثور, عن معمر, عن قتادة ( إِلا مَنْ شَهِدَ بِالْحَقِّ ) قال: الملائكة وعيسى ابن مريم وعُزير, فإن لهم عند الله شهادة.وأولى الأقوال في ذلك بالصواب أن يقال: إن الله تعالى ذكره أخبر أنه لا يملك الذين يعبدهم المشركون من دون الله الشفاعة عنده لأحد, إلا من شهد بالحقّ, وشهادته بالحقّ: هو إقراره بتوحيد الله, يعني بذلك: إلا من آمن بالله, وهم يعلمون حقيقة توحيده, ولم يخصص بأن الذي لا يملك ملك الشفاعة منهم بعض من كان يعبد من دون الله, فذلك على جميع من كان تعبد قريش من دون الله يوم نزلت هذه الآية وغيرهم, وقد كان فيهم من يعبد من دون الله الآلهة, وكان فيهم من يعبد من دونه الملائكة وغيرهم, فجميع أولئك داخلون في قوله: ولا يملك الذين يدعو قريش وسائر العرب من دون الله الشفاعة عند الله. ثم استثنى جلّ ثناؤه بقوله: ( إِلا مَنْ شَهِدَ بِالْحَقِّ وَهُمْ يَعْلَمُونَ ) وهم الذين يشهدون شهادة الحقّ فيوحدون الله, ويخلصون له الوحدانية, على علم منهم ويقين بذلك, أنهم يملكون الشفاعة عنده بإذنه لهم بها, كما قال جلّ ثناؤه: وَلا يَشْفَعُونَ إِلا لِمَنِ ارْتَضَى فأثبت جلّ ثناؤه للملائكة وعيسى وعُزير ملكهم من الشفاعة ما نفاه عن الآلهة والأوثان باستثنائه الذي استثناه.

وَلَئِن سَأَلْتَهُم مَّنْ خَلَقَهُمْ لَيَقُولُنَّ ٱللَّهُ فَأَنَّىٰ يُؤْفَكُونَ (87)


القول في تأويل قوله تعالى : وَلَئِنْ سَأَلْتَهُمْ مَنْ خَلَقَهُمْ لَيَقُولُنَّ اللَّهُ فَأَنَّى يُؤْفَكُونَ (87)يقول تعالى ذكره: ولئن سألت يا محمد هؤلاء المشركين بالله من قومك: من خلقهم؟ ليقولنّ: الله خلقنا.( فَأَنَّى يُؤْفَكُونَ ) فأي وجه يصرفون عن عبادة الذي خلقهم, ويحرمون إصابة الحقّ في عبادته.

وَقِيلِهِۦ يَٰرَبِّ إِنَّ هَٰٓؤُلَآءِ قَوْمٌ لَّا يُؤْمِنُونَ (88)


وقوله: ( وَقِيلِهِ يَا رَبِّ إِنَّ هَؤُلاءِ قَوْمٌ لا يُؤْمِنُونَ ) اختلفت القرّاء في قراءة قوله:( وَقِيلِهِ ) فقرأته عامة قرّاء المدينة ومكة والبصرة " وَقِيلَهُ" بالنصب. وإذا قرئ كذلك ذلك, كان له وجهان في التأويل: أحدهما العطف على قوله: أَمْ يَحْسَبُونَ أَنَّا لا نَسْمَعُ سِرَّهُمْ وَنَجْوَاهُمْ ونسمع قيله يا رب. والثاني: أن يضمر له ناصب, فيكون معناه حينئذ: وقال قوله: ( يَا رَبِّ إِنَّ هَؤُلاءِ قَوْمٌ لا يُؤْمِنُونَ ) وشكا محمد شكواه إلى ربه. وقرأته عامة قرّاء الكوفة ( وقِيلِهِ ) بالخفض على معنى: وعنده علم الساعة, وعلم قيله.والصواب من القول في ذلك أنهما قراءتان مشهورتان في قراءة الأمصار صحيحتا المعنى فبأيتهما قرأ القارئ فمصيب. فتأويل الكلام إذن: وقال محمد قيله شاكيا إلى ربه تبارك وتعالى قومه الذين كذّبوه, وما يلقى منهم: يا ربّ إن هؤلاء الذين أمرتني بإنذارهم وأرسلتني إليهم لدعائهم إليك, قوم لا يؤمنون.كما حدثني محمد بن عمرو, قال: ثنا أبو عاصم, قال: ثنا عيسى; وحدثني الحارث, قال: ثنا الحسن, قال: ثنا ورقاء جميعا, عن ابن أبي نجيح, عن مجاهد, في قوله: ( وَقِيلِهِ يَارَبِّ إِنَّ هَؤُلاءِ قَوْمٌ لا يُؤْمِنُونَ ) قال: فأبرّ الله عزّ وجلّ قول محمد صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسَلَّم.حدثنا بشر, قال: ثنا يزيد, قال: ثنا سعيد, عن قتادة, قوله: ( وَقِيلِهِ يَارَبِّ إِنَّ هَؤُلاءِ قَوْمٌ لا يُؤْمِنُونَ ) قال: هذا قول نبيكم عليه الصلاة والسلام يشكو قومه إلى ربه.حدثنا ابن عبد الأعلى, قال: ثنا ابن ثور, عن معمر, عن قتادة ( وَقِيلِهِ يَارَبِّ ) قال: هو قول النبي صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسَلَّم ( إِنَّ هَؤُلاءِ قَوْمٌ لا يُؤْمِنُونَ ).

فَٱصْفَحْ عَنْهُمْ وَقُلْ سَلَٰمٌ فَسَوْفَ يَعْلَمُونَ (89)


القول في تأويل قوله تعالى : فَاصْفَحْ عَنْهُمْ وَقُلْ سَلامٌ فَسَوْفَ يَعْلَمُونَ (89)يقول تعالى ذكره لنبيه محمد صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسَلَّم, جوابا له عن دعائه إياه إذ قال: " يا ربّ إن هؤلاء قوم لا يؤمنون "( فَاصْفَحْ عَنْهُمْ ) يا محمد, وأعرض عن أذاهم ( وَقُلْ ) لهم ( سَلام ) عليكم ورفع سلام بضمير عليكم أو لكم.واختلف القرّاء في قراءة قوله: ( فَسَوْفَ يَعْلَمُونَ ) فقرأ ذلك عامة قرّاء المدينة " فَسَوْفَ تَعْلَمُونَ" بالتاء على وجه الخطاب, بمعنى: أمر الله عزّ وجلّ نبيه صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسَلَّم أن يقول ذلك للمشركين, مع قوله: ( سَلام ) وقرأته عامة قرّاء الكوفة وبعض قرّاء مكة ( فَسَوْفَ يَعْلَمُونَ ) بالياء على وجه الخبر, وأنه وعيد من الله للمشركين, فتأويله على هذه القراءة: ( فَاصْفَحْ عَنْهُمْ ) يا محمد ( وَقُلْ سَلام ). ثم ابتدأ تعالى ذكره الوعيد لهم, فقال ( فَسَوْفَ يَعْلَمُونَ ) ما يلقون من البلاء والنكال والعذاب على كفرهم, ثم نسخ الله جلّ ثناؤه هذه الآية, وأمر نبيَّه صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسَلَّم بقتالهم.كما حدثنا محمد بن عبد الأعلى, قال: ثنا ابن ثور, عن معمر, عن قتادة ( فَاصْفَحْ عَنْهُمْ وَقُلْ سَلامٌ ) قال: اصفح عنهم, ثم أمره بقتالهم.حدثنا بشر, قال: ثنا يزيد, قال: ثنا سعيد, عن قتادة, قال الله تبارك وتعالى يعزّي نبيه صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسَلَّم ( فاصفح عنهم وقل سلام فسوف يعلمون ).آخر تفسير سورة الزخرف

الصفحة السابقة