تفسير سورة المائدة الصفحة 113 من القرآن الكريم

تفسير الصفحة رقم 113 من المصحف


مِنْ أَجْلِ ذَٰلِكَ كَتَبْنَا عَلَىٰ بَنِىٓ إِسْرَٰٓءِيلَ أَنَّهُۥ مَن قَتَلَ نَفْسًۢا بِغَيْرِ نَفْسٍ أَوْ فَسَادٍ فِى ٱلْأَرْضِ فَكَأَنَّمَا قَتَلَ ٱلنَّاسَ جَمِيعًا وَمَنْ أَحْيَاهَا فَكَأَنَّمَآ أَحْيَا ٱلنَّاسَ جَمِيعًا وَلَقَدْ جَآءَتْهُمْ رُسُلُنَا بِٱلْبَيِّنَٰتِ ثُمَّ إِنَّ كَثِيرًا مِّنْهُم بَعْدَ ذَٰلِكَ فِى ٱلْأَرْضِ لَمُسْرِفُونَ (32)


القول في تأويل قوله عز ذكره : مِنْ أَجْلِ ذَلِكَ كَتَبْنَا عَلَى بَنِي إِسْرَائِيلَ أَنَّهُ مَنْ قَتَلَ نَفْسًا بِغَيْرِ نَفْسٍ أَوْ فَسَادٍ فِي الأَرْضِ فَكَأَنَّمَا قَتَلَ النَّاسَ جَمِيعًا وَمَنْ أَحْيَاهَا فَكَأَنَّمَا أَحْيَا النَّاسَ جَمِيعًاقال أبو جعفر: يعني تعالى ذكره بقوله: " من أجل ذلك "، من جرِّ ذلك وجَريرته وجنايته. يقول: من جرِّ القاتل أخاه من ابني آدم= اللذين اقتصصنا قصتهما= الجريرةَ التي جرَّها، وجنايتِه التي جناها=" كتبنا على بني إسرائيل ".* * *يقال منه: " أجَلْت هذا الأمر "، أي: جررته إليه وكسبته،"آجله له أجْلا "، كقولك: " أخَذْته أخذًا "، ومن ذلك قول الشاعر: (1)وَأَهْلِ خِبَاءٍ صَالِحٍ ذَاتُ بَيْنِهمْقَدِ احْتَرَبُوا فِي عَاجِلٍ أَنَا آجِلُه (2)يعني بقوله: " أنا آجله "، أنا الجارُّ ذلك عليه والجانِي.* * *فمعنى الكلام: من جناية ابن آدم القاتل أخاه ظلمًا، حكمنا على بني إسرائيل أنه من قتل منهم نفسًا ظلمًا، بغير نفس قتلت، فقتل بها قصاصًا (3) =" أو فساد في الأرض "، يقول: أو قتل منهم نفسًا بغير فسادٍ كان منها في الأرض، فاستحقت بذلك قتلها. و " فسادها في الأرض "، إنما يكون بالحرب لله ولرسوله، وإخافة السبيل. (4)* * *وبنحو الذي قلنا في ذلك قال أهل التأويل:ذكر من قال ذلك:11770 - حدثت عن الحسين قال، سمعت أبا معاذ قال، حدثني عبيد بن سليمان قال، سمعت الضحاك يقول في قوله: " من أجل ذلك كتبنا على بني إسرائيل "، يقول: من أجل ابن آدم الذي قتل أخاه ظلمًا.* * *ثم اختلف أهل التأويل في تأويل قوله جل ثناؤه: " من قتل نفسًا بغير نفسٍ أو فسادٍ في الأرض فكأنما قتل الناس جميعًا ومن أحياها فكأنما أحيا الناس جميعًا ".فقال بعضهم: معنى ذلك: ومن قتل نبيًّا أو إمام عدل، فكأنما قتل الناس جميعًا، ومن شدَّ على عضُد نبيّ أو إمام عدل، فكأنما أحيا الناس جميعًا.ذكر من قال ذلك:11771 - حدثنا أبو عمار الحسين بن حريث المروزي قال، حدثنا الفضل بن موسى، عن الحسين بن واقد، عن عكرمة، عن ابن عباس في قوله: " من قتل نفسًا بغير نفس أو فسادٍ في الأرض فكأنما قتل الناس جميعًا ومن أحياها فكأنما أحيا الناس جميعًا "، قال: من شدّ على عضُد نبيّ أو إمام عدل فكأنما أحيا الناس جميعًا، ومن قتل نبيًّا أو إمام عدل، فكأنما قتل الناس جميعًا. (5)11772 - حدثني محمد بن سعد قال، حدثني أبي قال، حدثني عمي قال، حدثني أبي، عن أبيه، عن ابن عباس في قوله: " من أجل ذلك كتبنا على بني إسرائيل أنه من قتل نفسًا بغير نفسٍ أو فسادٍ في الأرض فكأنما قتل الناس جميعًا "، يقول: من قتل نفسًا واحدًة حرَّمتها، فهو مثل من قتل الناس جميعًا=" ومن أحياها "، يقول: من ترك قتل نفس واحدة حرمتها مَخَافتي، واستحياها أن يقتلها، فهو مثل استحياء الناس جميعًا= يعني بذلك الأنبياء.* * *وقال آخرون: " من قتل نفسًا بغير نفسٍ أو فسادٍ في الأرض فكأنما قتل الناس جميعًا "، عند المقتول في الإثم=" ومن أحياها "، فاستنقذها من هلكةٍ=" فكأنما أحيا الناس جميعًا "، عند المستنقذ.ذكر من قال ذلك:11773 - حدثني محمد بن الحسين قال، حدثنا أحمد قال، حدثنا أسباط، عن السدي، فيما ذكر عن أبي مالك= وعن أبي صالح، عن ابن عباس= وعن مرة الهمداني، عن عبد الله= وعن ناسٍ من أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم قوله: " من قتل نفسًا بغير نفسٍ أو فسادٍ في الأرض فكأنما قتَلَ الناس جميعًا "، عند المقتول، يقول: في الإثم=" ومن أحياها "، فاستنقذها من هلكة=" فكأنما أحيا الناس جميعًا "، عند المستنقَذ.* * *وقال آخرون: معنى ذلك: إن قاتل النفس المحرم قتلُها، يصلى النار كما يصلاها لو قتل الناس جميعًا=" ومن أحياها "، من سلم من قتلها، فقد سلم من قتل الناس جميعًا.ذكر من قال ذلك:11774 - حدثنا ابن وكيع قال، حدثنا أبي، عن خصيف، عن مجاهد، عن ابن عباس قال: " من أحياها فكأنما أحيا الناس جميعًا "، قال: من كف عن قتلها فقد أحياها=" ومن قتل نفسا بغير نفس فكأنما قتل الناس جميعًا "، قال: ومن أوبقها.11775 - حدثني الحارث قال، حدثنا عبد العزيز قال، حدثنا سفيان، عن خصيف، عن مجاهد قال: من أوبق نفسًا فكما لو قتل الناس جميعًا، ومن أحياها وسلم من ظُلمها فلم يقتلها، (6) فقد سلم من قتل الناس جميعًا.11776 - حدثني المثنى قال، حدثنا سويد بن نصر قال، أخبرنا ابن المبارك، عن شريك، عن خصيف، عن مجاهد: " فكأنما قتل الناس جميعًا، ومن أحياها فكأنما أحيا الناس جميعًا "، لم يقتلها، وقد سلم منه الناس جميعًا، لم يقتل أحدًا.11777 - حدثني المثنى قال، حدثنا سويد قال، أخبرنا ابن المبارك، عن الأوزاعي قال، أخبرنا عبدة بن أبي لبابة قال: سألت مجاهدًا= أو: سمعته يُسْأل= عن قوله: " من قتل نفسًا بغير نفسٍ أو فسادٍ في الأرض فكأنما قتل الناس جميعًا "، قال: لو قتل الناس جميعًا، كان جزاؤه جهنم خالدًا فيها وغَضِب الله عليه ولَعنه، وأعد له عذابًا عظيمًا. (7)11778 - حدثني المثنى قال، حدثنا سويد قال، أخبرنا ابن المبارك، عن ابن جريج قراءةً، عن الأعرج، (8) عن مجاهد في قوله: " فكأنما قتل الناس جميعًا "، قال: الذي يقتل النفس المؤمنة متعمدًا، جعل الله جزاءه جهَنّم، وغضب الله عليه ولعنه وأعد له عذابًا عظيمًا. يقول: لو قتل الناس جميعًا لم يزد على مثل ذلك من العذاب= قال ابن جريج، قال مجاهد: " ومن أحياها فكأنما أحيا الناس جميعًا " قال: من لم يقتل أحدًا، فقد استراح الناسُ منه.11779 - حدثنا سفيان قال، حدثنا يحيى بن يمان، عن سفيان، عن خصيف، عن مجاهد قال: أوبق نفسه. (9)11780 - حدثنا سفيان قال، حدثنا يحيى بن يمان، عن سفيان، عن منصور، عن مجاهد قال: في الإثم.11780 - حدثنا ابن حميد قال، حدثنا جرير، عن ليث، عن مجاهد: " من قتل نفسًا بغير نفسٍ أو فسادٍ في الأرض فكأنما قتل الناس جميعًا "، وقوله: وَمَنْ يَقْتُلْ مُؤْمِنًا مُتَعَمِّدًا فَجَزَاؤُهُ جَهَنَّمُ [سورة النساء: 93] قال: يصير إلى جهنم بقتل المؤمن، كما أنه لو قتل الناس جميعًا لصار إلى جهنم.11781 - حدثني المثنى قال، حدثنا عبد الله بن صالح قال، حدثني معاوية، عن علي، عن ابن عباس: " من أجل ذلك كتبنا على بني إسرائيل أنه من قتل نفسًا بغير نفسٍ أو فسادٍ في الأرض فكأنما قتل الناس جميعًا " قال: هو كما قال= وقال: " ومن أحياها فكأنما أحيا الناس جميعًا "، فإحياؤها: لا يقتل نفسًا حرمها الله، فذلك الذي أحيا الناس جميعًا، يعني: أنه من حرم قتلها إلا بحقٍّ، حَيِي الناس منه جميعًا.11782 - حدثنا ابن حميد قال، حدثنا حكام، عن عنبسة، عن العلاء بن عبد الكريم، عن مجاهد: " ومن أحياها "، قال: ومن حرَّمها فلم يقتلها.11783 - حدثنا ابن وكيع قال، حدثنا أبي، عن العلاء قال: سمعت مجاهدًا يقول: " من أحياها فكأنما أحيا الناس جميعًا "، قال: من كف عن قتلها فقد أحياها.11784 - حدثني محمد بن عمرو قال، حدثنا أبو عاصم قال، حدثنا عيسى، عن ابن أبي نجيح، عن مجاهد في قول الله عز وجل: " فكأنما قتل الناس جميعًا " قال: هي كالتي في" النساء ": وَمَنْ يَقْتُلْ مُؤْمِنًا مُتَعَمِّدًا فَجَزَاؤُهُ جَهَنَّمُ [سورة النساء: 93]، في جزائه.11785 - حدثني المثنى قال، حدثنا أبو حذيفة قال، حدثنا شبل، عن ابن أبي نجيح، عن مجاهد: " فكأنما قتل الناس جميعًا " كالتي في" سورة النساء "، وَمَنْ يَقْتُلْ مُؤْمِنًا مُتَعَمِّدًا في جزائه=" ومن أحياها "، ولم يقتل أحدًا، فقد حيِيَ الناس منه.11786 - حدثنا هناد قال، حدثنا أبو معاوية، عن العلاء بن عبد الكريم، عن مجاهد في قوله: " ومن أحياها فكأنما أحيا الناس جميعًا "، قال: التفت إلى جلسائه فقال: هو هذا وهذا. (10)* * *وقال آخرون: معنى ذلك: ومن قتل نفسًا بغير نفس أو فساد في الأرض فكأنما قتل الناس جميعًا، لأنه يجب عليه من القِصاص به والقوَد بقتله، مثلُ الذي يجب عليه من القَوَد والقصاص لو قتل الناس جميعًا.ذكر من قال ذلك:11787 - حدثني يونس قال، أخبرنا ابن وهب قال، قال ابن زيد في قوله: " من أجل ذلك كتبنا على بني إسرائيل أنه من قتل نفسًا بغير نفسٍ أو فسادٍ في الأرض فكأنما قتل الناس جميعًا "، قال: يجب عليه من القتل مثلُ لو أنه قتل الناس جميعًا. قال: كان أبي يقول ذلك.* * *وقال آخرون معنى قوله: " ومن أحياها ": من عفا عمن وجب له القِصَاص منه فلم يقتله.ذكر من قال ذلك:11788 - حدثني يونس قال، أخبرنا ابن وهب قال، قال ابن زيد في قوله: " ومن أحياها فكأنما أحيا الناس جميعًا "، يقول: من أحياها، أعطاه الله جل وعزّ من الأجر مثلُ لو أنه أحيا الناس جميعًا=" أحياها " فلم يقتلها وعفا عنها. قال: وذلك وليّ القتيل، والقتيل نفسه يعفو عنه قبل أن يموت. قال: كان أبي يقول ذلك:11789 - حدثنا محمد بن بشار قال، حدثنا مؤمل قال، حدثنا سفيان، عن يونس، عن الحسن في قوله: " ومن أحياها فكأنما أحيا الناس جميعًا "، قال: من عفا.11790 - حدثنا سفيان قال، حدثنا عبد الأعلى، عن يونس، عن الحسن: " ومن أحياها فكأنما أحيا الناس جميعًا "، قال: من قُتِل حميمٌ له فعفا عن دمه. (11)11791 - حدثنا ابن وكيع قال، حدثنا يحيى بن يمان، عن سفيان، عن يونس، عن الحسن." ومن أحياها فكأنما أحيا الناسَ جميعًا "، قال: العفو بعد القدرة.* * *وقال آخرون: معنى قوله: " ومن أحياها فكأنما أحيا الناس جميعًا "، ومن أنجاها من غَرَق أو حَرَقٍ. (12)ذكر من قال ذلك:11792 - حدثنا ابن حميد قال، حدثنا جرير، عن منصور، عن مجاهد: " ومن أحياها فكأنما أحيا الناس جميعًا " قال: من أنجاها من غَرَق أو حرَقٍ أو هَلَكةٍ.11793 - حدثنا ابن وكيع قال، حدثنا أبي= وحدثنا هناد قال، حدثنا وكيع= عن سفيان، عن منصور، عن مجاهد: " ومن أحياها فكأنما أحيا الناس جميعًا "، قال: من غرَق أو حَرَق أو هَدَمٍ. (13)11794 - حدثني الحارث قال، حدثنا عبد العزيز قال، حدثنا إسرائيل عن خصيف، عن مجاهد: " ومن أحياها "، قال: أنجاها.* * *وقال الضحاك بما:-11795 - حدثنا ابن وكيع قال، حدثنا ابن يمان، عن سفيان، عن أبي عامر، عن الضحاك قال: " من قتل نفسًا بغير نفس "، قال: من تورَّع أو لم يتورَّع. (14)11796 - حدثت عن الحسين قال، سمعت أبا معاذ قال، حدثني عبيد بن سليمان قال، سمعت الضحاك يقول في قوله: " فكأنما أحيا الناس جميعًا "، يقول: لو لم يقتله لكان قد أحيا الناس، فلم يستحلّ محرَّمًا.* * *وقال قتادة والحسن في ذلك بما:-11797 - حدثنا ابن وكيع قال، حدثنا عبد الأعلى، عن يونس، عن الحسن: " من قتل نفسًا بغير نفس أو فسادٍ في الأرض "، قال: عَظُم ذلك.11798 - حدثنا بشر قال، حدثنا يزيد قال، حدثنا سعيد، عن قتادة قوله: " من أجل ذلك كتبنا على بني إسرائيل أنه من قتل نفسًا بغير نفس " الآية، من قتلها على غير نفس ولا فسادٍ أفسدته=" فكأنما قتل الناس جميعًا ومن أحياها فكأنما أحيا الناس جميعًا " عظُم والله أجرُها، وعظُم وزرها! فأحيها يا ابن آدم بما لك، وأحيها بعفوك إن استطعت، ولا قوة إلا بالله. وإنا لا نعلمُه يحل دم رجل مسلمٍ من أهل هذه القبلة إلا بإحدى ثلاث: رجل كفرَ بعد إسلامه، فعليه القتل= أو زنى بعد إحصانه، فعليه الرجم= أو قتل متعمدًا، فعليه القَوَد.11799 - حدثنا الحسن بن يحيى قال، أخبرنا عبد الرزاق قال، أخبرنا معمر قال: تلا قتادة: " من قتل نفسًا بغير نفس فكأنما قتل الناس جميعًا ومن أحياها فكأنما أحيا الناس جميعًا " قال: عظم والله أجرُها، وعظم والله وِزْرها!11800 - حدثني المثنى قال، حدثنا سويد بن نصر قال، أخبرنا ابن المبارك، عن سلاّم بن مسكين قال، حدثني سليمان بن علي الربعي قال: قلت للحسن: " من أجل ذلك كتبنا على بني إسرائيل أنه من قتل نفسًا بغير نفس " الآية، أهي لنا يا أبا سعيد، كما كانت لبني إسرائيل؟ فقال: إِي والذي لا إله غيره، كما كانت لبني إسرائيل! وما جعل دماءَ بني إسرائيل أكرم على الله من دمائنا؟ (15)11801 - حدثني المثنى قال، حدثنا سويد بن نصر قال، أخبرنا ابن المبارك، عن سعيد بن زيد قال: سمعت خالدًا أبا الفضل قال: سمعت الحسن تلا هذه الآية: فَطَوَّعَتْ لَهُ نَفْسُهُ قَتْلَ أَخِيهِ إلى قوله: " ومن أحياها فكأنما أحيا الناس جميعًا "، ثم قال: عظَّم والله في الوزر كما تسمعون، ورغَّب والله في الأجر كما تسمعون! إذا ظننت يا ابن آدم، أنك لو قتلت الناس جميعًا، فإن لك من عملك ما تفوز به من النار‍‍، كذَبَتْك والله نفسك، وكذَبَك الشيطان. (16)11802 - حدثنا هناد قال، حدثنا ابن فضيل، عن عاصم، عن الحسن في قوله: " فكأنما قتل الناس جميعًا " قال: وِزْرًا=" ومن أحياها فكأنما أحيا الناس جميعًا " قال: أجرًا.* * *قال أبو جعفر: وأولى هذه الأقوال عندي بالصواب، قولُ من قال: تأويل ذلك: أنه من قتل نفسًا مؤمنة بغير نفس قَتَلتها فاستحقت القَوَد بها والقتل قِصاصًا= أو بغير فساد في الأرض، بحرب الله ورسوله وحرب المؤمنين فيها= فكأنما قتل الناس جميعًا فيما استوجب من عظيم العقوبة من الله جل ثناؤه، كما أوعده ذلك من فعله ربُّه بقوله: وَمَنْ يَقْتُلْ مُؤْمِنًا مُتَعَمِّدًا فَجَزَاؤُهُ جَهَنَّمُ خَالِدًا فِيهَا وَغَضِبَ اللَّهُ عَلَيْهِ وَلَعَنَهُ وَأَعَدَّ لَهُ عَذَابًا عَظِيمًا [سورة النساء: 93].* * *وأما قوله: " ومن أحياها فكأنما أحيا الناس جميعًا " فأولى التأويلات به، قول من قال: من حرّم قتل من حرّم الله عز ذكره قتله على نفسه، فلم يتقدّم على قتله، فقد حيي الناس منه بسلامتهم منه، وذلك إحياؤه إياها. وذلك نظير خبر الله عز ذكره عمن حاجّ إبراهيم في ربّه إذ قال له إبراهيم: رَبِّيَ الَّذِي يُحْيِي وَيُمِيتُ قَالَ أَنَا أُحْيِي وَأُمِيتُ [سورة البقرة: 258]. فكان معنى الكافر في قيله: أَنَا أُحْيِي ، (17) أنا أترك من قَدَرت على قتله- وفي قوله: وَأُمِيتُ ، قتله من قتله. (18) فكذلك معنى " الإحياء " في قوله: " ومن أحياها "، من سلِمَ الناس من قتله إياهم، إلا فيما أذن الله في قتله منهم=" فكأنما أحيا الناس جميعًا ".وإنما قلنا ذلك أولى التأويلات بتأويل الآية، لأنه لا نفسَ يقومُ قتلُها في عاجل الضُّرّ مقام قتل جميع النفوس، ولا إحياؤها مقامَ إحياء جميع النفوس في عاجل النفع. فكان معلومًا بذلك أن معنى " الإحياء ": سلامة جميع النفوس منه، لأنه من لم يتقدم على نفس واحدة، فقد سلم منه جميع النفوس- وأن الواحدة منها التي يقوم قتلُها مقام جميعها إنما هو في الوِزْر، لأنه لا نفس من نفوس بني آدم يقوم فقدها مقام فقد جميعها، وإن كان فقد بعضها أعمّ ضررًا من فقد بعض. (19)* * *القول في تأويل قوله عز ذكره : وَلَقَدْ جَاءَتْهُمْ رُسُلُنَا بِالْبَيِّنَاتِ ثُمَّ إِنَّ كَثِيرًا مِنْهُمْ بَعْدَ ذَلِكَ فِي الأَرْضِ لَمُسْرِفُونَ (32)قال أبو جعفر: وهذا قسم من الله جل ثناؤه أقسم به: أن رسله صلوات الله عليهم قد أتت بني إسرائيل الذين قصَّ الله قَصَصهم وذكر نبأهم في الآيات التي تقدَّمت، من قوله: يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اذْكُرُوا نِعْمَةَ اللَّهِ عَلَيْكُمْ إِذْ هَمَّ قَوْمٌ أَنْ يَبْسُطُوا إِلَيْكُمْ أَيْدِيَهُمْ إلى هذا الموضع=" بالبينات "، يعني: بالآيات الواضحة والحجج البيِّنة على حقيقة ما أرسلوا به إليهم، (20) وصحة ما دعوهم إليه من الإيمان بهم، وأداء فرائضِ الله عليهم.=يقول الله عز ذكره: " ثم إن كثيًرا منهم بعد ذلك في الأرض لمسرفون "، يعني: أن كثيرًا من بني إسرائيل.* * *=و " الهاء والميم " في قوله: " ثم إن كثيرًا منهم "، من ذكر بني إسرائيل، وكذلك ذلك في قوله: " ولقد جاءتهم ".* * *=" بعد ذلك "، يعني: بعد مجيء رسل الله بالبينات (21) .=" في الأرض لمسرفون "، يعني: أنهم في الأرض لعاملون بمعاصي الله، ومخالفون أمر الله ونهيه، ومحادُّو الله ورسله، باتباعهم أهواءَهم. وخلافهم على أنبيائهم، وذلك كان إسرافهم في الأرض. (22)-----------------الهوامش :(1) نسبه أبو عبيدة في مجاز القرآن فقال: "قال الخنوت ، وهو توبة بن مضرس ، أحد بني مالك بن سعد بن زيد مناة بن تميم. وإنما سماه الخنوت ، الأحنف بن قيس. لأن الأحنف كلمه ، فلم يكلمه احتقارًا له ، فقال: إن صاحبكم هذا الخنوت! والخنوت: المتجبر الذاهب بنفسه ، المستصغر للناس".و"الخنوت" (بكسر الخاء ، ونون مشددة مفتوحة ، واو ساكنة).وذكره الآمدي في المؤتلف والمختلف ص: 68 وقال: "وقتل أخواه ... فأدرك الأخذ بثأرهما... وجزع على أخويه جزعًا شديدًا ، ... وكان لا يزال يبكي أخويه ، فطلب إليه الأحنف أن يكف ، فأبى ، فسماه: الخنوت = وهو الذي يمنعه الغيظ أو البكاء من الكلام".ونسبه التبريزي في شرح إصلاح المنطق ، والشنتمري في شرح ديوان زهير إلى خوات بن جبير الأنصاري صاحب رسول الله صلى الله عليه وسلم. وهو الذي يذكر في خبر ذات النحيين.وألحق بشعر زهير بن أبي سلمى ، في ديوانه (شرح الشنتمري).(2) مجاز القرآن لأبي عبيدة 1 : 163 (وفيه مراجع) ، وشرح إصلاح المنطق 1 : 14 ، وشرح شعر زهير للشنتمري: 33 ، واللسان (أجل) ، وفي رواية لابن برى ، في اللسان.وَأَهْل خِبَاء آمِنِين، فَجَعْتُهُمْبِشَيْءٍ عَزِيزٍ عَاجِل أَنَا آجِلُهْوَأَقْبَلْتُ أَسْعَى أَسْأَلُ الْقَوْمَ مَالَهُمْسُؤَالَكَ بِالَّشْيءِ الَّذِي أَنْتَ جَاهِلُهْويروى الشطر الأول ، من البيت الثاني:فَأَقْبَلَتْ فِي السَّاعِينَ أَسْأَلُ عَنْهُمُوفي المخطوطة: "قد اصرموا" ، غير منقوطة ، والصواب من المراجع.(3) انظر تفسير"كتب" فيما سلف ص: 169 ، تعليق 1. والمراجع هناك.(4) انظر تفسير"الفساد في الأرض" فيما سلف 1 : 287 ، 406/ 4 : 238 ، 239 ، 243 ، 424/ 5 : 372/ 6 : 477.(5) الأثر: 11771-"أبو عمار المروزي" ، هو: "الحسين بن حريث بن الحسن بن ثابت". روى عن ابن المبارك ، والفضل بن موسى ، وابن أبي حازم ، وابن عيينة ، وغيرهم. روى عنه الجماعة سوى ابن ماجه. ثقة. مترجم في التهذيب ، والكبير 1/2/389 ، وابن أبي حاتم 1/2/50.و"الفضل بن موسى السيناني" ، أبو عبد الله المروزي. ثقة ثبت روى له الجماعة. مترجم في التهذيب.و"الحسين بن واقد المروزي" ، مضى برقم: 4810 ، 6311.(6) في المطبوعة: "وسلم من طلبها" ، وأثبت ما في المخطوطة ، وهو الصواب.(7) هذا تضمين آية"سورة النساء": 93.(8) في المطبوعة: "قراءة عن الأعرج" ، وأثبت ما في المخطوطة.(9) في المطبوعة: "أوبق نفسا" ، وأثبت ما في المخطوطة.(10) كأنه يعني بقوله: "هو هذا وهذا" ، أن قتل نفس محرمة بغير نفس أو فساد في الأرض قتل للناس جميعًا ، وإحياؤها إحياء للناس جميعًا.(11) "الحميم": ذو القرابة القريب.(12) "الحرق" (بفتحتين): النار ولهبها ، كالحريق. وفي الحديث: "الحرق والغرق والشرق شهادة" (كل ذلك بفتحات).(13) "الهدم" (بفتحتين). وهو البناء المهدوم ، وفي حديث الشهداء: "وصاحب الهدم شهادة".(14) كأنه يعني: من تورع عن قتلها ، أو لم يتورع ولكنه لم يقتل ، فكأنما أحيى الناس جميعا.(15) الأثر: 11800-"سلام بن مسكين بن ربيعة الأزدي" ، "أبو روح" ، ثقة. مضى برقم: 692.و"سليمان" بن علي الربعي الأزدي". ثقة. مترجم في التهذيب.(16) الأثر: 11801-"سعيد بن زيد بن درهم الأزدي" ، أخو: حماد بن زيد. تكلموا فيه ، ووثقوه فقالوا: "صدوق حافظ" ، وأعدل ما قيل فيه ما قاله ابن حبان: "كان صدوقا حافظًا ، ممن كان يخطئ في الأخبار ويهم ، حتى لا يحتج به إذا انفرد". مترجم في التهذيب ، والكبير 2/1/432 ، وابن أبي حاتم 2/1/21.و"خالد ، أبو الفضل". قال البخاري في الكبير 2/1/153: "خالد بن أبي الفضل ، سمع الحسن. روى عنه سعيد بن زيد قوله... وكنيته خالد بن رباح أبا الفضل ، فلا أدري هو ذا أم لا"؟ كأن البخاري يعني هذا الأثر.ثم ترجم"خالد بن رباح الهذلي" 2/1/136 ، وقال: "سمع منه وكيع" ، ولم يذكر"سعيد بن زيد". وقال: "قال يزيد بن هرون ، أخبرنا خالد بن رباح أبو الفضل".وأما ابن أبي حاتم فقد ترجم في الجرح والتعديل 1/2/346: "خالد بن الفضل. روي عن الحسن. روى عنه سعيد بن زيد. سمعت أبي يقول ذلك".ثم ترجم في 1/2/330. و"خالد بن رباح الهذلي ، أبو الفضل ... روى عن الحسن...." ، ولم يذكر في الرواه عنه"سعيد بن زيد".وترجم له الحافظ ابن حجر في تعجيل المنفعة: 112 ، وفي لسان الميزان 2: 374 ، "خالد بن رباح الهذلي ، أبو الفضل البصري" ، ونقل عن ابن حبان في الضعفاء أن كنيته"أبو الفضل" ثم قال: "ولما ذكره في الطبقة الثالثة من الثقات قال: خالد بن رباح أبو الفضل ، يروي عن الحسن. روى عنه سعيد بن زيد". قال ابن حجر: "فما أدري ، ظنه آخر ، أو تناقض فيه؟".أما ترجمته في لسان الميزان ، فلم يذكر كنيته هناك ، ونقل بعض ما جاء في تعجيل المنفعة.والظاهر أن"خالدًا أبا الفضل" ، هو"خالد بن رباح الهذلي" نفسه ، وأن ما جاء في ابن أبي حاتم"خالد بن الفضل" خطأ أو وهم. والظاهر أيضًا أنه توقف في أمر"خالد بن أبي الفضل" ، ورجح أن يكون خطأ من الرواة ، وأن الراوية"خالد أبو الفضل". وهو"خالد بن رباح الهذلي" نفسه.(17) في المطبوعة والمخطوطة هنا: "أنا أحيي وأميت" ولا شك أن قوله: "وأميت" تكرار ، فتركته.(18) انظر ما سلف: 5: 432.(19) انظر تفسير"الإحياء" فيما سلف 5: 432 ، وما بعدها.(20) في المطبوعة: "على حقية" ، فعل بما كان في المخطوطة ، كما فعل بأخواتها من قبل ، انظر ما سلف ، كما أشرت إليه في ص: 19 ، تعليق: 3 ، والمراجع السابقة هناك.(21) انظر تفسير"البينات" فيما سلف 9: 360 ، تعليق: 1 ، والمراجع هناك.(22) انظر تفسير"الإسراف" فيما سلف 7 : 272 ، 579.

إِنَّمَا جَزَٰٓؤُا۟ ٱلَّذِينَ يُحَارِبُونَ ٱللَّهَ وَرَسُولَهُۥ وَيَسْعَوْنَ فِى ٱلْأَرْضِ فَسَادًا أَن يُقَتَّلُوٓا۟ أَوْ يُصَلَّبُوٓا۟ أَوْ تُقَطَّعَ أَيْدِيهِمْ وَأَرْجُلُهُم مِّنْ خِلَٰفٍ أَوْ يُنفَوْا۟ مِنَ ٱلْأَرْضِ ذَٰلِكَ لَهُمْ خِزْىٌ فِى ٱلدُّنْيَا وَلَهُمْ فِى ٱلْءَاخِرَةِ عَذَابٌ عَظِيمٌ (33)


إنما جزاء الذين يحاربون الله ورسولهالقول في تأويل قوله تعالى : إنما جزاء الذين يحاربون الله ورسوله وهذا بيان من الله عز ذكره عن حكم الفساد في الأرض الذي ذكره في قوله : من أجل ذلك كتبنا على بني إسرائيل أنه من قتل نفسا بغير نفس أو فساد في الأرض أعلم عباده ما الذي يستحق المفسد في الأرض من العقوبة والنكال , فقال تبارك وتعالى : لا جزاء له في الدنيا إلا القتل والصلب وقطع اليد والرجل من خلاف أو النفي من الأرض , خزيا لهم ; وأما في الآخرة إن لم يتب في الدنيا فعذاب عظيم . ثم اختلف أهل التأويل فيمن نزلت هذه الآية . فقال بعضهم : نزلت في قوم من أهل الكتاب , كانوا أهل موادعة لرسول الله صلى الله عليه وسلم , فنقضوا العهد وأفسدوا في الأرض , فعرف الله نبيه صلى الله عليه وسلم الحكم فيهم . ذكر من قال ذلك : 9214 - حدثني المثنى , قال : ثنا عبد الله بن صالح , قال : ثني معاوية , عن علي , عن ابن عباس , قوله : إنما جزاء الذين يحاربون الله ورسوله ويسعون في الأرض فسادا قال : كان قوم من أهل الكتاب بينهم وبين النبي صلى الله عليه وسلم عهد وميثاق , فنقضوا العهد وأفسدوا في الأرض ; فخير الله رسوله , إن شاء أن يقتل وإن شاء أن يقطع أيديهم وأرجلهم من خلاف . 9215 - حدثني المثنى , قال : ثنا عمرو بن عون , قال : أخبرنا هشيم , عن جويبر , عن الضحاك , قال : كان قوم بينهم وبين رسول الله صلى الله عليه وسلم ميثاق , فنقضوا العهد وقطعوا السبيل وأفسدوا في الأرض ; فخير الله جل وعز نبيه صلى الله عليه وسلم فيهم , فإن شاء قتل , وإن شاء صلب , وإن شاء قطع أيديهم وأرجلهم من خلاف * - حدثت عن الحسين , قال : سمعت أبا معاذ , قال : ثني عبيد بن سليمان , قال : سمعت الضحاك يقول , فذكر نحوه . وقال آخرون : نزلت في قوم من المشركين . ذكر من قال ذلك : 9216 - حدثنا ابن حميد , قال : ثنا يحيى بن واضح , قال : ثنا الحسين بن واقد , عن يزيد , عن عكرمة والحسن البصري , قالا : قال : إنما جزاء الذين يحاربون الله ورسوله إلى : إن الله غفور رحيم نزلت هذه الآية في المشركين , فمن تاب منهم من قبل أن تقدروا عليه لم يكن عليه سبيل ; وليست تحرز هذه الآية الرجل المسلم من الحد إن قتل أو أفسد في الأرض أو حارب الله ورسوله ثم لحق بالكفار قبل أن يقدر عليه , لم يمنعه ذلك أن يقام فيه الحد الذي أصاب . 9217 - حدثنا ابن وكيع , قال : ثنا يحيى بن سعيد , عن أشعث , عن الحسن : إنما جزاء الذين يحاربون الله ورسوله قال : نزلت في أهل الشرك . وقال آخرون : بل نزلت في قوم من عرينة وعكل ارتدوا عن الإسلام , وحاربوا الله ورسوله . ذكر من قال ذلك : 9218 - حدثنا ابن بشار , قال : ثنا روح بن عبادة , قال : ثنا سعيد بن أبي عروبة , عن قتادة , عن أنس : أن رهطا من عكل وعرينة أتوا النبي صلى الله عليه وسلم , فقالوا : يا رسول الله إنا أهل ضرع ولم نكن أهل ريف وإنا استوخمنا المدينة . فأمر لهم النبي صلى الله عليه وسلم بذود وراع , وأمرهم أن يخرجوا فيها فيشربوا من ألبانها وأبوالها . فقتلوا راعي رسول الله صلى الله عليه وسلم , واستاقوا الذود , وكفروا بعد إسلامهم . فأتي بهم النبي صلى الله عليه وسلم , فقطع أيديهم وأرجلهم , وسمل أعينهم , وتركهم في الحرة حتى ماتوا . فذكر لنا أن هذه الآية نزلت فيهم : إنما جزاء الذين يحاربون الله ورسوله * - حدثنا ابن حميد , قال : ثنا روح , قال : ثنا هشام بن أبي عبد الله , عن قتادة , عن أنس بن مالك , عن النبي صلى الله عليه وسلم بمثل هذه القصة . 9219 - حدثنا محمد بن علي بن الحسن بن شقيق , قال : سمعت أبي يقول : أخبرنا أبو حمزة , عن عبد الكريم وسئل عن أبوال الإبل , فقال : حدثني سعيد بن جبير عن المحاربين , فقال : كان ناس أتوا النبي صلى الله عليه وسلم فقالوا : نبايعك على الإسلام ! فبايعوه وهم كذبة , وليس الإسلام يريدون . ثم قالوا : إنا نجتوي المدينة . فقال النبي صلى الله عليه وسلم : " هذه اللقاح تغدو عليكم وتروح , فاشربوا من أبوالها وألبانها " . قال : فبينا هم كذلك إذ جاء الصريخ , فصرخ إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم , فقال : قتلوا الراعي , وساقوا النعم ! فأمر نبي الله فنودي في الناس , أن : يا خيل الله اركبي . قال : فركبوا لا ينتظر فارس فارسا . قال : فركب رسول الله صلى الله عليه وسلم على أثرهم , فلم يزالوا يطلبونهم حتى أدخلوهم مأمنهم , فرجع صحابة رسول الله صلى الله عليه وسلم وقد أسروا منهم , فأتوا بهم النبي صلى الله عليه وسلم , فأنزل الله : إنما جزاء الذين يحاربون الله ورسوله الآية , قال : فكان نفيهم أن نفوهم , حتى أدخلوهم مأمنهم وأرضهم , ونفوهم من أرض المسلمين , وقتل نبي الله منهم وصلب وقطع وسمل الأعين قال : فما مثل رسول الله صلى الله عليه وسلم قبل ولا بعد . قال : " نهى عن المثلة , وقال : ولا تمثلوا بشيء " قال : فكان أنس بن مالك يقول ذلك , غير أنه قال : أحرقهم بالنار بعد ما قتلهم . قال : وبعضهم يقول : هم ناس من بني سليم , ومنهم من عرينة وناس من بجيلة ذكر من قال ذلك 9220 - حدثني محمد بن خلف , قال : ثنا الحسن بن هناد , عن عمرو بن هاشم , عن موسى بن عبيد , عن محمد بن إبراهيم , عن جرير , قال : قدم على النبي صلى الله عليه وسلم قوم من عرينة حفاة مضرورين , فأمر بهم رسول الله صلى الله عليه وسلم , فلما صحوا واشتدوا قتلوا رعاء اللقاح , ثم خرجوا باللقاح عامدين بها إلى أرض قومهم . قال جرير : فبعثني رسول الله صلى الله عليه وسلم . في نفر من المسلمين حتى أدركناهم بعد ما أشرفوا على بلاد قومهم , فقدمنا بهم على رسول الله صلى الله عليه وسلم , فقطع أيديهم وأرجلهم من خلاف , وسمل أعينهم , وجعلوا يقولون : الماء ! ورسول الله صلى الله عليه وسلم يقول : " النار " حتى هلكوا . قال : وكره الله سمل الأعين , فأنزل هذه الآية : إنما جزاء الذين يحاربون الله ورسوله إلى آخر الآية 9221 - حدثني يونس , قال : أخبرنا ابن وهب , قال : أخبرني ابن لهيعة , عن أبي الأسود محمد بن عبد الرحمن , عن عروة بن الزبير . وحدثني يونس , قال : أخبرنا ابن وهب , قال : أخبرني يحيى بن عبد الله بن سالم , وسعيد بن عبد الرحمن , وابن سمعان , عن هشام بن عروة , عن أبيه , قال : أغار ناس من عرينة على لقاح رسول الله صلى الله عليه وسلم , فاستاقوها وقتلوا غلاما له فيها , فبعث في آثارهم فأخذوا , فقطع أيديهم وأرجلهم وسمل أعينهم . 9222 - حدثني يونس , قال : أخبرنا ابن وهب , قال : أخبرني عمرو بن الحارث , عن سعيد بن أبي هلال عن أبي الزناد , عن عبد الله بن عبد الله , عن عبد الله بن عمر - أو عمرو , شك يونس - عن رسول الله صلى الله عليه وسلم بذلك , ونزلت فيهم آية المحاربة . 9223 - حدثنا علي بن سهل , قال : ثنا الوليد بن مسلم , قال : ثنا الأوزاعي , عن يحيى بن أبي كثير , عن أبي قلابة , عن أنس , قال : قدم ثمانية نفر من عكل على رسول الله صلى الله عليه وسلم , فأسلموا , ثم اجتووا المدينة , فأمرهم رسول الله صلى الله عليه وسلم أن يأتوا إبل الصدقة فيشربوا من أبوالها وألبانها , ففعلوا , فقتلوا رعاتها , واستاقوا الإبل . فأرسل رسول الله صلى الله عليه وسلم في أثرهم قافة , فأتي بهم , فقطع أيديهم وأرجلهم , وتركهم فلم يحسمهم حتى ماتوا . 9224 - حدثنا علي , قال : ثنا الوليد , قال : ثني سعيد , عن قتادة , عن أنس , قال : . كانوا أربعة نفر من عرينة وثلاثة من عكل , فلما أتي بهم قطع أيديهم وأرجلهم وسمل أعينهم ولم يحسمهم , وتركهم يتلقمون الحجارة بالحرة , فأنزل الله جل وعز في ذلك : إنما جزاء الذين يحاربون الله ورسوله الآية . 9225 - حدثني علي , قال : ثنا الوليد , عن ابن لهيعة , عن يزيد بن أبي حبيب أن عبد الملك بن مروان كتب إلى أنس يسأله عن هذه الآية , فكتب إليه أنس يخبره أن هذه الآية نزلت في أولئك النفر العرنيين , وهم من بجيلة , قال أنس : فارتدوا عن الإسلام , وقتلوا الراعي , واستاقوا الإبل , وأخافوا السبيل , وأصابوا الفرج الحرام . 9226 - حدثني موسى بن هارون , قال : ثنا عمرو بن حماد , قال : ثنا أسباط , عن السدي : إنما جزاء الذين يحاربون الله ورسوله ويسعون في الأرض فسادا قال : أنزلت في سودان عرينة , قال : أتوا رسول الله صلى الله عليه وسلم وبهم الماء الأصفر , فشكوا ذلك إليه , فأمرهم فخرجوا إلى إبل رسول الله صلى الله عليه وسلم من الصدقة , فقال : " اشربوا من ألبانها وأبوالها " . فشربوا من ألبانها وأبوالها , حتى إذا صحوا وبرءوا , قتلوا الرعاة واستاقوا الإبل . وأولى الأقوال في ذلك عندي أن يقال : أنزل الله هذه الآية على نبيه صلى الله عليه وسلم معرفة حكمه على من حارب الله ورسوله وسعى في الأرض فسادا , بعد الذي كان من فعل رسول الله صلى الله عليه وسلم بالعرنيين ما فعل وإنما قلنا ذلك أولى الأقوال بالصواب في ذلك ; لأن القصص التي قصها الله جل وعز قبل هذه الآية وبعدها من قصص بني إسرائيل وأنبائهم , فأن يكون ذلك متوسطا منه يعرف الحكم فيهم وفي نظرائهم أولى وأحق . وقلنا : كان نزول ذلك بعد الذي كان من فعل رسول الله صلى الله عليه وسلم بالعرنيين ما فعل لتظاهر الأخبار عن أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم بذلك . وإذ كان ذلك أولى بالآية لما وصفنا , فتأويلها : من أجل ذلك كتبنا على بني إسرائيل أنه من قتل نفسا بغير نفس أو سعى بفساد في الأرض فكأنما قتل الناس جميعا , ومن أحياها فكأنما أحيا الناس جميعا , ولقد جاءتهم رسلنا بالبينات , ثم إن كثيرا منهم بعد ذلك في الأرض لمسرفون , يقول : لساعون في الأرض بالفساد , وقاتلو النفوس بغير نفس وغير سعي في الأرض بالفساد حربا لله ولرسوله , فمن فعل ذلك منهم يا محمد , فإنما جزاؤه أن يقتلوا أو يصلبوا أو تقطع أيديهم وأرجلهم من خلاف أو ينفوا من الأرض . فإن قال لنا قائل : وكيف يجوز أن تكون الآية نزلت في الحال التي ذكرت من حال نقض كافر من بني إسرائيل عهده , ومن قولك إن حكم هذه الآية حكم من الله في أهل الإسلام دون أهل الحرب من المشركين ؟ قيل : جاز أن يكون ذلك كذلك ; لأن حكم من حارب الله ورسوله وسعى في الأرض فسادا من أهل ذمتنا وملتنا واحد , والذين عنوا بالآية كانوا أهل عهد وذمة , وإن كان داخلا في حكمها كل ذمي وملي , وليس يبطل بدخول من دخل في حكم الآية من الناس أن يكون صحيحا نزولها فيمن نزلت فيه . وقد اختلف أهل العلم في نسخ حكم النبي صلى الله عليه وسلم في العرنيين , فقال بعضهم : ذلك حكم منسوخ , نسخه نهيه عن المثلة بهذه الآية , أعني بقوله : إنما جزاء الذين يحاربون الله ورسوله ويسعون في الأرض فسادا الآية , وقالوا : أنزلت هذه الآية عتابا لرسول الله صلى الله عليه وسلم فيما فعل بالعرنيين . وقال بعضهم : بل فعل النبي صلى الله عليه وسلم بالعرنيين حكم ثابت في نظرائهم أبدا , لم ينسخ ولم يبدل . وقوله : إنما جزاء الذين يحاربون الله ورسوله الآية , حكم من الله فيمن حارب وسعى في الأرض فسادا بالحرابة . قالوا : والعرنيون ارتدوا وقتلوا وسرقوا وحاربوا الله ورسوله , فحكمهم غير حكم المحارب الساعي في الأرض بالفساد من أهل الإسلام والذمة . وقال آخرون : لم يسمل النبي صلى الله عليه وسلم أعين العرنيين , ولكنه كان أراد أن يسمل , فأنزل الله جل وعز هذه الآية على نبيه صلى الله عليه وسلم يعرفه الحكم فيهم ونهاه عن سمل أعينهم . ذكر القائلين ما وصفنا : 9227 - حدثني علي بن سهل , قال : ثنا الوليد بن مسلم , قال : ذاكرت الليث بن سعد ما كان من سمل رسول الله صلى الله عليه وسلم أعينهم وتركه حسمهم حتى ماتوا , فقال : سمعت محمد بن عجلان يقول : أنزلت هذه الآية على رسول الله صلى الله عليه وسلم معاتبة في ذلك , وعلمه عقوبة مثلهم من القطع والقتل والنفي , ولم يسمل بعدهم غيرهم . قال : وكان هذا القول ذكر لأبي عمرو , فأنكر أن تكون نزلت معاتبة , وقال : بلى كانت عقوبة أولئك النفر بأعيانهم , ثم نزلت هذه الآية في عقوبة غيرهم من حارب بعدهم فرفع عنهم السمل 9228 - حدثني محمد بن الحسين , قال : ثني أحمد بن مفضل , قال : ثنا أسباط , عن السدي , قال : فبعث رسول الله صلى الله عليه وسلم , فأتي بهم - يعني العرنيين - فأراد أن يسمل أعينهم , فنهاه الله عن ذلك , وأمره أن يقيم فيهم الحدود كما أنزلها الله عليه واختلف أهل العلم في المستحق اسم المحارب لله ورسوله الذي يلزمه حكم هذه , فقال بعضهم : هو اللص الذي يقطع الطريق . ذكر من قال ذلك : 9229 - حدثنا الحسن بن يحيى , قال : أخبرنا عبد الرزاق , قال : أخبرنا معمر , عن قتادة , عن عطاء الخراساني في قوله : إنما جزاء الذين يحاربون الله ورسوله ويسعون في الأرض فسادا الآية , قالا : هذا هو اللص الذي يقطع الطريق , فهو محارب . وقال آخرون : هو اللص المجاهر بلصوصيته , المكابر في المصر وغيره . وممن قال ذلك الأوزاعي . 9230 - حدثنا بذلك العباس عن أبيه عنه , وعن مالك والليث بن سعد وابن لهيعة . 9231 - حدثني علي بن سهل , قال : ثنا الوليد بن مسلم , قال : قلت لمالك بن أنس : تكون محاربة في المصر ؟ قال : نعم , والمحارب عندنا من حمل السلاح على المسلمين في مصر أو خلاء , فكان ذلك منه على غير نائرة كانت بينهم ولا ذحل ولا عداوة , قاطعا للسبيل والطريق والديار , مخيفا لهم بسلاحه , فقتل أحدا منهم قتله الإمام كقتله المحارب ليس لولي المقتول فيه عفو ولا قود . 9232 - حدثني علي , قال : ثنا الوليد , قال : سألت عن ذلك الليث بن سعد وابن لهيعة , قلت : تكون المحاربة في دور المصر والمدائن والقرى ؟ فقالا : نعم , إذا هم دخلوا عليهم بالسيوف علانية , أو ليلا بالنيران . قلت : فقتلوا أو أخذوا المال ولم يقتلوا ؟ فقال : نعم هم المحاربون , فإن قتلوا قتلوا , وإن لم يقتلوا وأخذوا المال قطعوا من خلاف إذا هم خرجوا به من الدار , ليس من حارب المسلمين في الخلاء والسبيل بأعظم من محاربة من حاربهم في حريمهم ودورهم . 9233 - حدثني علي , قال : ثنا الوليد , قال : قال أبو عمرو : وتكون المحاربة في المصر شهر على أهله بسلاحه ليلا أو نهارا . قال علي : قال الوليد : وأخبرني مالك أن قتل الغيلة عنده بمنزلة المحاربة . قلت : وما قتل الغيلة ؟ قال : هو الرجل يخدع الرجل والصبي , فيدخله بيتا أو يخلو به فيقتله ويأخذ ماله , فالإمام ولي قتل هذا , وليس لولي الدم والجرح قود ولا قصاص . وهو قول الشافعي . حدثنا بذلك عنه الربيع . وقال آخرون : المحارب : هو قاطع الطريق ; فأما المكابر في الأمصار فليس بالمحارب الذي له حكم المحاربين . وممن قال ذلك أبو حنيفة وأصحابه . 9234 - حدثنا القاسم , قال : ثنا الحسين , قال : ثنا بشر بن المفضل , عن داود بن أبي هند , قال : تذاكرنا المحارب ونحن عند ابن هبيرة في ناس من أهل البصرة , فاجتمع رأيهم أن المحارب ما كان خارجا من المصر . وقال مجاهد بما : . 9235 - حدثني القاسم , قال : ثنا الحسين , قال : ثنا حجاج , عن ابن جريج , عن مجاهد في قوله : إنما جزاء الذين يحاربون الله ورسوله ويسعون في الأرض فسادا قال : الزنا والسرقة , وقتل الناس , وإهلاك الحرث والنسل . * - حدثنا ابن حميد , قال : ثنا حكام , عن عنبسة , عن محمد بن عبد الرحمن , عن القاسم بن أبي بزة , عن مجاهد : ويسعون في الأرض فسادا قال : الفساد : القتل , والزنا , والسرقة . وأولى هذه الأقوال عندي بالصواب , قول من قال : المحارب لله ورسوله من حارب في سابلة المسلمين وذمتهم , والمغير عليهم في أمصارهم وقراهم حرابة . وإنما قلنا ذلك أولى الأقوال بالصواب ; لأنه لا خلاف بين الحجة أن من نصب حربا للمسلمين على الظلم منه لهم أنه لهم محارب , ولا خلاف فيه . فالذي وصفنا صفته , لا شك فيه أنه لهم مناصب حربا ظلما . وإذ كان ذلك كذلك , فسواء كان نصبه الحرب لهم في مصرهم وقراهم أو في سبلهم وطرقهم في أنه لله ولرسوله محارب بحربه من نهاه الله ورسوله عن حربه .ويسعون في الأرض فساداالقول في تأويل قوله تعالى : ويسعون في الأرض فسادا فإنه يعني : يعملون في أرض الله بالمعاصي من إخافة سبل عباده المؤمنين به , أو سبل ذمتهم وقطع طرقهم , وأخذ أموالهم ظلما وعدوانا , والتوثب على حرمهم فجورا وفسوقا .أن يقتلوا أو يصلبوا أو تقطع أيديهم وأرجلهم من خلاف أو ينفوا من الأرضالقول في تأويل قوله تعالى : أن يقتلوا أو يصلبوا أو تقطع أيديهم وأرجلهم من خلاف أو ينفوا من الأرض يقول تعالى ذكره : ما للذي حارب الله ورسوله وسعى في الأرض فسادا من أهل ملة الإسلام أو ذمتهم إلا بعض هذه الخلال التي ذكرها جل ثناؤه . ثم اختلف أهل التأويل في هذه الخلال أتلزم المحارب باستحقاقه اسم المحاربة , أم يلزمه ما لزمه من ذلك على قدر جرمه مختلفا باختلاف أجرامه ؟ فقال بعضهم : يلزمه ما لزمه من ذلك على قدر جرمه , مختلفا باختلاف أجرامه ذكر من قال ذلك : 9236 - حدثني محمد بن سعد , قال : ثني أبي , قال : ثني عمي , قال : ثني أبي . عن أبيه , عن ابن عباس , قوله : إنما جزاء الذين يحاربون الله ورسوله إلى قوله : أو ينفوا من الأرض قال : إذا حارب فقتل , فعليه القتل إذا ظهر عليه قبل توبته . وإذا حارب وأخذ المال وقتل , فعليه الصلب إن ظهر عليه قبل توبته . وإذا حارب وأخذ ولم يقتل , فعليه قطع اليد والرجل من خلاف إن ظهر عليه قبل توبته . وإذا حارب وأخاف السبيل , فإنما عليه النفي . 9237 - حدثنا ابن وكيع وأبو السائب , قالا : ثنا ابن إدريس , عن أبيه , عن حماد , عن إبراهيم : إنما جزاء الذين يحاربون الله ورسوله قال : إذا خرج فأخاف السبيل وأخذ المال , قطعت يده ورجله من خلاف . وإذا أخاف السبيل ولم يأخذ المال وقتل , صلب . * - حدثنا ابن حميد , قال : ثنا جرير , عن مغيرة , عن حماد , عن إبراهيم - فيما أرى - في الرجل يخرج محاربا , قال : إن قطع الطريق وأخذ المال قطعت يده ورجله , وإن أخذ المال وقتل قتل , وإن أخذ المال وقتل ومثل : صلب . 9238 - حدثنا ابن وكيع , قال : ثنا أبي , عن عمران بن حدير , عن أبي مجلز : إنما جزاء الذين يحاربون الله ورسوله الآية . قال : إذا قتل وأخذ المال وأخاف السبيل صلب , وإذا قتل لم يعد ذلك قتل , إذا أخذ المال لم يعد ذلك قطع , وإذا كان يفسد نفي . 9239 - حدثني المثنى , قال ثنا الحماني , قال ثنا شريك , عن سماك , عن الحسن : إنما جزاء الذين يحاربون الله ورسوله إلى قوله : أو ينفوا من الأرض قال : إذا أخاف الطريق ولم يقتل ولم يأخذ المال نفي . 9240 - حدثنا المثنى , قال : ثنا عمرو بن عون , قال : أخبرنا هشيم , عن حصين , قال : كان يقال : من حارب فأخاف السبيل وأخذ المال ولم يقتل : قطعت يده ورجله من خلاف . وإذا أخذ المال وقتل : صلب . 9241 - حدثنا بشر , قال : ثنا يزيد , قال : ثنا سعيد , عن قتادة , أنه كان يقول في قوله : إنما جزاء الذين يحاربون الله ورسوله إلى قوله : أو ينفوا من الأرض حدود أربعة أنزلها الله . فأما من أصاب الدم والمال جميعا : صلب ; وأما من أصاب الدم وكف عن المال : قتل ; ومن أصاب المال وكف عن الدم : قطع ; ومن لم يصب شيئا من هذا : نفي . 9242 - حدثنا محمد بن الحسين , قال : ثنا أحمد بن مفضل , قال : ثنا أسباط , عن السدي . قال : نهى الله نبيه عليه الصلاة والسلام عن أن يسمل أعين العرنيين الذين أغاروا على لقاحه , وأمره أن يقيم فيهم الحدود كما أنزلها الله عليه . فنظر إلى من أخذ المال ولم يقتل فقطع يده ورجله من خلاف , يده اليمنى ورجله اليسرى . ونظر إلى من قتل ولم يأخذ مالا فقتله . ونظر إلى من أخذ المال وقتل فصلبه . وكذلك ينبغي لكل من أخاف طريق المسلمين وقطع أن يصنع به إن أخذ وقد أخذ مالا قطعت يده بأخذه المال رجله بإخافة الطريق , وإن قتل ولم يأخذ مالا قتل , وإن قتل وأخذ المال : صلب . 9243 - حدثني الحارث , قال : ثنا عبد العزيز , قال : ثنا فضيل بن مرزوق , قال سمعت السدي يسأل عطية العوفي , عن رجل محارب خرج , فأخذ ولم يصب مالا ولم يهرق دما . قال : النفي بالسيف ; وإن أخذ مالا فيده بالمال ورجله بما أخاف المسلمين ; وإن هو قتل ولم يأخذ مالا : قتل ; وإن هو قتل وأخذ المال : صلب . وأكبر ظني أنه قال : تقطع يده ورجله . 9244 - حدثنا الحسن بن يحيى , قال : أخبرنا عبد الرزاق , قال : أخبرنا معمر , عن عطاء الخراساني وقتادة في قوله : إنما جزاء الذين يحاربون الله ورسوله الآية , قال : هذا اللص الذي يقطع الطريق , فهو محارب . فإن قتل وأخذ مالا : صلب ; وإن قتل , ولم يأخذ مالا : قتل ; وإن أخذ مالا ولم يقتل : قطعت يده ورجله ; وإن أخذ قبل أن يفعل شيئا من ذلك : نفي . 9245 - حدثني المثنى , قال : ثنا أبو حذيفة , قال : ثنا شبل , عن قيس بن سعد , عن سعيد بن جبير , قال : من خرج في الإسلام محاربا لله ورسوله فقتل وأصاب مالا , فإنه يقتل ويصلب ; ومن قتل ولم يصب مالا , فإنه يقتل كما قتل ; ومن أصاب مالا ولم يقتل , فإنه يقطع من خلاف ; وإن أخاف سبيل المسلمين نفي من بلده إلى غيره , لقول الله جل وعز : أو ينفوا من الأرض . 9246 - حدثني المثنى , قال : ثنا إسحاق , قال : ثنا عبد الله بن أبي جعفر , عن أبيه , عن الربيع في قوله : إنما جزاء الذين يحاربون الله ورسوله قال : كان ناس يسعون في الأرض فسادا وقتلوا وقطعوا السبيل , فصلب أولئك . وكان آخرون حاربوا واستحلوا المال ولم يعدوا ذلك , فقطعت أيديهم وأرجلهم . وآخرون حاربوا واعتزلوا ولم يعدوا ذلك , فأولئك أخرجوا من الأرض . 9247 - حدثنا هناد , قال : ثنا أبو أسامة , عن أبي هلال , قال : ثنا قتادة , عن مورق العجلي في المحارب , قال : إن كان خرج فقتل وأخذ المال : صلب ; وإن قتل ولم يأخذ المال : قتل ; وإن كان أخذ المال ولم يقتل : قطع ; وإن كان خرج مشاقا للمسلمين : نفي . 9248 - حدثنا هناد , قال : ثنا أبو معاوية , عن حجاج , عن عطية العوفي , عن ابن عباس , قال : إذا خرج المحارب وأخاف الطريق وأخذ المال : قطعت يده ورجله من خلاف ; فإن هو خرج فقتل وأخذ المال : قطعت يده ورجله من خلاف ثم صلب ; وإن خرج فقتل ولم يأخذ المال : قتل ; وإن أخاف السبيل ولم يقتل ولم يأخذ المال : نفي . 9249 - حدثنا ابن البرقي , قال : ثنا ابن أبي مريم , قال : أخبرنا نافع بن يزيد , قال : ثني أبو صخر , عن محمد بن كعب القرظي ; وعن أبي معاوية , عن سعيد بن جبير في هذه الآية : إنما جزاء الذين يحاربون الله ورسوله ويسعون في الأرض فسادا قالا : إن أخاف المسلمين , فاقتطع المال , ولم يسفك : قطع ; وإذا سفك دما : قتل وصلب ; وإن جمعهما فاقتطع مالا وسفك دما : قطع ثم قتل ثم صلب . كأن الصلب مثلة , وكأن القطع السارق والسارقة فاقطعوا أيديهما , وكأن القتل . النفس بالنفس . وإن امتنع فإن من الحق على الإمام وعلى المسلمين أن يطلبوه حتى يأخذوه فيقيموا عليه حكم كتاب الله , أو ينفوا من الأرض من أرض الإسلام إلى أرض الكفر . واعتل قائلو هذه المقالة لقولهم هذا , بأن قالوا : إن الله أوجب على القاتل القود , وعلى السارق القطع ; وقالوا : قال النبي صلى الله عليه وسلم : " لا يحل دم امرئ مسلم إلا بإحدى ثلاث خلال : رجل قتل فقتل , ورجل زنى بعد إحصان فرجم , ورجل كفر بعد إسلامه " قالوا : فحظر النبي صلى الله عليه وسلم قتل رجل مسلم إلا بإحدى هذه الخلال الثلاث , فإما أن يقتل من أجل إخافته السبيل من غير أن يقتل أو يأخذ مالا , فذلك تقدم على الله ورسوله بالخلاف عليهما في الحكم . قالوا : ومعنى قول من قال : الإمام فيه بالخيار إذا قتل وأخاف السبيل وأخذ المال ; فهنالك خيار الإمام في قولهم بين القتل أو القتل والصلب , أو قطع اليد والرجل من خلاف . وأما صلبه باسم المحاربة من غير أن يفعل شيئا من قتل أو أخذ مال , فذلك ما لم يقله عالم . وقال آخرون : الإمام فيه بالخيار أن يفعل أي هذه الأشياء التي ذكرها الله في كتابه . ذكر من قال ذلك : 9250 - حدثني يعقوب , قال : ثنا هشيم , قال : أخبرنا جويبر , عن عطاء , وعن القاسم بن أبي بزة , عن مجاهد في المحارب : أن الإمام مخير فيه أي ذلك شاء فعل . 9251 - حدثني يعقوب بن إبراهيم , قال : ثنا هشيم , عن عبيدة , عن إبراهيم : الإمام مخير في المحارب , أي ذلك شاء فعل : إن شاء قتل , وإن شاء قطع , وإن شاء نفى , وإن شاء صلب . 9252 - حدثنا ابن حميد , قال : ثنا جرير , عن عاصم , عن الحسن في قوله : إنما جزاء الذين يحاربون الله ورسوله إلى قوله : أو ينفوا من الأرض قال : يأخذ الإمام بأيهما أحب . * - حدثنا سفيان , قال : ثنا أبي , عن سفيان , عن عاصم , عن الحسن : إنما جزاء الذين يحاربون الله ورسوله قال : الإمام مخير فيها . 9253 - حدثنا ابن وكيع , قال : ثنا أبي , عن سفيان , عن ابن جريج , عن عطاء , مثله . 9254 - حدثني المثنى , قال : ثنا أبو حذيفة , قال : ثنا شبل , عن قيس بن سعد , قال : قال عطاء : يصنع الإمام في ذلك ما شاء : إن شاء قتل , أو قطع , أو نفى , لقول الله : أن يقتلوا أو يصلبوا أو تقطع أيديهم وأرجلهم من خلاف أو ينفوا من الأرض فذلك إلى الإمام الحاكم يصنع فيه ما شاء . 9255 - حدثني المثنى , قال : ثنا عبد الله , قال : ثني معاوية , عن علي , عن ابن عباس , قوله : إنما جزاء الذين يحاربون الله ورسوله الآية , قال : من شهر السلاح في فئة الإسلام , وأخاف السبيل , ثم ظفر به وقدر عليه , فإمام المسلمين فيه بالخيار , إن شاء قتله وإن شاء صلبه وإن شاء قطع يده ورجله . 9256 - حدثنا هناد , قال : ثنا أبو أسامة , قال : أخبرنا أبو هلال , قال : أخبرنا قتادة , عن سعيد بن المسيب , أنه قال في المحارب : ذلك إلى الإمام , إذا أخذه يصنع به ما شاء . * - حدثنا هناد , قال : ثنا أبو أسامة , عن أبي هلال , قال : ثنا هارون , عن الحسن في المحارب , قالا : ذاك إلى الإمام يصنع به ما شاء . * - حدثنا هناد , قال : ثنا حفص بن غياث , عن عاصم , عن الحسن : إنما جزاء الذين يحاربون الله ورسوله قال : ذلك إلى الإمام . واعتل قائلو هذه المقالة بأن قالوا : وجدنا العطوف التي بأو في القرآن بمعنى التخيير في كل ما أوجب الله به فرضا منها , وذلك كقوله في كفارة اليمين : فكفارته إطعام عشرة مساكين من أوسط ما تطعمون أهليكم أو كسوتهم أو تحرير رقبة , وكقوله : فمن كان منكم مريضا أو به أذى من رأسه ففدية من صيام أو صدقة أو نسك , وكقوله : فجزاء مثل ما قتل من النعم يحكم به ذوا عدل منكم هديا بالغ الكعبة أو كفارة طعام مساكين أو عدل ذلك صياما قالوا : فإذا كانت العطوف التي بأو في القرآن في كل ما أوجب الله به فرضا منها في سائر القرآن بمعنى التخيير , فكذلك ذلك في آية المحاربين الإمام مخير فيما رأى الحكم به على المحارب إذا قدر عليه قبل التوبة . وأولى التأويلين بالصواب في ذلك عندنا تأويل من أوجب على المحارب من العقوبة على قدر استحقاقه وجعل الحكم على المحاربين مختلفا باختلاف أفعالهم , فأوجب على مخيف السبيل منهم إذا قدر عليه قبل التوبة وقبل أخذ مال أو قتل : النفي من الأرض ; و إذا قدر عليه بعد أخذ المال وقتل النفس المحرم قتلها : الصلب ; لما ذكرت من العلة قبل لقائلي هذه المقالة . فأما ما اعتل به القائلون : إن الإمام فيه بالخيار من أن " أو " في العطف تأتي بمعنى التخيير في الفرض , فنقول : لا معنى له ; لأن " أو " في كلام العرب قد تأتي بضروب من المعاني لولا كراهة إطالة الكتاب بذكرها لذكرتها , وقد بينت كثيرا من معانيها فيما مضى وسنأتي على باقيها فيما يستقبل في أماكنها إن شاء الله . فأما في هذا الموضع فإن معناها : التعقيب , وذلك نظير قول القائل : إن جزاء المؤمنين عند الله يوم القيامة أن يدخلهم الجنة , أو يرفع منازلهم في عليين , أو يسكنهم مع الأنبياء والصديقين . فمعلوم أن قائل ذلك غير قاصد بقيله إلى أن جزاء كل مؤمن آمن بالله ورسوله , فهو في مرتبة واحدة من هذه المراتب ومنزلة واحدة من هذه المنازل بإيمانه , بل المعقول عنه أن معناه : أن جزاء المؤمن لم يخلو عند الله من بعض هذه المنازل , فالمقتصد منزلته دون منزلة السابق بالخيرات , والسابق بالخيرات أعلى منه منزلة , والظالم لنفسه دونهما , وكل في الجنة كما قال جل ثناؤه : جنات عدن يدخلونها فكذلك معنى العطوف بأو في قوله : إنما جزاء الذين يحاربون الله ورسوله الآية , إنما هو التعقيب . فتأويله : إن الذي يحارب الله ورسوله , ويسعى في الأرض فسادا , لن يخلو من أن يستحق الجزاء بإحدى هذه الخلال الأربع التي ذكرها الله عز ذكره , لا أن الإمام محكم فيه , ومخير في أمره كائنة ما كانت حالته , عظمت جريرته أو خفت ; لأن ذلك لو كان كذلك لكان للإمام قتل من شهر السلاح مخيفا السبيل وصلبه , وإن لم يأخذ مالا ولا قتل أحدا , وكان له نفي من قتل وأخذ المال وأخاف السبيل . وذلك قول إن قاله قائل خلاف ما صحت به الآثار عن رسول الله صلى الله عليه وسلم من قوله : " لا يحل دم امرئ مسلم إلا بإحدى ثلاث : رجل قتل رجلا فقتل , أو زنى بعد إحصان فرجم , أو ارتد عن دينه " وخلاف قوله : " القطع في ربع دينار فصاعدا " وغير المعروف من أحكامه . فإن قال قائل : فإن هذه الأحكام التي ذكرت كانت عن رسول الله صلى الله عليه وسلم في غير المحارب , وللمحارب حكم غير ذلك منفرد به ؟ قيل له : فما الحكم الذي انفرد به المحارب في سننه , فإن ادعى عنه صلى الله عليه وسلم حكما خلاف الذي ذكرنا , أكذبه جميع أهل العلم ; لأن ذلك غير موجود بنقل واحد ولا جماعة , وإن زعم أن ذلك الحكم هو ما في ظاهر الكتاب . قيل له : فإن أحسن حالاتك أن يسلم لك أن ظاهر الآية قد يحتمل ما قلت , وما قاله من خالفك فما برهانك على أن تأويلك أولى بتأويل الآية من تأويله . وبعد : فإذا كان الإمام مخيرا في الحكم على المحارب من أجل أن " أو " بمعنى التخيير في هذا الموضع عندك , أفله أن يصلبه حيا ويتركه على الخشبة مصلوبا حتى يموت من غير قتله ؟ فإن قال : ذلك له , خالف في ذلك الأمة . وإن زعم أن ذلك ليس له , وإنما له قتله ثم صلبه أو صلبه ثم قتله , ترك علته من أن الإمام إنما كان له الخيار في الحكم على المحارب من أجل أن " أو " تأتي بمعنى التخيير , وقيل له : فكيف كان له الخيار في القتل أو النفي أو القطع ولم يكن له الخيار في الصلب وحده , حتى تجمع إليه عقوبة أخرى ؟ وقيل له : هل بينك وبين من جعل الخيار حيث أبيت وأبى ذلك حيث جعلته له , فرق من أصل أو قياس ؟ فلن يقول في أحدهما قولا إلا ألزم في الآخر مثله . وقد روي عن رسول الله صلى الله عليه وسلم بتصحيح ما قلنا في ذلك بما في إسناده نظر . وذلك ما 9257 - حدثنا به علي بن سهل , قال : ثنا الوليد بن مسلم , عن ابن لهيعة , عن يزيد بن أبي حبيب : أن عبد الملك بن مروان كتب إلى أنس بن مالك يسأله عن هذه الآية , فكتب إليه أنس يخبره أن هذه الآية نزلت في أولئك النفر العرنيين , وهم من بجيلة . قال أنس : فارتدوا عن الإسلام , وقتلوا الراعي , وساقوا الإبل , وأخافوا السبيل , وأصابوا الفرج الحرام . قال أنس : فسأل رسول الله صلى الله عليه وسلم جبريل عليه السلام عن القضاء فيمن حارب , فقال : " من سرق وأخاف السبيل فاقطع يده بسرقته ورجله بإخافته . ومن قتل فاقتله . ومن قتل وأخاف السبيل واستحل الفرج الحرام فاصلبه " . وأما قوله : أو تقطع أيديهم وأرجلهم من خلاف فإنه يعني جل ثناؤه : أنه تقطع أيديهم مخالفا في قطعها قطع أرجلهم , وذلك أن تقطع أيمن أيديهم وأشمل أرجلهم , فذلك الخلاف بينهما في القطع . ولو كان مكان " من " في هذا الموضع " على " أو الباء , فقيل : أو تقطع أيديهم وأرجلهم خلاف أو بخلاف , لأديا عما أدت عنه " من " من المعنى . واختلف أهل التأويل في معنى النفي الذي ذكر الله في هذا الموضع . فقال بعضهم : هو أن يطلب حتى يقدر عليه , أو يهرب من دار الإسلام . ذكر من قال ذلك : 9258 - حدثني محمد بن الحسين , قال : ثنا أحمد بن مفضل , قال : ثنا أسباط , عن السدي , قوله : أو ينفوا من الأرض قال : يطلبهم الإمام بالخيل والرجال حتى يأخذهم , فيقيم فيهم الحكم , أو ينفوا من أرض المسلمين . 9259 - حدثني محمد بن سعد , قال : ثني أبي , قال : ثني عمي , قال : ثني أبي , عن أبيه , عن ابن عباس قال : نفيه : أن يطلب . 9260 - حدثني المثنى , قال : ثنا عبد الله , قال : ثني معاوية , عن علي بن أبي طلحة , عن ابن عباس : أو ينفوا من الأرض يقول : أو يهربوا حتى يخرجوا من دار الإسلام إلى دار الحرب . 9261 - حدثني علي بن سهل , قال : ثنا الوليد بن مسلم , قال : أخبرني عبد الله بن لهيعة , عن يزيد بن أبي حبيب , عن كتاب أنس بن مالك , إلى عبد الملك بن مروان : أنه كتب إليه : " ونفيه : أن يطلبه الإمام حتى يأخذه , فإذا أخذه أقام عليه إحدى هذه المنازل التي ذكر الله جل وعز بما استحل " . 9262 - حدثني علي بن سهل , قال : ثنا الوليد , قال : فذكرت ذلك لليث بن سعد , فقال : نفيه : طلبه من بلد إلى بلد حتى يؤخذ , أو يخرجه طلبه من دار الإسلام إلى دار الشرك والحرب , إذا كان محاربا مرتدا عن الإسلام . قال الوليد : وسألت مالك بن أنس , فقال مثله . 9263 - حدثني علي , قال : ثنا الوليد , قال : قلت لمالك بن أنس والليث بن سعد : . وكذلك يطلب المحارب المقيم على إسلامه , يضطره بطلبه من بلد إلى بلد حتى يصير إلى ثغر من ثغور المسلمين , أو أقصى جوار المسلمين , فإن هم طلبوه دخل دار الشرك ؟ قالا : لا يضطر مسلم إلى ذلك . 9264 - حدثنا هناد بن السري , قال : ثنا هشيم , عن جويبر , عن الضحاك : أو ينفوا من الأرض قال : أن يطلبوه حتى يعجزوا . * - حدثت عن الحسين بن الفرج , قال : سمعت أبا معاذ يقول : ثني عبيد بن سليمان , قال : سمعت الضحاك يقول , فذكر نحوه . 9265 - حدثنا ابن وكيع , قال : ثنا حفص بن غياث , عن عاصم , عن الحسن : أو ينفوا من الأرض قال : ينفى حتى لا يقدر عليه . 9266 - حدثني المثنى , قال : ثنا إسحاق , قال : ثنا عبد الله , عن أبيه عن الربيع بن أنس في قوله : أو ينفوا من الأرض قال : أخرجوا من الأرض أينما أدركوا , أخرجوا حتى يلحقوا بأرض العدو . 9267 - حدثنا الحسن , قال : ثنا عبد الرزاق , قال : ثنا معمر , عن الزهري في قوله : أو ينفوا من الأرض قال : نفيه : أن يطلب فلا يقدر عليه , كلما سمع به في أرض طلب . 9268 - حدثني علي بن سهل , قال : ثنا الوليد بن مسلم , قال : أخبرني سعيد , عن قتادة : أو ينفوا من الأرض قال : إذا لم يقتل ولم يأخذ مالا , طلب حتى يعجز . 9269 - حدثني ابن البرقي , قال : ثنا ابن أبي مريم , قال : أخبرني نافع بن يزيد , قال : ثني أبو صخر , عن محمد بن كعب القرظي , وعن أبي معاوية , عن سعيد بن جبير : أو ينفوا من الأرض من أرض الإسلام إلى أرض الكفر . وقال آخرون : معنى النفي في هذا الموضع : أن الإمام إذا قدر عليه نفاه من بلدته إلى بلدة أخرى غيرها . ذكر من قال ذلك : 9270 - حدثني المثنى , قال : ثنا أبو حذيفة , قال : ثنا شبل , عن ابن أبي نجيح , عن قيس بن سعد , عن سعيد بن جبير : أو ينفوا من الأرض قال : من أخاف سبيل المسلمين نفي من بلده إلى غيره , لقول الله عز وجل : أو ينفوا من الأرض . 9271 - حدثني المثنى , قال : ثنا أبو صالح , قال : ثني الليث , قال : ثني يزيد بن أبي حبيب وغيره , عن حبان بن شريح , أنه كتب إلى عمر بن عبد العزيز في اللصوص , ووصف له لصوصيتهم وحبسهم في السجون , قال : قال الله في كتابه : إنما جزاء الذين يحاربون الله ورسوله ويسعون في الأرض فسادا أن يقتلوا أو يصلبوا أو تقطع أيديهم وأرجلهم من خلاف , وترك : أو ينفوا من الأرض فكتب إليه عمر بن عبد العزيز : أما بعد , فإنك كتبت إلي تذكر قول الله جل وعز : إنما جزاء الذين يحاربون الله ورسوله ويسعون في الأرض فسادا أن يقتلوا أو يصلبوا أو تقطع أيديهم وأرجلهم من خلاف , وتركت قول الله : أو ينفوا من الأرض , فنبي أنت يا حبان ابن أم حبان ! لا تحرك الأشياء عن مواضعها , أتجردت للقتل والصلب كأنك عبد بني عقيل من غير ما أشبهك به ؟ إذا أتاك كتابي هذا فانفهم إلى شغب . * - حدثنا يونس , قال : أخبرنا ابن وهب , قال : ثني الليث , عن يزيد وغيره بنحو هذا الحديث , غير أن يونس قال في حديثه : كأنك عبد بني أبي عقال من غير أن أشبهك به . * - حدثني يونس , قال أخبرنا ابن وهب , قال : أخبرني ابن لهيعة , عن يزيد بن أبي حبيب , أن الصلت كاتب حبان بن شريح , أخبرهم أن حبان كتب إلى عمر بن عبد العزيز : أن ناسا من القبط قامت عليهم البينة بأنهم حاربوا الله ورسوله وسعوا في الأرض فسادا , وأن الله يقول : إنما جزاء الذين يحاربون الله ورسوله ويسعون في الأرض فسادا أن يقتلوا أو يصلبوا أو تقطع أيديهم وأرجلهم من خلاف وسكت عن النفي , وكتب إليه : فإن رأى أمير المؤمنين أن يمضي قضاء الله فيهم , فليكتب بذلك . فلما قرأ عمر بن عبد العزيز كتابه , قال : لقد اجتزأ حبان . ثم كتب إليه إنه قد بلغني كتابك وفهمته , ولقد اجتزأت كأنما كتبت بكتاب يزيد بن أبي مسلم أو علج صاحب العراق من غير أن أشبهك بهما , فكتبت بأول الآية ثم سكت عن آخرها , وإن الله يقول : أو ينفوا من الأرض فإن كانت قامت عليهم البينة بما كتبت به , فاعقد في أعناقهم حديدا , ثم غيبهم إلى شغب وبدا . قال أبو جعفر : شغب وبدا : موضعان . وقال آخرون : معنى النفي من الأرض في هذا الموضع : الحبس , وهو قول أبي حنيفة وأصحابه . وأولى الأقوال في ذلك عندي بالصواب في قول من قال : معنى النفي من الأرض في هذا الموضع : هو نفيه من بلد إلى بلد غيره وحبسه في السجن في البلد الذي نفي إليه , حتى تظهر توبته من فسوقه ونزوعه عن معصيته ربه . وإنما قلت ذلك أولى الأقوال بالصحة ; لأن أهل التأويل اختلفوا في معنى ذلك على أحد الأوجه الثلاثة التي ذكرت . وإذ كان ذلك كذلك , وكان معلوما أن الله جل ثناؤه إنما جعل جزاء المحارب : القتل أو الصلب , أو قطع اليد والرجل من خلاف , بعد القدرة عليه لا في حال امتناعه ; كان معلوما أن النفي أيضا إنما هو جزاؤه بعد القدرة عليه لا قبلها , ولو كان هروبه من الطلب نفيا له من الأرض , كان قطع يده ورجله من خلاف في حال امتناعه وحربه على وجه القتال بمعنى إقامة الحد عليه بعد القدرة عليه . وفي إجماع الجميع أن ذلك لا يقوم مقام نفيه الذي جعله الله عز وجل حدا له بعد القدرة عليه . وإذ كان كذلك , فمعلوم أنه لم يبق إلا الوجهان الآخران , وهو النفي من بلدة إلى أخرى غيرها أو السجن . فإذ كان كذلك , فلا شك أنه إذا نفي من بلدة إلى أخرى غيرها فلم ينف من الأرض , بل إنما نفي من أرض دون أرض . وإذ كان ذلك كذلك , وكان الله جل ثناؤه إنما أمر بنفيه من الأرض , كان معلوما أنه لا سبيل إلى نفيه من الأرض إلا بحبسه في بقعة منها عن سائرها , فيكون منفيا حينئذ عن جميعها , إلا ما لا سبيل إلى نفيه منه . وأما معنى النفي في كلام العرب : فهو الطرد , ومن ذلك قول أوس بن حجر : ينفون عن طرق الكرام كما ينفي المطارق ما يلي القرد ومنه قيل للدراهم الرديئة وغيرها من كل شيء : النفاية . وأما المصدر من نفيت , فإنه النفي والنفاية , ويقال : الدلو ينفي الماء . ويقال لما تطاير من الماء من الدلو النفي , ومنه قول الراجز : كأن متنيه من النفي مواقع الطير على الصفي ومنه قيل : نفى شعره : إذا سقط , يقال : حال لونك ونفى شعرك .ذلك لهم خزي في الدنياالقول في تأويل قوله تعالى : ذلك لهم خزي في الدنيا يعني جل ثناؤه بقوله : ذلك هذا الجزاء الذي جازيت به الذين حاربوا الله ورسوله وسعوا في الأرض فسادا في الدنيا , من قتل , أو صلب , أو قطع يد ورجل من خلاف لهم يعني لهؤلاء المحاربين خزي في الدنيا يقول هو لهم شر وعار وذلة , ونكال وعقوبة في عاجل الدنيا قبل الآخرة , يقال منه : أخزيت فلانا فخزي هو خزيا .ولهم في الآخرة عذاب عظيموقوله : ولهم في الآخرة عذاب عظيم يقول عز ذكره لهؤلاء الذين حاربوا الله ورسوله وسعوا في الأرض فسادا فلم يتوبوا من فعلهم ذلك , حتى هلكوا في الآخرة مع الخزي الذي جازيتهم به في الدنيا , والعقوبة التي عاقبتهم بها فيها عذاب عظيم , يعني : عذاب جهنم .

إِلَّا ٱلَّذِينَ تَابُوا۟ مِن قَبْلِ أَن تَقْدِرُوا۟ عَلَيْهِمْ فَٱعْلَمُوٓا۟ أَنَّ ٱللَّهَ غَفُورٌ رَّحِيمٌ (34)


القول في تأويل قوله عز ذكره : إِلا الَّذِينَ تَابُوا مِنْ قَبْلِ أَنْ تَقْدِرُوا عَلَيْهِمْ فَاعْلَمُوا أَنَّ اللَّهَ غَفُورٌ رَحِيمٌ (34)قال أبو جعفر: اختلف أهل التأويل في تأويل ذلك.فقال بعضهم: معنى ذلك: إلا الذين تابوا من شركهم ومناصَبتهم الحربَ لله ولرسوله والسَّعيِ في الأرض بالفساد، بالإسلام والدخولِ في إلإيمان، من قبل قُدرة المؤمنين عليهم، فإنه لا سبيل للمؤمنين عليهم بشيء من العقوبات التي جعلَها الله جزاء لِمَنْ حارَبه ورسوله وسَعى في الأرض فسادًا، من قتلٍ، أو صلب، أو قطع يد ورجل من خلاف، أو نفي من الأرض= فلا تِباعَةَ قِبَله لأحدٍ فيما كان أصاب في حال كفره وحربه المؤمنين، (103) في مالٍ ولا دم ولا حرمةٍ. قالوا: فأما المسلم إذا حارب المسلمين أو المعاهدين، وأتى بعض ما يجب عليه العقوبة، فلن تضع توبته عنه عقوبةَ ذنبه، بل توبته فيما بينه وبين الله، وعلى الإمام إقامةُ الحدّ الذي أوجبه الله عليه، وأخذُه بحقوق الناس.ذكر من قال ذلك:11872 - حدثنا ابن حميد قال، حدثنا يحيى بن واضح، عن الحسين بن واقد، عن يزيد النحوي، عن عكرمة والحسن البصري قالا قوله: إِنَّمَا جَزَاءُالَّذِينَ يُحَارِبُونَ اللَّهَ وَرَسُولَهُ وَيَسْعَوْنَ فِي الأَرْضِ إلى قوله: " فاعلموا أنّ الله غفور رحيم "، نزلت هذه الآية في المشركين، فمن تاب منهم من قبل أن يُقدر عليه، لم يكن عليه سبيل. وليس تُحْرِز هذه الآية الرجلَ المسلم من الحدِّ إن قتل، أو أفسد في الأرض، أو حارب الله ورسوله، ثم لحق بالكفار قبل أن يُقْدر عليه. ذلك يقام عليه الحدّ الذي أصاب. (104)11873 - حدثنا بشار قال، حدثنا روح بن عبادة قال، حدثنا شبل، عن ابن أبي نجيح، عن مجاهد: " إلا الذين تابوا من قبل أن تقدروا عليهم فاعلموا أن الله غفور رحيم "، قال: هذا لأهل الشرك، إذا فعلوا شيئًا في شركهم، فإن الله غفور رحيمٌ، إذا تابوا وأسْلموا.11874 - حدثني المثنى قال، حدثنا أبو حذيفة قال، حدثنا شبل، عن ابن أبي نجيح، عن مجاهد: إِنَّمَا جَزَاءُ الَّذِينَ يُحَارِبُونَ اللَّهَ وَرَسُولَهُ وَيَسْعَوْنَ فِي الأَرْضِ فَسَادًا الزنا، (105) والسرقة، وقتل النفس، وإهلاك الحرث والنسل=" إلا الذين تابوا من قبل أن تقدروا عليهم "، على عهد الرسول صلى الله عليه وسلم.11875 - حدثني المثنى قال، حدثنا عمرو بن عون قال، أخبرنا هشيم، عن جويبر، عن الضحاك قال: كان قوم بينهم وبين الرَّسول صلى الله عليه وسلم ميثاقٌ، فنقضوا العهدَ وقطعوا السبيل، وأفسدوا في الأرض، فخيرَّ الله نبيَّه صلى الله عليه وسلم فيهم: فإن شاء قتل، وإن شاء صلب، وإن شاء قطع أيديهم وأرجلهم من خلاف. فمن تاب من قبل أن تقدروا عليه، قُبِلَ ذلك منه.11876 - حدثني المثنى قال، حدثنا عبد الله بن صالح قال، حدثني معاوية، عن علي، عن ابن عباس قوله: إِنَّمَا جَزَاءُ الَّذِينَ يُحَارِبُونَ اللَّهَ وَرَسُولَهُ ، الآية= فذكر نحو قول الضحاك، إلا أنه قال: فإن جاء تائبًا فدخل في الإسلام، قُبل منه، ولم يؤاخذ بما سلَف.11877 - حدثنا بشر قال، حدثنا يزيد قال، حدثنا سعيد، عن قتادة: " إلا الذين تابوا من قبل أن تقدروا عليهم "، قال: هذا لأهل الشرك، إذا فعلوا شيئًا من هذا في شركهم، ثم تابوا وأسلموا، فإن الله غفور رحيم.11878 - حدثنا القاسم قال، حدثنا الحسين قال، حدثنا أبو سفيان، عن معمر، عن عطاء الخراساني وقتادة: أما قوله: " إلا الذين تابوا من قبل أن تقدروا عليهم "، فهذه لأهل الشرك. فمن أصاب من المشركين شيئًا من المسلمين وهو لهم حَرْب، فأخذ مالا وأصاب دمًا، ثم تاب قبل أن تقدروا عليه، أُهْدِر عنه ما مَضَى.* * *وقال آخرون: بل هذه الآية معنيٌّ بالحكم بها، المحاربون اللهَ ورسوله: الحُرَّابُ من أهل الإسلام، (106) من قطع منهم الطريق وهو مقيم على إسلامه، ثم استأمن فأُومن على جناياته التي جناها، وهو للمسلمين حرب= ومَن فعل ذلك منهم مرتدًّا عن الإسلام، (107) ثم لحق بدار الحرب، ثم استأمن فأومن. قالوا: فإذا أمَّنه الإمام على جناياته التي سلفت، لم يكن قِبَله لأحد تَبِعة في دمٍ ولا مالٍ أصابه قبل توبته، وقبلَ أمان الإمام إيَّاه.ذكر من قال ذلك:11879 - حدثني علي بن سهل قال، حدثنا الوليد قال، أخبرني أبو أسامة، عن أشعث بن سوار، عن عامر الشعبي: أن حارثة بن بَدْرٍ خرج محاربًا، فأخاف السبيل، وسفَك الدمَ، وأخذ الأموال، ثم جاء تائبًا من قبل أن يُقْدرَ عليه، فقبل علي بن أبي طالب عليه السلام توبته، وجعل له أمانًا منشورًا على ما كان أصاب من دٍم أو مال.11880 - حدثني المثنى قال، حدثنا عمرو بن عون قال، أخبرنا هشيم، عن مجالد، عن الشعبي: أن حارثة بن بدرٍ حاربَ في عهد علي بن أبي طالب، فأتى الحسن بن علي رضوان الله عليهما، فطلبَ إليه أن يستأمن له من عليّ، فأبى. ثم أتى ابن جعفر، فأبى عليه. (108) فأتى سعيد بن قيس الهمداني فأمَّنه، وضمّه إليه. وقال له: استأمِنْ لِي أميرَ المؤمنين علي بن أبي طالب. (109) قال: فلما صلى عليٌّ الغداة، (110) أتاه سَعيد بن قيس فقال: يا أمير المؤمنين، ما جزاء الذين يحارِبون الله ورسوله؟ قال: أن يقتَّلوا، أو يصلبوا، أو تقطّع أيديهم وأرجلهم من خلاف، أو ينفوا من الأرض. قال: ثم قال: " إلا الذين تابوا من قبل أن تقدروا عليهم ". قال سعيد: وإن كان حارثة بن بدر؟ قال: وإن كان حارثة بن بدر! قال: فهذا حارثة بن بدر قد جاء تائبًا، فهو آمن؟ قال: نعم! قال: فجاء به فبايعه، وقبل ذلك منه، وكتب له أمانًا.11881 - حدثني المثنى قال، حدثنا إسحاق قال، حدثنا عبد الرحمن بن مغراء، عن مجالد، عن الشعبي قال: كان حارثة بن بدر قد أفسد في الأرض وحارب، ثم تاب. وكُلِّم له عليّ فلم يُؤْمنه. فأتى سعيدَ بن قيس فكلّمه، فانطلق سعيدُ بن قيس إلى علي فقال: يا أمير المؤمنين، ما تقولُ فيمن حارب الله ورسوله؟ =فقرأ الآية كلها= فقال: أرأيت من تابَ من قبل أن تقدِر عليه؟ قال: أقول كما قال الله. قال: فإنه حارثة بن بدر! قال: فأمَّنه علي، فقال حارثة:أَلا أَبْلِغَا هَمْدَانَ إِمَّا لَقِيتَهاعَلَى النَّأيِ لا يَسْلَمْ عَدُوٌّ يَعِيبُهَالَعَمْرُ أَبِيهَا إنَّ هَمَدَانَ تَتَّقِيالإلهَ وَيَقْضِي بِالْكِتَابِ خَطِيبُهَا (111)11882- حدثني محمد بن الحسين قال، حدثنا أحمد بن مفضل قال، حدثنا أسباط، عن السدي قوله: " إلا الذين تابوا من قبل أن تقدروا عليهم "، وتوبته من قبل أن يُقْدر عليه: أن يكتُب إلى الإمام يَستأمنه على ما قَتل وأفسدَ في الأرض: " فإن لم يؤمني على ذلك، ازددت فسادًا وقتلا وأخذًا للأموال أكثر مما فعلت ذلك قبل ". فعلى الإمام من الحقّ أن يؤمنه على ذلك. فإذا أمّنه الإمام جاء حتى يضع يده في يد الإمام، فليس لأحد من الناس أن يتّبِعه، ولا يأخذه بدَم سفكه، ولا مال أخذه. وكل مالٍ كان له فهو له، لكيلا يقتل المؤمنين أيضًا ويفسد. فإذا رجع إلى الله جل وعزّ فهو وليُّه، يأخذه بما صنع، وتوبته فيما بينه وبين الإمام والناس. فإذا أخذه الإمام، وقد تابَ فيما يزعُم إلى الله جل ثناؤه قبل أن يُؤمنه الإمام، فليقم عليه الحدّ.11883 - حدثنا علي بن سهل قال، حدثنا الوليد بن مسلم، عن سعيد بن عبد العزيز، أخبرني مكحول، أنه قال: (112) إذا أعطاه الإمام أمانًا، فهو آمن، ولا يقام عليه حدُّ ما كان أصاب.* * *وقال آخرون: معنى ذلك: كلُّ من جاء تائبًا من الحُرَّاب قبل القُدْرة عليه، (113) استأمن الإمام فأمَّنه أو لم يستأمنه، بعدَ أن يجيء مستسلمًا تاركًا للحرب.ذكر من قال ذلك:11884 - حدثني المثنى قال، حدثنا إسحاق قال، حدثنا محمد بن فضيل، عن أشعث، عن عامر قال: جاء رجل من مُرادٍ إلى أبي موسى، وهو على الكوفة في إمرة عثمان، بعد ما صلَّى المكتوبة فقال: يا أبا موسى، هذا مَقَام العائذِ بك، أنا فلان بن فلان المرادِيّ، كنت حاربتُ الله ورسوله، وسعيتَ في الأرض، وإني تبتُ من قبل أن تَقْدر عليّ! فقام أبو موسى فقال: هذا فلان ابن فلان، وإنه كان حاربَ الله ورسوله، وسعَى في الأرض فسادًا، وإنه تاب قبل أن يُقْدَر عليه، فمن لقيه فلا يعرض له إلا بخير. فأقام الرجل ما شاءَ الله، ثم إنه خرج فأدركه الله جل وعزّ بذُنوبه فقَتَله.11885 - حدثني الحارث بن محمد قال، حدثنا عبد العزيز قال، حدثنا سفيان، عن إسماعيل السدي، عن الشعبي قال: جاء رجل إلى أبي موسى، فذكر نحوه.11886 - حدثني علي بن سهل قال، حدثنا الوليد بن مسلم قال: قلت لمالك: أرأيت هذا المحارب الذي قد أخاف السبيل، وأصابَ الدم والمال، فلحق بدار الحرْب، أو تمنَّع في بلاد الإسلام، ثم جاء تائبًا من قبل أن يُقْدر عليه؟ قال: تقبل توبته. قال قلت: فلا يُتَّبع بشيء من أحداثه؟ قال: لا إلا أن يوجد معه مالٌ بعينه فيردّ إلى صاحبه، أو يطلبه وليُّ من قَتل بدم في حَرْبه يثبت ببيّنَةٍ أو اعترافٍ فيقاد به. وأما الدماء التي أصابها ولم يطلبها أولياؤها، فلا يتَّبعه الإمام بشيء= قال علي، قال الوليد: فذكرت ذلك لأبي عمرو، فقال: تقبل توبته إذا كان محاربًا للعامة والأئمة، قد آذاهم بحَرْبه، فشهر سلاحه، وأصاب الدماء والأموال، فكانت له مَنْعة أو فِئة يلجأ إليهم، أو لحق بدار الحرب فارتدَّ عن الإسلام، أو كان مقيمًا عليه، ثم جاء تائبًا من قبل أن يُقدرَ عليه، قُبلت توبته، ولم يتَّبَع بشيء منه.11887 - حدثني علي قال، حدثنا الوليد قال، قال أبو عمرو: سمعت ابن شهاب الزهريّ يقول ذلك.11888 - حدثني علي بن سهل قال، حدثنا الوليد قال: فذكرت قول أبي عمرو ومالك لليث بن سعد في هذه المسألة، فقال: إذا أعلن بالمحاربة العامة والأئمة، (114) وأصابَ الدماء والأموال، فامتنع بمحاربته من الحكومة عليه، (115) أو لحق بدار الحرب، ثم جاء تائبًا من قبل أن يقدر عليه، قبلت توبته، ولم يتَّبَع بشيء من أحْدَاثه في حربه من دم خاصةٍ ولا عامة، وإن طلبه وليه.11889 - حدثني علي قال، حدثنا الوليد قال، قال الليث= وكذلك حدثني موسى بن إسحاق المدنيّ، وهو الأمير عندنا: أن عليًّا الأسديّ حاربَ وأخاف السبيل وأصاب الدم والمال، فطلبته الأئمة والعامة، فامتنع ولم يُقْدر عليه حتى جاء تائبًا، وذلك أنه سمع رجلا يقرأ هذه الآية: قُلْ يَا عِبَادِيَ الَّذِينَ أَسْرَفُوا عَلَى أَنْفُسِهِمْ لا تَقْنَطُوا مِنْ رَحْمَةِ اللَّهِ [سورة الزمر: 53]. الآية، فوقف عليه فقال: يا عبد الله، أعد قراءَتها. فأعادها عليه، فغَمَد سيفه، ثم جاء تائبًا، حتى قَدِم المدينة من السَّحَر، فاغتسل، ثم أتى مسجد رسول الله صلى الله عليه وسلم فصلى الصبح، ثم قعد إلى أبي هريرة في غِمار أصحابه. فلما أسفر عرفه الناس وقاموا إليه، فقال: لا سبيل لكم عليّ، جئت تائبًا من قبلِ أن تَقْدروا عليَّ! فقال أبو هريرة: صدق. وأخذ بيده أبو هريرة حتى أتى مروان بنَ الحكم في إمرته على المدينة في زمن معاوية، فقال: هذا عليٌّ، جاء تائبًا، ولا سبيل لكم عليه ولا قتل. قال، فترك من ذلك كله. (116) قال: وخرج عليَّ تائبًا مجاهدًا في سبيل الله في البحر، فلقُوا الروم، فقرَّبوا سفينته إلى سفينة من سفنهم، فاقتحم على الرُّوم في سفينتهم، فهُزِموا منه إلى سفينتهم الأخرى، فمالت بهم وبه، فغرقوا جميعًا. (117)11890 - حدثني أحمد بن حازم قال، حدثنا أبو نعيم قال، حدثنا مطرف بن معقل قال، سمعت عطاء قال في رجل سرق سرقة فجاء بها تائبًا من غير أن يُؤخَذ، فهل عليه حدٌّ؟ قال: لا! ثم قال: " إلا الذين تابوا من قبل أن تقدِروا عليهم "، الآية. (118)11891 - حدثنا ابن البرقي قال، حدثنا ابن أبي مريم قال، أخبرنا نافع بن يزيد قال، حدثني أبو صخرٍ، عن محمد بن كعب القرظي= وعن أبي معاوية عن سعيد بن جبير= قالا إن جاء تائبًا لم يقتطع مالا ولم يسفك دمًا، تُرك. فذلك الذي قال الله: " إلا الذين تابوا من قبل أن تقدروا عليهم "، يعني بذلك أنه لم يسفك دمًا ولم يقتطع مالا. (119)* * *وقال آخرون: بل عنى بالاستثناء في ذلك، التائبَ من حربه اللهَ ورسولَه والسعيِ في الأرض فسادًا بعد لحاقه في حربه بدار الكفر. فأما إذا كانت حِرَابته وحربُه وهو مقيم في دار الإسلام، (120) وداخلٌ في غمار الأمة، فليست توبته واضعة عنه شيئًا من حدود الله جل وعز، ولا من حقوق المسلمين والمعاهدين، بل يؤخذ بذلك.ذكر من قال ذلك:11892 - حدثني علي بن سهل قال، حدثنا الوليد بن مسلم قال، أخبرني إسماعيل، عن هشام بن عروة: أنه أخبره أنهم سألوا عروة عمن تلصّص في الإسلام فأصاب حدودًا ثم جاء تائبًا، فقال: لا تقبل توبته، لو قبل ذلك منهم اجترءوا عليه، وكان فسادًا كبيرًا. ولكن لو فرّ إلى العدوّ، ثم جاء تائبًا، لم أر عليه عقوبة.* * *وقد روي عن عروة خلاف هذا القول، وهو ما:-11893 - حدثني به علي قال، حدثنا الوليد قال، أخبرني من سمع هشام بن عروة، عن عروة قال، يقام عليه حدُّ ما فر منه، ولا يجوز لأحدٍ فيه أمان = يعني، الذي يصيب حدًّا، ثم يفرُّ فيلحق الكفار، ثم يجيء تائبًا.* * *وقال آخرون: إن كانت حِرَابته وحربه في دار الإسلام، (121) وهو في غير مَنْعة من فئة يلجأ إليها، ثم جاء تائبًا قبل القدرة عليه، فإن توبته لا تضع عنه شيئا من العقوبة ولا من حقوق الناس. وإن كانت حِرَابته وحَرْبه في دار الإسلام، أو هو لاحقٌ بدار الكفر، غير أنه في كل ذلك كان يلجأ إلى فئة تمنعه ممن أراده من سلطان المسلمين، ثم جاء تائبًا قبل القدرة عليه، فإن توبته تضع عنه كل ما كان من أحْداثه في أيام حِرابته تلك، إلا أن يكون أصاب حدًّا أو أمَرَ الرُّفقة بما فيه عقوبة، (122) أو غُرْم لمسلم أو معاهد، وهو غير ملتجئ إلى فئة تمنعه، فإنه يؤخذ بما أصاب من ذلك وهو كذلك، ولا يضع ذلك عنه توبتُه.ذكر من قال ذلك:11894 - حدثني علي بن سهل قال، حدثنا الوليد قال، قال أبو عمرو: إذا قطع الطريق لصٌّ أو جماعة من اللصوص، فأصابوا ما أصابوا من الدماء والأموال، ولم يكن لهم فئة يلجأون إليها ولا مَنْعة، ولا يأمنون إلا بالدخول في غِمَار أمتهم وسوادِ عامّتهم، ثم جاء تائبًا من قبل أن يُقْدر عليه، لم تُقبل توبته، وأقيم عليه حدهّ ما كان.11895 - حدثني علي قال، حدثنا الوليد قال: ذكرت لأبي عمرو قول عُروة: " يقام عليه حدّ ما فرّ منه، ولا يجوز لأحد فيه أمان "، فقال أبو عمرو: إن فرّ من حَدَثه في دار الإسلام، فأعطاه إمامٌ أمانًا، لم يجزْ أمانُه. وإن هو لحق بدار الحرب، ثم سأل إمامًا أمانًا على أحداثه، لم ينبغ للإمام أن يعطيه أمانًا. وإن أعطاه الإمام أمانًا وهو غير عالم بأحداثه، فهو آمن. وإن جاء أحدٌ يطلبه بدم أو مال رُدّ إلى مأمنه، فإن أبى أن يَرجع فهو آمن ولا يُتَعَرَّض له. قال: وإن أعطاه أمانًا على أحداثه وهو يعرفها، فالإمام ضامنٌ واجب عليه عَقْلُ ما كان أصاب من دم أو مال، (123) وكان فيما عطّل من تلك الحدود والدماء آثمًا، وأمره إلى الله جل وعز. قال: وقال أبو عمرو: فإذا أصاب ذلك، وكانت له مَنْعة أو فئة يلجأ إليها، أو لحق بدار الحرب فارتدّ عن الإسلام، أو كان مقيمًا عليه، ثم جاء تائبًا من قبل أن يُقْدر عليه، قُبِلت توبته، ولم يُتَّبع بشيء من أحداثه التي أصابها في حربه، إلا أن يوجد معه شيءٌ قائم بعينه فيردّ إلى صاحبه.11896 - حدثني علي قال، حدثنا الوليد قال، أخبرني ابن لهيعة، عن ربيعة قال: تقبل توبتُه، ولا يتَّبع بشيء من أحداثِه في حربه، إلا أن يطلبه أحد بدم كان أصابه في سِلْمه قبل حربه، فإنه يقاد به.11897 - حدثنا القاسم قال، حدثنا الحسين قال، حدثنا معمر الرقي قال، حدثنا الحجاج، عن الحكم بن عتيبة قال: قاتل الله الحجاج! إن كان ليفقَهُ! أمَّن رجلا من محاربته، فقال، انظروا هل أصاب شيئا قبل خروجه؟* * *وقال آخرون: تضع توبته عنه حدَّ الله الذي وجب عليه بمحاربته، ولا يسقط عنه حقوق بني آدم.وممن قال ذلك الشافعي.11898- حدثنا بذلك عنه الربيع.* * *قال أبو جعفر: وأولى هذه الأقوال في ذلك بالصواب عندي، قولُ من قال: توبة المحارب الممتنع بنفسه أو بجماعة معه قبل القُدرة عليه، تضع عنه تَبِعات الدنيا التي كانت لزمته في أيام حربه وحِرَابته، (124) من حدود الله، وغُرْم لازم، وقَوَدٍ وقصاص، إلا ما كان قائمًا في يده من أموال المسلمين والمعاهدين بعينه، فيردّ على أهله= لإجماع الجميع على أن ذلك حكم الجماعة الممتنعة المحاربة لله ولرسوله، الساعيةِ في الأرض فسادًا على وجه الردة عن الإسلام. فكذلك حكم كل ممتنع سَعَى في الأرض فسادًا، جماعةً كانوا أو واحدًا.فأمَّا المستخفي بسرقته، والمتلصِّصُ على وجه اغتفال من سرقه، (125) والشاهرُ السلاحَ في خلاء على بعض السابلة، وهو عند الطلب غير قادر على الامتناع، فإن حكم الله عليه= تاب أو لم يتب= ماضٍ، وبحقوق من أخذ ماله، أو أصاب وليَّه بدم أو خَتْلٍ مأخوذ، وتوبته فيما بينه وبين الله جل وعز= قياسًا على إجماع الجميع على أنه لو أصاب شيئًا من ذلك وهو للمسلمين سِلْمٌ، ثم صار لهم حربًا، أن حربه إياهم لن يضعَ عنه حقًا لله عز ذكره، ولا لآدمي، فكذلك حكمه إذا أصاب ذلك في خلاء أو باستخفاء، وهو غير ممتنع من السلطان بنفسه إن أراده، ولا له فئة يلجأ إليها مانعةٌ منه.وفي قوله: " إلا الذين تابوا من قبل أن تقدروا عليهم "، دليل واضح لمن وُفِّق لفهمه، أنّ الحكم الذي ذكره الله جل وعزّ في المحاربين، يجري في المسلمين والمعاهدين، دون المشركين الذين قد نصبُوا للمسلمين حربًا، وذلك أن ذلك لو كان حكمًا في أهل الحرب من المشركين، دون المسلمين ودون ذمتهم، لوجب أن لا يُسْقِطَ إسلامُهم عنهم= إذا أسلموا أو تابوا بعد قدرتنا عليهم= ما كان لهم قبل إسلامهم وتوبتهم من القتل، وما للمسلمين في أهل الحرب من المشركين. وفي إجماع المسلمين أنّ إسلام المشرك الحربيِّ يضع عنه، بعد قدرة المسلمين عليه، ما كان واضعَه عنه إسلامه قبل القدرة عليه= ما يدلّ على أن الصحيح من القول في ذلك قول من قال: " عنى بآية المحاربين في هذا الموضع، حُرَّاب أهل الملة أو الذمة، (126) دون من سواهم من مشرِكي أهل الحرب ".* * *وأما قوله: " فاعلموا أن الله غفور رحيم "، فإن معناه: فاعلموا أيها المؤمنون، أن الله غير مؤاخذٍ من تاب من أهل الحرب لله ولرسوله، الساعين في الأرض فسادًا، وغيرهم بذنوبه، ولكنه يعفو عنه فيسترها عليه، ولا يفضحه بها بالعقوبة في الدنيا والآخرة= رحيم به في عفوه عنه، وتركه عقوبته عليها. (127)---------------الهوامش :(103) "التبعة" (بفتح التاء وكسر الباء) ، و"التباعة" (بكسر التاء): ما فيه إثم يتبع به مرتكبه. يقال: "ما عليه من الله في هذا تبعة ، ولا تباعة".(104) الأثر 11872- مضى برقم: 11806 ، وانظر التعليق عليه.(105) في المطبوعة: "بالزنا" ، وأثبت ما في المخطوطة ، وهو الصواب.(106) "الحراب" جمع"حارب" ، و"الحارب": هو الغاصب الناهب الذي يعري الناس ثيابهم. وكأنه عنى به هنا: صفة"المحارب لله ورسوله" ، وإفساده في الأرض. وانظر ما سيأتي ص: 282 ، تعليق: 2.(107) قوله: "ومن فعل..." معطوف على قوله: "الحراب من أهل الإسلام..." يعني: هذا وهذا.(108) يعني عبد الله بن جعفر بن أبي طالب.(109) في المطبوعة والمخطوطة: "استأمن إلى" ، والصواب ما أثبت.(110) "الغداة" ، يعني صلاة الفجر.(111) الآثار: 11879- 11881-"عبد الرحمن بن مغراء الدوسي" ، ثقة ، متكلم فيه ، مضى برقم: 1614.وأما "حارثة بن بدر بن حصين الغداني" ، من بني غدانة بن يربوع ، كان من فرسان بني تميم ووجوهها وساداتها. وكان فاتكًا صاحب شراب. وكان فصيحًا بليغًا عارفًا بأخبار الناس وأيامهم ، حلوًا شاعرًا ذا فكاهة ، فكان زياد يأنس به طول حياته (الأغاني 21: 25).وأما "سعيد بن قيس الهمداني" ، فهو من بني عمرو بن السبيع. وكان سيد همدان في زمانه.ولما أمن علي رضي الله عنه حارثه بن بدر ، وقف على المنبر فقال: "أيها الناس ، إني كنت نذرت دم حارثة بن بدر ، فمن لقيه فلا يعرض له". فانصرف سعيد بن قيس إلى حارثة ، وأعلمه ، وحمله وكساه وأجازه بجائزة سنية. فلما أراد حارثة الانصراف إلى البصرة شيعه سعيد بن قيس في ألف راكب ، وحمله وجهزه.وأما البيتان ، فهما في تاريخ ابن عساكر 3: 430 ، مع اختلاف يسير في روايتهما.وأما قوله: "ويقضي بالكتاب خطيبها" ، فكأنه عنى بخطيب همدان الفقيه الجليل: "مسروق بن الأجدع الهمداني" ، صاحب ، على وعبد الله بن مسعود رضي الله عنهما. وكأنه يشير بهذا البيت إلى ما روي عن مسروق أنه أتى يوم صفين ، فوقف بين الصفين ثم قال:أيها الناس ، أنصتوا. ثم قال: أرأيتم لو أن مناديًا ناداكم من السماء فسمعتم كلامه ورأيتموه فقال: إن الله ينهاكم عما أنتم فيه ، أكنتم مطيعيه؟ قالوا: نعم! قال: فوالله لقد نزل بذلك جبرئيل على محمد صلى الله عليه وسلم. فما زال يأتي من هذا- أي: يقول مثل هذا- ثم تلا: (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لا تَأْكُلُواْ أَمْوَالَكُمْ بَيْنَكُمْ بِالْبَاطِلِ إلا أَنْ تَكُونَ تِجَارَةً عَنْ تَرَاضٍ مِنْكُمْ وَلا تَقْتُلُواْ أَنْفُسَكُمْ إِنَّ اللهَ كَانَ بِكمْ رَحِيمًا).ثم انساب في الناس فذهب. (ابن سعد 6: 52).(112) هكذا في المطبوعة والمخطوطة: "أخبرني مكحول أنه قال" ، وأرجح: أن الصواب"عن مكحول أنه قال" ، وانظر الأسانيد السالفة رقم: 3997 ، 4129 ، 5359 ، 8966.(113) "الحراب" جمع"حارب" ، انظر تفسيرها فيما سلف ص: 279 ، تعليق: 1.(114) في المطبوعة: "للعامة" ، والصواب من المخطوطة.(115) "الحكومة عليه" يعني: القضاء عليه.(116) قوله: "فترك" بالبناء للمجهول ، كأنه يعني أنه لم يؤخذ بشيء من كل أحداثه التي أتاها وهو في محاربته لله ولرسوله.(117) الأثر: 11889-"موسى بن إسحق المدني ، الأمير" ، لم أعرف من يكون. و"علي الأسدي" ، لم أعرفه أيضا.وكأني قد مر بي مثل هذا الإسناد فيما سلف ، ولكن سقط علي تقييده ، فمن وجده فليثبته هنا. فلعله يكشف عن هذا الأمير المذكور في هذا الخبر.(118) الأثر: 11890-"مطرف بن معقل الشقري السعدي" ويقال: "الباهلي" ، أبو بكر.روى عن الحسن ، والشعبي ، وابن سيرين ، وقتادة ، وعطاء. قال أحمد: "كان ثقة وزيادة". مترجم في الكبير 4/1/397 ، وابن أبي حاتم 4/1/315 ، ولسان الميزان 6: 48.(119) الأثر: 11891-"أبو صخر" هو"حميد بن زياد بن أبي المخارق ، الخراط" ، مضى برقم: 4325 ، 5386 ، 8391- وكان في المطبوعة والمخطوطة هنا"أبو صخرة" ، بالتاء في آخره ، وقد مضى على الصواب قريبًا برقم: 11867.و"أبو معاوية" هو"عمار بن معاوية الدهني" ، مضى أيضًا برقم: 909 ، 4325 ، 5386.(120) انظر ما قلته في"الحرابة" ص: 252 ، تعليق: 2 ، وص: 256 ، تعليق: 2.(121) انظر ص: 285 ، تعليق: 2.(122) "الرفقة" ، يعني أصحابه الذين يرافقهم ويلجأ إليهم وهم فئته.(123) "العقل" ، دية الجناية.(124) انظر"الحرابة" فيما سلف ص: 285 ، تعليق: 2.(125) "اغتفل الرجل" ، يعني: اهتبل غفلته فأخذ ما أخذ. وهذا حرف لم تقيده كتب اللغه ، بل قيدوا: "تغفله" (بتشديد الفاء) ، و"استغفلته" ، أي: تحينت غفلته. وهذا الذي استعمله أبو جعفر صحيح في القياس والعربية ، وقد رأيت أبا الفرج الأصفهاني ، صاحب الأغاني ، يستعمله أيضا ، فجاء في الأغاني 2: 99 ، في أخبار عدي بن زيد الشاعر ، فذكر جده"زيد بن أيوب" ومقتله ، فكان مما قال: "ثم إن الأعرابي اغتفل زيد بن أيوب ، فرماه بسهم فوضعه بين كتفيه ، ففلق قلبه".وكان في المطبوعة هنا: "على وجه إغفال من سرقة" ، وليس هذا صحيحًا في قياس العربية ، حتى يغير ما كان في المخطوطة. وهو في المخطوطة غير منقوط ، وهذا صواب قراءته.(126) "الحراب" جمع"حارب" ، وقد سلف القول فيها في ص: 279 ، تعليق: 1 ، فراجعه. وكان في المطبوعة: "حراب أهل الإسلام" ، وفي المخطوطة: "أهل المسلة" ، وصواب قراءتها ما أثبت.(127) انظر تفسير"غفور" و"رحيم" فيما سلف من فهارس اللغة.

يَٰٓأَيُّهَا ٱلَّذِينَ ءَامَنُوا۟ ٱتَّقُوا۟ ٱللَّهَ وَٱبْتَغُوٓا۟ إِلَيْهِ ٱلْوَسِيلَةَ وَجَٰهِدُوا۟ فِى سَبِيلِهِۦ لَعَلَّكُمْ تُفْلِحُونَ (35)


القول في تأويل قوله عز ذكره : يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ وَابْتَغُوا إِلَيْهِ الْوَسِيلَةَقال أبو جعفر: يعني جل ثناؤه بذلك: يا أيها الذين صدّقوا الله ورسوله فيما أخبرهم ووعَد من الثواب وأوعدَ من العقاب (128) " اتقوا الله " يقول: أجيبوا الله فيما أمركم ونهاكم بالطاعة له في ذلك، وحقِّقوا إيمانكم وتصديقكم ربَّكم ونبيَّكم بالصالح من أعمالكم (129) =" وابتغوا إليه الوسيلة "، يقول: واطلبوا القربة إليه بالعمل بما يرضيه. (130)* * *و " الوسيلة ": هي" الفعيلة " من قول القائل: " توسلت إلى فلان بكذا "، بمعنى: تقرَّبت إليه، ومنه قول عنترة:إنَّ الرِّجَالَ لَهُمْ إِلَيْكِ وَسِيلَةٌإِنْ يَأْخُذُوكِ, تكَحَّلِي وتَخَضَّبي (131)يعني ب" الوسيلة "، القُرْبة، ومنه قول الآخر: (132)إِذَا غَفَلَ الوَاشُونَ عُدْنَا لِوَصْلِنَاوَعَادَ التَّصَافِي بَيْنَنَا وَالوَسَائِلُ (133)* * *وبنحو الذي قلنا في ذلك قال أهل التأويل.ذكر من قال ذلك:11899 - حدثنا ابن بشار قال، حدثنا أبو أحمد الزبيري قال، حدثنا سفيان= ح، وحدثنا ابن وكيع قال، حدثنا زيد بن الحباب، عن سفيان= عن منصور، عن أبي وائل: " وابتغوا إليه الوسيلة "، قال: القربة في الأعمال.11900 - حدثنا هناد قال، حدثنا وكيع= ح، وحدثنا سفيان قال، حدثنا أبي= عن طلحة، عن عطاء: " وابتغوا إليه الوسيلة "، قال: القربة.11901 - حدثني محمد بن عمرو قال، حدثنا أحمد قال، حدثنا أسباط، عن السدي: " يا أيها الذين آمنوا اتقوا الله وابتغوا إليه الوسيلة "، قال: فهي المسألة والقربة. (134)11902 - حدثنا بشر قال، حدثنا يزيد قال، حدثنا سعيد، عن قتادة قوله: " وابتغوا إليه الوسيلة "، أي: تقربوا إليه بطاعته والعملِ بما يرضيه.11902 - حدثني المثنى قال، حدثنا أبو حذيفة قال، حدثنا شبل، عن ابن أبي نجيح، عن مجاهد: " وابتغوا إليه الوسيلة "، القربة إلى الله جل وعزّ.11903 - حدثني المثني قال، حدثنا إسحاق قال، حدثنا عبد الرزاق قال، خبرنا معمر، عن الحسن في قوله: " وابتغوا إليه الوسيلة "، قال: القربة.11904 - حدثنا القاسم قال، حدثنا الحسين قال، حدثني حجاج، عن ابن جريج، عن عبد الله بن كثير قوله: " وابتغوا إليه الوسيلة "، قال: القربة.11905 - حدثني يونس قال، أخبرنا ابن وهب قال، قال ابن زيد في قوله: " وابتغوا إليه الوسيلة "، قال: المحبّة، تحبّبوا إلى الله. وقرأ: أُولَئِكَ الَّذِينَ يَدْعُونَ يَبْتَغُونَ إِلَى رَبِّهِمُ الْوَسِيلَةَ [سورة الإسراء: 57].* * *القول في تأويل قوله عز ذكره : وَجَاهِدُوا فِي سَبِيلِهِ لَعَلَّكُمْ تُفْلِحُونَ (35)قال أبو جعفر: يقول جل ثناؤه للمؤمنين به وبرسوله: وجاهدوا، أيها المؤمنون، أعدائي وأعداءَكم= في سبيلي، يعني في دينه وشَرِيعته التي شرعها لعباده، وهي الإسلام. (135) يقول: أتْعِبُوا أنفسكم في قتالهم وحملهم على الدخول في الحنيفية المسلمة، (136) =" لعلكم تفلحون "، يقول: كيما تنجحوا، فتدركوا البقاء الدَّائم والخلود في جناته.* * *وقد دللنا على معنى " الفلاح " فيما مضى بشواهده، بما أغنى عن إعادته في هذا الموضع. (137)----------------------الهوامش :(128) في المطبوعة: "ووعدهم من الثواب" ، وأثبت ما في المخطوطة ، فهو صواب محض.(129) انظر تفسير"اتقوا" فيما سلف من فهارس اللغة (وقى).(130) انظر تفسير"ابتغى" فيما سلف 9: 480 ، تعليق: 2 ، والمراجع هناك.(131) أشعار الستة الجاهليين: 396 ، مجاز القرآن لأبي عبيدة 1: 165 ، والخزانة 3: 11 ، وغيرها ، من أبيات له قالها لامرأته ، وكانت لا تزال تذكر خيله ، وتلومه في فرس كان يؤثره على سائر خيله ويسقيه ألبان إبله ، فقال:لا تَذْكُرِي مُهْرِي وَمَا أَطْعَمْتُهُفَيَكُونَ جِلْدُكِ مِثْلَ جِلْدِ الأَجْرَبِإِنَّ الْغَبُوقَ لَهُ، وَأَنْتِ مَسُوءَةٌ،فَتَأَوَّهِي مَا شِئْتِ ثُمَّ تَحَوَّبِيكَذَبَ الْعَتِيقُ وَمَاءُ شَنٍّ بَارِدٌإنْ كُنْتِ سَائِلَتِي غَبُوقًا فَاذْهَبيإِنَّ الرِّجَالَ لَهُمْ. . . . . . .. . . . . . . . . . . . . . . . . . .وَيَكُونَ مَرْكَبُكِ القَعُودُ وَحِدْجُهُوَابْنُ النَّعَامَةِ يَوْمَ ذَلِكَ مَرْكَبِي!ينذرها بالطلاق إن هي ألحت عليه بالملامة في فرسه ، فإن فرسه هو حصنه وملاذه. أما هي فما تكاد تؤسر في حرب ، حتى تتكحل وتتخضب لمن أسرها. يقول: إن أخذوك تكحلت وتخضبت لهم.(132) لم أعرف قائله.(133) مجاز القرآن لأبي عبيدة 1: 164.(134) في المطبوعة: "هي المسألة" ، وأثبت ما في المخطوطة.(135) انظر تفسير"السبيل" فيما سلف من فهارس اللغة.(136) انظر تفسير"جاهد" فيما سلف 4: 318.(137) انظر تفسير"الفلاح" فيما سلف 1: 249 ، 250/3: 561/7: 91 ، 509

إِنَّ ٱلَّذِينَ كَفَرُوا۟ لَوْ أَنَّ لَهُم مَّا فِى ٱلْأَرْضِ جَمِيعًا وَمِثْلَهُۥ مَعَهُۥ لِيَفْتَدُوا۟ بِهِۦ مِنْ عَذَابِ يَوْمِ ٱلْقِيَٰمَةِ مَا تُقُبِّلَ مِنْهُمْ وَلَهُمْ عَذَابٌ أَلِيمٌ (36)


القول في تأويل قوله عز ذكره : إِنَّ الَّذِينَ كَفَرُوا لَوْ أَنَّ لَهُمْ مَا فِي الأَرْضِ جَمِيعًا وَمِثْلَهُ مَعَهُ لِيَفْتَدُوا بِهِ مِنْ عَذَابِ يَوْمِ الْقِيَامَةِ مَا تُقُبِّلَ مِنْهُمْ وَلَهُمْ عَذَابٌ أَلِيمٌ (36)قال أبو جعفر: يقول عز ذكره: إن الذين جحدوا ربوبية ربّهم وعبدوا غيرَه، من بني إسرائيل الذين عبدوا العجل، ومن غيرهم الذين عبدوا الأوثان والأصنام، وهلكوا على ذلك قبل التوبة= لو أن لهم مِلك ما في الأرض كلِّها وضعفَه معه، ليفتدوا به من عقاب الله إياهم على تركهم أمرَه، وعبادتهم غيره يوم القيامة، فافتدوا بذلك كله، ما تقبَّل الله منهم ذلك فداءً وعِوضًا من عذابهم وعقابهم، بل هو معذّبهم في حَمِيم يوم القيامة عذابًا موجعًا لهم.وإنما هذا إعلامٌ من الله جل ثناؤه لليهود الذين كانوا بين ظهرانَيْ مُهاجَرِ رسول الله صلى الله عليه وسلم: أنَّهم وغيرهم من سائر المشركين به، سواءٌ عنده فيما لهم من العذاب الأليم والعقاب العظيم. وذلك أنهم كانوا يقولون: لَنْ تَمَسَّنَا النَّارُ إِلا أَيَّامًا مَعْدُودَةً ، اغترارًا بالله جل وعزّ وكذبًا عليه. فكذبهم تعالى ذكره بهذه الآية وبالتي بعدها، وحَسَم طمعهم، فقال لهم ولجميع الكفرة به وبرسوله: " إِنَّ الَّذِينَ كَفَرُوا لَوْ أَنَّ لَهُمْ مَا فِي الأَرْضِ جَمِيعًا وَمِثْلَهُ مَعَهُ لِيَفْتَدُوا بِهِ مِنْ عَذَابِ يَوْمِ الْقِيَامَةِ مَا تُقُبِّلَ مِنْهُمْ وَلَهُمْ عَذَابٌ أَلِيمٌ * يُرِيدُونَ أَنْ يَخْرُجُوا مِنَ النَّارِ وَمَا هُمْ بِخَارِجِينَ مِنْهَا وَلَهُمْ عَذَابٌ مُقِيمٌ ، يقول لهم جل ثناؤه: فلا تطمعوا أيُّها الكفرة في قَبُول الفدية منكم، ولا في خروجكم من النار بوسَائل آبائكم عندي بعد دخولكموها، إن أنتم مُتّم على كفركم الذي أنتم عليه، ولكن توبوا إلى الله توبةً نَصُوحًا. (138)* * *---------------الهوامش:(138) انظر تفسير ألفاظ هذه الآية فيما سلف من فهارس اللغة.

الصفحة السابقة الصفحة التالية