تفسير سورة الجاثية الصفحة 499 من القرآن الكريم

تفسير الصفحة رقم 499 من المصحف


بِسْمِ ٱللَّهِ ٱلرَّحْمَٰنِ ٱلرَّحِيمِ حمٓ (1)


القول في تأويل قوله تعالى : حم (1)قد تقدم بياننا في معنى قوله (حم) .

تَنزِيلُ ٱلْكِتَٰبِ مِنَ ٱللَّهِ ٱلْعَزِيزِ ٱلْحَكِيمِ (2)


وأما قوله: ( تَنزيلُ الْكِتَابِ مِنَ اللَّهِ ) فإن معناه: هذا تنزيل القرآن من عند الله (العَزِيزِ) في انتقامه من أعدائه (الحَكِيمِ) في تدبيره أمر خلقه.

إِنَّ فِى ٱلسَّمَٰوَٰتِ وَٱلْأَرْضِ لَءَايَٰتٍ لِّلْمُؤْمِنِينَ (3)


وقوله: ( إِنَّ فِي السَّمَاوَاتِ وَالأرْضِ لآيَاتٍ لِلْمُؤْمِنِينَ ) يقول تعالى ذكره: إن في السموات السبع اللاتي منهنّ نزول الغيث, والأرض التي منها خروج الخلق أيها الناس ( لآيَاتٍ لِلْمُؤْمِنِينَ ) يقول: لأدلة وحججا للمصدّقين بالحجج إذا تبيَّنوها ورأوها.

وَفِى خَلْقِكُمْ وَمَا يَبُثُّ مِن دَآبَّةٍ ءَايَٰتٌ لِّقَوْمٍ يُوقِنُونَ (4)


القول في تأويل قوله تعالى : وَفِي خَلْقِكُمْ وَمَا يَبُثُّ مِنْ دَابَّةٍ آيَاتٌ لِقَوْمٍ يُوقِنُونَ (4)يقول تعالى ذكره: وفى خلق الله إياكم أيها الناس, وخلقه ما تفرّق في الأرض من دابة تدّب عليها من غير جنسكم ( آيَاتٌ لِقَوْمٍ يُوقِنُونَ ) يعني: حججا وأدلة لقوم يوقنون بحقائق الأشياء, فيقرّون بها, ويعلمون صحتها.واختلفت القرّاء في قراءة قوله: ( آيَاتٌ لِقَوْمٍ يُوقِنُونَ ) وفي التي بعد ذلك فقرأ ذلك عامة قرّاء المدينة والبصرة وبعض قرّاء الكوفة (آياتٌ) رفعا على الابتداء, وترك ردّها على قوله لآيَاتٍ لِلْمُؤْمِنِينَ , وقرأته عامة قرّاء الكوفة (آياتٍ) خفضا بتأويل النصب ردّا على قوله لآيَاتٍ لِلْمُؤْمِنِينَ .وزعم قارئو ذلك كذلك من المتأخرين أنهم اختاروا قراءته كذلك, لأنه في قراءة أُبيّ في الآيات الثلاثة (لآياتٍ) باللام فجعلوا دخول اللام في ذلك في قراءته دليلا لهم على صحة قراءة جميعه بالخفض, وليس الذي اعتمدوا عليه من الحجة في ذلك بحجة, لأنه لا رواية بذلك عن أبيّ صحيحة, وأبيّ لو صحت به عنه رواية, ثم لم يُعلم كيف كانت قراءته بالخفض أو بالرفع لم يكن الحكم عليه بأنه كان يقرؤه خفضا, بأولى من الحكم عليه بأنه كان يقرؤه رفعا, إذ كانت العرب قد تدخل اللام في خبر المعطوف على جملة كلام تامّ قد عملت في ابتدائها " إن ", مع ابتدائهم إياه, كما قال حُمَيد بن ثَور الهِلاليّ:إنَّ الخِلافَةَ بَعْدَهُمْ لَذَميمَةٌوَخَلائِفٌ طُرُفٌ لَمِمَّا أحْقِرُ (1)فأدخل اللام في خبر مبتدأ بعد جملة خبر قد عملت فيه " إن " إذ كان الكلام, وإن ابتدئ منويا فيه إن.والصواب من القول في ذلك إن كان الأمر على ما وصفنا أن يقال: إن الخفض في هذه الأحرف والرفع قراءتان مستفيضتان في قراءة الأمصار قد قرأ بهما علماء من القرّاء صحيحتا المعنى, فبأيتهما قرأ القارئ فمصيب.------------------------الهوامش:(1) لم أجد البيت في ديوان حميد بن ثور الهلالي طبعة دار الكتب المصرية . والخلاف الطرف : هم الذين خلفوا بعد آبائهم القدماء . يقول : إن الخلافة بعد الخلفاء الأولين صارت ذميمة ، والخلفاء المحدثون محتقرون في عيني ، لأنهم لا يسلكون مسلك آبائهم . والشاهد في البيت أن الشاعر استأنف بالواو جملة من مبتدأ وخبر مرفوعين بعد الجملة الأولى التي مبتدؤها منصوب بأن ، وذلك كما في الآية : "إن في السموات والأرض لآيات للمؤمنين وفي خلقكم وما يبث من دابة آيات لقوم يوقنون" . ا . ه . وقال الفراء في معاني القرآن (الورقة 299) قوله " وفي خلقكم وما يبث من دابة آيات": تقرأ الآيات بالخفض، على تأويل النصب ، يرد على قوله "إن في السموات والأرض لآيات" . ويقوي الخفض فيها أنها في قراءة عبد الله بن مسعود : لآيات . وفي قراءة أُبي لآيات. والرفع قراءة الناس على الاستئناف فيما بعد أن . والعرب تقول : إن لي عليك مالا ، وعلى أخيك مال كثير ، فينصبون الثاني ويرفعونه وفي قراءة عبد الله : "وفي اختلاف الليل والنهار" فهذه تقوي خفض الاختلاف . ولو رفع رافع فقال: "واختلاف الليل والنهار آيات" أيضا ، يجعل الاختلاف آيات ، ولم نسمعه من أحد من القراء . قال : ولو رفع رافع الآيات وفيها اللام ، كان صوابا. قال : أنشدني الكسائي "إن الخلافة.." البيت.

وَٱخْتِلَٰفِ ٱلَّيْلِ وَٱلنَّهَارِ وَمَآ أَنزَلَ ٱللَّهُ مِنَ ٱلسَّمَآءِ مِن رِّزْقٍ فَأَحْيَا بِهِ ٱلْأَرْضَ بَعْدَ مَوْتِهَا وَتَصْرِيفِ ٱلرِّيَٰحِ ءَايَٰتٌ لِّقَوْمٍ يَعْقِلُونَ (5)


القول في تأويل قوله تعالى : وَاخْتِلافِ اللَّيْلِ وَالنَّهَارِ وَمَا أَنْزَلَ اللَّهُ مِنَ السَّمَاءِ مِنْ رِزْقٍ فَأَحْيَا بِهِ الأَرْضَ بَعْدَ مَوْتِهَا وَتَصْرِيفِ الرِّيَاحِ آيَاتٌ لِقَوْمٍ يَعْقِلُونَ (5)يقول تبارك وتعالى ( وَاخْتِلافِ اللَّيْلِ وَالنَّهَارِ ) أيها الناس, وتعاقبهما عليكم, هذا بظلمته وسواده وهذا بنوره وضيائه ( وَمَا أَنزلَ اللَّهُ مِنَ السَّمَاءِ مِنْ رِزْقٍ ) وهو الغيث الذي به تخرج الأرض أرزاق العباد وأقواتهم, وإحيائه الأرض بعد موتها: يقول: فأنبت ما أنزل من السماء من الغيْث ميت الأرض, حتى اهتزّت بالنبات والزرع من بعد موتها, يعني: من بعد جدوبها وقحوطها ومصيرها دائرة لا نبت فيها ولا زرع.وقوله ( وَتَصْرِيفِ الرِّيَاحِ ) يقول: وفي تصريفه الرياح لكم شمالا مرّة, وجنوبا أخرى, وصبًّا أحيانا, ودبورا أخرى لمنافعكم.وقد قيل: عنى بتصريفها بالرحمة مرّة, وبالعذاب أخرى.* ذكر من قال ذلك:حدثنا ابن عبد الأعلى, قال: ثنا ابن ثور, عن معمر, عن قتادة, في قوله ( وَتَصْرِيفِ الرِّيَاحِ ) قال: تصريفها إن شاء جعلها رحمة; وإن شاء جعلها عذابا.وقوله ( آيَاتٌ لِقَوْمٍ يَعْقِلُونَ ) يقول تعالى ذكره: في ذلك أدلة وحجج لله على خلقه, لقوم يعقلون عن الله حججه, ويفهمون عنه ما وعظهم به من الآيات والعبر.

تِلْكَ ءَايَٰتُ ٱللَّهِ نَتْلُوهَا عَلَيْكَ بِٱلْحَقِّ فَبِأَىِّ حَدِيثٍۭ بَعْدَ ٱللَّهِ وَءَايَٰتِهِۦ يُؤْمِنُونَ (6)


القول في تأويل قوله تعالى : تِلْكَ آيَاتُ اللَّهِ نَتْلُوهَا عَلَيْكَ بِالْحَقِّ فَبِأَيِّ حَدِيثٍ بَعْدَ اللَّهِ وَآيَاتِهِ يُؤْمِنُونَ (6)يقول تعالى ذكره: هذه الآيات والحجج يا محمد من ربك على خلقه نتلوها عليك بالحقّ: يقول: نخبرك عنها بالحقّ لا بالباطل, كما يخبر مشركو قومك عن آلهتهم بالباطل, أنها تقرّبهم إلى الله زُلْفَى, فبأيّ حديث بعد الله وآياته تؤمنون: يقول تعالى ذكره للمشركين به: فبأيّ حديث أيها القوم بعد حديث الله هذا الذي يتلوه عليكم, وبعد حجه عليكم وأدلته التي دلكم بها على وحدانيته من أنه لا ربّ لكم سواه, تصدّقون, إن كنتم كذّبتم لحديثه وآياته. وهذا التأويل على مذهب قراءة من قرأ (تُؤْمِنُونَ) على وجه الخطاب من الله بهذا الكلام للمشركين, وذلك قراءة عامة قرّاء الكوفيين.وأما على قراءة من قرأه (يُؤْمِنُونَ) بالياء, فإن معناه: فبأيّ حديث يا محمد بعد حديث الله الذي يتلوه عليك وآياته هذه التي نبه هؤلاء المشركين عليها, وذكرهم بها, يؤمن هؤلاء المشركون, وهي قراءة عامة قرّاء أهل المدينة والبصرة, ولكلتا القراءتين وجه صحيح, وتأويل مفهوم, فبأية القراءتين قرأ ذلك القارئ فمصيب عندنا, وإن كنت أميل إلى قراءته بالياء إذ كانت في سياق آيات قد مضين قبلها على وجه الخبر, وذلك قوله: لِقَوْمٍ يُوقِنُونَ و لِقَوْمٍ يَعْقِلُونَ .

وَيْلٌ لِّكُلِّ أَفَّاكٍ أَثِيمٍ (7)


القول في تأويل قوله تعالى : وَيْلٌ لِكُلِّ أَفَّاكٍ أَثِيمٍ (7)يقول تعالى ذكره: الوادي السائل من صديد أهل جهنم, لكلّ كذّاب ذي إثم بربه, مفتر عليه .

يَسْمَعُ ءَايَٰتِ ٱللَّهِ تُتْلَىٰ عَلَيْهِ ثُمَّ يُصِرُّ مُسْتَكْبِرًا كَأَن لَّمْ يَسْمَعْهَا فَبَشِّرْهُ بِعَذَابٍ أَلِيمٍ (8)


( يَسْمَعُ آيَاتِ اللَّهِ تُتْلَى عَلَيْهِ ) يقول: يسمع آيات كتاب الله تُقرأ عليه ( ثُمَّ يُصِرُّ ) على كفره وإثمه فيقيم عليه غير تائب منه, ولا راجع عنه ( مُسْتَكْبِرًا ) على ربه أن يذعن لأمره ونهيه ( كَأَنْ لَمْ يَسْمَعْهَا ) يقول: كأن لم يسمع ما تلي عليه من آيات الله بإصراره على كفره ( فَبَشِّرْهُ بِعَذَابٍ أَلِيمٍ ) يقول: فبشر يا محمد هذا الأفَّاك الأثيم الذي هذه صفته بعذاب من الله له.(أليم) : يعني موجع في نار جهنم يوم القيامة.

وَإِذَا عَلِمَ مِنْ ءَايَٰتِنَا شَيْـًٔا ٱتَّخَذَهَا هُزُوًا أُو۟لَٰٓئِكَ لَهُمْ عَذَابٌ مُّهِينٌ (9)


القول في تأويل قوله تعالى : وَإِذَا عَلِمَ مِنْ آيَاتِنَا شَيْئًا اتَّخَذَهَا هُزُوًا أُولَئِكَ لَهُمْ عَذَابٌ مُهِينٌ (9)يقول تعالى ذكره: (وَإِذَا عَلِمَ) هذا الأفاك الأثيم (مِنْ) آيات الله ( شَيْئًا اتَّخَذَهَا هُزُوًا ) : يقول: اتخذ تلك الآيات التي علمها هزوا, يسخر منها, وذلك كفعل أبي جهل حين نزلت إِنَّ شَجَرَةَ الزَّقُّومِ * طَعَامُ الأَثِيمِ إذ دعا بتمر وزبد فقال: تزقموا من هذا, ما يعدكم محمد إلا شهدا, وما أشبه ذلك من أفعالهم.وقوله ( أُولَئِكَ لَهُمْ عَذَابٌ مُهِينٌ ) يقول تعالى ذكره: هؤلاء الذين يفعلون هذا الفعل, وهم الذين يسمعون آيات الله تُتلى عليهم ثم يصرّون على كفرهم استكبارًا, ويتخذون آيات الله التي علموها هزوا, لهم يوم القيامة من الله عذاب مهين يهينهم ويذلهم في نار جهنم, بما كانوا في الدنيا يستكبرون عن طاعة الله واتباع آياته, وإنما قال تعالى ذكره (أُولَئِكَ) فجمع. وقد جرى الكلام قبل ذلك (2) ردّا للكلام إلى معنى الكلّ في قوله وَيْلٌ لِكُلِّ أَفَّاكٍ أَثِيمٍ .------------------------الهوامش:(2) لعله : وقد جرى الكلام قبل ذلك على الإفراد ، ردا. إلخ...

مِّن وَرَآئِهِمْ جَهَنَّمُ وَلَا يُغْنِى عَنْهُم مَّا كَسَبُوا۟ شَيْـًٔا وَلَا مَا ٱتَّخَذُوا۟ مِن دُونِ ٱللَّهِ أَوْلِيَآءَ وَلَهُمْ عَذَابٌ عَظِيمٌ (10)


القول في تأويل قوله تعالى : مِنْ وَرَائِهِمْ جَهَنَّمُ وَلا يُغْنِي عَنْهُمْ مَا كَسَبُوا شَيْئًا وَلا مَا اتَّخَذُوا مِنْ دُونِ اللَّهِ أَوْلِيَاءَ وَلَهُمْ عَذَابٌ عَظِيمٌ (10)يقول تعالى ذكره: ومن وراء هؤلاء المستهزئين بآيات الله, يعني من بين أيديهم. وقد بينَّا العلة التي من أجلها قيل لما أمامك, هو وَرَاءك, فيما مضى بما أغنى عن إعادته; يقول: من بين أيديهم نار جهنم هم واردوها, ولا يغنيهم ما كسبوا شيئًا: يقول: ولا يغني عنهم من عذاب جهنم إذا هم عُذّبوا به ما كسبوا في الدنيا من مال وولد شيئا.وقوله: ( وَلا مَا اتَّخَذُوا مِنْ دُونِ اللَّهِ أَوْلِيَاءَ ) يقول: ولا آلهتهم التي عبدوها من دون الله, ورؤساؤهم, وهم الذين أطاعوهم في الكفر بالله, واتخذوهم نُصراء في الدنيا, تغني عنهم يومئذ من عذاب جهنم شيئا.( وَلَهُمْ عَذَابٌ عَظِيمٌ ) يقول: ولهم من الله يومئذ عذاب في جهنم عظيم.

هَٰذَا هُدًى وَٱلَّذِينَ كَفَرُوا۟ بِـَٔايَٰتِ رَبِّهِمْ لَهُمْ عَذَابٌ مِّن رِّجْزٍ أَلِيمٌ (11)


القول في تأويل قوله تعالى : هَذَا هُدًى وَالَّذِينَ كَفَرُوا بِآيَاتِ رَبِّهِمْ لَهُمْ عَذَابٌ مِنْ رِجْزٍ أَلِيمٌ (11)يقول تعالى ذكره: هذا القرآن الذي أنزلناه على محمد هدى: يقول: بيان ودليل على الحقّ, يهدي إلى صراط مستقيم, من اتبعه وعمل بما فيه ( وَالَّذِينَ كَفَرُوا بِآيَاتِ رَبِّهِمْ ) يقول: والذين جحدوا ما في القرآن من الآيات الدالات على الحقّ, ولم يصدقوا بها, ويعملوا بها, لهم عذاب أليم يوم القيامة موجع.

ٱللَّهُ ٱلَّذِى سَخَّرَ لَكُمُ ٱلْبَحْرَ لِتَجْرِىَ ٱلْفُلْكُ فِيهِ بِأَمْرِهِۦ وَلِتَبْتَغُوا۟ مِن فَضْلِهِۦ وَلَعَلَّكُمْ تَشْكُرُونَ (12)


القول في تأويل قوله تعالى : اللَّهُ الَّذِي سَخَّرَ لَكُمُ الْبَحْرَ لِتَجْرِيَ الْفُلْكُ فِيهِ بِأَمْرِهِ وَلِتَبْتَغُوا مِنْ فَضْلِهِ وَلَعَلَّكُمْ تَشْكُرُونَ (12)يقول تعالى ذكره: الله أيها القوم, الذي لا تنبغي الألوهة إلا له, الذي أنعم عليكم هذه النعم, التي بيَّنها لكم في هذه الآيات, وهو أنه ( سَخَّرَ لَكُمُ الْبَحْرَ لِتَجْرِيَ ) السفن (فيه بأمره) لمعايشكم وتصرّفكم في البلاد لطلب فضله فيها, ولتشكروا ربكم على تسخيره ذلك لكم فتعبدوه وتطيعوه فيما يأمركم به, وينهاكم عنه.

وَسَخَّرَ لَكُم مَّا فِى ٱلسَّمَٰوَٰتِ وَمَا فِى ٱلْأَرْضِ جَمِيعًا مِّنْهُ إِنَّ فِى ذَٰلِكَ لَءَايَٰتٍ لِّقَوْمٍ يَتَفَكَّرُونَ (13)


القول في تأويل قوله تعالى : وَسَخَّرَ لَكُمْ مَا فِي السَّمَاوَاتِ وَمَا فِي الأَرْضِ جَمِيعًا مِنْهُ إِنَّ فِي ذَلِكَ لآيَاتٍ لِقَوْمٍ يَتَفَكَّرُونَ (13)يقول تعالى ذكره: ( وَسَخَّرَ لَكُمْ مَا فِي السَّمَاوَاتِ ) من شمس وقمر ونجوم ( وَمَا فِي الأرْضِ ) من دابة وشجر وجبل وجماد وسفن لمنافعكم ومصالحكم ( جَمِيعًا مِنْهُ ). يقول تعالى ذكره: جميع ما ذكرت لكم أيها الناس من هذه النعم, نعم عليكم من الله أنعم بها عليكم, وفضل منه تفضّل به عليكم, فإياه فاحمدوا لا غيره, لأنه لم يشركه في إنعام هذه النعم عليكم شريك, بل تفرّد بإنعامها عليكم وجميعها منه, ومن نعمه فلا تجعلوا له في شكركم له شريكا بل أفردوه بالشكر والعبادة, وأخلصوا له الألوهة, فإنه لا إله لكم سواه.وبنحو الذي قلنا في ذلك قال أهل التأويل.* ذكر من قال ذلك:حدثني محمد بن سعد, قال: ثني أبي, قال: ثني عمي, قال: ثني أبي, عن أبيه, عن ابن عباس قوله ( وَسَخَّرَ لَكُمْ مَا فِي السَّمَاوَاتِ وَمَا فِي الأرْضِ جَمِيعًا مِنْهُ ) يقول: كل شيء هو من الله, وذلك الاسم فيه اسم من أسمائه, فذلك جميعا منه, ولا ينازعه فيه المنازعون, واستيقن أنه كذلك.وقوله ( إِنَّ فِي ذَلِكَ لآيَاتٍ لِقَوْمٍ يَتَفَكَّرُونَ ) يقول تعالى ذكره: إن في تسخير الله لكم ما أنبأكم أيها الناس أنه سخره لكم فى هاتين الآيتين (لآيَاتٍ) يقول: لعلامات ودلالات على أنه لا إله لكم غيره, الذي أنعم عليكم هذه النعم, وسخر لكم هذه الأشياء التي لا يقدر على تسخيرها غيره لقوم يتفكرون في آيات الله وحججه وأدلته, فيعتبرون بها ويتعظون إذا تدبروها, وفكَّروا فيها.

الصفحة التالية