تفسير سورة الشعراء الصفحة 371 من القرآن الكريم

تفسير الصفحة رقم 371 من المصحف


وَٱجْعَل لِّى لِسَانَ صِدْقٍ فِى ٱلْءَاخِرِينَ (84)


قوله تعالى : واجعل لي لسان صدق في الآخرين قال ابن عباس : هو اجتماع الأمم عليه . وقال مجاهد : هو الثناء الحسن . قال ابن عطية : هو الثناء وخلد المكانة بإجماع المفسرين ; وكذلك أجاب الله دعوته ، وكل أمة تتمسك به وتعظمه ، وهو على الحنيفية التي جاء بها محمد صلى الله عليه وسلم . وقال مكي : وقيل معناه سؤاله أن يكون من ذريته في آخر الزمان من يقوم بالحق ; فأجيبت الدعوة في محمد صلى الله عليه وسلم ، قال ابن عطية : وهذا معنى حسن إلا أن لفظ الآية لا يعطيه إلا بتحكم على اللفظ . وقال القشيري : أراد الدعاء الحسن إلى قيام الساعة ; فإن زيادة الثواب مطلوبة في حق كل أحد .قلت : وقد فعل الله ذلك إذ ليس أحد يصلي على النبي صلى الله عليه وسلم إلا وهو يصلي على إبراهيم وخاصة في الصلوات ، وعلى المنابر التي هي أفضل الحالات وأفضل الدرجات . والصلاة دعاء بالرحمة . والمراد ب " اللسان " القول ، وأصله جارحة الكلام . قال القتبي : وموضع اللسان موضع القول على الاستعارة ، وقد تكني العرب بها عن الكلمة . قال الأعشى :إني أتتني لسان لا أسر بها من علو لا عجب منها ولا سخرقال الجوهري : يروى من علو بضم الواو وفتحها وكسرها . أي أتاني خبر من أعلى ، والتأنيث للكلمة . وكان قد أتاه خبر مقتل أخيه المنتشر . روى أشهب عن مالك قال قال الله عز وجل : واجعل لي لسان صدق في الآخرين لا بأس أن يحب الرجل أن يثنى عليه صالحا ويرى في عمل الصالحين ، إذا قصد به وجه الله تعالى ; وقد قال الله تعالى : وألقيت عليك محبة مني وقال : إن الذين آمنوا وعملوا الصالحات سيجعل لهم الرحمن ودا أي حبا في قلوب عباده وثناء حسنا ، فنبه تعالى بقوله : واجعل لي لسان صدق في الآخرين على استحباب اكتساب ما يورث الذكر الجميل . الليث بن سليمان : إذ هي الحياة الثانية . قيل :قد مات قوم وهم في الناس أحياءقال ابن العربي : قال المحققون من شيوخ الزهد : في هذا دليل على الترغيب في العمل الصالح الذي يكسب الثناء الحسن ، قال النبي صلى الله عليه وسلم : إذا مات ابن آدم انقطع عمله إلا من ثلاث الحديث . وفي رواية إنه كذلك في الغرس والزرع وكذلك فيمن مات مرابطا يكتب له عمله إلى يوم القيامة . وقد بيناه في آخر " آل عمران " والحمد لله .

وَٱجْعَلْنِى مِن وَرَثَةِ جَنَّةِ ٱلنَّعِيمِ (85)


دعاء بالجنة وبمن يرثها , وهو يرد قول بعضهم : لا أسأل جنة ولا نارا .

وَٱغْفِرْ لِأَبِىٓ إِنَّهُۥ كَانَ مِنَ ٱلضَّآلِّينَ (86)


قوله تعالى : واغفر لأبي كان أبوه وعده في الظاهر أن يؤمن به فاستغفر له لهذا ، فلما بان أنه لا يفي بما قال تبرأ منه . وقد تقدم هذا المعنى . إنه كان من الضالين أي المشركين . و " كان " زائدة .

وَلَا تُخْزِنِى يَوْمَ يُبْعَثُونَ (87)


ولا تخزني يوم يبعثون أي لا تفضحني على رءوس الأشهاد ، أو : لا تعذبني يوم القيامة . وفي البخاري عن أبي هريرة عن النبي صلى الله عليه وسلم قال : إن إبراهيم يرى أباه يوم القيامة عليه الغبرة والقترة والغبرة هي القترة . وعنه عن النبي صلى الله عليه وسلم قال : يلقى إبراهيم أباه فيقول يا رب إنك وعدتني ألا تخزني يوم يبعثون فيقول الله تعالى إني حرمت الجنة على الكافرين انفرد بهما البخاري رحمه الله .

يَوْمَ لَا يَنفَعُ مَالٌ وَلَا بَنُونَ (88)


قوله تعالى : يوم لا ينفع مال ولا بنون ( يوم ) بدل من ( يوم ) الأول . أي يوم لا ينفع مال ولا بنون أحدا . والمراد بقوله : " ولا بنون " الأعوان ; لأن الابن إذا لم ينفع فغيره متى ينفع ؟ وقيل : ذكر البنين لأنه جرى ذكر والد إبراهيم ، أي لم ينفعه إبراهيم .

إِلَّا مَنْ أَتَى ٱللَّهَ بِقَلْبٍ سَلِيمٍ (89)


إلا من أتى الله بقلب سليم هو استثناء من الكافرين ; أي لا ينفعه ماله ولا بنوه . وقيل : هو استثناء من غير الجنس ، أي لكن من أتى الله بقلب سليم ينفعه لسلامة قلبه . وخص القلب بالذكر ; لأنه الذي إذا سلم سلمت الجوارح ، وإذا فسد فسدت سائر الجوارح . وقد تقدم في أول ( البقرة ) . واختلف في القلب السليم فقيل : من الشك والشرك ، فأما الذنوب فليس يسلم منها أحد ; قاله قتادة وابن زيد وأكثر المفسرين . وقال سعيد بن المسيب : القلب السليم الصحيح هو قلب المؤمن ; لأن قلب الكافر والمنافق مريض ; قال الله تعالى : في قلوبهم مرض وقال أبو عثمان السياري : هو القلب الخالي عن البدعة المطمئن إلى السنة . وقال الحسن : سليم من آفة المال والبنين . وقال الجنيد : السليم - في اللغة - اللديغ ; فمعناه أنه قلب كاللديغ من خوف الله . وقال الضحاك : السليم : الخالص .قلت : وهذا القول يجمع شتات الأقوال بعمومه وهو حسن ، أي الخالص من الأوصاف الذميمة ، والمتصف بالأوصاف الجميلة ; والله أعلم . وقد روي عن عروة أنه قال : يا بني لا تكونوا لعانين فإن إبراهيم لم يلعن شيئا قط ، قال الله تعالى : إذ جاء ربه بقلب سليم . وقال محمد بن سيرين : القلب السليم أن يعلم أن الله حق ، وأن الساعة قائمة ، وأن الله يبعث من في القبور . وفي صحيح مسلم من حديث أبي هريرة عن النبي صلى الله عليه وسلم قال : يدخل الجنة أقوام أفئدتهم مثل أفئدة الطير يريد - والله أعلم - أنها مثلها في أنها خالية من كل ذنب ، سليمة من كل عيب ، لا خبرة لهم بأمور الدنيا ; كما روى أنس بن مالك قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : أكثر أهل الجنة البله وهو حديث صحيح . أي البله عن معاصي الله . قال الأزهري : الأبله هنا هو الذي طبع على الخير وهو غافل عن الشر لا يعرفه . وقال القتبي : البله هم الذين غلبت عليهم سلامة الصدور وحسن الظن بالناس .

وَأُزْلِفَتِ ٱلْجَنَّةُ لِلْمُتَّقِينَ (90)


قوله تعالى : وأزلفت الجنة للمتقين أي قربت وأدنيت ليدخلوها . وقال الزجاج : قرب دخولهم إياها .

وَبُرِّزَتِ ٱلْجَحِيمُ لِلْغَاوِينَ (91)


و " برزت " أي أظهرت " الجحيم " يعني جهنم . للغاوين أي الكافرين الذين ضلوا عن الهدى . أي تظهر جهنم لأهلها قبل أن يدخلوها حتى يستشعروا الروع والحزن ، كما يستشعر أهل الجنة الفرح لعلمهم أنهم يدخلون الجنة .

وَقِيلَ لَهُمْ أَيْنَ مَا كُنتُمْ تَعْبُدُونَ (92)


وقيل لهم أين ما كنتم تعبدون من دون الله من الأصنام والأنداد

مِن دُونِ ٱللَّهِ هَلْ يَنصُرُونَكُمْ أَوْ يَنتَصِرُونَ (93)


هل ينصرونكم من عذاب الله أو ينتصرون لأنفسهم . وهذا كله توبيخ .

فَكُبْكِبُوا۟ فِيهَا هُمْ وَٱلْغَاوُۥنَ (94)


فكبكبوا فيها أي قلبوا على رءوسهم . وقيل : دهوروا وألقي بعضهم على بعض . وقيل : جمعوا . مأخوذ من الكبكبة وهي الجماعة ; قاله الهروي . وقال النحاس : هو مشتق من كوكب الشيء أي معظمه . والجماعة من الخيل كوكب وكبكبة . وقال ابن عباس : جمعوا فطرحوا في النار . وقال مجاهد : دهوروا . وقال مقاتل : قذفوا . والمعنى واحد . تقول : دهورت الشيء إذا جمعته ثم قذفته في مهواة . يقال : هو يدهور اللقم إذا كبرها . ويقال في الدعاء : كب الله عدو المسلمين ولا يقال أكبه . وكبكبه ، أي كبه وقلبه . ومنه قوله تعالى : فكبكبوا فيها والأصل كببوا فأبدل من الباء الوسطى كاف استثقالا لاجتماع الباءات . قال السدي : الضمير في " كبكبوا " لمشركي العرب هم والغاوون الآلهة .

وَجُنُودُ إِبْلِيسَ أَجْمَعُونَ (95)


وجنود إبليس أجمعون من كان من ذريته . وقيل : كل من دعاه إلى عبادة الأصنام فاتبعه . وقال قتادة والكلبي ومقاتل : الغاوون هم الشياطين . وقيل : إنما تلقى الأصنام في النار وهي حديد ونحاس ليعذب بها غيرهم .

قَالُوا۟ وَهُمْ فِيهَا يَخْتَصِمُونَ (96)


يعني الإنس والشياطين والغاوين والمعبودين اختصموا حينئذ .

تَٱللَّهِ إِن كُنَّا لَفِى ضَلَٰلٍ مُّبِينٍ (97)


تَاللَّهِحلفوا بالله إِنْ كُنَّا لَفِي ضَلَالٍ مُبِينٍأي في خسار وتبار وحيرة عن الحق بينة إذا اتخذنا مع الله آلهة فعبدناها كما يعبد .

إِذْ نُسَوِّيكُم بِرَبِّ ٱلْعَٰلَمِينَ (98)


أي في العبادة وأنتم لا تستطيعون الآن نصرنا ولا نصر أنفسكم .

وَمَآ أَضَلَّنَآ إِلَّا ٱلْمُجْرِمُونَ (99)


يعني الشياطين الذين زينوا لنا عبادة الأصنام .وقيل : أسلافنا الذين قلدناهم .قال أبو العالية وعكرمة : " المجرمون " إبليس وابن آدم القاتل هما أول من سن الكفر والقتل وأنواع المعاصي .

فَمَا لَنَا مِن شَٰفِعِينَ (100)


أي شفعاء يشفعون لنا من الملائكة والنبيين والمؤمنين .

وَلَا صَدِيقٍ حَمِيمٍ (101)


ولا صديق حميم أي صديق مشفق ; وكان علي رضي الله عنه يقول : عليكم بالإخوان فإنهم عدة الدنيا وعدة الآخرة ; ألا تسمع إلى قول أهل النار : فما لنا من شافعين ولا صديق حميم الزمخشري : وجمع الشافع لكثرة الشافعين ووحد الصديق لقلته ; ألا ترى أن الرجل إذا امتحن بإرهاق ظالم مضت جماعة وافرة من أهل بلده لشفاعته ; رحمة له وحسبة وإن لم تسبق له بأكثرهم معرفة ; وأما الصديق فهو الصادق في ودادك الذي يهمه ما يهمك فأعز من بيض الأنوق ; وعن بعض الحكماء أنه سئل عن الصديق فقال : اسم لا معنى له . ويجوز أن يريد بالصديق الجمع والحميم القريب والخاص ; ومنه حامة الرجل أي أقرباؤه . وأصل هذا من الحميم وهو الماء الحار ; ومنه الحمام والحمى ; فحامة الرجل الذين يحرقهم ما أحرقه ; يقال : وهم حزانته أي يحزنهم ما يحزنه . ويقال : حم الشيء وأحم : إذا قرب ، ومنه الحمى ; لأنها تقرب من الأجل . وقال علي بن عيسى : إنما سمي القريب حميما ; لأنه يحمى لغضب صاحبه ، فجعله مأخوذا من الحمية . وقال قتادة : يذهب الله عز وجل يوم القيامة مودة الصديق ورقة الحميم . ويجوز : ( ولا صديق حميم ) بالرفع على موضع من شافعين لأن ( من شافعين ) في موضع رفع . وجمع صديق أصدقاء وصدقاء وصداق . ولا يقال صدق للفرق بين النعت وغيره . وحكى الكوفيون : أنه يقال في جمعه صدقان . النحاس : وهذا بعيد ; لأن هذا جمع ما ليس بنعت نحو رغيف ورغفان . وحكوا أيضا صديق وأصادق . و " أفاعل " إنما هو جمع " أفعل " إذا لم يكن نعتا نحو أشجع وأشاجع . ويقال : صديق للواحد والجماعة وللمرأة ; قال الشاعر [ جرير ] :نصبن الهوى ثم ارتمين قلوبنا بأعين أعداء وهن صديقويقال : فلان صديقي أي أخص أصدقائي ، وإنما يصغر على جهة المدح ; كقول حباب بن المنذر : ( أنا جذيلها المحكك ، وعذيقها المرجب ) ذكره الجوهري . النحاس : وجمع " حميم " أحماء وأحمة وكرهوا أفعلاء للتضعيف .

فَلَوْ أَنَّ لَنَا كَرَّةً فَنَكُونَ مِنَ ٱلْمُؤْمِنِينَ (102)


فلو أن لنا كرة فنكون من المؤمنين ( أن ) في موضع رفع ، المعنى ولو وقع لنا رجوع إلى الدنيا لآمنا حتى يكون لنا شفعاء . تمنوا حين لا ينفعهم التمني . وإنما قالوا ذلك حين شفع الملائكة والمؤمنون . قال جابر بن عبد الله قال النبي صلى الله عليه وسلم : إن الرجل ليقول في الجنة ما فعل فلان وصديقه في الجحيم فلا يزال يشفع له حتى يشفعه الله فيه فإذا نجا قال المشركون : فما لنا من شافعين ولا صديق حميم . وقال الحسن : ما اجتمع ملأ على ذكر الله ، فيهم عبد من أهل الجنة إلا شفعه الله فيهم ، وإن أهل الإيمان ليشفع بعضهم في بعض وهم عند الله شافعون مشفعون . وقال كعب : إن الرجلين كانا صديقين في الدنيا ، فيمر أحدهما بصاحبه وهو يجر إلى النار ، فيقول له أخوه : والله ما بقي لي إلا حسنة واحدة أنجو بها ، خذها أنت يا أخي فتنجو بها مما أرى ، وأبقى أنا وإياك من أصحاب الأعراف . قال : فيأمر الله بهما جميعا فيدخلان الجنة .

إِنَّ فِى ذَٰلِكَ لَءَايَةً وَمَا كَانَ أَكْثَرُهُم مُّؤْمِنِينَ (103)


إن في ذلك لآية وما كان أكثرهم مؤمنين تقدم والحمد لله .

وَإِنَّ رَبَّكَ لَهُوَ ٱلْعَزِيزُ ٱلرَّحِيمُ (104)


يريد المنيع المنتقم من أعدائه , الرحيم بأوليائه .

كَذَّبَتْ قَوْمُ نُوحٍ ٱلْمُرْسَلِينَ (105)


قوله تعالى : كذبت قوم نوح المرسلين قال " كذبت " والقوم مذكر ; لأن المعنى كذبت جماعة قوم نوح ، وقال : المرسلين لأن من كذب رسولا فقد كذب الرسل ; لأن كل رسول يأمر بتصديق جميع الرسل . وقيل : كذبوا نوحا في النبوة وفيما أخبرهم به من مجيء المرسلين بعده . وقيل : ذكر الجنس والمراد نوح عليه السلام . وقد مضى هذا في ( الفرقان ) .

إِذْ قَالَ لَهُمْ أَخُوهُمْ نُوحٌ أَلَا تَتَّقُونَ (106)


إذ قال لهم أخوهم نوح أي ابن أبيهم وهي أخوة نسب لا أخوة دين . وقيل : هي أخوة المجانسة . قال الله تعالى : وما أرسلنا من رسول إلا بلسان قومه وقد مضى هذا في ( الأعراف ) . وقيل : هو من قول العرب يا أخا بني تميم . يريدون يا واحدا منهم . الزمخشري : ومنه بيت الحماسة :لا يسألون أخاهم حين يندبهم في النائبات على ما قال برهاناألا تتقون أي ألا تتقون الله في عبادة الأصنام .

إِنِّى لَكُمْ رَسُولٌ أَمِينٌ (107)


إني لكم رسول أمين أي صادق فيما أبلغكم عن الله تعالى . وقيل : أمين فيما بينكم ; فإنهم كانوا عرفوا أمانته وصدقه من قبل كمحمد صلى الله عليه وسلم في قريش .

فَٱتَّقُوا۟ ٱللَّهَ وَأَطِيعُونِ (108)


فاتقوا الله أي فاستتروا بطاعة الله تعالى من عقابه .وأطيعون فيما آمركم به من الإيمان .

وَمَآ أَسْـَٔلُكُمْ عَلَيْهِ مِنْ أَجْرٍ إِنْ أَجْرِىَ إِلَّا عَلَىٰ رَبِّ ٱلْعَٰلَمِينَ (109)


وما أسألكم عليه من أجر أي لا طمع لي في مالكم . إن أجري إلا على رب العالمين أي ما جزائي إلا على رب العالمين .

فَٱتَّقُوا۟ ٱللَّهَ وَأَطِيعُونِ (110)


فاتقوا الله وأطيعون كرر تأكيدا .

قَالُوٓا۟ أَنُؤْمِنُ لَكَ وَٱتَّبَعَكَ ٱلْأَرْذَلُونَ (111)


قوله تعالى : قالوا أنؤمن لك واتبعك الأرذلون فيه مسألتان : الأولى : قوله تعالى : قالوا أنؤمن لك أي نصدق قولك . واتبعك الأرذلون الواو للحال وفيه إضمار " قد " أي وقد اتبعك . الأرذلون جمع الأرذل ، المكسر : الأراذل ، والأنثى : الرذلى ، والجمع : الرذل . قال النحاس : ولا يجوز حذف الألف واللام في شيء من هذا عند أحد من النحويين علمناه . وقرأ ابن مسعود والضحاك ويعقوب الحضرمي وغيرهم ( وأتباعك الأرذلون ) . النحاس : وهي قراءة حسنة ; وهذه الواو أكثرها تتبعها الأسماء والأفعال ب " قد " . وأتباع جمع تبع وتبيع يكون للواحد والجمع . قال الشاعر :له تبع قد يعلم الناس أنه على من يداني صيف وربيعارتفاع ( أتباعك ) يجوز أن يكون بالابتداء و ( الأرذلون ) الخبر ; التقدير أنؤمن لك وإنما أتباعك الأرذلون . ويجوز أن يكون معطوفا على الضمير في قوله : أنؤمن لك والتقدير : أنؤمن لك نحن وأتباعك الأرذلون فنعد منهم ; وحسن ذلك الفصل بقوله : " لك " وقد مضى القول في الأراذل في سورة ( هود ) مستوفى . ونزيده هنا بيانا وهي المسألة :الثانية : فقيل : إن الذين آمنوا به بنوه ونساؤه وكناته وبنو بنيه . واختلف هل كان معهم غيرهم أم لا . وعلى أي الوجهين كان فالكل صالحون ; وقد قال نوح : ونجني ومن معي من المؤمنين والذين معه هم الذين اتبعوه ، ولا يلحقهم من قول الكفرة شين ولا ذم بل الأرذلون هم المكذبون لهم . قال السهيلي : وقد أغري كثير من العوام بمقالة رويت في تفسير هذه الآية : هم الحاكة والحجامون . ولو كانوا حاكة كما زعموا لكان إيمانهم بنبي الله واتباعهم له مشرفا كما تشرف بلال وسلمان بسبقهما للإسلام ; فهما من وجوه أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم ومن أكابرهم ، فلا ذرية نوح كانوا حاكة ولا حجامين ، ولا قول الكفرة في الحاكة والحجامين إن كانوا آمنوا به " أرذلون " ما يلحق اليوم بحاكتنا ذما ولا نقصا ; لأن هذه حكاية عن قول الكفرة إلا أن يجعل الكفرة حجة ومقالتهم أصلا ; وهذا جهل عظيم وقد أعلم الله تعالى أن الصناعات ليست بضائرة في الدين .

الصفحة السابقة الصفحة التالية