تفسير سورة البقرة الصفحة 30 من القرآن الكريم

تفسير الصفحة رقم 30 من المصحف


وَٱقْتُلُوهُمْ حَيْثُ ثَقِفْتُمُوهُمْ وَأَخْرِجُوهُم مِّنْ حَيْثُ أَخْرَجُوكُمْ وَٱلْفِتْنَةُ أَشَدُّ مِنَ ٱلْقَتْلِ وَلَا تُقَٰتِلُوهُمْ عِندَ ٱلْمَسْجِدِ ٱلْحَرَامِ حَتَّىٰ يُقَٰتِلُوكُمْ فِيهِ فَإِن قَٰتَلُوكُمْ فَٱقْتُلُوهُمْ كَذَٰلِكَ جَزَآءُ ٱلْكَٰفِرِينَ (191)


القول في تأويل قوله تعالى : وَاقْتُلُوهُمْ حَيْثُ ثَقِفْتُمُوهُمْ وَأَخْرِجُوهُمْ مِنْ حَيْثُ أَخْرَجُوكُمْقال أبو جعفر: يعني تعالى ذكره بذلك: واقتلوا أيها المؤمنون الذين يقاتلونكم من المشركين حيث أصبتم مَقاتلهم وأمكنكم قتلهم، وذلك هو معنى قوله: " حيث ثقفتموهم ".* * *ومعنى " الثِّقْفَة " بالأمر (1) الحِذق به والبصر، يقال: " إنه لثَقِفَ لَقفٌ"، إذا كان جيد الحَذر في القتال، بصيرا بمواقع القتل. وأما " التَّثْقيف " فمعنى غير هذا، وهو التقويم.* * *فمعنى: " واقتلوهم حيث ثقفتموهم "، اقتلوهم في أي مكان تمكنتم من قتلهم، وأبصرتم مقاتلهم.* * *وأما قوله: " وأخرجوهم من حيث أخرجوكم " فإنه يُعنى بذلك المهاجرين الذين أخرجوا من ديارهم ومنازلهم بمكة، فقال لهم تعالى ذكره: أخرجوا هؤلاء الذين يقاتلونكم - وقد أخرجوكم من دياركم - من مساكنهم وديارهم كما أخرجوكم منها.* * *القول في تأويل قوله تعالى : وَالْفِتْنَةُ أَشَدُّ مِنَ الْقَتْلِقال أبو جعفر: يعني تعالى ذكره بقوله: " والفتنة أشد من القتل "، والشرك بالله أشدُّ من القتل.* * *وقد بينت فيما مضى أن أصل " الفتنة " الابتلاءُ والاختبار (2)* * *فتأويل الكلام: وابتلاء المؤمن في دينه حتى يرجعَ عنه فيصير مشركا بالله من بعد إسلامه، أشدُّ عليه وأضرُّ من أن يُقتل مقيمًا على دينه متمسكا عليه، مُحقًّا فيه. كما:3096 - حدثني محمد بن عمرو قال، حدثنا أبو عاصم قال، حدثنا عيسى، عن ابن أبي نجيح، عن مجاهد في قول الله: " والفتنة أشدُّ من القتل " قال: ارتداد المؤمن إلى الوَثن أشدُّ عليه من القتل.3097- حدثني المثنى قال، حدثنا أبو حذيفة قال، حدثنا شبل، عن ابن أبي نجيح، عن مجاهد مثله.3098 - حدثنا بشر بن معاذ، قال: حدثنا يزيد قال، حدثنا سعيد، عن قتادة قوله: " والفتنة أشدُّ من القتل " يقول: الشرك أشدُّ من القتل.3099- حدثنا الحسن بن يحيى، قال، أخبرنا عبد الرزاق، قال، أخبرنا معمر، عن قتادة مثله.3100- حدثت عن عمار بن الحسن، قال، حدثنا ابن أبي جعفر، عن أبيه، عن الربيع: " والفتنة أشدُّ من القتل " يقول: الشرك أشدُّ من القتل.3101 - حدثني المثنى قال، حدثنا إسحاق قال، حدثنا أبو زهير، عن جويبر، عن الضحاك: " والفتنة أشدُّ من القتل " قال: الشرك.3102- حدثنا القاسم قال، حدثنا الحسين، قال، حدثني حجاج، قال، قال ابن جريج، أخبرني عبد الله بن كثير، عن مجاهد في قوله: " والفتنة أشدُّ من القتل " قال: الفتنة الشركُ.3103- حدثت عن الحسين بن الفرج، قال، سمعت الفضل بن خالد قال، حدثنا عبيد بن سليمان، عن الضحاك: " والفتنة أشدُّ من القتل " قال: الشرك أشدُّ من القتل.3104- حدثني يونس، قال: أخبرنا ابن وهب، قال، قال ابن زيد في قوله جل ذكره: " والفتنة أشدُّ من القتل " قال: فتنة الكفر.* * *القول في تأويل قوله تعالى : وَلا تُقَاتِلُوهُمْ عِنْدَ الْمَسْجِدِ الْحَرَامِ حَتَّى يُقَاتِلُوكُمْ فِيهِ فَإِنْ قَاتَلُوكُمْ فَاقْتُلُوهُمْ كَذَلِكَ جَزَاءُ الْكَافِرِينَ (191)قال أبو جعفر: والقَرَأةُ مختلفة في قراءة ذلك.فقرأته عامَّة قراء المدينة ومكة: " ولا تُقاتلوهم عندَ المسجد الحرام حتى يُقاتلوكم فيه فإن قاتلوكم فاقتلوهم " بمعنى: ولا تبتدئوا - أيها المؤمنون - المشركين بالقتال عند المسجد الحرام، حتى يبدءوكم به، فإن بدءوكم به هناك عند المسجد الحرَام في الحرم، فاقتلوهم، فإن الله جعل ثَواب الكافرين على كفرهم وأعمالهم السيئة، القتلُ في الدنيا، والخزي الطويل في الآخرة، كما:3105- حدثنا بشر بن معاذ قال، حدثنا يزيد قال، حدثنا سعيد، عن قتادة قوله: " ولا تقاتلوهم عندَ المسجد الحرام حتى يُقاتلوكم فيه " كانوا لا يُقاتلون فيه حتى يُبدأوا بالقتال، ثم نسخ بعدُ ذلك فقال: وَقَاتِلُوهُمْ حَتَّى لا تَكُونَ فِتْنَةٌ = حتى لا يكون شركٌ = وَيَكُونَ الدِّينُ لِلَّهِ = أن يقال: لا إله إلا الله، عليها قاتل نبيُّ الله، وإليها دعا.3106- حدثني المثنى قال، حدثنا الحجاج بن المنهال قال، حدثنا همام، عن قتادة: " ولا تقاتلوهم عند المسجد الحرام حتى يقاتلوكم فيه فإن قاتلوكم فاقتلوهم "، فأمر الله نبيَّه صلى الله عليه وسلم أن لا يقاتلهم عند المسجد الحرام إلا أن يبدءوا فيه بقتال، ثم نسخ الله ذلك بقوله: فَإِذَا انْسَلَخَ الأَشْهُرُ الْحُرُمُ فَاقْتُلُوا الْمُشْرِكِينَ حَيْثُ وَجَدْتُمُوهُمْ [سورة التوبة: 5] فأمر الله نبيَّه إذا انقضى الأجل أن يقاتلهم في الحِلِّ والحرَم وعند البيت، حتى يشهدوا أن لا إله إلا الله، وأنّ محمدا رسولُ الله.3107- حدثت عن عمار بن الحسن قال، حدثنا عبد الله بن أبي جعفر، عن أبيه، عن الربيع قوله: " ولا تقاتلوهم عند المسجد الحرام حتى يقاتلوكم فيه " فكانوا لا يقاتلونهم فيه، ثم نسخ ذلك بعدُ فقال: قاتلوهم حتى لا تكون فتنة.* * *وقال بعضُهم: هذه آيةٌ محكمة غيرُ منسوخة.* ذكر من قال ذلك:3108- حدثنا المثنى قال، حدثنا أبو حذيفة قال، حدثنا شبل، عن ابن أبي نجيح، عن مجاهد: " فإن قاتلوكم " في الحرم فَاقتلوهم كذلك جزاءُ الكافرين، لا تقاتل أحدا فيه، فمن عَدا عليك فقاتلك فقاتِله كما يقاتلك.* * *وقرأ ذلك عُظْم قراء الكوفيين: " ولا تَقْتلوهم عند المسجد الحرامَ حتى يَقْتلوكم فيه فإن قَتلوكم فاقتلوهم " بمعنى: ولا تبدأوهم بقتل حتى يبدأوكم به.* ذكر من قال ذلك:3109 - حدثنا المثنى قال، حدثنا إسحاق قال، حدثنا عبد الرحمن بن أبي حماد، عن أبي حماد، عن حمزة الزيات قال: قلت للأعمش: أرأيت قراءتك: " ولا تَقتلوهم عند المسجد الحرام حتى يَقتلوكم فيه فإن قَتلوكم فاقتلوهم كذلك جَزاءُ الكافرين فإن انتهوا فإن الله غفورٌ رَحيم "، إذا قَتلوهم كيف يقتلونهم؟ قال: إن العرب إذا قُتل منهم رجل قالوا: " قُتلنا "، وإذا ضُرب منهم رجل قالوا: " ضربنا " (3) .* * *قال أبو جعفر: وأولى هاتين القراءتين بالصواب، قراءةُ من قرأ: " ولا تُقاتلوهم عند المسجد الحرامَ حتى يقاتلوكم فيه فإن قاتلوكم فاقتلوهم " لأن الله تعالى ذكره لم يأمر نبيَّه صلى الله عليه وسلم وأصحابه في حالٍ = إذا قاتلهم المشركون = بالاستسلام لهم حتى يَقتلوا منهم قتيلا بعد ما أذن لَهُ ولهم بقتالهم، فتكونَ القراءة بالإذن بقتلهم بعد أن يَقتلوا منهم، أولى من القراءة بما اخترنا. وإذا كان ذلك كذلك، فمعلومٌ أنه قد كان تعالى ذكره أذِن لهم بقتالهم إذا كان ابتداء القتال من المشركين قَبل أن يقتلوا منهم قتيلا وبعد أن يقتلوا منهم قتيلا.وقد نسخ الله تعالى ذكره هذه الآية بقوله: وَقَاتِلُوهُمْ حَتَّى لا تَكُونَ فِتْنَةٌ ، وقوله: فَاقْتُلُوا الْمُشْرِكِينَ حَيْثُ وَجَدْتُمُوهُمْ [سورة التوبة: 5] ونحو ذلك من الآيات.* * *وقد ذكرنا بعضَ قول من قال هي منسوخة، وسنذكر قول من حضرنا ذكرُه ممن لم يُذكر.3110 - حدثنا الحسن بن يحيى قال، حدثنا عبد الرزاق، قال: أخبرنا معمر، عن قتادة: " ولا تُقاتلوهم عندَ المسجد الحرام حتى يقاتلوكم فيه " قال: نسخها قوله: فَاقْتُلُوا الْمُشْرِكِينَ حَيْثُ وَجَدْتُمُوهُمْ .3111- حدثني يونس، قال، أخبرنا ابن وهب قال، قال ابن زيد في قوله: " ولا تقاتلوهم عند المسجد الحرام حتى يُقاتلوكم فيه " قال: حتى يبدأوكم، كان هذا قد حُرِّم فأحل الله ذلك له، فلم يزل ثابتا حتى أمره الله بقتالهم بعدُ.--------------------الهوامش :(1) هذا مصدر لم أجده في كتب اللغة ، وكأنه كما ضبطته بكسر الثاء على وزن"حكمة ونشدة" . والذي ذكروه : "ثقف الشيء ثقفا وثقافا وثقوفة" .(2) انظر ما سلف 2 : 444 .(3) الخبر : 3109- عبد الرحمن بن أبي حماد سكين الكوفي : ترجمه ابن الجزري في طبقات القراء 1 : 369-370 ، وذكر أنه أخذ القراءة عن حمزة الزيات ، "وهو أحد الذين خلفوه في القيام بالقراءة" .

فَإِنِ ٱنتَهَوْا۟ فَإِنَّ ٱللَّهَ غَفُورٌ رَّحِيمٌ (192)


القول في تأويل قوله تعالى : فَإِنِ انْتَهَوْا فَإِنَّ اللَّهَ غَفُورٌ رَحِيمٌ (192)قال أبوجعفر: يعني تعالى ذكره بذلك: فإن انتهى الكافرون الذين يقاتلونكم عن قتالكم وكفرهم بالله، فتركوا ذلك وتابوا،" فإن الله غفور " لذنوب من آمن منهم وتاب من شركه، وأناب إلى الله من معاصيه التي سلفت منه وأيامه التي مَضت =" رحيم " به في آخرته بفضله عليه، وإعطائه ما يعطى أهل طاعته من الثواب بإنابته إلى محبته من معصيته. كما:3112 - حدثنا المثنى قال، حدثنا أبو حذيفة قال، حدثنا شبل، عن ابن أبي نجيح، عن مجاهد: " فإن انتهوا " = فإن تابوا =" فإن الله غفورٌ رَحيم ".

وَقَٰتِلُوهُمْ حَتَّىٰ لَا تَكُونَ فِتْنَةٌ وَيَكُونَ ٱلدِّينُ لِلَّهِ فَإِنِ ٱنتَهَوْا۟ فَلَا عُدْوَٰنَ إِلَّا عَلَى ٱلظَّٰلِمِينَ (193)


القول في تأويل قوله تعالى : وَقَاتِلُوهُمْ حَتَّى لا تَكُونَ فِتْنَةٌ وَيَكُونَ الدِّينُ لِلَّهِقال أبو جعفر: يقول تعالى ذكره لنبيه محمد صلى الله عليه وسلم: وقاتلوا المشركين الذين يقاتلونكم حتى لا تكون فتنة = يعني: حتى لا يكون شركٌ بالله، وحتى لا يُعبد دونه أحدٌ، وتضمحلَّ عبادة الأوثان والآلهة والأنداد، وتكونَ العبادة والطاعة لله وحده دون غيره من الأصنام والأوثان، كما قال قتادة فيما:3113- حدثنا بشر بن معاذ قال، حدثنا يزيد قال، حدثنا سعيد، عن قتادة قوله: " وقاتلوهم حتى لا تكون فتنة " قال: حتى لا يكون شرك.3114- حدثنا الحسن بن يحيى، قال، أخبرنا عبد الرزاق، قال، أخبرنا معمر، عن قتادة في قوله: " وقاتلوهم حَتى لا تكون فتنة " قال: حتى لا يكون شرك.3115 - حدثني محمد بن عمرو قال، حدثنا أبو عاصم قال، حدثنا عيسى، عن ابن أبي نجيح، عن مجاهد: " وقاتلوهم حتى لا تكون فتنة " قال: الشرك " ويكون الدِّين لله ".3116- حدثني المثنى قال، حدثنا أبو حذيفة قال، حدثنا شبل، عن ابن أبي نجيح، عن مجاهد مثله.3117 - حدثني موسى بن هارون، قال، حدثنا عمرو بن حماد قال، حدثنا أسباط، عن السدي: " وقاتلوهم حتى لا تكون فتنة " قال: أما الفتنة فالشرك.3118 - حدثني محمد بن سعد، قال، حدثني أبي، قال، حدثني عمي، قال، حدثني أبي، عن أبيه، عن ابن عباس قوله: " وقاتلوهم حتى لا تكونَ فتنة "، يقول: قاتلوا حتى لا يكون شِرك.3119 - حدثت عن عمار بن الحسن قال، حدثنا ابن أبي جعفر، عن أبيه، عن الربيع: " وقاتلوهم حَتى لا تكونَ فتنة " أي شركٌ.3120- حدثني يونس، قال، أخبرنا ابن وهب، قال، قال ابن زيد في قوله: " وقاتلوهم حتى لا تكون فتنة " قال: حتى لا يكون كفر، وقرأ تُقَاتِلُونَهُمْ أَوْ يُسْلِمُونَ [سورة الفتح: 16].3121- حدثني علي بن داود قال، حدثنا عبد الله بن صالح، قال، حدثني معاوية بن صالح، عن علي بن أبي طلحة، عن ابن عباس: " وقاتلوهم حتى لا تكون فتنة " يقول: شركٌ.* * *وأما " الدين "، الذي ذكره الله في هذا الموضع (4) فهو العبادة والطاعة لله في أمره ونهيه، من ذلك قول الأعشى:هُوَ دَانَ الرِّبَابَ, إِذْ كَرِهُوا الدِّينَ, دِرَاكًا بِغَزْوَةٍ وَصِيَالِ (5)يعني بقوله: " إذ كرهوا الدين "، إذ كرهوا الطاعة وأبوْها.* * *وبنحو الذي قلنا في ذلك قال أهل التأويل.* ذكر من قال ذلك:3122- حدثت عن عمار بن الحسن قال، حدثنا ابن أبي جعفر، عن أبيه، عن الربيع: " ويكونَ الدِّينُ لله " يقول: حتى لا يُعبد إلا الله، وذلك " لا إله إلا الله "، عليه قاتل النبيُّ صلى الله عليه وسلم وإليه دعا، فقال النبي صلى الله عليه وسلم: " إنّي أمرتُ أن أقاتِل الناسَ حتى يَقولوا لا إله إلا الله، ويقيموا الصلاة، ويؤتوا الزكاة، فإذا فعلوا ذلك فقد عَصموا مني دماءهم وأموالهم إلا بحقِّها وحسابهم على الله ".3123- حدثنا بشر بن معاذ قال، حدثنا يزيد قال، حدثنا سعيد، عن قتادة: " ويكون الدِّينُ لله " أن يقال: " لا إله إلا الله ". ذُكِر لنا أن نبيَّ الله صلى الله عليه وسلم كان يقول: " إنّ الله أمرَني أن أقاتِل الناسَ حتى يقولوا لا إله إلا الله ". ثم ذكر مثل حديث الربيع.* * *القول في تأويل قوله تعالى : فَإِنِ انْتَهَوْا فَلا عُدْوَانَ إِلا عَلَى الظَّالِمِينَ (193)قال أبو جعفر: يعني تعالى ذكره بقوله: " فإن انتهوا " فإن انتهى الذين يقاتلونكم من الكفار عن قتالكم، ودَخلوا في ملّتكم، وأقرُّوا بما ألزمكم الله من فرائضه، وتركوا ما هم عليه من عبادة الأوثان، فدعوا الاعتداءَ عليهم وقتالَهم وجهادَهم، فإنه لا ينبغي أن يُعتدى إلا على الظالمين -وهم المشركون بالله، والذين تركوا عبادته وعبدوا غيرَ خالقهم.* * *فإن قال قائل: وهل يجوز الاعتداء على الظالم فيقال: " فَلا عُدوان إلا على الظالمين "؟ (6) .قيل: إن المعنى في ذلك على غير الوجه الذي إليه ذهبتَ، وإنما ذلك على وَجه المجازاة، لما كان من المشركين من الاعتداء، يقول: افعلوا بهم مثل الذي فعلوا بكم، كما يقال: " إن تَعاطيتَ منّي ظلما تعاطيته منك "، والثاني ليس بظلم، كما قال عمرو بن شأس الأسديّ:جَزَيْنَا ذَوِى العُدْوَانِ بِالأمْسِ قَرْضَهُمْقِصَاصًا, سَواءً حَذْوَكَ النَّعْلَ بِالنَّعْلِ (7)وإنما كان ذلك نظير قوله: اللَّهُ يَسْتَهْزِئُ بِهِمْ [سورة البقرة: 15] و فَيَسْخَرُونَ مِنْهُمْ سَخِرَ اللَّهُ مِنْهُمْ [سورة التوبة: 79] وقد بينا وجه ذلك ونظائره فيما مَضى قبلُ (8) .* * *وبالذي قلنا في ذلك من التأويل قال جماعة من أهل التأويل.* ذكر من قال ذلك:3124 - حدثنا بشر بن معاذ قال، حدثنا يزيد قال، حدثنا سعيد، عن قتادة قوله: " فلا عُدوان إلا على الظالمين " والظالم الذي أبى أن يقول: " لا إله إلا الله ".3125 - حدثني المثنى قال، حدثنا إسحاق قال، حدثنا ابن أبي جعفر، عن أبيه، عن الربيع." فلا عُدوان إلا على الظالمين " قال: هم المشركون.3126 - حدثني المثنى، قال، ثنا محمد بن جعفر قال، حدثنا عثمان بن غياث، قال، سمعت عكرمة في هذه الآية: " فلا عدوان إلا على الظالمين "، قال: هُم من أبى أن يقول: " لا إله إلا الله ".* * *وقال آخرون: معنى قوله: " فلا عدوان إلا على الظالمين " فلا تقاتل إلا من قاتل.* ذكر من قال ذلك:3127 - حدثني محمد بن عمرو قال، حدثنا أبو عاصم قال، حدثنا عيسى، عن ابن أبي نجيح، عن مجاهد: " فإن انتهوا فلا عُدوان إلا على الظالمين " يقول: لا تقاتلوا إلا من قاتلكم.3128- حدثني المثنى، قال، حدثنا أبو حذيفة قال، حدثنا شبل، عن ابن أبي نجيح، عن مجاهد، مثله.3129 - حدثني موسى بن هارون قال، حدثنا عمرو قال، حدثنا أسباط، عن السدي، قال: " فإن انتهوا فلا عُدوان إلا على الظالمين " فإنّ الله لا يحب العُدوان على الظالمين ولا على غيرهم، ولكن يقول: اعتدُوا عليهم بمثل ما اعتدوْا عليكم.* * *قال أبو جعفر: فكان بعض أهل العربية من أهل البصرة يقول في قوله: " فإن انتهوْا فلا عُدوان إلا على الظالمين " لا يجوز أن يقول: " فإن انتهوا " إلا وقد علم أنهم لا يَنتهون إلا بعضهم، فكأنه قال: فإن انتهى بعضُهم، فلا عُدوان إلا على الظالمين منهم، فأضمر كما قال: فَمَنْ تَمَتَّعَ بِالْعُمْرَةِ إِلَى الْحَجِّ فَمَا اسْتَيْسَرَ مِنَ الْهَدْيِ [سورة البقرة: 196] يريد: فعليه ما استيسر من الهدي، وكما يقول: " إلى مَن تقصد أقصد " يعني: إليه.وكان بعضهم ينكر الإضمار في ذلك ويتأوله: فإن انتهوا فإن الله غفورٌ رحيم لمن انتهى، ولا عُدوان إلا على الظالمين الذين لا ينتهون.-----------الهوامش:وأما شيخه -في هذا الإسناد-"أبو حماد" : فلا ندري من هو؟ والظن أنه زيادة خطأ من الناسخين . وهكذا ظن أخي السيد محمود ، أيضًا .(4) انظر معنى"الدين" فيما سلف 1 : 155 ، 221 .(5) ديوانه : 12 وسيأتي في التفسير 3 : 141 (بولاق) ، قالها في مدح الأسود بن المنذر اللخمي ، أخي النعمان بن المنذر لأمه ، وأم الأسود من تيم الرباب . هذا قول أبي عبيدة ، والصواب ما قال غيره : أنه قالها في مدح المنذر بن الأسود ، وكان غزا الحليفين أسدا وذبيان ، ثم أغار على الطف ، فأصاب نعما وأسرى وسبيا من رهط الأعشى بني سعد بن ضبيعة بن ثعلبة ، والأعشى غائب . فلما قدم وجد الحي مباحا . فأتاه فأنشده ، وسأله أن يهب له الأسرى ويحملهم ، ففعل .والرباب (بكسر الراء) هم بنو عبد مناة بن أد : تيم وعدي وعوف وثور ، اجتمعوا فتحالفوا مع بني عمهم ضبة بن أد ، على بني عمهم تميم بن أد . فجاؤوا برب (تمر مطبوخ) فغمسوا فيه أيديهم ، فسموا"الرباب" ، ثم خرجت ضبة عنهم ، واكتفت بعددها .وقوله : "دان الرباب" أي أذلهم واستعبدهم وحملهم على الطاعة . وقوله : "دراكا" ، متتابعا يدرك بعضه بعضا . والصيال : السطرة . صال على عدوه : وثب عليه وسطا . يقول تابع غزوهم والسطو حتى دانو بالطاعة .(6) انظر معنى"العدوان" فيما سلف 2 : 307 ، وهذا الجزء 3 : 376 ، 564 .(7) لم أجد البيت ، وشعر عمرو بن شأس على كثرته وجودته ، قد ضاع أكثره .(8) انظر ما سلف 1 : 301-306 .

ٱلشَّهْرُ ٱلْحَرَامُ بِٱلشَّهْرِ ٱلْحَرَامِ وَٱلْحُرُمَٰتُ قِصَاصٌ فَمَنِ ٱعْتَدَىٰ عَلَيْكُمْ فَٱعْتَدُوا۟ عَلَيْهِ بِمِثْلِ مَا ٱعْتَدَىٰ عَلَيْكُمْ وَٱتَّقُوا۟ ٱللَّهَ وَٱعْلَمُوٓا۟ أَنَّ ٱللَّهَ مَعَ ٱلْمُتَّقِينَ (194)


القول في تأويل قوله تعالى : الشَّهْرُ الْحَرَامُ بِالشَّهْرِ الْحَرَامِ وَالْحُرُمَاتُ قِصَاصٌقال أبو جعفر: يعني بقوله جل ثناؤه: " الشهر الحرام بالشهر الحرام " ذا القعدة، وهو الشهر الذي كان رسولُ الله صلى الله عليه وسلم اعتمر فيه عُمرة الحديبية، فصدّه مشركو أهل مكة عن البيت ودخول مكة، سنة ست من هجرته، وصالح رسول الله صلى الله عليه وسلم المشركين في تلك السنة، على أن يعود من العام المقبل، فيدخل مكة ويقيم ثلاثا، فلما كان العامُ المقبل، وذلك سنة سبع من هجرته، خرج معتمرا وأصحابه في ذي القَعدة - وهو الشهر الذي كان المشركون صدُّوه عن البيت فيه في سنة ست- وأخلى له أهل مكة البلد حتى دخلها رسولُ الله صلى الله عليه وسلم، فقضى حاجته منها، وأتم عمرته، وأقام بها ثلاثا، ثم خرج منها منصرفا إلى المدينة، فقال الله جل ثناؤه لنبيه صلى الله عليه وسلم وللمسلمين مَعه " الشهرُ الحرام " = يعني ذا القَعدة، الذي أوصَلكم الله فيه إلى حَرَمه وبيته، على كراهة مشركي قُريش ذلك، حتى قضيتم منه وَطَركم =" بالشهر الحرام "، الذي صدكم مشركو قريش العامَ الماضيَ قَبله فيه حتى انصرفتم عن كره منكم عن الحرم، فلم تدخلوه، ولم تصلوا إلى بيت الله، فأقصَّكم الله أيها المؤمنون من المشركين بإدخالكم الحرم في الشهر الحرام على كره منهم لذلك، بما كان منهم إليكم في الشهر الحرام من الصدّ والمنْع من الوصول إلى البيت. كما:3130 - حدثني محمد بن عبد الله بن بزيع قال، حدثنا يوسف - يعني: ابن خالد السَّمْتيّ - قال، حدثنا نافع بن مالك، عن عكرمة، عن ابن عباس في قوله: " والحرمات قصاص " قال: هم المشركون، حبسوا محمدا صلى الله عليه وسلم في ذي القَعدة، فَرَجَعه الله في ذي القَعدة فأدخله البيتَ الحرام، فاقتص له منهم (9) .3131 - حدثني محمد بن عمرو قال، حدثنا أبو عاصم قال، حدثنا عيسى، عن ابن أبي نجيح، عن مجاهد في قول الله جل ثناؤه: " الشهرُ الحرامُ بالشهر الحرام والحُرماتُ قِصَاص " قال: فخرت قريش بردِّها رسولَ الله صلى الله عليه وسلم يوم الحُديبية محرِما في ذي القَعدة عن البلد الحرام، فأدخله الله مكة في العام المقبل من ذي القَعدة، فقضى عُمرته، وأقصَّه بما حيل بينه وبينها يوم الحديبية.3132- حدثني المثنى قال، حدثني أبو حذيفة قال، حدثنا شبل، عن ابن أبي نجيح، عن مجاهد، مثله.3133 - حدثنا بشر بن معاذ، قال، حدثنا يزيد قال، حدثنا سعيد، عن قتادة قوله: " الشهرُ الحرامُ بالشهر الحرام والحُرمات قِصَاص " أقبل نبيّ الله صلى الله عليه وسلم وأصحابه فاعتمروا في ذي القَعدة ومعهم الهدي، حتى إذا كانوا بالحديبية صدّهم المشركون، فصالحهم نبيُّ الله صلى الله عليه وسلم على أن يرجع من عامه ذلك، حتى يرجع من العام المقبل فيكون بمكة ثلاثة أيام ولا يدخلها إلا بسلاح راكب ويخرج، ولا يخرج بأحد من أهل مكة، فنحروا الهدْي بالحديبية، وحلَّقوا وَقصَّروا. حتى إذا كان من العام المقبل، أقبل نبيُّ الله وأصحابه حتى دخلوا مكة، فاعتمروا في ذي القَعدة، فأقاموا بها ثلاث ليال، فكان المشركون قد فخروا عليه حين ردُّوه يوم الحديبية، فأقصَّه الله منهم، فأدخله مكة في ذلك الشهر الذي كانوا ردُّوه فيه في ذي القَعدة، فقال الله: " الشهرُ الحرامُ بالشهر الحرام والحُرمات قصَاص ".3134 - حدثنا الحسن بن يحيى، قال: أخبرنا عبد الرزاق، قال: أخبرنا معمر، عن قتادة، وعن عثمان، عن مقسم في قوله: " الشهرُ الحرام بالشهر الحرام والحُرمات قصَاص " قالا كان هذا في سَفر الحديبية، صدَّ المشركون النبي صلى الله عليه وسلم وأصحابه عن البيت في الشهر الحرام، فقاضوا المشركين يومئذ قضيّة: (10) أنّ لكم أن تعتمروا في العام المقبل - في هذا الشهر الذي صدُّوهم فيه، فجعل الله تعالى ذكره لهم شهرًا حرامًا يعتمرون فيه، مكانَ شهرهم الذي صُدُّوا، فلذلك قال: " والحُرمات قصَاص ".3135 - حدثني موسى بن هارون قال، حدثنا عمرو بن حماد قال، حدثنا أسباط، عن السدي: " الشهرُ الحرام بالشهر الحرام والحرمات قِصَاص " قال: لما اعتمر رسول الله صلى الله عليه وسلم عُمرة الحديبية في ذي القعدة سنة ستٍّ من مُهاجَره، صدَّه المشركون وأبوا أن يتركوه، ثم إنهم صالحوه في صُلحهم على أن يُخْلوا له مكة من عام قابل ثلاثةَ أيام، يخرجون ويتركونه فيها، فأتاهم رسول الله صلى الله عليه وسلم بعد فتح خَيْبر من السنة السابعة، فخَلَّوْا له مكة ثلاثة أيام، فنكح في عُمرته تلك مَيمونة بنت الحارث الهلالية.3136 - حدثني المثنى قال، حدثنا إسحاق قال، حدثنا أبو زهير عن جويبر، عن الضحاك في قوله: " الشهرُ الحرَام بالشهر الحرام والحرماتُ قِصاص "، أحصَرُوا النبي صلى الله عليه وسلم في ذي القَعدة عن البيت الحرام (11) فأدخله الله البيت الحرامَ العامَ المقبلَ، واقتصَّ له منهم، فقال: " الشهرُ الحرامُ بالشهر الحرام والحُرمات قصاص ".3137 - حدثنا المثنى قال، حدثنا إسحاق قال، حدثنا ابن أبي جعفر، عن أبيه، عن الربيع، قال: أقبل نبي الله صلى الله عليه وسلم وأصحابه فأحرَموا بالعمرة في ذي القَعدة ومعهم الهدْي، حتى إذا كانوا بالحديبية صدهم المشركون، فصالحهم رسول الله صلى الله عليه وسلم أن يرجع ذلك العامَ حتى يرجع العامَ المقبل، فيقيم بمكة ثلاثة أيام ولا يخرج معه بأحد من أهل مكة. فنحروا الهديَ بالحديبية وحلَّقوا وقصَّروا. حتى إذا كانوا من العام المقبل، أقبل النبي صلى الله عليه وسلم وأصحابه حتى دخلوا مكة، فاعتمروا في ذي القَعدة، وأقاموا بها ثلاثة أيام، وكان المشركون قد فخروا عليه حين ردُّوه يوم الحديبية، فقاصَّ الله له منهم، وأدخله مكة في ذلك الشهر الذي كانوا ردُّوه فيه في ذي القعدة. قال الله جل ثناؤه: " الشهرُ الحرام بالشهر الحرام والحرمات قصاص ".3138- حدثني محمد بن سعد، قال، حدثني أبي، قال، حدثني عمي، قال، حدثني أبي، عن أبيه، عن ابن عباس قوله: " والحُرمات قصاص " فهم المشركون، كانوا حبسوا محمدا صلى الله عليه وسلم في ذي القعدة عن البيت، ففخروا عليه بذلك، فرجعه الله في ذي القعدة، فأدخله الله البيت الحرام واقتصَّ له منهم.3139 - حدثني يونس، قال، أخبرنا ابن وهب، قال، قال ابن زيد في قوله: " الشهرُ الحرامُ بالشهر الحرام " حتى فرغ من الآية، قال: هذا كله قد نُسخ، أمرَه أن يجاهد المشركين. وقرأ: وَقَاتِلُوا الْمُشْرِكِينَ كَافَّةً كَمَا يُقَاتِلُونَكُمْ كَافَّةً [سورة التوبة: 36] وقرأ: قَاتِلُوا الَّذِينَ يَلُونَكُمْ مِنَ الْكُفَّارِ [سورة التوبة: 123] العرب، فلما فرغ منهم، قال الله جل ثناؤه: قَاتِلُوا الَّذِينَ لا يُؤْمِنُونَ بِاللَّهِ وَلا بِالْيَوْمِ الآخِرِ وَلا يُحَرِّمُونَ مَا حَرَّمَ اللَّهُ وَرَسُولُهُ حتى بلغ قوله: وَهُمْ صَاغِرُونَ [سورة التوبة: 29] قال: وهم الروم. قال: فوَجَّه إليهم رسول الله صلى الله عليه وسلم.3140 - حدثنا ابن بشار قال، حدثنا عبد الوهاب الثقفي قال، حدثنا أيوب، عن عكرمة، عن ابن عباس في هذه الآية: " الشهرُ الحرامُ بالشهر الحرام والحرماتُ قصاص " قال: أمركم الله بالقصاص، [ويأخذ] منكم العدوان (12) .3141 - حدثنا القاسم قال، حدثنا الحسين قال، حدثنا حجاج، عن ابن جريج، قال، قلت لعطاء، وسألته عن قوله: " الشهر الحرام بالشهر الحرام والحُرمات قصاص " قال: نزلت في الحديبية، مُنعوا في الشهر الحرام، فنزلت: " الشهر الحرام بالشهر الحرام ": عمرة في شهر حرام، بعمرة في شهر حرام.* * *قال أبو جعفر: وإنما سمى الله جل ثناؤه ذا القَعدة " الشهرَ الحرام "، لأن العرب في الجاهلية كانت تحرِّم فيه القتال والقتل، وتضع فيه السلاح، ولا يقتل فيه أحدٌ أحدًا، ولو لقي الرجل قاتل أبيه أو ابنه. وإنما كانوا سموه " ذا القَعدة " لقعودهم فيه عن المغازي والحروب، فسماه الله بالاسم الذي كانت العرب تُسمِّيه به.* * *وأما " الحرمات " فإنها جمع " حُرْمة "،" كالظلمات " جمع " ظلمة "،" والحجرات " جمع " حُجرة ". وإنما قال جل ثناؤه: " والحرمات قصاص " فجمع، لأنه أراد: الشهرَ الحرام، والبلد الحرام وحُرمة الإحرام.* * *فقال جل ثناؤه لنبيه محمد والمؤمنين معه: دخولكم الحرَم، بإحرامكم هذا، في شهركم هذا الحرام، قصاصُ مما مُنعتم من مثله عامَكم الماضي، وذلك هو " الحرمات " التي جعلها الله قصَاصًا.* * *وقد بينا أن " القصاص " هو المجازاة من جهة الفعل أو القول أو البَدن ، وهو في هذا الموضع من جهة الفعل (13) .* * *القول في تأويل قوله تعالى : فَمَنِ اعْتَدَى عَلَيْكُمْ فَاعْتَدُوا عَلَيْهِ بِمِثْلِ مَا اعْتَدَى عَلَيْكُمْقال أبو جعفر: اختلف أهل التأويل فيما نزل فيه قوله: " فمن اعتدَى عليكم فاعتدوا عليه بمثل ما اعتدى عليكم ".فقال بعضهم بما:3142- حدثني به المثنى قال، حدثنا عبد الله بن صالح، قال، حدثني معاوية بن صالح، عن علي بن أبي طلحة، عن ابن عباس قوله: " فمن اعتدى عليكم فاعتدوا عليه بمثل ما اعتدى عليكم " فهذا ونحوه نزل بمكة والمسلمون يومئذ قليل، وليس لهم سلطانٌ يقهرُ المشركين، وكان المشركون يتعاطونهم بالشتم والأذى، فأمر الله المسلمين، مَنْ يجازي منهم أن يجازِيَ بمثل ما أُتي إليه أو يصبر أو يعفوَ فَهو. أمثل فلما هاجر رسولُ الله صلى الله عليه وسلم إلى المدينة، وأعزّ الله سلطانه أمرَ المسلمين أن ينتهوا في مظالمهم إلى سُلطانهم، وأن لا يعدوَ بعضهم على بعض كأهل الجاهلية.* * *وقال آخرون: بل معنى ذلك: فمن قاتلكم أيها المؤمنون من المشركين، فقاتلوهم كما قاتلوكم. وقالوا: أنزلت هذه الآية على رسول الله صلى الله عليه وسلم بالمدينة، وبعد عُمرة القضيَّة.* ذكر من قال ذلك:3143 - حدثني القاسم قال، حدثنا الحسين، قال، حدثني حجاج، عن ابن جريج، قال: قال مجاهد: " فمن اعتدى عليكم فاعتدوا عليه بمثل ما اعتدى عليكم " فقاتلوهم فيه كما قاتلوكم.* * *قال أبو جعفر: وأشبه التأويلين بما دلّ عليه ظاهر الآية، الذي حُكي عن مجاهد، لأن الآيات قبلها إنما هي أمرٌ من الله للمؤمنين بجهاد عدوهم على صفة، وذلك قوله: وَقَاتِلُوا فِي سَبِيلِ اللَّهِ الَّذِينَ يُقَاتِلُونَكُمْ والآيات بعدها، وقوله: " فمن اعتدى عليكم فاعتدوا عليه " إنما هو في سياق الآيات التي فيها الأمرُ بالقتال والجهاد، واللهُ جل ثناؤه إنما فرض القتال على المؤمنين بعد الهجرة.فمعلوم بذلك أن قوله: " فمن اعتدى عليكم فاعتدوا عليه بمثل ما اعتدى عليكم " مدنيّ لا مكيّ، إذ كان فرضُ قتال المشركين لم يكن وَجَب على المؤمنين بمكة، وأنّ قوله: " فمن اعتدى عليكم فاعتدوا عليه بمثل ما اعتدى عليكم " نظيرُ قوله: وَقَاتِلُوا فِي سَبِيلِ اللَّهِ الَّذِينَ يُقَاتِلُونَكُمْ وأن معناه: فمن اعتدى عليكم في الحَرم فقاتَلكم فاعتدوا عليه بالقتال نحو اعتدائه عليكم بقتاله إياكم، لأني قد جعلتُ الحُرمات قصاصًا، فمن استحلّ منكم أيها المؤمنون من المشركين حُرْمةً في حَرَمي، فاستحلوا منه مثله فيه.وهذه الآية منسوخة بإذن الله لنبيه بقتال أهل الحرَم ابتداءً في الحرم وقوله: وَقَاتِلُوا الْمُشْرِكِينَ كَافَّةً [سورة التوبة: 36]...* * *... (14) على نحو ما ذكرنا، من أنه بمعنى: المجازاة وإتباع لفظٍ لفظًا، وإن اختلف معنياهما، كما قال: وَمَكَرُوا وَمَكَرَ اللَّهُ [سورة آل عمران: 54] وقد قال: فَيَسْخَرُونَ مِنْهُمْ سَخِرَ اللَّهُ مِنْهُمْ [سورة التوبة: 79] وما أشبه ذلك مما أتبع لفظٌ لفظًا واختلف المعنيان (15) .* * *والآخر: أن يكون بمعنى " العدو " الذي هو شدٌّ ووثوب. من قول القائل: " عدا الأسد على فَريسته ". فيكون معنى الكلام: فمن عَدا عليكم - أي فمن شد عليكم وَوثب - بظلم، فاعدوا عليه - أي فشُدُّوا عليه وثبُوا نحوَه - قصاصًا لما فعل عليكم لا ظلمًا. ثم تُدخل " التاء "" في عدا "، فتقال: " افتعل " مكان " فعل "، كما يقال: " اقترب هذا الأمر " بمعنى " قرب "، و " اجتلب كذلك " بمعنى " جَلب " وما أشبه ذلك.* * *القول في تأويل قوله تعالى : وَاتَّقُوا اللَّهَ وَاعْلَمُوا أَنَّ اللَّهَ مَعَ الْمُتَّقِينَ (194)قال أبو جعفر: يعني جل ثناؤه بذلك: واتقوا الله أيها المؤمنون في حُرُماته وحدوده أن تعتَدُوا فيها، فتتجاوزوا فيها ما بيَّنه وحدَّه لكم، واعلموا أن الله يُحب المتقين، الذين يتقونه بأداء فَرائضه وتجنب محارمه.----------------------الهوامش:(9) الخبر : 3130- محمد بن عبد الله بن بزيع -بفتح الباء الموحدة وكسر الزاي- شيخ الطبري : ثقة ، وثقه أبو حاتم وغيره ، وروى عنه مسلم في صحيحه . وقد مضى مثل هذا الإسناد ، ولكن حرف فيه اسم جده إلى"زريع" ، وذكرنا أنه غير معروف ، واحتمال أن يكون صوابه"بن بزيغ" في : 2451- فقد تبين الصواب هنا .يوسف بن خالد السمتي : ضعيف جدا كذاب ، كما ذكرنا في ذاك الإسناد ، ووقع في المطبوعة هنا"السهمي" ، بدل"السمتي" . وهو خطأ .(10) قاضي الرجل يقاضيه قضاء وقضية . حاكمه في مخاصمة ، وانتهى معه إلى قضاء فصل وحكم يتراضيانه . وفي صدر صلح الحديبية : "هذا ما قاضى عليه محمد" أي صالح . وبذلك سميت عمرة الحديبية هذه"عمرة القضية" ، و"عمرة الصلح .(11) أحصره المرض وغيره : منعه وحبسه .(12) ما بين القوسين هكذا في الأصل . ولم أجد الخبر في مكان . وهو خطأ لا شك فيه ، أو بين الكلامين خرم لم أتبينه . والمعنى على كل حال : أمركم الله بالقصاص ، وكره منكم العدوان ، أي أمرهم أن يقتصوا ولا يعتدوا . هذا ما أرجحه إن شاء الله .(13) انظر ما سلف في هذا الجزء 3 : 357-366 .(14) وضعت هذه النقط ، وفصلت بين قوله : "وقاتلوا المشركين كافة" وقوله : "على نحو ما ذكرنا" لوجود خرم لا شك فيه . فإنه سيقول بعد أسطر : "والآخر : أن يكون بمعنى العدو" . فهو بصدد تفسير قوله : "فمن اعتدى عليكم فاعتدوا عليه بمثل ما اعتدى عليكم" ، من جهة اللغة . ولا صلة بين كلامه في الآية أهي منسوخة أم غير منسوخة . وقوله : "والآخر" دليل على أنه يذكر وجهين من تفسير"اعتدى" أهي من"العدوان" ، أم من"العدو" . وكأن كلام الطبري في موضع هذا الخرم كان :[وأما قوله : ( فَمَنِ اعْتَدَى عَلَيْكُمْ فَاعْتَدُوا عَلَيْهِ بِمِثْلِ مَا اعْتَدَى عَلَيْكُمْ ) . ففي"الاعتداء" وجهان من التأويل :أحدهما : أن يكون"الاعتداء" من"العُدْوَان" ، وَهوَ مجاوزة الحدّ ظُلْمًا وَبغيًا . ويكون معنى الآية : فمن جاوز حدّه ظُلْمًا وَبغيًا ، فقاتلكم في الشهر الحرام فكافِئُوه بمثل ما فعل بكم ، على نحو ما ذكرنا من أنه . . ]هذا ما استظهرته من تفسير الطبري فيما سلف 2 : 307 ، وهذا الجزء 3 : 375 ، 376 ، 564 ، 573 ثم يبقى خرم قبل ذلك في كلامه عن الآية ، منسوخة هي أم غير منسوخة .(15) انظر ما سلف 2 : 307 ، وهذا الجزء 3 : 3 : 375 ، 376 ، 564 ، 573 .(16) انظر تفسير"سبيل الله" فيما سلف 2 : 497 ، وهذا الجزء 3 : 564 .

وَأَنفِقُوا۟ فِى سَبِيلِ ٱللَّهِ وَلَا تُلْقُوا۟ بِأَيْدِيكُمْ إِلَى ٱلتَّهْلُكَةِ وَأَحْسِنُوٓا۟ إِنَّ ٱللَّهَ يُحِبُّ ٱلْمُحْسِنِينَ (195)


القول في تأويل قوله تعالى : وَأَنْفِقُوا فِي سَبِيلِ اللَّهِ وَلا تُلْقُوا بِأَيْدِيكُمْ إِلَى التَّهْلُكَةِ وَأَحْسِنُوا إِنَّ اللَّهَ يُحِبُّ الْمُحْسِنِينَ (195)قال أبو جعفر: اختلف أهل التأويل في تأويل هذه الآية، ومن عَنى بقوله: " ولا تُلقوا بأيديكم إلى التهلكة ".فقال بعضهم: عنى بذلك: " وأنفقوا في سبيل الله " - و " سبيل الله " (16) طريقه الذي أمر أن يُسلك فيه إلى عدوِّه من المشركين لجهادهم وَحرْبهم =" ولا تُلقوا بأيديكم إلى التهلكة " - يقول: ولا تتركوا النفقة في سبيل الله، فإن الله يُعوِّضكم منها أجرًا ويرزقكم عاجلا (17) .* ذكر من قال ذلك:3144 - حدثني أبو السائب سلم بن جُنادة والحسن بن عرفة قالا حدثنا أبو معاوية، عن الأعمش، عن سفيان، عن حذيفة: " ولا تُلقوا بأيديكم إلى التهلكة " قال: يعني في ترك النفقة.3145- حدثني محمد بن بشار قال، حدثنا عبد الرحمن قال، حدثنا شعبة = وحدثنا ابن المثنى قال، حدثنا ابن أبي عدي، عن شعبة، عن الأعمش، عن أبي وائل، عن حذيفة = وحدثني محمد بن خلف العسقلاني قال، حدثنا آدم قال، حدثنا أبو جعفر الرازي، عن الأعمش = وحدثنا أحمد بن إسحاق قال، حدثنا أبو أحمد قال، حدثنا سفيان، عن عاصم = جميعا، عن شقيق، عن حذيفة، قال: هو ترك النفقة في سبيل الله.3146- حدثنا ابن المثنى قال، حدثنا محمد بن جعفر قال، حدثنا شعبة، عن منصور، عن أبي صالح، عن عبد الله بن عباس أنه قال في هذه الآية: " ولا تلقوا بأيديكم إلى التهلكة " قال: تنفق في سبيل الله، وإن لم يكن لك إلا مِشْقَصٌ - أو: سَهمٌ - شعبة الذي يشك في ذلك (18) .3147- حدثنا ابن المثنى، قال، حدثنا ابن أبي عديّ، عن شعبة، عن منصور، عن أبي صالح الذي كان يحدث عنه الكلبي، عن ابن عباس قال: إن لم يكن لَكَ إلا سَهم أو مشقصٌ أنفقته.3148- حدثني ابن بشار قال، حدثنا يحيى، عن سفيان، عن منصور، عن أبي صالح، عن ابن عباس: " ولا تلقوا بأيديكم إلى التهلكة " قال: في النفقة.3149- حدثنا ابن حميد قال، حدثنا حكام، عن عمرو بن أبي قيس، عن عطاء، عن سعيد بن جبير، عن ابن عباس: " ولا تُلقوا بأيديكم إلى التهلكة "، قال: ليس التهلكة أن يُقتل الرجل في سبيل الله، ولكن الإمساك عن النفقة في سبيل الله.3150 - حدثني يعقوب بن إبراهيم قال، حدثنا هشيم، قال، أخبرنا إسماعيل بن أبي خالد، عن عكرمة، قال: نزلت في النفقات في سبيل الله، يعني قوله: " ولا تُلقوا بأيديكم إلى التهلكة ".3151- حدثنا يونس بن عبد الأعلى قال، حدثنا ابن وهب، قال، أخبرني أبو صخر، عن محمد بن كعب القرظي أنه كان يقول في هذه الآية: " ولا تلقوا بأيديكم إلى التَّهلكة " قال: كان القوم في سبيل الله، فيتزوَّد الرجل، فكان أفضل زادًا من الآخر. أنفقَ البائس من زاده حتى لا يبقى من زاده شيء، أحبَّ أن يواسيَ صاحبه، فأنزل الله: " وأنفقوا في سبيل الله ولا تُلقوا بأيديكم إلى التهلكة ".3152- حدثني محمد بن خلف العسقلاني قال، حدثنا آدم قال، حدثنا شيبان، عن منصور بن المعتمر، عن أبي صالح مولى أم هانئ، عن ابن عباس في قوله: " ولا تُلقوا بأيديكم إلى التهلكة " قال: لا يقولنَّ أحدكم إنّي لا أجد شيئًا، إن لم يجد إلا مشقصا فليتجهَّز به في سبيل الله.3153 - حدثنا ابن عبد الأعلى الصنعاني قال، حدثنا المعتمر، قال: سمعت داود - يعني: ابنَ أبي هند - عن عامر: أن الأنصارَ كان احتبس عليهم بعضُ الرزق، وكانوا قد أنفقوا نَفقاتٍ، قال: فَساءَ ظنُّهم (19) وأمسكوا. قال: فأنزل الله: " وأنفقوا في سَبيل الله ولا تلقوا بأيديكم إلى التهلكة " قال: وكانت التهلكة سوء ظنهم وإمساكهم.3154 - حدثني محمد بن عمرو قال، حدثنا أبو عاصم قال، حدثنا عيسى = وحدثني المثنى قال، حدثنا أبو حذيفة قال، حدثنا شبل = عن ابن أبي نجيح، عن مجاهد في قول الله: " ولا تُلقوا بأيديكم إلى التهلكة " قال: تمنعكم نَفقةً في حقٍّ خيفةُ العَيْلة (20) .3155 - حدثنا بشر بن معاذ قال، حدثنا يزيد قال، حدثنا سعيد، عن قتادة قوله: " وأنفقوا في سبيل الله ولا تُلقوا بأيديكم إلى التهلكة " قال: وكان قتادة يحدِّث أن الحسن حَدَّثه - : أنهم كانوا يُسافرون ويَغزُون ولا ينفقون من أموالهم = أو قال: ولا ينفقون في ذلك = فأمرهم الله أن يُنفقوا في مَغازيهم في سبيل الله.3156 - حدثنا الحسن بن يحيى، قال، أخبرنا عبد الرزاق، قال، أخبرنا معمر، عن قتادة قوله: " ولا تُلقوا بأيديكم إلى التهلكة " يقول: لا تمسكوا بأيديكم عن النفقة في سبيل الله.3157 - حدثني موسى بن هارون قال، حدثنا عمرو بن حماد قال، حدثنا أسباط، عن السدي: " وأنفقوا في سبيل الله " = أنفق في سبيل الله ولو عقالا =" ولا تُلقوا بأيديكم إلى التهلكة " - تقول: ليس عندي شيء (21) .3158 - حدثني المثنى قال، حدثنا أبو غسان قال، حدثنا زهير قال، حدثنا خصيف، عن عكرمة في قوله: " ولا تلقوا بأيديكم إلى التهلكة " قال: لما أمر الله بالنفقة، فكانوا - أو بَعضُهم - يقولون: ننفق فيذهبُ مالنا ولا يبقى لما شيء! قال: فقال: أنفقوا ولا تلقوا بأيديكم إلى التهلكة، قال: أنفقوا وأنا أرزقكم.3159 - حدثني المثنى قال، حدثنا عمرو بن عون قال، حدثنا هشيم، عن يونس، عن الحسن، قال: نزلت في النفقة.3160 - حدثني المثنى قال، حدثنا إسحاق قال، أخبرنا ابن همام الأهوازي، قال، أخبرنا يونس، عن الحسن في" التهلكة " قال: أمرهم الله بالنفقة في سبيل الله، وأخبرهم أن تَرك النفقة في سبيل الله التهلكة.3161 - حدثنا القاسم، قال، حدثنا الحسين، قال، حدثني حجاج، عن ابن جريج، قال: سألت عطاء عن قوله: " وأنفقوا في سبيل الله ولا تلقوا بأيديكم إلى التهلكة " قال: يقول: أنفقوا في سبيل الله ما قل وكثر - قال: وقال لي عبد الله بن كثير: نزلت في النفقة في سبيل الله.3162- حدثنا ابن حميد قال، حدثنا جرير، عن منصور، عن أبي صالح، عن ابن عباس، قال: لا يقولنّ الرجل لا أجد شيئا! قد هَلكتُ! فليتجهَّز ولو بمشقَص.3163- حدثني محمد بن سعد، قال، حدثني أبي قال، حدثنى عمي، قال، حدثنى أبي، عن أبيه، عن ابن عباس قوله: " وأنفقوا في سبيل الله ولا تُلقوا بأيديكم إلى التهلكة " يقول: أنفقوا مَا كان من قليل أو كثير. ولا تستسلموا ولا تنفقوا شيئا فتهلكوا.3164- حدثني المثنى، قال، حدثنا إسحاق قال، حدثنا أبو زهير، عن جويبر، عن الضحاك، قال: " التهلكة ": أن يمسك الرجل نفسه وماله عن النفقة في الجهاد في سبيل الله.3165- حدثنا بشر بن معاذ قال، حدثنا عبد الواحد بن زياد، عن يونس، عن الحسن في قوله: " ولا تُلقوا بأيديكم إلى التهلكة "، فتدعوا النفقة في سبيل الله.* * *وقال آخرون ممن وجَّهوا تأويل ذَلك إلى أنه معنيَّة به النفقة: معنى ذلك: وأنفقوا في سبيل الله، ولا تلقوا بأيديكم إلى التهلكة، فتخرجوا في سبيل الله بغير نفقة ولا قوة.* ذكر من قال ذلك:3166- حدثني يونس، قال، أخبرنا ابن وهب، قال، قال ابن زيد في قوله: " وأنفقوا في سبيل الله ولا تُلقوا بأيديكم إلى التهلكة " قال: إذا لم يكن عندك ما تنفق، فلا تخرج بنفسك بغير نفقة ولا قوة: فتلقي بيدَيك إلى التهلكة.* * *وقال آخرون: بل معناه: أنفقوا في سبيل الله، ولا تلقوا بأيديكم - فيما أصبتم من الآثام - إلى التهلكة، فتيأسوا من رحمة الله، ولكن ارجوا رَحمته واعملوا الخيرات.* ذكر من قال ذلك:3167 - حدثني محمد بن عبيد المحاربي قال، حدثنا أبو الأحوص، عن أبي إسحاق، عن البراء بن عازب في قوله: " ولا تُلقوا بأيديكم إلى التهلكة " قال: هو الرجل يُصيبُ الذنوبَ فيُلقي بيده إلى التهلكة، يقول: لا توبة لي.3168- حدثنا أبو كريب قال، حدثنا أبو بكر بن عياش قال، حدثنا أبو إسحاق، عن البراء، قال: سأله رجل: أحْمل على المشركين وَحدي فيقتلوني، أكنت ألقيتُ بيدي إلى التهلكة؟ فقال: لا إنما التهلكة في النفقة. بعثَ الله رسوله، فقال: فَقَاتِلْ فِي سَبِيلِ اللَّهِ لا تُكَلَّفُ إِلا نَفْسَكَ [سورة النساء: 84].3169- حدثنا الحسن بن عرفة وابن وكيع، قالا حدثنا وكيع بن الجراح، عن سفيان الثوري، عن أبي إسحاق السبيعي، عن البراء بن عازب في قول الله: " ولا تُلقوا بأيديكم إلى التهلكة " قال: هو الرجل يُذنب الذنبَ فيقول: لا يغفر الله لهُ.3170- حدثنا أحمد بن إسحاق قال، حدثنا أبو أحمد قال، حدثنا إسرائيل، عن أبي إسحاق، قال: سمعت البراء = وسأله رجل فقال: يا أبا عُمارة، أرأيتَ قول الله: " ولا تلقوا بأيديكم إلى التهلكة "، أهو الرجل يتقدم فيقاتل حَتى يُقتل؟ = قال: لا ولكنه الرجل يعمل بالمعاصي، ثم يلقي بيده ولا يتوب.3171- حدثنا ابن حميد قال، حدثنا يحيى بن واضح قال، حدثنا الحسين، عن أبي إسحاق، قال: سمعت البراء، وسأله رَجل فقال: الرجلُ يحمل على كتيبةٍ وحده فيقاتل، أهو ممن ألقى بيده إلى التهلكة؟ فقال: لا ولكن التهلكة أن يُذنب الذنبَ فيلقي بيده، فيقول: لا تقبل لي توبة.3172- حدثنا ابن حميد قال، حدثنا حكام، عن الجراح، عن أبي إسحاق، قال: قلت للبراء بن عازب: يا أبا عمارة، الرجل يَلقى ألفًا من العدو فيحمل عليهم، وإنما هو وحده، أيكون ممن قال: " ولا تُلقوا بأيديكم إلى التهلكة " ؟ فقال: لا ليقاتل حتى يُقتل! قال الله لنبيه صلى الله عليه وسلم: فَقَاتِلْ فِي سَبِيلِ اللَّهِ لا تُكَلَّفُ إِلا نَفْسَكَ .3173 - حدثنا مجاهد بن موسى، قال، أخبرنا يزيد، قال، أخبرنا هشام = وحدثني يعقوب قال، حدثنا ابن علية، عن هشام = عن محمد قال: وسألت عبيدة عن قول الله: " وأنفقوا في سبيل الله ولا تلقوا بأيديكم إلى التهلكة " الآية. فقال عبيدة: كان الرجل يذنب الذنبَ - قال: حسبْته قال: العظيم - فيلقي بيده فيستهلك = زاد يعقوب في حديثه: فنُهوا عن ذلك، فقيل: " أنفقوا في سبيل الله ولا تلقوا بأيديكم إلى التهلكة ".3174- حدثني يعقوب بن إبراهيم قال، حدثنا هشيم، قال، أخبرنا هشام، عن ابن سيرين، قال: سألت عبيدة السلماني عن ذلك، فقال: هو الرجل يذنب الذنبَ فيستسلم، ويلقي بيده إلى التهلكة، ويقول: لا توبة له! يعني قوله: " ولا تُلقوا بأيديكم إلى التهلكة ".3175- حدثني يعقوب قال، حدثنا ابن علية، قال، أخبرنا أيوب، عن محمد، عن عبيدة في قوله: " ولا تُلقوا بأيديكم إلى التهلكة " قال: كان الرجل يصيب الذنب فيلقي بيده.3176- حدثنا ابن وكيع قال، حدثنا أبي، عن ابن عون، عن ابن سيرين، عن عبيدة: " ولا تُلقوا بأيديكم إلى التهلكة " قال: القُنوط.3177- حدثنا المثنى قال، حدثنا عمرو بن عون، قال: أخبرنا هشيم، عن يونس وهشام، عن ابن سيرين، عن عبيدة السلماني، قال: هو الرجل يذنب الذنب فيستسلم، يقول: لا توبة لي! فيلقي بيده.3178- حدثنا الحسن بن يحيى، قال: أخبرنا عبد الرزاق، قال، أخبرنا معمر، قال، حدثني أيوب، عن ابن سيرين، عن عبيدة أنه قال: هي في الرجل يصيبُ الذنبَ العظيم فيلقي بيده، ويَرى أنه قد هلك.* * *وقال آخرون: بل معنى ذلك: وأنفقوا في سبيل الله، ولا تتركوا الجهاد في سبيله.* ذكر من قال ذلك:3179 - حدثني يونس، قال، أخبرنا ابن وهب، قال، أخبرني حَيْوَة، عن يزيد بن أبي حبيب، عن أسلم أبي عمران، قال: غَزونا المدينة، يريد بالقسطنطينية، وعلى أهل مصر عُقبة بن عامر، وعلى الجماعة عبد الرحمن بن خالد بن الوليد. قال: فصففنا صفَّين لم أر صَفين قط أعرضَ ولا أطولَ منهما، والروم مُلصقون ظهورهم بحائط المدينة، قال: فحمل رجل منا على العدو، فقال الناس: مَهْ! لا إله إلا الله، يلقي بيده إلى التهلكة! قال أبو أيوب الأنصاري: إنما تتأوّلونَ هذه الآية هكذا، أنْ حَمل رجلٌ يُقاتل يلتمس الشهادة، أو يُبلي من نفسه! إنما نزلت هذه الآية فينا مَعشرَ الأنصار! إنا لما نَصرَ الله نبيه وأظهرَ الإسلام، قُلنا بَيننا معشرَ الأنصار خَفيًّا من رسول الله صلى الله عليه وسلم: إنا قد كنا تركنا أهلنا وأموالنا أن نقيم فيها ونصلحها حتى نصر الله نبيه، هلم نقيم في أموالنا ونصلحها! فأنزل الله الخبرَ من السماء: " وأنفقوا في سبيل الله ولا تُلقوا بأيديكم إلى التهلكة " الآية، فالإلقاء بالأيدي إلى التهلكة: أن نُقيم في أموالنا ونُصلحها، وندعُ الجهاد. قال أبو عمران: فلم يزل أبو أيوب يُجاهدُ في سبيل الله حتى دُفن بالقسطنطينية (22) .3180- حدثني محمد بن عمارة الأسدي، وعبد الله بن أبي زياد قالا حدثنا أبو عبد الرحمن عبد الله بن يزيد، قال، أخبرني حيوة وابن لهيعة، قالا حدثنا يزيد بن أبي حبيب، قال، حدثني أسلم أبو عمران مولى تُجِيب، قال: كنا بالقسطنطينية، وعلى أهل مصر عقبة بن عامر الجهني صاحب رسول الله صلى الله عليه وسلم، وعلى أهل الشام فَضالة بن عبيد صاحب رسول الله صلى الله عليه وسلم، فخرج من المدينة صفٌّ عظيم من الروم، قال: وصففنا صفًّا عظيمًا من المسلمين، فحمل رجل من المسلمين على صَفّ الروم حتى دخلَ فيهم، ثم خرج إلينا مقبلا فصاح الناس وقالوا: سبحان الله! ألقى بيده إلى التهلكة! فقام أبو أيوب الأنصاري صاحبُ رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال: أيها الناس إنكم تتأوّلون هذه الآية على هذا التأويل! وإنما أنزلت هذه الآية فينا معاشر الأنصار! إنا لما أعزّذ الله دينه وكثَّر ناصريه، قلنا فيما بيننا بعضُنا لبعض سرًّا من رسول الله: إن أموالنا قد ضاعت، فلو أنا أقمنا فيها، فأصلحنا ما ضَاع منها! فأنزل الله في كتابه يرُدُّ علينا ما هممنا به، فقال: " وأنفقوا في سبيل الله ولا تُلقوا بأيديكم إلى التهلكة "، بالإقامة التي أردنا أن نقيم في الأموال ونصلحها، فأمرنا بالغزو. فما زال أبو أيوب غازيًا في سبيل الله حتى قبضَه الله (23) .* * *قال أبو جعفر: والصواب من القول في ذلك عندي أنْ يُقال: إنّ الله جل ثناؤه أمرَ بالإنفاق في سبيله بقوله: " وأنفقوا في سبيل الله " - وسبيلُه: طريقه الذي شَرَعه لعباده وأوضحه لهم. ومعنى ذلك: وأنفقوا في إعزاز ديني الذي شرعتُه لكم، بجهاد عدوّكم الناصبين لكم الحربَ على الكفر بي، ونَهاهم أن يلقوا بأيديهم إلى التهلكة، فقال: " ولا تُلقوا بأيديكم إلى التهلكة ".* * *وذلك مثلٌ، والعرب تقول للمستسلم للأمر: " أعطَى فلان بيديه "، وكذلك يقال للممكن من نفسه مما أريد به: " أعطى بيديه ".* * *فمعنى قوله: " ولا تُلقوا بأيديكم إلى التهلكة "، ولا تستسلموا للهلكة، فتُعطوها أزمَّتكم فتهلكوا.والتارك النفقةَ في سبيل الله عند وجوب ذلك عليه، مستسلم للهلكة بتركه أداءَ فرضِ الله عليه في ماله. وذلك أن الله جل ثناؤه جَعل أحد سِهام الصدقات المفروضات الثمانية " في سبيله "، فقال: إِنَّمَا الصَّدَقَاتُ لِلْفُقَرَاءِ وَالْمَسَاكِينِ إلى قوله: وَفِي سَبِيلِ اللَّهِ وَاِبْنِ السَّبِيلِ [سورة التوبة: 60] فمن ترك إنفاق ما لزمه من ذلك في سبيل الله على ما لزمه، كان للهلكة مستسلما، وبيديه للتهلكة ملقيا.وكذلك الآئسُ من رحمة الله لذنب سلف منه، مُلق بيديه إلى التهلكة، لأن الله قد نهى عن ذلك فقال: وَلا تَيْأَسُوا مِنْ رَوْحِ اللَّهِ إِنَّهُ لا يَيْئَسُ مِنْ رَوْحِ اللَّهِ إِلا الْقَوْمُ الْكَافِرُونَ [سورة يوسف: 87].وكذلك التارك غزوَ المشركين وجهادَهم، في حال وجوب ذلك عليه، في حال حاجة المسلمين إليه، مُضيعٌ فرضا، مُلقٍ بيده إلى التهلكة.فإذ كانت هذه المعاني كلها يحتملها قوله: " ولا تُلقوا بأيديكم إلى التهلكة " ولم يكن الله عز وجلّ خصَّ منها شيئًا دون شيء، فالصواب من القول في ذلك أن يقال: إن الله نهى عن الإلقاء بأيدينا لما فيه هلاكنا، والاستسلام للهلكة - وهي العذاب - بترك ما لزمنا من فرائضه، فغيرُ جائز لأحد منا الدخول في شيء يكرهه الله منا، مما نستوجب بدخولنا فيه عَذابَه.غير أن الأمر وإن كان كذلك، فإن الأغلب من تأويل الآية: وأنفقوا أيها المؤمنون في سبيل الله، ولا تتركوا النفقة فيها، فتهلكوا باستحقاقكم - بترككم ذلك -عذابي. كما:3181 - حدثني المثنى قال، حدثنا أبو صالح قال، حدثنا معاوية، عن علي بن أبي طلحة، عن ابن عباس قوله: " ولا تُلقوا بأيديكم إلى التهلكة " قال: التهلكة عذابُ الله.* * *قال أبو جعفر: فيكون ذلك إعلاما منه لهم - بعد أمره إياهم بالنفقة - ما لمن ترك النفقة المفروضة عليه في سبيله، منَ العقوبة في المعاد.* * *فإنْ قال قائل: فما وجه إدخال الباء في قوله: " ولا تلقوا بأيديكم "، وقد علمت أن المعروف من كلام العرب: " ألقيت إلى فلان درهما "، دون " ألقيتُ إلى فلان بدرهم "؟قيل: قد قيل إنها زيدت نحو زيادة القائل " الباء " في قوله: " جذبتُ بالثوب، وجذبت الثوب "" وتعلَّقتُ به وتَعلَّقته "، و تَنْبُتُ بِالدُّهْنِ [سورة المؤمنون: 20] وإنما هو: تُنبت الدهنَ (24) .* * *وقال آخرون: " الباء " في قوله: " ولا تُلقوا بأيديكم " أصلٌ للكنية (25) لأن كل فعل وَاقع كُنِي عنه فهو مضطرٌّ إليها (26) نحو قولك في رجل " كلَّمته " فأردت الكناية عن فعله، فإذا أردت ذلك قلت: " فعلت به " قالوا: فلما كان " الباء " هي الأصل، جاز إدخال " الباء " وإخراجها في كل " فعلٍ" سبيلُه سبيلُ كُنْيته (27) .* * *وأما " التهلكة " فإنها " التفعُلة " من " الهلاك ".* * *القول في تأويل قوله تعالى : وَأَحْسِنُوا إِنَّ اللَّهَ يُحِبُّ الْمُحْسِنِينَقال أبو جعفر: يعني جل ثناؤه بقوله: " وأحسنوا " أحسنوا أيها المؤمنون في أداء ما ألزمتكم من فرائضي، وتجنُّب ما أمرتكم بتجنبه من معاصيَّ، ومن الإنفاق في سبيلي، وَعَوْدِ القوي منكم على الضعيف ذي الخَلَّة (28) فإنّي أحبّ المحسنين في ذلك (29) كما:3182 - حدثني المثنى قال، حدثنا إسحاق قال، حدثنا زيد بن الحباب، قال، أخبرنا سفيان، عن أبي إسحاق، عن رجل من الصحابة في قوله: " وأحسنوا إنّ الله يُحب المحسنين " قال: أداء الفرائض.* * *وقال بعضهم: معناه: أحسنوا الظن بالله.* ذكر من قال ذلك:3183 - حدثني المثنى قال، حدثنا إسحاق قال، حدثنا حفص بن عمر، عن الحكم بن أبان، عن عكرمة: " وأحسنوا إنّ الله يُحب المحسنين ": قال: أحسنوا الظن بالله، يبرَّكم.* * *وقال آخرون: أحسنوا بالعَوْد على المحتاج.* ذكر من قال ذلك:3184 - حدثني يونس، قال: أخبرنا ابن وهب، قال: قال ابن زيد في قوله: " وأحسنوا إنّ الله يحب المحسنين " عودوا على من ليس في يده شيء.----------------------الهوامش:(17) هكذا في المطبوعة : "أجرًا" وأخشى أن تكون محرفة عن"آجلا" ، ليكون السياق مطردا على وجهه ، وذلك أحب إلي .(18) المشقص : نصل السهم ، إذا كان طويلا غير عريض .(19) قوله : "ساء ظنهم" ، أي خامرتهم الظنون السيئة القبيحة ، وشكوا . والعرب تستعمل"ساء ظنه" في مواضع كثيرة للدلالة على معاني مختلفة ، وقد بينت ذلك في مجلة الرسالة ، العدد : 910 (20 صفر سنة 1370 ، ديسمبر 1950) وفي طبقات فحول الشعراء : 510 ، تعليق : 1 .(20) عال الرجل يعيل عيلا وعيلة : افتقر . وفي كتاب الله : (وَجَدَكَ عَائِلًا فَأَغْنَى) العائل : الفقير المحتاج .(21) العقال : الحبل الذي يعقل به البعير ، أي يشد به وظيفه مع ذراعه ، حتى لا يقدر على الحركة .(22) الحديث : 3179- حيوة : هو ابن شريح . أسلم أبو عمران : نسبه التهذيب بأنه"أسلم بن يزيد" وهو تابعي ثقة ، كان وجيها بمصر . وهو مولى تجيب . وسيأتي تخريج الحديث ، في الرواية التالية .(23) الحديث : 3180- أبو عبد الرحمن عبد الله بن يزيد المقرئ : ثقة معروف ، من شيوخ أحمد والبخاري ، وكان إماما في الحديث ، مشهورا في القراءات ، أقرأ القرآن بالبصرة 36 سنة ، ثم بمكة 35 سنة . وهو مولى آل عمر بن الخطاب . ووهم ابن حزم فيه وهمًا عجيبًا ، فأخطأ خطأ طريفا : جعله عربيا حميريا ، ثم من"بني سبيع"! ثم نسبه إلى حي زعم أن اسمه"مقر" ، بضم الميم وسكون القاف! فقال في جمهرة الأنساب ، ص : 409"ومن ولد سبيع المذكور : مقر ، حي ضخم ، إليه ينسب عبد الله بن يزيد المقري (يعني بدون همزة) ، ولم يكن مقرئا للقراءات ، وإنما كان محدثا"!! وأخطأ ابن حزم وشبه له ، فأتى بقبيلة لم يذكرها أحد قط - فيما نعلم . وإنما انتقل نظره إلى شيء آخر بعيد ، إلى"عبد الرحمن بن عبد القاري" بتشديد الياء دون همزة ، من ولد"القارة بن الديش" . وهو تابعي ، ولم يك مقرئا . فإلى هذا ذهب وهمه . ثم لا ندري كيف وضع القبيل الذي اخترعه ، في"بني سبيع"!!ووقع في المطبوعة هنا"ثنا أبو عبد الرحمن عن عبد الله بن يزيد" . وهو خطأ في زيادة"عن" . و"أبو عبد الرحمن" كنية"عبد الله بن يزيد" ، ليس راويا آخر .والحديث رواه أبو داود الطيالسي في مسنده : 599 ، عن عبد الله بن المبارك ، عن حيوة .ورواه أبو داود السجستاني : 2512 ، من طريق ابن وهب ، عن حيوة وابن لهيعة .ورواه الترمذي 4 : 72-73 ، من طريق أبي عاصم النبيل ، عن حيوة . وقال : "حديث حسن غريب صحيح" .ورواه الحاكم في المستدرك 2 : 275 ، من طريق عبد الله بن يزيد المقرئ ، عن حيوة ، وحده . وقال : "هذا حديث صحيح على شرط الشيخين ، ولم يخرجاه" . ووافقه الذهبي .ورواه ابن عبد الحكم في فتوح مصر : 269-270 ، بإسنادين : رواه عن عبد الله بن صالح ، عن الليث بن سعد . ورواه عن عبد الله بن يزيد المقرئ ، عن حيوة بن شريح - كلاهما عن يزيد بن أبي حبيب ، به .وقوله في الرواية الماضية"غزونا المدينة ، يريد القسطنطينية" - هكذا ثبت في المطبوعة هنا . ولفظ أبي داود السجستاني : "غزونا من المدينة ، نريد القسطنطينية" . ولعل ما هنا أجود وأصح ، فإن أسلم أبا عمران مصري . والظاهر من السياق أن الجيش كان من مصر والشام .وقوله في تلك الرواية : "وعلى الجماعة عبد الرحمن بن خالد بن الوليد" يدل على أن هذه الغزوة كانت في سنة 46 أو قبلها ، لأن عبد الرحمن مات تلك السنة . وهذه الغزوة غير الغزوة المشهورة التي مات فيها أبو أيوب الأنصاري . وقد غزاها يزيد بن معاوية بعد ذلك سنة 49 ، ومعه جماعات من سادات الصحابة . ثم غزاها يزيد سنة 52 ، وهي التي مات فيها أبو أيوب رضي الله عنه ، وأوصى إلى يزيد أن يحملوه إذا مات ، ويدخلوه أرض العدو ، ويدفنوه تحت أقدامهم حيث يلقون العدو . ففعل يزيد ما أوصى به أبو أيوب . وقبره هناك إلى الآن معروف . انظر طبقات ابن سعد 3/2/49-50 ، وتاريخ الطبري 6 : 128 ، 130 ، وتاريخ ابن كثير 8 : 30-31 ، 32 ، 58-59 . وتاريخ الإسلام للذهبي 2 : 231 ، 327-328 .وقوله في هذه الرواية الثانية"وعلى أهل الشام فضالة بن عبيد" - هذا هو الصواب الثابت في رواية الطيالسي ، وابن عبد الحكم ، والحاكم . ووقع في رواية الترمذي"وعلى الجماعة فضالة بن عبيد" . وهو وهم ، لعله من الترمذي أو من شيخه عبد بن حميد .والحديث ذكره ابن كثير 1 : 437-438 ، من رواية الليث بن سعد ، ولم ينسبها . ثم خرجه من أبي داود ، والترمذي ، والنسائي ، وعبد بن حميد في تفسيره ، وابن أبي حاتم ، وابن جرير ، وابن مردويه ، وأبي يعلى ، وابن حبان ، والحاكم . ثم ذكر رواية منه ، على أنها لفظ أبي داود - ولا توافق لفظه ، وفيها تحريف كثير .وذكره السيوطي 1 : 207-208 ، وزاد نسبته للطبراني ، والبيهقي في سننه .(24) انظر الإنصاف لابن الأنباري : 128 .(25) في المطبوعة : "أصل للكلمة" ، وهو تحريف ، وانظر التعليقات الآتية .(26) الفعل الواقع : هو الفعل المتعدي ، ضريع الفعل اللازم . ويقال له أيضًا "الفعل المجاوز" (انظر بغية الوعاة 2 : 81) .(27) في المطبوعة : "سبيل كلمته" ، وهو تحريف كأخيه السالف . وأراد الطبري بالكناية عن الفعل : أن تستبدل به لفظ"فعل" . و"الفعل" : كناية عن كل عمل . تقول : "ضربت الرجل" ثم تريد الكناية عن الفعل فتقول : "فعلت به" ، وهذا الذي تقوله هو"الكنية" .(28) ذو الخلة : المحتاج والفقير ، والمختل الحال بفساد أو وهن .(29) انظر ما سلف في معنى"الإحسان" 2 : 292 .

وَأَتِمُّوا۟ ٱلْحَجَّ وَٱلْعُمْرَةَ لِلَّهِ فَإِنْ أُحْصِرْتُمْ فَمَا ٱسْتَيْسَرَ مِنَ ٱلْهَدْىِ وَلَا تَحْلِقُوا۟ رُءُوسَكُمْ حَتَّىٰ يَبْلُغَ ٱلْهَدْىُ مَحِلَّهُۥ فَمَن كَانَ مِنكُم مَّرِيضًا أَوْ بِهِۦٓ أَذًى مِّن رَّأْسِهِۦ فَفِدْيَةٌ مِّن صِيَامٍ أَوْ صَدَقَةٍ أَوْ نُسُكٍ فَإِذَآ أَمِنتُمْ فَمَن تَمَتَّعَ بِٱلْعُمْرَةِ إِلَى ٱلْحَجِّ فَمَا ٱسْتَيْسَرَ مِنَ ٱلْهَدْىِ فَمَن لَّمْ يَجِدْ فَصِيَامُ ثَلَٰثَةِ أَيَّامٍ فِى ٱلْحَجِّ وَسَبْعَةٍ إِذَا رَجَعْتُمْ تِلْكَ عَشَرَةٌ كَامِلَةٌ ذَٰلِكَ لِمَن لَّمْ يَكُنْ أَهْلُهُۥ حَاضِرِى ٱلْمَسْجِدِ ٱلْحَرَامِ وَٱتَّقُوا۟ ٱللَّهَ وَٱعْلَمُوٓا۟ أَنَّ ٱللَّهَ شَدِيدُ ٱلْعِقَابِ (196)


وأتموا الحج والعمرة للهالقول في تأويل قوله تعالى : وأتموا الحج والعمرة لله اختلف أهل التأويل في تأويل ذلك , فقال بعضهم : معنى ذلك أتموا الحج بمناسكه وسنته , وأتموا العمرة بحدودها وسننها . ذكر من قال ذلك : 2599 - حدثني عبيد بن إسماعيل الهباري , قال . ثنا عبد الله بن نمير , عن الأعمش , عن إبراهيم , عن علقمة : وأتموا الحج والعمرة لله قال : هو في قراءة عبد الله : وأقيموا الحج والعمرة إلى البيت قال : لا تجاوزوا بالعمرة البيت . قال إبراهيم : فذكرت ذلك لسعيد بن جبير , فقال : كذلك قال ابن عباس . 2600 - حدثنا ابن بشار , قال : ثنا عبد الرحمن بن مهدي , قال : ثنا سفيان , عن منصور , عن إبراهيم أنه قرأ : " وأقيموا الحج والعمرة إلى البيت " . 2601 - حدثنا ابن بشار , قال : ثنا عبد الرحمن , قال : ثنا سفيان , عن الأعمش , عن إبراهيم , عن علقمة أنه قرأ : " وأقيموا الحج والعمرة إلى البيت " . 2602 - حدثني المثنى , قال : ثنا أبو صالح , قال : ثنا معاوية , عن علي بن أبي طلحة , عن ابن عباس : وأتموا الحج والعمرة لله يقول : من أحرم بحج أو بعمرة فليس له أن يحل حتى يتمها تمام الحج يوم النحر إذا رمى جمرة العقبة وزار البيت فقد حل من إحرامه كله , وتمام العمرة إذا طاف بالبيت وبالصفا والمروة , فقد حل . 2603 - حدثني محمد بن عمرو , قال : ثنا أبو عاصم , قال : ثنا عيسى , وحدثني المثنى , قال : ثنا أبو حذيفة قال : ثنا شبل جميعا , عن ابن أبي نجيح , عن مجاهد في قوله : وأتموا الحج والعمرة لله قال : ما أمروا فيهما . 2604 - حدثت عن عمار بن الحسن , قال : ثنا ابن أبي عفر , عن أبيه , عن الربيع قوله : وأتموا الحج والعمرة لله قال : قال إبراهيم عن علقمة بن قيس قال : " الحج " : مناسك الحج , و " العمرة " : لا يجاوز بها البيت . 2605 - حدثنا ابن حميد , قال : ثنا جرير , عن منصور , عن إبراهيم : وأتموا الحج والعمرة لله قال : قال تقضى مناسك الحج عرفة والمزدلفة ومواطنها , والعمرة للبيت أن يطوف بالبيت وبين الصفا والمروة ثم يحل . وقال آخرون : تمامهما أن تحرم بهما مفردين من دويرة أهلك . ذكر من قال ذلك : 2606 - حدثنا محمد بن المثنى , قال : ثنا محمد بن جعفر , قال : ثنا شعبة , عن عمرو بن مرة , عن عبد الله بن سلمة , عن علي أنه قال : جاء رجل إلى علي فقال له في هذه الآية : وأتموا الحج والعمرة لله أن تحرم من دويرة أهلك . * حدثنا ابن حميد , قال : ثنا هارون بن المغيرة , عن عنبسة , عن شعبة , عن عمرو بن مرة , عن عبد الله بن سلمة , قال : جاء رجل إلى علي رضوان الله عليه , فقال : أرأيت قول الله عز وجل : وأتموا الحج والعمرة لله ؟ قال : أن تحرم من دويرة أهلك . 2607 - حدثنا أبو كريب , قال : ثنا وكيع , عن سفيان , عن محمد بن سوقة , عن سعيد بن جبير , قال : من تمام العمرة أن تحرم من دويرة أهلك . 2608 - حدثنا أبو كريب , قال : ثنا وكيع , عن ثور بن يزيد , عن سليمان بن موسى , عن طاوس , قال : تمامهما : إفرادهما مؤتنفتين من أهلك . * حدثني المثنى , قال : ثنا سفيان , عن ثور , عن سليمان بن موسى , عن طاوس : وأتموا الحج والعمرة لله قال : تفردهما مؤقتتين من أهلك , فذلك تمامهما . وقال آخرون : تمام العمرة أن تعمل في غير أشهر الحج , وتمام الحج أن يؤتى بمناسكه كلها حتى لا يلزم عامله دم بسبب قران ولا متعة . ذكر من قال ذلك : 2609 - حدثنا بشر , قال : ثنا زيد , قال : ثنا سعيد , عن قتادة قوله : وأتموا الحج والعمرة لله قال : وتمام العمرة ما كان في غير أشهر الحج . وما كان في أشهر الحج , ثم أقام حتى يحج في , متعة عليه فيها الهدي إن وجد , وإلا صام ثلاثة أيام في الحج وسبعة إذا رجع . * حدثنا ابن بشار , قال : ثنا محمد بن جعفر , قال : ثنا سعيد , عن قتادة قوله : وأتموا الحج والعمرة لله قال : ما كان في غير أشهر الحج فهي عمرة تامة , وما كان في أشهر الحج فهي متعة وعليه الهدي . 2610 - حدثني يعقوب , قال : ثنا هشيم , عن ابن عون , قال : سمعت القاسم بن محمد يقول : إن العمرة في أشهر الحج ليست بتامة . قال : فقيل له : العمرة في المحرم ؟ قال : كانوا يرونها تامة . وقال آخرون : إتمامهما أن تخرج من أهلك لا تريد غيرهما . ذكر من قال ذلك : 2611 - حدثنا القاسم , قال : ثنا الحسين , قال : حدثني رجل , عن سفيان , قال : هو يعني تمامهما أن تخرج من أهلك لا تريد إلا الحج والعمرة , وتهل من الميقات ليس أن تخرج لتجارة ولا لحاجة , حتى إذا كنت قريبا من مكة قلت : لو حججت أو اعتمرت . وذلك يجزئ , ولكن التمام أن تخرج له لا تخرج لغيره . وقال آخرون : بل معنى ذلك : أتموا الحج والعمرة لله إذا دخلتم فيهما . ذكر من قال ذلك : 2612 - حدثني يونس , قال : أخبرنا ابن وهب , قال : قال ابن زيد : ليست العمرة واجبة على أحد من الناس . قال : فقلت له : قول الله تعالى : وأتموا الحج والعمرة لله ؟ قال : ليس من الخلق أحد ينبغي له إذا دخل في أمر إلا أن يتمه , فإذا دخل فيها لم ينبغ له أن يهل يوما أو يومين ثم يرجع , كما لو صام يوما لم ينبغ له أن يفطر في نصف النهار . وكان الشعبي يقرأ ذلك رفعا . 2613 - حدثنا ابن المثنى , قال : حدثنا يحيى بن سعيد , عن شعبة , قال : حدثني سعيد بن أبي بردة أن الشعبي وأبا بردة تذاكرا العمرة , قال : فقال الشعبي : تطوع وأتموا الحج والعمرة لله وقال أبو بردة : هي واجبة وأتموا الحج والعمرة لله 2614 - حدثني محمد بن عمرو , قال : ثنا أبو عاصم , قال : ثنا ابن عون , عن الشعبي أنه كان يقرأ وأتموا الحج والعمرة لله وقد روي عن الشعبي خلاف هذا القول , وإن كان المشهور عنه من القول هو هذا . وذلك ما : 2615 - حدثني به المثنى , قال : ثنا الحجاج بن المنهال , قال : ثنا أبو عوانة , عن المغيرة , عن الشعبي , قال : العمرة واجبة . فقراءة من قال : العمرة واجبة نصبها بمعنى أقيموا فرض الحج والعمرة . كما : 2616 - حدثنا محمد بن المثنى , قال : أخبرنا محمد بن جعفر , قال : ثنا شعبة , قال : سمعت أبا إسحاق , يقول : سمعت مسروقا يقول : أمرتم في كتاب الله بأربع : بإقام الصلاة , وإيتاء الزكاة , والحج , والعمرة ; قال : ثم تلا هذه الآية : ولله على الناس حج البيت 3 97 وأتموا الحج والعمرة لله إلى البيت . * حدثني أبو السائب , قال : ثنا ابن إدريس , قال : سمعت ليثا يروي عن الحسن , عن مسروق , قال : أمرنا بإقامة أربعة : الصلاة , والزكاة , والعمرة , والحج , فنزلت العمرة من الحج منزلة الزكاة من الصلاة . 2617 - حدثنا ابن بشار , قال : أنبأنا محمد بن بكر , قال : ثنا ابن جريج , قال : قال علي بن حسين وسعيد بن جبير , وسئلا : أواجبة العمرة على الناس ؟ فكلاهما قال : ما نعلمها إلا واجبة , كما قال الله : وأتموا الحج والعمرة لله 2618 - حدثنا سوار بن عبد الله , قال : ثنا يحيى بن سعيد القطان , عن عبد الملك بن أبي سليمان , قال : سأل رجل سعيد بن جبير عن العمرة فريضة هي أم تطوع ؟ قال : فريضة . قال : فإن الشعبي يقول : هي تطوع . قال : كذب الشعبي ! وقرأ : وأتموا الحج والعمرة لله 2619 - حدثنا الحسن بن يحيى , قال : أخبرنا عبد الرزاق , قال : أخبرنا معمر , عن قتادة عمن سمع عطاء يقول في قوله : وأتموا الحج والعمرة لله قال : هما واجبان : الحج , والعمرة . فتأويل هؤلاء في قوله تبارك وتعالى : وأتموا الحج والعمرة لله أنهما فرضان واجبان من الله تبارك وتعالى أمر بإقامتهما , كما أمر بإقامة الصلاة , وأنهما فريضتان , وأوجب العمرة وجوب الحج . وهم عدد كثير من الصحابة والتابعين , ومن بعدهم من الخالفين كرهنا تطويل الكتاب بذكرهم وذكر الروايات عنهم . وقالوا : معنى قوله : وأتموا الحج والعمرة لله وأقيموا الحج والعمرة . ذكر من قال ذلك : 2620 - حدثنا موسى بن هارون , قال : ثنا عمرو بن حماد , قال : ثنا أسباط , عن السدي قوله : وأتموا الحج والعمرة لله يقول : أقيموا الحج والعمرة . 2621 - حدثنا أحمد بن حازم , قال : ثنا أبو نعيم , قال : ثنا إسرائيل , عن ثوير , عن أبيه , عن علي : " وأقيموا الحج والعمرة للبيت " ثم هي واجبة مثل الحج . 2622 - حدثنا أحمد بن حازم , قال : ثنا أبو نعيم , قال : ثنا إسرائيل , قال : ثنا ثوير , عن أبيه , عن عبد الله : " وأقيموا الحج والعمرة إلى البيت " ثم قال عبد الله : والله لولا التحرج وأني لم أسمع من رسول الله صلى الله عليه وسلم فيها شيئا , لقلت إن العمرة واجبة مثل الحج . وكأنهم عنوا بقوله : أقيموا الحج والعمرة : ائتوا بهما بحدودهما وأحكامهما على ما فرض عليكم . وقال آخرون ممن قرأ قراءة هؤلاء بنصب العمرة : العمرة تطوع . ورأوا أنه لا دلالة على وجوبها في نصبهم العمرة في القراءة , إذ كان من الأعمال ما قد يلزم العبد عمله وإتمامه بدخوله فيه , ولم يكن ابتداء الدخول فيه فرضا عليه , وذلك كالحج التطوع لا خلاف بين الجميع فيه أنه إذا أحرم به أن عليه المضي فيه وإتمامه ولم يكن فرضا عليه ابتداء الدخول فيه . وقالوا : فكذلك العمرة غير فرض واجب الدخول فيها ابتداء , غير أن على من دخل فيها وأوجبها على نفسه إتمامها بعد الدخول فيها . قالوا : فليس في أمر الله بإتمام الحج والعمرة دلالة على وجوب فرضها . قالوا : وإنما أوجبنا فرض الحج بقوله عز وجل : ولله على الناس حج البيت من استطاع إليه سبيلا 3 97 وممن قال ذلك جماعة من الصحابة والتابعين ومن بعدهم من الخالفين . ذكر من قال ذلك : 2623 - حدثنا أبو كريب وأبو السائب قالا : ثنا ابن إدريس , قال : سمعت سعيد بن أبي عروبة , عن أبي معشر عن إبراهيم , قال : قال عبد الله : الحج فريضة , والعمرة تطوع . * حدثني يعقوب بن إبراهيم , قال : ثنا ابن علية , عن ابن أبي عروبة , عن أبي معشر , عن النخعي , عن ابن مسعود مثله . 2624 - وحدثنا ابن بشار , قال : ثنا ابن عثمة , قال : ثنا سعيد بن بشير , عن قتادة , عن سعيد بن جبير , قال : العمرة ليست بواجبة . 2625 - حدثنا ابن حميد , قال : ثنا جرير , عن مغيرة , عن سماك , قال : سألت إبراهيم عن العمرة فقال : سنة حسنة . * حدثني يعقوب , قال : ثنا هشيم , عن مغيرة , عن إبراهيم , مثله . * حدثني المثنى , قال : ثنا حجاج , قال : ثنا أبو عوانة , عن المغيرة , عن إبراهيم , مثله . * حدثنا ابن بشار , قال : ثنا عبد الرحمن , قال : ثنا سفيان , عن المغيرة , عن إبراهيم , مثله . 2626 - حدثني المثنى , قال : ثنا الحجاج , قال : ثنا حماد , قال : ثنا عبد الله بن عون , عن الشعبي , قال : العمرة تطوع . فأما الذين قرءوا ذلك برفع العمرة فإنهم قالوا : لا وجه لنصبها , فالعمرة إنما هي زيارة البيت , ولا يكون مستحقا اسم معتمر إلا وهو له زائر ; قالوا : وإذا كان لا يستحق اسم معتمر إلا بزيارته , وهو متى بلغه فطاف به وبالصفا والمروة , فلا عمل يبقى بعده يؤمر بإتمامه بعد ذلك , كما يؤمر بإتمامه الحاج بعد بلوغه والطواف به وبالصفا والمروة بإتيان عرفة والمزدلفة , والوقوف بالمواضع التي أمر بالوقوف بها وعمل سائر أعمال الحج الذي هو من تمامه بعد إتيان البيت لم يكن لقول القائل للمعتمر أتم عمرتك وجه مفهوم , وإذا لم يكن له وجه مفهوم . . فالصواب من القراءة في العمرة الرفع على أنه من أعمال البر لله , فتكون مرفوعة بخبرها الذي بعدها , وهو قوله : لله . وأولى القراءتين بالصواب في ذلك عندنا , قراءة من قرأ بنصب العمرة على العطف بها على الحج , بمعنى الأمر بإتمامهما له . ولا معنى لاعتلال من اعتل في رفعها بأن العمرة زيارة البيت , فإن المعتمر متى بلغه , فلا عمل بقي عليه يؤمر بإتمامه , وذلك أنه إذا بلغ البيت فقد انقضت زيارته وبقي عليه تمام العمل الذي أمره الله به في اعتماره , وزيارته البيت ; وذلك هو الطواف بالبيت , والسعي بين الصفا والمروة , وتجنب ما أمر الله بتجنبه إلى إتمامه ذلك , وذلك عمل وإن كان مما لزمه بإيجاب الزيارة على نفسه غير الزيارة . هذا مع إجماع الحجة على قراءة العمرة بالنصب , ومخالفة جميع قراء الأمصار قراءة من قرأ ذلك رفعا , ففي ذلك مستغنى عن الاستشهاد على خطأ من قرأ ذلك رفعا . وأما أولى القولين اللذين ذكرنا بالصواب في تأويل قوله : والعمرة لله على قراءة من قرأ ذلك نصبا فقول عبد الله بن مسعود , ومن قال بقوله من أن معنى ذلك : وأتموا الحج والعمرة لله إلى البيت بعد إيجابكم إياهما لا أن ذلك أمر من الله عز وجل بابتداء عملهما والدخول فيهما وأداء عملهما بتمامه بهذه الآية , وذلك أن الآية محتملة للمعنيين اللذين وصفنا من أن يكون أمرا من الله عز وجل بإقامتهما ابتداء وإيجابا منه على العباد فرضهما , وأن يكون أمرا منه بإتمامهما بعد الدخول فيهما , وبعد إيجاب موجبهما على نفسه , فإذا كانت الآية محتملة للمعنيين اللذين وصفنا , فلا حجة فيها لأحد الفريقين على الآخر , إلا وللآخر عليه فيها مثلها . وإذا كان كذلك ولم يكن بإيجاب فرض العمرة خبر عن الحجة للعذر قاطعا , وكانت الأمة في وجوبها متنازعة , لم يكن لقول قائل - هي فرض بغير برهان دال على صحة قوله - معنى , إذ كانت الفروض لا تلزم العباد إلا بدلالة على لزومها إياهم واضحة . فإن ظن ظان أنها واجبة وجوب الحج , وأن تأويل من تأول قوله : وأتموا الحج والعمرة لله بمعنى : أقيموا حدودهما وفروضهما أولى من تأويلنا بما : 2627 - حدثني به حاتم بن بكير الضبي , قال : ثنا أشهل بن حاتم الأرطبائي , قال : ثنا ابن عون , عن محمد بن جحادة , عن رجل , عن زميل له , عن أبيه , وكان أبوه يكنى أبا المنتفق , قال : أتيت النبي صلى الله عليه وسلم بعرفة , فدنوت منه , حتى اختلفت عنق راحلتي وعنق راحلته , فقلت : يا رسول الله أنبئني بعمل ينجيني من عذاب الله ويدخلني جنته ! قال : " اعبد الله ولا تشرك به شيئا , وأقم الصلاة المكتوبة , وأد الزكاة المفروضة , وحج واعتمر " قال أشهل : وأظنه قال : " وصم رمضان , وانظر ماذا تحب من الناس أن يأتوه إليك فافعله بهم , وما تكره من الناس أن يأتوه إليك فذرهم منه " . 2628 - وما حدثني يعقوب بن إبراهيم , قال : ثنا ابن إبراهيم , قال : ثنا عبد الرحمن بن مهدي , ومحمد بن أبي عدي , عن شعبة , عن النعمان بن سالم , عن عمرو بن أوس , عن أبي رزين العقيلي رجل من بني عامر قال : قلت يا رسول الله إن أبي شيخ كبير لا يستطيع الحج ولا العمرة ولا الظعن , وقد أدركه الإسلام , أفأحج عنه ؟ قال : " حج عن أبيك واعتمر " . 2629 - وما حدثني به يعقوب , قال : ثنا ابن علية , عن أيوب , عن أبي قلابة أن رسول الله صلى الله عليه وسلم خطب فقال : " اعبدوا الله ولا تشركوا به شيئا , وأقيموا الصلاة , وآتوا الزكاة , وحجوا واعتمروا واستقيموا يستقم لكم " . وما أشبه ذلك من الأخبار , فإن هذه أخبار لا يثبت بمثلها في الدين حجة لوهي أسانيدها , وأنها مع وهي أسانيدها لها في الأخبار أشكال تنبئ عن أن العمرة تطوع لا فرض واجب . وهو ما : 2630 - حدثنا به محمد بن حميد , ومحمد بن عيسى الدامغاني , قالا : ثنا عبد الله بن المبارك , عن الحجاج بن أرطاة , عن محمد بن المنكدر , عن جابر بن عبد الله , عن النبي صلى الله عليه وسلم : أنه سئل عن العمرة أواجبة هي ؟ , فقال : " لا , وإن تعتمروا خير لكم " . 2631 - حدثنا ابن حميد , قال : ثنا جرير , وحدثني يحيى بن طلحة اليربوعي , قال : ثنا شريك , عن معاوية بن إسحاق , عن أبي صالح الحنفي , قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : " الحج جهاد والعمرة تطوع " . وقد زعم بعض أهل الغباء أنه قد صح عنده أن العمرة واجبة بأنه لم يجد تطوعا إلا وله إمام من المكتوبة فلما صح أن العمرة تطوع وجب أن يكون لها فرض , لأن الفرض إمام التطوع في جميع الأعمال . فيقال لقائل ذلك : فقد جعل الاعتكاف تطوعا , فما الفرض الذي هو إمام متطوعه ؟ ثم يسأل عن الاعتكاف أواجب هو أم غير واجب ؟ فإن قال : واجب , خرج من قول جميع الأمة , وإن قال : تطوع , قيل : فما الذي أوجب أن يكون الاعتكاف تطوعا والعمرة فرضا من الوجه الذي يجب التسليم له ؟ فلن يقول في أحدهما شيئا إلا ألزم في الآخر مثله . وبما استشهدنا من الأدلة , فإن أولى القراءتين بالصواب في العمرة قراءة من قرأها نصبا . وإن أولى التأويلين في قوله وأتموا الحج والعمرة لله تأويل ابن عباس الذي ذكرنا عنه من رواية علي بن أبي طلحة عنه من أنه أمر من الله بإتمام أعمالهما بعد الدخول فيهما وإيجابهما على ما أمر به من حدودهما وسننهما . وإن أولى القولين في العمرة بالصواب قول من قال : هي تطوع لا فرض . وإن معنى الآية : وأتموا أيها المؤمنون الحج والعمرة لله بعد دخولكم فيهما وإيجابكموهما على أنفسكم على ما أمركم الله من حدودهما . وإنما أنزل الله تبارك وتعالى هذه الآية على نبيه عليه الصلاة والسلام في عمرة الحديبية التي صد فيها عن البيت معرفة المؤمنين فيها ما عليهم في إحرامهم إن خلي بينهم وبين البيت ومبينا لهم فيها ما المخرج لهم من إحرامهم إن أحرموا , فصدوا عن البيت وبذكر اللازم لهم من الأعمال في عمرتهم التي اعتمروها عام الحديبية وما يلزمهم فيها بعد ذلك في عمرتهم وحجهم , افتتح بقوله : يسألونك عن الأهلة قل هي مواقيت للناس والحج وقد دللنا فيما مضى على معنى الحج والعمرة بشواهد , فكرهنا تطويل الكتاب بإعادته .فإن أحصرتم فما استيسر من الهديالقول في تأويل قوله تعالى : فإن أحصرتم فما استيسر من الهدي . اختلف أهل التأويل في الإحصار الذي جعل الله على من ابتلي به في حجه وعمرته ما استيسر من الهدي , فقال بعضهم : هو كل مانع أو حابس منع المحرم وحبسه عن العمل الذي فرضه الله عليه في إحرامه ووصوله إلى البيت الحرام . ذكر من قال ذلك : 2632 - حدثني محمد بن عمرو , قال : ثنا أبو عاصم , قال : ثنا عيسى , عن ابن أبي نجيح , عن مجاهد أنه كان يقول : الحصر : الحبس كله . يقول : أيما رجل اعترض له في حجته أو عمرته فإنه يبعث بهديه من حيث يحبس . قال : وقال مجاهد في قوله : فإن أحصرتم فإن أحصرتم : يمرض إنسان أو يكسر أو يحبسه أمر فغلبه كائنا ما كان , فليرسل بما استيسر من الهدي , ولا يحلق رأسه , ولا يحل حتى يوم النحر . * حدثني المثنى , قال : ثنا أبو حذيفة , قال : ثنا شبل , عن ابن أبي نجيح , عن مجاهد , مثله . 2633 - حدثنا المثنى , قال : حدثنا أبو نعيم , قال : ثنا سفيان , عن ابن جريج , عن عطاء , قال : الإحصار كل شيء يحبسه . 2634 - وحدثنا محمد بن بشار , قال : ثنا محمد بن جعفر , عن سعيد , عن قتادة أنه قال : في المحصر : هو الخوف والمرض والحابس إذا أصابه ذلك بعث بهديه , فإذا بلغ الهدي محله حل . * حدثنا بشر , قال : ثنا يزيد , عن سعيد , عن قتادة قوله : فإن أحصرتم فما استيسر من الهدي قال : هذا رجل أصابه خوف أو مرض أو حابس حبسه عن البيت يبعث بهديه , فإذا بلغ محله صار حلالا . 2635 - حدثني المثنى , قال : ثنا إسحاق , قال : ثنا أبو معاوية , عن هشام بن عروة , عن أبيه , قال : كل شيء حبس المحرم فهو إحصار . 2636 - حدثني المثنى , قال : ثنا سويد , قال : أخبرنا ابن المبارك , عن إبراهيم , قال أبو جعفر : أحسبه عن شريك , عن إبراهيم بن المهاجر , عن إبراهيم : فإن أحصرتم قال : مرض أو كسر أو خوف . 2637 - حدثني المثنى , قال : ثنا أبو صالح , قال : حدثني معاوية , عن علي عن ابن عباس قوله : فإن أحصرتم فما استيسر من الهدي يقول : من أحرم بحج أو بعمرة , ثم حبس عن البيت بمرض يجهده , أو عذر يحبسه فعليه قضاؤها . وعلة من قال بهذه المقالة أن الإحصار معناه في كلام العرب : منع العلة من المرض وأشباهه غير القهر والغلبة من قاهر الغالب إلا غلبة علة من مرض أو لدغ أو جراحة , أو ذهاب نفقة , أو كسر راحلة . فأما منع العدو , وحبس حابس في سجن , وغلبة غالب حائل بين المحرم والوصول إلى البيت من سلطان , أو إنسان قاهر مانع , فإن ذلك إنما تسميه العرب حصرا لا إحصارا . قالوا : ومما يدل على ذلك قول الله جل ثناؤه : وجعلنا جهنم للكافرين حصيرا 17 8 يعني به : حاصرا : أي حابسا . قالوا : ولو كان حبس القاهر الغالب من غير العلل التي وصفنا يسمى إحصارا لوجب أن يقال : قد أحصر العدو . قالوا : وفي اجتماع لغات العرب على " حوصر العدو " و " العدو محاصر " , دون " أحصر العدو " و " هم محصرون " , و " أحصر الرجل " بالعلة من المرض والخوف , أكبر الدلالة على أن الله جل ثناؤه إنما عنى بقوله : فإن أحصرتم بمرض أو خوف أو علة مانعة . قالوا : وإنما جعلنا حبس العدو ومنعه المحرم من الوصول إلى البيت بمعنى حصر المرض قياسا على ما جعل الله جل ثناؤه من ذلك للمريض الذي منعه المرض من الوصول إلى البيت , لا بدلالة ظاهر قوله : فإن أحصرتم فما استيسر من الهدي إذ كان حبس العدو والسلطان والقاهر علة مانعة , نظيره العلة المانعة من المرض والكسر . وقال آخرون : معنى قوله : فإن أحصرتم فما استيسر من الهدي فإن حبسكم عدو عن الوصول إلى البيت , أو حابس قاهر من بني آدم . قالوا : فأما العلل العارضة في الأبدان كالمرض والجراح وما أشبهها , فإن ذلك غير داخل في قوله : فإن أحصرتم ذكر من قال ذلك : 2638 - حدثنا محمد بن عمرو , قال : ثنا أبو عاصم , قال : ثنا عيسى , عن ابن أبي نجيح , عن مجاهد وعطاء , عن ابن عباس أنه قال : الحصر : حصر العدو , فيبعث الرجل بهديته , فإن كان لا يستطيع أن يصل إلى البيت من العدو , فإن وجد من يبلغها عنه إلى مكة , فإنه يبعث بها ويحرم - قال محمد بن عمرو , قال أبو عاصم : لا ندري قال يحرم أو يحل - من يوم يواعد فيه صاحب الهدي إذا اشترى , فإذا أمن فعليه أن يحج أو يعتمر , فإذا أصابه مرض يحبسه وليس معه هدي , فإنه يحل حيث يحبس , فإن كان معه هدي فلا يحل حتى يبلغ الهدي محله , فإذا بعث به فليس عليه أن يحج قابلا , ولا يعتمر إلا أن يشاء . 2639 - حدثنا عن أبي عبيد القاسم بن سلام , قال : ثني يحيى بن سعيد , عن ابن جريج , عن ابن طاوس , عن أبيه , عن ابن عباس , قال : لا حصر إلا من حبس عدو . 2640 - حدثني المثنى , قال : ثنا أبو حذيفة , قال : ثنا شبل , عن ابن أبي نجيح , عن مجاهد وعطاء , عن ابن عباس مثل حديث محمد بن عمرو , عن أبي عاصم , إلا أنه قال : فإنه يبعث بها ويحرم من يوم واعد فيه صاحب الهدية إذا اشترى . ثم ذكر سائر الحديث مثل حديث محمد بن عمرو , عن أبي عاصم . وقال مالك بن أنس : " بلغني أن رسول الله صلى الله عليه وسلم حل وأصحابه بالحديبية , فنحروا الهدي , وحلقوا رءوسهم , وحلوا من كل شيء قبل أن يطوفوا بالبيت , وقبل أن يصل إليه الهدي , ثم لم نعلم أن رسول الله صلى الله عليه وسلم أمر أحدا من أصحابه ولا ممن كان معه أن يقضوا شيئا ولا أن يعودوا لشيء " . 2641 - حدثني بذلك يونس , قال : أخبرنا ابن وهب عنه . قال : وسئل مالك عمن أحصر بعدو وحيل بينه وبين البيت ؟ فقال : يحل من كل شيء , وينحر هديه , ويحلق رأسه حيث يحبس , وليس عليه قضاء إلا أن يكون لم يحج قط , فعليه أن يحج حجة الإسلام . قال : والأمر عندنا فيمن أحصر بغير عدو بمرض أو ما أشبهه , أن يبدأ بما لا بد منه , ويفتدي , ثم يجعلها عمرة , ويحج عاما قابلا ويهدي . وعلة من قال هذه المقالة - أعني من قال قول مالك - أن هذه الآية نزلت في حصر المشركين رسول الله صلى الله عليه وسلم وأصحابه عن البيت , فأمر الله نبيه ومن معه بنحر هداياهم والإحلال . قالوا : فإنما أنزل الله هذه الآية في حصر العدو , فلا يجوز أن يصرف حكمها إلى غير المعنى الذي نزلت فيه . قالوا : وأما المريض , فإنه إذا لم يطق لمرضه السير حتى فاتته عرفة , فإنما هو رجل فاته الحج , عليه الخروج من إحرامه بما يخرج به من فاته الحج , وليس من معنى المحصر الذي نزلت هذه الآية في شأنه . وأولى التأويلين بالصواب في قوله : فإن أحصرتم تأويل من تأوله بمعنى : فإن أحصركم خوف عدو أو مرض أو علة عن الوصول إلى البيت , أي صيركم خوفكم أو مرضكم تحصرون أنفسكم , فتحبسونها عن النفوذ لما أوجبتموه على أنفسكم من عمل الحج والعمرة . فلذا قيل " أحصرتم " , لما أسقط ذكر الخوف والمرض . يقال منه : أحصرني خوفي من فلان عن لقائك , ومرضي عن فلان , يراد به : جعلني أحبس نفسي عن ذلك . فأما إذا كان الحابس الرجل والإنسان , قيل : حصرني فلان عن لقائك , بمعنى حبسني عنه . فلو كان معنى الآية ما ظنه المتأول من قوله : فإن أحصرتم فإن حبسكم حابس من العدو عن الوصول إلى البيت , لوجب أن يكون : فإن أحصرتم . ومما يعين صحة ما قلناه من أن تأويل الآية مراد بها إحصار غير العدو وأنه إنما يراد بها الخوف من العدو , قوله : فإن أمنتم فمن تمتع بالعمرة إلى الحج والأمن إنما يكون بزوال الخوف . وإذا كان ذلك كذلك , فمعلوم أن الإحصار الذي عنى الله في هذه الآية هو الخوف الذي يكون بزواله الأمن . وإذا كان ذلك كذلك , لم يكن حبس الحابس الذي ليس مع حبسه خوف على النفس من حبسه داخلا في حكم الآية بظاهرها المتلو , وإن كان قد يلحق حكمه عندنا بحكمه من وجه القياس من أجل أن حبس من لا خوف على النفس من حبسه , كالسلطان غير المخوفة عقوبته , والوالد وزوج المرأة , إن كان منهم أو من بعضهم حبس , ومنع عن الشخوص لعمل الحج , أو الوصول إلى البيت بعد إيجاب الممنوع الإحرام , غير داخل في ظاهر قوله : فإن أحصرتم لما وصفنا من أن معناه : فإن أحصركم خوف عدو , بدلالة قوله : فإذا أمنتم فمن تمتع بالعمرة إلى الحج وقد بين الخبر الذي ذكرنا آنفا عن ابن عباس أنه قال : الحصر : حصر العدو . وإذ كان ذلك أولى التأويلين بالآية لما وصفنا , وكان ذلك منعا من الوصول إلى البيت , فكل مانع عرض للمحرم فصده عن الوصول إلى البيت , فهو له نظير في الحكم . ثم اختلف أهل العلم في تأويل قوله : فما استيسر من الهدي فقال بعضهم : هو شاة . ذكر من قال ذلك : 2642 - حدثنا عبد الحميد بن بيان القناد , قال : أخبرنا إسحاق الأزرق , عن يونس بن أبي إسحاق السبيعي , عن مجاهد , عن ابن عباس , قال : ما استيسر من الهدي شاة . * حدثنا محمد بن بشار , قال : ثنا عبد الرحمن , وحدثنا عبد الحميد , قال : أخبرنا إسحاق , قال : ثنا سفيان , عن حبيب , عن سعيد بن جبير , عن ابن عباس , قال : ما استيسر من الهدي شاة . * حدثنا محمد بن المثنى , قال : ثنا محمد بن جعفر , قال : ثنا شعبة , عن يزيد بن أبي زياد , عن مجاهد عن ابن عباس , مثله . 2643 - حدثني ابن المثنى , قال : ثنا عبد الرحمن , قال : ثنا سفيان , عن أبي إسحاق , عن النعمان بن مالك , قال : تمتعت فسألت ابن عباس فقال : ما استيسر من الهدي قال : قلت شاة ؟ قال : شاة . 2644 - حدثنا عبد الحميد بن بيان , قال : ثنا إسحاق , عن شريك , عن أبي إسحاق , عن النعمان بن مالك , قال : سألت ابن عباس عما استيسر من الهدي ؟ قال : من الأزواج الثمانية من الإبل والبقر والمعز والضأن . 2645 - حدثنا أبو كريب ويعقوب بن إبراهيم , قالا : ثنا هشيم , قال الزهري : أخبرنا وسئل عن قول الله جل ثناؤه : فما استيسر من الهدي قال : كان ابن عباس يقول : من الغنم . * حدثنا ابن حميد , قال : ثنا يحيى بن واضح , قال : ثنا يونس بن أبي إسحاق , عن مجاهد , عن ابن عباس قال : ما استيسر من الهدي : من الأزواج الثمانية . 2646 - حدثنا ابن عبد الأعلى , قال : ثنا خالد , قال : قيل للأشعث : ما قول الحسن : فما استيسر من الهدي ؟ قال : شاة . 2647 - حدثنا محمد بن بشار , قال : ثنا محمد بن جعفر , قال : ثنا شعبة , عن قتادة : فما استيسر من الهدي ؟ قال : شاة . 2648 - حدثنا محمد بن بشار , قال : ثنا محمد بن جعفر , قال : ثنا شعبة , عن قتادة . فما استيسر من الهدي قال : أعلاه بدنة , وأوسطه بقرة , وأخسه شاة . * حدثنا بشر بن معاذ , قال : ثنا يزيد بن زريع , قال : ثنا سعيد , عن قتادة , مثله , إلا أنه كان يقال : أعلاه بدنة , وذكر سائر الحديث مثله . * حدثنا ابن بشار قال : ثنا مسلم بن إبراهيم , قال : ثنا همام , عن قتادة , عن زرارة , عن ابن عباس , قال : فما استيسر من الهدي شاة . * حدثنا ابن بشار , قال : ثنا عبد الوهاب , قال : ثنا أيوب , عن أبي جمرة , عن ابن عباس , مثله . 2649 - حدثنا أبو كريب , قال : ثنا ابن يمان , عن ابن جريج , عن عطاء : فما استيسر من الهدي شاة . * حدثنا أبو كريب , قال , حدثنا ابن يمان , قال : ثنا محمد بن نقيع , عن عطاء , مثله . 2650 - حدثني موسى بن هارون , قال : ثنا عمرو بن حماد , قال : ثنا أسباط , عن السدي , قال : المحصر مبعث بهدي شاة فما فوقها . 2651 - حدثني عبيد بن إسماعيل الهباري , قال : ثنا ابن نمير , عن الأعمش , عن إبراهيم , عن علقمة قال : إذا أهل الرجل بالحج فأحصر , بعث بما استيسر من الهدي شاة . قاله : فذكرت ذلك لسعيد بن جبير , فقال : كذلك قال ابن عباس . * حدثني المثنى , قال : ثنا عبد الله بن صالح , قال : ثني معاوية بن صالح , عن علي بن أبي طلحة , عن ابن عباس : ما استيسر من الهدي : شاة فما فوقها . 2652 - حدثنا ابن بشار , قال : ثنا محمد بن جعفر , قال : ثنا شعبة , وحدثنا المثنى , قاله : ثنا آدم العسقلاني عن شعبة , قال : ثنا أبو جمرة , عن ابن عباس , قال : ما استيسر من الهدي : جزور أو بقرة أو شاة , أو شرك في دم . 2653 - حدثنا ابن بشار , قال : ثنا عبد الوهاب , قال : سمعت يحيى بن سعيد , قال : سمعت القاسم بن محمد يقول : إن ابن عباس كان يرى أن الشاة ما استيسر من الهدي . * حدثنا المثنى , قال : ثنا إسحاق , قال : ثنا عبد الوهاب , عن خالد الحذاء , عن عكرمة , عن ابن عباس أنه قال : ما استيسر من الهدي : شاة . 2654 - حدثنا يعقوب , قال : ثنا هشيم , عن مغيرة , عن إبراهيم , قال : ما استيسر من الهدي : شاة . 2655 - حدثنا ابن بشار , قال : ثنا سهل بن يوسف قال : ثنا حميد , عن عبد الله بن عبيد بن عمير , قال : قال ابن عباس : الهدي : شاة , فقيل له : أيكون دون بقرة ؟ قال : فأنا أقرأ عليكم من كتاب الله ما تدرون به أن الهدي شاة ! ما في الظبي ؟ قالوا : شاة , قال : هديا بالغ الكعبة 5 95 * حدثني المثنى , قال : ثنا الحجاج , قال : ثنا حماد , عن قيس بن سعد , عن عطاء بن أبي رباح , عن ابن عباس , قال : شاة . 2656 - حدثنا أبو كريب , قال : ثنا وكيع , عن دلهم بن صالح , قال : سألت أبا جعفر , عن قوله ما استيسر من الهدي : فقال : شاة . 2657 - حدثنا يونس بن عبد الأعلى , قال : أخبرنا ابن وهب , أن مالك بن أنس حدثه عن جعفر بن محمد عن أبيه : أن علي بن أبي طالب كان يقول : ما استيسر من الهدي : شاة . * حدثنا المثنى , قال : ثنا مطرف بن عبد الله , قال : ثنا مالك , عن جعفر بن محمد , عن أبيه , عن علي رضي الله عنه , مثله . * حدثني يونس , قال : أخبرنا ابن وهب , قال : أخبرني مالك أنه بلغه أن عبد الله بن عباس كان يقول : ما استيسر من الهدي : شاة . 2658 - حدثني يونس , قال : أخبرنا ابن وهب , قال مالك : وذلك أحب إلي . * حدثني محمد بن سعد قال : حدثني أبي , قال : ثني عمي , قال : ثني أبي , عن أبيه , عن ابن عباس , قال : فما استيسر من الهدي قال : عليه , يعني المحصر هدي إن كان موسرا فمن الإبل , وإلا فمن البقر وإلا فمن الغنم . * حدثني المثنى , قال : ثنا آدم العسقلاني , قال : ثنا ابن أبي ذئب , عن شعبة مولى ابن عباس , عن ابن عباس , قال : ما استيسر من الهدي : شاة , وما عظمت شعائر الله , فهو أفضل . * حدثني يونس , قال : أخبرنا أشهب , قال : أخبرنا ابن لهيعة أن عطاء بن أبي رباح حدثه أن ما استيسر من الهدي : شاة . وقال آخرون : " ما استيسر من الهدي " : من الإبل والبقر , سن دون سن . ذكر من قال ذلك : 2659 - حدثنا محمد بن عبد الأعلى , قال : ثنا معتمر , قال : سمعت عبيد الله , عن نافع , عن ابن عمر , قال : " ما استيسر من الهدي " : البقرة دون البقرة , والبعير دون البعير . 2660 - حدثنا ابن بشار , قال : ثنا محمد بن بكر , قال : ثنا سعيد , عن قتادة , عن أبي مجلز , قال : سأل رجل ابن عمر : ما استيسر من الهدي ؟ قال : أترضى شاة ؟ كأنه لا يرضاه . 2661 - حدثنا ابن بشار , قال : ثنا عبد الوهاب , قال : ثنا أيوب , عن القاسم بن محمد ونافع , عن ابن عمر قال : ما استيسر من الهدي : ناقة أو بقرة , فقيل له : ما استيسر من الهدي ؟ قال : الناقة دون الناقة , والبقرة دون البقرة . 2662 - حدثني المثنى , قال : ثنا محمد بن جعفر , قال : ثنا شعبة , عن يزيد بن أبي زياد , عن مجاهد , عن ابن عمر أنه قال : فما استيسر من الهدي قال : جزور , أو بقرة . 2663 - حدثنا أبو كريب ويعقوب , قالا : ثنا هشيم , قال الزهري أخبرنا , وسئل عن قول الله : فما استيسر من الهدي قال : قال ابن عمر : من الإبل والبقر . * حدثني يعقوب , قال : ثنا ابن علية , قال : أخبرنا أيوب , عن نافع , عن ابن عمر في قوله جل ثناؤه : فما استيسر من الهدي قال : الناقة دون الناقة , والبقرة دون البقرة . 2664 - حدثني يعقوب , قال : ثنا ابن علية , عن أيوب , عن القاسم , عن ابن عمر في قوله : فما استيسر من الهدي قال : الإبل والبقر . 2665 - حدثنا ابن بشار , قال : ثنا عبد الوهاب , قال : سمعت يحيى بن سعيد , قال : سمعت القاسم بن محمد يقول : كان عبد الله بن عمر وعائشة يقولان : " ما استيسر من الهدي " : من الإبل والبقر . 2666 - حدثني يعقوب , قال : ثنا ابن علية , قال : ثنا الوليد بن أبي هشام , عن زياد بن جبير , عن أخيه عبد الله أو عبيد الله بن جبير , قال : سألت ابن عمر عن المتعة في الهدي ؟ فقال : ناقة , قلت : ما تقول في الشاة ؟ قال : أكلكم شاة أكلكم شاة . 2667 - حدثني يعقوب , قال : ثنا ابن علية , عن ليث , عن مجاهد وطاوس , قالا : ما استيسر من الهدي : بقرة . 2668 - حدثني المثنى , قال : ثنا عبد الله بن صالح , قال : ثني معاوية بن صالح , عن علي بن أبي طلحة : فما استيسر من الهدي قال في قول ابن عمر : بقرة فما فوقها . 2669 - حدثني المثنى , قال : ثنا أبو صالح , قال : ثني أبو معشر , عن نافع , عن ابن عمر , قال : " ما استيسر من الهدي " : قال : بدنة أو بقرة , فأما شاة فإنها هي نسك . 2670 - حدثنا المثنى , قال : ثنا الحجاج , قال : ثنا حماد , عن هشام بن عروة , عن أبيه , قال : البدنة دون البدنة , والبقرة دون البقرة , وإنما الشاة نسك , قال : تكون البقرة بأربعين وبخمسين . * حدثنا الربيع , قال : ثنا ابن وهب , قال : ثني أسامة , عن نافع , عن ابن عمر , كان يقول : ما استيسر من الهدي : بقرة . 2671 - وحدثنا الربيع , قال : ثنا ابن وهب , قال : ثني أسامة بن زيد أن سعيدا حدثه , قال : رأيت ابن عمر وأهل اليمن يأتونه فيسألونه عما استيسر من الهدي ويقولون : الشاة الشاة ! قال : فيرد عليهم : الشاة الشاة ! يحضهم ; إلا أن الجزور دون الجزور , والبقرة دون البقرة , ولكن ما استيسر من الهدي : بقرة . وأولى القولين بالصواب قول من قال : ما استيسر من الهدي شاة ; لأن الله جل ثناؤه إنما أوجب ما استيسر من الهدي , وذلك على كل ما تيسر للمهدي أن يهديه كائنا ما كان ذلك الذي يهدي . إلا أن يكون الله جل ثناؤه خص من ذلك شيئا , فيكون ما خص من ذلك خارجا من جملة ما احتمله ظاهر التنزيل , ويكون سائر الأشياء غيره مجزئا إذا أهداه المهدي بعد أن يستحق اسم هدي . فإن قال قائل : فإن الذي أبوا أن تكون الشاة مما استيسر من الهدي بأنه لا يستحق اسم هدي كما أنه لو أهدى دجاجة أو بيضة لم يكن مهديا هديا مجزئا ؟ قيل : لو كان في المهدي الدجاجة والبيضة من الاختلاف نحو الذي في المهدي الشاة لكان سبيلهما واحدة في أن كل واحد منهما قد أدى ما عليه بظاهر التنزيل إذا لم يكن أحد الهديين يخرجه من أن يكون مؤديا بإهدائه ما أهدى من ذلك مما أوجبه الله عليه في إحصاره . ولكن لما أخرج المهدي ما دون الجذع من الضأن والثني من المعز والإبل والبقر فصاعدا من الأسنان من أن يكون مهديا ما أوجبه الله عليه في إحصاره أو متعته بالحجة القاطعة العذر , نقلا عن نبينا صلى الله عليه وسلم وراثة , كان ذلك خارجا من أن يكون مرادا بقوله : فما استيسر من الهدي وإن كان مما استيسر لنا من الهدايا . ولما اختلف في الجذع من الضأن والثني من المعز , كان مجزئا ذلك عن مهديه لظاهر التنزيل , لأنه مما استيسر من الهدي . فإن قال قائل : فما محل " ما " التي في قوله جل وعز : فما استيسر من الهدي ؟ قيل : رفع . فإن قال : بماذا ؟ قيل : بمتروك , وذلك " فعليه " لأن تأويل الكلام : وأتموا الحج والعمرة أيها المؤمنون لله , فإن حبسكم عن إتمام ذلك حابس من مرض أو كسر أو خوف عدو فعليكم لإحلالكم إن أردتم الإحلال من إحرامكم ما استيسر من الهدي . وإنما اخترنا الرفع في ذلك , لأن أكثر القرآن جاء برفع نظائره , وذلك كقوله : فمن كان منكم مريضا أو به أذى من رأسه ففدية من صيام وكقوله : فمن لم يجد فصيام ثلاثة أيام وما أشبه ذلك مما يطول بإحصائه الكتاب , تركنا ذكره استغناء بما ذكرنا عنه . ولو قيل موضع " ما " نصب بمعنى : فإن أحصرتم فأهدوا ما استيسر من الهدي , لكان غير مخطئ قائله . وأما الهدي فإنه جمع واحدها هدية , على تقدير جدية السرج , والجمع الجدي مخفف . 2672 - حدثنا عن أبي عبيدة معمر بن المثنى , عن يونس , قال : كان أبو عمرو بن العلاء يقول : لا أعلم في الكلام حرفا يشبهه . وبتخفيف الياء وتسكين الدال من " الهدي " قرأه القراء في كل مصر , إلا ما ذكر عن الأعرج , فإن . 2673 - أبا هشام الرفاعي , حدثنا , قال : ثنا يعقوب , عن بشار , عن أسد , عن الأعرج أنه قرأ : " هديا بالغ الكعبة " بكسر الدال مثقلا , وقرأ : " حتى يبلغ الهدي محله " بكسر الدال مثقلة . واختلف في ذلك عن عاصم , فروي عنه موافقة الأعرج ومخالفته إلى قراءة سائر القراء . والهدي عندي إنما سمي هديا لأنه تقرب به إلى الله جل وعز مهديه بمنزلة الهدية يهديها الرجل إلى غيره متقربا بها إليه , يقال منه : أهديت الهدي إلى بيت الله فأنا أهديه إهداء , كما يقال في الهدية يهديها الرجل إلى غيره : أهديت إلى فلان هدية وأما أهديها . ويقال للبدنة هدية , ومنه قول زهير بن أبي سلمى يذكر رجلا أسر يشبهه في حرمته بالبدنة التي تهدى : فلم أر معشرا أسروا هديا ولم أر جار بيت يستباءولا تحلقوا رءوسكم حتى يبلغ الهدي محلهالقول في تأويل قوله تعالى ولا تحلقوا رءوسكم حتى يبلغ الهدي محله يعني بذلك جل ثناؤه : فإن أحصرتم فأردتم الإحلال من إحرامكم , فعليكم ما استيسر من الهدي , ولا تحلوا من إحرامكم إذا أحصرتم حتى يبلغ الهدي الذي أوحيته عليكم لإحلالكم من إحرامكم الذي أحصرتم فيه قبل تمامه وانقضاء مشاعره ومناسكه محله وذلك أن حلق الرأس إحلال من الإحرام الذي كان المحرم قد أوجبه على نفسه , فنهاه الله عن الإحلال من إحرامه بحلاقه , حتى يبلغ الهدي الذي أباح الله له الإحلال جل ثناؤه بإهدائه محله . ثم اختلف أهل العلم في محل الهدي الذي عناه الله جل اسمه الذي متى بلغه كان للمحصر الإحلال من إحرامه الذي أحصر فيه . فقال بعضهم : محل هدي المحصر الذي يحل به ويجوز له ببلوغه إياه حلق رأسه , إذا كان إحصاره من خوف عدو منعه ذبحه إن كان مما يذبح , أو نحره إن كان مما ينحر , في الحل ذبح أو نحر أو في الحرم حيث حبس , وإن كان من غير خوف عدو فلا يحل حتى يطوف بالبيت ويسعى بين الصفا والمروة . وهذا قول من قال : الإحصار إحصار العدو دون غيره . ذكر من قال ذلك : 2674 - حدثني يونس , قال : أخبرنا ابن وهب , أخبرني مالك بن أنس أنه بلغه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم حل هو وأصحابه بالحديبية , فنحروا الهدي وحلقوا رءوسهم , وحلوا من كل شيء قبل أن يطوفوا بالبيت , وقبل أن يصل إليه الهدي . ثم لم نعلم أن رسول الله صلى الله عليه وسلم أمر أحدا من أصحابه ولا ممن كان معه أن يقضوا شيئا , ولا أن يعودوا لشيء . 2675 - حدثني يونس , قال : أخبرنا ابن وهب , قال : أخبرني مالك , عن نافع : أن عبد الله بن عمر خرج إلى مكة معتمرا في الفتنة , فقال : إن صددت عن البيت صنعنا كما صنعنا مع رسول الله صلى الله عليه وسلم . فأهل بعمرة من أجل أن النبي كان أهل بعمرة عام الحديبية . ثم إن عبد الله بن عمر نظر في أمره فقال : ما أمرهما إلا واحد . قال : فالتفت إلى أصحابه فقال : ما أمرهما إلا واحد , أشهدكم أني قد أوجبت الحج مع العمرة . قال : ثم طاف طوافا واحدا , ورأى أن ذلك مجز عنه وأهدى . قال يونس : قال ابن وهب : قال مالك : وعلى هذا الأمر عندنا فيمن أحصر بعدو كما أحصر نبي الله صلى الله عليه وسلم وأصحابه . فأما من أحصر بغير عدو فإنه لا يحل دون البيت . قال : وسئل مالك عمن أحصر بعدو وحيل بينه وبين البيت , فقال : يحل من كل شيء , وينحر هديه , ويحلق رأسه حيث حبس , وليس عليه قضاء إلا أن يكون لم يحج قط , فعليه أن يحج حجة الإسلام . 2676 - حدثنا يونس , قال : أخبرنا ابن وهب , قال : أخبرنا مالك , قال : ثني يحيى بن سعيد , عن سليمان بن يسار : أن عبد الله بن عمر ومروان بن الحكم وعبد الله بن الزبير أفتوا ابن حزابة المخزومي , وصرع في الحج ببعض الطريق , أن يبدأ بما لا بد منه ويفتدي , ثم يجعلها عمرة , ويحج عاما قابلا ويهدي . قال يونس : قال ابن وهب : قال مالك : وذلك الأمر عندنا فيمن أحصر بغير عدو . قال : وقال مالك : وكل من حبس عن الحج بعد ما يحرم إما بمرض , أو خطأ في العدد , أو خفي عليه الهلال , فهو محصر , عليه ما على المحصر - يعني من المقام على إحرامه - حتى يطوف أو يسعى , ثم الحج من قابل والهدي . 2677 - حدثنا ابن بشار , قال : ثنا عبد الوهاب , قال : سمعت يحيى بن سعيد , يقول : أخبرني أيوب بن موسى أن داود بن أبي عاصم أخبره : أنه حج مرة فاشتكى , فرجع إلى الطائف ولم يطف بين الصفا والمروة , فكتب إلى عطاء بن أبي رباح يسأله عن ذلك , وأن عطاء كتب إليه : أن أهرق دما وعلة من قال بقول مالك في أن محل الهدي في الإحصار بالعدو نحره حيث حبس صاحبه , ما : 2678 - حدثنا به أبو كريب ومحمد بن عمارة الأسدي , قالا : ثنا عبيد الله بن موسى , قال : أخبرنا موسى بن عبيدة , قال : أخبرني أبو مرة مولى أم هانئ , عن ابن عمر , قال : لما كان الهدي دون الجبال التي تطلع على وادي الثنية عرض له المشركون فردوا وجهه . قال : فنحر النبي صلى الله عليه وسلم الهدي حيث حبسوه , وهي الحديبية , وحلق , وتأسى به أناس فحلقوا حين رأوه حلق , وتربص آخرون فقالوا : لعلنا نطوف بالبيت , فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم : " رحم الله المحلقين " . قيل : والمقصرين ! قال : ورحم الله المحلقين ! قيل : والمقصرين ! قال : " والمقصرين " . 2679 - حدثني يعقوب بن إبراهيم , قال : ثنا يحيى بن سعيد القطان , قال : ثنا عبد الله بن المبارك , قال : أخبرنا معمر عن الزهري , عن عروة , عن المسور بن مخرمة ومروان بن الحكم , قالا : لما كتب رسول الله صلى الله عليه وسلم القضية بينه وبين مشركي قريش , وذلك بالحديبية عام الحديبية , قال لأصحابه : " قوموا فانحروا واحلقوا " . قال : فوالله ما قام منهم رجل حتى قال ذلك ثلاث مرات . فلما لم يقم منهم أحد , قام فدخل على أم سلمة , فذكر ذلك لها , فقالت أم سلمة : يا نبي الله اخرج ثم لا تكلم أحدا منهم بكلمة حتى تنحر بدنك وتدعو حلاقك فتحلق ! فقام فخرج فلم يكلم منهم أحدا حتى فعل ذلك . فلما رأوا ذلك قاموا فنحروا , وجعل بعضهم يحلق بعضا حتى كاد بعضهم يقتل بعضا غما . قالوا : فنحر النبي صلى الله عليه وسلم هديه حين صده المشركون عن البيت بالحديبية , وحل هو وأصحابه . قالوا : والحديبية ليست من الحرم , قالوا , ففي مثل ذلك دليل واضح على أن معنى قوله : حتى يبلغ الهدي محله حتى يبلغ بالذبح أو النحر محل أكله , والانتفاع به في محل ذبحه ونحره , كما روي عن نبي الله عليه الصلاة والسلام في نظيره إذ أتي بلحم أتته بريرة من صدقة كان تصدق بها عليها , فقال : " قربوه فقد بلغ محله " يعني : فقد بلغ محل طيبه وحلاله له بالهدية إليه بعد أن كان صدقة على بريرة . وقال بعضهم : محل هدي المحصر الحرم لا محل له غيره . ذكر من قال ذلك : 2680 - حدثني يعقوب بن إبراهيم , قال : ثنا هشيم , عن الأعمش , عن عمارة بن عمير , عن عبد الرحمن بن يزيد : أن عمرو بن سعيد النخعي أهل بعمرة , فلما بلغ ذات الشقوق لدغ بها , فخرج أصحابه إلى الطريق يتشرفون الناس , فإذا هم بابن مسعود , فذكروا ذلك له , فقال : ليبعث بهدي , واجعلوا بينكم يوم أمارة , فإذا ذبح الهدي فليحلل , وعليه قضاء عمرته . * حدثنا تميم بن المنتصر , قال : ثنا إسحاق , عن شريك , عن سليمان بن مهران , عن عمارة بن عمير وإبراهيم , عن عبد الرحمن بن يزيد أنه قال : خرجنا مهلين بعمرة فينا الأسود بن يزيد , حتى نزلنا ذات الشقوق , فلدغ صاحب لنا , فشق ذلك عليه مشقة شديدة , فلم ندر كيف نصنع به , فخرج بعضنا إلى الطريق , فإذا نحن بركب فيه عبد الله بن مسعود , فقلنا له : يا أبا عبد الرحمن رجل منا لدغ , فكيف نصنع به ؟ قال : يبعث معكم بثمن هدي , فتجعلون بينكم وبينه يوما أمارة , فإذا نحر الهدي فليحلل , وعليه عمرة في قابل . * حدثنا ابن بشار , قال : ثنا مؤمل , قال : ثنا سفيان , عن الأعمش , عن عمارة بن عمير , عن عبد الرحمن بن يزيد , قال : بينا نحن بذات الشقوق فلبى رجل منا بعمرة فلدغ , فمر علينا عبد الله فسألناه , فقال : اجعلوا بينكم وبينه يوم أمارا , فيبعث بثمن الهدي , فإذا نحر حل وعليه العمرة . * حدثني محمد بن المثنى , قال : ثنا محمد بن جعفر , قال : ثنا شعبة , عن الحكم , قال : سمعت إبراهيم النخعي يحدث عن عبد الرحمن بن يزيد , قال : أهل رجل منا بعمرة , فلدغ , فطلع ركب فيهم عبد الله بن مسعود , فسألوه , فقال : يبعث بهدي , واجعلوا بينكم وبينه يوما أمارا , فإذا كان ذلك اليوم فليحلل . وقال عمارة بن عمير : وكان حسبك به عن عبد الرحمن بن يزيد , عن عبد الله : وعليه العمرة من قابل . * حدثني أبو السائب , قال : ثنا أبو معاوية , عن الأعمش , عن عمارة , عن عبد الرحمن بن يزيد , قال : خرجنا عمارا , فلما كنا بذات الشقوق لدغ صاحب لنا , فاعترضنا للطريق نسأل عما نصنع به , فإذا عبد الله بن مسعود في ركب , فقلنا له : لدغ صاحب لنا , فقال : اجعلوا بينكم وبين صاحبكم يوما , وليرسل بالهدي , فإذا نحر الهدي فليحلل , ثم عليه العمرة . * حدثني يعقوب , قال : ثنا هشيم , عن الحجاج , قال : حدثني عبد الرحمن بن الأسود , عن أبيه , عن ابن مسعود : أن عمرو بن سعيد النخعي أهل بعمرة , فلما بلغ ذات الشقوق لدغ بها , فخرج أصحابه إلى الطريق يتشوفون الناس , فإذا هم بابن مسعود , فذكروا فإذا ذبح الهدي فليحلل , وعليه قضاء عمرته . 2681 - حدثني المثنى , قال : ثنا أبو صالح , قال : ثني معاوية , عن علي , عن ابن عباس : فإن أحصرتم فما استيسر من الهدي يقول : من أحرم بحج أو عمرة , ثم حبس عن البيت بمرض يجهده أو عذر يحبسه , فعليه ذبح ما استيسر من الهدي , شاة فما فوقها يذبح عنه . فإن كانت حجة الإسلام , فعليه قضاؤها , وإن كانت حجة بعد حجة الفريضة أو عمرة فلا قضاء عليه . ثم قال : ولا تحلقوا رءوسكم حتى يبلغ الهدي محله فإن كان أحرم بالحج فمحله يوم النحر , و

الصفحة السابقة الصفحة التالية