تفسير سورة المائدة الصفحة 122 من القرآن الكريم

تفسير الصفحة رقم 122 من المصحف


وَإِذَا سَمِعُوا۟ مَآ أُنزِلَ إِلَى ٱلرَّسُولِ تَرَىٰٓ أَعْيُنَهُمْ تَفِيضُ مِنَ ٱلدَّمْعِ مِمَّا عَرَفُوا۟ مِنَ ٱلْحَقِّ يَقُولُونَ رَبَّنَآ ءَامَنَّا فَٱكْتُبْنَا مَعَ ٱلشَّٰهِدِينَ (83)


القول في تأويل قوله : وَإِذَا سَمِعُوا مَا أُنْزِلَ إِلَى الرَّسُولِ تَرَى أَعْيُنَهُمْ تَفِيضُ مِنَ الدَّمْعِ مِمَّا عَرَفُوا مِنَ الْحَقِّ يَقُولُونَ رَبَّنَا آمَنَّا فَاكْتُبْنَا مَعَ الشَّاهِدِينَ (83)قال أبو جعفر: يقول تعالى ذكره: وإذا سمع هؤلاء الذين قالوا: إِنَّا نَصَارَى = الذين وصفت لك، يا محمد، صفتهم أنك تجدهم أقرب الناس مودة للذين آمنوا= (1) ما أنزل إليك من الكتاب يُتْلى=" ترى أعينهم تفيض من الدمع ".* * *و " فيض العين من الدمع "، امتلاؤها منه، ثم سيلانه منها، كفيض النهر من الماء، وفيض الإناء، وذلك سيلانه عن شدة امتلائه، ومنه قول الأعشى:ففَاضَتْ دُمُوعِي, فَظَلَّ الشُّئُونُ:إمَّا وَكِيفًا, وَإِمَّا انْحِدَارَا (2)وقوله: " مما عرفوا من الحق "، يقول: فيض دموعهم، لمعرفتهم بأنّ الذي يتلى عليهم من كتاب الله الذي أنزله إلى رسول الله حقٌّ، كما:-12325 - حدثنا هناد بن السري قال، حدثنا يونس بن بكير قال، حدثنا أسباط بن نصر الهمداني، عن إسماعيل بن عبد الرحمن السديّ قال: بعث النجاشي إلى النبيّ صلى الله عليه وسلم اثنى عشر رجلا يسألونه ويأتونه بخبره، فقرأ عليهم رسول الله صلى الله عليه وسلم القرآن، فبكوا. وكان منهم سبعة رهبانٍ وخمسة قسيسين (3) = أو: خمسة رهبان، وسبعة قسيسين (4) = فأنزل الله فيهم: " وإذا سمعوا ما أنزل إلى الرسول ترى أعينهم تفيض من الدمع "، إلى آخر الآية.12326 - حدثنا عمرو بن علي قال، حدثنا عمر بن علي بن مقدّم قال، سمعت هشام بن عروة يحدث، عن أبيه، عن عبد الله بن الزبير قال: نزلت في النجاشي وأصحابه: " وإذا سمعوا ما أنزل إلى الرسول ترى أعينهم تفيض من الدمع ". (5)12327 - حدثنا هناد قال، حدثنا عبدة بن سليمان، عن هشام بن عروة، عن أبيه في قوله: " ترى أعينهم تفيض من الدمع مما عرفوا من الحق "، قال: ذلك في النجاشي.12328 - حدثنا هناد وابن وكيع قالا حدثنا أبو معاوية، عن هشام بن عروة، عن أبيه قال: كانوا يُرَوْن أن هذه الآية أنزلت في النجاشي: " وإذا سمعوا ما أنزل إلى الرسول ترى أعينهم تفيض من الدمع ".12329 - حدثنا هناد قال، حدثنا يونس بن بكير قال، قال ابن إسحاق: سألت الزهري عن الآيات: ذَلِكَ بِأَنَّ مِنْهُمْ قِسِّيسِينَ وَرُهْبَانًا وَأَنَّهُمْ لا يَسْتَكْبِرُونَ * وَإِذَا سَمِعُوا مَا أُنْزِلَ إِلَى الرَّسُولِ تَرَى أَعْيُنَهُمْ تَفِيضُ مِنَ الدَّمْعِ الآية، وقوله: وَإِذَا خَاطَبَهُمُ الْجَاهِلُونَ قَالُوا سَلامًا [سورة الفرقان: 63]. قال: ما زلت أسمع علماءنا يقولون: نزلت في النجاشي وأصحابه. (6)* * *وأما قوله: " يقولون "، فإنه لو كان بلفظ اسم، كان نصبًا على الحال، لأن معنى الكلام: وإذا سمعوا ما أنزل إلى الرسول ترى أعينهم تفيض من الدمع مما عرفوا من الحق، قائلين: " ربنا آمنا ".* * *ويعني بقوله تعالى ذكره: " يقولون ربنا آمنا "، أنهم يقولون: يا ربنا، صدَّقنا لما سمعنا ما أنزلته إلى نبيك محمد صلى الله عليه وسلم من كتابك، وأقررنا به أنه من عندك، وأنه الحق لا شك فيه.* * *وأما قوله: " فاكتبنا مع الشاهدين "، فإنه روي عن ابن عباس وغيره في تأويله، ما:-12330 - حدثنا به هناد قال، حدثنا وكيع= وحدثنا ابن وكيع قال، حدثنا أبي وابن نمير= جميعًا، عن إسرائيل، عن سماك، عن عكرمة، عن ابن عباس في قوله: " اكتبنا معالشاهدين "، قال: أمة محمد صلى الله عليه وسلم.12331 - حدثنا القاسم قال، حدثنا الحسين قال، حدثني حجاج، عن ابن جريج: " فاكتبنا مع الشاهدين "، مع أمّة محمد صلى الله عليه وسلم.12332 - حدثني المثنى قال، حدثنا عبد الله بن صالح قال، حدثني معاوية، عن علي بن أبي طلحة، عن ابن عباس: " فاكتبنا مع الشاهدين "، يعنون ب" الشاهدين "، محمدًا صلى الله عليه وسلم وأمَّته.12333 - حدثني الحارث قال، حدثنا عبد العزيز قال، حدثنا إسرائيل، عن سماك، عن عكرمة، عن ابن عباس في قوله: " فاكتبنا مع الشاهدين "، قال: محمد صلى الله عليه وسلم وأمته، إنهم شهدوا أنه قد بلَّغ، وشهدوا أن الرسل قد بلغت.12334 - حدثنا الربيع قال، حدثنا أسد بن موسى قال، حدثنا يحيى بن زكريا قال، حدثني إسرائيل، عن سماك، عن عكرمة، عن ابن عباس، مثل حديث الحارث بن عبد العزيز= غير أنه قال: وشهدوا للرسل أنهم قد بلَّغوا. (7)* * *قال أبو جعفر: فكأنّ متأوِّل هذا التأويل، قصد بتأويله هذا إلى معنى قول الله تعالى ذكره: وَكَذَلِكَ جَعَلْنَاكُمْ أُمَّةً وَسَطًا لِتَكُونُوا شُهَدَاءَ عَلَى النَّاسِ وَيَكُونَ الرَّسُولُ عَلَيْكُمْ شَهِيدًا [سورة البقرة: 143]. فذهب ابن عباس إلى أن " الشاهدين "، هم " الشهداء " في قوله: لِتَكُونُوا شُهَدَاءَ عَلَى النَّاسِ ، وهم أمة محمد صلى الله عليه وسلم. (8)* * *وإذا كان التأويل ذلك، كان معنى الكلام: " يقولون ربنا آمنا فاكتبنا مع الشاهدين "، الذين يشهدون لأنبيائك يوم القيامة، أنهم قد بلغوا أممهم رسالاتك.* * *ولو قال قائل: معنى ذلك: " فاكتبنا مع الشاهدين "، الذين يشهدون أن ما أنزلته إلى رسولك من الكتب حق= كان صوابًا. لأن ذلك خاتمة قوله: " وإذا سمعوا ما أنزل إلى الرسول ترى أعينهم تفيض من الدمع مما عرفوا من الحق يقولون ربنا آمنا فاكتبنا مع الشاهدين "، وذلك صفة من الله تعالى ذكره لهم بإيمانهم لما سمعوا من كتاب الله، فتكون مسألتهم أيضا اللهَ أن يجعلهم ممن صحَّت عنده شهادتهم بذلك، ويُلْحقهم في الثوابِ والجزاء منازلَهُم.ومعنى " الكتاب " في هذا الموضع: الجَعْل. (9)* * *يقول: فاجعلنا مع الشاهدين، وأثبتنا معهم في عِدَادهم.---------------------الهوامش :(1) سياق الكلام: "إذا سمع هؤلاء... ما أنزل إليك من الكتاب يتلى" ، وما بين الفعل ومفعوله فصل طويل.(2) ديوانه: 35. من قصيدته في قيس بن معد يكرب الكندي ، وقبل البيت ، وهو أولها:أَأَزْمَعْتَ مِنْ آلِ لَيْلَى ابْتِكَارَاوَشَطَّتْ عَلَى ذِي هَوًى أن تُزَارَاوَبَانَتْ بِهَا غَرَبَاتُ النَّوَىوَبُدِّلْتُ شَوْقًا بِهَا وَادِّكَارَافَفَاضَتْ دْمُوعِي............ . . . . . . . . . . . . . . . . . .كَمَا أَسْلَمَ السِّلْكُ مِنْ نَظْمِهِلآلِئَ مُنْحَدِرَاتٍ صِغَارَاوكان البيت في المخطوطة والمطبوعة: "ففاضت دموعي فطل الشئون داما حدارًا" ، وهو خطأ محض."والشئون" جمع"شأن" ، وهو مجرى الدمع إلى العين ، وهي عروقها. ورواية الديوان: "كفيض الغروب" ، و"الغروب" جمع"غرب" (بفتح فسكون) ، وهو الدلو الكبير الذي يستقى به على السانية. وقوله: "فظل" بالظاء المعجمة ، لا بالطاء. وقد أفسد وأخطأ من جعله بالطاء المهملة ، وشرحه على ذلك. وهو غث جدًا. و"الوكيف": أن يسيل الدمع قليلا قليلا ، إنما يقطر قطرًا."وكف الدمع يكف وكفًا ووكيفًا". وأما "انحدار الدمع" ، فهو سيلانه متتابعا ، كما ينصب الماء من حدور.(3) في المطبوعة: "وخمسة قسيسون" ، وأثبت ما في المخطوطة ، وهو صواب محض.(4) في المخطوطة: "أو سبعة" دون ذكر"قسيسين" ، ولكنها زيادة لا غنى عنها. وصوابها أيضا"وسبعة" بالواو.(5) الأثر: 12326-"عمر بن علي بن مقدم" ، هو: "عمر بن علي بن عطاء بن مقدم المقدمي". ثقة ، ولكنه كان يدلس. قال ابن سعد: "كان ثقة ، وكان يدلس تدليسًا شديدا ، يقول: سمعت ، وحدثنا ، ثم يسكت فيقول: هشام بن عروة ، والأعمش. وقال: كان رجلا صالحًا ، ولم يكونوا ينقمون عليه غير التدليس ، وأما غير ذلك فلا ، ولم أكن أقبل منه حتى يقول حدثنا". مترجم في التهذيب.(6) الأثر: 12329- سيرة ابن هشام 2: 33 ، ولكن ليس فيه ذكر آية سورة الفرقان التي ذكرها أبو جعفر في هذه الرواية عن ابن إسحق. ثم إن أبا جعفر لم يذكر هذا الخبر في تفسير الآية من سورة الفرقان 19: 21 ، 22 (بولاق) ، ولا أشار إلى أنها نزلت في أحد ، لا النساشي وأصحابه ولا غيرهم.(7) الآثار: 12330- 12334- رواه الحاكم في المستدرك 2: 313 ، من طريق يحيى بن آدم عن إسرائيل ، بمثله ، ثم قال: "هذا حديث صحيح الإسناد ولم يخرجاه" ووافقه الذهبي. وخرجه الهيثمي في مجمع الزوائد 7: 18 ، وقال: "رواه الطبراني عن شيخه عبد الله بن أبي مريم ، وهو ضعيف" ، ولكن هذه أسانيد صحاح ، رواها الطبري وغيره.(8) انظر ما سلف من تفسير آية سورة البقرة 3: 141- 155.(9) انظر تفسير"الكتاب" فيما سلف من فهارس اللغة ، (كتب).

وَمَا لَنَا لَا نُؤْمِنُ بِٱللَّهِ وَمَا جَآءَنَا مِنَ ٱلْحَقِّ وَنَطْمَعُ أَن يُدْخِلَنَا رَبُّنَا مَعَ ٱلْقَوْمِ ٱلصَّٰلِحِينَ (84)


القول في تأويل قوله : وَمَا لَنَا لا نُؤْمِنُ بِاللَّهِ وَمَا جَاءَنَا مِنَ الْحَقِّ وَنَطْمَعُ أَنْ يُدْخِلَنَا رَبُّنَا مَعَ الْقَوْمِ الصَّالِحِينَ (84)قال أبو جعفر: وهذا خبرٌ من الله تعالى ذكره عن هؤلاء القوم الذين وصَف صفتهم في هذه الآيات، أنهم إذا سمعوا ما أنزل إلى رسوله محمد صلى الله عليه وسلم من كتابه، آمنوا به وصدّقوا كتاب الله، وقالوا: " ما لنا لا نؤمن بالله "، يقول: لا نقرّ بوحدانية الله=" وما جاءَنا من الحق "، يقول: وما جاءنا من عند الله من كتابه وآي تنزيله، ونحن نطمَعُ بإيماننا بذلك أن يدخلنا ربُّنا مع القوم الصالحين.* * *يعني ب" القوم الصالحين "، المؤمنين بالله، المطيعين له، الذين استحقُّوا من الله الجنة بطاعتهم إياه. (10)وإنما معنى ذلك: ونحن نطمعُ أن يدخلَنا ربُّنا مع أهل طاعته مداخلَهم من جنته يوم القيامة، ويلحق منازلَنا بمنازلهم، ودرجاتنا بدرجاتهم في جنَّاته.* * *وبنحو الذي قلنا في ذلك قال أهل التأويل.ذكر من قال ذلك:12335 - حدثني يونس بن عبد الأعلى قال، أخبرنا ابن وهب قال، قال ابن زيد في قوله: " وما لنا لا نؤمن بالله وما جاءنا من الحق ونطمع أن يدخلنا ربنا مع القوم الصالحين "، قال: " القومُ الصالحون "، رسولُ الله صلى الله عليه وسلم وأصحابُه.-------------------االهوامش :(10) انظر تفسير"الصالح" فيما سلف 8: 532 ، تعليق: 2 ، والمراجع هناك.

فَأَثَٰبَهُمُ ٱللَّهُ بِمَا قَالُوا۟ جَنَّٰتٍ تَجْرِى مِن تَحْتِهَا ٱلْأَنْهَٰرُ خَٰلِدِينَ فِيهَا وَذَٰلِكَ جَزَآءُ ٱلْمُحْسِنِينَ (85)


القول في تأويل قوله : فَأَثَابَهُمُ اللَّهُ بِمَا قَالُوا جَنَّاتٍ تَجْرِي مِنْ تَحْتِهَا الأَنْهَارُ خَالِدِينَ فِيهَا وَذَلِكَ جَزَاءُ الْمُحْسِنِينَ (85)قال أبو جعفر: يقول تعالى ذكره: فجزاهم الله بقولهم: " رَبَّنَا آمَنَّا فَاكْتُبْنَا مَعَ الشَّاهِدِينَ * وَمَا لَنَا لا نُؤْمِنُ بِاللَّهِ وَمَا جَاءَنَا مِنَ الْحَقِّ وَنَطْمَعُ أَنْ يُدْخِلَنَا رَبُّنَا مَعَ الْقَوْمِ الصَّالِحِينَ =" جنات تجري من تحتها الأنهار "، يعني: بساتين تجري من تحت أشجارها الأنهار=" خالدين فيها "، يقول: دائمًا فيها مكثهم، لا يخرجون منها ولا يحوَّلون عنها=" وذلك جزاء المحسنين "، يقول: وهذا الذي جَزَيتُ هؤلاء القائلين بما وصفتُ عنهم من قيلهم على ما قالوا، من الجنات التي هم فيها خالدون، جزاءُ كل محسنٍ في قِيله وفِعله.* * *و " إحسان المحسن " في ذلك، أن يوحِّد الله توحيدًا خالصًا محضًا لا شرك فيه، ويقرّ بأنبياء الله وما جاءت به من عند الله من الكتب، ويؤدِّي فرائضَه، ويجتنب معاصيه. (11) فذلك كمال إحسان المحسنين الذين قال الله تعالى ذكره: " جنات تجري من تحتها الأنهار خالدين فيها ". (12)-------------------الهوامش :(11) انظر تفسير"الإحسان" فيما سلف 8: 334 ، تعليق: 2 ، والمراجع هناك.(12) أخشى أن يكون صواب العبارة: "الذين قال الله تعالى ذكره أنه أثابهم بما قالوا جنات..." ، ولكني تركت ما في المخطوطة والمطبوعة على حاله.

وَٱلَّذِينَ كَفَرُوا۟ وَكَذَّبُوا۟ بِـَٔايَٰتِنَآ أُو۟لَٰٓئِكَ أَصْحَٰبُ ٱلْجَحِيمِ (86)


القول في تأويل قوله : وَالَّذِينَ كَفَرُوا وَكَذَّبُوا بِآيَاتِنَا أُولَئِكَ أَصْحَابُ الْجَحِيمِ (86)قال أبو جعفر: يقول تعالى ذكره: وأما الذين جَحَدوا توحيدَ الله، وأنكروا نبوّةَ محمد صلى الله عليه وسلم، وكذبوا بآيات كتابه، فإن أولئك " أصحاب الجحيم ". يقول: هم سكّانها واللابثون فيها. (13)* * *و " الجحيم ": ما اشتدّ حرُّه من النار، وهو " الجَاحِم "" والجحيم ". (14)--------------------------الهوامش :(13) انظر تفسير"أصحاب النار" فيما سلف ص: 217 ، تعليق: 2 ، والمراجع هناك.(14) انظر تفسير"الجحيم" فيما سلف 2: 562.

يَٰٓأَيُّهَا ٱلَّذِينَ ءَامَنُوا۟ لَا تُحَرِّمُوا۟ طَيِّبَٰتِ مَآ أَحَلَّ ٱللَّهُ لَكُمْ وَلَا تَعْتَدُوٓا۟ إِنَّ ٱللَّهَ لَا يُحِبُّ ٱلْمُعْتَدِينَ (87)


القول في تأويل قوله : يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لا تُحَرِّمُوا طَيِّبَاتِ مَا أَحَلَّ اللَّهُ لَكُمْ وَلا تَعْتَدُوا إِنَّ اللَّهَ لا يُحِبُّ الْمُعْتَدِينَ (87)قال أبو جعفر: يقول تعالى ذكره: يا أيها الذين صدَّقوا الله ورسوله، وأقرُّوا بما جاءهم به نبيُّهم صلى الله عليه وسلم أنه حق من عند الله=" لا تحرّموا طيبات ما أحل الله لكم "، يعني ب" الطيبات "، اللذيذات التي تشتهيها النفوس، وتميل إليها القلوب، (15)فتمنعوها إيّاها، كالذي فعله القسِّيسون والرُّهبان، فحرَّموا على أنفسِهم النساءَ والمطاعمَ الطيَّبة، والمشاربَ اللذيذة، وحَبس في الصَّوامع بعضُهم أنفسَهم، وساحَ في الأرض بعضهم. يقول تعالى ذكره: فلا تفعلوا أيُّها المؤمنون، كما فعل أولئك، ولا تعتدُوا حدَّ الله الذي حدَّ لكم فيما أحلَّ لكم وفيما حرم عليكم، فتجاوزوا حدَّه الذي حدَّه، فتخالفوا بذلك طاعته، فإن الله لا يحبُّ من اعتدى حدَّه الذي حدّه لخلقه، فيما أحل لهم وحرَّم عليهم.* * *وبنحو الذي قلنا في ذلك قال أهل التأويل.ذكر من قال ذلك:12336 - حدثني أبو حصين عبد الله بن أحمد بن يونس قال، حدثنا عبثر أبو زبيد قال، حدثنا حصين، عن أبي مالك في هذه الآية: " يا أيها الذين آمنوا لا تحرموا طيّبات ما أحل الله لكم " الآية، قال: عثمان بن مظعون وأناسٌ من المسلمين، حرَّموا عليهم النساءَ، وامتنعوا من الطَّعام الطيّب، وأراد بعضهم أن يقطع ذَكَره، فنزلت هذه الآية. (16)12337 - حدثنا حميد بن مسعدة قال، حدثنا يزيد بن زريع قال، حدثني خالد الحذاء، عن عكرمة قال: كان أناسٌ من أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم همُّوا بالخصاء وتَرْك اللحم والنساء، فنزلت هذه الآية: " يا أيها الذين آمنوا لا تحرموا طيّباتِ ما أحلّ الله لكم ولا تعتدوا إن الله لا يحب المعتدين ".12338 - حدثني يعقوب قال، حدثنا ابن علية، عن خالد، عن عكرمة: أن رجالا أرادوا كذا وكذا، وأرادوا كذا وكذا، وأن يختَصُوا، فنزلت: " يا أيها الذين آمنوا لا تحرّموا طيّبات ما أحلَّ الله لكم " إلى قوله: الَّذِي أَنْتُمْ بِهِ مُؤْمِنُونَ .12339 - حدثنا ابن وكيع قال، حدثنا جرير، عن مغيرة، عن إبراهيم: " يا أيها الذين آمنوا لا تحرموا طيِّبات ما أحل الله لكم "، قال: كانوا حَرَّموا الطيِّب واللحمَ، فأنزل الله تعالى هذا فيهم.12340 - حدثنا ابن وكيع قال، حدثنا عبد الوهاب الثقفي قال، حدثنا خالد، عن عكرمة: أن أناسًا قالوا: " لا نتزوَّج، ولا نأكل، ولا نفعل كذا وكذا "! فأنزل الله تعالى: " يا أيها الذين آمنوا لا تحرِّموا طيِّبات ما أحل الله لكم ولا تعتدوا إنّ الله لا يحب المعتدين ".12341 - حدثنا الحسن بن يحيى قال، أخبرنا عبد الرزاق قال، أخبرنا معمر، عن أيوب، عن أبي قلابة، قال: أراد أناس من أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم أن يرفُضُوا الدنيا، ويتركوا النساء، ويترهَّبوا، فقام رسول الله صلى الله عليه وسلم فغَلَّظ فيهم المقالة، ثم قال: إنما هَلَك من كان قبلكم بالتشديد، شدَّدوا على أنفسهم فشدَّد الله عليهم، فأولئك بقايَاهم في الدِّيار والصوامع! (17) اعبدُوا الله ولا تشركوا به شيئًا، وحجُّوا، واعتمروا، واستقيموا يَسْتَقِم لكم. قال: ونزلت فيهم: " يا أيها الذين آمنوا لا تحرِّموا طيبات ما أحل الله لكم "، الآية.12342 - حدثنا الحسن بن يحيى قال، أخبرنا عبد الرزاق قال، أخبرنا معمر، عن قتادة في قوله: " لا تحرّموا طيبات ما أحل الله لكم "، قال: نزلت في أناس من أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم، أرادوا أن يتخلَّوا من الدُّنيا، (18) ويتركوا النساء ويتزهدوا، منهم علي بن أبي طالب وعثمان بن مظعون.12343 - حدثنا ابن وكيع قال، حدثنا أبي، عن سفيان، عن زياد بن فياض، عن أبي عبد الرحمن قال: قال النبيُّ صلى الله عليه وسلم: لا آمرُكم أن تكونُوا قسِّيسين ورهبانًا ".12344 - حدثنا بشر بن مُعاذ قال، حدثنا جامع بن حماد قال، حدثنا يزيد بن زريع، عن سعيد، عن قتادة في قوله: " يا أيها الذين آمنوا لا تحرموا طيبات ما أحل الله لكم "، الآية، ذكر لنا أنّ رجالا من أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم رَفَضوا النساء واللحم، وأرادوا أن يتّخذوا الصوامع. فلما بلغ ذلك رسولَ الله صلى الله عليه وسلم قال: ليس في ديني تركُ النساء واللحم، ولا اتِّخاذُ الصوامع= وخُبِّرنا أن ثلاثة نفرٍ على عهد رسول الله صلى الله عليه وسلم اتَّفقوا، فقال أحدهم: أمَّا أنا فأقوم الليل لا أنام! وقال أحدهم: أمَّا أنا فأصوم النهار فلا أفطر! وقال الآخر: أما أنا فلا آتي النساء! فبعث رسول الله صلى الله عليه وسلم إليهم فقال: ألم أُنَبَّأْ أنكم اتّفقتم على كذا؟ قالوا: بلى! يا رسول الله، وما أردنا إلا الخير! قال: لكني أقومُ وأنامَ، وأصوم وأفطر، وآتي النساء، فمن رغب عن سُنَّتِي فليس منِّي= وكان في بعض القراءة: ( من رغب عن سنتك فليس من أمتك وقد ضل عن سواء السبيل ). (19) وذكر لنا أن نبي الله صلى الله عليه وسلم قال لأناسٍ من أصحابه: إن مَنْ قبلكم شدَّدوا على أنفسهم فشدَّد الله عليهم، فهؤلاء إخوانهم في الدُّورِ والصوامع! (20) اعبدوا الله ولا تشركوا به شيئًا، وأقيموا الصلاة، وآتوا الزكاة، وصوموا رمضان، وحُجُّوا واعتمروا، واستقيموا يستقم لكم. (21)12345 - حدثني محمد بن الحسين قال، حدثنا أحمد بن مفضل قال، حدثنا أسباط، عن السدي: " يا أيها الذين آمنوا لا تحرّموا طيبات ما أحل الله لكم ولا تعتدوا إنّ الله لا يحب المعتدين "، وذلك أنّ رسول الله صلى الله عليه وسلم جلس يومًا فذكر الناس، ثم قام ولم يزدهم على التَّخويف. فقال أناسٌ من أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم كانوا عشرة، منهم علي بن أبي طالب وعثمان بن مظعون: ما خِفْنا إن لم نُحْدِث عملا! (22) فإنّ النصارى قد حرَّموا على أنفسهم، فنحن نحرِّم! فحرَّم بعضهم أكل اللَّحم والوَدَك، وأن يأكل بالنهار، (23) وحرَّم بعضهم النوم، وحرَّم بعضهم النساء. فكان عثمان بن مظعون ممَّن حرم النساءَ، وكان لا يدنو من أهله ولا يدنون منه. فأتت امرأتُه عائشةَ، وكان يقال لها: " الحولاء "، فقالت لها عائشة ومن عندها من نساءِ النبيّ صلى الله عليه وسلم: ما بالُك، يا حولاءُ متغيِّرةَ اللون لا تمتشِطين ولا تطيَّبين؟ فقالت: وكيف أتطيَّب وأمتشط، وما وقع عليّ زوجي، ولا رفع عني ثوبًا، منذ كذا وكذا! فجعلن يَضحكن من كلامها. فدخل رسول الله صلى الله عليه وسلم وهنّ يضحكن، فقال: ما يضحككن؟ قالت: يا رسول الله، الحولاءُ، سألتها عن أمرها فقالت: " ما رفع عني زوجي ثوبًا منذ كذا وكذا "! فأرسل إليه فدعاه فقال: ما بالك يا عثمان؟ قال: إني تركته لله لكي أتخلَّى للعبادة! وقَصَّ عليه أمره. وكان عثمان قد أراد أن يَجُبَّ نفسه، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: أقسمتُ عليك إلا رجعت فواقعتَ أهلك! فقال: يا رسول الله إني صائم! قال: أفطر! فأفطر، وأتى أهله. فرجعت الحولاءُ إلى عائشة قد اكتحلت وامتشطت وتطيَّبت. فضحكت عائشة، فقالت: ما بالك يا حولاء؟ فقالت: إنه أتاها أمس! فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: ما بالُ أقوامٍ حرَّموا النساء، والطعامَ، والنومَ؟ ألا إني أنام وأقوم، وأفطر وأصوم، وأنكح النساء، فمن رغب عن سُنَّتي فليس مني! فنزلت: " يا أيها الذين آمنوا لا تحرِّموا طيبات ما أحل الله لكم ولا تعتدوا "، يقول لعثمان: لا تَجُبَّ نفسك. فإن هذا هو الاعتداء= وأمرهم أن يكفِّروا أيْمانهم، فقال: لا يُؤَاخِذُكُمُ اللَّهُ بِاللَّغْوِ فِي أَيْمَانِكُمْ وَلَكِنْ يُؤَاخِذُكُمْ بِمَا عَقَّدْتُمُ الأَيْمَانَ .12346 - حدثني المثنى قال، حدثنا عبد الله بن صالح قال، حدثني معاوية، عن علي، عن ابن عباس قوله: " يا أيها الذين آمنوا لا تحرموا طيبات ما أحل الله لكم "، قال: هم رهطٌ من أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم قالوا: نقطَعُ مذاكيرَنا، ونترك شهوات الدنيا، ونسيح في الأرض كما تفعل الرهبان! فبلغ ذلك النبيَّ صلى الله عليه وسلم فأرسل، إليهم، فذكر ذلك لهم فقالوا: نعم! فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: لكنيّ أصوم وأفطر، وأصلِّي وأنام، وأنكح النساء، فمن أخذ بسنتي فهو مني، ومن لم يأخذ بسنتي فليس مِني.12347 - حدثني محمد بن سعد قال، حدثني أبي قال، حدثني عمي قال، حدثني أبي، عن أبيه، عن ابن عباس قوله: " يا أيها الذين آمنوا لا تحرموا طيبات ما أحل الله لكم "، وذلك أن رجالا من أصحاب محمدٍ صلى الله عليه وسلم، منهم عثمان بن مظعون، حرَّموا النساء واللحمَ على أنفسهم، وأخذوا الشِّفَار ليقطعوا مذاكيرهم، لكي تنقطع الشهوة ويتفرَّغوا لعبادة ربهم. فأخبر بذلك النبيُّ صلى الله عليه وسلم فقال: ما أردتم؟ فقالوا: أردنا أن تنقطع الشهوة عنا، (24) ونتفرغ لعبادة ربنا، ونلهو عن النساء! فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: لم أومر بذلك، ولكني أمرت في ديني أن أتزوَّج النساء! فقالوا، نطيعُ رسول الله صلى الله عليه وسلم. فأنزل الله تعالى ذكره: " يا أيها الذين آمنوا لا تحرِّموا طيبات ما أحل الله لكم ولا تعتدوا إنّ الله لا يحب المعتدين "، إلى قوله: الَّذِي أَنْتُمْ بِهِ مُؤْمِنُونَ .12348 - حدثنا القاسم قال حدثنا الحسين قال، حدثني حجاج، عن ابن جريج، عن مجاهد قال: أراد رجالٌ، منهم عثمان بن مظعون وعبد الله بن عمرو، أن يتبتَّلوا، ويخصُوا أنفسهم، ويلبسوا المُسُوح، (25) فنزلت هذه الآية إلى قوله: وَاتَّقُوا اللَّهَ الَّذِي أَنْتُمْ بِهِ مُؤْمِنُونَ = قال ابن جريج، عن عكرمة: أن عثمان بن مظعون، وعلي بن أبي طالب، وابن مسعود، والمقداد بن الأسود، وسالمًا مولى أبي حذيفة في أصحابٍ، تبتَّلوا، فجلسوا في البيوت، واعتزَلوا النساءَ، ولبسوا المسوحَ، وحرَّموا طيبات الطعام واللِّباس إلا ما أكل ولبس أهل السِّيَاحة من بني إسرائيل، وهمُّوا بالإخصَاء، (26) وأجمعُوا لقيام الليلِ وصيام النهار، فنزلت: " يا أيها الذين آمنوا لا تحرِّموا طيبات ما أحلّ الله لكم ولا تعتدوا إن الله لا يحب المعتدين "، يقول: لا تَسِيروا بغير سُنّة المسلمين، (27) يريد: ما حرموا من النساء والطعام واللباس، وما أجمعوا له من صيام النهار وقيامِ الليل، وما همُّوا به من الإخصاء. (28) فلما نزلت فيهم، بعث إليهم رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال: إنّ لأنفسكم حقًّا، وإنَّ لأعيُنِكم حقًّا! صوموا وأفطروا، وصلّوا وناموا، فليس منا من ترك سُنَّتنا! فقالوا: اللهم أسلمنا واتَّبعنا ما أنزلت!12349 - حدثني يونس بن عبد الأعلى قال، أخبرنا ابن وهب، عن ابن زيد في قوله: " يا أيها الذين آمنوا لا تحرموا طيبات ما أحل الله لكم "، قال، قال أبي: ضَافَ عبدَ الله بن رواحة ضيفٌ، فانقلبَ ابن رواحة ولم يتعشَّ، فقال لأهله: ما عَشَّيْتِه؟ فقالت: كان الطعام قليلا فانتظرت أن تأتي! قال: فحبستِ ضيفي من أجلي! فطعامُك عليَّ حرام إن ذُقْته! فقالت هي: وهو عليّ حرام إن ذقته إن لم تذقه! وقال الضيف: هو عليَّ حرام إن ذقتُه إن لم تذُوقوه! فلما رأى ذلك قال ابن رواحة: قرِّبي طعامَكِ، كلوا بسم الله! وغدا إلى النبي صلى الله عليه وسلم فأخبره، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: قد أحسنتَ! فنزلت هذه الآية: " يا أيها الذين آمنوا لا تحرِّموا طيبات ما أحلَّ الله لكم "، وقرأ حتى بلغ: لا يُؤَاخِذُكُمُ اللَّهُ بِاللَّغْوِ فِي أَيْمَانِكُمْ وَلَكِنْ يُؤَاخِذُكُمْ بِمَا عَقَّدْتُمُ الأَيْمَانَ ، إذا قلت: " والله لا أذوقه "، فذلك العقد.12350 - حدثنا عمرو بن علي قال، حدثنا أبو عاصم قال، حدثنا عثمان بن سَعْد قال، حدثنا عكرمة، عن ابن عباس: أنّ رجلا أتى النبي صلى الله عليه وسلم فقال: يا رسول الله، إنيّ إذا أصبتُ من اللحم انتشرتُ، وأخذتني شهوتي، فحرَّمت اللحم؟ فأنزل الله تعالى ذكره: " يا أيها الذين آمنوا لا تحرِّموا طيبات ما أحل الله لكم ولا تعتدُوا إن الله لا يحبُّ المعتدين ". (29)12351 - حدثنا عمرو بن علي قال، حدثنا يزيد بن زريع قال، حدثنا خالد الحذاء، عن عكرمة قال: هَمَّ أناسٌ من أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم بترك النساء والخِصَاء، فأنزل الله تعالى: " يا أيها الذين آمنوا لا تحرموا طيبات ما أحل الله لكم " الآية.* * *واختلفوا في معنى " الاعتداء " الذي قال تعالى ذكره: " ولا تعتدوا إنّ الله لا يحبُّ المعتدين ".فقال بعضهم: " الاعتداء " الذي نهى الله عنه في هذا الموضع: هو ما كان عثمان بن مظعون همَّ به من جَبِّ نفسه، فنهى عن ذلك، وقيل له: " هذا هو الاعتداء ".وممن قال ذلك السدي.12352 - حدثنا محمد بن الحسين قال، حدثني أحمد بن المفضل قال، حدثنا أسباط، عنه. (30)* * *وقال آخرون: بل ذلك هو ما كان الجماعةُ من أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم هَمُّوا به من تحريمِ النساء والطعام واللباس والنوم، فنهوا أن يفعلوا ذلك، وأن يستَنَّوا بغير سنة نبيهم محمد صلى الله عليه وسلم. وممن قال ذلك عكرمة.12353 - حدثنا القاسم قال، حدثنا الحسين قال، حدثني حجاج، عن ابن جريج، عنه. (31)* * *وقال بعضهم: بل ذلك نهيٌ من الله تعالى ذكره أن يتجاوَزَ الحلالَ إلى الحرام.ذكر من قال ذلك:12354 - حدثنا ابن وكيع قال، حدثنا المحاربي، عن عاصم، عن الحسن: " يا أيها الذين آمنوا لا تحرموا طيبات ما أحلّ الله لكم ولا تعتدوا "، قال: لا تعتدوا إلى ما حُرِّم عليكم.* * *وقد بينا أن معنى " الاعتداء "، تجاوز المرءِ ماله إلى ما ليس له في كل شيء، فيما مضى، بما أغنى عن إعادته. (32)قال أبو جعفر: وإذ كان ذلك كذلك= وكان الله تعالى ذكره قد عمَّ بقوله: " لا تعتدوا "، النهيَ عن العدوان كُلّه= كان الواجبُ أن يكون محكومًا لما عمَّه بالعُموم حتى يخصَّه ما يجب التسليم له. وليس لأحدٍ أن يتعدَّى حدَّ الله تعالى في شي من الأشياء مما أحلَّ أو حرَّم، فمن تعدَّاه فهو داخل في جملة من قال تعالى ذكره: " إن الله لا يحب المعتدين ".وغير مستحيل أن تكون الآية نزلت في أمر عثمان بن مظعون والرهطِ الذين همُّوا من أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم بما همُّوا به من تحريم بعض ما أحلّ الله لهم على أنفسهم، ويكون مرادًا بحكمها كلُّ من كان في مثل مَعْناهم ممَّن حرّم على نفسه ما أحلَّ الله له، أو أحلَّ ما حرّم الله عليه، أو تجاوز حدًّا حدَّه الله له. وذلك أن الذين همُّوا بما همُّوا به من تحريم بعض ما أحلَّ لهم على أنفسهم، إنما عوتبوا على ما همُّوا به من تجاوزهم ما سَنَّ لهم وحدَّ، إلى غيره.---------------الهوامش :(15) انظر تفسير"الطيبات" فيما سلف ص: 84 ، تعليق: 1 ، والمراجع هناك.(16) الأثر: 12336-"أبو حصين": "عبد الله بن أحمد بن يونس" هو: "عبد الله بن أحمد بن عبد الله بن يونس اليربوعي" ، شيخ الطبري ، روى عن أبيه ، وروى هو وأبوه عن عبثر بن القاسم. روى عنه الترمذي والنسائي وأبو حاتم ، وغيرهم ، ثقة صدوق. مترجم في التهذيب.و"عبثر بن القاسم الزبيدي" ، "أبو زبيد". ثقة صدوق. وقال ابن معين: "ثقة سنيّ". مترجم في التهذيب ، والكبير 4/1/94 ، وابن أبي حاتم 3/2/ 43. وكان في المخطوطة وحدها: "عبثر بن زبيدة" ، وهو خطأ محض.و"حصين" ، هو"حصين بن عبد الرحمن السلمي" ، مضى برقم: 579 ، 2986.(17) "الديار" جمع"دير" ، والذي ذكره أصحاب معاجم اللغة أن جمعه"أديار" ، واقتصروا على هذا الجمع ، وذكر ياقوت في معجم البلدان (دير) ، جموعًا كثيرًا ، ليس هذا منها ، ولكنه نقل أن الجوهري قال: "دير النصارى أصله الدار" فإن كان ذلك كذلك ، فجمعه على"ديار" لا شك في صحته وقياسه. وانظر"الدور" أيضا في الأثر رقم: 12344. ص: 516 ، تعليق: 2.(18) في المطبوعة: "أن يتخلوا من اللباس" ، وهو كلام ملفق ، وفي المخطوطة: "ويتحلوا من اللبسا" ، غير مبينة ، صوابها ما أثبت من الدر المنثور 2: 308.(19) في المطبوعة: "عن سواء السبيل" ، بزيادة"عن" ، وليست في المخطوطة.(20) "الدور" ، يعني جمع"دير" ، وقد ذكرت القول فيه في ص: 515 ، تعليق: 1.(21) الأثر: 12344-"بشر بن معاذ العقدي" مضى برقم: 352 ، 2616.أما "جامع بن حماد" ، فلم أجد له ترجمة فيما بين يدي من المراجع. وهذه أول مرة يأتي إسناد بشر بن معاذ في روايته عن يزيد بن زريع بواسطة"جامع بن حماد". أما إسناد: "بشر بن معاذ ، عن يزيد بن زريع ، عن سعيد ، عن قتادة" فهو إسناد دار في التفسير من أوله إلى هذا الموضع ، برواية"بشر بن معاذ" عن"يزيد بن زريع" مباشرة.وسيأتي هذا الإسناد الجديد بعد هذا مرارا ، برقم: 12367 ، 12423 ، 12507 ، 12524. وفي هذا الإسناد الأخير ، نص صريح على أنه روى الخبر مرة بواسطة"جامع بن حماد" هذا ، ثم رواه مرة أخرى عن"يزيد بن زيع" مباشرة.(22) في المطبوعة: "ما حقنا" ، وفي المخطوطة: "ما حفنا" ، وصواب قراءته ما أثبت. وذلك أن رسول الله صلى الله عليه وسلم خوفهم عقاب الله ، فقالوا: لم نبلغ من الخوف مبلغًا يرضاه ربنا ، إن لم نعمل عملا يدل على شدة المخافة.(23) "الودك" (بفتحتين): دسم اللحم ودهنه الذي يستخرج منه.(24) في المطبوعة: "أن نقطع" ، وأثبت ما في المخطوطة.(25) "المسوح" جمع"مسح" (بكسر فسكون): وهو كساء من شعر يلبسه الرهبان.(26) "الإخصاء" ، يعني الخصاء ، وانظر ما كتبته آنفا في 9: 215 ، تعليق: 1 ، وإنكار أهل اللغة لها ، وإتيانها في آثار كبيرة ، يضم إليها هذا الأثر في موضعين. وكان في المطبوعة هنا"بالاختصاء" ، وأثبت ما في المخطوطة ، ولكن ستأتي مرة أخرى ، وتتفق فيها المطبوعة والمخطوطة: "الاختصاء".(27) في المطبوعة: "لا تستنوا بغير سنة المسلمين" ، وأثبت ما في المخطوطة ، وهي غير منقوطة. وهذا صواب قراءتها.(28) في المطبوعة والمخطوطة: "هموا له" ، وكأن الصواب ما أثبت.(29) الأثر: 12350- هذا الأثر أخرجه الترمذي في كتاب التفسير بإسناده ولفظه ، ثم قال: "هذا حديث حسن غريب. ورواه بعضهم من غير حديث عثمان بن سعد مرسلا ، ليس فيه: عن ابن عباس ، ورواه خالد الحذاء ، عن عكرمة ، مرسلا" ، يعني الترمذي الأثر التالي: 12351.و"عثمان بن سعد التميمي ، الكاتب المعلم" ، ثقة. مضى برقم: 2155. وكان في المطبوعة هنا"عثمان بن سعيد" ، وهو خطأ محض ، وكان في المخطوطة مثله ، إلا أنه ضرب على نقطتي الياء ، وأراد وصل العين بالدال ، فأخطأ الناشر في قراءة ذلك.هذا ، وانظر ما جاء من الأخبار في الخصاء والتبتل في صحيح البخاري (الفتح 9: 100- 103) ، وما علق عليه الحافظ ابن حجر. ثم ما جاء فيه أيضا (الفتح 8: 207) ، وتفسير ابن كثير 3: 213- 217 ، وطبقات ابن سعد 3/1/286- 288 في ترجمة"عثمان بن مظعون".(30) في المطبوعة: "عنه به" في الموضعين ، وأثبت ما في المخطوطة ، بحذفها.(31) في المطبوعة: "عنه به" في الموضعين ، وأثبت ما في المخطوطة ، بحذفها.(32) انظر تفسير"الاعتداء" فيما سلف ص: 489 ، تعليق: 1 ، والمراجع هناك.

وَكُلُوا۟ مِمَّا رَزَقَكُمُ ٱللَّهُ حَلَٰلًا طَيِّبًا وَٱتَّقُوا۟ ٱللَّهَ ٱلَّذِىٓ أَنتُم بِهِۦ مُؤْمِنُونَ (88)


القول في تأويل قوله : وَكُلُوا مِمَّا رَزَقَكُمُ اللَّهُ حَلالا طَيِّبًا وَاتَّقُوا اللَّهَ الَّذِي أَنْتُمْ بِهِ مُؤْمِنُونَ (88)قال أبو جعفر: يقول تعالى ذكره، لهؤلاء المؤمنين الذين نهَاهم أن يحرِّموا طيبات ما أحلّ الله لهم: كُلوا، أيها المؤمنون، من رزق الله الذي رَزقكم وأحله لكم، حلالا طيِّبًا، (33) كما:-12355 - حدثنا القاسم قال، حدثنا الحسين قال، حدثني حجاج، عن ابن جريج، عن عكرمة: " وكلوا مما رزقكم الله حلالا طيبًا " يعني: ما أحل الله لهم من الطعام.* * *وأما قوله: " واتقوا الله الذي أنتم به مؤمنون "، فإنه يقول: وخافوا، أيها المؤمنون، أن تعتدوا في حدوده، فتُحلُّوا ما حُرِّم عليكم، وتُحرِّموا ما أحِلَّ لكم، واحذروه في ذلك أن تخالفوه، فينزل بكم سَخَطُه، أو تستوجبوا به عقوبته (34) =" الذي أنتم به مؤمنون "، يقول: الذي أنتم بوحدانيّته مقرُّون، وبربُوبيته مصدِّقون.-----------------الهوامش :(33) انظر تفسير"حلال طيب" فيما سلف 3: 300 ، 301(34) انظر تفسير"اتقى" فيما سلف من فهارس اللغة (وقى).

لَا يُؤَاخِذُكُمُ ٱللَّهُ بِٱللَّغْوِ فِىٓ أَيْمَٰنِكُمْ وَلَٰكِن يُؤَاخِذُكُم بِمَا عَقَّدتُّمُ ٱلْأَيْمَٰنَ فَكَفَّٰرَتُهُۥٓ إِطْعَامُ عَشَرَةِ مَسَٰكِينَ مِنْ أَوْسَطِ مَا تُطْعِمُونَ أَهْلِيكُمْ أَوْ كِسْوَتُهُمْ أَوْ تَحْرِيرُ رَقَبَةٍ فَمَن لَّمْ يَجِدْ فَصِيَامُ ثَلَٰثَةِ أَيَّامٍ ذَٰلِكَ كَفَّٰرَةُ أَيْمَٰنِكُمْ إِذَا حَلَفْتُمْ وَٱحْفَظُوٓا۟ أَيْمَٰنَكُمْ كَذَٰلِكَ يُبَيِّنُ ٱللَّهُ لَكُمْ ءَايَٰتِهِۦ لَعَلَّكُمْ تَشْكُرُونَ (89)


لا يؤاخذكم الله باللغو في أيمانكمالقول في تأويل قوله تعالى : لا يؤاخذكم الله باللغو في أيمانكم يقول تعالى ذكره للذين كانوا حرموا على أنفسهم الطيبات من أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم وكانوا حرموا ذلك بأيمان حلفوا بها , فنهاهم عن تحريمها , وقال لهم : لا يؤاخذكم ربكم باللغو في أيمانكم . كما : 9642 - حدثني محمد بن سعد , قال : ثني أبي , قال : ثني عمي , قال : ثني أبي , عن أبيه , عن ابن عباس , قال : لما نزلت : يا أيها الذين آمنوا لا تحرموا طيبات ما أحل الله لكم في القوم الذين كانوا حرموا النساء واللحم على أنفسهم , قالوا : يا رسول الله , كيف نصنع بأيماننا التي حلفنا عليها ؟ فأنزل الله تعالى ذكره : لا يؤاخذكم الله باللغو في أيمانكم الآية . فهذا يدل على ما قلنا من أن القوم كانوا حرموا على أنفسهم بأيمان حلفوا بها , فنزلت هذه الآية بسببهم .ولكن يؤاخذكمواختلفت القراء في قراءة ذلك , فقرأته عامة قراء الحجاز وبعض البصريين : ولكن يؤاخذكم بما عقدتم الأيمان بتشديد القاف , بمعنى : وكدتم الأيمان ورددتموها ; وقراء الكوفيين : " بما عقدتم الأيمان " بتخفيف القاف , بمعنى : أوجبتموها على أنفسكم , وعزمت عليها قلوبكم . وأولى القراءتين بالصواب في ذلك قراءة من قرأ بتخفيف القاف , وذلك أن العرب لا تكاد تستعمل فعلت في الكلام , إلا فيما يكون فيه تردد مرة بعد مرة , مثل قولهم : شددت على فلان في كذا إذا كرر عليه الشد مرة بعد أخرى , فإذا أرادوا الخبر عن فعل مرة واحدة قيل : شددت عليه بالتخفيف . وقد أجمع الجميع لا خلاف بينهم أن اليمين التي تجب بالحنث فيها الكفارة تلزم بالحنث في حلف مرة واحدة وإن لم يكررها الحالف مرات , وكان معلوما بذلك أن الله مؤاخذ الحالف العاقد قلبه على حلفه وإن لم يكرره ولم يردده ; وإذا كان ذلك كذلك لم يكن لتشديد القاف من عقدتم وجه مفهوم . فتأويل الكلام إذن : لا يؤاخذكم الله أيها المؤمنون من أيمانكم بما لغوتم فيه , ولكن يؤاخذكم بما أوجبتموه على أنفسكم منها وعقدت عليه قلوبكم . وقد بينا اليمين التي هي لغو والتي الله مؤاخذ العبد بها , والتي فيها الحنث والتي لا حنث فيها , فيما مضى من كتابنا هذا فكرهنا إعادة ذلك في هذا الموضع .بما عقدتم الأيمانوأما قوله : بما عقدتم الأيمان فإن هنادا : 9643 - حدثنا قال : ثنا وكيع , عن سفيان , عن ابن أبي نجيح , عن مجاهد : ولكن يؤاخذكم بما عقدتم الأيمان قال : بما تعمدتم . * - حدثنا ابن وكيع , قال : ثنا أبي , عن سفيان , عن ابن أبي نجيح , عن مجاهد , مثله . 9644 - حدثنا بشر , قال : ثنا يزيد , قال : ثنا سعيد , عن قتادة , عن الحسن : ولكن يؤاخذكم بما عقدتم الأيمان يقول : ما تعمدت فيه المأثم , فعليك فيه الكفارة .فكفارته إطعام عشرة مساكينالقول في تأويل قوله تعالى . فكفارته إطعام عشرة مساكين اختلف أهل التأويل في الهاء التي في قوله : فكفارته على ما هي عائدة , ومن ذكر ما ؟ فقال بعضهم : هي عائدة على " ما " التي في قوله : بما عقدتم الأيمان ذكر من قال ذلك : 9645 - حدثنا ابن بشار , قال : ثنا ابن أبي عدي , عن عوف , عن الحسن في هذه الآية : لا يؤاخذكم الله باللغو في أيمانكم قال : هو أن تحلف على الشيء وأنت يخيل إليك أنه كما حلفت وليس كذلك , فلا يؤاخذكم الله , فلا كفارة , ولكن المؤاخذة والكفارة فيما حلفت عليه على علم . 9646 - حدثنا ابن حميد , وابن وكيع , قالا : ثنا جرير , عن منصور , عن مغيرة , عن الشعبي , قال : اللغو ليس فيه كفارة ولكن يؤاخذكم بما عقدتم الأيمان قال : ما عقد فيه يمينه فعليه الكفارة . 9647 - حدثني يعقوب , قال : ثنا هشيم , قال : أخبرنا حصين , عن أبي مالك , قال : الأيمان ثلاث : يمين تكفر , ويمين لا تكفر , ويمين لا يؤاخذ بها صاحبها . فأما اليمين التي تكفر , فالرجل يحلف على الأمر لا يفعله ثم يفعله , فعليه الكفارة . وأما اليمين التي لا تكفر : فالرجل يحلف على الأمر يتعمد فيه الكذب , فليس فيه كفارة . وأما اليمين التي لا يؤاخذ بها صاحبها : فالرجل يحلف على الأمر يرى أنه كما حلف عليه فلا يكون كذلك , فليس عليه فيه كفارة , وهو اللغو . 9648 - حدثنا يعقوب , قال : ثنا هشيم , قال : أخبرنا ابن أبي ليلى , عن عطاء , قال : قالت عائشة : لغو اليمين ما لم يعقد عليه الحالف قلبه . 9649 - حدثني يعقوب , قال : ثنا ابن علية , قال : ثنا هشام , قال : ثنا حماد , عن إبراهيم , قال : ليس في لغو اليمين كفارة . 9650 - حدثني يونس بن عبد الأعلى , قال : أخبرنا ابن وهب , قال : أخبرني يونس , عن ابن شهاب , أن عروة حدثه أن عائشة قالت : أيمان الكفارة كل يمين حلف فيها الرجل على جد من الأمور في غضب أو غيره ليفعلن ليتركن , فذلك عقد الأيمان التي فرض الله فيها الكفارة , وقال تعالى ذكره : لا يؤاخذكم الله باللغو في أيمانكم ولكن يؤاخذكم بما عقدتم الأيمان . 9651 - حدثني يونس , قال : أخبرنا ابن وهب , قال : أخبرني معاوية بن صالح , عن يحيى بن سعيد , وعن علي بن أبي طلحة , قالا : ليس في لغو اليمين كفارة . 9652 - حدثنا بشر , قال : ثنا جامع بن حماد , قال : ثنا يزيد , قال : ثنا سعيد , عن قتادة , عن الحسن : ولكن يؤاخذكم بما عقدتم الأيمان يقول : ما تعمدت فيه المأثم فعليك فيه الكفارة . قال : وقال قتادة : أما اللغو فلا كفارة فيه . * - حدثنا هناد , قال : ثنا عبدة , عن سعيد , عن قتادة , عن الحسن , قال : لا كفارة في لغو اليمين . 9653 - حدثنا ابن وكيع , قال : ثنا عمرو العنقزي , عن أسباط , عن السدي : ليس في لغو اليمين كفارة . فمعنى الكلام على هذا التأويل : لا يؤاخذكم الله باللغو في أيمانكم , ولكن يؤاخذكم بما عقدتم الأيمان , فكفارة ما عقدتم منها : إطعام عشرة مساكين . وقال آخرون : الهاء في قوله : فكفارته عائدة على اللغو , وهي كناية عنه . قالوا : وإنما معنى الكلام : لا يؤاخذكم الله باللغو في أيمانكم إذا كفرتموه , ولكن يؤاخذكم إذا عقدتم الأيمان فأقمتم على المضي عليه بترك الحنث والكفارة فيه , والإقامة على المضي عليه غير جائزة لكم , فكفارة اللغو منها إذا حنثتم فيه : إطعام عشرة مساكين . ذكر من قال ذلك : 9654 - حدثني المثنى , قال : ثنا عبد الله بن صالح , قال : ثني معاوية بن صالح , عن علي بن أبي طلحة , عن ابن عباس قوله : لا يؤاخذكم الله باللغو في أيمانكم قال : هو الرجل يحلف على أمر ضرار أن يفعله فلا يفعله فيرى الذي هو خير منه , فأمره الله أن يكفر عن يمينه ويأتي هو خير . وقال مرة أخرى قوله : لا يؤاخذكم الله باللغو في أيمانكم إلى قوله : بما عقدتم الأيمان قال : واللغو من اليمين هي التي تكفر لا يؤاخذ الله بها , ولكن من أقام على تحريم ما أحل الله له ولم يتحول عنه ولم يكفر عن يمينه , فتلك التي يؤاخذ بها . 9655 - حدثنا هناد , قال : ثنا حفص بن غياث , عن داود بن أبي هند , عن سعيد بن جبير , قوله : لا يؤاخذكم الله باللغو في أيمانكم قال : هو الذي يحلف على المعصية فلا يفي , فيكفر . 9656 - حدثنا محمد بن المثنى , قال : ثنا عبد الوهاب , قال : ثنا داود , عن سعيد بن جبير : لا يؤاخذكم الله باللغو في أيمانكم قال : هو الرجل يحلف على المعصية فلا يؤاخذها الله تعالى , يكفر عن يمينه ويأتي الذي هو خير ولكن يؤاخذكم بما عقدتم الأيمان الرجل يحلف على المعصية ثم يقيم عليها , فكفارته إطعام عشرة مساكين . 9657 - حدثني يعقوب , قال : ثنا ابن علية , قال : أخبرنا داود , عن سعيد بن جبير , قال في لغو اليمين : هي اليمين في المعصية , فقال : أولا تقرأ فتفهم ؟ قال : لا يؤاخذكم الله باللغو في أيمانكم ولكن يؤاخذكم بما عقدتم الأيمان قال : فلا يؤاخذه بالإلغاء , ولكن يؤاخذه بالمقام عليها . قال : وقال : ولا تجعلوا الله عرضة لأيمانكم . * - حدثني يعقوب , قال : ثنا هشيم , قال : أخبرنا أبو بشر , عن سعيد بن جبير , في قوله : لا يؤاخذكم الله باللغو في أيمانكم قال : هو الرجل يحلف على المعصية فلا يؤاخذه الله بتركها إن تركها . قلت : وكيف يصنع ؟ قال : يكفر يمينه , ويترك المعصية . 9658 - حدثني يحيى بن جعفر , قال : ثنا يزيد بن هارون , قال : أخبرنا جويبر , عن الضحاك , في قوله : لا يؤاخذكم الله باللغو في أيمانكم قال : اليمين المكفرة . 9659 - حدثنا هناد , قال : ثنا أبو الأحوص , عن مغيرة , عن إبراهيم , قال : اللغو : يمين لا يؤاخذ بها صاحبها , وفيها كفارة . والذي هو أولى عندي بالصواب في ذلك , أن تكون الهاء في قوله : فكفارته عائدة على " ما " التي في قوله : بما عقدتم الأيمان لما قدمنا فيما مضى قبل أن من لزمته في يمينه كفارة وأوخذ بها , غير جائز أن يقال لمن قد أوخذ : لا يؤاخذه الله باللغو ; وفي قوله تعالى : لا يؤاخذكم الله باللغو في أيمانكم دليل واضح أنه لا يكون مؤاخذ بوجه من الوجوه من أخبرنا تعالى ذكره أنه غير مؤاخذ . فإن ظن ظان أنه إنما عنى تعالى ذكره بقوله : لا يؤاخذكم الله باللغو في أيمانكم بالعقوبة عليها في الآخرة إذا حنثتم وكفرتم , لا أنه لا يؤاخذهم بها في الدنيا بتكفير ; فإن إخبار الله تعالى ذكره وأمره ونهيه في كتابه على الظاهر العام عندنا بما قد دللنا على صحة القول به في غير هذا الموضع فأغنى عن إعادته , دون الباطن العام الذي لا دلالة على خصوصه في عقل ولا خبر ولا دلالة من عقل ولا خبر , أنه عنى تعالى ذكره بقوله : لا يؤاخذكم الله باللغو في أيمانكم بعض معاني المؤاخذة دون جميعها . وإذ كان ذلك كذلك , وكان من لزمته كفارة في يمين حنث فيها مؤاخذا بها بعقوبة في ماله عاجلة , كان معلوما أنه غير الذي أخبرنا تعالى ذكره أنه لا يؤاخذه بها . وإذا كان الصحيح من التأويل في ذلك ما قلنا بالذي عليه دللنا , فمعنى الكلام إذن : لا يؤاخذكم الله أيها الناس بلغو من القول والأيمان إذا لم تتعمدوا بها معصية الله تعالى ولا خلاف أمره ولم تقصدوا بها إثما , ولكن يؤاخذكم بما تعمدتم به الإثم وأوجبتموه على أنفسكم وعزمت عليه قلوبكم , ويكفر ذلك عنكم , فيغطي على سيئ ما كان منكم من كذب وزور قول ويمحوه عنكم , فلا يتبعكم به ربكم ; إطعام عشرة مساكين من أوسط ما تطعمون أهليكم .من أوسط ما تطعمون أهليكمالقول في تأويل قوله تعالى : من أوسط ما تطعمون أهليكم يعني تعالى ذكره بقوله : من أوسط ما تطعمون أهليكم أعدله . كما : 9660 - حدثني يونس , قال : أخبرنا ابن وهب , قال : أخبرنا ابن جريج , قال : سمعت عطاء يقول في هذه الآية : من أوسط ما تطعمون أهليكم أو كسوتهم قال عطاء : أوسطه : أعدله , واختلف أهل التأويل في معنى قوله : من أوسط ما تطعمون أهليكم فقال بعضهم : معناه : من أوسط ما يطعم من أجناس الطعام الذي يقتاته أهل بلد المكفر أهاليهم . ذكر من قال ذلك : 9661 - حدثنا هناد , قال : أخبرنا شريك , عن عبد الله بن حنش , عن الأسود , قال : سألته عن : أوسط ما تطعمون أهليكم قال : الخبز والتمر والزيت والسمن , وأفضله اللحم . * - حدثنا هناد , قال : ثنا وكيع , وحدثنا ابن وكيع , قال : ثنا أبي , عن سفيان , عن عبد الله بن حنش , قال : سألت الأسود بن يزيد , عن ذلك , فقال : الخبز والتمر . زاد هناد في حديثه : الزيت , قال : وأحسبه الخل . 9662 - حدثنا هناد وابن وكيع , قالا : ثنا أبو الأحوص , عن عاصم الأحول , عن ابن سيرين , عن ابن عمر في قوله : أوسط ما تطعمون أهليكم قال : من أوسط ما يطعم أهله الخبز والتمر , والخبز والسمن والخبز والزيت , ومن أفضل ما يطعمهم : الخبز واللحم . * - حدثنا ابن وكيع , قال : ثنا محمد بن فضيل , عن ليث , عن ابن سيرين , عن ابن عمر : أوسط ما تطعمون أهليكم الخبز واللحم , والخبز والسمن , والخبز والجبن , والخبز والخل . * - حدثنا ابن بشار , قال : ثنا عبد الرحمن , قال : ثنا سفيان , عن عبد الله بن حنش , قال : سألت الأسود بن يزيد عن أوسط ما تطعمون أهليكم ؟ قال : الخبز والتمر . * - حدثنا ابن بشار , قال : ثنا يحيى , قال : ثنا سفيان , قال : ثنا عبد الله بن حنش , قال : سألت الأسود بن يزيد , فذكر مثله . 9663 - حدثنا ابن بشار , قال : ثنا عبد الرحمن , قال : ثنا سعيد بن عبد الرحمن , عن محمد بن سيرين , عن عبيدة السلماني : أوسط ما تطعمون أهليكم قال : الخبز والسمن . * - حدثنا هناد , قال : ثنا وكيع , وحدثنا ابن وكيع , قال : ثنا أبي , عن سعيد بن عبد الرحمن , عن ابن سيرين , قال : سألت عبيدة عن ذلك , فذكر مثله . * - حدثنا ابن بشار , قال : ثنا أزهر , قال : أخبرنا ابن عون , عن محمد بن سيرين , عن عبيدة : أوسط ما تطعمون أهليكم الخبز والسمن . 9664 - حدثنا هناد , قال : ثنا وكيع , وحدثنا ابن وكيع , قال : ثنا أبي , عن يزيد بن إبراهيم , عن ابن سيرين , قال : كانوا يقولون : أفضله الخبز واللحم , وأوسطه : الخبز والسمن , وأخسه : الخبز والتمر . 9665 - حدثنا هناد , قال : ثنا وكيع , وحدثنا ابن وكيع , قال : ثنا أبي , عن الربيع , عن الحسن , قال : خبز ولحم , أو خبز وسمن , أو خبز ولبن . 9666 - حدثنا هناد وابن وكيع , قالا : ثنا عمر بن هارون , عن أبي مصلح , عن الضحاك في قوله : من أوسط ما تطعمون أهليكم قال : الخبز واللحم والمرقة . 9667 - حدثنا ابن بشار , قال : ثنا عبد الرحمن , قال : ثنا زائدة , عن يحيى بن حبان الطائي , قال : كنت عند شريح , فأتاه رجل , فقال : إني حلفت على يمين فأثمت ! قال شريح : ما حملك على ذلك ؟ قال : قدر علي , فما أوسط ما أطعم أهلي ؟ قال له شريح . الخبز والزيت والخل طيب . قال : فأعاد عليه , فقال له شريح ذلك ثلاث مرار لا يزيده شريح على ذلك . فقال له : أرأيت إن أطعمت الخبز واللحم ؟ قال : ذاك أرفع طعام أهلك وطعام الناس . 9668 - حدثنا هناد , قال : ثنا أبو خالد الأحمر , عن حجاج , عن أبي إسحاق , عن الحارث , عن علي , قال في كفارة اليمين : يغديهم ويعشيهم خبزا وزيتا , أو خبزا وسمنا . أو خلا وزيتا . 9669 - حدثنا هناد وابن وكيع , قالا . ثنا أبو أسامة , عن زبرقان , عن أبي رزين : من أوسط ما تطعمون أهليكم خبز وزيت وخل . 9670 - حدثنا ابن وكيع , قال : ثنا عبد الأعلى , عن هشام بن محمد , قال : أكلة واحدة خبز ولحم . قال : وهو من أوسط ما تطعمون أهليكم , وإنكم لتأكلون الخبيص والفاكهة . 9671 - حدثنا ابن وكيع , قال : ثنا عبد الأعلى , وحدثنا هناد , قال : ثنا أبو أسامة , عن هشام , عن الحسن قال في كفارة اليمين : يجزيك أن تطعم عشرة مساكين أكلة واحدة خبزا ولحما , فإن لم تجد فخبزا وسمنا ولبنا , فإن لم تجد فخبزا وخلا وزيتا حتى يشبعوا . * - حدثنا ابن وكيع , قال : ثنا ابن نمير , عن زبرقان , قال : سألت أبا رزين , عن كفارة اليمين ما يطعم ؟ قال : خبزا وخلا وزيتا من أوسط ما تطعمون أهليكم , وذلك قدر قوتهم يوما واحدا . ثم اختلف قائلو ذلك في مبلغه . فقال بعضهم : مبلغ ذلك نصف صاع من حنطة . أو صاع من سائر الحبوب غيرها . ذكر من قال ذلك : 9672 - حدثنا هناد , قال : ثنا وكيع , وحدثنا ابن وكيع , قال : ثنا أبي , عن عبد الله بن عمرو بن مرة , عن أبيه , عن إبراهيم , عن عمر , قال : إني أحلف على اليمين ثم يبدو لي , فإذا رأيتني قد فعلت ذلك فأطعم عشرة مساكين لكل مسكين مدان من حنطة . 9673 - حدثنا هناد , قال : ثنا أبو معاوية , ويعلى عن الأعمش , عن شقيق , عن يسار بن نمير , قال : قال عمر : إني أحلف أن لا أعطي أقواما ثم يبدو لي أن أعطيهم , فإذا رأيتني فعلت ذلك , فأطعم عني عشرة مساكين بين كل مسكينين صاعا من بر أو صاعا من تمر . 9674 - حدثنا هناد ومحمد بن العلاء قالا : ثنا وكيع , وحدثنا ابن وكيع قال : ثنا أبي , عن ابن أبي ليلى , عن عمرو بن مرة , عن عبد الله بن سلمة , عن علي , قال : كفارة اليمين إطعام عشرة مساكين , لكل مسكين نصف صاع من حنطة . 9675 - حدثنا هناد , قال : ثنا أبو الأحوص , عن مغيرة , عن إبراهيم : من أوسط ما تطعمون أهليكم نصف صاع بر لكل مسكين . 9676 - حدثنا هناد , قال : ثنا حفص عن عبد الكريم الجزري , قال : قلت لسعيد بن جبير : أجمعهم ؟ قال : لا , أعطهم مدين من حنطة , مدا لطعامه ومدا لإدامه . * - حدثنا أبو كريب , قال : ثنا وكيع , وحدثنا ابن وكيع , قال : ثنا أبي , عن سفيان , عن عبد الكريم الجزري , قال : قلت لسعيد , فذكر نحوه . 9677 - حدثنا هناد , قال : ثنا أبو زيد , عن حصين , قال : سألت الشعبي , عن كفارة اليمين , فقال : مكوكين : مكوكا لطعامه , ومكوكا لإدامه . 9678 - حدثنا ابن وكيع , قال : ثنا عبد الأعلى , قال : ثنا هشام , عن عطاء , عن ابن عباس , قال : لكل مسكين مدين . * - حدثنا هناد , قال : ثنا أبو أسامة , عن هشام , عن عطاء , عن ابن عباس , قال : لكل مسكين مدين من بر في كفارة اليمين . 9679 - حدثنا هناد , قال : ثنا وكيع , وحدثنا ابن وكيع , قال : ثنا أبي , عن سفيان , عن ابن أبي نجيح , عن مجاهد , قال : مدان من طعام لكل مسكين . 9680 - حدثني يعقوب , قال : ثنا ابن علية , قال : ثنا سعد بن يزيد أبو سلمة , قال : سألت جابر بن زيد عن إطعام المسكين في كفارة اليمين , فقال : أكلة . قلت : فإن الحسن يقول : مكوك بر , ومكوك تمر , فما ترى في مكوك بر ؟ فقال : إن مكوك بر لا , أو مكوك تمر لا . قال يعقوب : قال ابن علية وقال أبو سلمة بيده , كأنه يراه حسنا , وقلب أبو سلمة يده . 9681 - حدثنا هناد , قال : ثنا أبو أسامة , عن هشام , عن الحسن : أنه كان يقول في كفارة اليمين فيما وجب فيه الطعام : مكوك تمر , ومكوك بر لكل مسكين . 9682 - حدثنا هناد , قال : ثنا وكيع , قال : ثنا أبي , عن الربيع , عن الحسن قال , قال : إن جمعهم أشبعهم إشباعة واحدة , وإن أعطاهم أعطاهم مكوكا مكوكا . * - حدثنا يعقوب , قال : ثنا ابن علية , عن يونس , قال : كان الحسن يقول : فإن أعطاهم في أيديهم فمكوك بر ومكوك تمر . 9683 - حدثنا ابن وكيع , قال : ثنا عبيد الله , عن إسرائيل , عن السدي , عن أبي مالك في كفارة اليمين : نصف صاع لكل مسكين . 9684 - حدثنا ابن وكيع , قال : ثنا ابن علية , عن أبيه , عن الحكم , في قوله : إطعام عشرة مساكين من أوسط ما تطعمون أهليكم قال : إطعام نصف صاع لكل مسكين . 9685 - حدثنا ابن بشار , قال : ثنا عبد الرحمن , قال : ثنا زائدة , عن مغيرة , عن إبراهيم , قال : أوسط ما تطعمون أهليكم نصف صاع . 9686 - حدثت عن الحسين بن الفرج , قال : سمعت أبا معاذ الفضل بن خالد , قال : ثنا عبيد بن سليمان , قال : سمعت الضحاك بن مزاحم يقول في قوله : فكفارته إطعام عشرة مساكين قال : الطعام لكل مسكين : نصف صاع من تمر أو بر . وقال آخرون : بل مبلغ ذلك من كل شيء من الحبوب مد واحد . ذكر من قال ذلك : 9687 - حدثنا هناد وأبو كريب , قالا : ثنا وكيع , وحدثنا ابن وكيع , قال : ثنا أبي , عن هشام الدستوائي , عن يحيى بن أبي كثير , عن أبي سلمة , عن زيد بن ثابت , أنه قال في كفارة اليمين : مد من حنطة لكل مسكين . 9688 - حدثنا هناد , قال : ثنا أبو معاوية , عن داود بن أبي هند , عن عكرمة , عن ابن عباس , قال في كفارة اليمين : مد من حنطة لكل مسكين ربعه إدامه . * - حدثنا هناد وأبو كريب , قالا : ثنا وكيع , عن سفيان , عن داود بن أبي هند , عن عكرمة , عن ابن عباس , نحوه . 9689 - حدثنا ابن وكيع , قال : ثنا جرير , عن ابن عجلان , عن نافع , عن ابن عمر : إطعام عشرة مساكين لكل مسكين مد . * - حدثنا هناد وأبو كريب , قالا : ثنا وكيع , قال : ثنا العمري , عن نافع , عن ابن عمر , قال : مد من حنطة لكل مسكين . 9690 - حدثنا هناد , قال : ثنا أبو الأحوص , عن يحيى بن سعيد , عن نافع , عن ابن عمر : أنه كان يكفر اليمين بعشرة أمداد بالمد الأصغر . 9691 - حدثنا ابن وكيع , قال : ثنا ابن مهدي , عن حماد بن سلمة , عن عبيد الله , عن القاسم وسالم في كفارة اليمين : ما يطعم ؟ قالا : مد لكل مسكين . 9692 - حدثنا هناد , قال : ثنا أبو الأحوص , عن يحيى بن سعيد , عن سليمان بن يسار , قال : كان الناس إذا كفر أحدهم , كفر بعشرة أمداد بالمد الأصغر . 9693 - حدثنا هناد , قال : ثنا عمر بن هارون , عن ابن جريج , عن عطاء في قوله : إطعام عشرة مساكين قال : عشرة أمداد لعشرة مساكين . 9694 - حدثنا بشر , قال : ثنا جامع بن حماد , قال : ثنا يزيد , قال : ثنا سعيد , عن قتادة , عن الحسن : إطعام عشرة مساكين من أوسط ما تطعمون أهليكم قال : كان يقال : البر والتمر , لكل مسكين مد من تمر ومد من بر . 9695 - حدثنا أبو كريب وهناد , قالا : ثنا وكيع , وحدثنا ابن وكيع , قال : ثنا أبي , عن مالك بن مغول , عن عطاء , قال : مد لكل مسكين . 9696 - حدثني يونس , قال : أخبرنا ابن وهب , قال : قال ابن زيد في قوله : من أوسط ما تطعمون أهليكم قال : من أوسط ما تعولونهم . قال : وكان المسلمون رأوا أوسط ذلك مدا بمد رسول الله من حنطة . قال ابن زيد : هو الوسط مما يقوت به أهله , ليس بأدناه ولا بأرفعه . 9697 - حدثني يونس , قال : أخبرنا ابن وهب , قال : أخبرني يحيى بن عبد الله بن سالم , عن يحيى بن سعيد , عن سعيد بن المسيب : من أوسط ما تطعمون أهليكم قال : مد . وقال آخرون : بل ذلك غداء وعشاء . ذكر من قال ذلك : 9698 - حدثنا هناد , قال : ثنا أبو خالد الأحمر , عن حجاج , عن أبي إسحاق , عن الحارث , عن علي , قال في كفارة اليمين : يغديهم ويعشيهم . 9699 - حدثنا هناد , قال : ثنا عمر بن هارون , عن موسى بن عبيدة , عن محمد بن كعب القرظي في كفارة اليمين قال : غداء وعشاء . 9700 - حدثنا هناد , قال : ثنا وكيع , وحدثنا ابن وكيع , قال : ثنا أبي , عن سفيان , عن يونس , عن الحسن , قال : يغديهم ويعشيهم . وقال آخرون : إنما عنى بقوله : من أوسط ما تطعمون أهليكم من أوسط ما يطعم المكفر أهله . قال : إن كان ممن يشبع أهله أشبع المساكين العشرة , وإن كان ممن لا يشبعهم لعجزه عن ذلك أطعم المساكين على قدر ما يفعل من ذلك بأهله في عسره ويسره . ذكر من قال ذلك : 9701 - حدثني المثنى , قال : ثنا عبد الله بن صالح , قال : ثني معاوية بن صالح , عن علي بن أبي طلحة , عن ابن عباس , قوله : فكفارته إطعام عشرة مساكين من أوسط ما تطعمون أهليكم قال : إن كنت تشبع أهلك فأشبع المساكين , وإلا فعلى ما تطعم أهلك بقدره . * - حدثني محمد بن سعد , قال : ثني أبي , قال : ثني عمي , قال : ثني أبي , عن أبيه , عن ابن عباس : فكفارته إطعام عشرة مساكين من أوسط ما تطعمون أهليكم وهو أن تطعم كل مسكين من نحو ما تطعم أهلك من الشبع , أو نصف صاع من بر . 9702 - حدثنا أبو كريب , قال : ثنا وكيع , قال : ثنا أبي , عن إسرائيل , عن جابر , عن عامر , عن ابن عباس , قال : من عسرهم ويسرهم . 9703 - حدثنا هناد , قال : ثنا وكيع , عن إسرائيل , عن جابر , عن عامر , قال : من عسرهم ويسرهم . 9704 - حدثنا ابن بشار , قال : ثنا ابن مهدي , قال : ثنا سفيان , عن سليمان بن أبي المغيرة , عن سعيد بن جبير : من أوسط ما تطعمون أهليكم قال : قوتهم . * - حدثنا هناد وأبو كريب , قالا : ثنا وكيع , وحدثنا ابن وكيع , قال : ثنا أبي , عن سفيان , عن سليمان العبسي , عن سعيد بن جبير , في قوله : من أوسط ما تطعمون أهليكم قال : قوتهم . 9705 - حدثنا أبو حميد , قال : ثنا حكام بن سلم , قال : ثنا عنبسة , عن سليمان بن عبيد العبسي , عن سعيد بن جبير في قوله : من أوسط ما تطعمون أهليكم قال : كانوا يفضلون الحر على العبد والكبير على الصغير , فنزلت : من أوسط ما تطعمون أهليكم . * - حدثنا الحارث , قال : ثنا عبد العزيز , قال . ثنا قيس بن الربيع , عن سالم الأفطس , عن سعيد بن جبير , قال : كانوا يطعمون الكبير ما لا يطعمون الصغير , ويطعمون الحر ما لا يطعمون العبد , فقال : من أوسط ما تطعمون أهليكم . 9706 - حدثنا أبو كريب , قال : ثنا هشيم , قال : ثنا جويبر , عن الضحاك , في قوله : من أوسط ما تطعمون أهليكم قال : إن كنت تشبع أهلك فأشبعهم , وإن كنت لا تشبعهم , فعلى قدر ذلك . * - حدثني الحارث , قال : ثنا عبد العزيز , قال : ثنا شيبان النحوي , عن جابر , عن عامر , عن ابن عباس : من أوسط ما تطعمون أهليكم قال : من عسرهم ويسرهم . 9707 - حدثنا يونس , قال : ثنا سفيان عن سليمان , عن سعيد بن جبير , قال : قال ابن عباس : كان الرجل يقوت بعض أهله قوتا دونا وبعضهم قوتا فيه سعة , فقال الله : من أوسط ما تطعمون أهليكم الخبز والزيت . وأولى الأقوال في تأويل قوله : من أوسط ما تطعمون أهليكم عندنا قول من قال : من أوسط ما تطعمون أهليكم في القلة والكثرة . وذلك أن أحكام رسول الله صلى الله عليه وسلم في الكفارات كلها بذلك وردت , وذلك كحكمه صلى الله عليه وسلم في كفارة الحلق من الأذى بفرق من طعام بين ستة مساكين لكل مسكين نصف صاع , وكحكمه في كفارة الوطء في شهر رمضان بخمسة عشر صاعا بين ستين مسكينا لكل مسكين ربع صاع . ولا يعرف له صلى الله عليه وسلم شيء من الكفارات أمر بإطعام خبز وإدام ولا بغداء وعشاء . فإذ كان ذلك كذلك , وكانت كفارة اليمين إحدى الكفارات التي تلزم من لزمته , كان سبيلها سبيل ما تولى الحكم فيه صلى الله عليه وسلم من أن الواجب على مكفرها من الطعام مقدار للمساكين العشرة , محدود بكيل دون جمعهم على غداء أو عشاء مخبوز مأدوم , إذ كانت سنته صلى الله عليه وسلم في سائر الكفارات كذلك . فإذ كان صحيحا ما قلنا بما به استشهدنا , فبين أن تأويل الكلام : ولكن يؤاخذكم بما عقدتم الأيمان , فكفارته إطعام عشرة مساكين من أعدل إطعامكم أهليكم , وأن " ما " التي في قوله : من أوسط ما تطعمون أهليكم بمعنى المصدر , لا بمعنى الأسماء . وإذا كان ذلك كذلك , فأعدل أقوات الموسع على أهله مدان , وذلك نصف صاع في ربعه إدامه , وذلك أعلى ما حكم به النبي صلى الله عليه وسلم في كفارة في إطعام مساكين , وأعدل أقوات المقتر على أهله مد وذلك ربع صاع , وهو أدنى ما حكم به في كفارة في إطعام مساكين . وأما الذين رأوا إطعام المساكين في كفارة اليمين الخبز واللحم وما ذكرنا عنهم قبل , والذين رأوا أن يغدوا أو يعشوا , والذين رأوا أن يغدوا ويعشوا , فإنهم ذهبوا إلى تأويل قوله : من أوسط ما تطعمون أهليكم من أوسط الطعام الذي تطعمونه أهليكم , فجعلوا " ما " التي في قوله : من أوسط ما تطعمون أهليكم اسما لا مصدرا , فأوجبوا على المكفر إطعام المساكين من أعدل ما يطعم أهله من الأغذية . وذلك مذهب لولا ما ذكرنا من سنن رسول الله صلى الله عليه وسلم في الكفارات غيرها التي يجب إلحاق أشكالها بها , وأن كفارة اليمين لها نظيرة وشبيهة يجب إلحاقها بها .أو كسوتهمالقول في تأويل قوله تعالى : أو كسوتهم يعني تعالى ذكره بذلك : فكفارة ما عقدتم من الأيمان إطعام عشرة مساكين أو كسوتهم . يقول إما أن تطعموهم أو تكسوهم , والخيار في ذلك إلى المكفر . واختلف أهل التأويل في الكسوة التي عنى الله بقوله : أو كسوتهم فقال بعضهم : عنى بذلك كسوة ثوب واحد . ذكر من قال ذلك : 9708 - حدثنا ابن وكيع , قال : ثنا ابن علية , عن ابن أبي نجيح , عن مجاهد في كسوة المساكين في كفارة اليمين : أدناه ثوب . * - حدثنا هناد , قال : ثنا وكيع , وحدثنا ابن وكيع , قال : ثنا أبي , عن سفيان , عن ابن أبي نجيح , عن مجاهد , قال : أدناه ثوب , وأعلاه ما شئت . 9709 - حدثنا هناد وأبو كريب , قالا : ثنا وكيع , عن الربيع , عن الحسن , قال في كفارة اليمين في قوله : أو كسوتهم ثوب لكل مسكين . 9710 - حدثنا ابن وكيع , قال : ثنا ابن مهدي , عن وهيب , عن ابن طاوس , عن أبيه : أو كسوتهم قال : ثوب . * - حدثنا هناد , قال : ثنا عبيدة , وحدثنا ابن حميد وابن وكيع , قالا : ثنا جرير جميعا , عن منصور , عن مجاهد , في قوله : أو كسوتهم قال : ثوب . 9711 - حدثنا ابن حميد , قال : ثنا جرير , عن منصور , عن مجاهد , في قوله : أو كسوتهم قال : ثوب ثوب . قال منصور : القميص , أو الرداء , أو الإزار . 9712 - حدثنا أبو كريب وهناد , قالا : ثنا وكيع , وحدثنا ابن وكيع , قال : ثنا أبي , عن إسرائيل , عن جابر , عن أبي جعفر , في قوله : أو كسوتهم قال : كسوة الشتاء والصيف ثوب ثوب . 9713 - حدثنا هناد , قال : قال ثنا عمر بن هارون , عن ابن جريج , عن عطاء في قوله : أو كسوتهم قال : ثوب ثوب لكل مسكين . 9714 - حدثنا هناد , قال : ثنا عبدة بن سلمان , عن سعيد بن أبي عروبة , عن أبي معشر , عن إبراهيم , في قوله : أو كسوتهم قال : إذا كساهم ثوبا ثوبا أجزأ عنه . 9715 - حدثنا ابن وكيع , قال : ثنا إسحاق بن سليمان الرازي . عن ابن سنان , عن حماد , قال : ثوب أو ثوبان , وثوب لا بد منه . 9716 - حدثنا القاسم , قال : ثنا الحسين , قال : ثني حجاج , عن ابن جريج , عن عطاء الخراساني , عن ابن عباس قال : ثوب ثوب لكل إنسان , وقد كانت العباءة تقضي يومئذ من الكسوة . * - حدثني المثنى , قال : ثنا عبد الله بن صالح , عن معاوية بن صالح , عن علي بن أبي طلحة , عن ابن عباس : أو كسوتهم قال : الكسوة : عباءة لكل مسكين أو شملة . 9717 - حدثني الحارث , قال : ثنا عبد العزيز , قال . ثنا إسرائيل . عن السدي , عن أبي مالك , قال : ثوب , أو قميص , أو رداء , أو إزار . 9718 - حدثني محمد بن سعد , قال : ثني أبي , قال : ثني عمي , قال : ثني أبي , عن أبيه , عن ابن عباس قال : إن اختار صاحب اليمين الكسوة , كسا عشرة أناسي كل إنسان عباءة . 9719 - حدثني يونس , قال : أخبرنا ابن وهب , قال : أخبرنا ابن جريج , قال : سمعت عطاء يقول في قوله : أو كسوتهم الكسوة : ثوب ثوب . وقال بعضهم : عنى بذلك : الكسوة ثوبين ثوبين . ذكر من قال ذلك : 9720 - حدثنا هناد , قال : ثنا عبيدة , وحدثنا ابن وكيع , قال . ثنا أبو معاوية جميعا , عن داود بن أبي هند , عن سعيد بن المسيب , في قوله : أو كسوتهم قال : عباءة وعمامة . * - حدثنا هناد وأبو كريب , قالا : ثنا وكيع , وحدثنا ابن وكيع , قال . ثنا أبي . عن سفيان , عن داود بن أبي هند , عن سعيد بن المسيب , قال : عمامة يلف بها رأسه , وعباءة يلتحف بها . 9721 - حدثنا ابن وكيع , قال : ثنا محمد بن عبد الله الأنصاري , عن أشعث , عن الحسن وابن سيرين , قالا : ثوبين ثوبين . 9722 - حدثنا ابن وكيع , قال : ثنا عبد الأعلى , عن يونس , عن الحسن , قال : ثوبين . * - حدثنا ابن وكيع , قال : ثنا أبي , عن سفيان , عن يونس , عن الحسن , مثله . * - حدثنا أبو كريب وهناد , قالا : ثنا وكيع , عن سفيان , عن يونس بن عبيد , عن الحسن , قال : ثوبان ثوبان لكل مسكين . 9723 - حدثنا هناد , قال : ثنا ابن المبارك , عن عاصم الأحول , عن ابن سيرين , عن أبي موسى : أنه حلف على يمين , كسا ثوبين من معقدة البحرين . * - حدثنا هناد وأبو كريب , قالا : ثنا وكيع , عن يزيد بن إبراهيم , عن ابن سيرين : أن أبا موسى كسا ثوبين من معقدة البحرين . 9724 - حدثنا هناد , قال : ثنا أبو أسامة , عن هشام , عن محمد بن عبد الأعلى : أن أبا موسى الأشعري حلف على يمين , فرأى أن يكفر ففعل , وكسا سمرة ثوبين ثوبين . 9725 - حدثنا ابن وكيع , قال : ثنا عبد الأعلى , عن هشام , عن محمد : أن أبا موسى حلف على يمين فكفر , فكسا عشرة مساكين ثوبين ثوبين . * - حدثنا أبو كريب , قال : ثنا هشيم , عن داود بن أبي هند , عن سعيد بن المسيب , قال : عباءة وعمامة لكل مسكين . 9726 - حدثنا أبو كريب , قال : ثنا هشيم , عن جويبر , عن الضحاك , مثله . 9727 - حدثني يعقوب , قال : ثنا ابن علية , قال : ثنا داود بن أبي هند , قال : قال رجل عند سعيد بن المسيب : " أو كأسوتهم " فقال سعيد : لا إنما هي : " أو كسوتهم " . قال : فقلت : يا أبا محمد ما كسوتهم ؟ قال : لكل مسكين عباءة وعمامة , عباءة يلتحف بها , وعمامة يشد بها رأسه . 9728 - حدثت عن الحسين بن الفرج , قال : سمعت أبا معاذ الفضل بن خالد , قال : ثنا عبيد بن سلمان , قال : سمعت الضحاك يقول في قوله : أو كسوتهم قال : الكسوة لكل مسكين : رداء وإزار , كنحو ما يجد من الميسرة والفاقة . وقال آخرون : بل عنى بذلك : كسوتهم : ثوب جامع , كالملحفة والكساء والشيء الذي يصلح للبس والنوم . ذكر من قال ذلك : 9729 - حدثنا هناد بن السري , قال : ثنا أبو الأحوص , عن مغيرة , عن حماد , عن إبراهيم , قال : الكسوة : ثوب جامع . 9730 - حدثنا هناد وابن وكيع قالا : ثنا ابن فضيل , عن مغيرة , عن إبراهيم , في قوله : 34 أو كسوتهم قال : ثوب جامع . قال : وقال مغيرة : والثوب الجامع الملحفة أو الكساء أو نحوه , ولا نرى الدرع والقميص والخمار ونحوه جامعا . * - حدثنا ابن وكيع , قال : ثنا أبي , عن سفيان , عن مغيرة , عن إبراهيم , قال : ثوب جامع . * - حدثنا ابن وكيع , قال : ثنا ابن إدريس , عن أبيه , عن مغيرة , عن إبراهيم , قال : ثوب جامع . * - حدثنا أبو كريب , قال : ثنا هشيم , عن مغيرة , عن إبراهيم : أو كسوتهم قال : ثوب جامع لكل مسكين . * - حدثنا ابن بشار , قال : ثنا عبد الرحمن , قال : ثنا سفيان وشعبة , عن المغيرة , عن إبراهيم في قوله : أو كسوتهم قال : ثوب جامع . 9731 - حدثنا ابن المثنى , قال : ثنا ابن أبي عدي , عن شعبة , عن المغيرة , مثله . وقال آخرون : عنى بذلك كسوة إزار ورداء وقميص . ذكر من قال ذلك : 9732 - حدثنا ابن وكيع , قال : ثنا عبد الأعلى , عن بردة , عن نافع , عن ابن عمر , قال في الكسوة في الكفارة : إزار , ورداء , وقميص . وقال آخرون : كل ما كسا فيجزي , والآية على عمومها . ذكر من قال ذلك : 9733 - حدثنا هناد , قال : ثنا عبد السلام بن حرب , عن ليث , عن مجاهد , قال : يجزي في كفارة اليمين كل شيء إلا التبان . 9734 - حدثنا هناد وأبو كريب , قالا : ثنا وكيع , وحدثنا ابن وكيع , قال : ثنا أبي , عن سفيان , عن أشعث , عن الحسن , قال : يجزئ عمامة في كفارة اليمين . 9735 - حدثنا أبو كريب , قال : ثنا وكيع , وحدثنا ابن وكيع , قال : ثنا أبي , عن أويس الصيرفي , عن أبي الهيثم , قال : قال سلمان : نعم الثوب التبان . 9736 - حدثني الحارث , قال : ثنا عبد العزيز , قال : ثنا سفيان , عن الشيباني , عن الحكم , قال : عمامة يلف بها رأسه . وأولى الأقوال في ذلك عندنا بالصحة وأشبهها بتأويل القرآن قول من قال : عنى بقوله : أو كسوتهم ما وقع عليه اسم كسوة مما يكون ثوبا فصاعدا , لأن ما دون الثوب لا خلاف بين جميع الحجة أنه ليس مما دخل في حكم الآية , فكان ما دون قدر ذلك خارجا من أن يكون الله تعالى عناه بالنقل المستفيض , والثوب وما فوقه داخل في حكم الآية , إذ لم يأت من الله تعالى وحي ولا من رسوله صلى الله عليه وسلم خبر ولم يكن من الأمة إجماع بأنه غير داخل في حكمها , وغير جائز إخراج ما كان ظاهر الآية محتمله من حكم الآية إلا بحجة يجب التسليم لها , ولا حجة بذلك .أو تحرير رقبةالقول في تأويل قوله تعالى : أو تحرير رقبة يعني تعالى ذكره بذلك : أو فك عبد من أسر العبودة وذلها . وأصل التحرير : الفك من الأسر , ومنه قول الفرزدق بن غالب : أبني غدانة إنني حررتكم فوهبتكم لعطية بن جعال يعني بقوله : " حررتكم " : فككت رقابكم من ذل الهجاء ولزوم العار . وقيل : تحرير رقبة , والمحرر صاحب الرقبة ; لأن العرب كان من شأنها إذا أسرت أسيرا أن تجمع يديه إلى عنقه بقيد أو حبل أو غير ذلك , وإذا أطلقته من الأسر أطلقت يديه وحلتهما مما كانتا به مشدودتين إلى الرقبة . فجرى الكلام عند إطلاقهم الأسير , بالخبر عن فك يديه عن رقبته , وهم يريدون الخبر عن إطلاقه من أسره , كما يقال : قبض فلان يده عن فلان : إذا أمسك يده عن نواله ; وبسط فيه لسانه : إذا قال فيه سوءا , فيضاف الفعل إلى الجارحة التي يكون بها ذلك الفعل دون فاعله , لاستعمال الناس ذلك بينهم وعلمهم بمعنى ذلك ; فكذلك ذلك في قول الله تعالى ذكره : أو تحرير رقبة أضيف التحرير إلى الرقبة وإن لم يكن هناك غل في رقبته ولا شد يد إليها , وكان المراد بالتحرير نفس العبد بما وصفنا من جري استعمال الناس ذلك بينهم لمعرفتهم بمعناه . فإن قال قائل : أفكل الرقاب معني بذلك أو بعضها ؟ قيل : بل معني بذلك كل رقبة كانت سليمة من الإقعاد والعمى والخرس وقطع اليدين أو شللهما والجنون المطبق , ونظائر ذلك , فإن من كان به ذلك أو شيء منه من الرقاب , فلا خلاف بين الجميع من الحجة أنه لا يجزي في كفارة اليمين . فكان معلوما بذلك أن الله تعالى ذكره لم يعنه بالتحرير في هذه الآية . فأما الصغير والكبير والمسلم والكافر , فإنهم معنيون به . وبنحو الذي قلنا في ذلك قال جماعة من أهل العلم . ذكر من قال ذلك : 9737 - حدثنا هناد , قال : ثنا مغيرة , عن إبراهيم , أنه كان يقول : من كانت عليه رقبة واجبة , فاشترى نسمة , قال : إذا أنقذها من عمل أجزأته , ولا يجوز عتق من لا يعمل ; فأما الذي يعمل , كالأعور ونحوه . وأما الذي لا يعمل فلا يجزي كالأعمى والمقعد . 9738 - حدثنا هناد , قال : ثنا هشيم , عن يونس , عن الحسن , قال : كان يكره عتق المخبل في شيء من الكفارات . 9739 - حدثنا هناد , قال : ثنا هشيم , عن مغيرة , عن إبراهيم : أنه كان لا يرى عتق المغلوب على عقله يجزئ في شيء من الكفارات . وقال بعضهم : لا يجزئ في الكفارة من الرقاب إلا صحيح , ويجزئ الصغير فيها . ذكر من قال ذلك : 9740 - حدثنا هناد , قال : ثنا وكيع , عن سفيان , عن ابن جريج , عن عطاء , قال : لا يجزئ في الرقبة إلا صحيح . 9741 - حدثنا هناد , قال : ثنا وكيع , عن سفيان , عن ابن جريج , عن عطاء , قال : يجزئ المولود في الإسلام من رقبة . 9742 - حدثنا أبو كريب , قال : ثنا وكيع , عن الأعمش , عن إبراهيم , قال : ما كان في القرآن من رقبة مؤمنة فلا يجزئ إلا ما صام وصلى , وما كان ليس بمؤمنة فالصبي يجزئ . وقال بعضهم : لا يقال للمولود رقبة إلا بعد مدة تأتي عليه . ذكر من قال ذلك : 9743 - حدثني محمد بن يزيد الرفاعي , قال : ثنا يحيى بن زكريا بن أبي زائدة , عن محمد بن شعيب بن شابور , عن النعمان بن المنذر , عن سليمان , قال : إذا ولد الصبي فهو نسمة , وإذا انقلب ظهرا لبطن فهو رقبة , وإذا صلى فهو مؤمنة . والصواب من القول في ذلك عندنا أن يقال : إن الله تعالى عم بذكر الرقبة كل رقبة , فأي رقبة حررها المكفر يمينه في كفارته فقد أدى ما كلف , إلا ما ذكرنا أن الحجة مجمعة على أن الله تعالى لم يعنه بالتحرير , فذلك خارج من حكم الآية , وما عدا ذلك فجائز تحريره في الكفارة بظاهر التنزيل . والمكفر مخير في تكفير يمينه التي حنث فيها بإحدى هذه الحالات الثلاث التي سماها الله في كتابه , وذلك : إطعام عشرة مساكين من أوسط ما يطعم أهله , أو كسوتهم , أو تحرير رقبة , بإجماع من الجميع لا خلاف بينهم في ذلك . فإن ظن ظان أن ما قلنا من أن ذلك إجماع من الجميع ليس كما قلنا لما : 9744 - حدثنا محمد بن عبد الملك بن أبي الشوارب , قال : ثنا عبد الواحد بن زياد , قال : ثنا سليمان الشيباني , قال : ثنا أبو الضحى , عن مسروق , قال : جاء نعمان بن مقرن إلى عبد الله , فقال : إني آليت من النساء والفراش ! فقرأ عبد الله هذه الآية : لا تحرموا طيبات ما أحل الله لكم ولا تعتدوا إن الله لا يحب المعتدين قال : فقال نعمان : إنما سألتك لكوني أتيت على هذه الآية . فقال عبد الله : ائت النساء ونم واعتق رقبة , فإنك موسر . * - حدثني يونس , أخبرنا ابن وهب , قال : ثني جرير بن حازم أن سليمان الأعمش حدثه عن إبراهيم بن يزيد النخعي , عن همام بن الحارث : أن نعمان بن مقرن سأل عبد الله بن مسعود , فقال : إني حلفت أن لا أنام على فراشي سنة ! فقال ابن مسعود : يا أيها الذين آمنوا لا تحرموا طيبات ما أحل الله لكم كفر عن يمينك ونم على فراشك ! قال : بم أكفر عن يميني ؟ قال : أعتق رقبة فإنك موسر . ونحو هذا من الأخبار التي رويت عن ابن مسعود وابن عمر وغيرهما , فإن ذلك منهم كان على وجه الاستحباب لمن أمروه بالتكفير بما أمروه بالتكفير به من الرقاب , لا على أنه كان لا يجزي عندهم التكفير للموسر إلا بالرقبة ; لأنه لم ينقل أحد عن أحد منهم أنه قال لا يجزي الموسر التكفير إلا بالرقبة . والجميع من علماء الأمصار قديمهم وحديثهم مجمعون على أن التكفير بغير الرقاب جائز للموسر , ففي ذلك مكتفى عن الاستشهاد على صحة ما قلنا في ذلك بغيره .فمن لم يجد فصيام ثلاثة أيامالقول في تأويل قوله تعالى : فمن لم يجد فصيام ثلاثة أيام يقول تعالى ذكره : فمن لم يجد لكفارة يمينه التي لزمه تكفيرها من الطعام والكسوة والرقاب ما يكفرها به على ما فرضنا عليه وأوجبناه في كتابنا وعلى لسان رسولنا محمد صلى الله عليه وسلم فصيام ثلاثة أيام يقول : فعليه صيام ثلاثة أيام . ثم اختلف أهل العلم في معنى قوله : فمن لم يجد ومتى يستحق الحانث في يمينه الذي قد لزمته الكفارة اسم غير واجد حتى يكون ممن له الصيام في ذلك ؟ فقال بعضهم : إذا لم يكن للحانث في وقت تكفيره عن يمينه إلا قدر قوته وقوت عياله يومه وليلته فإن له أن يكفر بالصيام , فإن كان عنده في ذلك الوقت قوته وقوت عياله يومه وليلته ومن الفضل ما يطعم عشرة مساكين أو ما يكسوهم , لزمه التكفير بالإطعام أو الكسوة ولم يجزه الصيام حينئذ . وممن قال ذلك الشافعي . حدثنا بذلك عنه الربيع . وهذا القول قصد إن شاء الله - من أوجب الطعام على من كان عنده درهمان - من أوجبه على من عنده ثلاثة دراهم . وبنحو ذلك : 9745 - حدثنا هناد , قال : ثنا ابن المبارك , عن حماد بن سلمة , عن عبد الكريم , عن سعيد بن جبير , قال : إذا لم يكن له إلا ثلاثة دراهم أطعم . قال : يعني في الكفارة . 9746 - حدثنا القاسم , قال : ثنا الحسين , قال : ثني معتمر بن سليمان , قال : قلت لعمر بن راشد : الرجل يحلف , ولا يكون عنده من الطعام إلا بقدر ما يكفر ؟ قال : كان قتادة يقول : يصوم ثلاثة أيام . 9747 - حدثنا القاسم , قال : ثنا الحسين , قال : ثنا المعتمر بن سليمان , قال : ثنا يونس بن عبيد , عن الحسن قال : إذا كان عنده درهمان . 9748 - حدثنا القاسم , قال : ثنا الحسين , قال : ثنا معتمر , عن حماد , عن عبد الكريم بن أبي أمية , عن سعيد بن جبير , قال : ثلاثة دراهم . وقال آخرون : جائز لمن لم يكن عنده مئتا درهم أن يصوم وهو ممن لا يجد . وقال آخرون : جائز لمن لم يكن عنده فضل عن رأس ماله يتصرف به لمعاشه ما يكفر به بالإطعام أن يصوم , إلا أن يكون له كفاية من المال ما يتصرف به لمعاشه ومن الفضل عن ذلك ما يكفر به عن يمينه . وهذا قول كان يقوله بعض متأخري المتفقهة . والصواب من القول في ذلك عندنا , أن من لم يكن عنده في حال حنثه في يمينه إلا قدر قوته وقوت عياله يومه وليلته لا فضل له عن ذلك , يصوم ثلاثة أيام , وهو ممن دخل في جملة من لا يجد ما يطعم أو يكسو أو يعتق . وإن كان عنده في ذلك الوقت من الفضل عن قوته وقوت عياله يومه وليلته ما يطعم أو يكسو عشرة مساكين أو يعتق رقبة , فلا يجزيه حينئذ الصوم ; لأن إحدى الحالات الثلاث حينئذ من إطعام أو كسوة أو عتق حق قد أوجبه الله تعالى في ماله وجوب الدين , وقد قامت الحجة بأن المفلس إذا فرق ماله بين غرمائه أنه لا يترك ذلك اليوم إلا ما لا بد له من قوته وقوت عياله يومه وليلته , فكذلك حكم المعدم بالدين الذي أوجبه الله تعالى في ماله بسبب الكفارة التي لزمت ماله . واختلف أهل العلم في صفة الصوم الذي أوجبه الله في كفارة اليمين , فقال بعضهم : صفته أن يكون مواصلا بين الأيام الثلاثة غير مفرقها . ذكر من قال ذلك : 9749 - حدثنا محمد بن العلاء , قال : ثنا وكيع , عن سفيان , عن ليث , عن مجاهد , قال : كل صوم في القرآن فهو متتابع إلا قضاء رمضان , فإنه عدة من أيام أخر . 9750 - حدثنا أبو كريب وهناد , قالا : ثنا وكيع , وحدثنا ابن وكيع , قال : ثنا أبي , عن أبي جعفر , عن الربيع بن أنس , قال : كان أبي بن كعب يقرأ : " صيام ثلاثة أيام متتابعات " . * - حدثنا عبد الأعلى بن واصل الأسدي , قال : ثنا عبيد الله بن موسى , عن أبي جعفر الرازي , عن الربيع بن أنس , عن أبي العالية , عن أبي بن كعب , أنه كان يقرأ : . " فصيام ثلاثة أيام متتابعات " . 9751 - حدثنا ابن وكيع , قال : ثنا يزيد بن هارون , عن قزعة بن سويد , عن سيف بن سليمان , عن مجاهد , قال : في قراءة عبد الله : " فصيام ثلاثة أيام متتابعات " . 9752 - حدثنا هناد , قال : ثنا ابن المبارك , عن ابن عون , عن إبراهيم , قال : في قراءتنا : " فصيام ثلاثة أيام متتابعات " . * - حدثنا ابن وكيع , قال : ثنا ابن علية , عن ابن عون , عن إبراهيم , مثله . 9753 - حدثنا ابن وكيع , قال : ثنا جرير , عن مغيرة , عن إبراهيم : في قراءة أصحاب عبد الله : " فصيام ثلاثة أيام متتابعات " . 9754 - حدثنا هناد وأبو كريب , قالا : ثنا وكيع , عن سفيان , عن جابر , عن عامر , قال : في قراءة عبد الله : " فصيام ثلاثة أيام متتابعات " . 9755 - حدثنا ابن وكيع , قال : ثنا محمد بن حميد , عن معمر , عن أبي إسحاق : في قراءة عبد الله : " فصيام ثلاثة أيام متتابعات " . 9756 - حدثنا ابن وكيع , قال : ثنا محمد بن حميد , عن معمر , عن الأعمش , قال : كان أصحاب عبد الله يقرءون : " فصيام ثلاثة أيام متتابعات " . 9757 - حدثنا أبو كريب , قال : ثنا وكيع , قال : سمعت سفيان , يقول : إذا فرق صيام ثلاثة أيام لم يجزه . قال : وسمعته يقول في رجل صام في كفارة يمين ثم أفطر , قال : يستقبل الصوم . 9758 - حدثنا بشر بن معاذ , قال : ثنا جامع بن حماد , قال : ثنا يزيد بن زريع , قال : ثنا سعيد , عن قتادة , قوله : فصيام ثلاثة أيام قال : إذا لم يجد طعاما ; وكان في بعض القراءة : " فصيام ثلاثة أيام متتابعات " . وبه كان يأخذ قتادة . 9759 - حدثني المثنى , قال : ثنا عبد الله بن صالح , قال : ثني معاوية بن صالح , عن علي بن أبي طلحة , عن ابن عباس , قال : هو بالخيار في هؤلاء الثلاثة الأول فالأول , فإن لم يجد من ذلك شيئا فصيام ثلاثة أيام متتابعات . وقال آخرون : جائز لمن صامهن أن يصومهن كيف شاء مجتمعات ومفترقات . ذكر من قال ذلك : 9760 - حدثني يونس , قال : أخبرنا أشهب , قال : قال مالك : كل ما ذكر الله في القرآن من الصيام , فأن يصام تباعا أعجب , فإن فرقها رجوت أن تجزي عنه . والصواب من القول في ذلك عندنا أن يقال : إن الله تعالى أوجب على من لزمته كفارة يمين إذا لم يجد إلى تكفيرها بالإطعام أو الكسوة أو العتق سبيلا , أن يكفرها بصيام ثلاثة أيام , ولم يشرط في ذلك متتابعة , فكيفما صامهن المكفر مفرقة ومتتابعة أجزأه ; لأن الله تعالى إنما أوجب عليه صيام ثلاثة أيام , فكيفما أتى بصومهن أجزأ . فأما ما روي عن أبي وابن مسعود من قراءتهما " فصيام ثلاثة أيام متتابعات " فذلك خلاف ما في مصاحفنا , وغير جائز لنا أن نشهد بشيء ليس في مصاحفنا من الكلام أنه من كتاب الله . غير أني أختار للصائم في كفارة اليمين أن يتابع بين الأيام الثلاثة ولا يفرق , لأنه لا خلاف بين الجميع أنه إذا فعل ذلك فقد أجزأ ذلك عنه من كفارته . وهم في غير ذلك مختلفون , ففعل ما لا يختلف في جوازه أحب إلي وإن كان الآخر جائزا .ذلك كفارة أيمانكم إذا حلفتمالقول في تأويل قوله تعالى : ذلك كفارة أيمانكم إذا حلفتم يعني تعالى ذكره بقوله : ذلك هذا الذي ذكرت لكم أنه كفارة أيمانكم من إطعام العشرة المساكين أو كسوتهم أو تحرير الرقبة , وصيام الثلاثة الأ

الصفحة السابقة الصفحة التالية