تفسير سورة المائدة الصفحة 117 من القرآن الكريم

تفسير الصفحة رقم 117 من المصحف


يَٰٓأَيُّهَا ٱلَّذِينَ ءَامَنُوا۟ لَا تَتَّخِذُوا۟ ٱلْيَهُودَ وَٱلنَّصَٰرَىٰٓ أَوْلِيَآءَ بَعْضُهُمْ أَوْلِيَآءُ بَعْضٍ وَمَن يَتَوَلَّهُم مِّنكُمْ فَإِنَّهُۥ مِنْهُمْ إِنَّ ٱللَّهَ لَا يَهْدِى ٱلْقَوْمَ ٱلظَّٰلِمِينَ (51)


القول في تأويل قوله عز ذكره : يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لا تَتَّخِذُوا الْيَهُودَ وَالنَّصَارَى أَوْلِيَاءَ بَعْضُهُمْ أَوْلِيَاءُ بَعْضٍقال أبو جعفر: اختلف أهل التأويل في المعنيِّ بهذه الآية، وإن كان مأمورًا بذلك جميع المؤمنين.فقال بعضهم: عنى بذلك عبادة بن الصامت، وعبد الله بن أبي ابن سلول، في براءة عُبَادة من حلف اليهود، وفي تمسك عبد الله بن أبي ابن سلول بحلف اليهود، بعد ما ظهرت عداوتهم لله ولرسوله صلى الله عليه وسلم= وأخبره الله أنه إذا تولاهم وتمسَّك بحلفهم: أنه منهم في براءته من الله ورسوله كَبرَاءتهم منهما.ذكر من قال ذلك:12156 - حدثنا أبو كريب قال، حدثنا ابن إدريس قال، سمعت أبي، عن عطية بن سعد قال: جاء عبادة بن الصامت من بني الحارث بن الخزرج، إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال: يا رسول الله، إن لي موالي من يهود كثيرٌ عدَدُهم، وإني أبرأ إلى الله ورسوله من وَلاية يهود، وأتولَّى الله ورسوله. فقال عبد الله بن أبي: إنّي رجل أخاف الدَّوائر، لا أبرأ من ولاية مواليّ. فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم لعبد الله ابن أبيّ: يا أبا الحباب، ما بخلتَ به من ولاية يهود على عبادة بن الصامت فهو إليك دونه؟ (1) قال: قد قبلتُ. فأنزل الله: " يا أيها الذين آمنوا لا تتخذوا اليهود والنصارى أولياء بعضُهم أولياء بعض " إلى قوله: فَتَرَى الَّذِينَ فِي قُلُوبِهِمْ مَرَضٌ .12157 - حدثنا هناد قال، حدثنا يونس بن بكير قال، حدثني عثمان بن عبد الرحمن، عن الزهري قال: لما انهزم أهلُ بدر، قال المسلمون لأوليائهم من يهود: آمنوا قبل أن يصيبكم الله بيوٍم مثل يوم بدر! فقال مالك بن صيف: غرَّكم أن أصبتم رهطًا من قريش لا علم لهم بالقتال!! أما لو أمْرَرْنَا العزيمة أن نستجمع عليكم، (2) لم يكن لكم يدٌ أن تقاتلونا‍! فقال عبادة: يا رسول الله، إن أوليائي من اليهود كانت شديدةً أنفسهم، كثيًرا سلاحهم، شديدةً شَوْكتُهم، وإني أبرأ إلى الله وإلى رسوله من وَلايتهم، ولا مولى لي إلا الله ورسوله. فقال عبد الله بن أبيّ: لكني لا أبرأ من ولاء يهود، إنّي رجل لا بدَّ لي منهم! فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم:يا أبا حُباب، أرأيت الذي نَفِست به من ولاء يهود على عبادة، فهو لك دونه؟ قال: إذًا أقبلُ! فأنزل الله تعالى ذكره: " يا أيها الذين آمنوا لا تتخذوا اليهود والنصارى أولياء بعض أولياء بعض " إلى أن بلغ إلى قوله: وَاللَّهُ يَعْصِمُكَ مِنَ النَّاسِ . (3)12158 - حدثنا هناد قال، حدثنا يونس قال، حدثنا ابن إسحاق قال، حدثني والدي إسحاق بن يسار، عن عبادة بن الوليد بن عبادة بن الصامت قال: لما حاربت بنو قينقاع رسول الله صلى الله عليه وسلم، تشبَّث بأمرهم عبد الله بن أبيّ وقام دونهم، ومشى عبادة بن الصامت إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم= وكان أحد بني عوف بن الخزرج، له من حلفهم مثلُ الذي لهم من عبد الله بن أبيّ= فخلعهم إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم، وتبرأ إلى الله وإلى رسوله من حلفهم، وقال: يا رسول الله، أتبرَّأ إلى الله وإلى رسوله من حلفهم، وأتولى الله ورسوله والمؤمنين، وأبرأ من حلف الكُفّار وَولايتهم! ففيه وفي عبد الله بن أبيّ نزلت الآيات في" المائدة ": " يا أيها الذين آمنوا لا تتْخذوا اليهود والنصارى أولياء بعضهم أولياء بعضٍ"، الآية. (4)* * *وقال آخرون: بل عُني بذلك قومٌ من المؤمنين كانوا هَمُّوا حين نالهم بأحُدٍ من أعدائهم من المشركين ما نالهم= أن يأخذوا من اليهود عِصَمًا، (5) فنهاهم الله عن ذلك، وأعلمهم أنّ من فعل ذلك منهم فهو منهم.ذكر من قال ذلك:12159 - حدثني محمد بن الحسين قال، حدثنا أحمد بن المفضل قال، حدثنا أسباط، عن السدي: " يا أيها الذين آمنوا لا تتخذوا اليهود والنصارى أولياء بعضهم أولياء بعض ومن يتولهم منكم فإنه منهم "، قال: لما كانت وقعة أحُدٍ، اشتدّ على طائفة من الناس، وتخوَّفوا أن يُدَال عليهم الكفَّار، (6) فقال رجل لصاحبه: أمَّا أنا فألحق بدهلك اليهوديّ، فآخذ منه أمانًا وأتهَوّد معه، (7) فإني أخاف أن تُدال علينا اليهود‍. وقال الآخر: أمَّا أنا فألحق بفلانٍ النصراني ببعض أرض الشأم، فآخذ منه أمانًا وأتنصَّر معه،‍ فأنزل الله تعالى ذكره ينهاهما: " يا أيها الذين آمنوا لا تتخذوا اليهودَ والنصارَى أولياءَ بعضهم أولياء بعض ومن يتولهم منكم فإنه منهم إن الله لا يهدي القوم الظالمين ".* * *وقال آخرون: بل عُني بذلك أبو لبابة بن عبد المنذر، في إعلامه بني قريظة إذ رَضُوا بحكم سعدٍ: أنه الذَّبح.ذكر من قال ذلك:12160 - حدثنا القاسم قال، حدثنا الحسين قال، حدثني حجاج، عن ابن جريج، عن عكرمة قوله: " يا أيها الذين آمنوا لا تتخذوا اليهود والنصارى أولياء بعضهم أولياء بعض ومن يتولهم منكم فإنه منهم "، قال: بعث رسول الله صلى الله عليه وسلم أبا لُبابة بن عبد المنذر، من الأوس= وهو من بني عمرو بن عوف= فبعثه إلى قريظة حين نَقَضت العهد، فلما أطاعوا له بالنزول، (8) أشار إلى حلقه: الذَّبْحَ الذَّبْحَ.* * *قال أبو جعفر: والصواب من القول في ذلك عندنا أن يقال: إن الله تعالى ذكره نهَىَ المؤمنين جميعا أن يتخذوا اليهود والنصارى أنصارًا وحلفاءَ على أهل الإيمان بالله ورسوله وغيرَهم، (9) وأخبر أنه من اتخذهم نصيرًا وحليفًا ووليًّا من دون الله ورسوله والمؤمنين، فإنه منهم في التحزُّب على الله وعلى رسوله والمؤمنين، وأن الله ورسوله منه بريئان. وقد يجوز أن تكون الآية نزلت في شأن عبادة بن الصامت وعبد الله بن أبي ابن سلول وحلفائهما من اليهود= ويجوز أن تكون نزلت في أبي لبابة بسبب فعله في بني قريظة= ويجوز أن تكون نزلت في شأن الرَّجلين اللذين ذكر السدي أن أحدَهما همَّ باللحاق بدهلك اليهودي، والآخر بنصرانيّ بالشأم= ولم يصحّ بواحدٍ من هذه الأقوال الثلاثة خبرٌ تثبت بمثله حجة، فيسلّم لصحته القولُ بأنه كما قيل.فإذْ كان ذلك كذلك، فالصواب أن يحكم لظاهر التنزيل بالعموم على ما عمَّ، ويجوز ما قاله أهل التأويل فيه من القول الذي لا علم عندنا بخلافه. غير أنه لا شك أن الآية نزلت في منافق كان يوالي يهودًا أو نصارى خوفًا على نفسه من دوائر الدهر، لأن الآية التي بعد هذه تدلّ على ذلك، وذلك قوله: فَتَرَى الَّذِينَ فِي قُلُوبِهِمْ مَرَضٌ يُسَارِعُونَ فِيهِمْ يَقُولُونَ نَخْشَى أَنْ تُصِيبَنَا دَائِرَةٌ الآية.وأما قوله: " بعضهم أولياء بعض "، فإنه عنى بذلك: أن بعض اليهود أنصار بعضهم على المؤمنين، ويد واحدة على جميعهم= وأن النصارى كذلك، بعضهم أنصار بعض على من خالف دينهم وملتهم= معرِّفًا بذلك عباده المؤمنين: أنّ من كان لهم أو لبعضهم وليًّا، فإنما هو وليهُّم على من خالف ملتهم ودينهم من المؤمنين، كما اليهود والنصارى لهم حَرْب. فقال تعالى ذكره للمؤمنين: فكونوا أنتم أيضًا بعضكم أولياء بعض، ولليهوديّ والنصراني حربًا كما هم لكم حرب، وبعضهم لبعض أولياء، لأن من والاهم فقد أظهر لأهل الإيمان الحربَ، ومنهم البراءة، وأبان قطع وَلايتهم. (10)* * *القول في تأويل قوله عز ذكره : وَمَنْ يَتَوَلَّهُمْ مِنْكُمْ فَإِنَّهُ مِنْهُمْقال أبو جعفر: يعني تعالى ذكره بقوله: " ومن يتولهم منكم فإنه منهم "، ومن يتولَّ اليهود والنصارى دون المؤمنين، فإنه منهم. يقول: فإن من تولاهم ونصرَهم على المؤمنين، فهو من أهل دينهم وملتهم، فإنه لا يتولى متولً أحدًا إلا وهو به وبدينه وما هو عليه راضٍ. وإذا رضيه ورضي دينَه، فقد عادى ما خالفه وسَخِطه، وصار حكُمه حُكمَه، (11) ولذلك حَكَم مَنْ حكم من أهل العلم لنصارى بني تغلب في ذبائحهم ونكاح نسائهم وغير ذلك من أمورهم، بأحكام نصَارَى بني إسرائيل، لموالاتهم إياهم، ورضاهم بملتهم، ونصرتهم لهم عليها، وإن كانت أنسابهم لأنسابهم مخالفة، وأصل دينهم لأصل دينهم مفارقًا.* * *وفي ذلك الدلالةُ الواضحة على صحة ما نقول، من أن كل من كان يدين بدينٍ فله حكم أهل ذلك الدين، كانت دينونته به قبل مجيء الإسلام أو بعده. إلا أن يكون مسلمًا من أهل ديننا انتقل إلى ملّة غيرِها، فإنه لا يُقَرُّ على ما دان به فانتقل إليه، ولكن يقتل لردَّته عن الإسلام ومفارقته دين الحق، إلا أن يرجع قبل القَتْل إلى الدين الحق= (12) وفسادِ ما خالفه من قول من زعم: أنه لا يحكم بحكم أهل الكتابين لمن دان بدينهم، إلا أن يكون إسرائيليًّا أو منتقلا إلى دينهم من غيرهم قبل نزول الفرقان. فأما من دان بدينهم بعد نزول الفُرْقان، ممن لم يكن منهم، ممن خالف نسبُه نسبهم وجنسه جنسهم، فإنه حكمه لحكمهم مخالفٌ. (13)* * *ذكر من قال بما قلنا من التأويل.12161 - حدثنا ابن وكيع قال، حدثنا حميد بن عبد الرحمن الرُّؤَاسي، عن ابن أبي ليلى، عن الحكم، عن سعيد بن جبير قال: سئل ابن عباس عن ذبائح نصارى العرب، فقرأ: " ومن يتولَّهم منكم فإنه منهم ". (14)12162 - حدثني المثنى قال، حدثنا عبد الله بن صالح قال، حدثني معاوية بن صالح، عن علي بن أبي طلحة، عن ابن عباس في هذه الآية: " يا أيها الذين آمنوا لا تتخذوا اليهود والنصارى أولياء بعضهم أولياء بعض ومن يتولهم منكم فإنه منهم "، أنها في الذبائح. من دخل في دين قوم فهو منهم.12163 - حدثني المثنى قال، حدثنا حجاج قال، حدثنا حماد، عن عطاء بن السائب، عن عكرمة، عن ابن عباس قال: كلوا من ذبائح بني تغلب، وتزوّجوا من نسائهم، فإن الله بقول في كتابه: " يا أيها الذين آمنوا لا تتخذوا اليهود والنصارى أولياء بعضهم أولياء بعض ومن يتولهم منكم فإنه منهم "، ولو لم يكونوا منهم إلا بالولاية لكانوا منهم.12164 - حدثنا ابن وكيع قال، حدثنا حسين بن علي، عن زائدة، عن هشام قال: كان الحسن لا يرى بذبائح نصارى العرب ولا نكاح نسائهم بأسًا، وكان يتلو هذه الآية: " يا أيها الذين آمنوا لا تتخذوا اليهودَ والنصارَى أولياء بعضهم أولياء بعض ومن يتولهَّم منكم فإنه منهم ". (15)12165 - حدثني المثنى قال، حدثنا سويد، قال، أخبرنا ابن المبارك، عن هارون بن إبراهيم قال: سئل ابن سيرين عن رجل يبيع دارَه من نصارَى يتخذونها بِيعَةً، قال: فتلا هذه الآية: لا تَتَّخِذُوا الْيَهُودَ وَالنَّصَارَى أَوْلِيَاءَ .* * *القول في تأويل قوله : إِنَّ اللَّهَ لا يَهْدِي الْقَوْمَ الظَّالِمِينَ (51)قال أبو جعفر: يعني تعالى ذكره بذلك: إن الله لا يوفِّق من وضع الولاية في غير موضعها، فوالى اليهود والنصارى= مع عداوتهم الله ورسوله والمؤمنين= على المؤمنين، وكان لهم ظهيًرا ونصيرًا، لأن من تولاهم فهو لله ولرسوله وللمؤمنين حَرْبٌ.وقد بينا معنى " الظلم " في غير هذا الموضع، وأنه وضع الشيء في غير موضعه، بما أغنى عن إعادته.-----------------الهوامش :(1) في المخطوطة: "فهو إلى دونه" ، والصواب ما في المطبوعة.(2) في المطبوعة: "أسررنا العزيمة" ، وهو خطأ ، والصواب من المخطوطة."أمر الحبل يمره إمرارًا" : فتله فتلاً محكمًا قويًا. يعني: أجمعنا عزيمتنا.(3) الأثر: 12157-"عثمان بن عبد الرحمن بن عمر بن سعد بن أبي وقاص الزهري" ، ضعيف متروك الحديث. مضى برقم: 5754.(4) الأثر: 12158- سيرة ابن هشام 3: 52 ، 53.(5) "العصم" جمع"عصمة": وهي الحبال والعهود ، تعصمهم وتمنعهم من الضياع.(6) "أديل عليه" (بالبناء للمجهول): أي كانت له الدولة والغلبة.(7) "دهلك اليهودي" لم أجد له ذكرًا فيما بين يدي من الكتب. وأخشى أن يكون اسمه تحريف.(8) في المخطوطة: "أطاعوا الله بالنزول" ، والجيد ما في المطبوعة.(9) في المطبوعة ، حذف قوله: "وغيرهم".(10) انظر تفسير"ولي" و"أولياء" فيما سلف 9: 319 ، تعليق: 1 ، والمراجع هناك.(11) انظر تفسير"التولي" فيما سلف 9: 319 ، تعليق: 1 ، والمراجع هناك.(12) قوله: "وفساد ما خالفه" ، مجرور معطوف على قوله آنفا: "وفي ذلك الدلالة الواضحة على صحة ما نقول".(13) انظر ما سلف 9: 573- 587(14) الأثر: 12161-"حميد بن عبد الرحمن الرؤاسي" ، ثقة. مضى برقم: 178 ، 886 ، 5347.(15) الأثر: 12164-"حسين بن علي بن الوليد الجعفي" ، مضى مرارًا ، منها: 29 ، 174 ، 441 ، 4415 ، 7287 ، 7499 ، 11463 ، وكان في المطبوعة"حسن بن علي" ، وهو خطأ ، وفي المخطوطة غير منقوط.و"زائدة" ، هو: "زائدة بن قدامة الثقفي" ، مضى برقم: 29 ، 4897 ، 7287.

فَتَرَى ٱلَّذِينَ فِى قُلُوبِهِم مَّرَضٌ يُسَٰرِعُونَ فِيهِمْ يَقُولُونَ نَخْشَىٰٓ أَن تُصِيبَنَا دَآئِرَةٌ فَعَسَى ٱللَّهُ أَن يَأْتِىَ بِٱلْفَتْحِ أَوْ أَمْرٍ مِّنْ عِندِهِۦ فَيُصْبِحُوا۟ عَلَىٰ مَآ أَسَرُّوا۟ فِىٓ أَنفُسِهِمْ نَٰدِمِينَ (52)


القول في تأويل قوله : فَتَرَى الَّذِينَ فِي قُلُوبِهِمْ مَرَضٌ يُسَارِعُونَ فِيهِمْ يَقُولُونَ نَخْشَى أَنْ تُصِيبَنَا دَائِرَةٌاختلف أهل التأويل فيمن عنى بهذه الآية.فقال بعضهم: عنى بها عبد الله بن أبي ابن سلول.ذكر من قال ذلك:12166 - حدثنا أبو كريب قال، حدثنا ابن إدريس قال، سمعت أبي، عن عطية بن سعد: " فترى الذين في قلوبهم مرض "، عبد الله بن أبي=" يسارعون فيهم "، في ولايتهم=" يقولون نخشى أن تصيبنا دائرة "، إلى آخر الآية: فَيُصْبِحُوا عَلَى مَا أَسَرُّوا فِي أَنْفُسِهِمْ نَادِمِينَ .12167 - حدثنا هناد قال، حدثنا يونس بن بكير قال، حدثنا ابن إسحاق قال، حدثني والدي إسحاق بن يسار، عن عبادة بن الوليد بن عبادة بن الصامت: " فترى الذين في قلوبهم مرض "، يعني عبد الله بن أبي=" يسارعون فيهم يقولون نخشى أن تصيبنا دائرة "، لقوله: إني أخشى دائرةً تُصِيبني! (16)* * *وقال آخرون: بل عُني بذلك قومٌ من المنافقين كانوا يُناصِحون اليهود ويغشون المؤمنين، ويقولون: " نخشى أن تكون الدائرة لليهود على المؤمنين "! (17)ذكر من قال ذلك:12168 - حدثني محمد بن عمرو قال، حدثنا أبو عاصم قال، حدثنا عيسى، عن ابن أبي نجيح، عن مجاهد في قول الله تعالى ذكره: " فترى الذين في قلوبهم مرض يسارعون فيهم "، قال: المنافقون، في مصانعة يهود، ومناجاتهم، واسترضاعهم أولادَهم إياهم= وقول الله تعالى ذكره: " نخشى أن تصيبنا دائرة "، قال يقول: نخشى أن تكون الدَّائرة لليهود.12169 - حدثني المثنى قال، حدثنا أبو حذيفة قال، حدثنا شبل، عن ابن أبي نجيح، عن مجاهد، مثله.12170 - حدثنا بشر بن معاذ قال، حدثنا يزيد بن زريع قال، حدثنا سعيد، عن قتادة قوله: " فترى الذين في قلوبهم مرض " إلى قوله: نَادِمِينَ ، أُناسٌ من المنافقين كانوا يوادُّون اليهود ويناصحونهم دون المؤمنين.12171 - حدثني محمد بن الحسين قال، حدثنا أحمد بن مفضل قال، حدثنا أسباط، عن السدي: " فترى الذين في قلوبهم مرض "، قال: شك =" يسارعون فيهم يقولون نخشى أن تصيبنا دائرة "، و " الدائرة "، ظهور المشركين عليهم.* * *قال أبو جعفر: والصواب من القول في ذلك عندنا أن يقال: إن ذلك من الله خبر عن ناس من المنافقين كانوا يوالون اليهودَ والنصارى ويغشُّون المؤمنين، ويقولون: نخشى أن تدور دوائر= إما لليهود والنصارى، وإما لأهل الشرك من عبدة الأوثان، أو غيرهم= على أهل الإسلام، أو تنزل بهؤلاء المنافقين نازلةٌ، فيكون بنا إليهم حاجة.وقد يجوز أن يكون ذلك كان من قول عبد الله بن أبي، ويجوز أن يكون كان من قول غيره، غير أنه لا شك أنه من قول المنافقين.* * *فتأويل الكلام إذًا: فترى، يا محمد، الذين في قلوبهم شكٌّ، (18) ومرضُ إيمانٍ بنبوّتك وتصديق ما جئتهم به من عند ربك (19) =" يسارعون فيهم "، يعني في اليهود والنصارى= ويعني بمسارعتهم فيهم: مسارعتهم في مُوالاتهم ومصانعتهم (20) =" يقولون نخشى أن تصيبنا دائرة "، يقول هؤلاء المنافقون: إنما نسارع في موالاة هؤلاء اليهود والنصارى، خوفًا من دائرة تدور علينا من عدوّنا. (21)* * *ويعني ب" الدائرة "، الدولة، كما قال الراجز: (22)تَرُدُّ عَنْكَ القَدَرَ المَقْدُورَاوَدَائِرَاتِ الدَّهْرِ أَنْ تَدُورَا (23)يعني: أن تدول للدهر دولة، فنحتاج إلى نصرتهم إيانا، فنحن نواليهم لذلك. فقال الله تعالى ذكره لهم: فَعَسَى اللَّهُ أَنْ يَأْتِيَ بِالْفَتْحِ أَوْ أَمْرٍ مِنْ عِنْدِهِ فَيُصْبِحُوا عَلَى مَا أَسَرُّوا فِي أَنْفُسِهِمْ نَادِمِينَ .* * *القول في تأويل قوله : فَعَسَى اللَّهُ أَنْ يَأْتِيَ بِالْفَتْحِ أَوْ أَمْرٍ مِنْ عِنْدِهِ فَيُصْبِحُوا عَلَى مَا أَسَرُّوا فِي أَنْفُسِهِمْ نَادِمِينَ (52)قال أبو جعفر: يعني تعالى ذكره بقوله: " فعسى الله أن يأتي بالفتح أو أمر من عنده "، فلعل الله أن يأتي بالفتح. (24)* * *ثم اختلفوا في تأويل " الفتح " في هذا الموضع.فقال بعضهم: عُنى به ههنا، القضاء.ذكر من قال ذلك:12172 - حدثنا بشر بن معاذ قال، حدثنا يزيد قال، حدثنا سعيد، عن قتادة: " فعسى الله أن يأتي بالفتح "، قال: بالقضاء.* * *وقال آخرون: عني به فتح مكة.ذكر من قال ذلك:12173 - حدثني محمد بن الحسين قال، حدثنا أحمد بن مفضل قال، حدثنا أسباط، عن السدي: " فعسى الله أن يأتي بالفتح "، قال: فتح مكة.* * *و " الفتح " في، كلام العرب، هو القضاء، كما قال قتادة، ومنه قول الله تعالى ذكره: رَبَّنَا افْتَحْ بَيْنَنَا وَبَيْنَ قَوْمِنَا بِالْحَقِّ [سورة الأعراف: 89].وقد يجوز أن يكون ذلك القضاء الذي وعدَ الله نبيه محمدًا صلى الله عليه وسلم بقوله: " فعسى الله أن يأتي بالفتح " فتح، مكة، لأن ذلك كان من عظيم قضاءِ الله، وفَصْل حُكمه بين أهل الإيمان والكفر، ومقرِّرًا عند أهل الكفر والنفاق، (25) أن الله معلي كلمته وموهن كيد الكافرين. (26)* * *وأما قوله: " أو أمر من عنده "، فإن السدي كان يقول في ذلك، ما:-12174 - حدثني محمد بن الحسين قال، حدثنا أحمد بن مفضل قال، حدثنا أسباط، عن السدي: " أو أمر من عنده " قال: " الأمر "، الجزية.* * *وقد يحتمل أن يكون " الأمر " الذي وعد الله نبيه محمدًا صلى الله عليه وسلم أن يأتي به هو الجزية، ويحتمل أن يكون غيرها. (27) غير أنه أيّ ذلك كان، فهو مما فيه إدالة المؤمنين على أهل الكفر بالله وبرسوله، ومما يسوء المنافقين ولا يسرُّهم. وذلك أن الله تعالى ذكره قد أخبر عنهم أنّ ذلك الأمر إذا جاء، أصبحوا على ما أسرُّوا في أنفسهم نادمين.* * *وأما قوله: " فيصبحوا على ما أسرُّوا في أنفسهم نادمين "، فإنه يعني هؤلاء المنافقين الذين كانوا يوالون اليهود والنصارى. يقول تعالى ذكره: لعل الله أن يأتي بأمرٍ من عنده يُديل به المؤمنين على الكافرين من اليهود والنصارى وغيرهم من أهل الكفر، فيصبح هؤلاء المنافقون على ما أسرُّوا في أنفسهم من مخالّة اليهود والنصارى ومودّتهم، وبغْضَة المؤمنين ومُحَادّتهم،" نادمين "، كما:-12175 - حدثنا بشر قال، حدثنا يزيد قال، حدثنا سعيد، عن قتادة: " فيصبحوا على ما أسروا في أنفسهم نادمين "، من موادّتهم اليهود، ومن غِشِّهم للإسلام وأهله.----------------الهوامش :(16) الأثر: 12167- سيرة ابن هشام 3: 53 ، مختصرًا وهو تابع الأثر السالف رقم: 12158.(17) في المطبوعة: "أن تكون دائرة" ، وأثبت ما في المخطوطة.(18) في المطبوعة: "في قلوبهم مرض وشك إيمان" ، غير ما في المخطوطة وهو الصواب المحض. لأنه يريد: أن المرض قد دخل إيمانهم وتصديقهم ، بعد ذكر"الشك".(19) انظر تفسير"المرض" فيما سلف 1: 278- 281.(20) انظر تفسير"المسارعة" فيما سلف 7: 130 ، 207 ، 418/10: 301 وما بعدها.(21) انظر تفسير"الإصابة" فيما سلف ص: 1393 ، تعليق: 2 ، والمراجع هناك.(22) هو حميد الأرقط.(23) مجاز القرآن لأبي عبيدة 1: 169 ، ولم أجد سائر الرجز.(24) انظر تفسير"عسى" فيما سلف 4: 298/8: 579.(25) في المطبوعة والمخطوطة: "ويقرر" ، وكأن الصواب ما أثبت.(26) انظر تفسير"الفتح" فيما سلف 2: 254 ، 332/9: 323 ، 324.(27) في المخطوطة: "أن يكون إلى غيرها" ، وكأنه خطأ من الناسخ.

وَيَقُولُ ٱلَّذِينَ ءَامَنُوٓا۟ أَهَٰٓؤُلَآءِ ٱلَّذِينَ أَقْسَمُوا۟ بِٱللَّهِ جَهْدَ أَيْمَٰنِهِمْ إِنَّهُمْ لَمَعَكُمْ حَبِطَتْ أَعْمَٰلُهُمْ فَأَصْبَحُوا۟ خَٰسِرِينَ (53)


القول في تأويل قوله : وَيَقُولُ الَّذِينَ آمَنُوا أَهَؤُلاءِ الَّذِينَ أَقْسَمُوا بِاللَّهِ جَهْدَ أَيْمَانِهِمْ إِنَّهُمْ لَمَعَكُمْ حَبِطَتْ أَعْمَالُهُمْ فَأَصْبَحُوا خَاسِرِينَ (53)قال أبو جعفر: اختلفت القرأة في قراءة قوله: " ويقول الذين آمنوا ". فقرأتها قرأة أهل المدينة: فَيُصْبِحُوا عَلَى مَا أَسَرُّوا فِي أَنْفُسِهِمْ نَادِمِينَ يقول الذين آمنوا أهؤلاء الذين أقسموا بالله ) بغير " واو ".* * *وتأويل الكلام على هذه القراءة: فيصبح المنافقون، إذا أتى الله بالفتح أو أمرٍ من عنده، على ما أسروا في أنفسهم نادمين، يقول المؤمنون تعجُّبًا منهم ومن نفاقهم وكذبهم واجترائهم على الله في أيمانهم الكاذبة بالله: أهؤلاء الذين أقسمُوا لنا بالله إنهم لمعنا، وهم كاذبون في أيمانهم لنا؟ وهذا المعنى قصَد مجاهد في تأويله ذلك، الذي:-12176 - حدثنا القاسم قال، حدثنا الحسين قال، حدثني حجاج، عن ابن جريج، عن مجاهد: فَعَسَى اللَّهُ أَنْ يَأْتِيَ بِالْفَتْحِ أَوْ أَمْرٍ مِنْ عِنْدِهِ ، حينئذ،" يقول الذين آمنوا أهؤلاء الذين أقسموا بالله جهد إيمانهم إنهم لمعكم حبطت أعمالهم فأصبحوا خاسرين ".* * *وكذلك ذلك في مصاحف أهل المدينة بغير " واو ". (28)وقرأ ذلك بعض البصريين: ( وَيَقُولُ الَّذِينَ آمَنُوا ) بالواو، ونصب " يقول " عطفًا به على فَعَسَى اللَّهُ أَنْ يَأْتِيَ بِالْفَتْحِ . وذكر قارئ ذلك أنه كان يقول: إنما أريد بذلك: فعسى الله أن يأتي بالفتح، وعسى أن يقولَ الذين آمنوا= ومحالٌ غير ذلك، لأنه لا يجوز أن يقال: " وعسى الله أن يقول الذين آمنوا "، وكان يقول: ذلك نحو قولهم: " أكلت خبزًا ولبنًا "، كقول الشاعر:وَرَأَيْتِ زَوْجَكِ فِي الوَغَىمُتَقَلِّدًا سَيْفًا وَرُمْحَا (29)* * *فتأويل الكلام على هذه القراءة: فعسى الله أن يأتي بالفتح المؤمنين، أو أمر من عنده يُديلهم به على أهل الكفر من أعدائهم، فيصبح المنافقون على ما أسرُّوا في أنفسهم نادمين= وعسى أن يقول الذين آمنوا حينئذ: أهؤلاء الذين أقسموا بالله كذبًا جهدَ أيمانهم إنهم لمعكم؟* * *وهي في مصاحف أهل العراق بالواو: ( وَيَقُولُ الَّذِينَ آمَنُوا )* * *وقرأ ذلك قرأة الكوفيين ( وَيَقُولُ الَّذِينَ آمَنُوا ) بالواو، ورفع " يقول "، بالاستقبال والسلامة من الجوازم و النواصب.* * *وتأويل من قرأ ذلك كذلك: فيصبحوا على ما أسروا في أنفسهم يندمون، ويقول الذين آمنوا= فيبتدئ" يقول " فيرفعها.* * *قال أبو جعفر: وقراءتنا التي نحن عليها " وَيَقُولُ" بإثبات " الواو " في " ويقول "، لأنها كذلك هي في مصاحِفِنا مصاحف أهل المشرق، بالواو، وبرفع " يقول " على الابتداء.* * *فتأويل الكلام= إذْ كانت القراءة عندنا على ما وصفنا (30) =: فيصبحوا على ما أسرُّوا في أنفسهم نادمين، ويقولُ المؤمنون: أهؤلاء الذين حَلَفوا لنا بالله جهد أيمانهم كَذِبًا إنهم لمعنا؟* * *يقول لله تعالى ذكره، مخبرًا عن حالهم عنده بنفاقهم وخبث أعمالهم=" حبطت أعمالهم "، يقول: ذهبت أعمالهم التي عملوها في الدنيا باطلا لا ثواب لها ولا أجر، لأنهم عملوها على غير يقين منهم بأنها عليهم لله فرضٌ واجب، ولا على صِحّة إيمان بالله ورسوله، وإنما كانوا يعملونها ليدفعوا المؤمنين بها عن أنفسهم وأموالهم وذراريهم، فأحبط الله أجرَها، إذ لم تكن له (31) =" فأصبحوا خاسرين "، يقول: فأصبح هؤلاء المنافقون، عند مجيء أمر الله بإدالة المؤمنين على أهل الكفر، قد وُكِسوا في شرائهم الدنيا بالآخرة، وخابت صفقتهم، وهَلَكوا. (32)-----------------الهوامش :(28) انظر معاني القرآن للفراء 1: 313.(29) مضى تخريجه في 1: 140 ، 265/6: 423.(30) في المطبوعة والمخطوطة: "إذ كان القراءة" ، والجيد ما أثبت.(31) انظر تفسير"حبط" فيما سلف 9: 592 ، تعليق: 1 ، والمراجع هناك.(32) انظر تفسير"خسر" فيما سلف ص: 224 ، تعليق: 1 ، والمراجع هناك.

يَٰٓأَيُّهَا ٱلَّذِينَ ءَامَنُوا۟ مَن يَرْتَدَّ مِنكُمْ عَن دِينِهِۦ فَسَوْفَ يَأْتِى ٱللَّهُ بِقَوْمٍ يُحِبُّهُمْ وَيُحِبُّونَهُۥٓ أَذِلَّةٍ عَلَى ٱلْمُؤْمِنِينَ أَعِزَّةٍ عَلَى ٱلْكَٰفِرِينَ يُجَٰهِدُونَ فِى سَبِيلِ ٱللَّهِ وَلَا يَخَافُونَ لَوْمَةَ لَآئِمٍ ذَٰلِكَ فَضْلُ ٱللَّهِ يُؤْتِيهِ مَن يَشَآءُ وَٱللَّهُ وَٰسِعٌ عَلِيمٌ (54)


القول في تأويل قوله : يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا مَنْ يَرْتَدَّ مِنْكُمْ عَنْ دِينِهِ فَسَوْفَ يَأْتِي اللَّهُ بِقَوْمٍ يُحِبُّهُمْ وَيُحِبُّونَهُقال أبو جعفر: يقول تعالى ذكره للمؤمنين بالله وبرسوله: " يا أيها الذين آمنوا "، أي: صدّقوا لله ورسوله، وأقرُّوا بما جاءهم به نبيُّهم محمد صلى الله عليه وسلم=" من يرتد منكم عن دينه "، يقول: من يرجع منكم عن دينه الحق الذي هو عليه اليوم، فيبدِّله ويغيره بدخوله في الكفر، إما في اليهودية أو النصرانية أو غير ذلك من صنوف الكفر، (33) فلن يضر الله شيئا، وسيأتي الله بقوم يحبهم ويحبونه، يقول: فسوف يجيء الله بدلا منهم، المؤمنين الذين لم يبدِّلوا ولم يغيروا ولم يرتدوا، بقومٍ خير من الذين ارتدُّوا وابدَّلوا دينهم، يحبهم الله ويحبون الله. (34)وكان هذا الوعيد من الله لمن سبق في علمه أنه سيرتدُّ بعد وفاةِ نبيّه محمد صلى الله عليه وسلم. وكذلك وعدُه من وعدَ من المؤمنين ما وعدَه في هذه الآية، لمن سبق له في علمه أنه لا يبدّل ولا يغير دينه، ولا يرتدّ. فلما قَبَض الله نبيَّه صلى الله عليه وسلم، ارتدّ أقوام من أهل الوبَرِ، وبعضُ أهل المَدَر، فأبدل الله المؤمنين بخيرٍ منهم كما قال تعالى ذكره، ووفى للمؤمنين بوعده، وأنفذ فيمن ارتدَّ منهم وعيدَه.وبنحو الذي قلنا في ذلك قال أهل التأويل.ذكر من قال ذلك:12177 - حدثني يونس قال، أخبرنا ابن وهب قال، أخبرني عبد الله بن عياش، عن أبي صخر، عن محمد بن كعب: أن عمر بن عبد العزيز أرسل إليه يومًا، وعمر أمير المدينة يومئذ، فقال: يا أبا حمزة، آية أسهرتني البارحة! قال محمدٌ: وما هي، أيها الأمير؟ قال: قول الله: " يا أيها الذين آمنوا من يرتد منكم عن دينه " حتى بلغ وَلا يَخَافُونَ لَوْمَةَ لائِمٍ . فقال محمد: أيها الأمير، إنما عنى الله بالذين آمنوا، الولاةَ من قريش، من يرتدَّ عن الحق. (35)ثم اختلف أهل التأويل في أعيان القوم الذين أتى الله بهم المؤمنين، وأبدل المؤمنين مكانَ من ارتدَّ منهم.فقال بعضهم: هو أبو بكر الصديق وأصحابه الذين قاتلوا أهل الردة حتى أدخلوهم من الباب الذي خرجوا منه.ذكر من قال ذلك:12178 - حدثنا هناد بن السري قال، حدثنا حفص بن غياث، عن الفضل بن دلهم، عن الحسن في قوله: " يا أيها الذين آمنوا من يرتدّ منكم عن دينه فسوف يأتي الله بقوم يحبهم ويحبونه "، قال: هذا والله أبو بكر وأصحابه. (36)12179 - حدثنا ابن وكيع قال، حدثنا أبي، عن الفضل بن دلهم، عن الحسن، مثله.12180 - حدثنا هناد قال، حدثنا عبدة بن سليمان، عن جويبر، عن سهل، عن الحسن في قوله: " فسوف يأتي الله بقوم يحبهم ويحبونه "، قال: أبو بكر وأصحابه.12181 - حدثنا ابن وكيع قال، حدثنا حسين بن علي، عن أبي موسى قال: قرأ الحسن: " فسوف يأتي الله بقوم يحبهم ويحبونه "، قال: هي والله لأبي بكر وأصحابه. (37)12182 - حدثني نصر بن عبد الرحمن الأزدي قال، حدثنا أحمد بن بشير، عن هشام، عن الحسن في قوله: " فسوف يأتي الله بقوم يحبهم ويحبونه "، قال: نزلت في أبي بكر وأصحابه. (38)12183 - حدثني علي بن سعيد بن مسروق الكندي قال، حدثنا عبد الرحمن بن محمد المحاربي، عن جويبر، عن الضحاك في قوله: " فسوف يأتي الله بقوم يحبهم ويحبونه أذلة على المؤمنين أعزة على الكافرين يجاهدون في سبيل الله ولا يخافون لومة لائم "، قال: هو أبو بكر وأصحابه. لما ارتد من ارتدَّ من العرب عن الإسلام، جاهدهم أبو بكر وأصحابه حتى ردَّهم إلى الإسلام.12184 - حدثنا بشر قال، حدثنا يزيد بن زريع قال، حدثنا سعيد، عن قتادة: " من يرتد منكم عن دينه فسوف يأتي الله بقوم يحبهم ويحبونه "، إلى قوله: وَاللَّهُ وَاسِعٌ عَلِيمٌ ، أنزل الله هذه الآية وقد علم أن سيرتدُّ مرتدُّون من الناس، فلما قبض الله نبيَّه محمدًا صلى الله عليه وسلم، ارتدّ عامة العرب عن الإسلام= إلا ثلاثة مساجد: أهل المدينة، وأهل مكة، وأهل البحرين من عبد القيس= قالوا: نصلي ولا نزكِّي، والله لا تُغصب أموالنا! (39) فكُلِّم أبو بكر في ذلك فقيل له: إنهم لو قد فُقِّهوا لهذا أعطوها= أو: أدَّوها= (40) فقال: لا والله، لا أفرق بين شيء جمع الله بينه، ولو منعوا عِقالا مما فرضَ الله ورسوله لقاتلناهم عليه! (41) فبعث الله عصابة مع أبي بكر، فقاتل على ما قاتل عليه نبيّ الله صلى الله عليه وسلم، حتى سبَى وقتل وحرق بالنيران أناسًا ارتدّوا عن الإسلام ومنعوا الزكاة، فقاتلهم حتى أقرّوا بالماعون =وهي الزكاة= صَغرة أقمياء. (42) فأتته وفود العرب، فخيَّرهم بين خُطَّة مخزية أو حرب مُجْلية. فاختاروا الخطة المخزية، وكانت أهون عليهم أن يقرُّوا: أن قتلاهم في النار، وأن قتلى المؤمنين في الجنة، (43) وأن ما أصابوا من المسلمين من مال ردّوه عليهم، وما أصاب المسلمون لهم من مال فهو لهم حلال.12185 - حدثنا القاسم قال، حدثنا الحسين قال، حدثني حجاج، عن ابن جريج قوله: " يا أيها الذين آمنوا من يرتد منكم عن دينه فسوف يأتي الله بقوم يحبهم ويحبونه "، قال ابن جريج: ارتدوا حين توفي رسول الله صلى الله عليه وسلم، فقاتلهم أبو بكر.12186 - حدثني المثنى قال، حدثنا إسحاق قال، حدثنا عبد الله بن هشام قال، أخبرنا سيف بن عمر، عن أبي روق، عن الضحاك، عن أبي أيوب، عن علي في قوله: " يا أيها الذين آمنوا من يرتد منكم عن دينه "، قال: عَلِم الله المؤمنين، ووقع معنى السوء على الحَشْو الذي فيهم من المنافقين ومن في علمه أن يرتدُّوا، (44) قال: " يا أيها الذين آمنوا من يرتد منكم عن دينه فسوف يأتي الله "، المرتدَّة في دورهم (45) =" بقوم يحبهم ويحبونه "، بأبي بكر وأصحابه. (46)* * *وقال آخرون: يعني بذلك قومًا من أهل اليمن. وقال بعض من قال ذلك منهم: هم رهط أبي موسى الأشعري، عبد الله بن قيس. (47)ذكر من قال ذلك:12188 - حدثنا محمد بن المثنى قال، حدثنا محمد بن جعفر قال، حدثنا شعبة، عن سماك بن حرب، عن عياض الأشعري قال: لما نزلت هذه الآية،" يا أيها الذين آمنوا من يرتدّ منكم عن دينه فسوف يأتي الله بقوم يحبهم ويحبونه "، قال: أومأ رسول الله صلى الله عليه وسلم إلى أبي موسى بشيء كان معه، فقال: هم قومُ هذا!12189 - حدثنا ابن المثنى قال، حدثنا أبو الوليد قال، حدثنا شعبة، عن سماك بن حرب، قال: سمعت عياضًا يحدّث عن أبي موسى: أن النبي صلى الله عليه وسلم قرأ هذه الآية: " فسوف يأتي الله بقوم يحبهم ويحبونه "، قال: يعني قوم أبي موسى.12190 - حدثني أبو السائب سلم بن جنادة قال، حدثنا ابن إدريس، عن شعبة = قال أبو السائب: قال أصحابنا: هو: " عن سماك بن حرب "، وأنا لا أحفظ " سماكًا " = عن عياض الأشعريّ، قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: هم قوم هذا يعني أبا موسى.12191 - حدثنا سفيان بن وكيع قال حدثنا ابن إدريس، عن شعبة، عن سماك، عن عياض الأشعري، قال النبي صلى الله عليه وسلم لأبي موسى: هم قوم هذا= في قوله: " فسوف يأتي الله بقوم يحبهم ويحبونه ".12192 - حدثنا مجاهد بن موسى قال، حدثنا يزيد قال، أخبرنا شعبة، عن سماك بن حرب قال: سمعت عياضًا الأشعري يقول: لما نزلت: " فسوف يأتي الله بقوم يحبهم ويحبونه "، قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: هم قومك يا أبا موسى!= أو قال: هم قوم هذا= يعني أبا موسى. (48)12193 - حدثنا ابن وكيع قال، حدثنا أبو سفيان الحميري، عن حصين، عن عياض= أو: ابن عياض=" فسوف يأتي الله بقوم يحبهم ويحبونه "، قال: هم أهل اليمن. (49)12194 - حدثنا محمد بن عوف قال، حدثنا أبو المغيرة قال، حدثنا صفوان قال، حدثنا عبد الرحمن بن جبير، عن شريح بن عبيد قال: لما أنزل الله: " يا أيها الذين آمنوا من يرتد منكم عن دينه " إلى آخر الآية، قال عمر: أنا وقومي هم، يا رسول الله؟ قال:لا بل هذا وقومه! يعني أبا موسى الأشعري. (50)* * *وقال آخرون منهم: بل هم أهل اليمن جميعًا.ذكر من قال ذلك:12195 - حدثني محمد بن عمرو قال، حدثنا أبو عاصم قال، حدثنا عيسى، عن ابن أبي نجيح، عن مجاهد في قول الله: " يحبهم ويحبونه "، قال: أناسٌ من أهل اليمن.12196 - حدثني المثنى قال، حدثنا أبو حذيفة قال، حدثنا شبل، عن ابن أبي نجيح، عن مجاهد، مثله.12197 - حدثنا ابن وكيع قال، حدثنا ابن إدريس، عن ليث، عن مجاهد قال: هم قوم سَبَأ.12198 - حدثنا مطر بن محمد الضبي قال، حدثنا أبو داود قال، أخبرنا شعبة قال، أخبرني من سمع شهر بن حوشب قال: هم أهل اليمن. (51)12199 - حدثني يونس قال، أخبرنا ابن وهب قال، أخبرني عبد الله بن عياش، عن أبي صخر، عن محمد بن كعب القرظي: أن عمر بن عبد العزيز أرسل إليه يومًا، وهو أمير المدينة، يسأله عن ذلك: فقال محمد: " يأتي الله بقوم "، وهم أهل اليمن! قال عمر: يا ليتني منهم! قال: آمين! (52)* * *وقال آخرون: هم أنصار رسول الله صلى الله عليه وسلم.ذكر من قال ذلك:12200 - حدثني محمد بن الحسين قال، حدثنا أحمد بن المفضل قال، حدثنا أسباط، عن السدي: " يا أيها الذين آمنوا من يرتدَّ منكم عن دينه فسوف يأتي الله بقوم يحبهم ويحبونه "، يزعم أنهم الأنصار.* * *وتأويل الآية على قول من قال: عنى الله بقوله: " فسوف يأتي الله بقوم يحبهم ويحبونه "، أبا بكر وأصحابه في قتالهم أهل الرِّدَّة بعد رسول الله صلى الله عليه وسلم=: يا أيها الذين آمنوا، من يرتدَّ منكم عن دينه فلن يضر الله شيئًا، وسيأتي الله من ارتد منكم عن دينه بقوم يحبهم ويحبونه، ينتقم بهم منهم على أيديهم. وبذلك جاء الخبر والرواية عن بعض من تأول ذلك كذلك:12201 - حدثني المثنى قال، حدثنا إسحاق قال، حدثنا عبد الله بن هشام قال، أخبرنا سيف بن عمر، عن أبي روق، عن أبي أيوب، عن علي في قوله: " يا أيها الذين آمنوا من يرتد منكم عن دينه فسوف يأتي الله بقوم يحبهم "، قال يقول: فسوف يأتي الله المرتدَّةَ في دورهم (53) =" بقوم يحبهم ويحبونه "، بأبي بكر وأصحابه. (54)* * *وأما على قول من قال: عنى الله بذلك أهل اليمن، فإن تأويله: يا أيها الذين آمنوا، من يرتد منكم عن دينه، فسوف يأتي الله المؤمنين الذين لم يرتدوا، بقوم يحبهم ويحبونه، أعوانًا لهم وأنصارًا. وبذلك جاءت الرواية عن بعض من كان يتأول ذلك كذلك.12202 - حدثني المثنى قال، حدثنا عبد الله بن صالح قال، حدثني معاوية بن صالح،عن علي بن أبي طلحة، عن ابن عباس: " يا أيها الذين آمنوا من يرتد منكم عن دينه " الآية، وعيدٌ من الله أنه من ارتدّ منكم، أنه سيستبدل خيًرا منهم.* * *وأما على قول من قال: عنى بذلك الأنصار، فإن تأويله في ذلك نظير تأويل من تأوَّله أنه عُنِي به أبو بكر وأصحابه.* * *قال أبو جعفر: وأولى الأقوال في ذلك عندنا بالصواب، ما رُوي به الخبر عن رسول الله صلى الله عليه وسلم: أنهم أهل اليمن، قوم أبي موسى الأشعري. ولولا الخبر الذي روي في ذلك عن رسول الله صلى الله عليه وسلم بالخبر الذي روي عنه، ما كان القول عندي في ذلك إلا قول من قال: " هم أبو بكر وأصحابه ". وذلك أنه لم يقاتل قومًا كانوا أظهروا الإسلام على عهد رسول الله صلى الله عليه وسلم ثم ارتدوا على أعقابهم كفارًا، غير أبي بكر ومن كان معه ممن قاتل أهل الردة معه بعد رسول الله صلى الله عليه وسلم. ولكنا تركنا القول في ذلك للخبر الذي رُوي فيه عن رسول الله صلى الله عليه وسلم: أنْ كان صلى الله عليه وسلم مَعْدِن البيان عن تأويل ما أنزل الله من وحيه وآيِ كتابه. (55)* * *فإن قال لنا قائل: فإن كان القومُ الذين ذكر الله أنه سيأتي بهم= عند ارتداد من ارتد عن دينه، ممن كان قد أسلم على عهد رسول الله صلى الله عليه وسلم = هم أهل اليمن، فهل كان أهل اليمن أيام قتال أبي بكر رضي الله عنه أهل الردة أعوانَ أبي بكر على قتالهم، فتستجيز أن توجِّه تأويل الآية إلى ما وجِّهت إليه؟ (56) أم لم يكونوا أعوانًا له عليهم، فكيف استجزت أن توجه تأويل الآية إلى ذلك، وقد علمت أنه لا خُلْفَ لوعد الله؟قيل له: إن الله تعالى ذكره لم يعدِ المؤمنين أن يبدِّلهم بالمرتدِّين منهم يومئذ، خيرًا من المرتدين لقتال المرتدين، وإنما أخبر أنه سيأتيهم بخيرٍ منهم بدلا منهم، فقد فعل ذلك بهم قريبًا غير بعيد، (57) فجاء بهم على عهد عمر، فكان موقعهم من الإسلام وأهله أحسن موقع، وكانوا أعوان أهل الإسلام وأنفعَ لهم ممن كان ارتدَّ بعد رسول الله صلى الله عليه وسلم من طَغَام الأعراب وجُفاة أهل البوادي الذين كانوا على أهل الإسلام كلا لا نفعًا؟ (58)* * *قال أبو جعفر: واختلفت القرأة في قراءة قوله: " يا أيها الذين آمنوا من يرتد منكم عن دينه ".فقرأته قرأة أهل المدينة: ( يا أيها الذين آمنوا من يرتدد منكم عن دينه )، بإظهار التضعيف، بدالين، مجزومة " الدال " الآخرة. وكذلك ذلك في مصاحفهم.وأما قرأة أهل العراق، فإنهم قرأوا ذلك: ( مَنْ يَرْتَدَّ مِنْكُمْ عَنْ دِينِهِ ) بالإدغام، بدالٍ واحدة، وتحريكها إلى الفتح، بناء على التثنية، لأن المجزوم الذي يظهر تضعيفه في الواحد، إذا ثنيّ أدغم. ويقال للواحد: " اردُدْ يا فلان إلى فلان حقه "، فإذا ثنى قيل: " ردّا إليه حقه "، ولا يقال: " ارددا "، وكذلك في الجمع: " ردّوا "، ولا يقال: " ارددوا "، فتبني العرب أحيانًا الواحد على الاثنين، وتظهر أحيانًا في الواحد التضعيفَ لسكون لام الفعل. وكلتا اللغتين فصيحةٌ مشهورة في العرب. (59)* * *قال أبو جعفر: والقراءة في ذلك عندنا على ما هو به في مصاحفنا ومصاحف أهل المشرق، بدال واحدة مشدّدة، بترك إظهار التضعيف، وبفتح " الدال "، للعلة التي وصفت.* * *القول في تأويل قوله : أَذِلَّةٍ عَلَى الْمُؤْمِنِينَ أَعِزَّةٍ عَلَى الْكَافِرِينَقال أبو جعفر: يعني تعالى ذكره بقوله: " أذلة على المؤمنين "، أرقَّاء عليهم، رحماءَ بهم.* * *= من قول القائل: " ذلَّ فلان لفلان ". إذا خضع له واستكان. (60)* * *ويعني بقوله: " أعزة على الكافرين "، أشداء عليهم، غُلَظاء بهم.* * *= من قول القائل: " قد عزّني فلان "، إذا أظهر العزة من نفسه له، وأبدى له الجفوة والغِلْظة. (61)* * *وبنحو الذي قلنا في ذلك قال أهل التأويل.ذكر من قال ذلك:12203 - حدثني المثنى قال، حدثنا إسحاق قال، حدثنا عبد الله بن هاشم قال، أخبرنا سيف بن عمر، عن أبي روق، عن أبي أيوب، عن علي في قوله: " أذلة على المؤمنين "، أهل رقة على أهل دينهم=" أعزة على الكافرين "، أهل غلظة على من خالفهم في دينهم. (62)12204 - حدثنا المثنى قال، حدثنا عبد الله بن صالح قال، حدثني معاوية بن صالح، عن علي بن أبي طلحة، عن ابن عباس: " أذلة على المؤمنين أعزة على الكافرين "، يعني بالأذلة: الرحماء. (63)12205 - حدثنا القاسم قال، حدثنا الحسين قال، حدثني حجاج قال، قال ابن جريج في قوله: " أذلة على المؤمنين "، قال: رحماء بينهم=" أعزة على الكافرين "، قال: أشداء عليهم.12206 - حدثنا الحارث بن محمد قال، حدثنا عبد العزيز قال، قال سفيان: سمعت الأعمش يقول في قوله: " أذلة على المؤمنين أعزة على الكافرين "، ضعفاء عن المؤمنين. (64)* * *القول في تأويل قوله : يُجَاهِدُونَ فِي سَبِيلِ اللَّهِ وَلا يَخَافُونَ لَوْمَةَ لائِمٍ ذَلِكَ فَضْلُ اللَّهِ يُؤْتِيهِ مَنْ يَشَاءُ وَاللَّهُ وَاسِعٌ عَلِيمٌ (54)قال أبو جعفر: يعني تعالى ذكره بقوله: " يجاهدون في سبيل الله "، هؤلاء المؤمنين الذين وعد الله المؤمنين أن يأتيهم بهم إن ارتدّ منهم مرتدّ، بدلا منهم يجاهدون في قتال أعداء الله على النحو الذي أمر الله بقتالهم، والوجه الذي أذن لهم به، ويجاهدون عدوَّهم. فذلك مجاهدتهم في سبيل الله (65) =" ولا يخافون لومة لائم "، يقول: ولا يخافون في ذات الله أحدًا، ولا يصدُّهم عن العمل بما أمرهم الله به من قتال عدوهم، لومةُ لائم لهم في ذلك.* * *وأما قوله: " ذلك فضل الله "، فإنه يعني هذا النعتَ الذي نعتهم به تعالى ذكره= من أنهم أذلة على المؤمني، أعزة على الكافرين، يجاهدون في سبيل الله ولا يخافون في الله لومة لائم = فضلُ الله الذي تفضل به عليهم، (66) والله يؤتي فضله من يشاء من خلقه مِنّةً عليه وتطوّلا (67) =" والله واسع "، يقول: والله جواد بفضله على من جادَ به عليه، (68) لا يخاف نَفاد خزائنه فتَتْلف في عطائه (69) =" عليم "، بموضع جوده وعطائه، فلا يبذله إلا لمن استحقه، ولا يبذل لمن استحقه إلا على قدر المصلحة، لعلمه بموضع صلاحه له من موضع ضرّه. (70)-------------------الهوامش :(33) انظر تفسير"ارتد" فيما سلف ص: 170 ، تعليق: 1 ، والمراجع هناك.(34) سياق هذه العبارة: "فسوف يجي الله... المؤمنين... بقوم...".(35) الأثر: 12177-"عبد الله بن عياش بن عباس القتباني" ، ليس بالمتين ، وهو ثقة. مترجم في التهذيب.و"أبو صخر" هو"حميد بن زياد الخراط" ، مضى مرارًا ، منها برقم: 4280 ، 4325 ، 5386 ، 8391 ، 11867 ، 11891.ثم انظر الأثر التالي برقم: 12199.(36) الأثر: 12178-"الفضل بن دلهم الواسطي القصاب". مختلف في أمره. مضى برقم: 4928.(37) الأثر: 12181-"حسين بن علي بن الوليد الجعفي" ، مضى قريبًا: 12164.و"أبو موسى" ، هو: "إسرائيل بن موسى البصري" ، نزيل الهند. روى عن الحسن البصري. ثقة لا بأس به. مترجم في التهذيب.(38) الأثر: 12182-"نصر بن عبد الرحمن الأزدي" ، هكذا جاء هنا أيضًا في المخطوطة والمطبوعة: "الأودي" ، وقد سلف أن تكلم عليه أخي السيد أحمد ، وصححه"الأزدي" كما أثبته هنا ، ولكني في شك من تصحيح ذلك كذلك ، لكثرة إثباته في التفسير في كل مكان"الأودي" انظر ما سلف: 423 ، 875 ، 2859 ، 8783.و"أحمد بن بشير القرشي المخزومي" ، أبو بكر الكوفي. مضى برقم: 7819.و"هشام" هو: "هشام بن عروة بن الزبير بن العوام" ، مضى برقم: 2889 ، 8461.(39) القائلون: "نصلي ولا نزكي" ، هم الذين ارتدور من عامة العرب.(40) في المطبوعة: "أعطوها أو زادوها" ، وهو تخليط فاحش ، وصوابه من المخطوطة وقوله: "أو: أدوها" ، كأنه قال: روى بدل"أعطوها" ، "أدوها". و"الهاء" فيهما راجعة إلى"الزكاة" التي منعوها.(41) "العقال" (بكسر العين): زكاة عام من الإبل والغنم. يقال: "أخذ منهم عقال هذا العام" ، أي زكاته وصدقته. وقد فسره آخرون بأنه الحبل الذي كان تعقل به الفريضة التي كانت تؤخذ في الصدقة. وذلك أنه كان على صاحب الإبل أن يؤدي مع كل فريضة عقالا تعقل به ، و"رواء" أي: حبلا. ويروي الخبر"لو منعوني عناقًا". و"العناق": الأنثى من أولاد المعز ، إذا أتت عليها سنة.(42) "صغرة" جمع"صاغر": وهو الراضي بالذل والضيم. و"أقمياء"جمع"قمئ": وهو الذليل الضارع المتضائل. والذي في كتب اللغة من جمع"قمئ""قماء" (بكسر القاف) و"قماء" (بضمها). وقد مر في الأثر رقم: 4221"قمأة" في المخطوطة ، وانظر التعليق عليه هناك. و"أقمياء" جمع عزيز هنا ، فإن"فعيلا" الصفة ، يجمع قياسا على"أفعلاء" ، إذا كان مضاعفًا ، مثل"شديد" و"أشداء" ، وكذلك إذا كان ناقصا واويًا أو يائيًا ، نحو"غني" و"أغنياء" ، و"شقي" و"أشقياء". أما الصحيح ، فقليل جمعه على"أفعلاء" ، مثل"صديق" و"أصدقاء". فإذا صحت رواية"أقمياء" في هذا الخبر ، فهو صحيح في العربية إن شاء الله ، لهذه العلة ولغيرها أيضا.(43) في المطبوعة: "أن يستعدوا أن قتلاهم في النار" ، وفي المخطوطة مثلها غير منقوطة ، ولم أجد لها تحريفًا أقرب مما أثبت ، استظهرته من الخبر الذي رواه الشعبي ، عن ابن مسعود وهو: قوله: "فوالله ما رضى لهم إلا بالخطة المخزية ، أو الحرب المجلية. فأما الخطة المخزية فأن أقروا بأن من قتل منهم في النار ، وأن ما أخذوا من أموالنا مردود علينا. وأما الحرب المجلية ، فأن يخرجوا من ديارهم" (فتوح البلدان للبلاذري: 101).(44) في المطبوعة: "وأوقع معنى السوء" ، وأثبت ما في المخطوطة ، وأنا في شك من العبارة كلها ، وإن كان لها وجه ومعنى.(45) في المطبوعة: "المرتدة عن دينهم" ، وفي المخطوطة: "في دينهم" ، والصواب ما أثبته من الأثر التالي رقم: 12201.(46) الأثر: 12186- في المطبوعة: "سيف بن عمرو" ، وهو خطأ ، صوابه ما أثبت من المخطوطة. وقد مضى مثل هذا الأثر برقم: 12128 وفيه"عبد الله بن هشام". وقد ذكرت هنالك أني لم أعرفه. وسقط من الترقيم؛ رقم: 12187 سهوًا.(47) عن هذا الموضع ، انتهى جزء من تقسيم قديم ، وفي المخطوطة ما نصه:"يتلوه: ذكر من قال ذلك.وصلى الله على محمد".ثم يتلوه ما نصه:"بسم الله الرحمن الرحيمرَبِّ يَسِّرْ برحمتك".(48) الآثار: 12188- 12192-"عياض الأشعري" ، هو"عياض بن عمرو الأشعري" ، تابعي ، مختلف في صحبته ، روى عن النبي صلى الله عليه وسلم مرسلا. رأى أبا عبيدة بن الجراح ، وعمر بن الخطاب ، وأبا موسى الأشعري ، وغيرهم. قال ابن سعد 6: 104: "كان قليل الحديث". روى عنه الشعبي ، وسماك بن حرب. مترجم في التهذيب ، وأسد الغابة ، والإصابة ، والاستيعاب: 498 ، والكبير للبخاري 4/ 1/ 19.وهذا الخبر رواه ابن سعد في الطبقات 4/ 1/ 79 ، من طريق عبد الله بن إدريس ، وعفان بن مسلم ، عن شعبة ، عن سماك ، عن عياض. والحاكم في المستدرك 2: 313 ، من طريق وهب بن جرير ، وسعيد بن عامر ، عن شعبة ، عن سماك ، عن عياض ، وقال: "هذا حديث صحيح على شرط مسلم ، ولم يخرجاه" ، ووافقه الذهبي. وخرجه الهيثمي في مجمع الزوائد 7: 16 ، وقال: "رواه الطبراني ، ورجاله رجال الصحيح". وخرجه السيوطي في الدر المنثور 2: 292 ، وزاد نسبته لابن أبي شيبة في مسنده ، وعبد بن حميد ، والحكيم الترمذي ، وابن المنذر ، وابن أبي حاتم ، وأبي الشيخ ، وابن مردويه ، والبيهقي في الدلائل. وذكره ابن كثير في تفسيره 3: 179 ، 180 ، عن ابن أبي حاتم ، عن عمر بن شبة ، عن عبد الصمد بن عبد الوارث ، عن شعبة.(49) الأثر: 12193-"وأبو سفيان الحميري" ، هو"سعيد بن يحيى بن مهدي الحميري" الحذاء ، الواسطي. صدوق ، وقال الدارقطني: "متوسط الحال ليس بالقوي". مترجم في التهذيب ، والكبير للبخاري 2/ 1/ 477 ، وابن أبي حاتم 2/ 1/ 74.و"حصين" هو"حصين بن عبد الرحمن السلمي" ، ثقة ، من كبار الأئمة. مضى برقم: 579 ، 2986.و"عياض" هو الأشعري كما سلف في الآثار السابقة. وأما "ابن عياض" ، فلم أجد من ذكر ذلك ، وكأنه شك من أبي سفيان الحميري ، أو سفيان بن وكيع.وانظر تخريج الآثار السالفة.(50) الأثر: 12194-"محمد بن عوف بن سفيان الطائي" ، شيخ الطبري ، ثقة حافظ ، مضى برقم: 5445.و"أبو المغيرة" هو: "عبد القدوس بن الحجاج الخولاني" ، "أبو المغيرة الحمصي" ثقة ، صدوق. مضى برقم: 10371.و"صفوان" ، هو: "صفوان بن عمرو بن هرم السكسكي" ، سمع عبد الرحمن بن جبير ، مضى برقم: 7009. وهو مترجم في التهذيب ، والكبير للبخاري 2/ 2/ 309 ، وابن أبي حاتم 2/ 1/ 422 ، وفي ترجمته في التهذيب خطأ بين ، ذكر أنه مات سنة (100) والصواب سنة (155) ، كما في التاريخ الكبير وغيره.و"عبد الرحمن بن جبير بن نفير الحضرمي" ، تابعي ثقة. مضى برقم: 186 ، 187.و"شريح بن عبيد بن شريح الحضرمي" تابعي ثقة ، مضى برقم: 5445. و"صفون بن عمرو" يروي عن شريح مباشرة ، ولكنه روى هنا عنه بواسطة"عبد الرحمن بن جبير".وهذا الأثر خرجه السيوطي في الدّرّ المنثور 2: 292 ، ولم ينسبه لغير ابن جرير.(51) الأثر: 12198-"مطر بن محمد الضبي" ، شيخ الطبري ، لم أجد له ترجمة ولا ذكرًا. وفيمن اسمه"مطر": "مطر بن محمد بن نصر التميمي الهروي" ، مترجم في تاريخ بغداد 3: 275. و"مطر بن محمد بن الضحاك السكري" ، يروي عن يزيد بن هرون. مترجم في لسان الميزان 6: 49. ولا أظنه أحدهما ، وأخشى أن يكون دخل اسمه بعض التحريف.(52) الأثر: 12199- انظر الأثر السالف رقم: 12177 ، والتعليق عليه.(53) قوله: في دورهم" ، هو الصواب ، وقد كان في المخطوطة والمطبوعة ، في الأثر السالف رقم: 12186"في دينهم" و"عن دينهم" ، والصواب هو الذي هنا. انظر التعليق السالف ص: 414 تعليق: 2.(54) الأثر: 10201- هو بعض الأثر السالف رقم: 12186 ، وكان في هذا الموضع أيضًا"سيف بن عمرو" ، وهو خطأ ، كما بينته هناك.(55) "المعدن" (بفتح الميم ، وسكون العين ، وكسر الدال): مكان كل شيء يكون فيه أصله ومبدؤه. ومنه قيل: "معدن الذهب والفضة" ، وهو الذي نسميه اليوم"المنجم" ، حيث أنبت الله سبحانه وتعالى جوهرهما ، وأثبتهما فيه. ومنه في المجاز ، ما جاء في الخبر: "فعن معادن العرب تسألوني؟ قالوا: نعم" يعني: أصولها التي ينسبون إليها ، ويتفاخرون بها.(56) في المطبوعة: "حتى تستجيز" ، وفي المخطوطة: "تستجير" بغير"حتى" ، فآثرت قراءتها كما أثبتها.(57) في المطبوعة: "يعد فعل ذلك" ، وهو لا معنى له ، والصواب ما في المخطوطة.(58) "الطغام" (بفتح الطاء): أوغاد الناس وأراذلهم. و"الكل" (بفتح الكاف): العيال والثقل على صاحبه أو من يتولى أمره.(59) في المطبوعة والمخطوطة: "في العرف" ، وآثرت قراءتها كما أثبتها ، وهو الصواب.(60) وانظر تفسير"الذل" فيما سلف 2: 212/7: 171.(61) انظر تفسير"العزة" فيما سلف 9: 319 ، تعليق: 5 ، والمراجع هناك.(62) الأثر: 12203- انظر أسانيد الآثار السالفة رقم: 12186 ، 12201 ، والتعليق عليها. وفي المخطوطة والمطبوعة: "سفيان بن عمر" مكان"سيف بن عمر" ، وهو خطأ فاحش.(63) في المخطوطة: "يعني بالأذلة: الرحمة" ، وفي المطبوعة: "يعني بالذلة الرحمة" ، وآثرت ما كتبت ، وهو تصحيف قريب.(64) في المطبوعة: "ضعفاء على المؤمنين" ، وأثبت ما في المخطوطة ، وهو صواب جيد.(65) انظر تفسير"يجاهد" فيما سلف 4: 318/10: 292= وتفسير"سبيل الله" فيما سلف من فهارس اللغة (سبل).(66) سياق الجملة: "هذا النعت الذي نعتهم به... فضل الله...".(67) انظر تفسير"الفضل" فيما سلف من فهارس اللغة (فضل).(68) انظر تفسير"واسع" فيما سلف 9: 294 ، تعليق: 2 ، والمراجع هناك.(69) في المطبوعة: "فكيف من عطائه" ، غير ما في المخطوطة ، لأنه لم يحسن قراءته إذ كان غير منقوط. وهذا صواب قراءته.(70) انظر تفسير"عليم" فيما سلف من فهارس اللغة (علم).

إِنَّمَا وَلِيُّكُمُ ٱللَّهُ وَرَسُولُهُۥ وَٱلَّذِينَ ءَامَنُوا۟ ٱلَّذِينَ يُقِيمُونَ ٱلصَّلَوٰةَ وَيُؤْتُونَ ٱلزَّكَوٰةَ وَهُمْ رَٰكِعُونَ (55)


القول في تأويل قوله : إِنَّمَا وَلِيُّكُمُ اللَّهُ وَرَسُولُهُ وَالَّذِينَ آمَنُوا الَّذِينَ يُقِيمُونَ الصَّلاةَ وَيُؤْتُونَ الزَّكَاةَ وَهُمْ رَاكِعُونَ (55)قال أبو جعفر: يعني تعالى ذكره بقوله: " إنما وليكم الله ورسوله والذين آمنوا "، ليس لكم، أيها المؤمنون، ناصر إلا الله ورسوله، والمؤمنون الذين صفتهم ما ذكر تعالى ذكره. (71) فأما اليهود والنصارى الذين أمركم الله أن تبرأوا من وَلايتهم، ونهاكم أن تتخذوا منهم أولياء، فليسوا لكم أولياء لا نُصرَاء، بل بعضهم أولياء بعض، ولا تتخذوا منهم وليًّا ولا نصيرًا.* * *وقيل إن هذه الآية نزلت في عبادة بن الصامت، في تبرُّئه من ولاية يهود بني قينقاع وحِلفهم، إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم والمؤمنين.ذكر من قال ذلك:12207 - حدثنا هناد بن السري قال، حدثنا يونس بن بكير قال، حدثنا ابن إسحاق قال، حدثني والدي إسحاق بن يسار، عن عبادة بن الوليد بن عبادة بن الصامت قال: لما حاربت بنو قينقاع رسولَ الله صلى الله عليه وسلم، مشى عبادة بن الصامت إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم= وكان أحد بني عوف بن الخزرج= فخلعهم إلى رسول الله، (72) وتبرأ إلى الله وإلى رسوله من حِلفهم، وقال: أتولى الله ورسوله والمؤمنين، وأبرأ من حِلف الكفار ووَلايتهم! ففيه نزلت: " إنما وليكم الله ورسوله والذين آمنوا الذين يقيمون الصلاة ويؤتون الزكاة وهم راكعون "= لقول عبادةَ: " أتولى الله ورسوله والذين آمنوا "، وتبرئه من بني قينقاع ووَلايتهم= إلى قوله: فَإِنَّ حِزْبَ اللَّهِ هُمُ الْغَالِبُونَ . (73)12208 - حدثنا أبو كريب قال، حدثنا ابن إدريس قال، سمعت أبي، عن عطية بن سعد قال: جاء عبادة بن الصامت إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم ثم ذكر نحوه.12209 - حدثني المثنى قال، حدثنا عبد الله بن صالح قال، حدثني معاوية بن صالح، عن علي بن أبي طلحة، عن ابن عباس قوله: " إنما وليكم الله ورسوله والذين آمنوا "، يعني: أنه من أسلم تولى الله ورسوله.* * *وأما قوله: " والذين آمنوا الذين يقيمون الصلاة ويؤتون الزكاة وهم راكعون "، فإن أهل التأويل اختلفوا في المعنيِّ به.فقال بعضهم: عُنِي به علي بن أبي طالب.* * *وقال بعضهم: عني به جميع المؤمنين.ذكر من قال ذلك:12210 - حدثنا محمد بن الحسين قال، حدثنا أحمد بن المفضل قال، حدثنا أسباط، عن السدي قال: ثم أخبرهم بمن يتولاهم فقال: " إنما وليكم الله ورسوله والذين آمنوا الذين يقيمون الصلاة ويؤتون الزكاة وهم راكعون "، هؤلاء جميع المؤمنين، ولكن علي بن أبي طالب مرَّ به سائل وهو راكع في المسجد، فأعطاه خاتَمَه.12211 - حدثنا هناد بن السري قال، حدثنا عبدة، عن عبد الملك، عن أبي جعفر قال: سألته عن هذه الآية: " إنما وليكم الله ورسوله والذين آمنوا الذين يقيمون الصلاة ويؤتون الزكاة وهم راكعون "، قلت: (74) من الذين آمنوا؟ قال: الذين آمنوا! (75) قلنا: بلغنا أنها نزلت في علي بن أبي طالب! قال: عليٌّ من الذين آمنوا.12212 - حدثنا ابن وكيع قال، حدثنا المحاربي، عن عبد الملك قال: سألت أبا جعفر عن قول الله: " إنما وليكم الله ورسوله "، وذكر نحو حديث هنّاد، عن عبدة.12213 - حدثنا إسماعيل بن إسرائيل الرملي قال، حدثنا أيوب بن سويد قال، حدثنا عتبة بن أبي حكيم في هذه الآية: " إنما وليكم الله ورسوله والذين آمنوا "، قال: علي بن أبي طالب. (76)12214 - حدثني الحارث قال، حدثنا عبد العزيز قال، حدثنا غالب بن عبيد الله قال: سمعت مجاهدًا يقول في قوله: " إنما وليكم الله ورسوله "، الآية، قال: نزلت في علي بن أبي طالب، تصدَّق وهو راكع. (77)-------------------الهوامش :(71) انظر تفسير"ولي" فيما سلف ص: 399 ، تعليق: 1 ، والمراجع هناك.(72) في المخطوطة: "فجعلهم إلى رسول الله" ، والصواب ما في المطبوعة ، مطابقًا لما سلف ، ولما في سيرة ابن هشام.(73) الأثر: 12207- سيرة ابن هشام 3: 52 ، 53 ، وهو مطول الأثر السالف رقم: 12158 ، وتابع الأثر رقم: 12167.وكان في المطبوعة والمخطوطة هنا: "حدثني والدي إسحق بن يسار ، عن عبادة بن الصامت" ، أسقط ما أثبت من السيرة ، ومن إسناد الأثرين المذكورين آنفًا.(74) في المطبوعة والمخطوطة: "قلنا" ، والصواب الجيد ما أثبت.(75) هذا ليس تكرارًا ، بل هو تعجب من سؤاله عن شيء لا عن مثله.(76) الأثر: 12213-"إسمعيل بن إسرائيل الرملي" ، مضى برقم: 10236.و"أيوب بن سويد الرملي" ، مضى برقم: 5494.و"عتبة بن أبي حكيم الهمداني ، ثم الشعباني" ، أبو العباس الأردني. ضعفه ابن معين ، وكان أحمد يوهنه قليلا ، وذكره ابن حبان في الثقات. مترجم في التهذيب.(77) الأثر: 12214-"غالب بن عبيد الله العقيلي الجزري" ، منكر الحديث متروك. مترجم في لسان الميزان ، والكبير للبخاري 4/1/101 ، وابن أبي حاتم 3/2/48.هذا ، وأرجح أن أبا جعفر الطبري قد أغفل الكلام في قوله تعالى: "وهم راكعون" ، وفي بيان معناها في هذا الموضع ، مع الشبهة الواردة فيه ، لأنه كان يحب أن يعود إليه فيزيد فيه بيانًا ، ولكنه غفل عنه بعد.وقد قال ابن كثير في تفسيره 3: 182 : "وأما قوله: "وهم راكعون" ، فقد توهم بعض الناس أن هذه الجملة في موضع الحال من قوله: "ويؤتون الزكاة" ، أي: في حال ركوعهم. ولو كان هذا كذلك ، لكان دفع الزكاة في حال الركوع أفضل من غيره ، لأنه ممدوح. وليس الأمر كذلك عند أحد من العلماء ، ممن نعلمه من أئمة الفتوى. وحتى إن بعضهم ذكر في هذا أثرًا عن علي بن أبي طالب أن هذه الآية نزلت فيه..." ثم ، ساق الآثار السالفة وما في معناها من طرق مختلفة.وهذه الآثار جميعًا لا تقوم بها حجة في الدين. وقد تكلم الأئمة في موقع هذه الجملة ، وفي معناها. والصواب من القول في ذلك أن قوله: "وهم راكعون" ، يعني به: وهم خاضعون لربهم ، متذللون له بالطاعة ، خاضعون له بالأنقياد لأمره في إقامة الصلاة بحدودها وفروضها من تمام الركوع والسجود ، والصلاة والخشوع ، ومطيعين لما أمرهم به من إيتاء الزكاة وصرفها في وجوهها التي أمرهم بصرفها فيها. فهي بمعنى"الركوع" الذي هو في أصل اللغة ، بمعنى الخضوع = انظر تفسير"ركع" فيما سلف 1: 574.وإذن فليس قوله: "وهم راكعون" حالا من"ويؤتون الزكاة". وهذا هو الصواب المحض إن شاء الله.

وَمَن يَتَوَلَّ ٱللَّهَ وَرَسُولَهُۥ وَٱلَّذِينَ ءَامَنُوا۟ فَإِنَّ حِزْبَ ٱللَّهِ هُمُ ٱلْغَٰلِبُونَ (56)


القول في تأويل قوله : وَمَنْ يَتَوَلَّ اللَّهَ وَرَسُولَهُ وَالَّذِينَ آمَنُوا فَإِنَّ حِزْبَ اللَّهِ هُمُ الْغَالِبُونَ (56)قال أبو جعفر: وهذا إعلامٌ من الله تعالى ذكره عبادَه جميعًا= الذين تبرأوا من حلف اليهود وخلعوهم رضًى بولاية الله ورسوله والمؤمنين، (78) والذين تمسكوا بحلفهم وخافوا دوائر السوء تدور عليهم، فسارعوا إلى موالاتهم= أنّ مَن وثق بالله وتولى الله ورسوله والمؤمنين، (79) ومن كان على مثل حاله من أولياء الله من المؤمنين، لهم الغلبة والدوائر والدولة على من عاداهم وحادّهم، لأنهم حزب الله، وحزبُ الله هم الغالبون، دون حزب الشيطان، كما:-12215 - حدثنا محمد بن الحسين قال، حدثنا أحمد بن مفضل قال، حدثنا أسباط، عن السدي قال: أخبرهم= يعني الرب تعالى ذكره= مَنِ الغالب، فقال: لا تخافوا الدولة ولا الدائرة، فقال: " ومن يتول الله ورسوله والذين آمنوا فإن حزب الله هم الغالبون "، و " الحزب "، هم الأنصار.* * *ويعني بقوله: " فإن حزب الله "، فإن أنصار الله، (80) ومنه قول الراجز: (81)وَكَيْفَ أَضْوَى وَبِلالٌ حِزْبِي! (82)يعني بقوله: " أضوى "، أستضْعَفُ وأضام= من الشيء " الضاوي". (83) ويعني بقوله: " وبلال حزبي"، يعني: ناصري.-------------------الهوامش :(78) في المطبوعة: "الذين تبرأوا من اليهود وحلفهم رضى بولاية الله..." ، غير ما في المخطوطة إذ لم يحسن قراءته ، والذي أثبت هو صواب القراءة.(79) في المطبوعة: "بأن من وثق بالله..." ، وفي المخطوطة مكان ذلك كله: "ووثقوا بالله". والذي أثبت هو صواب المعنى.(80) انظر تفسير"الحزب" فيما سلف 1: 244. وهذا التفسير الذي هنا لا تجده في كتب اللغة.(81) هو رؤبة بن العجاج.(82) ديوانه: 16 ، ومجاز القرآن لأبي عبيدة 1: 169 ، من أرجوزة يمدح بها بلال ابن أبي بردة ، ذكر في أولها نفسه ، ثم قال يذكر من يعترضه ويعبي له الهجاء والذم:ذَاكِ، وإن عَبَّى لِيَ المُعَبِّيوَطِحْطَحَ الجِدُّ لِحَاءَ القَشْبِأَلَقَيتُ أَقْوَالَ الرِّجَالِ الكُذْبِفَكَيْفَ أَضْوَى وَبِلالٌ حِزْبِي!ورواية الديوان: "ولست أضوي". وفي المخطوطة: "وكيف أضرى" ، وهو تصحيف"طحطح الشيء" : فرقه وبدده وعصف به فأهلكه. و"اللحاء": المخاصمة. و"القشب" ، (بفتح فسكون): الكلام المفترى: ولو قرئت"القشب" (بكسر فسكون) ، فهو الرجل الذي لا خير فيه.(83) "الضاوي": الضعيف من الهزال وغيره."ضوى يضوي ضوى": ضعف ورق. وكان في المخطوطة: "أضرى" و"الضاري" ، وهو خطأ وتصحيف.

يَٰٓأَيُّهَا ٱلَّذِينَ ءَامَنُوا۟ لَا تَتَّخِذُوا۟ ٱلَّذِينَ ٱتَّخَذُوا۟ دِينَكُمْ هُزُوًا وَلَعِبًا مِّنَ ٱلَّذِينَ أُوتُوا۟ ٱلْكِتَٰبَ مِن قَبْلِكُمْ وَٱلْكُفَّارَ أَوْلِيَآءَ وَٱتَّقُوا۟ ٱللَّهَ إِن كُنتُم مُّؤْمِنِينَ (57)


القول في تأويل قوله : يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لا تَتَّخِذُوا الَّذِينَ اتَّخَذُوا دِينَكُمْ هُزُوًا وَلَعِبًا مِنَ الَّذِينَ أُوتُوا الْكِتَابَ مِنْ قَبْلِكُمْ وَالْكُفَّارَ أَوْلِيَاءَ وَاتَّقُوا اللَّهَ إِنْ كُنْتُمْ مُؤْمِنِينَ (57)قال أبو جعفر: يقول تعالى ذكره للمؤمنين به وبرسوله محمد صلى الله عليه وسلم: " يا أيها الذين آمنوا "، أي: صدقوا الله ورسوله=" لا تتخذوا الذين اتخذوا دينكم هُزوًا ولعبًا من الذين أوتوا الكتاب من قبلكم "، يعني اليهود والنصارى الذين جاءتهم الرسل والأنبياء، وأنزلت عليهم الكتب من قبل بَعْث نبينا صلى الله عليه وسلم، ومن قبل نزول كتابنا=" أولياء "، يقول: لا تتخذوهم، أيها المؤمنون، أنصارًا أو إخوانًا أو حُلفاء، (84) فإنهم لا يألونكم خَبَالا وإن أظهروا لكم مودّة وصداقة.* * *وكان اتخاذ هؤلاء اليهود الذين أخبر الله عنهم المؤمنين أنهم اتخذوا دينهم هُزُوًا ولعبًا بالدين على ما وصفهم به ربنا تعالى ذكره، (85) أن أحدهم كان يظهر للمؤمنين الإيمان وهو على كفره مقيم، ثم يراجع الكفر بعد يسير من المدة بإظهار ذلك بلسانه قولا بعد أن كان يُبدي بلسانه الإيمان قولا وهو للكفر مستبطن تلعبًا بالدين واستهزاءً به، كما أخبر تعالى ذكره عن فعل بعضهم ذلك بقوله: وَإِذَا لَقُوا الَّذِينَ آمَنُوا قَالُوا آمَنَّا وَإِذَا خَلَوْا إِلَى شَيَاطِينِهِمْ قَالُوا إِنَّا مَعَكُمْ إِنَّمَا نَحْنُ مُسْتَهْزِئُونَ * اللَّهُ يَسْتَهْزِئُ بِهِمْ وَيَمُدُّهُمْ فِي طُغْيَانِهِمْ يَعْمَهُونَ [سورة البقرة: 14، 15].* * *وبنحو الذي قلنا في ذلك جاء الخبر عن ابن عباس.12216 - حدثنا هناد بن السري وأبو كريب قالا حدثنا يونس بن بكير قال، حدثني ابن إسحاق قال، حدثني محمد بن أبي محمد مولى زيد بن ثابت قال، حدثني سعيد بن جبير أو عكرمة، عن ابن عباس قال: كان رفاعة بن زيد بن التابوت وسويد بن الحارث قد أظهرا الإسلام ثم نافقا، وكان رجال من المسلمين يوادُّونهما، فأنزل الله فيهما: " يا أيها الذين آمنوا لا تتخذوا الذين اتخذوا دينكم هزوًا ولعبًا من الذين أوتوا الكتاب من قبلكم والكفار أولياء " إلى قوله: وَاللَّهُ أَعْلَمُ بِمَا كَانُوا يَكْتُمُونَ . (86)* * *= فقد أبان هذا الخبر عن صحة ما قلنا، من أنّ اتخاذ من اتخذ دين الله هزوًا ولعبًا من أهل الكتاب الذين ذكرهم الله في هذه الآية، إنما كان بالنفاق منهم، وإظهارهم للمؤمنين الإيمان، واستبطانهم الكفر، وقيلهم لشياطينهم من اليهود إذا خلوا بهم: " إنا معكم "، فنهى الله عن موادَّتهم ومُخَالّتهم، (87) والتمسك بحلفهم، والاعتداد بهم أولياء= وأعلمهم أنهم لا يألونهم خبالا وفي دينهم طعنًا، وعليه إزراء.* * *وأمّا " الكفار " الذين ذكرهم الله تعالى ذكره في قوله: " من الذين أوتوا الكتاب من قبلكم والكفار أولياء "، فإنهم المشركون من عبدة الأوثان. نهى الله المؤمنين أن يتخذوا من أهل الكتاب ومن عبدة الأوثان وسائر أهل الكفر، أولياءَ دون المؤمنين.* * *وكان ابن مسعود فيما:-12217 - حدثني به أحمد بن يوسف قال، حدثنا القاسم بن سلام قال، حدثنا حجاج، عن هارون، عن ابن مسعود= يقرأ: ( مِنَ الَّذِينَ أُوتُوا الْكِتَابَ مِنْ قَبْلِكُمْ وَمِنَ الَّذِينَ أَشْرَكُوا ).* * *= ففي هذا بيان صحة التأويل الذي تأوَّلناه في ذلك.* * *واختلفت القرأة في قراءة ذلك.فقرأته جماعة من أهل الحجاز والبصرة والكوفة: ( وَالْكُفَّارِ أَوْلِيَاءَ ) بخفض " الكفار "، بمعنى: يا أيها الذين آمنوا لا تتخذوا الذين اتخذوا دينكم هزوًا ولعبًا من الذين أوتوا الكتاب من قبلكم، ومن الكفارِ، أولياءَ.* * *وكذلك ذلك في قراءة أبيّ بن كعب فيما بلغنا: ( من الذين أوتوا الكتاب من قبلكم ومن الكفار أولياء ).* * *وقرأ ذلك عامة قرأة أهل المدينة والكوفة: ( وَالْكُفَّارَ أَوْلِيَاءَ ) بالنصب، بمعنى: يا أيها الذين آمنوا لا تتخذوا الذين اتخذوا دينكم هزوًا ولعبًا والكفارَ= عطفًا ب" الكفار " على " الذين اتخذوا ".* * *قال أبو جعفر: والصواب من القول في ذلك أن يقال: إنهما قراءتان متفقتا المعنى، صحيحتا المخرج، قد قرأ بكل واحدة منهما علماء من القرأة، فبأي ذلك قرأ القارئ فقد أصاب. لأن النهيَ عن اتخاذ ولي من الكفار، نهيٌ عن اتخاذ جميعهم أولياء. والنهي عن اتخاذ جميعهم أولياء، نهيٌ عن اتخاذ بعضهم وليًّا. وذلك أنه غير مشكل على أحدٍ من أهل الإسلام أنّ الله تعالى ذكره إذا حرّم اتخاذ وليّ من المشركين على المؤمنين، أنه لم يبح لهم اتخاذ جميعهم أولياء= ولا إذا حرَّم اتخاذ جميعهم أولياء، أنه لم يخصص إباحة اتخاذ بعضهم وليًّا، فيجب من أجل إشكال ذلك عليهم، طلبُ الدليل على أولى القراءتين في ذلك بالصواب. وإذ كان ذلك كذلك، فسواء قرأ القارئ بالخفض أو بالنصب، لما ذكرنا من العلة.* * *وأما قوله: " واتقوا الله إن كنتم مؤمنين "، فإنه يعني: وخافوا الله، أيها المؤمنون، في هؤلاء الذين اتخذوا دينكم هزوًا ولعبًا من الذين أوتوا الكتاب ومن الكفار، أن تتخذوهم أولياء ونصراء، وارهبوا عقوبته في فعل ذلك إن فعلتموه بعد تقدُّمه إليكم بالنهي عنه، إن كنتم تؤمنون بالله وتصدِّقونه على وعيده على معصيته. (88)* * *---------------الهوامش :(84) في المطبوعة: "أنصار وإخوانا وحلفاء" ، وفي المخطوطة: "أنصارًا أو إخوانًا وحلفاء" ، وأجريتها جميعا بأو ، كما ترى.(85) في المطبوعة: "ولعبًا الدين على ما وصفهم" ، وهو غير مستقيم ، وفي المخطوطة: "ولعبا الذين على ما وصفهم" ، وهو أشد التواء ، والصواب ما أثبت ، كما سيأتي بعد"تلعبًا بالدين واستهزاء به".(86) الأثر: 12216- سيرة ابن هشام 2: 217 ، 218.(87) في المطبوعة: "ومحالفتهم" ، لم يحسن قراءة المخطوطة إذ كانت غير منقوطة ، وصواب قراءتها ما أثبت.(88) انظر تفسير"كفار" و"أولياء" و"اتقى" فيما سلف من فهارس اللغة ، (كفر) و(ولى) و(وقى).

الصفحة السابقة الصفحة التالية