تفسير سورة النساء الصفحة 81 من القرآن الكريم

تفسير الصفحة رقم 81 من المصحف


وَإِنْ أَرَدتُّمُ ٱسْتِبْدَالَ زَوْجٍ مَّكَانَ زَوْجٍ وَءَاتَيْتُمْ إِحْدَىٰهُنَّ قِنطَارًا فَلَا تَأْخُذُوا۟ مِنْهُ شَيْـًٔا أَتَأْخُذُونَهُۥ بُهْتَٰنًا وَإِثْمًا مُّبِينًا (20)


القول في تأويل قوله: وَإِنْ أَرَدْتُمُ اسْتِبْدَالَ زَوْجٍ مَكَانَ زَوْجٍ وَآتَيْتُمْ إِحْدَاهُنَّ قِنْطَارًا فَلا تَأْخُذُوا مِنْهُ شَيْئًاقال أبو جعفر: يعني جل ثناؤه بقوله: " وإن أردتم استبدال زوج مكان زوج "، وإن أردتم، أيها المؤمنون، نكاح امرأة مكان امرأة لكم تطلقونها (1) =" وآتيتم إحداهن "، يقول: وقد أعطيتم التي تريدون طلاقها من المهر (2) =" قنطارًا ".* * *= و " القنطار " المال الكثير. وقد ذكرنا فيما مضى اختلاف أهل التأويل في مبلغه، والصوابَ من القول في ذلك عندنا. (3)* * *=" فلا تأخذوا منه شيئًا "، يقول: فلا تضرُّوا بهن إذا أردتم طلاقهن ليفتدين منكم بما آتيتموهن، كما:-8912 - حدثني محمد بن عمرو قال، حدثنا أبو عاصم، عن عيسى، عن ابن أبي نجيح، عن مجاهد في قوله: " وإن أردتم استبدال زوج مكان زوج "، طلاق امرأة مكان أخرى، فلا يحل له من مال المطلقة شيء وإن كثر.8913 - حدثني المثنى قال، حدثنا أبو حذيفة قال، حدثنا شبل، عن ابن أبي نجيح، عن مجاهد مثله.* * *القول في تأويل قوله: أَتَأْخُذُونَهُ بُهْتَانًا وَإِثْمًا مُبِينًا (20)قال أبو جعفر: يعني بقوله تعالى ذكره: " أتأخذونه "، أتأخذون ما آتيتموهن من مهورهن =" بهتانا "، يقول: ظلمًا بغير حق =" وإثما مبينًا "، يعني: وإثمًا قد أبان أمرُ آخذه أنه بأخذه إياه لمن أخذَه منه ظالم. (4)----------------الهوامش :(1) انظر تفسير"الاستبدال" فيما سلف 2: 130 ، 494 / 7: 527.(2) انظر تفسير"الإيتاء" في فهارس اللغة ، فيما سلف.(3) انظر تفسير"القنطار" فيما سلف 6: 244-250.(4) انظر تفسير"مبين" فيما سلف 3: 300 / 4: 258 / 7: 370.

وَكَيْفَ تَأْخُذُونَهُۥ وَقَدْ أَفْضَىٰ بَعْضُكُمْ إِلَىٰ بَعْضٍ وَأَخَذْنَ مِنكُم مِّيثَٰقًا غَلِيظًا (21)


القول في تأويل قوله: وَكَيْفَ تَأْخُذُونَهُ وَقَدْ أَفْضَى بَعْضُكُمْ إِلَى بَعْضٍقال أبو جعفر: يعني جل ثناؤه بقوله: " وكيف تأخذونه "، وعلى أي وجه تأخذون من نسائكم ما آتيتموهن من صدقاتهن، إذا أردتم طلاقهن واستبدال غيرهن بهن أزواجًا =" وقد أفضى بعضكم إلى بعض "، فتباشرتم وتلامستم.* * *وهذا كلام وإن كان مخرجه مخرج الاستفهام، فإنه في معنى النكير والتغليظ، كما يقول الرجل لآخر: " كيف تفعل كذا وكذا، وأنا غير راضٍ به؟"، على معنى التهديد والوعيد. (5)* * *وأما " الإفضاء " إلى الشيء، فإنه الوصول إليه بالمباشرة له، كما قال الشاعر: (6)[بَلِينَ] بِلًى أَفْضَى إلَى [كُلِّ] كُتْبَةٍبَدَا سَيْرُهَا مِنْ بَاطِنٍ بَعْدَ ظَاهِرِ (7)يعني بذلك أن الفساد والبلى وصل إلى الخُرَز. والذي عُني به " الإفضاء " في هذا الموضع، الجماعُ في الفرج.* * *فتأويل الكلام إذ كان ذلك معناه: وكيف تأخذون ما آتيتموهن، وقد أفضى بعضكم إلى بعض بالجماع.* * *وبنحو ما قلنا في ذلك قال جماعة من أهل التأويل.*ذكر من قال ذلك:8914 - حدثني عبد الحميد بن بيان القَنّاد قال، حدثنا إسحاق، عن سفيان، عن عاصم، عن بكر بن عبد الله، عن ابن عباس قال: الإفضاء المباشرة، ولكنّ الله كريم يَكْني عما يشاء.8915 - حدثنا محمد بن بشار قال، حدثنا أبو عاصم قال، حدثنا سفيان، عن عاصم، عن بكر، عن ابن عباس قال: الإفضاء الجماع، ولكن الله يَكني.8916 - حدثنا ابن حميد قال، حدثنا جرير، عن عاصم، عن بكر بن عبد الله المزني، عن ابن عباس قال: الإفضاء هو الجماع.8917 - حدثني محمد بن عمرو قال، حدثنا أبو عاصم قال، حدثنا عيسى، عن ابن أبي نجيح، عن مجاهد: " وقد أفضى بعضكم إلى بعض "، قال: مجامعة النساء.8918 - حدثني المثنى قال، حدثنا أبو حذيفة قال، حدثنا شبل، عن ابن أبي نجيح، عن مجاهد مثله.8919 - حدثنا محمد بن الحسين قال، حدثنا أحمد بن المفضل قال، حدثنا أسباط، عن السدي: " وكيف تأخذونه وقد أفضى بعضكم إلى بعض "، يعني المجامعة.* * *القول في تأويل قوله : وَأَخَذْنَ مِنْكُمْ مِيثَاقًا غَلِيظًا (21)قال أبو جعفر: أيْ: ما وثَّقتم به لهنَّ على أنفسكم، (8) من عهد وإقرار منكم بما أقررتم به على أنفسكم، من إمساكهن بمعروف، أو تسريحهنّ بإحسان.* * *وكان في عقد المسلمين النكاحَ قديمًا فيما بلغنا - أن يقال لناكح: "آلله عليك لتمسكن بمعروف أو لتسرِّحن بإحسان "!8920 - حدثنا بشر بن معاذ قال، حدثنا يزيد قال، حدثنا سعيد، عن قتادة قوله: " وأخذن منكم ميثاقًا غليظًا ". والميثاق الغليظ الذي أخذه للنساء على الرجال: إمساك بمعروف أو تسريح بإحسان. وقد كان في عقد المسلمين عند إنكاحهم: "آلله عليك لتمسكنَّ بمعروف أو لتسرحن بإحسان ". (9)* * *واختلف أهل التأويل في" الميثاق " الذي عنى الله جل ثناؤه بقوله: " وأخذن منكم ميثاقًا غليظًا ".فقال بعضهم: هو إمساك بمعروف أو تسريح بإحسان.*ذكر من قال ذلك:8921 - حدثني يعقوب بن إبراهيم قال، حدثنا هشيم قال، أخبرنا جويبر، عن الضحاك في قوله: " وأخذن منكم ميثاقًا غليظًا "، قال: إمساك بمعروف أو تسريح بإحسان.8922 - حدثني المثنى قال، حدثنا عمرو بن عون قال، حدثنا هشيم، عن جويبر، عن الضحاك مثله.8923 - حدثنا الحسن بن يحيى قال، أخبرنا عبد الرزاق قال، أخبرنا معمر، عن قتادة في قوله: " وأخذن منكم ميثاقًا غليظًا "، قال: هو ما أخذ الله تبارك وتعالى للنساء على الرجال، فَإِمْسَاكٌ بِمَعْرُوفٍ أَوْ تَسْرِيحٌ بِإِحْسَانٍ . قال: وقد كان ذلك يؤخذ عند عَقد النكاح.8924 - حدثنا محمد بن الحسين قال، حدثنا أحمد بن مفضل قال، حدثنا أسباط، عن السدي: أما " وأخذن منكم ميثاقًا غليظًا "، فهو أن ينكح المرأة فيقول وليها: أنكحناكَها بأمانة الله، على أن تمسكها بالمعروف أو تسرِّحها بإحسان.8925 - حدثنا عمرو بن علي قال، حدثنا عبد الأعلى قال، حدثنا سعيد، عن قتادة في قوله: " وأخذن منكم ميثاقًا غليظًا "، قال: " الميثاق الغليظ " الذي أخذه الله للنساء: إمساك بمعروف أو تسريح بإحسان، وكان في عُقْدة المسلمين عند نكاحهن: " أيْمُ الله عليك، لتمسكن بمعروف ولتسرحَنّ بإحسان ".8926 - حدثنا عمرو بن علي قال، حدثنا أبو قتيبة قال، حدثنا أبو بكر الهذلي، عن الحسن ومحمد بن سيرين في قوله: " وأخذن منكم ميثاقًا غليظًا "، قال: إمساك بمعروف أو تسريح بإحسان.* * *وقال آخرون: هو كلمة النكاح التي استحلَّ بها الفرجَ.*ذكر من قال ذلك:8927 - حدثني محمد بن عمرو قال، حدثنا أبو عاصم، عن عيسى، عن ابن أبي نجيح، عن مجاهد: " وأخذن منكم ميثاقًا غليظًا "، قال: كلمة النكاح التي استحلَّ بها فروجهن.8928 - حدثني المثنى قال، حدثنا أبو حذيفة قال، حدثنا شبل، عن ابن أبي نحيح، عن مجاهد مثله.8929 - حدثنا محمد بن بشار قال، حدثنا يحيى بن سعيد قال، حدثنا سفيان، عن أبي هاشم المكي، عن مجاهد في قوله: " وأخذن منكم ميثاقًا غليظًا "، قال: قوله: " نكحتُ". (10)8930 - حدثنا ابن حميد قال، حدثنا حكام قال، حدثنا عنبسة، عن محمد بن كعب القرظي: " وأخذن منكم ميثاقًا غليظًا "، قال: هو قولهم: " قد ملكتَ النكاح ".8931 - حدثني المثنى قال، حدثنا أبو نعيم قال، حدثنا سفيان، عن سالم الأفطس، عن مجاهد: " وأخذن منكم ميثاقًا غليظًا "، قال: كلمة النكاح.8932 - حدثني يونس قال، أخبرنا ابن وهب قال، قال ابن زيد في قوله: " وأخذن منكم ميثاقًا غليظًا "، قال: الميثاق النكاح.8933 - حدثنا عمرو بن علي قال، حدثنا يحيى بن سعيد قال، حدثنا سفيان قال، حدثني سالم الأفطس، عن مجاهد: " وأخذن منكم ميثاقًا غليظًا "، قال: كلمة النكاح، قوله: " نكحتُ".* * *وقال آخرون: بل عنى قول النبي صلى الله عليه وسلم: " أخذتموهن بأمانة الله، واستحللتم فروجهن بكلمة الله ". (11)*ذكر من قال ذلك:8934 - حدثنا ابن وكيع قال، حدثنا أبي، عن إسرائيل، عن جابر وعكرمة: " وأخذن منكم ميثاقًا غليظًا "، قالا أخذتموهن بأمانة الله، واستحللتم فروجهن بكلمة الله.8935 - حدثني المثنى قال، حدثنا إسحاق قال، حدثنا ابن أبي جعفر، عن أبيه، عن الربيع: " وأخذن منكم ميثاقًا غليظًا "، والميثاق الغليظ: أخذتموهن بأمانة الله، واستحللتم فروجهن بكلمة الله.* * *قال أبو جعفر: وأولى هذه الأقوال بتأويل ذلك، قولُ من قال: الميثاق الذي عُني به في هذه الآية: هو ما أخذ للمرأة على زوجها عند عُقْدة النكاح من عهدٍ على إمساكها بمعروف أو تسريحها بإحسان، فأقرَّ به الرجل. لأن الله جل ثناؤه بذلك أوصى الرجالَ في نسائهم.* * *وقد بينا معنى " الميثاق " فيما مضى قبل، بما أغنى عن إعادته في هذا الموضع. (12)* * *واختلف في حكم هذه الآية، أمحكمٌ أم منسوخ؟فقال بعضهم: محكم، وغير جائز للرجل أخذُ شيء مما آتاها، إذا أراد طلاقها، إلا أن تكون هي المريدةَ الطلاقَ.* * *وقال آخرون: هي محكمة، غير جائز له أخذ شيء مما آتاها منها بحال، كانت هي المريدةَ للطلاق أو هو. وممن حُكي عنه هذا القول، بكر بن عبد الله بن المزني.8936 - حدثنا مجاهد بن موسى قال، حدثنا عبد الصمد قال، حدثنا عقبة بن أبي الصهباء. قال: سألت بكرًا عن المختلعة، أيأخذ منها شيئًا؟ قال: لا " وأخذن منكم ميثاقًا غليظًا ". (13)* * *قال آخرون: بل هي منسوخة، نسخها قوله: وَلا يَحِلُّ لَكُمْ أَنْ تَأْخُذُوا مِمَّا آتَيْتُمُوهُنَّ شَيْئًا إِلا أَنْ يَخَافَا أَلا يُقِيمَا حُدُودَ اللَّهِ [سورة البقرة: 229].*ذكر من قال ذلك:8937 - حدثني يونس قال، أخبرنا ابن وهب قال، قال ابن زيد في قوله: وَإِنْ أَرَدْتُمُ اسْتِبْدَالَ زَوْجٍ مَكَانَ زَوْجٍ إلى قوله: " وأخذن منكم ميثاقًا غليظًا "، قال: ثم رخص بعدُ فقال: وَلا يَحِلُّ لَكُمْ أَنْ تَأْخُذُوا مِمَّا آتَيْتُمُوهُنَّ شَيْئًا إِلا أَنْ يَخَافَا أَلا يُقِيمَا حُدُودَ اللَّهِ فَإِنْ خِفْتُمْ أَلا يُقِيمَا حُدُودَ اللَّهِ فَلا جُنَاحَ عَلَيْهِمَا فِيمَا افْتَدَتْ بِهِ [سورة البقرة: 229]. قال: فنسخت هذه تلك.* * *قال أبو جعفر: وأولى الأقوال بالصواب في ذلك، قولُ من قال: " إنها محكمة غير منسوخة "، وغير جائز للرجل أخذ شيء مما آتاها، إذا أراد طلاقها من غير نشوز كان منها، ولا ريبة أتت بها.وذلك أن الناسخ من الأحكام، ما نَفَى خلافه من الأحكام، على ما قد بيَّنا في سائر كتبنا. (14) وليس في قوله: وَإِنْ أَرَدْتُمُ اسْتِبْدَالَ زَوْجٍ مَكَانَ زَوْجٍ ، نَفْي حكمِ قوله: فَإِنْ خِفْتُمْ أَلا يُقِيمَا حُدُودَ اللَّهِ فَلا جُنَاحَ عَلَيْهِمَا فِيمَا افْتَدَتْ بِهِ [سورة البقرة: 229]. لأن الذي حرَّم الله على الرجل بقوله: وَإِنْ أَرَدْتُمُ اسْتِبْدَالَ زَوْجٍ مَكَانَ زَوْجٍ وَآتَيْتُمْ إِحْدَاهُنَّ قِنْطَارًا فَلا تَأْخُذُوا مِنْهُ شَيْئًا ، أخذُ ما آتاها منها إذا كان هو المريدَ طلاقَها. وأما الذي أباح له أخذَه منها بقوله: فَلا جُنَاحَ عَلَيْهِمَا فِيمَا افْتَدَتْ بِهِ ، فهو إذا كانت هي المريدةَ طلاقَه وهو له كاره، ببعض المعاني التي قد ذكرنا في غير هذا الموضع. (15) وليس في حكم إحدى الآيتين نفي حكم الأخرى.وإذ كان ذلك كذلك، لم يجز أن يُحكم لإحداهما بأنها ناسخة، وللأخرى بأنها منسوخة، إلا بحجة يجبُ التسليم لها.وأما ما قاله بكر بن عبد الله المزني (16) =: من أنه ليس لزوج المختلعة أخذُ ما أعطته على فراقه إياها، إذا كانت هي الطالبةَ الفرقةَ، وهو الكاره = فليس بصواب، لصحة الخبَرِ عن رسول الله صلى الله عليه وسلم بأنه أمرَ ثابت بن قيس بن شماس بأخذ ما كان ساق إلى زوجته وفراقِها إذ طلبت فراقه، (17) وكان النشوز من قِبَلها. (18)----------------الهوامش :(5) في المطبوعة: "التهديد" ، وأثبت ما في المخطوطة.(6) لم أعرف قائله.(7) كان في المخطوطة والمطبوعة:بِلًى أَفْضَى إِلَى كتْبَةٍبَدَا سَيرُها مِنْ بَاطِنٍ بَعد ظاهِربياض في الأصل بين الكلمات ، وقد زدت ما بين الأقواس اجتهادًا واستظهارًا ، حتى يستقيم الشعر. و"الكتبة" (بضم فسكون) ، هي الخرزة المضمومة التي ضم السير كلا وجهيها ، من المزادة والسقاء والقربة. يقال: "كتب القربة": خرزها بسيرين. وهذا بيت يصف مزادًا أو قربًا ، قد بليت خرزها بلى شديدًا فقطر الماء منها ، فلم تعد صالحة لحمل الماء.(8) في المخطوطة والمطبوعة: "ما وثقت به لهن على أنفسكم" ، واختلاف الضمائر هنا خطأ ، وصوابه ما أثبت: "وثقتم". وانظر تفسير"الميثاق" فيما سلف 1: 414 / 2: 156 ، 228 ، 356 / 6: 550.(9) في المطبوعة: "وقد كان في عهد المسلمين" ، وأثبت ما في المخطوطة.(10) الأثر: 8929 -"أبو هاشم المكي" ، هو: إسماعيل بن كثير ، صاحب مجاهد. قال ابن سعد: "ثقة كثير الحديث". روى عنه سفيان الثوري ، وابن جريج ، ومسعر بن كدام ، وغيرهم. مترجم في التهذيب.(11) انظر الأثرين السالفين رقم: 8905 ، 8906.(12) انظر ما سلف 1: 414 / 2: 156 ، 157 ، 288 / 6: 550.(13) الأثر: 8936 - مضى هذا الأثر برقم: 4877 ، وكان فيه هنا ، كما كان هناك"عقبة بن أبي المهنا" ، فانظر التعليق عليه هناك ، والمراجع مذكورة فيه ، وقد زاد أبو جعفر هناك ، إسنادًا آخر ، عن عقبة بن أبي الصهباء ، عن بكر بن عبد الله المزني ، لهذا الأثر ، وهذا أحد الدلائل على اختصار أبي جعفر لتفسيره هذا.(14) انظر ما سلف ، ما قاله في كتابه هذا في"النسخ" فيما سلف 3: 385 ، 635 / 4: 582 / 6: 54 ، 118.(15) انظر ما سلف 4: 549 - 585 ، وانظر كلامه في الناسخ والمنسوخ من الآيتين في ص: 579 -583 ، من الجزء نفسه.(16) انظر رد أبي جعفر مقاله بكر بن عبد الله المزني فيما سلف 4: 581 ، 582 ، وقال هناك: إنه"قول لا معنى له ، فنتشاغل بالإبانة عن خطئه".(17) في المخطوطة والمطبوعة: "إن طلبت فراقه" ، والصواب"إذ" كما أثبته.(18) انظر الأحاديث والآثار فيما سلف رقم: 4807 -4811 ، والتعليق عليها ، وهو خبر ثابت بن قيس بن شماس.

وَلَا تَنكِحُوا۟ مَا نَكَحَ ءَابَآؤُكُم مِّنَ ٱلنِّسَآءِ إِلَّا مَا قَدْ سَلَفَ إِنَّهُۥ كَانَ فَٰحِشَةً وَمَقْتًا وَسَآءَ سَبِيلًا (22)


القول في تأويل قوله تعالى: وَلا تَنْكِحُوا مَا نَكَحَ آبَاؤُكُمْ مِنَ النِّسَاءِ إِلا مَا قَدْ سَلَفَ إِنَّهُ كَانَ فَاحِشَةً وَمَقْتًا وَسَاءَ سَبِيلا (22)قال أبو جعفر: قد ذكر أن هذه الآية نزلت في قوم كانوا يَخْلُفُون على حلائل آبائهم، فجاء الإسلام وهم على ذلك، فحرّم الله تبارك وتعالى عليهم المُقام عليهن، وعفا لهم عما كان سلف منهم في جاهليتهم وشِرْكهم من فعل ذلك، لم يؤاخذهم به، إن هم اتقوا الله في إسلامهم وأطاعوه فيه.ذكر الأخبار التي رويت في ذلك:8938 - حدثني محمد بن عبد الله المخرميّ قال، حدثنا قراد قال، حدثنا ابن عيينة وعمرو، عن عكرمة، عن ابن عباس قال: كان أهل الجاهلية يحرِّمون ما يَحْرُم إلا امرأة الأب، والجمع بين الأختين. قال: فأنزل الله: " ولا تنكحوا ما نكح آباؤكم من النساء إلا ما قد سلف " = وَأَنْ تَجْمَعُوا بَيْنَ الأُخْتَيْنِ (19)8939 - حدثنا محمد بن بشار قال، حدثنا عبد الأعلى قال، حدثنا سعيد، عن قتادة في قوله: " ولا تنكحوا ما نكح آباؤكم من النساء " الآية، قال: كان أهل الجاهلية يحرّمون ما حرَّم الله، إلا أنّ الرجل كان يخلُف على حَلِيلة أبيه، ويجمعون بين الأختين، فمن ثَمَّ قال الله: " ولا تنكحوا ما نكح آباؤكم من النساء إلا ما قد سلف ".8940 - حدثنا القاسم قال، حدثنا الحسين قال، حدثني حجاج، عن ابن جريج، عن عكرمة في قوله: " ولا تنكحوا ما نكح آباؤكم من النساء إلا ما قد سلف "، قال: نزلت في أبي قيس بن الأسلت، خلفَ على أمِّ عبيد بنت صخر، (20) كانت تحت الأسلت أبيه = وفي الأسود بن خلف، وكان خَلَف على بنت أبي طلحة بن عبد العُزّى بن عثمان بن عبد الدار، (21) وكانت عند أبيه خلف = وفي فاختة بنت الأسود بن المطلب بن أسَد، وكانت عند أمية بن خلف، فخلف عليها صفوان بن أمية = وفي منظور بن زبّان، (22) وكان خلف على مُليكةِ ابنة خارجة، وكانت عند أبيه زَبَّان بن سيّار. (23)8941 - حدثنا القاسم قال، حدثنا الحسين قال، حدثني حجاج، عن ابن جريج قال: قلت لعطاء بن أبي رباح: الرجل ينكح المرأة، ثم لا يراها حتى يُطلقها، أتحل لابنه؟ قال: هي مُرْسَلة، (24) قال الله تعالى: " ولا تنكحوا ما نكح آباؤكم من النساء ". قال: قلت لعطاء: ما قوله: " إلا ما قد سلف "؟ قال: كان الأبناء ينكحون نساء آبائهم في الجاهلية. (25)8942 - حدثني المثنى قال، حدثنا عبد الله بن صالح قال، حدثني معاوية بن صالح، عن علي بن أبي طلحة، عن ابن عباس قوله: " ولا تنكحوا ما نكح آباؤكم من النساء " الآية، يقول: كل امرأة تزوجها أبوك وابنك، دخل أو لم يدخل، فهي عليك حرام.* * *واختلف في معنى قوله: " إلا ما قد سلف ".فقال بعضهم: معناه: لكن ما قد سلف فدعوه. وقالوا: هو من الاستثناء المنقطع.* * *وقال آخرون: معنى ذلك: ولا تنكحوا نكاح آبائكم = بمعنى: ولا تنكحوا كنكاحهم، كما نكحوا على الوجوه الفاسدة التي لا يجوز مثلها في الإسلام =" إنه كان فاحشة ومقتًا وساء سبيلا "، يعني: أن نكاح آبائكم الذي كانوا ينكحونه في جاهليتهم، كان فاحشة ومقتًا وساء سبيلا - إلا ما قد سلف منكم في جاهليتكم من نكاح، لا يجوز ابتداء مثله في الإسلام، فإنه معفوٌّ لكم عنه.وقالوا: قوله: " ولا تنكحوا ما نكح آباؤكم من النساء "، كقول القائل للرجل: " لا تفعل ما فعلتُ"، و " لا تأكل كما أكلت "، بمعنى: ولا تأكل كما أكلت، ولا تفعل كما فعلتُ.* * *وقال آخرون: معنى ذلك: ولا تنكحوا ما نكح آباؤكم من النساء بالنكاح الجائز كان عقده بينهم، إلا ما قد سلف منهم من وجوه الزنا عندهم، فإنّ نكاحهن لكم حلال، لأنهن لم يكن لهم حلائل، وإنما كان ما كان من آبائكم ومنهن من ذلك، (26) فاحشة ومقتًا وساء سبيلا.*ذكر من قال ذلك:8943 - حدثني يونس قال، أخبرنا ابن وهب قال، قال ابن زيد في قوله: " ولا تنكحوا ما نكح آباؤكم من النساء إلا ما قد سلف " الآية، قال: الزنا =" إنه كان فاحشة ومقتًا وساء سبيلا " = فزاد ههنا " المقت ". (27)* * *قال أبو جعفر: وأولى الأقوال في ذلك بالصواب، على ما قاله أهل التأويل في تأويله، أن يكون معناه: ولا تنكحوا من النساء نكاحَ آبائكم، إلا ما قد سلف منكم فَمَضى في الجاهلية، فإنه كان فاحشة ومقتًا وساء سبيلا = فيكون قوله: " من النساء " من صلة قوله: " ولا تنكحوا "، ويكون قوله: " ما نكح آباؤكم " بمعنى المصدر، ويكون قوله: " إلا ما قد سلف " بمعنى الاستثناء المنقطع، لأنه يحسن في موضعه: " لكن ما قد سلف فمضى " =" إنه كان فاحشة ومقتًا وساء سبيلا ".* * *فإن قال قائل: وكيف يكون هذا القول موافقًا قولَ من ذكرت قولَه من أهل التأويل، وقد علمتَ أن الذين ذكرتَ قولهم في ذلك، إنما قالوا: أنزلت هذه الآية في النَّهي عن نكاح حلائل الآباء، وأنت تذكر أنهم إنما نهوا أن ينكحوا نكاحَهم؟قيل له: إنما قلنا إن ذلك هو التأويل الموافق لظاهر التنزيل، (28) إذ كانت " ما " في كلام العرب لغير بني آدم، وأنه لو كان المقصودَ بذلك النهيُ عن حلائل الآباء، دون سائر ما كان من مَناكح آبائِهم حرامًا ابتداءُ مثله في الإسلام بِنَهْي الله جل ثناؤه عنه، (29) لقيل: " ولا تنكحوا مَنْ نكح آباؤكم من النساء إلا ما قد سلف "، لأن ذلك هو المعروف في كلام العرب، إذ كان " مَنْ" لبني آدم، و " ما " لغيرهم = ولم يُقَلْ: " ولا تنكحوا ما نكح آباؤكم من النساء ". (30) [وأما قوله تعالى ذكره: " ولا تنكحوا ما نكح آباؤكم من النساء "]، فإنه يدخل في" ما "، (31) ما كان من مناكح آبائهم التي كانوا يتناكحونها في جاهليتهم. فحرَّم عليهم في الإسلام بهذه الآية، نكاحَ حلائل الآباء وكلَّ نكاح سواه نهى الله تعالى ذكره [عن] ابتداء مثله في الإسلام، (32) مما كان أهل الجاهلية يتناكحونه في شِرْكهم.* * *ومعنى قوله: " إلا ما قد سلف "، إلا ما قد مضى (33) =" إنه كان فاحشة "، يقول: إن نكاحكم الذي سلف منكم كنكاح آبائكم المحرَّم عليكم ابتداءُ مثله في الإسلام بعد تحريمي ذلك عليكم =" فاحشة "، يقول: معصية (34) =" ومقتًا وساء سبيلا "، (35) أي: بئس طريقًا ومنهجًا، (36) ما كنتم تفعلون في جاهليتكم من المناكح التي كنتم تناكحونها. (37)-----------------الهوامش :(19) الأثر: 8938 -"محمد بن عبد الله المخرمي" ، سلفت ترجمته برقم: 3730 ، 4929 ، 5447.و"قراد" ، لقب ، وهو: "عبد الرحمن بن غزوان" ، سلفت ترجمته برقم: 555.(20) في المخطوطة والمطبوعة: "بنت ضمرة" ، والصواب من المراجع فيها تخريج الأثر. وانظر التعليق على الأثر في آخره ، ففيه ذكر الاختلاف في اسمها.(21) اسمها"حمينة بنت أبي طلحة" تصغير"حمنة" ، كما جاء في ترجمتها في المراجع.(22) في المطبوعة: "رباب" في الموضعين ، وهي المخطوطة غير منقوطة ، وصوابه من المراجع بعد ، بالزاي المفتوحة ، وباء مشددة.(23) الأثر: 8940 - روى ابن الأثير هذا الخبر ، في ترجمة أم عبيد بنت صخر ، ثم أشار إليها في تراجم أصحابها ، ونسب رواية الخبر إلى أبي موسى محمد بن أبي بكر بن أبي عيسى الأصفهاني ، في مستدركة على ابن منده. وأشار إليها أيضًا الحافظ ابن حجر في الإصابة ، في تراجم المذكورين في هذا الخبر.هذا ، ومضى الخبر رقم: 8873 ، وفيه أن أبا قيس بن الأسلت جنح على كبيشة بنت معن بن عاصم امرأة أبيه ، فأخشى أن يكون الخبر السالف وهذا الخبر ، مجتمعين على أنه جنح على امرأتين من نساء أبيه ، كبيشة بنت معن ، وعلى أم عبيد بنت صخر. ولكن الواحدي في أسباب النزول: 109 قال إنها نزلت في حصن بن أبي قيس ، تزوج امرأة أبيه كبيشة بن معن ، وهو ما ذكره الثعلبي في تفسيره. ورواه الحافظ في الإصابة في ترجمة"قيس بن صيفي بن الأسلت" (5: 257) عن الفريابي وابن أبي حاتم من طريق عدي بن ثابت. ثم قال: "وفي سنده قيس بن الربيع ، عن أشعث بن سوار ، وهما ضعيفان. والخبر مع ذلك منقطع" وقال: "وقد تقدم في ترجمة حصن بن أبي قيس بن الأسلت أن القصة وقعت مع امرأة أبيه كبيشة بنت معن. هكذا سماها ابن الكلبي ، وخالفه مقاتل ، فجعل القصة لقيس. وعند أبي الفرج الأصفهاني (15: 154) ما يوهم أن قيسًا قتل في الجاهلية ، فإنه ذكر أن يزيد بن مرداس السلمي قتل قيس بن أبي قيس بن الأسلت في بعض حروبهم".وهذا أمر يحتاج إلى تحقيق طويل كما ترى ، اكتفيت بهذه الإشارة إليه ، وقد مضى في التعليق على اسم"أم عبيد بنت صخر" ، أنه كان في المطبوعة والمخطوطة"أم عبيد بنت ضمرة" ، وقد تابعت ما جاء في ترجمتها في كتب التراجم ، واستأنست بتسمية أخيه: "جرول بن مالك بن عمرو بن عزيز" (جمهرة الأنساب: 315) وأم عبيد هي: (أم عبيد بنت صخر بن مالك بن عمرو بن عزيز" ، و"الجرول": الحجر يكون ملء كف الرجل ، فكأن أباه سماه جرولا ، وسمى أخاه صخرًا ، على عادة العرب في ذلك. والأنصار أيضًا ، يكثر في أنسابهم"صخر" ، ولم أجد منهم من تسمى"ضمرة" ، فلذلك رجحت ما أثبت. ولكن ابن كثير نقل هذا الأثر في تفسيره 2: 388 ، وفيه"أم عبيد الله بنت ضمرة" ، ولكن الثقة بنقل ابن كثير في مثل هذا غير صحيحة. أما الحافظ ابن حجر فقد ذكرها في ترجمة"قيس بن صيفي بن الأسلت" ، فنقل عن سيف من تفسيره ، وسماها"ضمرة أم عبيد الله" ، ثم ترجم"ضمرة زوج أبي قيس بن الأسلت" (الإصابة 8: 134) ، وقال: "ذكرها الطبري فيمن نزلت فيه: ولا تنكحوا ما نكح آباؤكم من النساء" ، وهذا خلط وعجب من العجب ، ولم أجد من ذكر"ضمرة" هذه ، ولا ذكرها الطبري كما سها الحافظ في ذكرها وإفراد ترجمتها ، وأخطأ. وهو من الأدلة على عجلة الحافظ في تأليفه كتاب الإصابة ، وصحة ما قيل من أنه لم يكن إلا مسودة لم يبيضها ، فيمحصها.وهذا الاختلاف محتاج إلى إطالة ، اقتصرت منه على هذا القدر.وأما "الأسود بن خلف" ، فهو"الأسود بن خلف بن أسعد بن عامر بن بياضة الخزاعي" ، وهو غير"الأسود بن خلف بن عبد يغوث" ، كما ذكره الحافظ في الإصابة ، وابن سعد 5: 339 فإن يكن ذلك ، فهو أخو"عبد الله بن خلف بن أسعد" والد"طلحة الطلحات". ولم أجد ابن حجر قد أشار في الإصابة إلى خبر خلفه على امرأة أبيه ، مع أنه ذكره في تراجم النساء المذكورات في الخبر ، وفي ترجمة امرأة أبيه"حمينة بنت أبي طلحة" ، وكذلك لم يذكره بتة ، ابن الأثير ، مع أنه ذكره في ترجمته"حمينة". وفي الإصابة وابن الأثير: "خلف بن أسد بن عاصم بن بياضة" ، وهو تصحيف ، بل هو"أسعد بن عامر".وهذا أيضًا يحتاج إلى تحقيق أوفى ، ليس هذا مكانه. وأما خبر"منظور بن زبان بن سيار المازني" ، وفي شأن قصته اختلاف ذكره الحافظ ابن حجر في ترجمته وترجمة"مليكة" ، ورجح أن هذه القصة كانت على عهد عمر بن الخطاب ، وأن عمر فرق بينهما ، فاشتد ذلك عليه ، وكان يحبها ، فقال فيها شعرًا منه: لَعَمْرُ أبِي دِينٍ يُفَرِّقُ بَيْننَاوَبيْنَكِ قَسْرًا، إِنّهُ لَعَظِيمُوقصته في الأغاني 12: 194 (دار الكتب)(24) هكذا جاءت في المخطوطة والمطبوعة هنا ، وفي رقم: 8957 فيما يلي والدر المنثور ، 2: 134 ، "مرسلة" ، والذي جاء في كتب اللغة"امرأة مراسل" ، قالوا: هي التي فارقها زوجها بأي وجه كان ، مات أو طلقها. وقيل: هي التي يموت زوجها ، أو أحست منه أنه يريد تطليقها ، فهي تزين لآخر. وقيل: هي التي طلقت مرات. وقيل: هي التي تراسل الخطاب. وذلك كله قريب بعضه من بعض ، فإن المرأة إذا مات زوجها أو طلقها ، كانت خليقة أن تراسل الخطاب وتلتمس الطريق إلى زواج. وفي الحديث: "أن رجلا من الأنصار تزوج امرأة مراسلا يعني: ثيبًا = فقال النبي صلى الله عليه وسلم: فهلا بكرًا تلاعبها وتلاعبك!!" ، فقال أصحاب اللغة: "المراسل: التي قد أسنت وفيها بقية شباب". وكأن شرح هذا اللفظ يقتضي الجمع بين هذه الأقوال جميعًا فيقال: إنها التي قد فارقت الشباب فمات عنها زوجها أو طلقها ، فهي أحوج من ذات الشباب إلى طلب الزينة ومراسلة الخطاب ، لقلة رغبتهم فيها ، كرغبتهم في الأبكار الجميلات الشواب.و أما في هذا الخبر ، فإن صح أن اللفظ"مرسلة" على الصواب ، كان تفسيره: أنها التي أرسلها زوجها ، أي أطلقها ، وإنما عنى به: البكر المطلقة التي تنزل في الحكم منزلة الثيب. وإن كان الصواب"هي مراسل" ، فينبغي أن يزاد في معنى"مراسل" أنها البكر التي طلقت ، فهي بمنزلة الثيب. وانظر الأثر التالي.(25) سيأتي هذا الأثر برقم: 8957 ، مع اختلاف في لفظه ، انظر التعليق عليه هناك.(26) في المطبوعة: "من آبائكم منهن" بإسقاط الواو ، وهو خطأ ، صوابه من المخطوطة.(27) يعني بقوله: "زاد هاهنا" ، زاد على ما جاء في"سورة الإسراء: 32": وَلا تَقْرَبُوا الزِّنَا إِنَّهُ كَانَ فَاحِشَةً وَسَاءَ سَبِيلا .(28) في المطبوعة والمخطوطة: "وإن قلنا إن ذلك هو التأويل" ، وهو كلام لا يستقيم مع الذي بعده ، والصواب الموافق للسياق هو ما أثبت.(29) في المطبوعة: "... حرامًا ابتدئ مثله في الإسلام" ، ولم يحسن قراءة المخطوطة"ابتدا" فبدلها إلى ما أفسد الكلام إفسادًا.(30) في المخطوطة والمطبوعة: "إذ كان من لبني آدم ، وما لغيرهم ولا تقل: ولا تنكحوا ما نكح آباؤكم من النساء" ، وهو كلام لا يستقيم البتة ، وصواب قوله"ولا تقل""ولم يقل" (بالبناء للمجهول) ، وهو معطوف على قوله آنفًا: "لقيل: ولا تنكحوا من نكح آباؤكم". واختلط على الناسخ تكرار الآية مرتين فسبق بصره ، فأسقط من الكلام ما أثبته بعد بين القوسين ، مما لا يتم الكلام ولا يستقيم إلا بإثباته ، واجتهدت فيه استظهارًا من كلامه وحجته ، كما ترى.(31) في المخطوطة: "فإنه يدخل فيما كان من مناكح آبائهم" ، وهو سهو وخطأ من الناسخ لما اختلط عليه الكلام ، والصواب هو الذي استظهره ناشر المطبوعة الأولى ، كما أثبتها.(32) ما بين القوسين زيادة لا بد منها ، ساقطة من المخطوطة والمطبوعة.(33) انظر تفسير"سلف" فيما سلف 6: 14.(34) انظر تفسير"فاحشة" فيما سلف: 115 تعليق: 2 والمراجع هناك.(35) لم يفسر أبو جعفر هنا"المقت" في هذا الموضع ، ولا في سائر المواضع التي جاء فيها ذكر"المقت" ، إلا تضمينًا. و"المقت": أشد البغض ، ثم سمى هذا النكاح الذي كانوا يتناكحونه في الجاهلية"نكاح المقت" ، وسمي المولود عليه"المقتى" على النسبة.(36) انظر تفسير"السبيل" فيما سلف: 37 ، تعليق: 6 ، والمراجع هناك. وأما "ساء" ، فإن أبا جعفر لم يبين معناها ، ولم يذكر أن أصحاب العربية يعدونها فعلا جامدًا يجري مجرى"نعم" و"بئس" ، وإن كان تفسيره قد تضمن ذلك. وهذا من الأدلة على أنه اختصر هذا التفسير في مواضع كثيرة.(37) حجة أبي جعفر في هذا الموضع ، حجة رجل بصير عارف بالكلام ومنازله ، متمكن من أصول الاستنباط ، قادر على ضبط ما ينتشر من المعاني ، متابع لسياق الأحكام والأخبار في كتاب ربه ، خبير بما كان عليه العرب في جاهليتهم.وقد رد العلماء على أبي جعفر قوله ، وقال بعضهم: هو قول غير وجيه. وذكروا أن"ما" تقع على أنواع من يعقل ، وإن كانت لا تقع على آحاد من يعقل ، عند من يذهب إلى المذهب. فجعلوا قول الطبري أن"ما" مصدرية باقية على معنى المصدر ، قولا ضعيفًا. بيد أن مذهب أبي جعفر صحيح مستقيم لا ينال منه احتجاجهم عليه. وإنما ساقهم إلى ذلك ، ترك أبي جعفر البيان عن حجته ، وأنا قائل في ذلك ما يشفي إن شاء الله.وذلك أن الذين ردوا مقالة أبي جعفر ، أرادوا أن هذه الآية نص في تحريم نكاح حلائل الآباء وحده ، وكأنهم حسبوا أن لو جعلوا"ما" مصدرية ، لم يكن في الآيات نص صريح في تحريم حلائل الآباء غيرها. والصواب غير ذلك. فإن الله سبحانه وتعالى قد حرم نكاح حلائل الآباء الذي كان أهل الجاهلية يرتكبونه بقوله في الآية التاسعة عشرة من سورة النساء فيما مضى: يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لا يَحِلُّ لَكُمْ أَنْ تَرِثُوا النِّسَاءَ كَرْهًا وقال أبو جعفر في تفسيرها: "لا يحل لكم أن ترثوا نكاح نساء أقاربكم وآبائكم كرهًا" ، وساق هناك الآثار المبينة عن صورة نكاح حلائل الآباء والأقارب جميعًا. وهذا الذي ساق هناك فيه البيان عن صورة نكاح حلائل الآباء والأقارب بالوراثة ، كما كان أهل الجاهلية يعرفونه. فكانت هذه الآية نصًا قاطعًا بينًا في تحريم نكاح حلائل الآباء والأقارب بالوراثة ، كما عرفه أهل الجاهلية ، لأنهم لم يعرفوا نكاح حلائل الآباء إلا على هذه الصورة التي بينها الله في كتابه ، والتي أجمعت الأخبار على صفتها ، أن يخلف الرجل على امرأة أبيه.وأنا أرجح أن الله تبارك وتعالى إنما قال: "لا يحل لكم أن ترثوا النساء كرهًا" ، فذكر وراثتهن كرهًا ، ثم أتبع ذلك بالنهي عن عضل النساء عامة ، وبالبيان عن مقصدهم من عضل النساء ، وهو الذهاب ببعض ما أوتين من صدقاتهن = لأن أهل الجاهلية ، إنما تورطوا في نكاح حلائل الآباء ، لشيء واحد: هو أخذ ما آتاهن الآباء من المال ، ولئلا تذهب المرأة بما عندها من مال آبائهم ، فلذلك أتبعه بالنهي عن العضل عامة ، لأن فعلهم بحلائل آبائهم عضل أيضًا ، ومقصدهم منه هو مقصدهم من عضل نسائهم.وأيضًا ، فإن أهل الجاهلية لم يرتكبوا نكاح العمات والخالات والأخوات ، كما سترى بعد ، بل استنكروه ، فاستنكارهم نكاح حلائل الآباء - وهن بمنزلة أمهاتهن في حياة آبائهن - كان خليقًا أن يكون من فعلهم وعادتهم ، ولكن حملهم حب المال على مخالفة ذلك.ثم أتبع الله ذلك - كما قال أبو جعفر -"بالنهي عن مناكح آبائهم التي كانوا يتناكحوها في الجاهلية ، فحرم عليهم بهذه الآية نكاح حلائل الآباء وكل نكاح سواه ، نهى الله عن ابتداء مثله في الإسلام ، مما كان أهل الجاهلية يتناكحونه". وقد ذكرت عائشة رضي الله عنها في حديث البخاري (الفتح 9: 158) أن نكاح الجاهلية كان على أربعة أنحاء ، منها: "نكاح الناس اليوم" ، ثم عددت ضروب النكاح ووصفتها ، فأقر الإسلام منها نكاحًا واحدًا: يخطب الرجل إلى الرجل وليته أو ابنته ، فيصدقها ، ثم ينكحها.فهذه الآية مبطلة ضروب نكاح الجاهلية جميعًا ، ما كان منها نكاحًا فاسدًا ، كالاستبضاع ، ونكاح البغايا ، ونكاح البدل ، والشغار ، فكل ذلك كان: فاحشة ومقتًا وساء سبيلا ، كما تعرفه من صفته في حديث عائشة ، ويدخل فيه ، كما قال أبو جعفر ، نكاح حلائل الآباء.ثم أتبع الله سبحانه وتعالى هذه الآية التي حرمت جميع نكاح الجاهلية ، آية أخرى حرمت كل نكاح كان معروفًا في الأمم الأخرى ، غير العرب ، أو في الملل الأخرى غير ملة الإسلام فقال: "حرمت عليكم أمهاتكم وبناتكم وأخواتكم وعماتكم وخالاتكم" إلى آخر الآية. والعرب لم تعرف قط نكاح الأمهات ، أو البنات أو الأخوات أو العمات أو الخالات ، بل كان ذلك في غيرهم كالمصريين واليهود وأشباههم ، ينكح الرجل أخته أو عمته أو خالته. ومن الدليل على أن العرب لم تعرف نكاح الأخوات ، ولا نكاح العمات أو الخالات ، أنهم كانوا في جاهليتهم ، يقسمون على طلاق نسائهم أو تحريمهن على أنفسهم ، أو هجرانهن ، بقولهم للزوجة: "أنت علي كظهر أختي ، أو كظهر عمتي ، أو كظهر خالتي" ، فكان ذلك عندهم تحريمًا على أنفسهم غشيان الزوجة. وهذا باب لم أجد أحدًا وفاه حقه ، فعسى أن أوفق في موضع آخر إلى استيعابه إن شاء الله. وهو باب مهم في تفسير هذه الآيات ، والله المستعان.وإذن فهذه الآية الأخيرة ، غير خاصة في نكاح أهل الجاهلية ، بل هي تحريم لكل نكاح كرهه الله للمؤمنين ، مما كان عند الأمم قبلهم جائزًا أو مرتكبًا ، أو كان بعضه عندهم قليلا غير مشهور شهرة أنكحة الجاهلية التي ذكرها الله في وراثة حلائل الآباء والأقارب ، والتي ذكرتها عائشة في حديثها ، والتي جاء تحريمها عامًا في قوله: "ولا تنكحوا ما نكح آباؤكم من النساء" بمعنى"ما" المصدرية ، كما ذهب إليه أبو جعفر. وكتبه: محمود محمد شاكر.

حُرِّمَتْ عَلَيْكُمْ أُمَّهَٰتُكُمْ وَبَنَاتُكُمْ وَأَخَوَٰتُكُمْ وَعَمَّٰتُكُمْ وَخَٰلَٰتُكُمْ وَبَنَاتُ ٱلْأَخِ وَبَنَاتُ ٱلْأُخْتِ وَأُمَّهَٰتُكُمُ ٱلَّٰتِىٓ أَرْضَعْنَكُمْ وَأَخَوَٰتُكُم مِّنَ ٱلرَّضَٰعَةِ وَأُمَّهَٰتُ نِسَآئِكُمْ وَرَبَٰٓئِبُكُمُ ٱلَّٰتِى فِى حُجُورِكُم مِّن نِّسَآئِكُمُ ٱلَّٰتِى دَخَلْتُم بِهِنَّ فَإِن لَّمْ تَكُونُوا۟ دَخَلْتُم بِهِنَّ فَلَا جُنَاحَ عَلَيْكُمْ وَحَلَٰٓئِلُ أَبْنَآئِكُمُ ٱلَّذِينَ مِنْ أَصْلَٰبِكُمْ وَأَن تَجْمَعُوا۟ بَيْنَ ٱلْأُخْتَيْنِ إِلَّا مَا قَدْ سَلَفَ إِنَّ ٱللَّهَ كَانَ غَفُورًا رَّحِيمًا (23)


القول في تأويل قوله: حُرِّمَتْ عَلَيْكُمْ أُمَّهَاتُكُمْ وَبَنَاتُكُمْ وَأَخَوَاتُكُمْ وَعَمَّاتُكُمْ وَخَالاتُكُمْ وَبَنَاتُ الأَخِ وَبَنَاتُ الأُخْتِ وَأُمَّهَاتُكُمُ اللاتِي أَرْضَعْنَكُمْ وَأَخَوَاتُكُمْ مِنَ الرَّضَاعَةِ وَأُمَّهَاتُ نِسَائِكُمْ وَرَبَائِبُكُمُ اللاتِي فِي حُجُورِكُمْ مِنْ نِسَائِكُمُ اللاتِي دَخَلْتُمْ بِهِنَّ فَإِنْ لَمْ تَكُونُوا دَخَلْتُمْ بِهِنَّ فَلا جُنَاحَ عَلَيْكُمْ وَحَلائِلُ أَبْنَائِكُمُ الَّذِينَ مِنْ أَصْلابِكُمْ وَأَنْ تَجْمَعُوا بَيْنَ الأُخْتَيْنِ إِلا مَا قَدْ سَلَفَ إِنَّ اللَّهَ كَانَ غَفُورًا رَحِيمًا (23)قال أبو جعفر: يعني بذلك تعالى ذكره: حُرّم عليكم نكاح أمهاتكم = فترك ذكر " النكاح "، اكتفاءً بدلالة الكلام عليه.وكان ابن عباس يقول في ذلك ما:-8944 - حدثنا به أبو كريب قال، حدثنا ابن أبي زائدة، عن الثوري، عن الأعمش، عن إسماعيل بن رجاء، عن عمير مولى ابن عباس، عن ابن عباس قال: حُرّم من النسب سبعٌ، ومن الصِّهر سبعٌ. ثم قرأ: " حُرّمت عليكم أمهاتكم " حتى بلغ: " وأن تجمعوا بين الأختين إلا ما قد سلف "، قال: والسابعة: وَلا تَنْكِحُوا مَا نَكَحَ آبَاؤُكُمْ مِنَ النِّسَاءِ .8945 - حدثنا ابن بشار قال، حدثنا مؤمل قال، حدثنا سفيان، عن الأعمش، عن إسماعيل بن رجاء، عن عمير مولى ابن عباس، عن ابن عباس قال: يحرم من النسب سبع، ومن الصهر سبع. ثم قرأ: " حُرّمت عليكم أمهاتكم " إلى قوله: وَالْمُحْصَنَاتُ مِنَ النِّسَاءِ إِلا مَا مَلَكَتْ أَيْمَانُكُمْ .8946 - حدثنا ابن بشار مرة أخرى قال، حدثنا أبو أحمد الزبيري قال، حدثنا سفيان، عن الأعمش، عن إسماعيل بن رجاء، عن عمير مولى ابن عباس، عن ابن عباس مثله. (38)8947 - حدثنا ابن بشار قال، حدثنا عبد الرحمن قال، حدثنا سفيان، عن ابن أبي ذئب، عن الزهري بنحوه.8948 - حدثنا ابن بشار قال، حدثنا عبد الرحمن قال، حدثنا سفيان، عن حبيب، عن سعيد بن جبير، عن ابن عباس قال: حرم عليكم سبع نَسَبًا، وسبعٌ صهرًا." حُرّمت عليكم أمهاتكم " الآية. (39)8949 - حدثنا ابن وكيع قال، حدثنا أبي، عن علي بن صالح، عن سماك بن حرب، عن عكرمة، عن ابن عباس قال: " حرمت عليكم أمهاتكم وبناتكم وأخواتكم " قال: حَرّم الله من النسب سبعًا ومن الصهر سبعًا. ثم قرأ: " وأمهات نسائكم وربائبكم "، الآية.8950 - حدثنا ابن حميد قال، حدثنا جرير، عن مطرِّف، عن عمرو بن سالم مولى الأنصار قال، حُرّم من النسب سبع، ومن الصهر سبع: " حُرِّمت عليكم أمهاتكم وبناتكم وأخواتكم وعماتكم وخالاتكم وبنات الأخ وبنات الأخت " = ومن الصهر: " أمهاتكم اللاتي أرضَعْنكم وأخواتكم من الرضاعة وأمهات نسائكم ; وربائبكم اللاتي في حجوركم من نسائكم اللاتي دخلتم بهن فإن لم تكونوا دخلتم بهن فلا جُناح عليكم وحلائل أبنائكم الذين من أصلابكم وأن تجمعوا بين الأختين إلا ما قد سلف " = ثم قال: وَالْمُحْصَنَاتُ مِنَ النِّسَاءِ إِلا مَا مَلَكَتْ أَيْمَانُكُمْ = وَلا تَنْكِحُوا مَا نَكَحَ آبَاؤُكُمْ مِنَ النِّسَاءِ . (40)* * *قال أبو جعفر: فكل هؤلاء اللواتي سَمَّاهن الله تعالى وبيَّن تحريمَهن في هذه الآية، مُحَرَّمات، غيرُ جائز نكاحُهن لمن حَرَّم الله ذلك عليه من الرجال، بإجماع جميع الأمة، لا اختلاف بينهم في ذلك: إلا في أمهات نسائِنا اللواتي لم يدخُلْ بهن أزواجُهن، فإن في نكاحهن اختلافًا بين بعض المتقدِّمين من الصحابة: إذا بانت الابنة قبلَ الدخول بها من زوجها، هل هُنّ من المُبْهمات، أم هنّ من المشروط فيهن الدخول ببناتهنّ؟فقال جميع أهل العلم متقدمهم ومتأخرهم: من المُبهمات، (41) وحرام على من تزوَّج امرأةً أمُّها، (42) دخل بامرأته التي نكحها أو لم يدخل بها. وقالوا: شرطُ الدخول في الرَّبيبة دون الأم، فأما أمُّ المرأة فمُطْلقة بالتحريم. قالوا: ولو جاز أن يكون شرطُ الدخول في قوله: " وربائبكم اللاتي في حُجوركم من نسائكم اللاتي دخلتم بهن "، يرجع موصولا به قوله: " وأمهات نسائكم "، (43) جاز أن يكون الاستثناء في قوله: وَالْمُحْصَنَاتُ مِنَ النِّسَاءِ إِلا مَا مَلَكَتْ أَيْمَانُكُمْ من جميع المحرّمات بقوله: " حرّمت عليكم "، الآية. قالوا: وفي إجماع الجميع على أنّ الاستثناء في ذلك إنما هو مما وَلِيَه من قوله: وَالْمُحْصَنَاتُ ، أبينُ الدِّلالة على أن الشرط في قوله: " من نسائكم اللاتي دخلتم بهن "، مما وَليه من قوله: " وربائبكم اللاتي في حجوركم من نِسَائكم اللاتي دخلتم بهن "، دون أمَّهات نسائنا.* * *وروي عن بعض المتقدِّمين أنه كان يقول: حلالٌ نكاح أمَّهات نسائنا اللواتي لم ندخل بهن، وأنّ حكمهن في ذلك حكم الربائب.*ذكر من قال ذلك:8951 - حدثنا محمد بن بشار قال، حدثنا ابن أبي عدي وعبد الأعلى، عن سعيد، عن قتادة، عن خلاس بن عمرو، عن علي رضي الله عنه: في رجل تزوّج امرأة فطلّقها قبل أن يدخل بها، أيتزوَّج أمها؟ قال: هي بمنزلة الربيبة.8952 - حدثنا حميد بن مسعدة قال، حدثنا يزيد بن زريع قال، حدثنا سعيد قال، حدثنا قتادة، عن خلاس، عن علي رضي الله عنه قال: هي بمنزلة الربيبة. (44)8953 - حدثنا حميد قال، حدثنا يزيد قال، حدثنا سعيد قال، حدثنا قتادة، عن سعيد بن المسيب، عن زيد بن ثابت: أنه كان يقول: إذا ماتت عنده وأخذَ ميراثها، كُرِه أن يخلُف على أمِّها. وإذا طلَّقها قبل أن يدخُل بها، فإن شاءَ فعل.8954 - حدثنا ابن بشار قال، حدثنا يحيى بن سعيد، عن قتادة، عن سعيد بن المسيب، عن زيد بن ثابت قال: إذا طلق الرجل امرأته قبل أن يدخُل بها، فلا بأس أن يتزوج أمَّها.8955 - حدثنا القاسم قال، حدثني حجاج قال، قال ابن جريج، أخبرني عكرمة بن خالد: أن مجاهدًا قال له: " وأمهات نسائكم وربائبكم اللاتي في حجوركم من نسائكم "، أريد بهما الدُّخُول جميعًا. (45)* * *قال أبو جعفر: والقول الأول أولى بالصواب، أعني قولَ من قال: " الأمّ من المبهمات ". لأن الله لم يشرط معهن الدخول ببناتهن، كما شرط ذلك مع أمهات الرَّبائب، مع أن ذلك أيضًا إجماعٌ من الحجة التي لا يجوز خِلافُها فيما جاءت به متفقة عليه. وقد روي بذلك أيضًا عن النبي صلى الله عليه وسلم خبرٌ، غيرَ أنَّ في إسناده نظرًا، وهو ما:-8956 - حدثنا به المثنى قال، حدثنا حبان بن موسى قال، أخبرنا ابن المبارك قال، أخبرنا المثنى بن الصباح، عن عمرو بن شعيب، عن أبيه، عن جده، عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: إذا نكح الرجلُ المرأة، فلا يحل له أن يتزوج أمَّها، دخل بالابنة أم لم يدخل. وإذا تزوج الأمَّ فلم يدخل بها ثم طلقها، فإن شاء تزوَّج الابنة. (46)* * *قال أبو جعفر: وهذا خبر، وإن كان في إسناده ما فيه، فان في إجماع الحجة على صحة القول به، مستغنًى عن الاستشهاد على صِحَّته بغيره.8957 - حدثنا القاسم قال، حدثنا الحسين قال، حدثني حجاج، عن ابن جريج، قال لعطاء: الرجل ينكح المرأة لم يَرَها ولم يجامعها حتى يطلقها، (47) أيحل له أمها؟ قال: لا هي مُرسلة. قلت لعطاء: أكان ابن عباس يقرأ: " وأمهات نسائكم اللاتي دخلتم بهن "؟ قال: " لا "، تترى = (48) قال حجاج، قلت لابن جريج: ما " تترى " = (49) ؟ قال: كأنه قال: لا! لا! (50)* * *وأما " الربائب " فإنه جمع " ربيبة "، وهي ابنة امرأة الرجل. قيل لها " ربيبة " لتربيته إياها، وإنما هي" مربوبة " صرفت إلى " ربيبة "، كما يقال: " هي قتيلة " من " مقتولة ". (51) وقد يقال لزوج المرأة: " هو ربيب ابن امرأته "، يعني به: " هو رَابُّه "، كما يقال: " هو خابر، وخبير " و " شاهد، وشهيد ". (52)* * *واختلف أهل التأويل في معنى قوله: " من نسائكم اللاتي دخلتم بهن ".فقال بعضهم: معنى " الدخول " في هذا الموضع، الجماعُ.*ذكر من قال ذلك:8958 - حدثني المثنى قال، حدثنا عبد الله بن صالح قال، حدثني معاوية بن صالح، عن علي بن أبي طلحة، عن ابن عباس قوله: " من نسائكم اللاتي دخلتم بهن "، والدخول النكاح.* * *وقال آخرون: " الدخول " في هذا الموضع: هو التَّجريد.*ذكر من قال ذلك:8959 - حدثنا القاسم قال، حدثنا الحسين قال، حدثني حجاج قال، قال ابن جريج، قلت لعطاء: قوله: " اللاتي دخلتم بهن "، ما " الدّخول بهن "؟ قال: أن تُهْدَى إليه فيكشف ويَعْتسَّ، ويجلس بين رجليها. (53) قلت: أرأيت إن فعل ذلك في بيتِ أهلها؟ قال: هو سواءٌ، وَحسْبُه! قد حرَّم ذلك عليه ابنتَها. قلت: تحرم الربيبة مِمَّن يصنع هذا بأمها؟ ألا يحرُم عليَّ من أمَتي إن صنعته بأمها؟ (54) قال: نعم، سواء. قال عطاء: إذا كشف الرجل أَمته وجلس بين رجليها، أنهاه عن أمِّها وابنتها.* * *قال أبو جعفر: وأولى القولين عندي بالصواب في تأويل ذلك، ما قاله ابن عباس، من أنّ معنى: " الدخول " الجماع والنكاح. لأن ذلك لا يخلو معناه من أحد أمرين: إما أن يكون على الظاهر المتعارَف من معاني" الدخول " في الناس، وهو الوصول إليها بالخلوة بها = أو يكون بمعنى الجماع. وفي إجماع الجميع على أن خلوة الرجل بامرأته لا يحرِّم عليه ابنتها إذا طلِّقها قبل مَسِيسها ومُباشرتها، أو قبل النَّظر إلى فرجها بالشهوة، ما يدلُّ على أن معنى ذلك هو الوصول إليها بالجماع.وإذْ كان ذلك كذلك، فمعلوم أن الصحيح من التأويل في ذلك ما قلناه.* * *وأما قوله: " فإن لم تكونوا دخلتم بهن فلا جناح عليكم "، فإنه يقول: فإن لم تكونوا، أيها الناس، دخلتم بأمهات ربائبكم اللاتي في حجوركم فجامعتموهن حتى طلقتموهن =" فلا جناح عليكم "، يقول: فلا حرج عليكم في نكاح من كان من ربائبكم كذلك. (55)* * *وأما قوله: " وحلائل أبنائكم الذين من أصلابكم "، فإنه يعني: وأزواج أبنائكم الذين من أصلابكم.* * *وهي جمع " حليلة " وهي امرأته. وقيل: سميت امرأة الرجل " حليلته "، لأنها تحلُّ معه في فراش واحد.* * *ولا خلاف بين جميع أهل العلم أن حليلة ابن الرجل، حرامٌ عليه نكاحها بعقد ابنه عليها النكاح، دخل بها أو لم يدخل بها.* * *فإن قال قائل: فما أنت قائلٌ في حلائل الأبناء من الرضاع، فإن الله تعالى إنما حرم حلائل أبنائِنا من أصلابنا؟قيل: إن حلائل الأبناء من الرضاع، وحلائل الأبناء من الأصلاب، سواء في التحريم. وإنما قال: " وحلائل أبنائكم الذين من أصلابكم "، لأن معناه: وحلائل أبنائكم الذين ولدتموهم، دون حلائل أبنائكم الذين تبنيتموهم، كما:-8960 - حدثنا القاسم قال، حدثنا الحسين قال، حدثنا حجاج، عن ابن جريج قال: قلت لعطاء: قوله: " وحلائل أبنائكم الذين من أصلابكم "، قال: كنا نُحدَّث، (56) والله أعلم، أنها نزلت في محمد صلى الله عليه وسلم. حين نكح امرأة زَيْد بن حارثة، قال المشركون في ذلك، فنزلت: " وحلائل أبنائكم الذين من أصلابكم "، ونزلت: وَمَا جَعَلَ أَدْعِيَاءَكُمْ أَبْنَاءَكُمْ [سورة الأحزاب: 4]، ونزلت: مَا كَانَ مُحَمَّدٌ أَبَا أَحَدٍ مِنْ رِجَالِكُمْ [سورة الأحزاب: 40]* * *وأما قوله: " وأن تجمعوا بين الأختين " فإن معناه: وحرم عليكم أن تجمعوا بين الأختين عندكم بنكاح = ف " أن " في موضع رفع، كأنه قيل: والجمع بين الأختين. (57)* * *=" إلا ما قد سلف " لكن ما قد مضى منكم (58) =" إن الله كان غفورًا " (59) لذنوب عباده إذا تابوا إليه منها =" رحيما " بهم فيما كلَّفهم من الفرائض، وخفَّف عنهم فلم يحمِّلهم فوق طاقتهم.يخبر بذلك جل ثناؤه: أنه غفور لمن كان جمع بين الأختين بنكاح في جاهليته، وقبلَ تحريمه ذلك، إذا اتقى الله تبارك وتعالى بعدَ تحريمه ذلك عليه، فأطاعه باجتنابه = رحيمٌ به وبغيره من أهل طاعته من خَلْقِه.* * *---------------الهوامش :(38) الآثار: 8944 - 8946 -"إسماعيل بن رجاء بن ربيعة الزبيدي" ، روى له مسلم والأربعة. ثقة ، كان يجمع صبيان المكاتب ويحدثهم لكي لا ينسى حديثه!و"عمير مولى ابن عباس" هو: عمير بن عبد الله الهلالي ، مولى أم الفضل. ثقة.وروى خبر ابن عباس ، الحاكم في المستدرك 2: 304 من طريق: محمد بن كثير ، عن سفيان ، عن الأعمش ، عن إسماعيل بن رجاء ، وقال: "هذا حديث صحيح على شرط الشيخين ولم يخرجاه" ووافقه الذهبي. وأشار إليه الحافظ في الفتح 5: 133 ، ونسبه للطبراني. وابن كثير في التفسير 2: 390.(39) الأثر: 8948 - رواه بهذا الإسناد البخاري في صحيحه (الفتح 5: 132) بغير هذا اللفظ ، ورواه بلفظه البيهقي في السنن الكبرى 7: 158 ، ولفظ البخاري: "حرم من النسب سبع ، ومن الصهر سبع" كالخبر السالف ، وانظر تفسير ابن كثير 2: 390.(40) الأثر: 8950 -"عمرو بن سالم" ، هو : "أبو عثمان الأنصاري" قاضي مرو ، مختلف فيه وفي اسم أبيه اختلاف كثير. وقيل: "اسمه كنيته" ، وهو مشهور بكنيته ، ولكن الطبري جاء به غير مكنى باسمه واسم أبيه.(41) "المبهمات" هن من المحرمات: ما لا يحل بوجه ولا سبب كتحريم الأم والأخت وما أشبهه. وقال القرطبي في تفسيره (5: 107): "وتحريم الأمهات عام في كل حال ، لا يتخصص بوجه من الوجوه ، ولهذا يسميه أهل العلم: (المبهم) ، أي لا باب فيه ولا طريق إليه ، لانسداد التحريم وقوته". وسأسوق لك ما قاله الأزهري في تفسيرها قال: "رأيت كثيرًا من أهل العلم يذهبون بهذا إلى إبهام الأمر واستبهامه ، وهو إشكاله = وهو غلط. قال: وكثير من ذوي المعرفة لا يميزون بين المبهم وغير المبهم من ألوان الخيل الذي لا شية فيه تخالف معظم لونه.قال: ولما سئل ابن عباس عن قوله: "وأمهات نسائكم" ولم يبين الله الدخول بهن ، أجاب فقال: هذا من مبهم التحريم ، الذي لا وجه فيه غير التحريم ، سواء دخلتم بالنساء أو لم تدخلوا بهن. فأمهات نسائكم حرمن عليكم من جميع الجهات.وأما قوله: "وربائبكم اللاتي في حجوركم من نسائكم اللاتي دخلتم بهن" ، فالربائب ههنا لسن من المبهمات ، لأن لهن وجهين مبينين: أحللن في أحدهما ، وحرمن في الآخر. فإذا دخل بأمهات الربائب حرمت الربائب ، وإن لم يدخل بأمهات الربائب لم يحرمن"فهذا تفسير"المبهم" الذي أراده ابن عباس فافهمه".وعقب على هذا ابن الأثير فقال: "هذا التفسير من الأزهري ، إنما هو للربائب والأمهات ، لا الحلائل ، وهو في أول الحديث إنما جعل سؤال ابن عباس عن الحلائل لا عن الربائب" ، وهو تعقيب غير جيد.ثم انظر"الإنصاف" للبطليوسي: 28 ، 29.(42) يعني: والذي تزوج امرأة فحرام عليه أمها.(43) في المخطوطة: "موضع موصولا به" ، ولا معنى لها ، وفي المطبوعة: "فوضع موصولا به" ولا معنى لها أيضًا ، واستظهرت صحتها"يرجع موصولا به" ، أي أن الشرط راجع إلى أمهات النساء والربائب جميعًا.(44) الأثران: 8951 ، 8952 -"خلاس بن عمرو الهجري" ثقة ، تكلموا في سماعه من علي ، وأن حديثه عنه من صحيفة كانت عنده ، ونص البخاري على ذلك في التاريخ الكبير 2 / 1 / 208. فمن أجل ذلك قال القرطبي في هذا الأثر: "وحديث خلاس عن علي لا تقوم به حجة ، ولا تصح روايته عند أهل العلم بالحديث ، والصحيح عنه مثل قول الجماعة".(45) الأثر: 8955 -"عكرمة بن خالد بن العاص بن هشام المخزومي" ، روى عن أبيه وأبي هريرة وابن عباس وابن عمر وغيرهم. وهو ثقة. وقال بعضهم: "منكر الحديث" وإنما خلط بينه وبين"عكرمة بن خالد بن سلمة بن العاص بن هشام المخزومي" ، وهما مختلفان.وانظر ما قاله ابن كثير في هذا الباب من تفسيره 2: 392-394 ، وذكر هذه الآثار.(46) الحديث: 8956 - المثنى بن الصباح الأبناوي المكي: مضت له ترجمة في: 4611. ونزيد هنا أنا نرى أن حديثه حسن ، لأنه اختلط أخيرًا ، كما فصلنا في شرح المسند ، في الحديث: 6893.ومن أجل الكلام فيه ذهب الطبري إلى أن في إسناد هذا الحديث نظرًا.وقد رواه البيهقي أيضًا في السنن الكبرى 7: 160 ، من طريق ابن المبارك ، عن المثنى بن الصباح. ثم قال البيهقي: "مثنى بن الصباح: غير قوي".ولكن المثنى لم ينفرد بروايته. فقد رواه البيهقي أيضًا - عقب رواية المثنى - من طريق ابن لهيعة ، عن عمر بن شعيب ، عن أبيه ، عن جده ، عن النبي صلى الله عليه وسلم ، بنحوه ، فهذه متابعة قوية للمثنى ، ترفع ما قد يظن من خطئه في روايته. والحديث نقله ابن كثير عن رواية الطبري هذه 2: 394 ، ضمن ما نقله من كلام الطبري في هذا الموضع.وذكره السيوطي 2: 135 وزاد نسبته لعبد الرزاق ، وعبد بن حميد. ونص على أن البيهقي رواه من طريقين وهما اللتان ذكرناهما.(47) في المخطوطة والمطبوعة: "لم يرها ولا يجامعها حتى يطلقها" ، وأثبت ما في الدر المنثور 2: 135 ، فهو أجود ، وقد مضى في الأثر رقم: 8941 ، "ثم لا يراها حتى يطلقها" ، وانظر تخريج الأثر.(48) في المطبوعة: "لا تبرأ" ، ثم في الذي يليه"ما تبرأ" ، وهو خطأ ، لم يحسن قراءة المخطوطة ، وفيها: "تترى" غير منقوطة. وصواب قراءتها ما أثبت. وقوله: "تترى" ، أي: متتابعة ، واحدة بعد واحدة ، وقد جاء السؤال عن"تترى" أيضًا في حديث رواه ابن سعد 2 / 2 / 131 ، عن قباث بن أشيم الليثي ، وجاء تفسيرها فيه"متفرقين".(49) في المطبوعة: "لا تبرأ" ، ثم في الذي يليه"ما تبرأ" ، وهو خطأ ، لم يحسن قراءة المخطوطة ، وفيها: "تترى" غير منقوطة. وصواب قراءتها ما أثبت. وقوله: "تترى" ، أي: متتابعة ، واحدة بعد واحدة ، وقد جاء السؤال عن"تترى" أيضًا في حديث رواه ابن سعد 2 / 2 / 131 ، عن قباث بن أشيم الليثي ، وجاء تفسيرها فيه"متفرقين".(50) الأثر: 8597 - مضى هذا الأثر مختصرًا بإسناده ، وبغير هذا اللفظ فيما سلف قريبًا رقم: 8941 ، وانظر التعليق عليه هناك.(51) في المطبوعة والمخطوطة: "قبيلة من مقبولة" بالباء الموحدة ، وليس صوابا ، بل الصواب ما أثبت ، ولعل الناسخ كتب ما كتب ، لأنهم قالوا: "رجل قتيل ، وامرأة قتيل" ، فهذا هو المشهور ، ولكنه أغفل أنهم إذا تركوا ذكر المرأة قالوا: "هذه قتيلة بني فلان" وقالوا: "مررت بقتيلة" ، ولم يقولوا في هذا"مررت بقتيل".(52) في المطبوعة: "جابر وجبير" بالجيم ، وفي المخطوطة ، أهمل نقط الأولى ، ونقط الثانية جيما ، وهو خطأ ، ليس في العربية شيء من ذلك ، بل الصواب ما أثبت و"الخابر والخبير": العالم بالخبر.(53) في المطبوعة: "يعس" ، وفي المخطوطة"يعيس" ، وصواب قراءتها ما أثبت. يقال: "اعتس الشيء" ، لمسه ورازه ليعرف خبره. وهو من الألفاظ التي لم تبين معناها كتب اللغة ، ولكن معناها مفرق في أثناء كلامها.(54) في المطبوعة والمخطوطة: "ألا ما يحرم علي من أمتي" ، وهو غير مستقيم ، وكأن الصواب المحض ما أثبته.(55) انظر تفسير"الجناح" فيما سلف 3: 230 ، 231 / 4: 162 ، 566 / 5: 70 ، 117 ، 138.(56) في المخطوطة والمطبوعة: "كنا نتحدث" ، وهو خطأ ، والصواب ما أثبت ، لأن عطاء يروي ما سمعه من أهل العلم من شيوخه. وانظر ابن كثير 2: 396.(57) انظر معاني القرآن للفراء 1: 260.(58) انظر تفسير"إلا" ، وتفسير"سلف" فيما سلف قريبًا: 137 ، 138 ، تعليق: 50.(59) في المخطوطة والمطبوعة: "فإن الله" ، فأثبتها على منهجه في التفسير ، بذكر نص الآية.

الصفحة السابقة الصفحة التالية