تفسير سورة الإنسان الصفحة 580 من القرآن الكريم

تفسير الصفحة رقم 580 من المصحف


وَمِنَ ٱلَّيْلِ فَٱسْجُدْ لَهُۥ وَسَبِّحْهُ لَيْلًا طَوِيلًا (26)


وقوله : ( ومن الليل فاسجد له وسبحه ليلا طويلا ) قال : كان هذا أول شيء فريضة . وقرأ : ( يا أيها المزمل قم الليل إلا قليلا نصفه ) ، ثم قال : ( إن ربك يعلم أنك تقوم أدنى من ثلثي الليل ونصفه وثلثه ) إلى قوله : ( فاقرءوا ما تيسر من القرآن ) إلى آخر الآية ، ثم قال : محي هذا عن رسول الله صلى الله عليه وسلم وعن الناس ، وجعله نافلة فقال : ( ومن الليل فتهجد به نافلة لك ) قال : فجعلها نافلة .

إِنَّ هَٰٓؤُلَآءِ يُحِبُّونَ ٱلْعَاجِلَةَ وَيَذَرُونَ وَرَآءَهُمْ يَوْمًا ثَقِيلًا (27)


وقوله : ( إن هؤلاء يحبون العاجلة ) يقول تعالى ذكره : إن هؤلاء المشركين بالله يحبون العاجلة ، يعني ، الدنيا ، يقول : يحبون البقاء فيها وتعجبهم زينتها ( ويذرون وراءهم يوما ثقيلا ) يقول : ويدعون خلف ظهورهم العمل للآخرة ، وما لهم فيه النجاة من عذاب الله يومئذ ، وقد تأوله بعضهم بمعنى : ويذرون أمامهم يوما ثقيلا وليس ذلك قولا مدفوعا ، غير أن الذي قلناه أشبه بمعنى الكلمة .وبنحو الذي قلنا في ذلك قال أهل التأويل .ذكر من قال ذلك :حدثنا ابن حميد ، قال : ثنا مهران ، عن سفيان ( ويذرون وراءهم يوما ثقيلا ) قال : الآخرة .

نَّحْنُ خَلَقْنَٰهُمْ وَشَدَدْنَآ أَسْرَهُمْ وَإِذَا شِئْنَا بَدَّلْنَآ أَمْثَٰلَهُمْ تَبْدِيلًا (28)


يقول تعالى ذكره : نحن خلقنا هؤلاء المشركين بالله المخالفين أمره ونهيه ( وشددنا أسرهم ) : وشددنا خلقهم ، من قولهم : قد أسر هذا الرجل فأحسن أسره ، بمعنى : قد خلق فأحسن خلقه .وبنحو الذي قلنا في ذلك قال أهل التأويل .ذكر من قال ذلك :حدثني محمد بن سعد ، قال : ثني أبي ، قال : ثني عمي ، قال : ثني أبي ، عن [ ص: 118 ] أبيه ، عن ابن عباس ، قوله : ( نحن خلقناهم وشددنا أسرهم ) يقول : شددنا خلقهم .حدثني محمد بن عمرو ، قال : ثنا أبو عاصم ، قال : ثنا عيسى ، وحدثني الحارث ، قال : ثنا الحسن ، قال : ثنا ورقاء ، جميعا عن ابن أبي نجيح ، عن مجاهد قوله : ( وشددنا أسرهم ) قال : خلقهم .حدثنا بشر ، قال : ثنا يزيد ، قال : ثنا سعيد ، عن قتادة ( وشددنا أسرهم ) : خلقهم .حدثنا ابن عبد الأعلى ، قال : ثنا ابن ثور ، عن معمر ، عن قتادة ، مثله .وقال آخرون : الأسر : المفاصل .ذكر من قال ذلك :حدثني يونس ، قال : أخبرنا ابن وهب ، قال : قال ابن زيد ، سمعته - يعني : خلادا - يقول : سمعت أبا سعيد ، وكان قرأ القرآن على أبي هريرة قال : ما قرأت القرآن إلا على أبي هريرة ، هو أقرأني ، وقال في هذه الآية ( وشددنا أسرهم ) قال : هي المفاصل .وقال آخرون : بل هو القوة .ذكر من قال ذلك :حدثني يونس ، قال : أخبرنا ابن وهب ، قال : قال ابن زيد ، في قوله : ( وشددنا أسرهم ) قال : الأسر : القوة .وأولى الأقوال في ذلك بالصواب القول الذي اخترناه ، وذلك أن الأسر ، هو ما ذكرت عند العرب; ومنه قول الأخطل :من كل مجتنب شديد أسره سلس القياد تخاله مختالاومنه قول العامة : خذه بأسره : أي هو لك كله .وقوله : ( وإذا شئنا بدلنا أمثالهم تبديلا ) يقول : وإذا نحن شئنا أهلكنا هؤلاء [ ص: 119 ] وجئنا بآخرين سواهم من جنسهم أمثالهم من الخلق ، مخالفين لهم في العمل .وبنحو الذي قلنا في ذلك قال أهل التأويل .ذكر من قال ذلك :حدثني يونس ، قال : أخبرنا ابن وهب ، قال : قال ابن زيد ، في قوله : ( بدلنا أمثالهم تبديلا ) قال : بني آدم الذين خالفوا طاعة الله ، قال : وأمثالهم من بني آدم .

إِنَّ هَٰذِهِۦ تَذْكِرَةٌ فَمَن شَآءَ ٱتَّخَذَ إِلَىٰ رَبِّهِۦ سَبِيلًا (29)


قوله : ( إن هذه تذكرة ) يقول : إن هذه السورة تذكرة لمن تذكر واتعظ واعتبر .وبنحو الذي قلنا في ذلك قال أهل التأويل .ذكر من قال ذلك :حدثنا ابن عبد الأعلى ، قال : ثنا ابن ثور ، عن معمر ، عن قتادة في قوله : ( إن هذه تذكرة ) قال : إن هذه السورة تذكرة .وقوله : ( فمن شاء اتخذ إلى ربه سبيلا ) يقول : فمن شاء أيها الناس اتخذ إلى رضا ربه بالعمل بطاعته ، والانتهاء إلى أمره ونهيه .

وَمَا تَشَآءُونَ إِلَّآ أَن يَشَآءَ ٱللَّهُ إِنَّ ٱللَّهَ كَانَ عَلِيمًا حَكِيمًا (30)


يقول تعالى ذكره : ( وما تشاءون ) اتخاذ السبيل إلى ربكم أيها الناس ( إلا أن يشاء الله ) ذلك لكم لأن الأمر إليه لا إليكم ، وهو في قراءة عبد الله فيما ذكر ( وما تشاءون إلا ما شاء الله ) .وقوله ( إن الله كان عليما حكيما ) فلن يعدو منكم أحد ما سبق له في علمه بتدبيركم .

يُدْخِلُ مَن يَشَآءُ فِى رَحْمَتِهِۦ وَٱلظَّٰلِمِينَ أَعَدَّ لَهُمْ عَذَابًا أَلِيمًۢا (31)


يدخل من يشاء في رحمتهوقوله : يدخل من يشاء في رحمته يقول : يدخل ربكم من يشاء منكم في رحمته , فيتوب عليه حتى يموت تائبا من ضلالته , فيغفر له ذنوبه , ويدخله جنته .والظالمين أعد لهم عذابا أليمايقول : الذين ظلموا أنفسهم , فماتوا على شركهم , أعد لهم في الآخرة عذابا مؤلما موجعا , وهو عذاب جهنم . ونصب قوله : والظالمين لأن الواو ظرف لأعد , والمعنى : وأعد للظالمين عذابا أليما . وذكر أن ذلك في قراءة عبد الله : " وللظالمين أعد لهم " بتكرير اللام , وقد تفعل العرب ذلك , وينشد لبعضهم : أقول لها إذا سألت طلاقا إلام تسارعين إلى فراقي ؟ ولآخر : فأصبحن لا يسألنه عن بما به أصعد في غاوي الهوى أم تصوبا ؟ بتكرير الباء , وإنما الكلام لا يسألنه عما به . آخر تفسير سورة الإنسان .

الصفحة السابقة