تفسير سورة يس الصفحة 443 من القرآن الكريم

تفسير الصفحة رقم 443 من المصحف


وَءَايَةٌ لَّهُمْ أَنَّا حَمَلْنَا ذُرِّيَّتَهُمْ فِى ٱلْفُلْكِ ٱلْمَشْحُونِ (41)


قوله تعالى : وآية لهم أنا حملنا ذريتهم في الفلك المشحون وخلقنا لهم من مثله ما يركبون وإن نشأ نغرقهم فلا صريخ لهم ولا هم ينقذون إلا رحمة منا ومتاعا إلى حين . قوله تعالى : " وآية لهم " يحتمل ثلاثة معان : أحدها : عبرة لهم ; لأن في الآيات اعتبارا . الثاني : نعمة عليهم ; لأن في الآيات إنعاما . الثالث : إنذار لهم ; لأن في الآيات إنذارا . أنا حملنا ذريتهم في الفلك المشحون من أشكل ما في السورة ; لأنهم هم المحمولون . فقيل : المعنى وآية لأهل مكة أنا حملنا ذرية القرون الماضية في الفلك المشحون . فالضميران مختلفان ; ذكره المهدوي . وحكاه النحاس عن علي بن سليمان أنه سمعه يقول . وقيل : الضميران جميعا لأهل مكة على أن يكون ذرياتهم أولادهم وضعفاءهم ; فالفلك على القول الأول سفينة نوح . وعلى الثاني يكون اسما للجنس ; خبر - جل وعز - بلطفه وامتنانه أنه خلق السفن يحمل فيها من يصعب عليه المشي والركوب من الذرية والضعفاء ، فيكون الضميران على هذا متفقين . وقيل : الذرية الآباء والأجداد ، حملهم الله تعالى في سفينة نوح عليه السلام ; فالآباء ذرية والأبناء ذرية ; بدليل هذه الآية ; قاله أبو عثمان . وسمي الآباء ذرية ; لأن منهم ذرأ الأبناء . وقول رابع : أن الذرية النطف ، حملها الله تعالى في بطون النساء تشبيها بالفلك المشحون ; قاله علي بن أبي طالب رضي الله عنه ; ذكره الماوردي . وقد مضى في [ البقرة ] اشتقاق الذرية والكلام فيها مستوفى . و " المشحون " المملوء الموقر ، و " الفلك " يكون واحدا وجمعا . وقد تقدم في [ يونس ] القول فيه .

وَخَلَقْنَا لَهُم مِّن مِّثْلِهِۦ مَا يَرْكَبُونَ (42)


قوله تعالى : وخلقنا لهم من مثله ما يركبون والأصل يركبونه ، فحذفت الهاء لطول الاسم وأنه رأس آية . وفي معناه ثلاثة أقوال : مذهب مجاهد وقتادة وجماعة من أهل التفسير ، وروي عن ابن عباس أن معنى " من مثله " للإبل ، خلقها لهم للركوب في البر مثل السفن المركوبة في البحر ; والعرب تشبه الإبل بالسفن . قال طرفة :كأن حدوج المالكية غدوة خلايا سفين بالنواصف من ددجمع خلية وهي السفينة العظيمة . والقول الثاني : أنه للإبل والدواب وكل ما يركب . والقول الثالث : أنه للسفن ، النحاس : وهو أصحها ; لأنه متصل الإسناد عن ابن عباس . " وخلقنا لهم من مثله ما يركبون " قال : خلق لهم سفنا أمثالها يركبون فيها . وقال أبو مالك : إنها السفن الصغار خلقها مثل السفن الكبار . وروي عن ابن عباس والحسن . وقال الضحاك وغيره : هي السفن المتخذة بعد سفينة نوح . قال الماوردي : ويجيء على مقتضى تأويل علي رضي الله عنه - في أن الذرية في الفلك المشحون هي النطف في بطون النساء ، قول خامس في قوله : وخلقنا لهم من مثله ما يركبون أن يكون تأويله : النساء خلقن لركوب الأزواج . لكن لم أره محكيا .

وَإِن نَّشَأْ نُغْرِقْهُمْ فَلَا صَرِيخَ لَهُمْ وَلَا هُمْ يُنقَذُونَ (43)


قوله تعالى : وإن نشأ نغرقهم أي في البحر ، فترجع الكناية إلى أصحاب الذرية ، أو إلى الجميع ، وهذا يدل على صحة قول ابن عباس ومن قال : إن المراد " من مثله " السفن لا الإبل . " فلا صريخ لهم " أي لا مغيث لهم . رواه سعيد عن قتادة . وروى شيبان عنه : فلا منعة لهم . ومعناهما متقاربان . و " صريخ " بمعنى مصرخ ، فعيل بمعنى فاعل . ويجوز " فلا صريخ لهم " ; لأن بعده ما لا يجوز فيه إلا الرفع ; لأنه معرفة ، وهو " ولا هم ينقذون " والنحويون يختارون " لا رجل في الدار ، ولا زيد " . " ولا هم ينقذون " ومعنى : ينقذون : يخلصون من الغرق . وقيل : من العذاب .

إِلَّا رَحْمَةً مِّنَّا وَمَتَٰعًا إِلَىٰ حِينٍ (44)


إلا رحمة منا ومتاعا إلى حين قال الكسائي : هو نصب على الاستثناء . وقال الزجاج : نصب مفعول من أجله ; أي : للرحمة ومتاعا معطوف عليه . " إلى حين " إلى الموت ; قاله قتادة . يحيى بن سلام : إلى القيامة ، أي : إلا أن نرحمهم ونمتعهم إلى آجالهم ، وأن الله عجل عذاب الأمم السالفة ، وأخر عذاب أمة محمد صلى الله عليه وسلم وإن كذبوه إلى الموت والقيامة .

وَإِذَا قِيلَ لَهُمُ ٱتَّقُوا۟ مَا بَيْنَ أَيْدِيكُمْ وَمَا خَلْفَكُمْ لَعَلَّكُمْ تُرْحَمُونَ (45)


قوله تعالى : وإذا قيل لهم اتقوا ما بين أيديكم وما خلفكم قال قتادة : يعني اتقوا ما بين أيديكم أي : من الوقائع فيمن كان قبلكم من الأمم ، وما خلفكم من الآخرة . ابن عباس وابن جبير ومجاهد : " ما بين أيديكم " ما مضى من الذنوب " وما خلفكم " ما يأتي من الذنوب . الحسن : " ما بين أيديكم " ما مضى من أجلكم ، " وما خلفكم " ما بقي منه . وقيل : " ما بين أيديكم " من الدنيا ، " وما خلفكم " من عذاب الآخرة ; قاله سفيان . وحكى عكس هذا القول الثعلبي عن ابن عباس . قال : " ما بين أيديكم " من أمر الآخرة وما عملوا لها ، " وما خلفكم " من أمر الدنيا فاحذروها ولا تغتروا بها . وقيل : " ما بين أيديكم " ما ظهر لكم ، " وما خلفكم " ما خفي عنكم . والجواب محذوف ، والتقدير : إذا قيل لهم ذلك أعرضوا ; دليله قوله بعد : وما تأتيهم من آية من آيات ربهم إلا كانوا عنها معرضين فاكتفى بهذا عن ذلك .

وَمَا تَأْتِيهِم مِّنْ ءَايَةٍ مِّنْ ءَايَٰتِ رَبِّهِمْ إِلَّا كَانُوا۟ عَنْهَا مُعْرِضِينَ (46)


إذا قيل له ذلك أعرضوا .

وَإِذَا قِيلَ لَهُمْ أَنفِقُوا۟ مِمَّا رَزَقَكُمُ ٱللَّهُ قَالَ ٱلَّذِينَ كَفَرُوا۟ لِلَّذِينَ ءَامَنُوٓا۟ أَنُطْعِمُ مَن لَّوْ يَشَآءُ ٱللَّهُ أَطْعَمَهُۥٓ إِنْ أَنتُمْ إِلَّا فِى ضَلَٰلٍ مُّبِينٍ (47)


قوله تعالى : وإذا قيل لهم أنفقوا مما رزقكم الله أي : تصدقوا على الفقراء . قال الحسن : يعني اليهود أمروا بإطعام الفقراء . وقيل : هم المشركون ، قال لهم فقراء أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم : أعطونا ما زعمتم من أموالكم أنها لله ; وذلك قوله : وجعلوا لله مما ذرأ من الحرث والأنعام نصيبا فحرموهم وقالوا : لو شاء الله أطعمكم - استهزاء - فلا نطعمكم حتى ترجعوا إلى ديننا .قوله تعالى : " أنطعم " أي أنرزق من لو يشاء الله أطعمه كان بلغهم من قول المسلمين : أن الرازق هو الله . فقالوا هزءا : أنرزق من لو يشاء الله أغناه . وعن ابن عباس : كان بمكة زنادقة ، فإذا أمروا بالصدقة على المساكين قالوا : لا والله! أيفقره الله ونطعمه نحن . وكانوا يسمعون المؤمنين يعلقون أفعال الله تعالى بمشيئته فيقولون : لو شاء الله لأغنى فلانا ; ولو شاء الله لأعز ، ولو شاء الله لكان كذا . فأخرجوا هذا الجواب مخرج الاستهزاء بالمؤمنين ، وبما كانوا يقولونه من تعليق الأمور بمشيئة الله تعالى . وقيل : قالوا هذا تعلقا بقول المؤمنين لهم : أنفقوا مما رزقكم الله أي : فإذا كان الله رزقنا فهو قادر على أن يرزقكم ، فلم تلتمسون الرزق منا ؟ وكان هذا الاحتجاج باطلا ; لأن الله تعالى إذا ملك عبدا مالا ثم أوجب عليه فيه حقا فكأنه انتزع ذلك القدر منه ، فلا معنى للاعتراض . وقد صدقوا في قولهم : لو شاء الله أطعمهم ، ولكن كذبوا في الاحتجاج . ومثله قوله : سيقول الذين أشركوا لو شاء الله ما أشركنا وقوله : قالوا نشهد إنك لرسول الله والله يعلم إنك لرسوله والله يشهد إن المنافقين لكاذبونإن أنتم إلا في ضلال مبين قيل : هو من قول الكفار للمؤمنين ; أي : في سؤال المال وفي اتباعكم محمدا . قال معناه مقاتل وغيره . وقيل : هو من قول أصحاب النبي - صلى الله عليه وسلم - لهم . وقيل : من قول الله تعالى للكفار حين ردوا بهذا الجواب . وقيل : إن أبا بكر الصديق رضي الله عنه - كان يطعم مساكين المسلمين فلقيه أبو جهل فقال : يا أبا بكر أتزعم أن الله قادر على إطعام هؤلاء ؟ قال : نعم . قال : فما باله لم يطعمهم ؟ قال : ابتلى قوما بالفقر ، وقوما بالغنى ، وأمر الفقراء بالصبر ، وأمر الأغنياء بالإعطاء . فقال : والله يا أبا بكر ما أنت إلا في ضلال ، أتزعم أن الله قادر على إطعام هؤلاء وهو لا يطعمهم ثم تطعمهم أنت ؟ فنزلت هذه الآية ، ونزل قوله تعالى : فأما من أعطى واتقى وصدق بالحسنى الآيات . وقيل : نزلت الآية في قوم من الزنادقة ، وقد كان فيهم أقوام يتزندقون فلا يؤمنون بالصانع ، واستهزءوا بالمسلمين بهذا القول ; ذكره القشيري والماوردي .

وَيَقُولُونَ مَتَىٰ هَٰذَا ٱلْوَعْدُ إِن كُنتُمْ صَٰدِقِينَ (48)


" ويقولون متى هذا الوعد " لما قيل لهم : اتقوا ما بين أيديكم وما خلفكم قالوا : " متى هذا الوعد " وكان هذا استهزاء منهم أيضا ، أي : لا تحقيق لهذا الوعيد ،

مَا يَنظُرُونَ إِلَّا صَيْحَةً وَٰحِدَةً تَأْخُذُهُمْ وَهُمْ يَخِصِّمُونَ (49)


قال الله تعالى : " ما ينظرون " أي ما ينتظرون إلا صيحة واحدة وهي نفخة إسرافيل تأخذهم وهم يخصمون أي يختصمون في أمور دنياهم فيموتون في مكانهم ; وهذه نفخة الصعق . وفي " يخصمون " خمس قراءات : قرأ أبو عمرو وابن كثير : " وهم يخصمون " بفتح الياء والخاء وتشديد الصاد . وكذا روى ورش عن نافع . فأما أصحاب القراءات وأصحاب نافع سوى ورش فرووا عنه " يخصمون " بإسكان الخاء وتشديد الصاد على الجمع بين ساكنين ، وقرأ يحيى بن وثاب والأعمش وحمزة : " وهم يخصمون " بإسكان الخاء وتخفيف الصاد من خصمه ، وقرأ عاصم والكسائي وهم يخصمون بكسر الخاء وتشديد الصاد ، ومعناه يخصم بعضهم بعضا . وقيل : تأخذهم وهم عند أنفسهم يختصمون في الحجة أنهم لا يبعثون . وقد روى ابن جبير عن أبي بكر عن عاصم ، وحماد عن عاصم كسر الياء والخاء والتشديد . قال النحاس : القراءة الأولى أبينها ، والأصل فيها يختصمون ، فأدغمت التاء في الصاد فنقلت حركتها إلى الخاء . وفي حرف أبي " وهم يختصمون " وإسكان الخاء لا يجوز ; لأنه جمع بين ساكنين وليس أحدهما حرف مد ولين . وقيل : أسكنوا الخاء على أصلها ، والمعنى يخصم بعضهم بعضا ، فحذف المضاف ، وجاز أن يكون المعنى يخصمون مجادلهم عند أنفسهم ، فحذف المفعول . قال الثعلبي : وهي قراءة أبي بن كعب . قال النحاس : فأما " يخصمون " فالأصل فيه أيضا يختصمون ، فأدغمت التاء في الصاد ثم كسرت الخاء لالتقاء الساكنين . وزعم الفراء أن هذه القراءة أجود وأكثر ; فترك ما هو أولى من إلقاء حركة التاء على الخاء واجتلب لها حركة أخرى وجمع بين ياء وكسرة ، وزعم أنه أجود وأكثر . وكيف يكون أكثر وبالفتح قراءة الخلق من أهل مكة وأهل البصرة وأهل المدينة ؟ ! وما روي عن عاصم من كسر الياء والخاء فللإتباع . وقد مضى هذا في [ البقرة ] في " يخطف أبصارهم " وفي [ يونس ] " يهدي " .وقال عكرمة في قوله - جل وعز - : إلا صيحة واحدة قال : هي النفخة الأولى في الصور . وقال أبو هريرة : ينفخ في الصور والناس في أسواقهم : فمن حالب لقحة ، ومن ذارع ثوبا ، ومن مار في حاجة . وروى نعيم عن أبي هريرة قال : قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم - : تقوم الساعة والرجلان قد نشرا ثوبهما يتبايعانه فلا يطويانه حتى تقوم الساعة ، والرجل يليط حوضه ليسقي ماشيته فما يسقيها حتى تقوم الساعة ، والرجل يخفض ميزانه فما يرفعه حتى تقوم الساعة ، والرجل يرفع أكلته إلى فيه فما يبتلعها حتى تقوم الساعة . وفي حديث عبد الله بن عمرو : وأول من يسمعه رجل يلوط حوض إبله - قال - فيصعق ويصعق الناس . . . الحديث .

فَلَا يَسْتَطِيعُونَ تَوْصِيَةً وَلَآ إِلَىٰٓ أَهْلِهِمْ يَرْجِعُونَ (50)


فلا يستطيعون توصية أي لا يستطيع بعضهم أن يوصي بعضا لما في يده من حق . وقيل : لا يستطيع أن يوصي بعضهم بعضا بالتوبة والإقلاع ; بل يموتون في أسواقهم ومواضعهم .ولا إلى أهلهم يرجعون إذا ماتوا . وقيل : إن معنى ولا إلى أهلهم يرجعون لا يرجعون إليهم قولا . وقال قتادة : ولا إلى أهلهم يرجعون أي : إلى منازلهم ; لأنهم قد أعجلوا عن ذلك .

وَنُفِخَ فِى ٱلصُّورِ فَإِذَا هُم مِّنَ ٱلْأَجْدَاثِ إِلَىٰ رَبِّهِمْ يَنسِلُونَ (51)


قوله تعالى : ونفخ في الصور هذه النفخة الثانية للنشأة . وقد بينا في سورة [ النمل ] أنهما نفختان لا ثلاث . وهذه الآية دالة على ذلك . وروى المبارك بن فضالة عن الحسن قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : بين النفختين أربعون سنة : الأولى يميت الله بها كل حي ، والأخرى يحيي الله بها كل ميت . وقال قتادة : الصور جمع صورة ; أي : نفخ في الصور والأرواح . وصورة وصور مثل سورة البناء وسور ; قال العجاج :ورب ذي سرادق محجور سرت إليه في أعالي السوروقد روي عن أبي هريرة أنه قرأ : ونفخ في الصور . النحاس : والصحيح أن الصور بإسكان الواو : القرن ; جاء بذلك التوقيف عن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - ، وذلك معروف في كلام العرب . أنشد أهل اللغة :نحن نطحناهم غداة الغورين بالضابحات في غبار النقعيننطحا شديدا لا كنطح الصورينوقد مضى هذا في [ الأنعام ] مستوفى . " فإذا هم من الأجداث " أي القبور . وقرئ بالفاء " من الأجداف " ذكره الزمخشري . يقال : جدث وجدف . واللغة الفصيحة الجدث ( بالثاء ) والجمع أجدث وأجداث ; قال المتنخل الهذلي :عرفت بأجدث فنعاف عرق علامات كتحبير النماطواجتدث : أي : اتخذ جدثا . " إلى ربهم ينسلون " أي يخرجون ، قاله ابن عباس وقتادة ، ومنه قول امرئ القيس :فسلي ثيابي من ثيابك تنسليومنه قيل للولد نسل ; لأنه يخرج من بطن أمه . وقيل : يسرعون . والنسلان والعسلان : الإسراع في السير ، ومنه مشية الذئب ; قال :عسلان الذئب أمسى قاربا برد الليل عليه فنسليقال عسل الذئب ونسل ، يعسل وينسل ، من باب ضرب يضرب . ويقال : ينسل بالضم أيضا . وهو الإسراع في المشي ; فالمعنى يخرجون مسرعين . وفي التنزيل : ما خلقكم ولا بعثكم إلا كنفس واحدة وقال : يخرجون من الأجداث كأنهم جراد منتشر وفي " سأل سائل " يوم يخرجون من الأجداث سراعا كأنهم إلى نصب يوفضون أي : يسرعون . وفي الخبر : شكونا إلى النبي - صلى الله عليه وسلم - الضعف فقال : عليكم بالنسل أي : بالإسراع في المشي فإنه ينشط .

قَالُوا۟ يَٰوَيْلَنَا مَنۢ بَعَثَنَا مِن مَّرْقَدِنَا هَٰذَا مَا وَعَدَ ٱلرَّحْمَٰنُ وَصَدَقَ ٱلْمُرْسَلُونَ (52)


قوله تعالى : " قالوا يا ويلنا " قال ابن الأنباري : " يا ويلنا " وقف حسن ، ثم تبتدئ " من بعثنا " وروي عن بعض القراء " يا ويلنا من بعثنا " بكسر من والثاء من البعث . روي ذلك عن علي - رضي الله عنه - ، فعلى هذا المذهب لا يحسن الوقف على قوله : " يا ويلنا " حتى يقول : " من مرقدنا " . وفي قراءة أبي بن كعب " من هبنا " بالوصل " من مرقدنا " فهذا دليل على صحة مذهب العامة . قال المهدوي : قرأ ابن أبي ليلى : " قالوا يا ويلتنا " بزيادة تاء وهو تأنيث الويل ، ومثله : يا ويلتى أألد وأنا عجوز وقرأ علي - رضي الله عنه - : " يا ويلتا من بعثنا " ف " من " متعلقة بالويل ، أو حال من " ويلتا " فتتعلق بمحذوف ; كأنه قال : يا ويلتا كائنا من بعثنا ; وكما يجوز أن يكون خبرا عنه كذلك يجوز أن يكون حالا منه . و " من " من قوله : " من مرقدنا " متعلقة بنفس البعث . ثم قيل : كيف قالوا هذا وهم من المعذبين في قبورهم ؟فالجواب أن أبي بن كعب قال : ينامون نومة . وفي رواية فيقولون : يا ويلتا من أهبنا من مرقدنا . قال أبو بكر الأنباري : لا يحمل هذا الحديث على أن " أهبنا " من لفظ القرآن كما قاله من طعن في القرآن ، ولكنه تفسير " بعثنا " أو معبر عن بعض معانيه . قال أبو بكر : وكذا حفظته " من هبنا " بغير ألف في أهبنا مع تسكين نون " من " . والصواب فيه على طريق اللغة " من اهبنا " بفتح النون على أن فتحة همزة أهب ألقيت على نون " من " وأسقطت الهمزة ; كما قالت العرب : من اخبرك من اعلمك ؟ وهم يريدون من أخبرك . ويقال : أهببت النائم فهب النائم . أنشدنا أحمد بن يحيى النحوي :وعاذلة هبت بليل تلومني ولم يعتمرني قبل ذاك عذولوقال أبو صالح : إذا نفخ النفخة الأولى رفع العذاب عن أهل القبور وهجعوا هجعة إلى النفخة الثانية وبينهما أربعون سنة ، فذلك قولهم : من بعثنا من مرقدنا وقاله ابن عباس وقتادة . وقال أهل المعاني : إن الكفار إذا عاينوا جهنم وما فيها من أنواع العذاب صار ما عذبوا به في قبورهم إلى جنب عذابها كالنوم . قال مجاهد : فقال لهم المؤمنون : هذا ما وعد الرحمن . قال قتادة : فقال لهم من هدى الله : هذا ما وعد الرحمن . وقال الفراء : فقالت لهم الملائكة : هذا ما وعد الرحمن . النحاس : وهذه الأقوال متفقة ، لأن الملائكة من المؤمنين وممن هدى الله عز وجل . وعلى هذا يتأول قول الله - عز وجل - : إن الذين آمنوا وعملوا الصالحات أولئك هم خير البرية وكذا الحديث : المؤمن عند الله خير من كل ما خلق . ويجوز أن تكون الملائكة وغيرهم من المؤمنين قالوا لهم : هذا ما وعد الرحمن . وقيل : إن الكفار لما قال بعضهم لبعض : من بعثنا من مرقدنا صدقوا الرسل لما عاينوا ما أخبروهم به ، ثم قالوا : هذا ما وعد الرحمن وصدق المرسلون فكذبنا به ، أقروا حين لم ينفعهم الإقرار . وكان حفص يقف على من مرقدنا ثم يبتدئ فيقول : هذا . قال أبو بكر بن الأنباري : من بعثنا من مرقدنا وقف حسن ، ثم تبتدئ : " هذا ما وعد الرحمن " ويجوز أن تقف على " مرقدنا هذا " فتخفض هذا على الإتباع للمرقد ، وتبتدئ : " ما وعد الرحمن " على معنى : بعثكم ما وعد الرحمن ، أي : بعثكم وعد الرحمن . النحاس : التمام على " من مرقدنا " و " هذا " في موضع رفع بالابتداء وخبره " ما وعد الرحمن " . ويجوز أن يكون في موضع خفض على النعت ل " مرقدنا " فيكون التمام " من مرقدنا هذا " . " ما وعد الرحمن " في موضع رفع من ثلاث جهات . ذكر أبو إسحاق منها اثنتين قال : يكون بإضمار " هذا " ، والجهة الثانية : أن يكون بمعنى حق ما وعد الرحمن بعثكم ، والجهة الثالثة : أن يكون بمعنى : بعثكم ما وعد الرحمن .

إِن كَانَتْ إِلَّا صَيْحَةً وَٰحِدَةً فَإِذَا هُمْ جَمِيعٌ لَّدَيْنَا مُحْضَرُونَ (53)


إن كانت إلا صيحة واحدة يعني إن بعثهم وإحياءهم كان بصيحة واحدة وهي قول إسرافيل : أيتها العظام البالية ، والأوصال المتقطعة والشعور المتمزقة! إن الله يأمركن أن تجتمعن لفصل القضاء . وهذا معنى قوله الحق : يوم يسمعون الصيحة بالحق ذلك يوم الخروج . وقال : مهطعين إلى الداعي على ما يأتي . وفي قراءة ابن مسعود إن صح عنه " إن كانت إلا زقية واحدة " والزقية الصيحة ، وقد تقدم هذا . فإذا هم جميع لدينا محضرون " فإذا هم " مبتدأ وخبره " جميع " نكرة ، و " محضرون " من صفته . ومعنى محضرون : مجموعون أحضروا موقف الحساب ، وهو كقوله : وما أمر الساعة إلا كلمح البصر

فَٱلْيَوْمَ لَا تُظْلَمُ نَفْسٌ شَيْـًٔا وَلَا تُجْزَوْنَ إِلَّا مَا كُنتُمْ تَعْمَلُونَ (54)


قوله تعالى : فاليوم لا تظلم نفس شيئا أي لا تنقص من ثواب عمل . ولا تجزون إلا ما كنتم تعملون " ما " في محل نصب من وجهين : الأول أنه مفعول ثان لما لم يسم فاعله ، والثاني بنزع حرف الصفة تقديره : إلا بما كنتم تعملون ، أي : تعملونه فحذف .

الصفحة السابقة الصفحة التالية