تفسير سورة القمر - تفسير الطبري الصفحة رقم 531 من القرآن الكريم

تفسير الصفحة رقم 531 من المصحف
وَمَآ أَمْرُنَآ إِلَّا وَٰحِدَةٌ كَلَمْحٍۭ بِٱلْبَصَرِ (50)
القول في تأويل قوله تعالى : وَمَا أَمْرُنَا إِلا وَاحِدَةٌ كَلَمْحٍ بِالْبَصَرِ (50)يقول تعالى ذكره: وما أمرنا للشيء إذا أمرناه وأردنا أن نكوّنه إلا قولة واحدة: كن فيكون, لا مراجعة فيها ولا مرادّة ( كَلَمْحٍ بِالْبَصَرِ ) يقول جلّ ثناؤه: فيوجد ما أمرناه وقلنا له: كن كسرعة اللمح بالبصر لا يُبطئ ولا يتأخر, يقول تعالى ذكره لمشركي قريش الذين كذّبوا رسوله محمدا صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسَلَّم: ولقد أهلكنا أشياعكم معشر قريش من الأمم السالفة والقرون الخالية, على مثل الذي أنتم عليه من الكفر بالله, وتكذيب رسله ( فَهَلْ مِنْ مُدَّكِرٍ ) يقول: فهل من مُتَّعِظ بذلك منزجر ينزجر به.
وَلَقَدْ أَهْلَكْنَآ أَشْيَاعَكُمْ فَهَلْ مِن مُّدَّكِرٍ (51)
كما حدثني يونس, قال: أخبرنا ابن وهب, قال: قال ابن زيد, في قوله: ( وَلَقَدْ أَهْلَكْنَا أَشْيَاعَكُمْ فَهَلْ مِنْ مُدَّكِرٍ ) قال: أشياعكم من أهل الكفر من الأمم الماضية, يقول: فهل من أحد يتذكر.
وَكُلُّ شَىْءٍ فَعَلُوهُ فِى ٱلزُّبُرِ (52)
وقوله: ( وَكُلُّ شَيْءٍ فَعَلُوهُ فِي الزُّبُرِ ) يقول تعالى ذكره: وكل شيء فعله أشياعكم الذين مضوا قبلكم معشر كفَّار قريش في الزُّبر, يعني في الكتب التي كتبتها الحفظة عليهم. وقد يحتمل أن يكون مرادا به في أمّ الكتاب.كما حُدثت عن الحسين, قال: سمعت أبا معاذ يقول: ثنا عبيد, قال: سمعت الضحاك يقول في قوله: ( فِي الزُّبُرِ ) قال: الكُتب.حدثني يونس, قال: أخبرنا ابن وهب, قال: قال ابن زيد, في قوله: ( وَكُلُّ شَيْءٍ فَعَلُوهُ فِي الزُّبُرِ ) قال: في الكتاب.
وَكُلُّ صَغِيرٍ وَكَبِيرٍ مُّسْتَطَرٌ (53)
القول في تأويل قوله تعالى : وَكُلُّ صَغِيرٍ وَكَبِيرٍ مُسْتَطَرٌ (53)يقول تعالى ذكره : ( وَكُلُّ صَغِيرٍ وَكَبِيرٍ ) من الأشياء ( مُسْتَطَرٌ ) يقول: مُثْبَت في الكتاب مكتوب.وبنحو الذي قلنا في ذلك قال أهل التأويل.* ذكر من قال ذلك:حدثني محمد بن سعد, قال: ثني أبي, قال: ثني عمي, قال: ثني أبي, عن أبيه, عن ابن عباس, قوله: ( وَكُلُّ صَغِيرٍ وَكَبِيرٍ مُسْتَطَرٌ ) يقول: مكتوب, " فإذا أراد الله أن ينزل كتابا نَسَخَتْهُ السَّفَرةُ" . قوله: ( وَكُلُّ صَغِيرٍ وَكَبِيرٍ مُسْتَطَرٌ ) قال: مكتوب.حدثنا بشر, قال: ثنا عبيد الله بن معاذ, عن أبيه, عن عمران بن حُدَير, عن عكرِمة, قال: مكتوب في كلّ سطر.حدثنا ابن عبد الأعلى, قال: ثنا ابن ثور, عن معمر, عن قتادة ( مُسْتَطَرٌ ) قال: محفوظ مكتوب.حدثنا بشر, قال: ثنا يزيد, قال: ثنا سعيد, عن قتادة, قوله: ( وَكُلُّ صَغِيرٍ وَكَبِيرٍ مُسْتَطَرٌ ) أي محفوظ.حُدثت عن الحسين, قال: سمعت أبا معاذ يقول: أخبرنا عبيد, قال: سمعت الضحاك يقول ( مُسْتَطَرٌ ) قال: مكتوب.حدثني يونس, قال: أخبرنا ابن وهب, قال: قال ابن زيد, في قوله: ( وَكُلُّ صَغِيرٍ وَكَبِيرٍ مُسْتَطَرٌ ) قال: مكتوب, وقرأ وَمَا مِنْ دَابَّةٍ فِي الأَرْضِ إِلا عَلَى اللَّهِ رِزْقُهَا وَيَعْلَمُ مُسْتَقَرَّهَا وَمُسْتَوْدَعَهَا كُلٌّ فِي كِتَابٍ مُبِينٍ وقرأ وَمَا مِنْ دَابَّةٍ فِي الأَرْضِ وَلا طَائِرٍ يَطِيرُ بِجَنَاحَيْهِ إِلا أُمَمٌ أَمْثَالُكُمْ مَا فَرَّطْنَا فِي الْكِتَابِ مِنْ شَيْءٍ إنما هو مفتعل من سطرت: إذا كتبت سطرا.
إِنَّ ٱلْمُتَّقِينَ فِى جَنَّٰتٍ وَنَهَرٍ (54)
وقوله: ( إِنَّ الْمُتَّقِينَ فِي جَنَّاتٍ وَنَهَرٍ ) يقول تعالى ذكره: إن الذين اتقوا عقاب الله بطاعته وأداء فرائضه, واجتناب معاصيه في بساتين يوم القيامة, وأنهار, ووحد النهر في اللفظ ومعناه الجمع, كما وحد الدّبر, ومعناه الإدبار في قوله: ( يُوَلُّونَ الدُّبُرَ ) وقد قيل: إن معنى ذلك: إن المتقين في سعة يوم القيامة وضياء, فوجهوا معنى قوله: ( وَنَهَرٍ ) إلى معنى النهار. وزعم الفرّاء أنه سمع بعض العرب ينشد:إنْ تَكُ لَيْلِيًّا فإنيّ نَهِرْمتى أتى الصُّبْحُ فَلا أنْتَظِر (1)وقوله " نهر " على هذا التأويل مصدر من قولهم: نهرت أنهر نهرا. وعنى بقوله: " فإني نهر ": أي إني لصاحب نهار: أي لست بصاحب ليلة.
فِى مَقْعَدِ صِدْقٍ عِندَ مَلِيكٍ مُّقْتَدِرٍۭ (55)
وقوله: ( فِي مَقْعَدِ صِدْقٍ ) يقول: في مجلس حقّ لا لغو فيه ولا تأثيم ( عِنْدَ مَلِيكٍ مُقْتَدِرٍ ) يقول: عند ذي مُلك مقتدر على ما يشاء, وهو الله ذو القوّة المتين, تبارك وتعالى .آخر تفسير سورة اقتربت الساعة